سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/01‏/2014

الطريق إلى الطريق ( قصيدة )

الطريق إلى الطريق ( قصيدة )

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

.........................

في مَساءاتِ الزمردِ
التي تَسْبقُ إِعْدامي
تُلَوّثُ أجراسُ صَالاتِ الرقصِ
دُموعَ الجنرالاتِ
رَملُ القلوبِ أعشابٌ خائنةٌ
تتسوقُ الزوجاتُ الخائناتُ
في أبجديةِ الرصاصِ المطاطي
يَتعرفُ الأَسرى عَلى فَتياتٍ جَديداتٍ
كَمساميرِ المقاعدِ
والموْتى يُنشِدون في المعْبدِ
نَخْبَ ضَياعهم
تَصْلبُ الفتياتُ العارياتُ الحزنَ
على صُدورهنّ المصلوبةِ
أمامَ تُجّارِ الرقيقِ الأبيضِ
وفي شَمالِ الأكفانِ مَزادٌ عَلنيٌّ
لِبَيْعِ صُكوكِ الغُفران
ذَاتِ الحجمِ العائليِّ
هُنا أو هُناك
رُوما إِلى الهلاك
سَقَطَ البكاءُ الجليديُّ
في القُلوبِ النُّحاسيةِ
كِلابٌ بُوليسيةٌ تَقودُ كِلاباً بُوليسيةً
يَحملُ الرَّمادُ على كَتِفَيْه
قَطِيعاً مِن المسدَّسات
والمقاعِدُ الخشبيةُ عَلَيْها مَقاعدُ خشبيةٌ
تُدعَى زَبائنَ الحربِ
كُونِي شَهوانيةً يَا أمواجَ الحزنِ
كَمِقْصلةٍ مِن الكَافيارِ
الحضارةُ هِيَ كُشْكُ سَجائر مَصْنوعٌ
مِن خَشَبٍ فاخرٍ !
تهريبُ الأحلامِ الممنوعةِ
في خَاصِرةِ السُّيول
قَد يَغتصبُ الظلُّ الخشبيُّ
لَوْنَ صَمْتِنا
صَمْتٌ رماديٌّ أَعْني بُرتقالاً مُحْتَرِقاً
بدموعِ اليَتيماتِ
دَخَلَتْ في الدَّيْرِ الموحِشِ الرَّاهباتُ العَمْياواتُ
تَنخرُ أَيامَهنَّ الإعلاناتُ التجاريةُ
والبَرْقوقُ مُخْرِجٌ سِينمائيٌّ للمذابحِ العاديةِ
إِمبراطوريةُ السُّل
على هَامشِ يَوْمياتِ المساجين
يُسْعِفُ نزيفُ العاصفةِ المجروحين
مِن أَرْضِنا نَبتوا سُمَّاً صَارِخاً
في تضاريسِ اللوْزِ
أُغنياتُ بَناتِ كِسْرى
قَمرٌ يَطْلعُ مِن أَزِقَّةِ الجِرذان
الذِّكرياتُ المعلَّبةُ كَحَليبِ الرَّاقصاتِ
نَزيفي أثاثُ قلوبِ اليَتامى
نَرمي دُموعَنا السَّاخنةَ
على البَلاطِ الباردِ
وَكُلُّ القَواربِ مُحمَّلةٌ
بأكياسِ الذِّكرياتِ
وَجُثثِ الصَّيادين
فَكُنْ فَيْلسوفاً كَالحطبِ
لِنَفْهمَ فَلسفةَ المحكومين بالإعدام  

أو فَلْسفةَ الزَّوْجاتِ الخائناتِ .
facebook.com/abuawwad1982

28‏/01‏/2014

آيات القتل والقتال في القرآن الكريم / الجزء الخامس والأخير

آيات القتل والقتال في القرآن الكريم / الجزء الخامس والأخير

من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

....................

} فَرِيقَاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقَاً {
 [ الأحزاب : 26]
     إن القتلَ واقعٌ على الرجال ، والأسرَ واقعٌ على النساء والذرية . ومبدأُ الإسلامِ واضحٌ في الحرب ، والقواعدُ الشرعية المتعلقة بالقتل والقتال ظاهرة وعادلة . فالرجالُ الذين يُقاتِلون يجب قتلُهم بلا تردد ، أمّا النساء والأطفال فهؤلاء يتم أسرُهم ولا يُقتَلون . وهذا تفريق عظيم يراعي حالة الإنسان ووضعه . أما فهم الآية الشريفة فهو محدّد تماماً في سياق تاريخي واضح المعالم .
     قال الطبري في تفسيره ( 10/ 283 ) : (( وأَنزل اللهُ الذين أَعانوا الأحزابَ من قُريش وغطفان على رسول الله وأصحابه، وذلك هو مظاهرتهم إياهم ، وعنى بذلك بني قريظة ، وهم الذين ظاهروا الأحزاب على رسول الله )) اهـ .
     إذن ، ندرك أن الذين تتحدث عنهم الآيةُ هم أُناس مُتلبّسون بالخيانة العظمى ( قريش ، وغطفان ، وبنو قريظة )، والتواطؤ مع جهات معادية تحمل السلاحَ ( الأحزاب ) . وهكذا صار كل هؤلاء القوم في سلة واحدة ، فَرُفِع عنهم الأمان ، ووُضِع عليهم السيف ، لأنهم تعاونوا في قتال المسلمين ، والسعي الحثيث لتقويض دعائم الدولة الإسلامية . وهم بذلك يكونون كفاراً محارِبين ، وهؤلاء لا يتمتعون بعصمة الدم . فمن غير المنطقي أن تحضنَ الذي يرفع السلاحَ في وجهك بحجّة حقوق الإنسان والتسامح بين الشعوب لأن التسامح لا يعني أن يسجد القتيل للقاتل في ذلة وصغار . فالإسلام متسامح مع المتسامِحين ، أما مع المحارِبين فاللغة التي يفهمونها ويتحدثونها هي السيف، ويجب التعاملُ معهم بهذه اللغة حتى يستقيم مسار البشرية دون أي تهديد أو تقويض . وهذا منتهى احترام كينونة الإنسان، وحمايته من الجهات التي تريد تمزيقه . فالتكريم الإلهي للإنسان يتضمن تشريع وسائل دفاعية ضد كل من يعمل على هدم هذا الكيان الإنساني الراقي ، لأن الجسد الكلي لا يمكن أن يستمر في حالة وجود عضو ملوّث فيه ، فينبغي تطهير هذا العضو ، فإن تعذر ذلك ، فيجب التخلص منه لضمان استمرارية الجسد الكلي ليؤديَ وظائفه المحدّدة .
} سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ {
 [ الفتح : 16]
     سَتُدْعَوْن إلى قوم أشداء ، يمتازون بالبطش والبأس الشديد . وهُم بنو حنيفة أصحاب اليمامة ( قوم مُسَيْلمة الكذاب ) ، تُقاتِلونهم أو يُسلِمون .
     قال الصابوني في صفوة التفاسير ( 16/ 36) : (( ستُدعون إلى حرب قوم أشداء ، هم بنو حنيفة _ قوم مسيلمة الكذاب _ أصحاب الردة .. إمّا أن تقتلوهم ، أو يدخلوا في دِينكم بلا قتال))اهـ.
     هذه الآية تتحدث عن قتال المحارِبين سواءٌ كانوا بني حنيفة _ قوم مسيلمة الكذاب المرتدين عن الإسلام _ الذين تلبّسوا بالخيانة العظمى، وعليهم أن يلاقوا مصيرهم المحتوم، أَم فارس والروم.
     فالقتالُ شرعي لأنه ضد أعداء محارِبين يرفعون السلاح في وجه المسلمين ، وليسوا مدنيين أو غير مسلّحين. أمَّا الخِيار بين القتال ( القتل ) أو اعتناقهم للإسلام ، فقد يظن البعض أن الإسلام قام بإكراههم على اعتناقه تحت تهديد السيف ، وهذا مجانب للصواب ، وضد المسار التاريخي للأحداث . فقوم مسيلمة الكذاب هم مرتدون عن الإسلام ، أي كانوا مسلمين ثم رموه وراء ظهورهم، والمرتد خائن خيانة عظمى لذا وجب قتلُه أو رجوعه للإسلام مثل المنشقين في كل الدول حيث تقوم الدولة بتصفية أبنائها المنشقين عنها أو أن يعودوا لإعلان الولاء لها ، مع الفارق العظيم بين النظام الإسلامي المعصوم الذي يريد الخيرَ للناس ، وبين الأنظمة الحاكمة التي تريد تكميمَ الأفواه وسحق المعارِضين .
     فالمعارِض للإسلام هو معارِض للإيمان بالله تعالى والفطرةِ السليمة ، والخير، والعدالة، وقيم الجَمال، وهو شخص فقدَ إنسانيته . أمّا المعارِض للأنظمة الحاكمة الوضعية القمعية لأنها ظالمة فهو على حق . ولا يجوز قياس معارضة الأنظمة الطاغوتية على معارِضة النظام الإسلامي الحاكم الذي أسّسه النبي صلى الله عليه وسلم بصورة تضمن له العِصمة الكاملة ، والعدالة المطْلقة .
     وأيضاً لو أخذنا حالة فارس والروم ، فهم أيضاً كفار محارِبون كان بإمكانهم أن يحفظوا ماءَ وجههم لو لم يعتدوا على المسلمين ويقفوا سداً أمام نشر النور الإلهي ( الإسلام) ، وبما أن الأمور وصلت إلى مرحلة الحرب ، فعليهم أن يتحملوا مسؤوليةَ هذا التكبر ، واستعبادِ الناس ، والعيش كآلهة على جثث المسحوقين الذين منعوهم قسراً من الاطلاع على الإسلام ، ومنعوا المسلمين_ الذين هم رُسل الله تعالى لهداية الناس _ من نشر الدعوة . وإذا وصلت الأمور إلى السيف ، فعلى الكفار المحارِبين أعداء الخالق أن يتحملوا هذه المسؤولية .
     وكما أن حكومات الدول تَفرض على المتواجِدين داخل حدودها الالتزام بقوانينها. فاللهُ تعالى له المثل الأعلى ، وهو مالك كل شيء ، يتصرف في مُلْكه كما يشاء .
     ومع هذا تظل رحمة الله واسعة ، إذ إنه _ سبحانه وتعالى _ وضعَ ثلاثة خيارات أمام الكافر ، وعليه أن يختار : الإسلام ، فإن أبى فالجزية ، وإن أبى فالقتل ، لأنه بذلك صار فرداً غير صالح على وجه الأرض ، وصار أقل رتبة من الحيوانات، وعندها يجب التخلص منه مثلما يُقتَل كل المجرمين ومهربي المخدّرات والأعداء.
     وقد وضّحنا فيما سبق الموضوع بشكل تفصيلي خصوصاً الحِكمة من الجِزية ، فكل الآيات إنما جاءت من منبع واحد، وكلها تؤخذ معاً ضمن دستور متكامل لسعادة الإنسان الذي يحترم إنسانيته ، أما الإنسان الذي يعيث فساداً في الأرض ، فهو يتحمل كامل المسؤولية عن أفعاله الشريرة التي ينبغي التصدي لها بالحزم حتى الوصول إلى كوكب أرضي نقي من المجرمين وأعداء اللهِ تعالى، وأعداء الإنسانية والحياة.
} فَقَاتِلُوا التِي تَبْغِي حَتى تَفيء إِلَى أَمْرِ اللهِ {
 [ الحجرات : 9]
     هذه الآية الشريفة تدحض المزاعمَ القائلة بأن الإسلام وضع السيف على رقاب غير المسلمين عبر قتالهم ، في حين أنه حمى المسلمين من السيف. فهذه الآية تتحدث عن البغاة من المسلمين الذين يجب قتالهم كمرحلة أخيرة إذا تعذّر الإصلاح بين الفئتين المتنازعتَيْن. إذن ، فالتشريع الإسلامي شامل للمسلمين وغيرهم ، والقتال غير مُوَجّه للكفار فقط . فكل من يتورط في مشاكل عليه أن يتحمل المسؤوليةَ سواءٌ كان مسلماً أو كافراً . فالمسلم ليس فوق القانون الإلهي والدستورِ القرآني، وفي بعض الأحيان يجب قتاله ضمن ضوابط وحالات خاصة، وهذا يدل_ بما لا يدع مجالاً للشك_ على أن القتال ليس مُوَجّهاً للكفار فَحَسْب ، بل مُوَجّهاً ضد كل أولئك الذين يستحقونه ومن ضمنهم المسلمون . فآخر الدواء الكَي ، وإذا تعذّرت كل الحلول فلا مناص من المواجهة المسلّحة لكي تعود الأمور إلى نصابها الصحيح . فقتلُ شخص أو ألف شخص أو مئة ألف شخص من البغاةِ الذين رفضوا الرجوعَ أفضل من ضياعِ الأُمة ، وتفرّقِ كلمتها ، وانتهاءِ وجودها .
     قال الطبري في تفسيره ( 11/ 386 ) : (( فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حُكم كتاب الله له وعليه ، وتعدّت ما جعل اللهُ عدلاً بين خَلقه ، وأجابت الأخرى منهما، } فقاتلوا التي تبغي { ، يقول : فقاتِلوا التي تعتدي ، وتأبى الإجابة إلى حُكم الله } حتى تفيء إلى أمر الله { ، يقول : حتى ترجع إلى حُكم الله الذي حَكم في كتابه بين خَلقه )) اهـ .
} لا يَسْتَوِي مِنكُم مَن أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ {
 [ الحديد : 10]
     لا مقارنة بين الذين أنفَقوا مالَهم وقاتلوا المشركين قبل فتح مكة، والذين أنفَقوا مالهم وقاتلوا بعد فتح مكة. ولا شك أن الذين أنفَقوا مالهم وقاتلوا الأعداء قبل فتح مكة أعظم درجةً ، وأسمى مكانةً ، وأقوى إيماناً .
     قال الصابوني في صفوة التفاسير ( 17/ 77) : (( أي لا يستوي في الفضل من أَنفق مالَه وقاتل الأعداء مع رسول الله قبل فتح مكة ، مع من أنفق ماله وقاتل بعد فتح مكة )) اهـ .
     والسبب في ذلك راجع إلى أنه قبل فتح مكة كان الإسلام محاصَراً بضراوة  ، والمسلمون يتعرضون لأشد أنواع التعذيب والمضايقة ، فكان الجهاد ضرورياً للغاية ضد الأعداء المسلّحين من المشركين، أما بعد فتح مكة فدخل الناس في دِين الله أفواجاً، وتحسنت حال المسلمين كثيراً . وهذه المفاضلة ليست للقتال العبثي ، أو القتل الفوضوي تجاه الأبرياء ، أو التطرف والإرهاب . بل هي مكافأة للذين أَنفقوا وقاتلوا الأعداءَ المسلّحين ، لذا فالقتال كان ضرورياً ومشروعاً ومُوَجّهاً ضد أعداء يرفعون السلاحَ ، فالأمر هو منتهى العدالة ، ونشر التسامح والسلام عن طريق التخلص من المحارِبين الذين يرفضون إنسانيةَ الإنسان .
} إِن اللهَ يُحِب الذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفاً  {
 [ الصف : 4]
     إن هذه الآية الشريفة تُوضّح حُب الله تعالى للمقاتِلين على شكل صفوف ثابتة متراصة ضد الأعداء المسلّحين ، وبالطبع فالحديث عن المعارك الحربية فلا يمكن حدوث صفوف إلا في المعارك ، ومن المعلوم أن أرض المعركة لا تحوي إلا على مقاتِلين ، فلا وجود للعُزّل أو المدنيين فيها من كلا الطرفين. إذن، هي مواجهة مسلّحة ضد الأعداء لنشر الإيمان دونما إكراه ، ونشر السلام في المجتمع عن طريق استئصال العناصر الفاسدة .
     وفي تفسير ابن كثير ( 4/ 458 ) أن سعيد بن جُبير قال : (( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يُقاتِل العدو إلا أن يصافهم ، وهذا تعليم من الله للمؤمنين )) اهـ .
     إن القتال والقتل في الإسلام منضبط بالحدود الشرعية ولا يؤخذ بشكل عبثي أو فوضوي ، فالقتال إنما يَحدث ضد أعداء محارِبين لا أبرياء مدنيين مساكين لا ناقة لهم ولا جَمل .

     ومن حق الإسلام بوصفه الدين السماوي الوحيد أن يحمي عقيدته وأتباعه من الأعداء المجرمين الذين يتربصون به مستخدمين أكثر الأسلحة تطوراً وفتكاً . لذا فالجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة ضد الكفار المحارِبين في كل زمان ومكان وفق الضوابط الشرعية ، واحترام حقوق الإنسان ، ونشر العدالة والسلام والخير عن طريق استئصال العناصر المتطرفة ، وقتلِ الوحوش البشرية الذين يريدون أن يظلوا كالأنعام يعبثون بمصير الآخرين ، ويُريدون تدميرَ مستقبل الأرض ، وإطفاءَ شُعلة الحضارة الإنسانية . 
facebook.com/abuawwad1982 

26‏/01‏/2014

أنا ميت وأنتظركِ كي تحييني / قصيدة

أنا ميت وأنتظركِ كي تحييني / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 24/1/2014

.........................

القططُ التائهة في ممالك الصقيع
يستأجرُ الليلكُ مشاعري في حفلة الحزن
وكان الزبدُ بندقيةً مأجورةً
يا جُرحاً باعه العشاق في المزاد العلني
زيِّني حقيبةَ السَّفر يا زوجة الخريف
وارحلي باتجاه غِناء الطيورِ
التي تظلل جثماني الخامس
ضوءُ الأحزان يُقشِّر جمجمتي 
كالبرتقال النازف هديلاً للغرباءِ
وظلالاً للعشاق الجدد
فكن واثقاً بالذكرياتِ
لتصبح شاعراً بين حدودِ اليمام وحدِّ السِّكين  
ولا تبكِ أمام قبر أُمِّكَ   
سَيُولَد الموتى من جروحِ السنبلة
فَعِشْ في قلب الإعصارِ
ليرحمكَ الإعصار حين يحرق ذكرياتكَ
على قرميدِ الأكواخ  
العصافيرُ ترمي عَرَقها في عِطْرِ الجنون
الزمانُ والمكانُ سجنان
والموتُ يحرِّرنا من أنفسنا وقهوةِ المساء
كلنا متعادلون كنظرياتِ الكيمياء
نتساوى في الموت العادل
تتمردُ أبجديتي على قصيدتي
والليلُ يَنسخ قصائدي
على رصاصةٍ مطاطية
نذوِّبُ رفاتَ البحيرة في إبريقِ الشَّاي
لكي نَهْربَ مِن الصور التذكارية  
كُن صديقي يا ضبابَ القصيدة
واحمل نعشي تحت قمر المدن الغريبة
وسجِّل قلبكَ ضد مجهول
وابكِ على الذين ماتوا
يحملونَ جنسيةَ الأعشاب
ليست أشلائي ذهباً لكنها تَلمع
والذكرياتُ دبابيس من برتقالٍ
ستولد دموعُ التفاح في ليل الشتاء
سأنتخب حزني قبل رحيل المطر
إلى ظلالِ السيوف  
وحين تحترقُ رمالُ قلوبنا بالحبِّ
سيكتبُ الموجُ على الحطبِ البارد أسماءَ العشاق
وحين يدسُّ القمرُ السمَّ في ذكرياتي تموتُ فراشاتي
فأولدُ شمساً تصقلُ أضرحةَ الكريستال  
أيتها الغريبةُ التي تصبُّ دموعَها
في أباريقِ الفخَّار
وتسكب دماءها في كوب العصير
اختفت ملامحي
لأن الضبابَ زرع الليمون في جسدي
سيخونكَ أسمنتُ الذاكرة
في ممرات الكهرمان

فلا تعشق غير حزنكَ المعدني .
facebook.com/abuawwad1982

22‏/01‏/2014

آيات القتل والقتال في القرآن الكريم / الجزء الرابع

آيات القتل والقتال في القرآن الكريم / الجزء الرابع

من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

.....................

} فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِن اللهَ قَتَلَهُمْ {
 [ الأنفال :17]
     الآيةُ تتحدث عن يوم بَدْر . وفيها رَد الفضلِ إلى اللهِ صاحبِ الفضل _ سبحانه وتعالى _ . وقد أُضيف القتل إليهم على جهة الكسب ، أمّا التأثيرُ فلله تعالى وَحْدَه . فهو _ سبحانه _ الذي قَتَلَهم بما يَسّره من الأسباب التي أدّت إلى هزيمة الأعداء وانتصارِ المسلمين . وهو _ سبحانه _ الذي أعانَ على الأعداء ، وبث في قلوبهم الرعب ، وثبّث قلوبَ المؤمنين .
     قال القرطبي في تفسيره ( 7/ 337 ) : (( أي يوم بدر . رُوِيَ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمّا صَدروا عن بدر ذَكَرَ كل واحد منهم ما فعل ، قتلتُ كذا، فعلتُ كذا، فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك ، فنزلت الآية إعلاماً بأن الله تعالى هو المميت والمقدّر لجميع الأشياء ، وأن العبد إنما يشارك بتكسّبه وقصده )) اهـ .
     والسياق  التاريخي للآية الشريفة يتضح في غزوة بدر ، لذلك فهذه الآية تتحدث عن معركة حقيقية ضد أعداء مُسلّحين لا أبرياء أو عُزّل ، وهم يستهدفون قتلَ المسلمين، والله تعالى قام بقتلهم ، أي إنه سهّل على المسلمين قتلَهم ، ومكّنهم من الكافرين ، وقادهم إلى مصارعهم . وهذا لا يتعارض مع كَوْن الله تعالى الرحمن الرحيم ، فالله تعالى هو الإله المتصرف وَحْدَه في الكون يَرحم مَن يَشاء ، ويُعذّب مَن يَشاء. ومن عادى اللهَ تعالى فعليه أن يتحمل المسؤولية ، وينتظر انتقام الله وعذابه . واللهُ تعالى لا يُكرم أعداءه ، بل يُهينهم ويَسحقهم . وهو _ سبحانه _ قتلَ أعداءه جزاء محاربتهم له، وقرّب أولياءه، فمن عمل خيراً وجد خيراً، ومن عمل غيرَ ذلك وجد غيرَ ذلك .
} يَا أَيهَا النبي حَرض الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ {
 [ الأنفال : 65]
     التحريضُ هو الحث على الشيء . والآيةُ تَأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحث المؤمنين على القتال .
     وقد يظن بعضُ المغرِضين أو العوام في الشرق أو الغرب بأن الآية الشريفة تدل على أن الله تعالى يأمر النبي بالكراهية والعنصرية تجاه الآخرين، وبث الحقد والقتال في النفوس دون وجه حق . وهذا الوهم ليس له أدنى نصيب من الحقيقة . وهو استنتاج مغلوط لأنه مبني على فرضية مغلوطة تغفل السياقَ التاريخي للنص . واعلم أن الأعداء كانوا يحيطون بالدولة الإسلامية من كل الجهات ، فقد قضى المسلمون جزءاً كبيراً جداً من أعمارهم ، وهم في حالة حرب . فلا يجوز إخراج الآيات التي تتحدث عن حالات الحرب ، ومحاولة إسقاطها على أوضاع السّلم ، والأوضاع الطبيعية . فالحرب حالة طوارئ خاصة تستدعي شحذاً للهمم ، وتحريضاً على القتال بكل الوسائل المعنوية والمادية . فلا يمكن أن أستقبل عدوي الذي يريد قتلي بالورود وعباراتِ الترحيب والاستقبال. إذن ، هي حالة حرب ، ولا بد من التعبئة المعنوية والعسكرية لقتال أعداء الحق من أجل إرساء دعائم الحق والعدل والأمان حتى تستقيم الحياة للناس ، فلا يعقل أن نترك كل مجرمٍ يعيث في الأرض فساداً ، ثم نمنحه وسام الشجاعة والأخوة الإنسانية . يجب قتل الأعداء المحارِبين الذين هم أعداء البراءة والأخوة الإنسانية والاحترام المتبادل .
     قال أبو السعود في تفسيره ( 4/ 34) : (( بَالِغْ في حثهم عليه _ أي القتال _ ، وترغيبهم فيه بكل ما أمكن من الأمور المرغّبة التي أَعْظمها تذكير وَعْده تعالى بالنصر ، وحُكمه بكفايته تعالى أو بكفايتهم . وأصل التحريض الحرض ، وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت )) اهـ .
} فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتموهُمْ {
 [ التوبة : 5]
     هذا أمرٌ إلهي للنبي صلى الله عليه وسلم إذا انقضى الأجل ، أن يَقتل المشركين حيثما وُجدوا ، سواءٌ كانوا في الحِل أو الْحَرَم . وذلك صيانةً للأشهر الْحُرُم من القتل والقتال .
     إذن ، مع رفع الأمان عن المشركين الذين لم يرتدعوا عن أفعالهم المعادية توجّب قتلهم لكي تأخذ الحياةُ دورتها الطبيعية ، والقتال حتى اعتناقهم الإسلام . لكن أحدهم قد يقول إن الله تعالى يقول :  } لا إِكْرَاهَ فِي الدينِ { [ البقرة: 256] ، فكيف يُقاتَلون حتى اعتناقهم للإسلام ؟! .
     فنقول يجب التمييز بين الكتابيين والمشركين ، فالإسلام خصّص مكانة معتبَرة لأهل الكتاب باعتبارهم شركاء مع المسلمين في بعض الأصول بعكس المشركين، فالمشرك لا يستند إلى أي كتاب سماوي ولا وَضعي ، بل هو يعبد أحجاراً من صنع يديه ، وبالتالي تم تصنيفهم كخونة خيانة عظمى عليهم السيف حتى يرتدعوا ويعتنقوا الإسلامَ ، ورُفِع عنهم شرعية الغطاء الإنساني لأنهم شواذ عَقَدياً ضد الإنسانية . وليس في ذلك إجبار أو إكراه ، أَرأيتَ المجرمين والقتلة وتجار المخدرات الذين يبيدون شعوباً بأسرها ، لا خيار أمامهم إلا أن يصبحوا مواطنين صالحين ، أو يلاقوا مصيرهم المحتوم وعقوبتهم الرادعة ، فمن غير المعقول أن نترك تاجرَ المخدرات حراً في تصرفاته بحجّة أن أفعاله حرية شخصية وقناعة ذاتية . والمشرك يريد فرضَ عبادة الأوثان في أرض الله ، فلا يعقل أن يجزيه الله خيراً على هذا الفعل . فكان لا بد من وضع حد لهم ، وإيقافهم عن طريق قتلهم واستئصالهم، لأن كل وسائل الحوار لم تنفع معهم، وفوق كل هذا فهم يحملون السلاحَ في وجوه المسلمين ، فكان لزاماً على نظام الدولة الإسلامية أن يضع حداً لهذه المهزلة ، لئلا يحدث تسيّب أو انفلات يقضي على كل المجتمع، ويعيد الناس إلى الوثنية التي هي ضد الله في أرض الله. أَرأيتَ لو أن شخصاً يشتم الحاكمَ في قصره ويرفع في وجهه السلاح ، أو يشتم الحكومةَ في المقرات الحكومية، ويقتل موظفي الدولة.ماذا ستكون رد فعل الأجهزة الأمنية ؟! . ولله المثل الأعلى ، فالأرض أرضه، ولا يقبل لأحد أن يشاركه فيها من أوثان المشركين وآلهتهم الوهمية ، فكان القتل الحل الوحيد والأكثر نجاعةً للتعامل مع هؤلاء الذين لا يُرسِلون ولا يَستقبلون، ولا يفهمون إلا لغة السيف .
     قال ابن الجوزي في زاد المسير ( 3/ 398 ) : (( قولُه تعالى: } فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ { فيها قَوْلان : أحدهما _ أنها رجب وذو القعدة وذو الحِجّة والْمُحرّم ، قاله الأكثرون . والثاني : أنها الأربعة الأشهر التي جُعلت لهم فيها السياحة ... فعلى هذا سُمّيت حَرَماً ، لأن دماء المشركين حُرّمت فيها )) اهـ .
} وَإِن نكَثُوا أَيْمَانَهُم مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمةَ الْكُفْرِ {
 [ التوبة : 12]
     فإن نقضَ المشركون أيمانهم وعهودهم ، وطعنوا في الإسلام ، أي عابوه وانتقصوه . فعندئذ لا عِصمة لدمائهم ، ويجب قتالُ أئمة الكفر ، وهُم رؤساء الضلال ( صناديد قُرَيْش ) الذين يَتْبعهم الناسُ ، ويَعتبرونهم القُدوة ، والمَثل الأعلى .
     ويظهر من سياق الآية الشريفة أن هؤلاء القوم ليس أبرياء أو مُسالِمين ، بل إنهم خانوا الأمانةَ بنكثهم أيمانهم من بعد عهودهم ، وأضف إلى هذا طعنهم في الإسلام بغير وجه حق ، وهذا نقلهم إلى دائرة الكافرِ المحارِب الذي يُقتَل أينما وُجِد في العالَم في كل زمان ومكان . فهذه الآية تتعامل مع أعداء فاعلين في عداوتهم لا مدنيين أبرياء . والبعض يظن واهماً أن الكافر المحارِب هو الذي يُوَجّه نحو المسلمين السلاح فَحَسْب، وهذا جزء من الحقيقة ، وليس كل الحقيقة ، فكل من حارب الإسلامَ    ( الدين السماوي الوحيد ) بأي شكل من الأشكال يجب قتله ، سواءٌ كانت حربه بالكلمة أو بالسيف أو بأي شكل آخر .
     وفي زاد المسير ( 3/ 404 ) : (( قال ابن عباس : نَزلت في أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش الذين نَقضوا العهدَ حين أعانوا بني بكر على خُزاعة حُلفاءِ رسول الله )) اهـ .
} أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَموا بِإِخْرَاجِ الرسُولِ وَهُم بَدؤوكم أَولَ مَرةٍ {
 [ التوبة : 13]
     هذا التوبيخُ يَحمل معنى الحض على قتالهم . وسببُ نزول الآية هو نقض قُرَيْش عهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي عاهدهم بالحديبية ، حيث أعانوا بني بكر على خُزاعة ( حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ) . وقد هموا بإخراج الرسول من مكة ، حين اجتمعوا في دار الندوة ، وتشاوروا في أمره صلى الله عليه وسلم . وهؤلاء المشركون هم الذين بدأوا القتالَ يَوم بَدْر ، والبادئُ أظلم .
     وقال الطبري في تفسيره ( 6/ 331 ) : (( يقول تعالى ذِكره للمؤمنين بالله ورسوله حاضاً لهم على جهاد أعدائهم من المشركين : } أَلا تُقَاتِلُونَ { أيها المؤمنون هؤلاء المشركين الذين نَقضوا العهدَ الذي بينكم وبينهم ، وطَعنوا في دِينكم، وظاهروا عليكم أعداءكم ، } وَهَموا بِإِخْرَاجِ الرسُولِ { مِن بَين أظهرهم فأخرَجوه ، } وَهُم بَدؤوكم أَولَ مَرةٍ { بالقتال ، يعني فِعلهم ذلك يوم بدر ، وقيل : قتالهم حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن خُزاعة )) اهـ .
     والآيةُ الشريفة توضّح _ بلا أدنى لَبْس _ عِلّةَ القتال ضد هؤلاء الشاذين عن المسار الإنساني الحضاري ، فهم قومٌ نكثوا أيمانهم وعهودهم والشروطَ التي أعلنوا التزامهم بتطبيقها، وعملوا جاهدين لإخراج النبي صلى الله عليه وسلم عبر التضييق عليه ، ومحاصرته بكل السبل، فكانوا سببَ خروجه ، وهُم الذين اعتدوا على المؤمنين أول مرة ، فكان بدء القتال منهم ، وكل هذه الأفعال العدائية يجب أن يتم التصدي لها بشكل حازم ، لذا جاء تحريض المؤمنين على القتال ( ردة الفعل ) لكف عدوان المشركين (الفِعل) وتحجيمهم ، وتثبيت دعائم الوجود الإسلامي الذي ينشر الرحمة والعدل والتسامح بعد أن يتم استئصال العناصر المسعورة التي لا تُرسِل ولا تَستقبِل . فلا بد للعقيدة من قوة تحميها ، ولا بد للقوة من عقيدة تُوجّهها . والإسلامُ مُصْحَفٌ وَسَيْف ، لا يُقبَل أحدهما بدون الآخر . ولكل مقامٍ مقال ، ففي بعض الأحيان يكون الكلامُ هو وسيلة الحوار ، وفي أحيان أخرى يكون السيف وسيلة الحوار مع بشر صاروا حيواناتٍ همجية، وأضل من الحيوانات . فهؤلاء لا يفهمون إلا لغة السيف ، مثلما تتعامل أية دولة في العالَم مع أعدائها، ومع الخونةِ من شعبها، ومع تجار المخدرات ، والقتلة ، الذين يريدون الدمارَ للعالَم .
} قَاتِلُوهُمْ يُعَذبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ {
 [ التوبة : 14]
     إنه أمرٌ إلهي بقتال الأعداء . وقد تكفّل اللهُ بقتلهم بأيدي المؤمنين ، وإذلالهم بالأسرِ والقهر.
     قال السيوطي في الدر المنثور ( 4/ 138 ) عن نزول الآية : (( وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة _ رضي الله عنه _ قال : نَزلت في خُزاعة )) اهـ .
     وقال الطبري في تفسيره ( 6/ 332 ): (( يقول تعالى ذِكره: قاتِلوا أيها المؤمنون بالله ورسوله هؤلاء المشركين الذين نكثوا أيمانهم ، ونقضوا عهودهم بينكم وبينهم ، وأخرجوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مِن بَين أظهرهم ، } يُعَذبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ { يقول : يقتلهم الله بأيديكم ، } وَيُخْزِهِمْ { يقول : ويذلهم بالأسر والقهر ، } وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ { فيعطيكم الظفر عليهم والغَلبة )) اهـ .
     نلاحظ من خلال السياق التاريخي للآية الشريفة أنها تتحدث عن المشركين الذين نقضوا عهودهم ، وتلبّسوا بالخيانة العظمى ، وأَعملوا سيوفَهم في رقاب الأبرياء ، وبالتأكيد فإن جزاءَ القتلِ القتلُ . لذا جاء الأمر الإلهي بوجوب قتال هؤلاء المجرمين وقتلهم لكي يُلاقوا جزاء أفعالهم .
     وكما قلنا في أكثر من موطن، فهذا الأمر الإلهي بالقتل ليس مُوَجّهاً ضد أبرياء أو مدنيين ، وإنما مُوَجّه ضد قتلة محترفين مُسلّحين لم يضعوا أَسلحتهم . ولا أظن أن هناك عاقلاً يتعاطف مع إرهاب المشركين بحق المؤمنين إلا أن يكون صاحب هوى، أو غرض مُبَيّت في رأسه للطعن بغير حق في القرآن الكريم، وهذا دَيْدن المستشرقين أصحاب المستوى الضحل عِلمياً، وصبيانهم من أبناء جِلْدتنا الذين يَحفظون كلمتين بالإنجليزية أو الفرنسية ، ويظنون أنفسهم شيوخاً للشافعي أو البخاري .
} قَاتِلُوا الذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ {
 [ التوبة : 29]
     نسخَ اللهُ جَل جلاله عفوَه عن المشركين والصفحَ عنهم ، بفرض قتالهم حتى يُصبحوا مؤمنين لا مكان في قلوبهم للكفر .
     قال الإمام الشافعي في الأُم ( 1/ 426) : (( فمن لم يزل على الشرك مقيماً لم يحول عنه إلى الإسلام ، فالقتل على الرجال دون النساء منهم )) اهـ .
     لقد سبق القول إن علينا التمييز بين المشركين الذين رُفِع الأمان عنهم لأنهم وصلوا إلى الدرك الأسفل من الحيوانية فلم يعد هناك فائدة منهم ، وبين الكتابيين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ، وبالتالي فالآية لا تشملهم . إذن ، الآية مختصة بالمشركين ، وقد سبق الحديث عن سبب رفع الأمان عنهم ، ووجوب قتلهم في تلك المرحلة ، أو أن يُعطوا الجِزيةَ وهم أذلة لقاء حمايتهم في ظل الدولة الإسلامية ، وخضوعاً لقوانين الشريعة الإسلامية ، وهذا ما تفعله كل الدول التي تضع قوانين وضرائب، وتجبر الشعبَ على التقيد بها للصالح العام من وجهة نظرها، وكَوْنهم أَذِلّة بسبب إقامتهم على الكفر ، فالكفر ذُل في الدارين ، ومن اعتنقه سيظل ذليلاً في كل حالاته وإنساناً درجةً عاشرة عَقَدياً، والعقائد لا مجاملة فيها ، ولا حياد فيها ، فالمؤمن مؤمن ، والكافر كافر ، وكل واحد منهما يتحمل المسؤولية أمام الله تعالى عن اختياره . لكن الفرق بين النظام الإسلامي السماوي، والأنظمة الوضعية، هو أن النظام الإسلامي لم يأتِ لاستغلال الناس وسرقتهم، وإجبار الناسِ على عبادة الحكام، بل جاء لينشر الخيرَ في المجتمع ، ويحافظ على الأمن والأمان في شتى المناحي .
     والجِزيةُ هي الخراج المقدّر على رؤوسهم ، وذلك مقابل تكفل الدولة بحماية نَفْس الذمي وماله وعِرضه ودِينه ، ولا يُكلّف حرباً ولا يدفع للدولة زكاة . فدافع الجِزية يُمنَح الأمان على نَفْسه وأسرته وممتلكاته ، وينطلق في أرجاء الدولة الإسلامية بكل أريحية ليقوم بالمشاريع التي يراها .
     والجِزيةُ ليست إجراءً استكبارياً أو استغلالياً ، لأن المسلم يدفع الزكاة بإرادته ورغم أنفه ، والذّمي مَعفي من دفع الزكاة ، فمسألة الدفع المادي ليست مُوَجّهة للذميين خاصة ، بل هي عامة للجميع ، لأننا نتحدث عن دولة ذات أركان ، وبحاجة إلى أموال لكي تقوم بواجباتها تجاه المنضوين تحت لوائها ، ولكي تستمر ، ولا تَسقط . 
} قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنى يُؤْفَكُون {
 [ التوبة : 30]
     أخزاهم اللهُ تعالى، كَيفَ يُصرَفون عن الهدى إلى الضلال. قال القرطبي في تفسيره ( 8/107): (( أي لعنهم الله ، يعني اليهود والنصارى ، لأن الملعون كالمقتول )) اهـ .
     وهذا اللعن والطرد من رحمة الله تعالى عادلٌ ومنطقي ، لأن الكافر يجب أن يَعلم أنه اختار الكفر ، أي محاربة الله تعالى ، ولكنّ رحمةَ اللهِ الواسعةَ سمحت له بالعيش بكرامة في هذه الدنيا ، لكي تُقام عليه الحُجّة يوم القيامة ، ويلقى مصيره العادل. وهذا لا يناقض التسامح الديني، فالمسلم يجب أن يعلم أنه مسلم، والكافر يجب أن يعلم أنه كافر، والمومس يجب أن تعلم أنها مومس ، واللص يجب أن يعلم أنه لص ، وهكذا . فالتسامح لا يقتضي إبطال عقائدنا من أجل سواد عيون الآخرين ، وكما أن شتم الله تعالى موجود في الإنجيل عبر استخدام عبارات التثليث ، وأن لله تعالى ولداً ، وأن المسيح الذي هو عبد الله ورسوله إلهٌ بُصِق عليه وصُلِبَ ، وأن زنا المحارم المنسوب للأنبياء ، ووصف أثداء الزانيات كما في سِفْر حزقيال[ الأصحاح الثالث والعشرون] في التوراة التي يقدسها اليهود والنصارى تُعتبَر من عقائد أهل الكتاب، ولهم كامل الحرية في اعتناقها ، ولا أحد يمنعهم من ذلك ، فيجب أن يحترموا عقائدَنا ، وألا يتدخلوا في مسارها، لأننا تركنا لهم حريةَ عباداتهم الباطلة رغم كل ما في الإنجيل والتوراة من أشياء لا تليق . فالمسلم يعتقد أن غير المسلم كافرٌ خالدٌ في النار ، واليهودي يعتبر كل ما سوى اليهودي كافراً، والنصراني يعتبر كل ما سوى النصراني كافراً لا يدخل الجنّة، وهذه عقائد. واللهُ تعالى يَحكمُ بين الناس فيما كانوا فيه يَختلفون . ولكن علينا التنبه إلى أن الأستاذ لا يمنح الترقيةَ لطالب مشاغب،والحكومة ترفض المعارِضين، ومدير العمل يطرد الموظف الكسول. وللهِ تعالى الْمَثَلُ الأعلى، فمن المحال أن يمنح اللهُ الجنةَ لأعدائه الذين يسبونه ليلَ نهار ، بل إنه تعالى طردهم ووعدهم جهنم جزاءَ أفعالهم ، ومع هذا أعطاهم فرصة العيش بسلام في الدنيا لئلا يكون لهم حَظ في الآخرة .
} وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافةً {
 [ التوبة : 36]
     هذه الآية الشريفة تهدف إلى الأمر برد العدوان الذي يتعرض له المسلمون ، فالأمر بقتال المشركين كافة إنما جاء لأنهم يقاتلون المسلمين كافة كما يتضح من السياق اللغوي للآية . وبالتالي كان هذا القتال في خانة رد الفعل المنطقي على الجرائم التي يرتكبها المشركون كافة مستخدمين عقلهم الجمعي، وإمكانياتهم الكلية ، وكل طاقتهم مجتمعةً ، ومن أجل رد هذا العدوان الجماعي كان لا بد من القتال الجماعي حتى تنكسر شوكة المشركين .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 465 ) : (( فيحتمل أنه منقطع عما قبله، وأنه مُستأنَف، ويكون من باب التهييج والتحضيض ، أي كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضاً لهم إذا حاربتموهم وقاتلتموهم بنظير ما يفعلون )) اهـ .
} يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ {
 [ التوبة : 111]
     إن هذه الآية _ التي مَدحت الذين يُقاتِلون في سبيل الله فَيَقْتُلون أو يُقْتَلُون _ ليست دافعاً للإرهاب والحقد والكراهية ، وإنما هي تأصيل شرعي تحدثنا عنه كثيراً عند شروحاتنا للآيات السابقة. فاللهُ تعالى حدّد القتالَ بأن يكون في سبيله ، أي وفق ضوابط شرعية ، وليس من أجل الاستعلاء في الأرض بغير الحق ، أو ابتزاز الآخرين ، ووأد إنسانيتهم . ولا مفر من التعامل مع بعض البشر الذين لا يَفهمون إلا لغة السيف ، وإذا لم يتم تطهير المجتمع العالمي منهم ، فسيصبح العالَم مكاناً موبوءاً فاسداً لا يصلح للحياة . وهكذا ، فلا بد من بتر العضو الفاسد من أجل الحفاظ على استمرارية الحياة في الجسد كاملاً .
     قال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 515 ): (( أي سواء قَتَلُوا أو قُتِلوا أو اجتمع لهم هذا وهذا ، فقد وَجبت لهم الجنّة )) اهـ .
     والجنة مكافأة لهم على عملهم الدؤوب في نشر السلام على الأرض عبر تصفية المحارِبين جسدياً الذين يريدون لكوكب الأرض الفساد والدمار . ومما لا شك فيه أن التخلص من العناصر السامة في أي مجتمع أمرٌ محمود ، يُقابَل بالترحاب من الآخرين لأن فيه استمرارية الحياة بصورة معتادة لأولئك الذين يريدون الحياةَ ويحترمون الحياةَ ، أما أولئك الذين يريدون سلب الحياةَ من الإنسان ، فيجب سلبُ الحياة منهم .
} يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الذِينَ يَلُونَكُم مِنَ الْكُفارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً {
 [ التوبة : 123]
     أمرَ اللهُ تعالى بقتال الأقرب فالأقرب ، وإظهار الشدة والصبر على القتال . وقد أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أولاً بإنذار عشيرته الأقربين . فالأقربُ هو الأحق بالرحمة والرعاية والنصيحة .
     وقال البغوي في تفسيره ( 1/ 113) : (( أُمروا بقتال الأقرب فالأقرب إليهم في الدار والنسب . قال ابن عباس _ رضي الله عنهما _ : مثل بني قريظة والنضير وخيبر ونحوها . وقيل : أراد بهم الروم لأنهم كانوا سكان الشام وكان الشام أقرب إلى المدينة من العراق )) اهـ .

     مما لا شك فيه أن المقصود في الآية هم الكفار المحارِبون الذين ينبغي قتلهم فوراً لتطهير المجتمع منهم ، والآيةُ ذات سياق تاريخي محدّد ، وهي أيضاً عامة لمواجهة الأعداء المحارِبين في كل زمان ومكان، وهذا هو العدل المطْلَق . ففي هذه الآية لا يوجد دعوة للقتل العبثي ، أو إبادة الآخرين ، أو ممارسة العنف الهمجي، بل هي مُوَجّهةٌ ضد مَن تُسوّل له نَفْسُه أن يحارِب الإسلامَ والمسلمين، وكل الدول في العالَم تقوم بحماية شعبها من الأعداء، وقتلهم للحفاظ على حياة شعبها . والدولة الإسلامية هي التي تُطَبّق تعاليمَ الله تعالى لا التعاليمَ الوضعية ، وهي تقوم بواجبها لحماية الناس من أولئك الذين رموا القيمة الإنسانية للحياة وراء لمعان سيوفهم المرفوعة في وجوه الأبرياء، وبالتالي كان لزاماً التدخل لوأد هذا الفساد في الأرض .
https://ar-ar.facebook.com/abuawwad1982