سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/09‏/2021

فولتير وأسلوب النقد

 

فولتير وأسلوب النقد

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلِد الأديب والفيلسوف الفرنسي فولتير ( 1694_ 1778) في باريس . اسمه الحقيقي فرانسوا ماري آروويه . وكان الأخ الأصغر لخمسة مِن الأطفال ، والطفل الوحيد الذي عاش منهم. كان والده يعمل مُوَظَّفًا رسميًّا صغيرًا في وزارة المالية. وكانت والدته تنحدر من أصول نبيلة.

     تلقى فولتير تعليمه في إحدى مدارس اليسوعيين ( 1704_ 1711) ، حيث تعلم اللغة اللاتينية ، كما أصبح في فترة لاحقة من حياته بارعًا في اللغتين الإسبانية والإنجليزية .

     عندما أنهى فولتير دراسته، كان قد عقد العزم على أن يصبح كاتبًا بالرغم مِن أن والده كان يريد أن يصبح ابنه محاميًا.ولكن فولتير_الذي تظاهر بأنه يعمل في باريس في مهنة مُساعد مُحامٍ_ كان يقضي معظم وقته في كتابة الشِّعر الهجائي . وعندما اكتشف والده الأمر أرسله لدراسة القانون ، ولكن هذه المرة في المقاطعات الفرنسية البعيدة عن العاصمة .

     استطاع والد فولتير أن يحصل لابنه على وظيفة سكرتير السفير الفرنسي في هولندا ، حيث وقع فولتير في هوى لاجئة فرنسية ، ونجح والده في إحباط محاولتهما للفرار معًا ، والتي ألحقت الخزي به ، وتم إجبار فولتير على العودة إلى فرنسا مرةً أخرى .

     دارت معظم السنوات الأولى من حياة فولتير في فلك واحد وهو باريس. ومنذ تلك السنوات المبكرة _ وما تلاها من سنوات عمره _ دخل فولتير في مشكلات مع السُّلطات بسبب هجومه المتحمِّس على الحكومة وعلى الكنيسة الكاثوليكية . وقد أدَّت به هذه الأنشطة إلى تعرُّضه للسجن والنفي لمرات عديدة .

     قام فولتير بكتابة أول أعماله المسرحية"أوديب" في سِجن الباستيل، وكان نجاح هذه المسرحية هو أول ركائز شهرته الأدبية . ويعتبر الكثيرون أن اتخاذه لاسم "فولتير" الذي جاء بعد الفترة التي تَمَّ فيها سجنه في الباستيل ، علامة على انفصاله الرسمي عن عائلته وماضيه .

     تعلم فولتير الدرس مِن مُناوشاته السابقة مع السُّلطات ، وابتعدَ عن كل ما يُسبِّب له الأذى الشخصي،وتَخَلَّصَ مِن أيَّة مسؤولية قد تُعرِّضه للخطر. وواصلَ كتاباته، ونشر بعضًا من مسرحياته بالإضافة إلى بعض القصص القصيرة . 

     كتب فولتير مقالاً يعرض السيرة الذاتية للملك تشارلز الثاني عشر ، وهو المقال الذي يُعتبَر بداية لكتابات فولتير التي انتقد فيها التَّعصب . وقد جعله ذلك المقال مُؤرِّخًا للبلاط الملكي .

     في عام 1751 ، انتقل إلى مدينة بوتسدام ليعيش إلى جوار فريدريك الأكبر ( ملك بروسيا) الذي كان صديقًا مُقَرَّبًا منه ومُعْجَبًا بأدبه . وقد قام الملك بدعوته بشكل متكرر إلى قصره ، ثم منحه مُرَتَّبًا سنويًّا يبلغ عشرين ألف فرنك .

     وفي عام 1764 ، نشر فولتير أكثر أعماله الفلسفية أهمية التي ينتقد فيه الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وغيرها من المؤسسات ، وهو " المعجم الفلسفي " .

     في سنوات عمره المبكرة ، ظهرت موهبة فولتير الشِّعرية ، وكتب عِدَّة قصائد . ثُمَّ توجَّه إلى القصص النثرية ، وكانت قصته المعروفة باسم " الساذج " ( 1759) تهاجم التفاؤلَ الديني والفلسفي . بينما كان عمله " الرجل ذو الأربعين دينارًا " يهاجم بعض الأساليب الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في ذلك العصر . أمَّا روايته " صادق " ( 1747) وغيرها من أعماله ، فقد هاجم فيها الأفكار التي يتم تناقلها عبر الأجيال والخاصة بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها العقيدة الأرثوذكسية، وكان هدفه من هذه الكتابات هو السُّخرية مِن " الكتاب المقدَّس " .

     وفي هذه الأعمال ، يتَّضح أسلوب فولتير الساخر البعيد عن المبالغة ، ويتَّضح بوجه خاص التحفظ والبساطة في المعالجة اللفظية لهذه الأعمال.ويمكن اعتبار روايته القصيرة" الساذج" بوجه خاص ، هي أفضل النماذج على أسلوبه الأدبي .

     تشترك كتابات فولتير الأدبية مع أعماله الأخرى ، في استخدامها بوجه عام لأسلوب النقد، بالإضافة إلى التنوع في الموضوعات التي يتناولها. فقد كان يسبق كل أعماله الأساسية ، سواء التي كتبها في قالب شعري أم نثري،تمهيدٌ يمكن اعتباره نموذجًا لنبرة السخرية اللاذعة التي تُميِّز أعماله، والتي لَم تمنعه من استخدام تلك اللغة العادية المستخدمة في أحاديث الناس . وقد كان فولتير كاتبًا غزير الإنتاج. قام بكتابة أعمال في كل الأشكال الأدبية تقريبًا ، فقد كتب المسرحيات والشِّعر والروايات والمقالات والأعمال التاريخية والعلمية ، وأكثر من عشرين ألف رسالة .

     وبسبب انتقاده المعروف للكنيسة الذي رفض أن يتراجع عنه قبل وفاته، لَم يتم السماح بدفن فولتير وَفْقًا للشعائر الكاثوليكية . وعلى الرغم من ذلك، فقد تمكن أصدقاؤه مِن دفن جثمانه سِرًّا في إحدى الكنائس الكبيرة في مقاطعة شامباين ، قبل أن يتم الإعلان رسميًّا عن قرار منع الدفن .

     وقد تم تحنيط قلبه ومُخه بشكل منفصل. وفي يوليو 1791 ، اعتبرته الجمعية الوطنية الفرنسية واحدًا مِمَّن بشَّروا باندلاع الثورة الفرنسية ، وَتَمَّت استعادة رُفاته للاحتفاظ به في مقبرة عُظماء الأُمَّة ، تكريمًا له .

29‏/09‏/2021

فواديسواف ريمونت وحياة الريف

 

فواديسواف ريمونت وحياة الريف

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     وُلِدَ الأديب البولندي فواديسواف ريمونت ( 1867_ 1925) في قرية كوبيل فيلكي بوسط بولندا ، وكانت في ذلك الوقت واقعة تحت السيطرة الروسية . تعلَّم القراءة والكتابة على يد قِس محلي في القرية. ثم تلقى تعليمًا نظاميًّا في المدارس. أرسله والده إلى وارسو (عاصمة بولندا) في عام 1885، من أجل تعلُّم إحدى المهن ، وذلك في رعاية شقيقته الكبرى وزوجها . وقد تَعَلَّمَ مهنة الخِيَاطة، لكنه رفض العمل كخيَّاط ، وهذا أزعج عائلته بشدة ، لأنها شعرت أن مستقبله في خطر. أحبَّ العملَ في المسارح ، والسفرَ مع الفِرَق المسرحية، فعمل ممثلاً متجوِّلاً ، لكنه لَم ينجح في هذا المجال ، ولَم يستطع جمع الأموال . ورجع إلى أهله مُفْلِسًا . وبفضل والده ، استطاع الحصول على وظيفة عامل في السِّكَك الحديدية . وقد هرب مَرَّتين من هذه الوظيفة . المرة الأولى في عام 1888 ، حيث سافر إلى باريس ولندن . والمرة الثانية ، هرب من أجل الانضمام إلى إحدى الفِرَق المسرحية . لكنه فشل في إثبات نفْسه كَمُمثِّل بسبب انعدام الموهبة ، فعادَ إلى الوطن مرة أخرى . استقرَّ في وارسو ، وقرَّر أن يتفرَّغ للكتابة ، فعمل كَمُراسِل لإحدى الصُّحف ، وزار عِدَّة عواصم أوروبية ، مِن بينها برلين وبروكسل ولندن ، وسافر إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى . بدأ ريمونت في كتابة القصص القصيرة ، وزار مكاتب التحرير في مختلف الصحف والمجلات ، وقد اهتمَّ بعض المسؤولين بكتاباته ، واقتنعوا بإمكانياته الأدبية . في عام 1894 ، ذهب في رحلة إلى الحج إلى شيستوشوا ( ثالث أكبر موقع حج كاثوليكي في العالَم ) ، وقد كتب تفاصيل هذه الرحلة الروحية في كتابه " الحج إلى جبل النُّور " الذي نُشر في عام 1895 ، ويُعتبَر هذا الكتاب تجسيدًا لأدب الرحلات في صورته الكلاسيكية .

     لَم يستطع الأدبُ أن يُوفِّر له مصدر دخل ثابتًا ، فعاشَ حياةً فقيرة ، ولَم يتمكن من ممارسة هوايته في السَّفر بسبب غياب الموارد المالية . لكنه في عام 1900 ، حصل على أربعين ألف روبل ( العملة الروسية ) ، كتعويض من مؤسسة السكك الحديدية ، وذلك بعد تعرُّضه لحادث خطير وإصابته بجروح بالغة . وأثناء رحلة العلاج ، تعرَّف على إحدى النساء ، وتزوَّجها في عام 1902 بعد أن قام بدفع قيمة فسخ زواجها السابق . وقد استغل التعويض المالي الذي حصل عليه لتحقيق طُموحه بأن يُصبح أحد مُلاك الأراضي ، فاشترى عقارات في عام 1912 ، لكنه فشل في إدارتها. 

     كتب ريمونت العديد من الروايات ، أشهرها على الإطلاق رواية " الفلاحون " التي نشرها عام 1904 ، وكتبها أثناء فترة إقامته في منطقة النورماندي الواقعة في شمال فرنسا ، وهي الرواية التي نال عنها جائزة نوبل للآداب عام 1924. وهذه الرواية الضخمة التي تقع في أربعة مجلدات ، تُجسِّد فلسفة الكاتب في حياته ، فقد عارضَ آراء المفكِّرين الذين آمَنوا بالتصنيع ، وانتقلَ من حياة المدينة إلى حياة الريف ، وصار الريف هو الركيزة الأساسية في أعماله القصصية . وهذا يُشير إلى قناعة الكاتب بأهمية العودة إلى الطبيعة ، وأن الأرض هي مستقبل الإنسان ، وليس الآلة الصناعية ، وعلى الإنسان العودة إلى التراب بإرادته قبل أن يعود إليه رغم أنفه ( بالموت ) .

     لقد رفض ريمونت الثورة الصناعية ، واعتبرها خطرًا حقيقيًّا على وجود الإنسان وأحلامه وذكرياته . فهذه الثورة حوَّلت الإنسان إلى آلة بلا مشاعر ، تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة في مجتمع استهلاكي متوحش ، ليس لديه وقت للمشاعر الإنسانية ، والأحاسيس الحياتية .

     وقد مَزَجَ هذه الأفكار بالسُّخرية ، وخلطها بشريعة الغاب ، حيث تغيب الأفكار النبيلة ، وتنهار الأخلاق ، وتتساقط المشاعر ، وينقلب الإنسان على نفْسه ، ويُقاتل أخاه الإنسان من أجل التصنيع الوحشي والتَّحضر الزائف ، ويتم قتل الإنسان والطبيعة معًا .

     اهتمَّ ريمونت في كتاباته بالواقع المادي والعادات والسلوك والثقافة الروحية للشعب . وكان يستخدم لهجة الفلاحين البولنديين في الحوار والسرد ، وكان حريصًا على إظهار إيقاع الحياة اليومية مع البساطة الصارمة والأحلام الضائعة . وكانت كتاباته مرجعًا للتجربة الإنسانية والحياة الروحية العميقة ، ولَم يكن لديه أفكار عقائدية أو تعليمية ، فلم يهتم بالمذاهب الفكرية ، وإنما اهتمَّ بطبيعة الحياة ، وأفكار الناس ، والإحساس بالواقع الْمُعاش .

     كان آخر مؤلفات ريمونت بعنوان " نَطحة " ، ونُشر عام 1924 ، ويصف فيه تمرُّد الحيوانات في المزرعة من أجل المساواة ونَيل حقوقها ، كما يصف ما يحدث في المزرعة من اعتداء وإرهاب دموي . والقصة كناية عن الثورة البُلشفية ( 1917 ) . وقد مُنع الكتاب في بُولندا الشيوعية في الفترة ما بين ( 1945_ 1989 )، جنبًا إلى جنب مع رواية جورج أورويل الشهيرة " مزرعة الحيوان " التي نُشرت في بريطانيا عام 1945. ومن غير المعروف ما إذا كان أورويل قد تأثَّر بأجواء رواية ريمونت الممنوعة .

     من أبرز أعماله : المُخادِع ( 1896) . أرض الميعاد ( 1898 ) . الفلاحون ( 1904_ 1909) . الحالم ( 1910) . مصَّاص الدماء ( 1911) . نَطحة " الثورة " ( 1924) .

28‏/09‏/2021

فلهلم دلتاي وفلسفة الحياة

 

فِلهِلم دِلتاي وفلسفة الحياة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

......................

     وُلد الفيلسوف الألماني فِلهِلم دِلتاي ( 1833_ 1911 ) في بيبرش في أسرة دينية . ودرس اللاهوت والفلسفة في جامعتَي هايدلبرغ وبرلين . خَلَفَ لوتسه بجامعة برلين ، وتأثَّرَ بفلسفة كُل مِن كانت وهيغل وشلايرماخر، وبالتجريبية البريطانية . وأطلقَ على فلسفته اسم " فلسفة الحياة".

     والحياة التي يقصدها دلتاي هي الحياة الإنسانية بكل تعقيداتها المعروفة ، وهي مُركَّب من هذا العدد الذي لا حد له من الحيَوات الفردية التي تُؤلِّف الواقع الاجتماعي والتاريخي لحياة الإنسانية كُلِّها، والتي تدخل فيها آمال الأفراد ومخاوفهم وأفكارهم وأفعالهم والمؤسسات التي يقيمونها، والقوانين التي يَسترشدون بها، والديانات التي يعتنقونها، وكل الأعمال الفنية والأدبية والمذاهب الفلسفية والنظريات العلمية . والحياة بهذا المعنى هي موضوع الفلسفة الوحيد .

     يُوصَف دلتاي بأنه تجريبي مُتشدِّد ، فهو لا يؤمن بوجود أي شكل مُتعالٍ أو محايد للحياة ، ولا يعتقد بوجود حياة خارج هذه الحياة ، ولا بوجود شيء في ذاته . وهو يرى أن الفيلسوف جزء من الحياة ، ولا يمكنه فهم الحياة إلا من داخلها ، وكل التجارب والأفكار من الحياة، فلا وجود لمعايير مُطْلقة خارج التجربة . والحياة عند دِلتاي كُل مُنظَّم له معناه. والفيلسوف يبدأ بالمعاني التي يُعطيها الناس للحياة، ويُشاركهم المبادئ التي يستخدمونها في تنظيم خبراتهم ، ويُسمِّيها دلتاي " مقولات الحياة " على طريقة " مقولات كانت ". وهي: مقولة الباطن والظاهر الداخلي والخارجي، ومقولة الكُل والجزء، ومقولة الغاية والوسيلة، ومقولة النمو والتطور، ومقولة القيمة، ومقولة الهدف، ومقولة المعنى. لكن دلتاي يرفض الاستنباط المتعالي ، ويعتبر المقولات تعميمات تجريبية . وهي تُمارس تأثيرها تحت المستوى الشعوري ، إذ يُضفي الإنسان على خبرته معنى يستخدم المقولة التي يتحقق بها ذلك ، فَيُنظِّم ويُؤوِّل الحياة شعوريًّا بهدوء ورَوِيَّة .

     يرى دلتاي أن الديانات والأساطير والأمثال والأعمال الفنية والأدبية ليست إلا تأويلات ، وليست المبادئ الخلُقية والمؤسسات والقوانين إلا صياغات لتقسيمات وغايات مُتَوَخَّاة . وفلسفة الحياة الحقة هي التي تقوم على أوسع معرفة ممكنة بالحياة، وهي المعرفة التي تتيحها العلوم الإنسانية التي يُسمِّيها دلتاي العلوم الروحية، وهي مجموع الدراسات التي تبحث في حقيقة التاريخ والمجتمع. وتشمل علومًا هي عِلم النفس والتاريخ والاقتصاد وفقه اللغة والنقد الأدبي والدين المقارَن وفلسفة التشريع ، وكلها دراسات موضوعها الإنسان وأفعاله ومُبتكراته .

     كان الرصد التاريخي أو نقد الفهم التاريخي موضع اهتمام دلتاي، فقال بثلاثة مبادئ ، أسماها بالتاريخية . المبدأ الأول: إن كل ما هو إنساني جُزء من العملية التاريخية ، وينبغي تفسيره تاريخيًّا، فالإنسان تاريخي في جوهره ، بمعنى أن للإنسان بُعْدًا أساسيًّا هو التاريخ ، فينبغي دراسة العقل الإنساني من زاوية التاريخ ، لأن الإنسان يعيش في الزمان ، ويتحدد بأحوال وظروف تختلف باختلاف العصور . والثاني: إن المؤرِّخ لا يمكن أن يفهم هذه العصور إلا بتصور آراء الناس الذين عاشوا فيها وآمنوا بها.والثالث: إن المؤرِّخ في فهمه لهذه العصور وتفسيراته لها محدود بثقافة عصره، فحياة الإنسان تاريخية، وعالَم الإنسان هو عالَم التاريخ، واتِّسَاقًا مع هذه التاريخية يرفض دلتاي المبادئ المطْلقة والقيم المطْلقة ، ويُعوِّل على فعالية الفلسفة، وقدرتها على تحليل ودراسة آلية عمل وعي الإنسان، لأنها تنفرد بمنهجها المميَّز وهو منهج الفهم، الذي يقوم على أساس مَيل الإنسان الدؤوب لتكون له رؤية أو فلسفة شاملة ، يستطيع بها تأويل الواقع وربط صورته بمبادئه هو نفْسه ومعانيه وقيمه التي يُصدِر بها أفعالَه ، فيمكنه بذلك فهم الحركات الاجتماعية، والمذاهب الفلسفية، لهذا دعا دلتاي إلى فكر تأويلي يُوحِّد ما بين الفلسفة والتاريخ .

     كان لفلسفة دلتاي تأثيرها البعيد في الفكر الألماني المعاصر، فقد ظهرت عدة محاولات تهدف إلى تحليل منظومة هيغل المثالية، في ضوء تحليل دلتاي للزمانية، منها محاولة هايدغر في تحقيقه لكتاب " نظرية الوجود عند هيغل ". كما أنها شغلت حَيِّزًا في الفكر الفلسفي ، وأثَّرت في فلسفة التأويل.

     يُعتبَر دلتاي من أبرز نُقَّاد الوعي التاريخي في الفلسفة المعاصرة ، ومن الفلاسفة الأكثر نفوذًا في فلسفة الحياة . وقد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالحركة التاريخية أو بفلسفة التاريخ ، التي اعتبرها فلسفة للفهم ، التي هي أداة للكشف عن الحياة في الحياة .

     وتفكير دلتاي يرتكز بشكل أساسي على قبوله للنظرية القائلة إن الفلسفة تنشأ من مشكلة الحياة اليومية ، وقبوله بأن الفلسفة يجب أن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمعرفة الحياة .

     ومِن أهم ثوابت فِكر دلتاي : الوعي بتاريخية الموجود البشري ، إذ إن الإنسان تاريخي لأنه يعيش في الزمان ، ولا يتَّحدد وجوده _ في نهاية المطاف _ إلا بالميلاد والموت ، ويتألف من سلسلة حلقاتها " ماض وحاضر ومستقبل ". والعلاقة بين الأفراد تاريخية أيضًا، وهكذا ، فإن عالَم الإنسان هو عالم التاريخ .

27‏/09‏/2021

فلاديمير نابوكوف ورواية لوليتا

 

فلاديمير نابوكوف ورواية لوليتا

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

...................


     وُلد الكاتب الروسي_الأمريكي فلاديمير نابوكوف( 1899 _ 1977) في سانت بطرسبرغ بروسيا لعائلة أرستقراطية ، وتُوُفِّيَ في مونترو بسويسرا . كان أبوه أحد كبار رجال القانون الرُّوس في عصره ، وجَدُّه وزير سابق من العهد القيصري . وقد تلقى نابوكوف مع إخوته تعليمًا ثلاثي اللغات بالروسية والإنجليزية والفرنسية ، كما وقع في سن مبكر تحت تأثير أستاذه للأدب الروسي الشاعر والناقد فاسيلي هيبيوس. ومعَ قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917 ، التحقَ نابوكوف للدراسة بجامعة كامبردج، حيث دَرس العلوم واللغات والأدب الوسيط،وتخرَّجَ فيها عام 1922، وهو تحصيل شَكَّكَ الكاتب ذاته في أهليته له . وفي نفْس العام تفرَّغَ للأدب بعدما اغتال عُملاء سوفييت والده ، وترجمَ إلى الروسية عددًا من الروايات الأوروبية .

     ظَهرت أُولَى رواياته " ماشينكا " عام 1925 . وفي عام 1926، ظهرت مسرحيته المعادية للسوفييت " رَجل سوفييتي " ، وأتبعها بروايته " الملك ، السيدة ، الخادم " ( 1931 ) . وكانت هذه الفترة أخصب فترات عطاء نابوكوف الإبداعي حيث نشر عمله "الغلطة"( 1932)، ثم عاد عام 1934 ونشر أعمالاً مُلفتة للانتباه مِثل "سباق مجنون" ، و"دعوة للعذاب" . وفي هذه الأخيرة عداء شديد للحُكم السوفييتي. وفي عام 1938 كتب _ لأول مرة _ روايةً باللغة الإنجليزية هي " سيرة سباستيان نايت الحقيقية " . وفي عام 1939 ، غادرَ إلى أمريكا للعمل بجامعة ستاندفورد، ثم درَّس الأدب الروسي بجامعات بوسطن وهارفارد، كما نشر عام 1944 دراسةً مُعمَّقة عن الكاتب الروسي غوغول. ولَمَّا حصل على الجنسية الأمريكية عام 1945 ، تَمَّ تعيينه في جامعة كورنيل ، وبدأ في كتابة سيرته الذاتية التي ظهرت عام 1951 بعنوان " من الشاطئ الآخر " . في عام 1955 ، نشرَ روايته " لوليتا " التي مُنعت أول الأمر في أمريكا . وفي عام 1958 ، أصبحت هذه الرواية كتاب الجيب في أمريكا ، وباع حقوق تحويلها إلى فيلم بمبلغ 150 ألف دولار.وتفرَّغَ في هوليوود عام1960لكتابة سيناريو لهذا الفيلم إلا أنه سافرَ لأوروبا عام1962. لَم تلقَ كتابات نابوكوف باللغتين الروسية والإنجليزية كبيرَ اهتمام إلا مع نشره رواية" لوليتا " التي ضمنت له الثروة والشهرة العالمية.وتحكي الرواية قصة همبرت همبرت _ وهو أستاذ جامعي في منتصف العُمر_وقيامه بإغواء أو اغتصاب ابنة زوجته دولوريس هيز التي تبلغ من العُمر 12عامًا، وتبعات ذلك والذل والاحتقار الذي عاناه . و " لوليتا " هو لقب دولوريس الخاص .

     وموضوع " اغتصاب الطفولة " بأبعاده النفسية الفريدوية والسادومازوخية ، هو ما جعل الرواية مشهورة ، لا لِعُمقٍ فيها، بل لهذا الموضوع الذي جذب جمهور القُرَّاء العريض في خمسينيات القرن العشرين ، ويَعتبرها بعض النُّقاد مُؤلَّفًا مُشَوَّهًا . كان السردُ في رواية " لوليتا " ذاتيًّا بحتًا ، حيث يروي همبرت مقاطع مُجَزَّأة من ذكريات ، مُوَظِّفًا في ذلك أسلوبًا نثريًّا متطورًا ، في الوقت الذي يحاول فيه كسب تعاطف القارئ من خلال صِدقه وأحزانه،على الرغم مِن أنه قَبل نهاية القصة وصف نفْسه بأنه مهووس حَرَمَ دولوريس من طفولتها.حَقَّقت الرواية مكانةً كلاسيكية ، وأصبحت إحدى أفضل وأشهر الأمثلة المثيرة للجدل في أدب القرن العشرين . ودَخَلَ الاسمُ الثقافةَ الشعبية لوصف الفتاة التي تنضج جنسيًّا قبل الأوان. تَمَّ إنتاج الرواية كفيلم سينمائي عام 1962، ثم أُنتِج سينمائيًّا عن طريق مُخرِج آخر في عام 1997 . كما عُرضت أكثر مِن مَرَّة على خشبة المسرح. أُدْرِجت رواية" لوليتا " في قائمة تايمز لأفضل 100 رواية باللغة الإنجليزية . وقد احتلت المرتبة الرابعة في قائمة المكتبة الحديثة لعام 1998 لأفضل مئة رواية. كما أُدْرِجت في قائمة أفضل مئة كتاب في كل العصور. أمَّا روايات نابوكوف " دليل قاطع"( 1951 ) التي أعادَ كتابتها ، ونَشَرَها لاحقًا بعنوان " تَكَلَّمي يا ذاكرة " ( 1967 )، و" بْنين" ( 1977 ) التي تُعَدُّ أفضل ما كَتب ، فتروي أحداثًا مِن سيرته الذاتية.وتَعُد قصصه القصيرة باللغة الروسية التي تُرجمت لاحقًا تحت إشرافه إلى الإنجليزية أيضًا مِن أفضل نتاجه، ومنها مجموعات"دزينة نابوكوف"و" تحطيم الطغاة " ( 1975 )، و" قصص فلاديمير نابوكوف " ( 1995 ). والجدير بالذِّكر أن نابوكوف قد ترجم كتاب بوشكين الضخم " يفغيني أونيغِن " عام 1964 ، مع تعليقاته وشروحاته . تتفاوت آراء نُقَّاد نابوكوف ودارسيه، فبعضهم يرفع من شأنه، ويتعامل مَعَ نتاجه الإبداعي بإيجابية . وهناك آخرون يَحتقرون نتاجه ، ويَرَوْنَ أنه فقدَ هويته الروسية وذلك " التقليد الشعري الروسي العريق " ، وفي الوقت ذاته لَم يتمكن من اللغة الإنجليزية ، ولَم يتكيَّف معَ الاغتراب، ويَرَوْنَ أيضًا أنه لا يمكن الأخذ على محمل الجِد روايةً مِثل " آدا " ( 1969 )، وهي أطول روايات نابوكوف وأعقدها، في حين يرى آخرون فيها " رائعة " الكاتب . كَتب نابوكوف أعماله الأولية باللغة الروسية ، وبعدما اشْتُهِر عالميًّا أصبح يكتب رواياته بالإنجليزية . وعُرفت أعماله بِكَوْنها مُعقَّدة ، حيث إن حبكة القصص والكلمات المستخدمة فيها كثيرة التعقيد،وتتميَّز كتاباته بأسلوب مزاجي ، وصعوبة مُصْطَنَعَة ، وبادعاء العُمق ، والتفاخر بما لا يَملك، والإعجاب بكل شيء شائع ، وازدراء الآخَر . ومعَ هذا ، لا يمكن إنكار شهرته الواسعة وشعبيته بين مواطنيه الروس في المهجر .

26‏/09‏/2021

فلاديمير ماياكوفسكي وخيبة الأمل

 

فلاديمير ماياكوفسكي وخيبة الأمل

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     وُلد الشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي ( 1893 _ 1930 ) في بلدة " بغدادي " في جورجيا. وهي البلدة التي سُمِّيت باسمه فيما بعد . كان أبوه يعمل حارسًا أو مشرفًا على الغابات . وكانت أُمُّه ابنة عسكري تهوى الشِّعر والرسم . أتقنَ اللغتين الجورجية (بحُكم الدراسة) والروسية الأصلية ( بحكم العائلة ) .

     في سِنِيِّ تعليمه الأولى ، أحس بالاغتراب، واصطدم بالفوارق الطبقية بينه وبين زملائه، أبناء الموظفين الروس المتعجرفين، ومن يومها أحس بالاضطهاد الطبقي . وفي عام 1905 بدأ يتعرَّف على الكتابات الثورية العلنية والسرية، والتي كانت تأتي بها أخته ( لودميلا ) من موسكو حيث كانت تدرس . وبشكل تلقائي وطبيعي، وجد نفسه مُنْضَمًّا إلى الحَلْقة الماركسية في المدرسة العليا في بلدة كوتايسي . وفي تشرين الأول عام 1905 اشتركَ في أول مظاهرة سياسية .

     بوفاة والده ، انقلبت حياة الأسرة رأسًا على عَقِب. وبقيت الأسرة، دون أي مصدر رزق يُذكَر، سوى عشرة روبلات ( تقاعد الأب ) ، فاضْطُرَّت الأم للرحيل إلى موسكو . ومُنذ تلك اللحظة أحس ماياكوفسكي ذو الثلاثة عشر عامًا بالمسؤولية الكبيرة ، كَوْنه " رَجل " الأسرة الوحيد. وقد عانت الأسرة في موسكو من الفقر المدقع ، وواجهت صعوبات الحياة بدون مساعدة.

     التحق ماياكوفسكي في موسكو بالمدرسة الثانوية، وهناك انضم إلى حزب العمل الاشتراكي، وشاركَ بقوة في الدعاية السياسية بين عُمَّال موسكو، وهذا كان سبب اعتقاله للمرة الأولى في 29 آذار 1908 ، في مبنى المطبعة السرية للحزب ، لكن صغر سنه شفع له ، فأفرجوا عنه ليوضع تحت رقابة الشرطة. بعدها التحق بكلية الفنون التطبيقية . وعلى الرغم من الرقابة الصارمة، بقي ناشطًا،يقوم بتوزيع المنشورات السياسية، فاعْتُقِل في شتاء 1909 للمرة الثانية، لمدة أربعين يومًا. أيضًا، شفع له صغر سنه، فأطلقوا سراحه .

     وبعد ستة أشهر، أي في صيف 1909 ، اعْتُقِل للمرة الثالثة ، حين اشترك في عملية تهريب ثلاث عشرة سجينة سياسية من السجن . لكن في هذه المرة سُجِن قُرابة العام في زنزانة انفرادية .

     تُعَدُّ " غَيمة في سروال " أهم قصائد ماياكوفسكي وأشهرها . بدأها عام 1914 . وكان عنوان القصيدة الأصلية " الحواري الثالث عشر". لكن الرقابة لَم توافق على هذا العنوان، فاضْطُر لتغييره إلى"غيمة في سروال"قاصدًا التهكم على الرقابة والسخرية منها .

     حدَّد ماياكوفسكي بنفسه مغزى القصيدة ومضمونها ، فكتب : (( فليسقط حُبُّكم. فليسقط فَنُّكم. فليسقط نظامكم. فلتسقط ديانتكم )) . أربع صرخات لأربعة مقاطع . خرج ماياكوفسكي عن المألوف، فحطَّم الوزن والقافية ، وحافظ على الإيقاع ، مُستفزًّا مشاعر الجماهير مُحَرِّضًا لها .

     في أثناء تجوال مجموعة من الشعراء في أرجاء روسيا، يُلقون قصائدهم الثورية. فجأةً وقع ماياكوفسكي في مدينة أوديسا بحب فتاة جميلة ، وهذه الفتاة بالإضافة إلى جمالها، كانت فتاة مثقفة، وذكية، وتهتم بكل جديد، ومعاصر، ويبدو أن الشاعر المتميِّز المجدِّد قد جذبها، وكانت علاقة حب بينهما. ولكن لَم يستمر هذا الحب طويلاً، فالحبيبة التي وقع الشاعر في غرامها تخلت عنه بسرعة لتتزوج من رَجل ثري . وهذا جعل الشاعر ينقم أكثر على المجتمع البرجوازي، وقِيَمه المزيَّفة وعلاقاته التجارية ، إذ يعتبر أن الثراء والمجتمع البرجوازي ، هُما اللذان حَرَماه من حبيبته ، وانتزعاها منه. وفي رأيه أنه لا يمكن أن تقوم علاقة إنسانية متكافئة في أحضان المجتمع البرجوازي . تنبَّأ ماياكوفسكي في قصيدته " غيمة في سروال " بالثورة التي ستنتصر عام 1916 ، لكنها تأخرت لعام 1917، وتنتصر الثورة التي بشَّر بها، ونذر نفسه لها، وتنبأ بها.

     فجَّر ماياكوفسكي كل طاقاته ومواهبه، وعمل في كل الاتجاهات، من أجل ترسيخ مبادئ الثورة الاشتراكية الفتية، فشارك في كل نشاطات الحزب، وألقى القصائد الحماسية في منظمات الشباب والعُمَّال والفلاحين . لكنه اصطدم بالمتسللين إلى الحزب والمتسلقين والانتهازيين والبيروقراطيين ، الذين استلموا مناصب في جهاز الحزب والحكومة .

     لقد آلَمَ ماياكوفسكي. وهو شاعر الثورة، التي ضحَّى من أجلها بكل شيء، أن يرى نفسه مُحَاصَرًا من الجهات المسؤولة في الحزب والدولة، وآلمه أكثر أن بعض أصدقائه سكتوا عن المهازل التي تُرْتَكَب بحق شاعر الثورة . فمن جهته، كشاعر، وثوري، وشيوعي، وإنسان، لم يستطع مهادنة الانتهازيين، وذوي المنافع الشخصية ، فكتب مسرحياته الناقدة اللاذعة ، وقصائده التي تفضح هؤلاء البيروقراطيين الذين كرَّسوا الروتين القاتل الذي يَشُل العقل والتفكير. حُوصِر ماياكوفسكي من كل الجهات، فحاول الرحيل إلى باريس، حيث تقيم حبيبته تانيا ياكلوفلوفا، فمنعه المتنفِّذون من الخروج بكل الطرق. وعندما عرفت تانيا بذلك، تزوَّجت من الفيسكونت دوبليه، مِمَّا زاد ذلك مِن عذابه وآلامه . إن عدم السماح له بالسفر ، وفقدان الحبيبة ، سرَّعا في يأسه وإحباطه . وقد أحكموا الطوق حوله ، وشدَّدوا الرقابة أكثر ، وأحس أنه مُحَاصَر من كل الجهات . فما كان منه إلا أن أطلق النار على نفسه بمسدس كان بحوزته في 14نيسان 1930.

25‏/09‏/2021

رحلة المجتمع من الثقافة إلى التاريخ

 

رحلة المجتمع من الثقافة إلى التاريخ

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

......................

1

     التحليل الاجتماعي للظواهر الثقافية يُساهم في بناء منطق جديد للتاريخ الخاص ( ذكريات الإنسان وأحلامه الساكنة في أعماقه السحيقة ) والتاريخِ العام ( أحوال المجتمع في الأزمنة المُختلفة ) . وكُلُّ تاريخ يُمثِّل بُنيةً اجتماعية مُتماسكة ، ووحدةً معرفية مُتجانسة ، وشخصيةً وجودية مُترابطة العناصر ، وهذه المُكوِّنات هي أُسُس الهَيكل الفكري للمجتمع، التي تَدفع باتِّجاه توليدِ مفاهيم رمزية قادرة على صِياغة التحولات الجذرية في الشعور الإنساني والسُّلوكِ الاجتماعي ، وإنشاءِ هُوِيَّة عقلانية جامعة تستطيع وضع أُطُر مِعيارية تُنظِّم عمليةَ انتقال المعنى الوجودي من شخصية الإنسان إلى شخصية المجتمع ، أي : انتقال الدَّلالة المعرفية من الجُزء إلى الكُل ، ومِن الخاص إلى العام، من أجل صِناعة منظومة أخلاقية تشتمل على فلسفة العلاقات الاجتماعية ، التي ترسم معالمَ المسار الإنساني للوصول إلى حقيقة المعنى ، وهذه المعالم الأساسية هي: البُنية الاجتماعية ، الظاهرة الثقافية ، الهُوِيَّة التاريخية .

2

     كُلُّ تاريخ لا يَخرُج مِن رَحِم الثقافة سيكون أداةً وظيفية مُنقطعة عَن سِيَاقات المعنى الوجودي ، لأنَّ الثقافة هي الغِربال الذي يُنقِّي منطقَ التاريخ مِن سُلطة المعرفة المُغرِضة التي تُعيد صياغةَ الأحداث التاريخية لاعتبارات ذاتية ومصالح شخصية . ومُهمةُ الثقافة هي الحفاظ على مَجرى التاريخ كَي يتدفَّق بشكل طبيعي وسَلِس ، دُون ضُغوطات فكرية ، أوْ تدخُّلات خارجية . إن التاريخ الطبيعي هو الوقائع الحياتية التي حَدَثَتْ على أرض الواقع، أمَّا التاريخ الصِّناعي فهو الوقائع الذهنية التي يتم إسقاطها على أرض الواقع باستخدام آلِيَّات التفسير الوهمية ، حيث يتم حقن أحداث الزمان وتغيُّرات المكان بإفرازات المِخيال ( تراكُم الصُّوَر الذهنية والرموز اللغوية في تأويل الذاكرة وتفسير الذكريات )، وبالتالي ، يتحوَّل التاريخُ إلى خِطَاب للسَّيطرة ، ويصير الواقعُ أداةً للهَيمنة ، ويُصبح الفكرُ قُوَّةً عمليَّة سلبيَّة .

3

     أدلجةُ الفِكر تُحوِّله إلى أداة وظيفية مركزية لتحقيق مصالح شخصية، وتأويلُ الماضي بصورة انتقائية مُغرِضة تُحوِّله إلى حاضر وهمي ، فيشعر الإنسانُ أنَّه مُحَاصَر مِن كُل الجهات ، فهو يعيش في عالَم الأفكار ، ويَعجَز عن تطبيقها ، ويعيش في الحاضر مُنتميًا إلى الماضي ، ويَعجَز عن اقتحام المُستقبل . والعائشُ في الحاضر برُوح الماضي كالشخص الذي يعيش معَ زوجته ، لكنَّه يَشتاق إلى امرأة أُخرى . وهذا الانفصامُ الفكريُّ يُمثِّل شرخًا في أعماق الذاكرة الإنسانية والسلوكِ الاجتماعي . والفِكْرُ إذا تَحَوَّلَ إلى شَرْخ ، فإنَّ التفاعلات الرمزية في اللغةِ والمُجتمعِ ، سَتَعْجَز عن تفسير مصادر المعرفة ، ولن تتمكَّن مِن تَتَبُّع آثار التحولات الاجتماعية على جسد التاريخ ، لأنَّ التاريخ سينتقل مِن مسرح الأحداث إلى مَتَاهة المعنى ، وينتقل الإنسانُ مِن كِيَان الذات إلى مِصيدة الذكريات . وإذا غابَ التاريخُ في انكسارِ الإنسان ، وضاعَ الإنسانُ في مأزق التاريخ ، فإنَّ التحليل الاجتماعي للظواهر الثقافية سَيَصِير شكلًا للفراغ ، وعَالَمًا مُشَوَّشًا ، وصُورةً سطحيةً تعتمد على الملامح الخارجية لأنها لا تستطيع الوصول إلى الأعماق. وإذا تركَّزت زاويةُ الرؤية على سطح البحر ، فسيظن الشخصُ أن البحر مُجرَّد أمواج مُتحركة بلا كائنات حَيَّة ، ولكنَّه إذا غاصَ في البحر ، فسيرى الكائنات الحَيَّة ، ويُدرِك أنَّ البحر وجودٌ شامل ، وحياةٌ كاملة . وهذا المثال يعني ضرورةَ الغَوص في تركيب المجتمع وأنساق الثقافة وقيمة التاريخ ، لإثبات أن الوجود الإنساني لَيس كُتلةً من القوانين الفيزيائية والحركات الميكانيكية ، وإنما هو يَقِينٌ مُتمكِّن في قلب الإنسان ، وشُعورٌ راسخ يتوهَّج في نَفْسِه ، ومادَّةٌ نابضة بالحياة ، وقُوَّةٌ توليدية للمعاني، ومنظومةٌ فكرية مُتماهية معَ الوَعْي بالذات والآخَرِ، والوَعْيِ بعناصر الطبيعة في صَيرورتها الاجتماعية والتاريخية .

24‏/09‏/2021

فكتور هوغو وذاكرة البؤساء

 

فكتور هوغو وذاكرة البؤساء

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...................


     وُلد الأديب الفرنسي فكتور هوغو (1802_ 1885) في بيزنسون في منطقة فرانش كونته. وكان الابن الثالث والأخير لوالده ، الذي كان يعمل ضابطًا في الجيش الفرنسي ، في زمن نابليون.

     نشر عام 1822 ديوانه الأول ، فقرأه الملك لويس الثامن عشر ، فأُعْجِب به ، وخَصَّص للشاعر راتبًا شهريًّا .

     عَيَّنَ الملِك لويس فيليب _ الذي حكم في الفترة ( 1830_ 1848) _ هوغو عُضوًا في مجلس الأعيان عام 1845 . وأُعْلِنَت الجمهورية الثانية . وتَمَّ انتخاب نابليون الثالث رئيسًا للجمهورية وهو ابن أخ نابليون الأول ، وناصبَه هوغو العداء ، فأراد نابليون الثالث اعتقاله ، فهرب هوغو مِن بارس عام 1851في شهر كانون الأول إلى بروكسل عاصمة بلجيكا ، وألَّف كتابًا ضد نابليون الثالث أسماه "نابليون الصغير" ، فطلبت فرنسا من بلجيكا إبعاد هوغو مِن أراضيها ، فأبعدته إلى إحدى الجزر البريطانية في بحر المانش وهي جزيرة جرسي .

     ألَّف رواية " البؤساء " عام 1862 ، أي عندما بلغ السِّتين مِن عُمره ، وكان يُقيم في إحدى الجزر البريطانية ، وتُرْجِمَت الرواية مُباشرةً إلى تسع لغات .

     تُوُفِّيَت زوجته عام1868،وكان قد تزوَّجها عام1822،أي أمضى برفقتها ستة وأربعين عامًا. ونشبت حرب بين بروسيا وفرنسا،وانتصرت بروسيا عام 1870،ودَخلت قُوَّاتها باريس،وأُعْلِنَت الجمهورية الثالثة عام1870 . وأمضى هوغو في المنفى تسعة عشر عامًا ( 1851_ 1870) .

     احتفلت فرنسا بمرور ثمانين عامًا على ميلاد الشاعر، وتَقَبَّلَ التهاني، وكان إلى جانبه حفيده وحفيدته، وزاره إمبراطور البرازيل، وكانت وصيته ألا يحضر جنازته كاهن، وتُوُفِّيَ عام 1885، وحزنت فرنسا عليه كثيرًا .‏ ودُفِن في مقبرة العظماء .

     يُعتبَر هوغو مِن أبرز أُدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية ، وتُرْجِمَت أعماله إلى أغلب اللغات المنطوقة . وهوَ مشهورٌ في فرنسا باعتباره شاعِرًا في المقام الأول ثُم روائيًّا. كما اشْتُهِر في حِقبته بِكَوْنه ناشطًا اجتماعيًّا ، حيث كان يَدعو إلى إلغاء حُكم الإعدام . وكان مُؤيِّدًا للنظام الجمهوري في الْحُكم ، وأعماله تَمَس القضايا الاجتماعية والسياسية .

     اشْتُهِر هوغو حول العالَم ، وتَمَّ تكريم ذِكراه بِعِدَّة طُرُق. فمثلاً ، وُضِعَت صورته على الفرنك الفرنسي . واقْتُبِسَت روايته " البؤساء " للعديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية . أصدرَ هوغو 12 مسرحية، مِن أبرزها : مسرحية كرومويل ( 1827) . وقد كتبها عندما بلغ الخامسة والعشرين مِن عُمره . وكرومويل سياسي إنجليزي، قاد ثورة 1649، التي قُتِل فيها ملك الإنجليز شارل الأول ، وأصبحت أمور الدولة بيد كرومويل، وأعلنَ نفسه مَلِكًا على بريطانيا ، ووافقَ البرلمان على ذلك، وكان سَيُتَوَّج في كنيسة وستمنستر، إلا أنه اكتشف مؤامرة تُدَبَّر ضِدَّه ، فتراجع عن اعتلاء العرش مُدَّعِيًا مُحافظته على قوانين الجمهورية .

     ومسرحية إيرنابي ( 1829) . تجري الأحداث في إسبانيا في مطلع القرن السادس عشر ، إذ وقع أحد الأمراء الألمان في حُب امرأة إسبانية جميلة ، وكان قلبها يهوى أحد قُطاع الطرق ، وهو شاب اسمه إيرنابي .

     ومسرحية ريوبالاس ( 1838) . تجري أحداثها في مدريد عاصمة إسبانيا في القرن السابع عشر. إذ قامت علاقة بين الملكة وبين أحد خُدَّامها، الذي لَم يَكتفِ بذلك بل قام بقتل الملِك وشرب السُّم مُنتحِرًا ، وبكته الملِكة أكثر مِمَّا بكت زوجها الملِك .

     كما أصدرَ هوغو مجموعة من الروايات والقصص ، وأكثرها شُهرةً وأهميةً رواية " البؤساء " ( 1862) . وقد كتب هوغو مقدمة قصيرة لهذه الرواية، يرى أنه مادام هناك فقر في كل زمان ومكان،فهناك فائدة لِمِثْل هذه الروايات،حالة الفقر يمكن تحمُّلها، أمَّا حالة البُؤس فلا يمكن تحمُّلها.

     تُعَدُّ " البؤساء " مِن أشهر روايات القرن التاسع عشر، حيث تصف وتنتقد الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون عام 1815، والثورة الفاشلة ضِد الملِك لويس فيليب عام 1832.

     وتصف البؤساء حياة عدد من الشخصيات الفرنسية طوال القرن التاسع عشر الذي يتضمَّن حروب نابليون. وتَعْرِض الرواية طبيعةَ الخير والشر والقانون ضِمن أحداث سردية أخَّاذة ، تظهر فيها معالم باريس، والفلسفة، والقانون ، والعدالة ، والدِّين ، وطبيعة الرومانسية ، والحب العائلي .

     ومِن بين الروايات التي أصدرها هوغو : " عُمَّال البحر " ( 1866) . كما له مجموعة من الدواوين الشعرية والمؤلفات التاريخية . وتُشْبِه أفكارُه أفكار الروائي الروسي تولستوي ، فكلاهما أوصى بعدم الصلاة على جُثمانه، وكِلاهما وجَّه للطقوس الكنسية الكثير من الملاحظات، وكلاهما عاش حياةً طويلة تجاوزت الثمانين عامًا ، وكلاهما حارب السُّلطات . تولستوي حاربَ القيصر الروسي ، أمَّا هوغو فحاربَ نابليون الثالث.

23‏/09‏/2021

الفيلسوف وعالم الكتابة

 

الفيلسوف وعالَم الكتابة

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     الفَيْلسوفُ هُوَ الكائنُ الوحيدُ الذي يَكونُ عُمُرُه حَيَوَاتٍ متكررة مُنبثقة مِن أحزانه المتكررة ، وهُوَ ضَميرُ الثورةِ الحيُّ ، إنَّه صَرخةُ العَالَمِ الرافضِ للتدجين . مِهْنته هِيَ صَعقُ الناس لتحريرهم مِن أنفسهم ، وانتشالهم من النظام الاستهلاكي الخانق ، والأخذ بأيديهم إلى حقيقة المعنى ، وإرْشادهم إلى الضَّوْءِ في نهاية النَّفق ، وإنقاذهم من الخوف لكي يَنطلقوا إلى الأمام . وأفضلُ طريقةٍ للتخلص من الخوف هِيَ اقتحامُه . ارْمِ نَفْسَكَ في قلبِ الخوف لكي تُفجِّرَ الخوفَ مِن دَاخله، وتَشعرَ بالأمان الروحيِّ والهدوءِ الماديِّ . والفَلْسَفةُ تُزيلُ الاكتئابَ ، وتُشعِرُ الإنسانَ بِجَدوى الحياةِ ، وأهميةِ العقلِ الإنسانِيِّ في حَركةِ التاريخِ ومَسارِ الوُجودِ. والفلسفةُ هِيَ فَنُّ التَّنقيبِ عن الذات وتطهيرُها.والوسيلةُ الوَحيدةُ لِتَخليدِ الفلسفةِ هِيَ بِنَاؤُها على رَمزيةِ اللغةِ والمشاعرِ الإنسانيةِ. وَسِوَى ذلك سَوْفَ تَزولُ الفَلسفةُ . والفلسفةُ هِيَ ضَوْءُ الشمعة، وخارطةُ الضوءِ ، وخُطةٌ واقعية لكي يُصبح الذَّكرُ رَجُلًا ، وتصبح الأنثى امرأةً ، ويُصبح الشخصُ إنسانًا . والفَيْلسوفُ يَحرقُ الشوائبَ في الرُّوح الإنسانية لكي يَمنح الخلاصَ والطهارةَ للإنسان . إنَّ إزالةَ الشوائب من الرُّوح الإنسانية تَجْعل الرُّوحَ طاهرةً ومُطهِّرةً للأنساق الاجتماعية . ولا يَخفى أن إزالةَ الشوائب من الذَّهبِ تَرتقي بالذَّهبِ إلى درجةٍ أعلى . ولا مَكان للبريقِ في ظِلِّ وُجودِ الشَّوائب . وعُمُرُ الفَيْلسوفِ حَيَوَاتٌ متكررة لأنه يَعيش في أماكن كثيرة دون أن يُغادِر مكانه ، ويُولَد في أزمنة كثيرة مع أنَّ تاريخَ ميلاده_في شهادة الميلاد الرَّسمية_ واحدٌ لا يتكرر. وهذه الحَيَوَاتُ الحارقةُ المحترِقةُ تَنبعث من أحزانه ، لأنه موجودٌ في مجتمعٍ لا يعرف قيمةَ الفلسفة . إنَّه يموت في كُل لحظة لأنَّه يَدْفع ضريبة التاريخ مِن جِلْده، ويُسدِّد دُيونَ الحضارةِ من أعصابه . حياةُ الفَيلسوفِ نزيفٌ مُتواصل بلا انقطاع .

     الكتابةُ تَعبيرٌ عن الأنا الأُخرى الكامنةِ فِينا ، وعمليةُ تطهُّرٍ مستمرةٌ . والأشخاصُ يُمارِسون فِعلَ الكتابة مُنطَلِقين مِن حُب عنيف أو حُزن عنيف . وهاتان الطاقتان ( الحب / الحزن ) أكبرُ من قُدرة الإنسان على التَّحمل، فيتمُّ اللجوء إلى الكتابةِ للتخلص من هذا الحِمْل الزائد ، وهذا الضغطِ الهستيري ، مِمَّا يُؤدي إلى تحقيقِ التوازن في النَّفْسِ البشريةِ . إنَّنا في سَفينةٍ مُهترئةٍ في قلب البحرِ الثائر ، ويَنبغي التخلصُ من الأحمال الزائدة لكي تَستعيدَ السفينةُ توازنَها، ويَستعيدَ البحَّارةُ ثِقتهم بأنفسهم ، ويَصلوا إلى شاطئِ الأمان . ورَغْمَ كُلِّ شيء ، سَيَظلُّ الكاتبُ الحقيقيُّ هُوَ الذي يَعتبر الكتابةَ موقفًا من الوجود بِأسْره ، لا لحظةَ حُب زائلة ، أو شعورًا حزينًا عابرًا . إنَّ الكتابةَ هِيَ فَلسفةُ الوجودِ الواقعيِّ والخيالِيِّ ، ولَيْسَتْ هِوَايةً لِمَلْءِ وَقْتِ الفَراغ ، أو وَجاهةً اجتماعية . وأبجديةُ الحُلْمِ في الكتابةِ هِيَ العذابُ المتواصلُ الذي يَهْدِفُ إلى تَخليصِ المجتمعِ مِنَ العذابِ ، وتَحريرِ الأنساقِ الحياتية مِنَ الفَوضى ، وترسيخِ المعاني الثَّورية في أقصى المشاعرِ الإنسانية .