سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/07‏/2016

نشيد السراب / قصيدة

نشيد السراب / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

جريدة البناء اللبنانية 30/7/2016

.........................

أعْرِفُ الْمُدُنَ التي مَاتَ فِيها وَجْهي  
أعْرِفُ النِّساءَ اللواتي سَيَمْشِينَ في جِنازتي
تاريخُ الأمواجِ رَمَى أظافري في حُفرةِ الذاكرةِ
أرْكُضُ إلى شِتاءِ الأراملِ سَيفاً مَكسوراً
الرَّعْدُ في أعالي الجِبَالِ
وغاباتي مَنثورةٌ في الْهَياكلِ العَظمِيَّةِ
الثلجُ الأزرقُ يَقْطَعُ ضَفائرَ اليتيماتِ بِسَكاكينِ المطبخِ
وأنا اليَتيمُ في الحضاراتِ الموؤدةِ  
أنا النَّشيدُ المكسورُ في شَاطئِ الرُّعودِ
تَاريخي يَشْنُقُ تَاريخي
فَصِرْتُ تَاريخاً للرَّمْلِ المشنوقِ في أجفانِ البُحَيراتِ
لَم أجِدْ لَيْلاً يَتكدَّسُ على هاويةِ الْحُلْمِ  
فَخُذْ بِيَدِي أيُّها البَرْقُ نَحْوَ عُكَّازةِ أبي المقتولِ
سأتذكَّرُ الأمطارَ الصَّفراءَ في صَحراءِ اللازَوَرْدِ
اكتشفَ الصَّقيعُ في رِئةِ اللبُؤةِ مِصْفاةَ نِفْطٍ
والليلُ يُخَبِّئُ في صَدْري رِمَالَ البَحْرِ
وأسرارُ الدَّمِ تَصْعَدُ مِن يَاسَمِينِ الْمُدُنِ المهجورةِ  
لا فَرْقَ بَيْنَ كُرَياتِ دَمي وَكُرَاتِ التِّنسِ
خُدودي نَشيدُ السُّفُنِ الْمُحَطَّمَةِ
أُهَيِّئُ لِجُلُودِ الأمطارِ تَابوتَ الفَراشةِ
فيا كُلَّ الخِيَامِ الْمُتطايِرَةِ في الرِّيحِ
دَمْعي لاجِئٌ بِلا وَطَنٍ ولا مَنْفَى

وَالوَطَنُ تُفاحةُ الموْتِ .

29‏/07‏/2016

كارل غيلوروب وعقدة النقص

كارل غيلوروب وعقدة النقص

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 29/7/2016

.....................

   إن الشاعر كارل غيلوروب ( 1857_ 1919) أول دنماركي يفوز بجائزة نوبل للآداب في عام 1917 . وقد تقاسم الجائزة مع مواطنه هنريك بونتوبيدان .
     وُلد غيلوروب في أسرة مُثقفة ذات مكانة اجتماعية، فوالده كاهن مُتعمِّق في عِلم اللاهوت ، وله أتباع يُؤمنون بكلامه ، ويثقون بأفعاله. وهذا المناخ الدِّيني لم يكن معزولاً عن المجتمع ، بل كان مناخاً ممتلئاً بالقيم الوطنية والعاطفية ذات النَّزعة المثالية .
     وفي سن الثالثة عشرة ، حدثت الانعطافة الكبرى في حياة غيلوروب ، فقد تصادم مع عقيدته، وثار على الميراث الروحي لعائلته ، وتمرَّد على خلفيته الفكرية ، وتخاصم مع بيئته التي نشأ فيها . وصار من أتباع الكاتب جورج برانديس الذي يكتب روايات جريئة حول الجِنس المشاع والإلحاد.
     ومعَ مرور الوقت، بدأ غيلوروب يراجع حساباته متأثِّراً بأصوله الاجتماعية وخلفيته الدينية . وهذه المراجعة الفكرية بدأت تدريجياً ، وانتهت برفض تام لخط سَير الكاتب برانديس .
     وبعد القطيعة الشاملة بينه وبين أستاذه ومُلْهِمه ، استعادَ غيلوروب المناخ الديني ، والجو العاطفي ، والبُنية الوجدانية ، ووجد نفْسه مُنْجَذِباً إلى الثقافة الألمانية باعتبارها الثقافة المركزية العالية ، صاحبة الحضور الطاغي أوروبياً وعالمياً ، بعكس الثقافة الدنماركية التي تُعتبَر ثقافة محلية لا وزن لها خارج حدود الدنمارك .
     لقد أحسَّ غيلوروب بأنه ينتمي إلى بُنية ثقافية مُتدنِّية، وسيطرت عليه عُقدة الشعور بالنقص، فأراد الانتماء إلى أُمَّة ذات مكانة عالمية ، لذلك اختار ألمانيا وطناً له على الصعيدين الروحي والمادي ، ولم يجد أيَّة عقبة في طريقه ، فقد كانت زوجته ألمانية . وهذا سهَّل عليه الأمر .
     وفي عام 1892 ، استقرَّ في ألمانيا ، وصار يُصنِّف نفْسه كمواطن ألماني . وهذا الأمر جعل أبناء شعبه ينظرون إليه كخائن وعميل ، وصار مكروهاً في بلاده ، ومنبوذاً من قِبَل اليمين واليسار في الدنمارك . وقد كان انتماؤه الجديد إلى ألمانيا حقيقياً لا مصلحياً، فقد آمنَ بأهداف الإمبراطورية الألمانية بشكل كامل، وتشرَّب العواطف الألمانية بشكل تام لا لَبْسَ فيه . وهذا الأمر تجلَّى بوضوح في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918) ، إذ إنَّه اقتنع تماماً بأهداف ألمانيا في الحرب ، وتبنَّى وجهة نظرها كاملةً غير منقوصة .
     لقد كتب غيلوروب الشِّعر والرواية والمقالة. ومن أهم أعماله المبكِّرة رواية ( المتعلِّم الألماني ) التي تشير إلى حِدَّة الصراع الفكري . إذ إنها تحكي قصة شاب ينتقل إلى الإلحاد بعدما كان عالِماً دينياً ومُثقَّفاً . وقد تكون هذه الرواية المبكِّرة بمثابة السيرة الذاتية للكاتب مع تغيير أسماء الشخوص والأمكنة . ومن المعلوم أن الرواية الأولى لأي كاتب هي بمثابة سيرته الذاتية ، وتجربته الشخصية ، مع الاختلاف في مقدار الواقع والخيال .
     كما أنه تأثَّر بالبوذية بشكل واضح ، واحتلَّت الثقافة الشرقية جزءاً كبيراً من حياته ، وهذا التأثر يبرز في روايته ( الحاج / 1906 ) ، وهي تحكي رحلة ابن تاجر هندي من الازدهار الدنيوي والشهوات الجسدية إلى الرهبنة والانقطاع عن الدنيا ، مروراً بالتقلبات الفكرية والعقبات الاجتماعية . وبعد تجاوز التحديات ، يلتقي براهب غريب ومجهول ، كان في الحقيقة بوذا .

     مِن أبرز أعماله الأدبية : سنة واحدة من التشرد ( 1885) ، مينا ( 1889 ) ، على الحدود ( 1897) ، الغصن الذهبي ( 1917) . 

27‏/07‏/2016

رومان رولان محرر المسرح من البورجوازية

رومان رولان محرر المسرح من البورجوازية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة القدس العربي ، لندن ، 27/7/2016

..........................

     الأديب الفرنسي رومان رولان ( 1866_ 1944) ، هو أحد أبرز قادة الفكر المدافعين عن السلام العالمي وحقوق الإنسان . حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1915 ، تقديراً لأعماله الأدبية التي تمتاز بالمثالية النبيلة ، والقيم الإنسانية ، والشعور الوجداني ، والمحبة بين الشعوب .
     وُلد في بلدة كلاميسي من أسرة ريفية برجوازية عريقة . وتلقى تعليمه في مسقط رأسه ، ثم انتقل إلى باريس عام 1886 ، والتحق بمدرسة النورمال العليا . وأكمل دراسته حتى حصل على شهادة الدكتوراه في الآداب عام 1895 ، وكان موضوعها " أصول المسرح الغنائي الحديث " . ثُمَّ عُيِّن أستاذاً لتاريخ الفن في مدرسة النورمال العليا . وبعد ذلك تَمَّ تعيينه أستاذاً في جامعة السوربون العريقة ، حيث أدخل مادة تاريخ الموسيقى ، وبقي في الجامعة حتى عام 1911 .
     بدأ حياته الأدبية بكتابة عدد كبير من المسرحيات، ولم يكن هذا الأمر عفوياً أو صُدفةً، بل كان عن إصرار مسبق وتخطيط دقيق ، وتنفيذاً للأفكار المسيطرة على عقله ، والتي تتعلق بضرورة تجديد الفن المسرحي وفق الفلسفة التي شرحها في سلسلة مقالات كتبها بعنوان " مسرح الشعب " عام 1900 . وقد ارتبط اسمه بالمسرح الشعبي الذي دعا إليه ، ونظَّر له . ومع أن رولان لم يكن أول من طرح مفهوم " مسرح الشعب " ، إلا أنه مارس دوراً مهماً في تثبيت فكرته وتطبيقها.
     إن المنهج الفكري لهذا الكاتب يقوم على دراسة حياة العظماء الذين رأى فيهم قُدوةً سامية ، ومَثَلاً أعلى ، واعتبرهم النموذج الرفيع الذي يجب أن يصل إليه الفرد ، لذلك كتب عن بيتهوفن وتولستوي وغاندي وغيرهم ، وقد كان صديقاً شخصياً لغاندي .
     أمَّا فلسفته الإبداعية فتقوم على تحرير المسرح من برجوازيته ، ورفض المسرح الكلاسيكي . لذلك رفض فكرة توجُّه المسرح البرجوازي إلى النخبة ، وشدَّد على أهمية استعادة الطابع الاحتفالي الجماعي ، وتحويل العَرْض المسرحي إلى احتفال ثَوري وتظاهرة شعبية . وقد آمنَ بأن الفن المسرحي هو انعكاس لأفكار العصر الْمُعاش .
     كان في مقالاته مُتجرِّداً من الوطنية العمياء والقَومية العنصرية ، فلم يتأثر بالحماسة الخادعة التي كانت تنتشر في الأمم الأوروبية المتحاربة في الحربين العالميتين . وكان دائم السخرية من المفكرين ورجال الدِّين الذين خدعوا أبناء جِلْدتهم ، وخانوا المبادئ النبيلة ، وقد كان بإمكانهم تأدية مهمتهم الإنسانية الإصلاحية في الحياة على أكمل وجه .
     وقد اعتبره الكثيرون من النقاد كاتباً عالمياً ، يحمل هَمَّاً إنسانياً عاماً ، وفكراً كَوْنياً ، فلم يكتب لأمَّة مُعيَّنة ولا لشعب خاص . بل كتب للعالَم أجمع ، ونظر إلى الأمم والشعوب كعائلة إنسانية واحدة ، لا تُمزِّقها حدود ، ولا تُفرِّقها لهجات .
     كان رومان رولان واحداً من أكثر المثقفين اليساريين تأثيراً في فرنسا وأوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين ، وقاد مجموعة من التظاهرات الأممية التي رفضت الحرب والفاشية ، ودعت إلى السلام العالمي ، والأخوَّة بين البشر . وقد رفض الحروب بشكل قاطع . وعندما قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، كان موجوداً في جنيف ، وكتب عدداً من المقالات ، وطالب فيها بحقن الدماء ، وعودة السلام ، وإنقاذ أرواح الشباب الأبرياء الذين يُقتَلون ضمن لعبة يمارسها السياسيون . وهذا الموقف المعارض للحرب سَبَّبَ له الكثير من المتاعب ، وأكسبه عداوة شريحة واسعة من أبناء وطنه ، وأثارت الصحافة القومية الرأي العام ضِدَّه . كما استنكر الوحشية الألمانية التي أحرقت بلدة لوفان البلجيكية في رسالة وجَّهها للكاتب الألماني هاوبتمان .
     ولم يكتفِ بهذا ، بل هاجم النازيين أيضاً في الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939 ، واعتبر النظامَ النازي عدواً للإنسانية والتاريخ والحضارة ، وقائماً على امتهان كرامة الشعوب ، واحتقار الحياة الإنسانية ، وتدمير مُنجَزات الحضارة ، مُبَيِّناً أن الفكر الألماني الذي مجَّده ، ولا يزال يُمجِّده ، هو الفكر الذي يدعو إلى المساواة بين الأمم . وهذا الموقف الحاسم أثار حفيظة النازيين ، وجعلهم يُصنِّفون هذا الكاتب كعدو ، فتمَّ وضع اسمه في القائمة السوداء . لذلك ، بِمُجرَّد دخول النازيين فرنسا ، تَمَّ القبض عليه ، وأُرسِل إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا ، مِمَّا عجَّل بموته بعد أسابيع من تحرير فرنسا .
     لقد رفض رومان رولان الأفكار القومية العنصرية التي سيطرت على أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين ، وكان يأمل أن يرى أوروبا مُوحَّدة تحت شعار السلام والتحرر الفكري الإنساني . وقد طالب فرنسا وألمانيا باحترام حقوق الإنسان أثناء الحرب العالمية
الأولى في منشوره " خارج الْمُعترَك " ، وطرح موقفه الرافض للصراع الأوروبي _ الأوروبي في مجموعة من المقالات .

     من أبرز مسرحياته : الذئاب ( 1898 )، انتصار العقل ( 1899 ) ، دانتون ( 1900 ) ، انتصار الحرية      ( 1917 ). ومن أبرز كتبه التي تتناول سِيَر المشاهير : حياة بيتهوفن ( 1903) ، حياة تولستوي ( 1913) ، مهاتما غاندي ( 1926) .

24‏/07‏/2016

الشاعر هايدنستام وفرح الحياة

الشاعر هايدنستام وفرح الحياة

للكاتب / إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ،23/7/2016

.....................

    إنَّ الشاعر السويدي فرنر فون هايدنستام ( 1859_ 1940 ) يُعتبَر من أعمدة الأدب السويدي . التحق بالأكاديمية السويدية عام 1912 ، وحصل على جائزة نوبل للآداب عام 1916.
     تمتلئ قصائده بالبُنى الشعورية الإنسانية ، ويبرز فيها المسار النثري مع الفرح العظيم بالحياة وللحياة. وهذه القصائد مُشَرَّبة في بعض الأحيان بحب تاريخ السويد وتعظيمه،وممزوجة بالذكريات الآتية من المناظر الطبيعية ، ومُعتمِدة على الجوانب المادية للطبيعة .
     لقد كانت القصيدة في حياة هايدنستام عالَماً من الأحاسيس والمشاعر المرتبطة بالواقع المعاش ، وهذا الواقع يتحول إلى شعور غامض لذيذ ، له انعكاسات على طبيعة الوجود الإنساني بِرُمَّتِه . وتقديمُ النثر في الإطار الشعري دليلٌ على التمازجِ المعرفي ، واختلاطِ الأنماط الإبداعية في بَوتقة واحدة ، وهذا يُساعد على تحقيق الهدف الفكري المرسوم في ذهن الشاعر .
     كما أن قيمة الفرح المنتشرة في أعمال الشاعر ، هي تعظيم للحياة بكل أحلامها وآمالها وذكرياتها . وهذا الفرح ليس ساذجاً أو تفاؤلاً أعمى ، بل هو احتفال بالحياة باعتباره القيمة الوجودية الكبرى ، والفرصة الوحيدة الممنوحة للإنسان كي يَبنيَ الحضارةَ ، ويصنع التاريخ .
     وُلد الشاعر في مقاطعة أوريبرو لعائلة نبيلة . درس تاريخ اللوحات الفنية في أكاديمية ستوكهولم، ولكن سرعان ما غادر بسبب سوء حالته الصحية . ثم سافر في أوروبا وإفريقيا والشرق . وقد نشر مجموعته الشعرية الأولى " الحج " في عام 1888م . وهي عبارة عن مجموعة من القصائد مستوحاة من تجاربه في الشرق ، ورحلاته المتعددة ، وجَولاته في الأمكنة والأزمنة المختلفة . وهذه التجربة الشعرية تُمثِّل تَخَلِّياً عن المذهب الطبيعي الذي كان مُهيمناً على الأدب السويدي .
     ويظهر حُب هايدنستام للجمال في قصيدته الطويلة هانز من مجموعة ( قصائد / 1895 ). وفي عام 1897 قدَّم سلسلةً من الصور التاريخية للملك تشارلز الثاني عشر مُحاطاً بالفُرسان المخلصين له ، وهذا العمل يُظهِر عاطفة قومية قوية . وفي عام 1905 ، قدَّم قصة ملحمية عن زعماء السويد في العصور الوسطى .
     وفي عام 1910 احتدمَ الجدل في الصحافة السويدية بين عدد من الأدباء السويديين بسبب موضوع تدهور البروليتاريا في الأدب . وانقسم الأدباء السويديون إلى معسكرين متضادين ، وقد ساهم هايدنستام في هذه المعركة الأدبية ، فألَّف كُتَيِّباً يشرح وجهة نظره في موضوع انحطاط وسقوط فلسفة البروليتاريا في الأدب .
     جمع هايدنستام إنتاجه الفلسفي ، ونشره في عام 1915 . وهو يشتمل على موضوعات فلسفية تتمحور حول البُنية الطبقية البشرية، والرُّقِيِّ الإنساني، وماهية العزلة، وطبيعة العلاقات الاجتماعية .

     من أبرز أعماله : صُوَر من السَّفر ( 1888 ) ، تشارلز ( 1897 ) ، الملك ونشطاء حزبه (1902) ، الغابة ( 1904) . 

23‏/07‏/2016

تحديات في طريق القصيدة

تحديات في طريق القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

............................

     إن القيم الثورية التي تؤسسها القصيدةُ ، من شأنها إخراج الحلم البشري من زوايا العتمة إلى قلب النور ، عَبْر توليد ثقافة الأسئلة التي تُنقِّي رموزَ الذاكرة من الشظايا الفكرية المتوارَثة . مما يؤدي إلى إعادة إنتاج القوة الشعورية داخل الكيان الشعري ، وتفجيرِ الطاقة الرمزية في الأبجدية المعرفية المتحولة إلى نُظُم اجتماعية تخلو من التوحش ، وتظهر على شكل جرعات لغوية تنتشر في الأفق القصائدي . وهذا التكثيف المركَّب يُعتبَر تاريخاً جديداً لمراحل الحياة الاجتماعية بكل نجاحاتها وإخفاقاتها ، وتأسيساً للكيان الإنساني الذي تعاد صياغته من جديد .
     وهذا العالَم الجديد الذي تبنيه القصيدةُ ضروري للغاية من أجل كسرِ القوالب الجاهزة ، وتحطيمِ السلوكيات الثقافية النمطية المضادة للإبداعِ والتجديدِ ومنظومةِ الأسئلة المتحررة من سَطْوة التقليد .
     والمشكلة الفكرية التي تعترض طريق القصيدة تكمن في تفشي العوالم الوهمية التي تفرزها الأنساق المستبدة الحارسة لتاريخ الظلم الاجتماعي ، وهذا يؤدي إلى تجذر الأزمات الإنسانية ، وانتشارِ الفراغ الشامل في الأحاسيس البشرية ، وبالتالي تصبح الثقافة الشعرية في المجتمع الذي تم اختطافه من قِبَل الأوهام السُّلطوية ترفاً زائداً عن الحاجة ، وتجميعاً لفظياً مختلطاً يخلو من المعنى التطبيقي . وعندئذ تعجز القصيدةُ _ بسبب الضغط الاجتماعي السلبي_ عن تحليل الأنساق الإنسانية الحالمة ، وربطِ مسارات التاريخ بقيمة الهوية الإنسانية ، وتوليدِ أساس منطقي للفعل المجتمعي العمومي .

     وهذا الحصار الخانق الذي يُقيِّد حركةَ اللغة الشعرية يتطلب _ من أجل كسره _ أن تتفوق القصيدةُ على ذاتها . وهذه الخطوة الصاهرة للمراحل لا يمكن تطبيقها إلا عن طريق تكوين سلوكيات معرفية جديدة لا تكتفي بوصف الحراك الاجتماعي داخل أنظمة الشِّعر ، أو تشخيص الامتداد الشعري في الحياة الإنسانية، بل أيضاً تساهم في صناعة المجتمع الحاضن لأشكال الإبداع، والمنضوي تحت راية الأبجدية المتفجرة القادرة على منح الجماعة البشرية الخلود العابر للزمان والمكان .

20‏/07‏/2016

الشعر ومنظومة الأبجديات

الشعر ومنظومة الأبجديات

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................

    إن القصيدة عالَم واسع من الأبجديات المختصَرة . والأفقُ الشِّعري يعمل على سكب الأبجديات في كلماتٍ شِعرية ذات أبعاد شديدة التكثيف والرمزية. وهذه الفلسفة اللغوية من شأنها فتح آفاق جديدة تساهم في بَلْورة الحلم الاجتماعي على شكل ثقافة إنسانية كاسرة لعزلة المعنى في الأنساق المادية للمجتمع البشري المضطرِب . وليس هناك وصفة سحرية لانتشال المجتمع من الانكسار والتشظي . لكن ما ينبغي فِعْله_ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه _ هو نقل المجتمع البشري المتآكل إلى عالَم القصيدة . وهكذا تصير القصيدةُ مجتمعاً مُوازِياً للحالة المجتمعية الإنسانية . وتتحول القصيدةُ إلى مُخْتَبِر ومُخْتَبَر في آنٍ معاً . وهذا الفكرُ دائم التجريب والحركة والبحث . كما أن هذا الفكر يَنقل الأنساقَ الشِّعرية المحلِّقة إلى المجتمع البشري المخنوق لكسر عُزلته ، وتطهيره من التوحش ، وحَقْنه بالأمل. وضمن هذه العملية تتم إعادة هندسة المجتمع ، وولادة الجنين الإنساني من جديد . وكلما صنعنا ضوءاً جديداً في آخر نفق الكلمة ، أنتجنا أبجديةً جديدة ذات معايير اجتماعية تُطوِّر الأنساقَ الوجدانية للعمق البشري . وهكذا تبرز أهمية الخصائص اللغوية في التوفيق بين سياسة البناء الاجتماعي وسياسة الشِّعر . وهذا التوفيق ضروري للغاية ، لأنه يُعمِّق البعدَ الثقافي داخل أحاسيس الكائن الحي . وبدون التزاوج بين الثقافة والإحساسِ الإنساني، سَوْفَ تغدو أبجدية الشِّعر كومةَ أنقاض غارقة في التجريد العقيم .
     إن الأفكار الثقافية تنبع من طبيعة اللغة . كما أن القصائد تحولاتٌ أدبية واجتماعية تستند إلى إرادة الإنسان الذي يصنع التطورات التاريخية ، ويناضل في سبيل الوصول إلى قدرات فلسفية مؤثرة في الزمان والمكان . والجدير بالذِّكر أن السلوكيات القصائدية لا تخضع للتطورات التاريخية بقَدْر ما تخضع للتطور المعرفي للشاعر الذي يَفرض على التاريخ وجهة نظره .

     وفي ظل هذه التشابكات المعرفية ، يتضح أن النشاط الإنساني ما هو إلا رؤية شمولية تستشرف آفاقاً جديدة للبناء الشِّعري ، حيث يتم تشييد الأفكار الإنسانية ، وإعادة بناء مستويات الوعي الشامل على صعيد البنية التحتية للأبجدية والبنيةِ الفَوْقية اللغوية . وبالتالي فإن نسقاً اجتماعياً جديداً سَيَظهر معتمداً على المعطيات اللغوية للنص الشعري . الأمر الذي يؤدي إلى نقل النواة الفكرية الإنسانية إلى مرحلة العقل الجمعي . وهذه النقلة الحيوية لا يمكن أن تتم إلا في ظل وجود جسر قصائدي يربط بين المرحلتين ( النواة الفكرية / العقل الجمعي ) .

17‏/07‏/2016

القصيدة مشروع اجتماعي عام

القصيدة مشروع اجتماعي عام

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

......................

     إن الالتحام الشعري مع النسق الاجتماعي لا يُوفِّر أرضيةً صلبة للنهضة الفكرية فَحَسْب ، بل أيضاً يعمل على إخراج المجتمع من مأزق الإرباك اللغوي والارتباكِ الذهني . وهذا الالتحام امتدادٌ للقدرة الأبجدية على إنتاج أبجديات موازية ذات ارتباط وثيق بالتحولات الإنسانية العميقة الموزَّعة بين النهضة الواقعية وإعمارِ الخيال.
     وفي هذا الصدد نجد أن العلاقات الاجتماعية في نواة المجتمع القصائدي تتجسد بصورة متناغمة مع الطبيعة الثورية للفكر الثقافي المحتوي على اجتماعيات الزمكان ( الزمان_ المكان ). وبالتالي فإن الاتجاهات الأفقية والعمودية في تطورات القصيدة تترسخ وفق مبادئ الانتخاب الطبيعي للأفكار والخيالات المزروعة في قوالب الواقع المادي . وهذه العملية تؤدي إلى تثبيتِ العناصر الاجتماعية المبدِعة ، واستئصالِ نقاط الضعف في البنية الإنسانية ، وردمِ الهوة بين النظرية الشعرية وتطبيقاتها الواقعية . وهكذا يَتَمَوْضَع التفكير الثقافي الثائر في أقصى مدى ممكن .
     وعلى الرغم من سعي القصيدة الحثيث لصياغة مجتمع بشري متجانس ومتواصل روحياً ومادياً عن طريق تأسيس تاريخ ثقافي يزاوج بين أزمنة الفكر الإنساني وأمكنته ، إلا أن القصيدة _وَحْدَها_ ليس بوسعها تحويل المجتمع الاستهلاكي المقهور إلى مجتمع إنتاجي حُر. فالفكرُ الشعري هو الحاملُ لطاقة الاندفاع الإنساني ، وضابطُ إيقاع التشظي اللغوي ، لكن هذا الفكر بحاجة إلى أدوات تطبيقية تنقل التطلعات الاجتماعية المشروعة من حَيِّز التجريد الذهني الهلامي إلى ذاكرة الوجود المحسوس .

     وهذا التحدي يفرض على النسق القصائدي أن ينقل عوالمه من الشخصي إلى الجمعي ، ومن الجزئي إلى الكلي . وبعبارة أخرى تحويل القصيدة إلى مشروع اجتماعي وثقافي عام يشترك فيه الجميع. فلا بد للشعب أن يقود المسارَ الثقافي بنفْسه ، ويمارس هذه المغامرة بكل طاقاته ، ويكسر الأبراجَ العاجية التي تجعل الثقافة امتيازاً نخبوياً وليس مشروعاً جماهيرياً. فالقصيدة لا بد أن يكتبها المجتمع الإنساني تحقيقاً لمفهوم تجذير هوية الحلم الثوري العمومي . وهذا لا يعني الانسلاخ عن قيمة الهويات الذاتية ، وإنما يعني تكوين تيار اجتماعي عريض يحضن القصيدةَ بكل أطوارها ، ويُطبِّقها واقعاً ملموساً .

14‏/07‏/2016

أبعاد مغامرة الكتابة الشعرية

أبعاد مغامرة الكتابة الشعرية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

........................

 تنبثق شرعيةُ الولادة القصائدية من كَوْن الفعل الشعري مغامرةً دائمة ، وتنقيباً متواصلاً في منجم اللغة . وهذه المغامرة المدهِشة تؤسس مبدأ الدافعية المعنوية في النص ، حيث تتأجج منظومة الألفاظ والمعاني وتنطلق اعتماداً على القدرات الذاتية ضمن تيار تثويري يهدف إلى بناء دولة القصيدة. ومن هنا تبرز تطبيقات لغوية متجانسة تساهم بشكل فعال في صياغةِ مجتمع الكلمات ، وتحويلِ الذاكرة الشعرية إلى ثقافة عمومية ذات تماس مباشر مع حياة الفرد والجماعة ، واحتضانِ الجنين الشعري الذي يُمثِّل امتداداً للأبجدية الاجتماعية والأبجديةِ اللغوية .
     ومن خلال هذه المنظومة المتكاملة ، يتمكن الفعلُ اللغوي من اكتشاف أقاصي الوجدان المجتمعي الذي تندلع فيه الأحاسيس ، وتسيل منه القيم الكلماتية . وهذا الأمر شديد الأهمية لأن الكلمة هي العنصر الأكثر فاعلية في تشكيل الوعي الجمعي. وكلُّ المعاني الاجتماعية المؤسَّسة على أبعاد الكلمة رمزياً وواقعياً ، إنما تُشكِّل القاعدةَ الأساسية للحراك الإنساني . لذلك ليس من الغريب أن تضطلع المنظومة اللغوية الثورية بمهمة إيصال توهج الأبجدية الشِّعرية إلى عناصر المجتمع.
     وهذه الحركة الإبداعية الدؤوبة من شأنها تكريسُ القصيدة كقَوْمية قائمة بحد ذاتها، والحيلولةُ دون تحول القصيدة إلى نزعة عاطفية مُجرَّدة أو خطاب شعاراتي جامد ، وتنقيةُ الرمز الشعري من أضداد الذاكرة المجتمعية . والرمزُ ينبغي أن يحافظ على حضوره الصادم وبهائه الصافي ، إذ إن تعرية القصيدة من الرمز سيُحيلها إلى جثة هامدة، لأن الكلمات عندئذ ستفقد سُلطتها وسَطْوتها وشرعية وجودها وامتدادَ تواجدها. كما أن صلابة الرمز الشعري عامل مهم للحفاظ على تماسك القصيدة في معاركها المصيرية. وهذا الالتحام الثقافي ضروري لفهم طبيعة التكثيف اللغوي في عقل النَّص ، واستيعابِ الأساس الاجتماعي للفكر الشعري .

     وفي هذا الازدحام اللغوي والزخمِ الإبداعي ، ينبغي تذكُّر أن القصيدة تحارب على جبهتين : الأولى _ العلاقة السُّلطوية الملتبسة بين الذات الفردية والذات الجماعية ، والثانية_ تشابكات العقل الجمعي الوظيفي الذي يتعامل مع اللغة على أنها أداة توصيل فقط وليس كائناً حياً متكاملاً.

12‏/07‏/2016

خصائص الشعر الأساسية

خصائص الشعر الأساسية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

   إن المعطيات الجاهزة غير المستندة إلى الرؤية المعرفية ، تُعتبَر من أهم العقبات في طريق توليد القصيدة . وهذه المعطيات تقتل الروحَ الإبداعية في الأفق الشعري ، وتُقيِّد المعاني بأغلال الألفاظ الجامدة . وعندئذ تعجز القصيدةُ عن الوصول إلى الجماعة البشرية ، والتأثيرِ في مستويات الوعي الاجتماعي .
     ولا ينبغي للحراك الاجتماعي أن يتخندق في القصيدة ، أو تنكمش القصيدة على هامش المجتمع، لأن الأفق الشعري يستمد معناه من التأثير المتبادل بين المجتمع الكلماتي والمجتمع البشري. وعندئذ يتمكن الشِّعرُ من صناعة مجتمع منفتح لا يخاف من الشمس ، ولا يَدفن رأسه في التراب كالنعامة .
     ولا مفر من تلاقح الأفكار إذا أردنا تكوين جبهة شِعرية تمتلك أدواتِ التغيير ، وقادرة على الانتقال من التنظير إلى التطبيق ، ومن الوجود الهامشي إلى الوجود الفعال. إذ إن تلاقح الأفكار من شأنه توليد أبجديات اجتماعية ثورية داخل الأبجدية الأم. ووفقاً لهذه الدلالة المعرفية نتمكن من تحديد فكرة التوازي بين البعد الواقعي المحاصَر بالزمان والمكان ، وبين الأبعاد الخيالية المتجاوزة للتاريخ المحدودِ ، والجغرافيا المحصورةِ .
     وهذا التوازي ضروري للغاية لكي يحدث التوازن الذي يعيد ترتيب البيت الداخلي للقصيدة. فالتوازي والتوازن يُحدِّدان قواعدَ بناء النص الشعري وأصولَ تفسيره ، ويُكوِّنان الجنينَ الشعري الكاسر للحصار ، والقادر على اختراع تدفقات المعنى الهادر ، وتلقائيةِ اللفظ المندفع . 
     والأفق الشعري يحتوي على نواة مركزية _ مثل منبع النهر _ ، فإذا تم تحديدها بدقة ، سيتم تحديد روافد النهر الشعري ، ومدى قدرة النَّص على التأثر والتأثير بكل سلاسة . وهذه النواةُ لا يمكن كشفها والتعامل معها إلا بتوليد تقنيات ثقافية مُبْتَكَرَة قادرة على ربط الأبعاد الاجتماعية والأنساقِ القصائدية ضمن مناخ جماهيري عام ، وليس نخبوياً معزولاً عن الزمان والمكان .

     وفي ظل تفعيل هذه الأجواء الثقافية ، يمكن استيعاب مركزية الشِّعر الحضارية . والشِّعرُ _ في بعض الأحيان _ ينبغي أن يكون دواءً لا خُبزاً. ومن هنا تتحدد خصائص الشِّعر الأساسية، وهي : أن يكون الشِّعر على جرعات ، وتُعطَى لجميع الناس بغض النظر عن مستواهم الروحي والمادي ، ويكون الهدف منها إعادة بناء الإنسان .

10‏/07‏/2016

القصيدة خط الدفاع عن الحضارة

القصيدة خط الدفاع عن الحضارة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.................

     إن القصيدة ليست متحفاً يرتاده القادرون على الدفع،وإنما هي عالَم شعبي ونخبوي في آن معاً. والقصيدةُ سياسة منطقية تتمتع بالمشاعر الفياضة التي تزيد المجتمع قوةً لا ضعفاً . وكلما ازدادت أهميةُ القيمة الشعورية في الجماعة البشرية ، برز صوتُ الحياة في خصائص القصيدة ، واتضحت الهويةُ البشرية في قلب الكلمات. الأمر الذي يزيد الأفقَ الشعري اتساعاً ، وقدرةً على الصمود في وجه الانتكاسات الاجتماعية . وعندئذ تتحرك الكلماتُ وفق بوصلة المعنى ، ويتركز المعنى في أقصى مدى الكلمات. وهذه العلاقة الثنائية هي الضمانة الأكيدة لكي يرى المجتمعُ صورته في القصيدة ، ويتزاوج صوتُ الوجود البشري مع صوت القصيدة .
     ولا شك أن تمدد الفضاء الشعري في العلاقات الاجتماعية المتشابكة بين الفرد والجماعة والبيئة، من شأنه تأسيس نظام حياتي متمرد على الوهم ، لا يستسلم لإفرازات الحضارة المريضة ، ولا يقبل أن يوضع الإنسانُ على هامش الحياة . وكل المحاولات الحثيثة لبناء هذا النظام الحياتي إنما ترمي إلى توعية الفرد بأهميته المركزية في مجتمع الكائنات البشرية الحية ، وعوالمِ الكائنات الشعرية الحية .
     والقصيدةُ لا يمكن أن تولَد وتنمو إلا في محيط حَي وحُر ، لأن الحياة والحرية هما جناحا طائر الشِّعر ، وبدونهما سيتحول الشِّعر إلى جثة هامدة لن تستفيد من طوق النجاة ، ولا التنفس الاصطناعي . وإذا مات الشِّعرُ فإن الإنسان سيغدو ميتاً في الحياة ، تائهاً في دروبها بلا وُجهة . والإنسانُ يكتشف ذاته في أعماق النص الشعري الذي يلعب _ باقتدار _ دورَ المرشِد العارف بالطرقات المتشعبة ، والقادر على تحديد أقصر الطرق الموصلة إلى الهدف .
     والإنسانُ حينما يضع ثقته في النص الشعري ، فهو يراهن على المستقبل وفق بصيرة نافذة لا سذاجة عاطفية . فالشِّعرُ هو الْمُبصِر بين العميان ، والقادر على الرؤية في الظلام بلا مناظير ليلية .

     والمجتمع حينما يعتبر القصيدة خط الدفاع الأول عن التاريخ والجغرافيا ، هو الذي سيربح في نهاية المطاف، فعندئذ يكون المجتمع قد حافظ على وجوده أمام الهويات الدخيلة، وطَهَّر أجزاءه من التطرف والاستبداد ، وأرسى ثقافةَ الأسئلة والحوار بعيداً عن المعطيات الجاهزة ، والمسلَّماتِ الافتراضية ، وثقافةِ الجعجعة بلا طحن . 

08‏/07‏/2016

غرهارت هاوبتمان وقلق المصير

غرهارت هاوبتمان وقلق المصير

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 8/7/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.......................

     يُعَدُّ الأديب الألماني غرهارت هاوبتمان ( 1862_ 1946) من أهم أدباء الحركة الطبيعية في ألمانيا . وقد حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1912 .
     وُلد في بلدة أُوبر ، وهي منتجع صحي معروف في منطقة شليزيا ، وتُوُفِّيَ في المنطقة نفْسها    ( في بولونيا حالياً ). كان والده روبرت يمتلك فندقاً ومطعماً يُديرهما مع زوجته . وقد صار أخوه الأكبر كارل أديباً معروفاً .
     كان هاوبتمان منذ طفولته شخصية قلقة للغاية ، وشديدة الاضطراب ، لا يعرف الاستقرار ، ولا يدرك الهدف من حياته ، ولا يعرف الغاية من وجوده . وهذه الفوضى الشاملة قادته إلى ترك المدرسة قبل امتحانات الشهادة الثانوية ، وتحوَّل في عام 1878إلى المعهد الزراعي .
     وبين عامي 1880- 1885 درس النحت والتاريخ والرسم والتمثيل بشكل متقطع ، دون أن يتم أي فرع من هذه العلوم والفنون . وبالتالي ، لم يحصل على أية شهادة تُؤهِّله للعمل في أي مجال . وفي ظل هذا الضياع ، قام برحلة عبر بلدان شمالي البحر الأبيض المتوسط ، من أجل كسر الروتين في حياته ، وتحطيم الفوضى التي تحيط به من كل الجوانب . واستقر بضعة أشهر في روما .
     وفي عام 1885، تعرَّف في برلين على الشابة الثرية والجميلة ماري تينمان ، فتزوَّجا واستقرَّا في مَنْزل على بحيرة إركنر خارج برلين . وقد كان هذا الزواج هو المنعطف المصيري الذي غيَّر حياة هاوبتمان إلى الأبد . فهذا الشَّاب الضائع في متاهة الحياة بلا بوصلة ، والغارق في القلق والفوضى بلا هدف ، استطاع أن يجد حُبَّ حياته ، وها هو يكتشف جدوى حياته في شخصية زوجته التي أحبَّها ، واعتمد على ثروتها ، من أجل التفرغ للكتابة الأدبية . لقد كانت أموال زوجته هي حجر الزاوية في مشروعه الإبداعي . ولولا أموالها لَبَقِيَ تائهاً ومُتسكِّعاً في الدروب ، ومنسيَّاً في هذا العالَم .
     وصل هاوبتمان إلى حالة الهدوء والصفاء الذهني والمصالحة مع الذات ، فلم يعد يُفكِّر في تحصيل قُوت يَومه . وهذا جعله يَتفرَّغ للكتابة ، ويُركِّز على مشروعه الإبداعي الشخصي بعيداً عن ضغوطات الحياة المادية . فاتَّصل في عام 1888 بمجموعة أدبية من أتباع المذهب الطبيعي ، وهو مذهب في الفن والأدب ، نشأ في فرنسا عام 1880 ، وتميَّز بالنُّزوع إلى تطبيق مبادئ العلوم الطبيعية وأساليبها على الأدب والفن ، وبخاصة النظرة الداروينية إلى الطبيعة . وقد صار هاوبتمان أبرز مُمثِّلي المذهب الطبيعي في المسرح والرواية .
     وبعد هذا الشَّوط الطويل الذي قطعه هاوبتمان ، رجع إلى قلقه وحَيرته واضطرابه ، وسيطرت عليه حالة انعدام الاستقرار ، إذ إنه بدَّل مَنْزله خمس مرات ، وتنقَّل بين برلين وشليزيا وشاطئ بحر الشمال ، وسافر إلى عدد من الدول الأوروبية عدة مرات ، كما زار الولايات المتحدة في عام 1923 في جولة محاضرات واسعة عن الثقافة الألمانية بمناسبة مرور قرن على وفاة غوته .
     لم يهتم هاوبتمان بالفكر السياسي ، لكنه كان مُعارِضاً للنظام الملكي الفيلهلميني ( نسبة إلى سلالة الملك فيلهلم المستبد ) ، ومُؤيِّداً للفكر الجمهوري . أمَّا في الفترة النازية ، فقد انسحب من الحياة العامة ، واعتزل الناس ، ولزم بيته ، وفضَّل عدم التصادم مع النازيين ، وقد أخذ عليه الديمقراطيون واليساريون هذا الموقف السلبي المهادن .
     كان هاوبتمان مهتماً بقضايا عصره ، مثل قضية المنبوذين اجتماعياً واقتصادياً ، والمضطهَدين في الظروف الصعبة ، والذين يحاولون جاهدين تحرير أنفسهم من القيود الذاتية ، والقيود التي فرضها عليهم المجتمع ، ويُدافعون عن كرامتهم وحقوقهم الإنسانية المسلوبة .
     وفي مجال المسرح ، حقَّق هاوبتمان نجاحاً عالمياً وتأثيراً هائلاً ، فقد اعتمد على الصدق في تصوير مشكلات الواقع وصراعاته ، والتركيز على جوهر هذه المشكلات ، مِن دون ترهُّل في البنية الفنية ، أو ثرثرة لغوية لا فائدة منها .
     وقد كان في مسرحياته الطبيعية ملتزماً بالقضايا الاجتماعية ، ومُؤمناً بالفكر الثوري دون الارتباط بحزب سياسي أو أيديولوجية فكرية ضيِّقة . أمَّا في مسرحياته التي تنتمي إلى الرومانسية الجديدة ، فهي ذات طابع حكائي خُرافي ، تغيب فيها الصراعات الاجتماعية ، ويختفي مبدأ إدراك القوى المحرِّكة لها. لذلك فقدَ الكاتب تأثيره ، وعجز عن بناء مسرحيات متماسكة فنياً.

     مِن أبرز مسرحياته: قبل شروق الشمس ( 1889)، المصالحة ( 1890 ) ، النَّساجون ( 1892) ، معطف القندس ( 1893) . أمَّا أبرز رواياته : جزيرة الأم العظيمة ( 1928 ) ، الناس والروح ( 1932) ، مغامرة شبابي ( 1937) . 

06‏/07‏/2016

الشعر صوت من لا صوت له

الشعر صوت من لا صوت له

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.................

    إن القصيدة تستمد شرعيتها من انحيازها إلى القيم الجمالية ، وقضايا المنسيين في ضجيج الحياة. لذا فإن الشِّعر هو صوت مَن لا صوت له. ولا معنى للشِّعر الرامي إلى التسلية وزخرفةِ الكلمات . فالفكرُ الشعري هو صناعةُ الوعي الفكري المتفرع إلى وعي سياسي واجتماعي واقتصادي، وتحويلُ حِبر الكلمات إلى ذاكرة مجتمعية حاضنة للتاريخ الإنساني ، وجعلُ الألفاظ والمعاني كائناتٍ من لحم ودم .
     والفكرُ الشعري الحاسم هو محاولةٌ حثيثة لانتشال الفرد من ذاته، وإنقاذِ المجتمع الذي ينكمش تدريجياً . وهذه الغاية السامية تُشكِّل تحدياً كبيراً للقصيدة التي ينبغي أن تخرج من دائرة التجريد المغلَق والهلاميةِ العدمية، من أجل تكوين حكومة إنقاذ شِعرية تساهم في نمو الوعي بأهمية السلوك الفكري في تغيير المجتمع ، وبعث الحياة في كل جوانبه . وهذا لا يتأتى إلا عبر تكوين نسق أدبي معرفي رافض لكل الظواهر السلبية . فالرفضُ هو قوةُ الْمُتخيَّل وذهنيةُ المجتمع المتحول إلى مُقاتِل ضد الظلام .
     ولا يمكن للأفق الشعري أن يتغلغل في نواة المجتمع المركزية ، إلا إذا استند إلى قوة التشكيلات الذهنية الخاصة بالعناصر الأدبية. ولا فائدة من الحلم الشعري إذا لم يتم تكريس تكامُلية الصور الأدبية الْمُعبِّرة عن آلام الشعب وأحلامه .
     والصُّوَرُ الأدبية هي سياسة لغوية تضبط كلَّ التدفقات الاجتماعية التي تنتخب قوةَ المعنى ووحدةَ اللفظة . وهكذا تغدو المعاني جسداً واحداً يُعَبِّر عن التطورات الاجتماعية في القصيدة ، وتؤول الألفاظُ إلى غِربال يُصفِّي المجتمعَ الإنساني من هزائمه ، ويُنقِّي القصيدةَ من عناصر التفكك والعزلة . 

     إن القصيدة الحية في المجتمع الحي تُعَد خارطةً للسياسات المفصلية في الحياة المتفجرة ثورةً على الوهم . والمجتمعُ الفكري القصائدي يصنع عالَمه الخاص الحقيقي لا الصوري ، والذي ينطلق من الحاضر إلى المستقبل المشرق لا الملغوم . 

04‏/07‏/2016

موريس ماترلينك وغربة الروح

موريس ماترلينك وغربة الروح

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة القدس العربي ، لندن ، 4/7/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...............

     إن الكاتب والشاعر البلجيكي موريس ماترلينك ( 1862_ 1949) هو مثال واضح على الغربة المعنوية والاغتراب المكاني . فقد اختار الكتابة باللغة الفرنسية والانتماء إليها ، وهذا جعله مرفوضاً مِن قِبَل شريحة عريضة من أبناء شعبه .
     وُلد في مدينة غينت البلجيكية لعائلة ثرية ناطقة بالفرنسية . تلقى تعليمه في كلية يسوعية مُتشدِّدة جعلته يَحتقر الكاثوليكية ، وكل الديانات الأخرى . وقد كتب قصائد وروايات قصيرة أثناء دراسته ، ولكن والده كان يُحاول جاهداً إبعاده عن الأدب ، وتوجيهه نحو دراسة القانون . وقد خضع لرغبة والده ، وحصل على شهادة في القانون من جامعة غينت عام 1885. ثم سافر مباشرةً إلى باريس ، حيث قضى فيها عِدَّة أشهر ، وتقابل مع أدباء من الحركة الرمزية ، وحدث تأثير متبادل ، وتبادل للخبرات والأفكار والأحلام . وقد ذاع صيته في عام 1890 ، عندما كتب مقالاً عن رواية للكاتب أوكتاف ميربو في جريدة لوفيغارو الفرنسية ذات الشُّهرة الواسعة .
     حصل ماترلينك على جائزة نوبل للآداب عام 1911، بفضل أعماله الأدبية التي تُرَكِّز على قضية الموت ومعنى الحياة ، والمكتوبة بلغة جدَّدت في التيار الرمزي، كما جدَّدت في اللغة الفرنسية ذاتها . وهذا يتجلى في مسرحياته مثل : الأعمى ، والأخت بياتريس ، والطائر الأزرق . بالإضافة إلى مجموعات شعرية ودراسات ونصوص أدبية مُتنوعة ، جعلته أشهر أدباء بلجيكا في عصره .
     لقد تميَّزت أعماله الأدبية بالأبعاد الدرامية ، وقوة الخيال ، والنَّزعة الشِّعرية ، والإلهام العميق، وحضور الأساطير والخرافات ، وتحفيز مُخيِّلة القُرَّاء وإثارة مشاعرهم عن طريق توظيف الرمزية الغامضة . ومن الأمور الطريفة أن ماترلينك كان يريد أن يصبح جندياً في الجيش ، لكنَّ الحكومة رَدَّته قائلةً : إن قلمك أقوى من كتيبة من الجنود المسلَّحين .
     كان أول عمل له مجموعة شعرية بعنوان مُتحمِّس المخالب . ثم انتقل من الشِّعر إلى الكتابة المسرحية ، فأصدر في العام نفسه ( 1889 ) مسرحيته الأميرة مالين ، التي لَقِيَت إشادةً خاصةً من أوكتاف ميربو ( الناقد الأدبي في جريدة لوفيغارو ) عام 1890 . ثم تتابعت مسرحياته التي تحمل فكراً صوفياً مثل الدَّخيل ( 1890 ) ، الأعمى ( 1892) .
     وقد أتاحت له هذه المسرحيات فرصة التعرف إلى الممثلين والممثلات ، والتعامل معهم عن قُرب ، فأقام علاقة مع الممثلة جورجيت لبلان ، وأثناء هذه العلاقة كتب العديد من الأعمال ، مِن بينها كنز المتواضع ( 1896 ) ، والذي يُعتبَر العمل الأكثر شعبية .
     لقد عانى ماترلينك من غربة روحية عنيفة، وكان لها انعكاسات على الزمان والمكان. والإنسانُ هو ابن بيئته ، وإذا حاول الخروج من هذه البيئة ( الحاضنة ) أو التمرد عليها ، فلا بُدَّ أن يَدفع ضريبة هذا التمرد . فلا يوجد تمرُّد مجاني . وما مِن موقف يمر دون ثمن .
     لقد كان ماترلينك ينتمي إلى الأوساط الفلامندية ، ثم اختار الانتماء إلى اللغة الفرنسية لفظاً ومعنىً ، وهذا يعني أنه اختار الهوية الفرنسية بكل دلالاتها القومية ، مِمَّا جعل الكثيرين من أبناء جِلْدته يَنظرون إليه كخائن ومُنْشَق . كما أن الحكومة البلجيكية اعتبرت كتاباته تافهة ، لا تُؤهِّله للحصول على أي منصب حكومي ، فما كان من ماترلينك إلا أن أعلن تمرده على بلجيكيته ، واحتقاره لها . وهذه رَدَّة فِعل مُتوقَّعة ، لأنه لم يَحْظَ بالتقدير والاحترام مِن قِبَل حكومة بلاده .
     ثم جاءت الغربة المكانية ، فأدار ظَهْرَه لوطنه بلجيكا ، وانتقل إلى العيش في فرنسا ، باعتبارها وطنه الجديد . كما أن التربية الدينية المتطرِّفة التي تَلَقَّاها في صِباه ، جعلته رافضاً للكاثوليكية والأديان الأخرى . وهذا التَّشدد الديني ظهر في مسرحياته التي كانت تحمل نزعةً مسيحية متطرفة ، رافضة لقيم التسامح ، ولا تعترف بالآخَر ، سواءٌ كان مسيحياً أم غير مسيحي .
     وهذا التَّشدد الديني يُمكن فهمه في إطار الفِعل ورد الفِعل . إذ إن ماترلينك عاش منبوذاً ومرفوضاً مِن قِبَل حكومة بلاده وأبناء شعبه ، وبما أنه مرفوض مِن قِبَل الآخرين ، فهذا جعله رافضاً للآخرين . وقد بَقِيَت الحكومة البلجيكية تتجاهله ، حتى فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1911 ، مِمَّا أجبرَ الحكومة على الاعتراف به ، وتكريمه ، والاحتفال بإنجازه العالمي ، باعتباره أول كاتب بلجيكي يفوز بجائزة نوبل للآداب .
     من أبرز أعماله : مُتحمِّس المخالب ( 1889 ) ، الدخيل ( 1890 ) ، الأخت بياتريس     ( 1901) ، الطائر الأزرق ( 1909 )، حياة النمل الأبيض ( 1926)، قبل الصمت الكبير ( 1934) ، ظل الأجنحة ( 1936 ). 

02‏/07‏/2016

البعد الاجتماعي للتنوير الشعري

البعد الاجتماعي للتنوير الشعري

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...............

     يتجلى الدور التنويري للقصيدة في طرح الأسئلة الصادمة على المجتمع المخدَّر ، ليس من أجل تكثير الأسئلة وارتداء ثوب الثقافة ، وإنما من أجل الوصول إلى ذاكرة المعنى المنتشر في عنفوان اللفظ، والقضاءِ التام على ثقافة التلقين وظاهرةِ تفشي المسلَّمات الوهمية. وحينما يتجذر السؤالُ الحر كوسيلة معرفية ، فإن الأبجديات الثائرة سوف تحتشد في كلمة واحدة . وهذا هو التكثيف الدلالي الذي تؤسسه القصيدة بُغية إنهاء الجدل المستمر بين الجزءِ والكُل ، أو اللفظِ والمعنى . واعتماداً على هذه الرؤية الشمولية ، تنال القصيدةُ أهميتها المركزية باعتبارها فلسفة الإنسان المنطقية في عوالم اللامنطق .
     ولا يمكن للتنوير القصائدي أن يأخذ مداه إلا عن طريق سكب الطبيعة الوظيفية للتطور الاجتماعي في أنسجة تضاريس الذاكرة الإنسانية . مما يقود إلى أنسنة الطبيعة المادية للأشياء ، أي بعث الإحساس الإنساني في تفاصيل الزمان والمكان .
     والتنويرُ لا يمكن أن ينشأ في المجتمعات المتوحشة ، لذا كان من الضروري تجذير البعد الإنساني في العناصر كخطوة أساسية من أجل توليد نهضة شِعرية شاملة تستند إلى شرعية الوجود الاجتماعي الخالي من التوحش . ومن هنا نكتشف أهمية البيئة الحاضنة للإبداع الشعري في توفير الامتداد الفلسفي التنويري ، وحمايةِ الفرد والجماعة من الفوضى ، ووأدِ النَّزعات الاجتماعية العنيفة المضادة لماهية الإنسان .  

     ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن يقف التنويرُ الشعري موقف المتفرج أو موقف الحياد ، فالطبيعة الكلماتية للأفق القصائدي ذات خصائص ديناميكية تعيد بناءَ الكائن الحي ، وهندسةَ المساحات الشعورية في القوالب المجتمعية ، وصياغةَ المجتمع الاستهلاكي المادي العبثي وفق صور ثورية جديدة غير مُسَيْطَر عليها مِن قِبَل التيارات الاستغلالية . وهذا الأفق الجديد لا يُولَد إلا من المعاناة ، تماماً كالجنين الذي لا يأتي إلا بعد مخاض عسير .