سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/10‏/2021

كنوت هامسون ودعم النازية

 

كنوت هامسون ودعم النازية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلد الكاتب النرويجي كنوت هامسون( 1859_ 1952) في منطقة لوم النرويجية ، لأسرة ريفية فقيرة. عاشَ طفولةً قاسية في رعاية عمِّه . وهذه الطفولة البائسة دفعته إلى ممارسة مهن بسيطة لكسب قُوت يَومه . سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أمل أن يبدأ حياته من جديد ، ويُودِّع حياة البؤس والشقاء . لكنه أُصيب بخيبة أمل كبيرة . فقد تعرَّف على الحياة الأمريكية بكل جوانبها ، واعتبرها حياةً مادية مُضادَّة للروح ، وغارقة في الاستهلاكية ، وسائرة ضد الإنسان والطبيعة . كما أنه لَم يقتنع بالديمقراطية الأمريكية ، واعتبرها مُزيَّفة وخادعة .

     يُعتبَر هامسون واحدًا من أبرز الروائيين العالميين في النصف الأول من القرن العشرين . وقد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1920 .

     في عام 1890 ، أصدر هامسون روايته " الجوع" التي حقَّقت نجاحًا عالميًّا ساحقًا ، وجَلبت له الشهرة والمجد الأدبي . وتروي مغامرات شاب جائع ، تصطدم مشاعره بالواقع الصعب ، ويشعر بأنه ضائع في مدينة صاخبة وقاسية . ومعَ أنه يحاول الحفاظ على تماسكه ومظهره الخارجي المحترم ، إلا أن انهيار وضعه الذهني والجسدي ، يكشف حالته السَّيئة . وقد كانت هذه الرواية بمثابة سيرة ذاتية للكاتب ، حيث عرض فيها تجربته الشخصية بشكل غير مباشر . وقد أدانَ في هذه الرواية الحضارة المادية المتوحِّشة التي تقتل الروحَ في الإنسان ، وتُدمِّر الطبيعةَ، وتُفسِد الحياة الإنسانية ، وتجعلها عبئًا ثقيلاً على كاهل الإنسان . وكانت جميع رواياته في مسيرته الإبداعية الطويلة تتمحور حول مبدأ " فضح المادية القاسية التي لوَّثت الحياة الإنسانية " . 

     والغريبُ في الأمر ، أن هامسون المدافع عن النَّزعة الإنسانية ضد المادية المتوحِّشة ، قد أيَّدَ هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية ، ودعمَ النازية بكل طاقته . فقد اعتبرَ هتلر هو الزعيم الْمُخَلِّص القادر على إقامة المجتمع الجديد المتحرِّر من كل الأمراض التي جلبتها الحضارة المادية . كما أنه اعتبرَ النازيةَ هي الخلاص الروحي لأزمة الفرد في المجتمع الاستهلاكي المضاد للإنسان والطبيعة . عانى هامسون في حياته كثيرًا. فقد أُصيب بعض أفراد عائلته بالجنون ، كما أن طفولته البائسة وفترة شبابه القاسية تركتا في نفْسه جروحًاً عميقةً . ولَم يستطيع التخلص من آثار هذه الجروح طيلة حياته، حتى بعد حصوله على جائزة نوبل، ونَيل الشهرة العالمية، والمجد الأدبي.كان شديد الإعجاب بنيتشه ، ورأى في فلسفته القوة الإنسانية ، والأنا العليا ، وفكرة " السوبرمان " .

     وربما أراد هامسون_ الذي عانى من الضعف والفقر والجوع والحرمان _ أن يُعَزِّيَ نفْسه بهذه الفلسفة ، وأن يبحث فيها عمَّا يَنقصه . لقد اعتبرَ فلسفةَ نيتشه انتقام الضحية من العالَم المادي القاسي ، وتعويضًا شخصيًّا له عن سنوات الفقر والجوع والمرض .

     كان هامسون فخورًا بأصوله الريفية ، وكان يتباهى أمام الناس بجذوره العائلية الضاربة في أعماق الرِّيف . كما أنه حاولَ جاهدًا أن يُؤسِّس في أعماله الأدبية ما سَمَّاه " الرومانسية الزراعية" المعادية لصخب المدينة الحديثة ، وقَسوة الحضارة المادية ، وقلق الإنسان الوجودي .

     وعلى الرغم من هذه المشاعر الدافئة تجاه الإنسان، والأحاسيسِ العميقة الرامية إلى تخليص الإنسان من مأزق الحياة المادية الاستهلاكية، إلا أنه قد سقط بصورة مرعبة في المجال السياسي. فقد أيَّد النازيين الذين جاؤوا إلى السُّلطة في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين ، وراحَ يَحُثُّهم على ضرورة حماية النرويج من " الخطر البريطاني " . وحين اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939 ، دعا أهل النرويج إلى مساندة النازيين، وتقديم كل أشكال الدعم لهم . وقد بدأ بنفْسه ، فلم يتردَّد في مقابلة غوبلز ( وزير الدعاية النازية ) ، كما أنه التقى الزعيم النازي هتلر شخصيًّا.

     كان دعم النازية عقيدة راسخة في قلب هامسون ، اعتنقها بكامل إرادته ، دون ضغط أو إكراه . وحتَّى بعد سقوط النازية ، وانهيار الدولة الألمانية ، وانتحار هتلر . قال هامسون مُمَجِّدًا   " القائد هتلر " : (( لقد كان مُصْلِحًا استثنائيًّا ، ومصيره التاريخي جعله يصطدم بفترة تاريخية اتَّسَمَت بعنف لا مثيل له . وهذا العنف هو الذي كان سببًا في سقوطه )) .

     وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، تَمَّت محاكمة هامسون ، وأُودِع في مصحَّة الأمراض العقلية . ومع هذا ، لَم يستسلم ، ولَم يُغيِّر أفكاره ، ولَم يعتذر عن مواقفه . بل كتب خطابًا للدفاع عن نفْسه ، وتبرير أفكاره ومواقفه . وهذا الخطاب ( الْمُرَافَعَة الأخيرة ) جاء بعنوان شِعري جذَّاب : " على الدروب حيث ينبت العشب " .‏

     أُصيب هامسون في حياته بنوبات عصبية حادة . وفي آخر حياته ، اشتدَّت عليه هذه النَّوبات، ولم يَعُدْ يَعرف ما يَقول وما يَفعل. وهذا الأمر فرض عليه عُزلةً قاسية . وكان أهل بلاده يعتبرونه خائنًا للوطن وعَميلاً للاحتلال الأجنبي . أمَّا رواياته التي كتبها ، فلا تزال حتَّى يومنا هذا ، تأسر ملايين القُرَّاء في أنحاء العالَم ، وتفتنهم بالأسلوب الأدبي الجذاب ، والأفكار العميقة .

     مِن أبرز أعماله الأدبية : الجوع ( 1890 ) . أسرار ( 1892) . لعبة الحياة ( 1896) . الحالمون ( 1904 ) . تحت ستار الخريف ( 1906) . نمو التربة ( 1917 ) .

30‏/10‏/2021

عناصر المجتمع الفلسفية

 

عناصر المجتمع الفلسفية

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

....................

1

     تحليل الأفكار لا يتم بِمَعْزِل عن حاجةِ الفرد إلى الانتماء، وحِرْصِه على تأكيد الذات، فالانتماءُ يَمنح الأفكارَ شرعيتها الوجودية ، ومَدَاها الأخلاقي ، ومَجَالها الحَيَوي . وتأكيدُ الذات يمنح الأفكارَ القُدرةَ على التعبير عن ذاتها، وتحقيق التوازن بين الخيال والواقع ، وإنشاء منظومة من التطبيقات الإبداعية على الأرض . وهذا يعني أن الأفكار مُجتمع مركزي شديد الاستقطاب ، يقوم على سياسة المحاور العقلانية التي تتوازى معَ الظواهر الثقافية، وتتقاطع معَ التجارب الاجتماعية . وبما أن الأفكار مُجتمع متكامل قائم بذاته ، فلا بُد أن يُنتج علاقات اجتماعية خاصَّة به . وإذا كانت الأفكارُ نَتَاج التفكير المُتكرِّر والتَّأمُّل العميق ، فإنَّ العلاقات الاجتماعية نَتَاج عملية التَّوليد المُستمر للأفكار ، التي تُؤَسِّس سُلطةَ المعرفة في بُنية المُجتمع الإنساني . وهذه السُّلطة _ بما تَملكه مِن آلِيَّات وأدوات _ قادرةٌ على تحويل الإفرازات الذهنية إلى سلوكيات عمليَّة ، ونقل الوَعْي الإنساني من المَبنى ( الشكل ) إلى المَعنى ( الجَوهر ) ، وعِندئذ يُصبح الخيالُ الهُلامي واقعًا مَحسوسًا ، وهذا يُساهم في بَلْوَرة شخصية الفرد الذاتية ، وتَكوينِ سُلطة المجتمع الاعتبارية . وكُل مُجتمع يَعرِف مَسَارَه ويُدرِك مَصِيرَه ، يَستمد قُوَّتَه الشرعية مِن سُلْطَتَين في آنٍ معًا : الوجود والمعرفة . وهاتان السُّلطتان تُحرِّران رُوحَ الوَعْي مِن جَسَد المنظومة الاستهلاكيَّة الماديَّة ، من أجل ضمان الانتقال السَّلِس للأفكار مِن الذهن المُجرَّد إلى الوجود المُحقَّق . وانتقالُ الأفكار يُمثِّل _ في واقع الأمر _ رحلةَ المجتمع من جسد اللامعنى في الفراغ إلى تجسيد المعنى في الوجود .

2

     كُلُّ عَلاقةٍ فِكرةٌ ، وكُلُّ فِكرةٍ سُلطةٌ . والمعرفةُ هي النَّوَاة المركزية بَيْن هاتَيْن القاعدتَيْن . وهذا يعني أنَّ الكَينونة الكامنة في جَوهر المُجتمع عبارة عن رِحلة وجودية مُستمرة لها خَط سَير يحتوي على معالم واضحة ، لكنَّها تُبدِّل مواضعَها، وهذه المعالم تُمثِّل عناصرَ المجتمع الفلسفية، وهي: العلاقة والفِكرة والسُّلطة والمعرفة . وحرف ( الواو ) يُفيد العَطْفَ، ولا يُفيد الترتيبَ أو التعقيبَ . وبالتالي ، فهذه العناصر الأربعة تُبدِّل مواضعَها ، وتُغيِّر أماكنَها ، ولَيس بالضَّرورة أن يَأتيَ كُل عُنصر بَعْد الآخَر . وسبب عدم الثبات يَعُود إلى أنَّ قيمة المعرفة نِسْبِيَّة ، ولَيست مُطْلَقَةً . وكُل أمر نِسبي هو مُتغيِّر ومُختلف باختلاف الزمان والمكان وطبيعة الناس . وهذه العناصر الأربعة يتمُّ صَهرها في بَوتقة المُجتمع ، فتُصبح جُزءًا مِن كِيَانه ، لا تَنفصل عن مَعَناه وحقيقة وجوده ، ولا يُمكن استرجاعها ، ولكن يُمكن مُلاحظة آثارها وتَتَبُّع تأثيرها .

3

     الخيالُ هو بدايةُ الإبداع ، لكن الواقع سابق على الخيال ، لأنَّ الفرد يأخذ الخِبرات مِن عَناصر البيئة المُحيطة به ، ويكتسب التجارب من المُكوِّنات الحياتيَّة التي يَستطيع إدراكَها . والإنسانُ إذا لَم يُدرِك شيئًا بِحَوَاسِّه ، فلا يُمكن أن يتخيَّله . وكما أن الخيال هو بداية الإبداع ، فإن الواقع هو بداية الخيال ، لأنَّ وظيفة الخيال تغيير الواقع ، وليست وظيفة الواقع تغيير الخيال ، وهذا يُثبِت أن الخيال مهما كان مُتَحَرِّرًا مِن ضُغوطات الأحداث اليوميَّة ، فهو تابع للواقع بشكل أوْ بآخَر . والخيال هو الوسيلة المعرفية ، والواقع هو الغاية الوجودية . وكما أنَّ المِلْح إذا ذابَ في الماء ، يُصبح جُزءًا مِن ماهيَّة الماء ، كذلك الخيال إذا ذاب في المجتمع ، يُصبح جُزءًا مِن حقيقة المجتمع الواقعية ، ولا يُمكن الفصل بين الخيال والواقع ، وإذا أفلتَ الشيءُ من سيطرة الفرد ، لا يُمكن استرجاعه ، أوْ إعادته إلى حالته الأُولَى .

4

     قُوَّةُ الخيال تتجلَّى في تَحويل الكَينونة الكامنة في جَوهر المُجتمع إلى كِيان إنساني مُتجدِّد ، يشتمل على أحلامِ الماضي، وأبعادِه الرمزية الحاملة للأفكار، وتَجَلِّياته في تطبيقات الحاضر المُعاش . وبعبارة أُخرى ، إنَّ مُهمة الخيال هي استعادة الحُلْم مِن الماضي، ومنع الفرد مِن أن يعيش الحاضرَ في الماضي ، لكي لا تُصبح الحياةُ التي لا تتكرَّر عبارة عن ماضٍ يتكرَّر . وإذا تجذَّرت الأفكارُ في حياة الفرد ، فإنَّه سيتأمَّل في ذاته ، للخُروج مِن ذاته المُحَاصَرَة بحُدود الزمان والمكان ، من أجل اقتحام المُستقبل بثقة وجُرأة. والتأمُّلُ في الذات ضروريٌّ للغاية ، لأنَّه الوسيلة لتحويل الألم الاجتماعي إلى لَذَّة فكرية، وهذا يمنع حُدوث اصطدام بين أحلام الفرد وطُموحات الجماعة ، فيجد الفردُ ذَاتَه ، ويصل إلى حالة الإشباع، وتجد الجماعةُ طريقَها ، وتصل إلى حالة الاكتفاء . والاتِّزانُ الاجتماعي يقوم على تقديرِ الإشباعِ الفردي ، وتحقيقِ الاكتفاء الجَمَاعي ، وتطبيقِ القِيَم الأخلاقية في الشعور والسُّلوك ، اللذَيْن يُساهمان في تكوين شخصية الفرد ، ظاهريًّا وباطنيًّا . ويُمكن تعريف الاتِّزان الاجتماعي بأنَّه إنشاء علاقات اجتماعية تقوم على التَّوفيق بين الأفكار المُؤثِّرة في الحياة الفردية والجماعية ، وهي الأفكار السُّلوكية والأفكار النَّفْسِيَّة .

29‏/10‏/2021

كنزابورو أوي ومناهضة الأسلحة النووية

 

كنزابورو أوي ومناهضة الأسلحة النووية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

......................


     وُلد الروائي الياباني كنزابورو أوي ( 1935_ ... ) في محافظة إهيمه في جزيرة شيكوكو . حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1994، بسبب " صناعة عالَم مُتخيَّل حيث تتكثَّف الحياة والأسطورة لتشكيل صورة مُثيرة للقلق مِن المأزق الإنساني اليومي " . وعندما حصل عليها أعلنَ توقفه عن الكتابة ، مُعْلِنًا بأن ابنه مِن ذوي الاحتياجات الخاصة أصبح صَوْتَه .

     كَرَّسَ أوي جُزءًا كبيرًا مِن خطاب استلامه لجائزة نوبل عن مواطنه ياسوناري كاواباتا ( أول ياباني يفوز بجائزة نوبل للآداب ) ، قائلاً إن غموض قصائد كاواباتا خاضع لتأثير الرهبان البوذيين في العُصور الوسطى ، الذين كانوا مصدر إلهام لكاواباتا . وبدلاً من الشعور بالتقارب الروحي مع مواطنه كاواباتا ، قال إِنه يشعر بتقارب أكبر مع الشاعر الأيرلندي وليام بتلر ييتس الذي كان له تأثير على كتاباته وحياته .

     يُعتبَر أوي شخصيةً كبيرة في الأدب الياباني المعاصر . كما أن رواياته وقصصه القصيرة ومقالاته المتأثِّرة بقوة بالأدب الفرنسي والأمريكي والنظرية الأدبية،تتعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية والفلسفية ، بما فيها الأسلحة النووية، والطاقة النووية، وعدم التوافق الاجتماعي ، والوجودية .

     ويُعَدُّ أحد أبرز مُمثِّلي جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية في الأدب الياباني ، على نحو يتَّضح في الكتابة، كما مِن أفكاره وموضوعاته القصصية وغَيرها .

     لفت أوي انتباه الوسط الأدبي عام 1957بعمل قصصي عنوانه " مِعطاؤون هُم الموتى " . وكانت روايته الأولى " أُقْطُف البُرعم ودَمِّر الذُّرِّية ( 1958) لَقِيَت إعجابًا واسع النطاق . ثم نال جائزة قَيِّمة بالنسبة لكاتب شاب على قصة له نُشرت عام 1958 أيضًا . إلا أن روايته " جيلنا " ( 1959) لَم تنل نفس التقدير .

     انشغل أوي بعد ذلك بالنشاط السياسي حيث كان ضمن اليسار الجديد،وألَّف في هذا السبيل عملاً بعنوان " مسألة شخصية " ( 1964) ، تناول فيه مشكلات الشباب في مرحلة ما بعد الحرب ، مُتَّخِذًا من شخصية ابنه هيكاري الذي وُلد مُعَاقًا ، محورًا ورمزًا لإعاقة أشمل .

     مِن أعمال أوي الأخرى الروايتان : " عَلِّمْنا كيف نتجاوز جنوننا " ( 1969) ، و" استيقظ أيها الإنسان الجديد " ( 1983) ، ودراسة للأساطير الإقليمية نشرت عام 1986 .

     وصدرت له بالإنجليزية مجموعة من المحاضرات التي ألقاها في السويد والولايات المتحدة بعنوان " اليابان الغامضة وأنا " ( 1995) . مِنها محاضرته في ستوكهولم ( عاصمة السويد ) ، والتي عَبَّرَ فيها عن شُعوره بتحوُّل اليابان إلى بلد غامض ، يَغترب عن تُراثه وانتمائه الثقافي القاري في محاولته لمواكبة رَكْب الحضارة الغربية .

     عُرف أوي بالتزامه المزدوج بمبدأين لَم يَحِد عنهما ، وهُما : الوصف الدقيق لمشاعر وخلجات الروح البشرية ، والتَّمسك بالمبادئ السياسية التي قامت عليها نهضة اليابان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .

     وقد شاركَ في حملات سلمية مُناهِضة للأسلحة النووية ، وألَّف كُتُبًا عن القصف الذَّري لهيروشيما وناغازاكي .

     وفي أعقاب كارثة فوكوشيما النووية عام 2011 ، حَثَّ أوي رئيسَ الوزراء الياباني على وقف خطط إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية والتخلي عنها . وقال إن اليابان تتحمل مسؤولية أخلاقية في هذا المجال .

28‏/10‏/2021

سي إس لويس والاهتمام بالأساطير

 

سي إس لويس والاهتمام بالأساطير

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...................

     وُلد الكاتب الأيرلندي كليف ستيبلز لويس ( 1898 _ 1963 ) في بلفاست. يُعرَف باسمه الأدبي الشهير"سي. إس. لويس". كان والده محاميًا،ووالدته ابنة كاهن كنيسة أيرلندا الإنكليكانية.

     عندما كان صبيًّا، كان لويس مفتونًا بِمُجسَّمات الحيوانات. سقط في حب قصص " بياتريكس بوتر " . وكثيرًا ما كتب قصصه الخاصة عن الحيوانات . هو وشقيقه وارني صنعا عالَم بوكسن، الذي تسكنه وتديره الحيوانات . أحب لويس القراءة ، وكان منزل والده مليئًا بالكتب .

     تعلم لويس مِن قِبَل مُدرِّسين خصوصيين قبل أن يتم إرساله إلى مدرسة ينيارد في واتفورد، هيرتفوردشاير في عام 1908 ، بعد وفاة والدته بمرض السرطان . وكان شقيقه قد التحق هناك قبل ثلاث سنوات.لَم يمضِ وقت طويل حتى تم إغلاق المدرسة بعد ذلك نظرًا لعدم وجود التلاميذ، وتحوَّلت إلى مستشفى للأمراض النفسية .

     التحق لويس بعد ذلك بكلية كامبل في شرق بلفاست ، نحو ميل من منزله، لكنه غادر بعد بضعة أشهر بسبب مشاكل في التنفس. وبعد ذلك أُرسِل إلى المدينة الصحية منتجع مالفيرن ، حيث حضر المدرسة الإعدادية " بيت شيربورج " . وكان خلال هذا الوقت قد تخلى عن الإيمان المسيحي الذي عاشه في طفولته ، وأصبح ملحدًا ، يهتم بالأساطير والسحر والتنجيم . وفي سبتمبر 1913 ، التحق لويس بكلية مالفيرن .

     عندما أصبح مراهقًا ، كان لويس مندهشًا من الأساطير والأغاني القديمة ( الأدب القديم مِن الدول الإسكندنافية المحفوظ في الملاحم الأيسلندية ) . وهذه الأساطير كثَّفت اشتياقه الداخلي الذي دعاه في وقت لاحق " الفرح " . نشأ أيضًا على حب الطبيعة وجمالها الذي جعله يتذكر قصص الشمال ، وقصص الشمال جعلته يتذكر جمال الطبيعة .

     انتقلت كتاباته في سن المراهقة بعيدًا عن حكايات بوكسن،وبدأ باستخدام أشكال فنية مختلفة، بما في ذلك الشعر الملحمي والأوبرا ، لتصبح اهتمامَه الجديد الذي حصل عليه في الميثولوجيا الإسكندنافية والعالَم الطبيعي.درس لويس الأدب اليوناني والأساطير، مِمَّا ساهم في تفعيل مهارات التفكير والمناقشه لديه . وفي عام 1916 ، حصل لويس على جائزة المنحة الدراسية بجامعة أكسفورد. وقبل أن يُسمَح له بحضور أكسفورد، تم تجنيد لويس في الحرب العالمية الأولى . وخبرته وسط أهوال الحرب ثبَّتت قناعته بالإلحاد .

     اختبرَ لويس صدمة ثقافية مُعيَّنة عند وصوله إلى إنجلترا ، وكتبَ في " أتعجَّب من الفرح " :  (( لا يوجد رَجل إنجليزي سوف يكون قادرًا على فهم انطباعاتي الأولى عن إنجلترا . اللهجات الإنجليزية الغريبة التي كُنتُ مُحاطًا بها ، تبدو مِثل أصوات الشياطين . ولكن ما كان أسوأ هي المناظر الطبيعية هناك . لقد صنعتُ خلافًا مُنذ ذلك الوقت ، ولكن في تلك اللحظة كُنتُ أكنُّ بداخلي كراهيةً لإنجلترا التي استغرقت سنوات عديدة للشفاء منها )) .

     تنوَّعت اهتمامات لويس بين أدب القرون الوسطى، وعلم العقائد في المسيحية، والنقد الأدبي، والبث الإذاعي ، والعلاقة الافتراضية بين الخير والشر، بالإضافة إلى سلسلة الأطفال الشهيرة التي كتبها " سجلات نارنيا " ، وكتب خيالية أخرى ، مِثل : رسائل سكروتيب ، وثلاثية الفضاء .

     كان لويس صديقًا حميمًا للكاتب تولكين ، مؤلف " سيِّد الخواتم " . وكان كلاهما شخصيتين بارزتين في الكلية الإنجليزية في جامعة أكسفورد ، وفي المجموعة الأدبية غير الرسمية في أكسفورد التي كانت معروفة بالإنكلينكز .

     وحَسَب مذكراته تحت عنوان " مفاجأة الفرح " ، كان لويس قد تعمَّدَ في كنيسة أيرلندا عند الولادة ، ولكنه ارتدَّ عن إيمانه في سن المراهقة. وبفضل تأثير تولكين وغيره من الأصدقاء، رجع لويس إلى المسيحية في الثلاثين من عُمره، وأصبح عضوًا عاديًّا في كنيسة إنجلترا . وقد أثَّرَ تحوُّله الديني تأثيرًا عميقًا على عمله ، وجلبت له إذاعاته في زمن الحرب العالمية الثانية بشأن المسيحية شهرة واسعة .

     في عام 1956 ، تزوَّج لويس من الكاتبة الأمريكية جوي جريشام، التي كانت أصغر منه بسبع عشرة سنة والتي تُوُفِّيت بعد أربع سنوات بسبب السرطان في الخامسة والأربعين من عُمرها.

     وتُوُفِّيَ لويس بعد ثلاث سنوات من وفاة زوجته ، بسبب أزمة قلبية ، قبل أسبوع واحد من عيد ميلاده الخامس والستين. وكانت التغطية الإعلامية بسيطة، نظرًا لتزامن وفاته مع اغتيال الرئيس الأمريكي كينيدي ، ووفاة الكاتب ألدوس هكسلي .

     تَمَّت ترجمة أعمال لويس إلى أكثر من ثلاثين لغة ، كما تَمَّ بيع ملايين النسخ منها عبر السنين. وكانت " سجلات نارنيا " الأكثر مبيعًا ، وتَمَّ تعميمها في أشكال مسرحية وتلفزيونية وإذاعية وسينمائية .

27‏/10‏/2021

كلود ليفي شتراوس والمنهج البنيوي

 

كلود ليفي شتراوس والمنهج البنيوي

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلد الفيلسوف الفرنسي كلود ليفي شتراوس ( 1908 _ 2009 ) بمدينة بروكسل في بلجيكا ، وتُوُفِّيَ بمدينة باريس في فرنسا .

     نشأ في جو مليء بالفنون والثقافة والأدب، فهو ابن فنان وحفيد حاخام . في عام 1914 ، وخلال نشوب الحرب العالمية الأولى ، انتقل مع أبويه إلى الإقامة في فرساي.ويبدو أنه كان طفلاً مُتَوَحِّدًا ، يميل إلى التفكير والتأمل الذاتي والقراءة . حيث اعتاد أن يصرف وقته في السير وحيدًا، يتأمل الطبيعة ، ويلتقط منها أغراضًا مختلفة من الأحجار والنباتات التي تُفيد في صناعة الفسيفساء، ويرى إن هذه العادات كانت هي الأصل في اهتمامه العميق بالجيولوجيا، مِمَّا كان له تأثيره اللاحق في منهجه البنيوي .

     في الفترة ( 1927 _ 1932 ) ، كان شتراوس طالبًا في جامعة باريس ، حيث حاز على إجازة في القانون والفلسفة ، واشتملت قراءاته في هذه المرحلة على أعلام المدرسة الفرنسية في علم الاجتماع. لكنه لَم يدرس العلوم إلا في مرحلة متأخرة . وبعد أن درس القانون لفترة قصيرة في جامعة باريس ، ابتدأ العمل مُدَرِّسًا في الليسيه . لكنه سُرعان ما تركه ليرتحل إلى البرازيل عام 1934 ، بعد أن عُرض عليه منصب أستاذ لعلم الاجتماع في جامعة ساوباولو ، إذ رأى في هذا المنصب فرصة للقيام برحلات للدرس الميداني في أدغال البرازيل .

     وفي عام 1939 ، استقالَ من جامعة ساوباولو ، وحصل على منحة من الحكومة الفرنسية للقيام ببعثة دراسية أوسع نطاقًا إلى وسط البرازيل ، حيث قام بدراسة عدد من القبائل البدائية، فكانت هذه الدراسة مُمَهِّدة لأفكاره التي تطورت فيما بعد . وفي عام 1940 ، عادَ إلى فرنسا للخدمة العسكرية ، ولكنه تركها ورحل إلى الولايات المتحدة بعد سقوط باريس عام 1941 ، حيث تولى في نيويورك منصبًا في الكلية الجديدة للبحث الاجتماعي عام 1943 . وقد أتاحت له فترة الإقامة هناك الفرصة لكتابة أطروحته في الدكتوراة " البُنى الأولية للقرابة ". وإقامة علاقة صداقة مع رومان ياكوبسون الذي قاده إلى الاهتمام بعلم اللغة البنيوي،فأسهمَ بمقال عن" التحليل البنيوي في علم اللغة والأنثروبولوجيا " ، نشره عام 1945 في مجلة حلقة نيويورك . وفي الفترة   ( 1946_ 1947 ) عمل في الملحق الثقافي في الولايات المتحدة . إلا أنه عاد إلى فرنسا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، إذ لَم تعرض عليه الكلية الجديدة وظيفة ثابتة .

     في عام 1950 ، أصبح مدير الدراسات في المعهد التطبيقي للدراسات العليا في جامعة باريس ( مختبر الأنثروبولوجيا الاجتماعية ) . وفي هذا العام أيضًا سافر إلى باكستان الشرقية للقيام برحلة بحث ميداني. وقد تَمَّ اختياره لكرسي الأنثروبولوجيا الاجتماعية في الكوليج دو فرانس(1959). وفي 1964 نال وسام جَوقة الشرف . وفي هذه المدة من حياته وما بعدها ، ألَّف شتراوس مجموعة من المؤلفات، وكتب العديد من المقالات التي نشرها في المجلات العالمية، والتي ضمَّها فيما بعد إلى مؤلفاته ، حيث تناول فيها دراسة الكثير من الظواهر وَفْق المنهج البنيوي . يُعَدُّ شتراوس أهم البنيويين المعاصرين، وأكثرهم شهرة، بل إن البنيوية ترتبط باسمه ارتباطًا مباشرًا ، وهذا ما جعل الباحثين يُطلِقون عليه عدد من الألقاب التي تُشير إلى مدى تأثيره وتأثره بالبنيويين والبنيوية عمومًا ، فَلُقِّبَ بعميد البنائيين، أو شيخ البنيويين، أو البُنيوي الأول، أو رائد البنيوية المعاصرة ، أو أكبر مهندسي الفكر في العصر الحديث ... إلخ . وهذا الاهتمام مِن قِبَل الباحثين به ، يرجع إلى استعماله المنهج البنيوي في كافة المجالات التي تطرَّق إليها بالبحث ، وخصوصًا في مجال الأنثروبولوجيا، وتمسُّكه بهذا المنهج ، فهو لَم يحاول كغيره من البنيويين أن يتجاوز هذا المنهج في دراساته وبحوثه ، أو أن يرفض إطلاق صفة البنيوي عليه كما فعل غَيره. إن لنشأة شتراوس وتربيته وإعداده العلمي أثرًا كبيرًا في اتساع أُفقه ، وتنوُّع اهتماماته والمصادر التي استلهم منها منهجه البنيوي. فذكرياته عن الطبيعة جعلته قريبًا من علم الجيولوجيا، وعشقه للموسيقى والفن كان تأثيره واضحًا في بحوثه ودراساته ، وخصوصًا فيما يتعلق بالأساطير ، فضلاً عن دراسته للفلسفة والقانون ، واتجاهه الاجتماعي والأنثروبولوجي ، كل ذلك جعله يبحث عن منهج جديد في البحث قادر على معالجة كافة المجالات ، وهو المنهج البنيوي ، حَسَب اعتقاد شتراوس ، ذلك المنهج الذي يبحث عن الحقيقة التي تكمن وراء الوقائع الملاحَظة.

     اشتق شتراوس المقارَبة البنيوية من عِلم اللغة البنيوي، وهو عِلم يدرس اللغات من خلال بُنية أصواتها وكلماتها . واستخدم المذهب البنيوي لدراسة العلاقات العائلية وأساطير الهنود الحمر، في الشمال والجنوب الأمريكي، وحتى طُرق الطهي، والأساطير عبر العالَم . وهي بالنسبة إليه تحولاتٌ من أسطورة إلى أخرى. فأساطير المجتمعات في هذا العالَم قد تبدو مختلفة، لكن إذا كان للأساطير بُنية واحدة ، فإنها يمكن بالفعل أن تُعبِّر عن الشيء نفْسه .

     مِن أبرز مؤلفاته : العِرق والتاريخ ( 1952 ) . مداريات حزينة ( 1955 ) . الفكر البري ( 1962 ) . الأسطورة والمعنى ( 1978 ) . طريق الأقنعة ( 1979) .

26‏/10‏/2021

كلود سيمون والرواية الجديدة

 

كلود سيمون والرواية الجديدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     وُلِدَ الأديب الفرنسي كلود سيمون ( 1913_ 2005) في أنتاناناريفو ( عاصمة مدغشقر ) لأب عسكري . وتُوُفِّيَ في باريس . كان يهتمُّ كذلك بالرسم والتصوير الفوتوغرافي . حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1985.

     يُعتبَر كلود سيمون من أبرز من أبرز كتاب الرواية الجديدة الفرنسية . تُوُفِّيَت والدته وهو في العاشرة مِنَ العُمر . وفي العام التالي فَقَدَ والدَه على جبهة القتال ، فَرَبَّته جَدَّته في منطقة بيربينيان جنوب فرنسا ، ويُعتبَر الى جانب كُتَّاب آخرين أمثال : ألان روب وناتالي ساروت ، مِن مُؤسِّسي جماعة أدبية عُرفت باسم الرواية الجديدة .

     في عام 1936، انضمَّ إلى الجمهوريين في إسبانيا . وانتسبَ إلى فِرقة الخيَّالة عام 1939 ، ووقع في الأسر خلال الحرب العالمية الثانية . وفي عام 1940تَمَكَّن مِن الفرار مِن مُعتقَل في ألمانيا، وعندما وصل إلى فرنسا الحرة تَحَوَّل إلى زراعة الكروم .

     صَدرت روايته الأولى " المخادع " بعد الحرب عام 1941 .تلتها ثلاث روايات أخرى قبل أن يُصبح معروفًا خارج فرنسا مَعَ " طريق الفلاندر "( 1960)، ويُصيب الشُّهرة مع رواية " تاريخ "   ( 1967) ، حيث يتداخل الواقع مَعَ الذاكرة والْحُلْم . وتُشكِّل الروايتان الأخيرتان مع رواية " القصر " الصادرة عام 1962 ، والتي تدور وقائعها على خلفية الحرب الأهلية الاسبانية ثلاثيةً بناها الكاتب على ذِكرياته .

     وفي عام 1985 ، مُنح كلود سيمون جائزة نوبل للآداب . يَعترف سيمون بأن كتاباته الأولى لَم تكن بالجودة المطلوبة . لكنَّ إحدى مخطوطاته وصلت أواسط الخمسينيات إلى ألان روب الذي كان قد نشر روايتين انقسم حولهما النقاد الفرنسيون . وكان ألان روب مُستشارًا أدبِيًّا لدى منشورات ( مينوي ) . وهكذا بَدأت أعمال كلود سيمون ترى النُّورَ ، لدى دار النشر هذه التي ظَلَّ وَفِيًّا لها طوال حياته .

     نالَ سيمون جائزة صحيفة " الإكسبرس " عام 1960 ، عن روايته " طريق الفلاندر " ، ثُمَّ جائزة مديتشي عام 1967 عن كتابه " حكاية " . ومع حُلول السبعينيات، لَم تَعُد جماعة الرواية الجديدة تستثير النُّقادَ بكتاباتها المثيرة المستفزة ، وتَفَرَّقَ شَمْلُها ، لكن كلود سيمون وألان روب وناتالي ساروت واصلوا نشر روايات خارجة عن المألوف .

     ورغم توقُّف الجماعة عمليًّا ، إلا أن العشرات من الدراسات جَرَت حولها ، والكثير مِن الأُطروحات الجامعية ، داخل فرنسا وخارجها. وكان سيمون في مركز تلك الدراسات.

     وفي عام 1985 بعد أن نشر كتابه " الجيورجيون "، حاز سيمون على جائزة نوبل للآداب عن مُجمَل أعماله. وقد أثار إعلان الجائزة استغراب طائفة واسعة من مواطنيه الذين لَم يكونوا قَد سَمعوا باسمه . بَل سَارَعَ صحفيون فرنسيون إلى طلب معلومات عنه مِن زملاء لهم في الولايات المتحدة ، كَي يكتبوا عن الروائي الفرنسي الذي نال هذه الجائزة المرموقة .

     يُعتبَر سيمون أحد كبار كُتَّاب الذاكرة ، حيث اعتمدت أعمالُه الروائية على المزج بين ما هو سردي وما هو تاريخي ، ونجدها تجمع بين العذوبة والفوضى ورَونق ذكريات الماضي .

     حِينَ سُئل سيمون عن مصطلح ( الرواية الجديدة ) والذي حسبه النقاد عليه ، لَم يكن مُتَحَمِّسًا لِتَبَنِّي هذا المصطلح ، وقال إِنَّ ما أنجزه مِن إبداع روائي ، إنما كان ترجمةً حرفية لرؤية مُغايِرة للواقع ، ولتداعيات الحدث اليومي . ولَم يكن مُهْتَمًّا بنمط مُعيَّن للكتابة الروائية ، بَل هو التطلع لإنتاج نص فيه مِن ثراء الخصوصية الفنية ، ما ينتمي إليه دُون سِواه .

     والمُتمعِّن في كتابات سيمون الروائية ، يجد أن الحدث يَتَّسع ، ويتشابك ضِمن وَحدة درامية متكاملة .

     والجديرُ بالذِّكر أن سيمون كانَ مِن الْمُغرَمين جِدًّا بالرسم ، بَل إِن هَواه الأول في الفن كان مُتَّجِهًا إلى الرسم ، وظلَّ يُمارس طوال حياته هواية التصوير الفوتوغرافي وفن الكولاج ، ولا تخلو نصوص رواياته من كلام على رُسومات كبار الرَّسامين .

     مِن أبرز رواياته : الغش ( 1946) . طقوس الربيع ( 1954) . القصر ( 1962) . درس الأشياء ( 1975) . الدعوة ( 1987) . حديقة النباتات ( 1997) .

25‏/10‏/2021

كاميلو خوسيه ثيلا والسرقة الأدبية

 

كاميلو خوسيه ثيلا والسرقة الأدبية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

........................

     وُلد الأديب الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا ( 1916_ 2002) في مُقاطَعة لاكورونيا بغاليسيا ، وتُوُفِّيَ في مدريد . حاربَ إلى جانب الدكتاتور فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية ، ولكنه أصبح أحد مُنتقديه فيما بعد .

     شملت كتاباته الرواية والقصة القصيرة والحكايات والأسفار والمقالات والشِّعر والمسرحية واللغويات . عمل كاتبًا صحفِيًّا في أبرز الصُّحف الإسبانية ورئيس تحرير لمجلات أدبية .

     حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1989، وقالت الأكاديمية السويدية إنها تَمنح الجائزة : (( لأبرز شخصية في التجديد الأدبي الإسباني خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية )) .

     كما حصل على جائزة ثيربانتس عام 1995، التي هي أشهر وأهم جائزة إسبانية. ولكنه قبل الفوز بها، وصفها قائلاً : (( إذا لَم يَمنحوني جائزة ثيربانتس فهذا يدخل ضمن التقاليد الإسبانية، مثلما يُقتَل آل كينيدي في أمريكا . إنها جائزة مُغطاة بالفضلات )) .

     وحين فاز بجائزة نوبل ذهب لاستلام جائزته تُرافقه صديقته مارينا كاستانيو التي تصغره بأربعين سنة قبل أن يتزوجها فيما بعد ، تاركًا زوجته في البيت . كما لَم يترك في وصيته أموالاً لابنه .

     طُرد ثيلا من أربع مدارس ، وله آراء صادمة حول الشذوذ الجنسي ، وقد أصدر كتابين عن التعبيرات الجنسية والسُّوقية ، هُما : " القاموس السِّري" ( 1968) ، و" دائرة معارف الشهوة " ( 1976) .

     التحق ثيلا بكلية الطب بجامعة "كومبلوتينسي" بمدريد في عام 1934، ولكنه كان يغادر حلقاتها الدراسية ليحضر مُستمِعًا في كلية الفلسفة والآداب لمحاضرات الأدب الإسباني المعاصر التي كان يلقيها الشاعر الكبير بيدرو ساليناس .

     انفجرت الحرب الأهلية عام 1936 ، فترك ثيلا الدراسة، وشارك في الحرب إلى جانب قوات الجنرال فرانكو ، الدكتاتور الذي حكم إسبانيا بعد انتهاء الحرب . ثم عاد إلى الجامعة بعد الحرب ليدرس الحقوق عام 1940 ، وشهد هذا العام نشر كتاباته الأولى .

     كان يمينِيًّا مُحافِظًا ، ولهذا انضمَّ إلى القوات اليمينية التي كانت تحت قيادة الجنرال فرانكو وجُرح أثناء الحرب . وبعد بضعة أعوام من ذلك رفض دكتاتورية فرانكو ، واتَّخَذَ موقفًا مُستقلاًّ ومُستفِزًّا للسُّلطات .

     عُيِّنَ في عام 1947رئيسًا لنادي مدريد الأدبي ، واستقالَ قبل أن يُباشِر عمله احتجاجًا على إعدام أحد الشخصيات الفوضوية في آذار من العام ذاته . وَرَدًّا على موقفه هذا ، نشر بعض أنصار فرانكو وثيقةً قديمة تُثبِت تعامله مع جهاز القمع الفاشي ، مِمَّا جعل الكثيرين يتَّهمونه بخيانة قناعاته . وقد أثَّرت هذه الحادثة على حياته لمدة طويلة .

     استقرَّ ثيلا مُنذ مُنتصف الخمسينيات في جزيرة مايوركا،حيث أصدر مجلة أدبية بعنوان " أوراق القديس أرمادانس "، وعمل مُديرًا لها حتى عام 1979، وسمح فيها بظهور كتابات لكثير من الأدباء الإسبان ، الذين عاشوا في المنفى خلال عهد دكتاتورية فرانكو . وتَمَّ اختياره لعضوية الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية عام 1957. وعمل على إصدار مؤلفاته التي تَميَّزت بالتجديد اللفظي أكثر مِن تَمَيُّزِها بالشخصيات والحبكة. واعتمدَ فيها على تشويه الواقع بخلق شخصيات متطرفة وعنيفة، وربطها ببيئتها العائلية والاجتماعية .

     في المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في إسبانيا ، بعد وفاة الدكتاتور فرانكو عام 1975، كان ثيلا ضمن الأعضاء الذين عَيَّنهم الملِك خوان كارلوس بمجلس الشيوخ ، في أول فترة برلمانية في عهد الديمقراطية الإسبانية الحديثة، وشاركَ في مُراجعة نص الدُّستور الذي وضعه مجلس النُّواب الإسباني، ليكون بذلك مِن المساهِمين في بداية عصر الديمقراطية في بلاده .

     ظَهرت أولى رواياته الكبرى " عائلة باسكوال دوارتي " عام 1942، ورغم نجاحها الجماهيري الواسع، إلا أنها واجهت مشاكل مع الكنيسة،مِمَّا أدَّى إلى حظر نشر الطبعة الثانية مِنها في إسبانيا، فيما جرى نشرُها في الأرجنتين . وتُعتبَر هذه الرواية من أبرز رواياته ، وأكثرها مبيعًا ، ومِن أكثر الروايات الإسبانية ترجمةً إلى اللغات الأخرى أيضًا . وكان نجاح هذه الرواية هو الذي منحه الشُّهرة ، وقد ظهر فيها أسلوبه الخاص الذي مَيَّزَ أكثر مؤلفاته .

     بدأ كتابة أشهر رواياته " خلية النحل " عام 1944، ونُشرت في الأرجنتين عام 1951، إلا أن الرقابة حظرتها في إسبانيا ، لأنها كانت تصف الحياة البائسة لمجموعة من الأشخاص بمدريد ، في السنوات التالية مباشرة للحرب الأهلية .

     يُعتبَر ثيلا كاتبًا مُثيرًا للجدل بقوة ، والجدل مستمر حَوله حتى بعد وفاته . فهو _ على الرغم من إصداره مئة أثر أدبي _ مُتَّهَمٌ بسرقة إحدى الروايات التي أوصلته إلى المحكمة . فقد ادَّعت كارمن فورموسو أنه سرق روايتها " كارمن ، كارميلا ، كارمينا "، ونشرها تحت عنوان " صليب سان أنريس " . وقد مات ، ولا تزال القضية مفتوحة .

24‏/10‏/2021

كازوو إيشيغورو والنهايات المفتوحة

 

كازوو إيشيغورو والنهايات المفتوحة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

....................

     وُلد الروائي الياباني البريطاني كازو إيشيغورو ( 1954_ ...) في نجازاكي باليابان، وانتقلت أسرته للعيش في إنجلترا عام 1960، حتى يعمل والده في قطاع البترول في البحر الشمالي . وذهب لمدرسة ستوتون الابتدائية ، ثم مدرسة النحو لمقاطعة ووكنج في سوراي .

     وبعد الانتهاء من الدراسة قام بالسفر إلى أمريكا وكندا . وفي عام 1974، بدأ الدراسة في جامعة كنت، وتخرج عام 1978 بعد الحصول على الليسانس في اللغة الإنجليزية والفلسفة .

     وبعد قضاء عام في كتابة الأدب أكمل دراسته في جامعة إيست أنجليا ، حيث حصل على درجة الماجستير في الفنون في الكتابة الإبداعية عام 1980 . وحصل على الجنسية البريطانية عام 1982.

     يُعَدُّ واحدًا من أشهر مؤلفي الأدب المعاصرين في العالَم المتحدِّث بالإنجليزية، وحصل على أربعة ترشيحات لجائزة بوكر الأدبية، ونالها عام 1989 عن روايته " بقايا النهار " .

     وفي عام 2008، صَنَّفت صحيفة التايمز إيشيغورو في المرتبة الثانية والثلاثين ضمن قائمتها لأعظم خمسين مؤلفًا من عام 1945 .

     وفي عام 2017، تَمَّ منحه جائزة نوبل للآداب . وقالت لجنة الجائزة : (( إن الكاتب إيشيغورو كشف في رواياته المشحونة بالعواطف ، عن الهاوية الكامنة تحت شعورنا الوهمي بالتواصل مع العالَم )) .

     اشْتُهِر الكاتب البريطاني بروايته "بقايا النهار"، التي تحوَّلت فيما بعد لفيلم سينمائي ناجح من بطولة أنتوني هوبكنز وإيما تومسون.

     اهتمَّ إيشيغورو بالماضي والذكريات ، كما تناول موضوع الخيال العلمي والأفكار المستقبلية .   

     روايته " لا تدعني أرحل " ، تحمل صفات الخيال العلمي ، والنغمة المستقبلية ، لكن أحداثها تدور في الثمانينيات والتسعينيات.

     وروايته " مَن لا عزاء لهم " تدور أحداثها في مدينة لَم يُذكَر اسمها . و" بقايا النهار " تدور في منزل كبير في القرية ، يَملكه لورد إنجليزي في الفترة المحيطة بالحرب العالمية الثانية . و" فنان من العالَم الطافي " تدور أحداثها في مدينة يابانية خلال فترة إعادة الإعمار ، بعد استسلام اليابان عام 1945 .

     ويكون فيها الروائي ( الشخصية المركزية في الرواية ) مُجْبَرًا على الاتفاق مع دوره في الحرب العالمية الثانية ، ويجد نفسه في موضع الملامة مِن قِبَل الجيل الجديد ، الذي يَتَّهمه بِكَونه جزءًا من السياسة اليابانية الخارجية ، ومُجْبَرًا على مواجهة تقاليد وعادات العالَم الحديث الممثَّل في حفيده .

     كُتبت الرواية باستخدام ضمير المتكلِّم ، ويُعبِّر الراوي عن فشله . وتقنية إيشيغورو تسمح للشخصيات بالكشف عن فشلها ضِمْنًا خلال السرد . والقارئ يتعاطف مع الراوي مع معرفة أخطائه .

     ودائمًا تنتهي رويات إيشيغورو دون حل الصراع. والقضايا التي تواجهها شخصياته تُدفَن في الماضي ، وتظل بلا حلول ولا إجابات شافية .

     وبالتالي دائمًا تنتهي الروايات بنبرة من الإذعان الحزين . وتَقبل شخصياته الماضي ، وكيف صاروا ، ويكتشفون أن هذا الإدراك يُسبِّب الراحة ونهاية العذاب النفسي .

     مِن أبرز رواياته : منظر شاحب من التلال ( 1982) . فنان من العالَم الطافي ( 1986) . بقايا النهار ( 1989) . لا تدعني أرحل ( 2005) .