سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

27‏/12‏/2017

الفيلسوف والعانس / الجزء الأول

الفيلسوف والعانس / الجزء الأول

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد 

...................

     قلتُ لكِ : لا أستطيع أن أُدمِّر نفْسي وأُضَحِّيَ بمستقبلي من أجلكِ . الفيلسوف لا يُدمِّر حياته من أجل العوانس . أنا صريح وواضح . والشخصُ الواضح لا يمكن أن يكون شخصاً حقيراً . أعرف أن المجتمع لا يحترم المرأة ، ولكن ما ذنبي أنا ؟ . هل مطلوب مني أن أكون كبش الفداء ، أو أن أقود جمعيات حقوق المرأة . هل أتحمل مسؤولية الهزيمة ؟. هل عليَّ وحدي أن أدفع الثمن وأدفع ضريبة العمل الذي لم أقم به. إن كان هذا يُريحك، فخذي أقواس النصر ، وأعطني أطلال الهزيمة . أنا وأنتِ ضحيتان ، كلانا يحمل وشم الهزيمة مع اختلاف الأسماء والوجوه والأقنعة .
     لن أستغرب إذا حقدتِ عليَّ، ولكني أُفضِّل أن أخسرك من أجل أن أربح نفْسي . وليس لديَّ وقت لكي ألعب بمشاعركِ . لا أُحب أن أخدعكِ . أكره الحبَّ حين يكون شفقةً وإحساناً . العانسُ أفضل من الزوجة المخدوعة . والعقيمُ أفضل من الأب الفاشل الذي سيَقود أبناءَه إلى الهلاك . والبكاء على الحب الوهمي أفضل من الاستمرار في هذه اللعبة القاتلة. لن ألعب دور الصياد. فلا تلعبي دور الفريسة. أنا أعرف أنَّكِ عانس ، وأعرفُ أنني عانسٌ ، وكلمة " عانس "  _ في اللغة _ تُطلَق على الرَّجل والمرأة. نحن متعادلان في أرض السراب. مات المحارِبُ، وماتت الأسيرة. أينَ أقواسُ النصر ؟. أينَ رايات القبائل؟ . أنا وأنتِ مهزومان . والتاريخُ يَكتبه المنتصرون. أعرف أنك تريدين اصطياد أي رَجل لكي يُريحك من ضغط الأهل ونظرة المجتمع ، لكني رَجل فاشل ، لا أَصْلُحُ أن أُكَوِّن أُسرةً صالحة. هكذا يصبح الاعتراف بالهزيمة انتصاراً ، ويصبح الصيادُ فريسةً ، والفريسةُ صياداً .
     أشعر بالوَحدة القاتلة . في دمي فراغ عاطفي رهيب . فهل الحل أن أُدمِّر نفْسي من أجل الآخرين ؟. هل هذه هي التَّضحية ؟. أشعرُ بعجزٍ رهيب، وكُلُّنا عاجزون. يحتلُّ قلبي حزنٌ غامض، وكُلُّنا غارقون في مشاعر الأرامل. أَخُونُ نفْسي معَ نفْسي. مُصابٌ أنا بِعُقدة الشُّعور بالنقص . ولا شيء يَنقصني سوى مضادات الاكتئاب . ارتديتُ الأقنعةَ لأُخفيَ وَجهي الميْت. أضعُ نظاراتٍ سوداء لأُخفيَ دُموعي. أضعُ العطر لأُخفيَ رائحةَ جُثتي . حاولتُ أن أكُون مُهرِّجاً يُضحك الناسَ ويَضحك معهم كَي يَنسى هُمومَه . ولكنَّ هذا المهرِّج يعود إلى بيته ، ويبكي أمام المرآة وحيداً .  لا زوجةٌ ولا دَولة . لا جُغرافيا ولا تاريخ . وعندما لا يَجِدُ الإنسانُ دَولةً يُصبِح هُوَ الدَّولةَ ، وعِندَما لا يَجِدُ قانوناً يَحميه يُصبِح هُوَ القانونَ ، ويُطبِّقه بِيَدَيْهِ .
     لا نستطيع أن نَخدع أنفسنا أمام المرايا . قلوبنا مرايا مكسورة . ونحن نُهاجر مِنَ الرمال إلى الصحراء ، ومن العطش إلى السراب. قَضَيْنا حياتنا نضحكُ على بعضنا. فلماذا نكذبُ أمامَ انكسار أرواحنا ؟. الاعتراف سَيِّد الأدلة . وبقائي حَيَّاً حتى هذه اللحظة دليلٌ على مَوتي . والأحزانُ تَدُلُّ النوارسَ على قبري .
     كُلُّ النساء اللواتي أحببتهنَّ تَزَوَّجْنَ غَيري . هَرَّبْتُ النساءَ من قلبي . وَهَرَبْنَ مِن عالَمي . البُوفيه مفتوح ، لكني فاقد الشهية . ولا ألومُ إلا نفْسي ، ولا أحتقر إلا نفْسي . أعترفُ _ وأنا بكامل قواي العقلية ولستُ واقعاً تحت أي ضغط _ أنني فاشل . واعترافي بالفشل هو النجاح الوحيد في حياتي . قد تَسألين بدافع الفُضول : لماذا هَرَبْتَ من النساء وهَرَبَت النساء مِنكَ ؟ . الجواب بسيط ، لأني مريضٌ نفسياً ، ومُصاب بعُقد نفسية لا حَصْرَ لها . أخافُ من الالتزام، وأخاف من تحمل المسؤولية. لا أقدر أن أتحمَّلها ، ولا أريد أن أتحملها . ولا توجد امرأة تنتظر رَجلاً إلى الأبد . وأريد أن أخبركِ بِسِر ، ولكنْ لا تُخبري أحداً : إن حياتي كُلَّها عُقَد نفسية تجاه النساء ، لذلك صرتُ فيلسوفاً ! . قد تقولين : هذا كلام مجانين . وأنا أقول: ومَن فِينا العاقلُ ؟. العُقلاء يُمارسون الجنونَ كسراً للملل والروتين . تماماً كالحدَّاد الذي يمارس مهنة النجارة ، أو السَّجان الذي يمارس مهنة الشاعر . والجنونُ الذي يُوصل إلى بَر الأمان أَفْضَلُ من العقل الذي يُوصل إلى الهاوية . وَلَن يَعرف السرابَ إلا مَن عاش في الصحراء ، ولن يَعرف العقربَ إلا مَن ذاق سُمَّه. ولن تعرفَ غِشاءَ البكارة إلا المرأة الْمُغْتَصَبَة .
     زمان ، كنتُ رومانسياً حالماً . والآن ، قلبي ماتَ ، لكني أمشي إلى حفلة تأبيني . أنا جثة هامدة ، لكني أحتفل بعيد ميلاد حفار قبري . أنا ضوء غامض في الزنزانة ، لكني أُهَنِّئ سَجَّاني بمناسبة ترقيته. كانت الرومانسيةُ كذبةً كُبرى صَدَّقْناها في لحظات ضَعفنا . حاوَلْنا أن نجد القوة في الحب ، لكنَّ الحضارة وَجدت القوة في الكراهية . كان الحب طابع بريد ، والرسالة لم تصل. كأنني أتوسَّل إلى الذكريات ، وأتسوَّل المشاعرَ . وكل شيء انتهى . ولكل بداية نهاية.
     رُبَّما كانت الذِّكرياتُ طَريقاً للخَلاصِ أو الهروبِ . رُبَّما أَكُونُ قَد عِشْتُ حَياتي قَبْلَ الآن في مكانٍ ما . وبما أنني جثة هامدة، ولا أمل لي في الحياة. اسمحي لي أن أكشف أسرارَ وصيتي. أنا الميتُ الحي لا الحي الميت. وانتظارُ الموت أشد من الموت. والانتظار دائماً صعب.
     فلسفتي هي ما بعد المرأة . المرأةُ ماتت. وبَقِيَت علبة المكياج . انكسرت عذوبة الروح، وتحطَّم شموخ الأنوثة . ذهبت سبايا الحروب إلى الاغتصابِ ، وبقيت قمصان النوم على حبل الغسيل . صارت النساءُ الْمُتَّشحات بالسواد أرشيفاً للرقيق الأبيض . وأنا أرفعُ الراية البيضاء في مُدن الطاعون . لا أحد يحب أحداً في هذه المقبرة ، معَ أن الجميع أموات . كلهم يتقاتلون على الحطام ، معَ أن فرصة الربح معدومة .
     صحيحٌ أنني الذئبُ . لكنكِ لستِ ليلى . أنتِ الذئبةُ . فاكرهيني أجِدْ نفْسي . إنَّ كُرْهَكِ لي يدل على ذكائي ، فاسمحي لي أن أمدح نفْسي قبل أن أبنيَ مستقبلي في المقبرة . إِن المرأة التي تَدخل في مداراتي تُحرَق . ولا تَقْدِرُ امرأةٌ أن تعيش معي . والجثة لا تُحاكم جثةً. لا تقولي إِنكَ متوحش . أنا ضحيةُ نفْسي وجلادُ قلبي. أنا لم أتصالح مع نفْسي ، فكيف أتصالح معَ الآخرين ؟. أخوضُ حرباً ضد ذكرياتي ، فكيف أُوقِّع اتفاقية سلام مع الأغراب ؟ .
     في الدول المارقة ، في المجتمعات الهمجية ، يكون الزواج مقبرة الحب ، وتكون الأنثى محاصَرة ومحصورة بين خيارَيْن قاتلَيْن : إمَّا أن تُصبح عانساً أو مِمسحةً لحذاء زوجها . أنا أصِفُ الداءَ القاتل . ولا أعرفُ الدواء . ولكني أتوقع أنَّه مُر إن لم يكن قاتلاً . رُبما جَرحتُ مشاعركِ ، لكنَّ الحقيقة دائماً صادمة ومُرَّةٌ .
     فقدتُ الثقةَ بنفْسي.ومن كثرة الزوجات الخائنات اللواتي رأيتهنَّ في حياتي ، فقدتُ ثقتي بالأنوثةِ المشتعلة . وكُلُّ الزَّوجات الخائنات يَلْعَبْنَ نَفْسَ اللعبة مَعَ تغيير الأسلوب . لا أريد أبناء . لا أريد أن أُوَرِّثهم الجرثومةَ القاتلة. لا أُريدهم أن يَحملوا عُقدي النفسية مِثل وثيقة حَصْر الإرث. لقد وَرَّثْتُهم نِعمةَ العَدم .
     أركضُ في الشوارع القذرة كالأرنب المذعور ، مُجلَّلاً بالمنافي والهزائم والعار . تبخَّرت الأغاني الوطنية، وانكسرتْ أقواسُ النصر، ولم يَعُد هناك شيء نبكي عَلَيه. ولأنَّ حياتي هي السراب، أُحِبُّ أن أُكتشَف بعد مَوتي . قضيتُ حياتي هارباً من نفْسي، وكسرتُ المرايا لئلا أرى وجهي . فررتُ من أصدقائي وأعدائي . هربتُ من الذين يحبونني ، وهربتُ من الذين يكرهونني . كان الحب والكراهيةُ يضغطان على أعصابي . هكذا أتعادلُ مع أمواج البحر ، وأُدْفَن في رمال الشاطئ ، معَ أنَّ شهادة ميلادي هي رمال الصحراء .
     أحزن على نفْسي ، أرى الرجال يتزوجون ويُنجبون ويضحكون مع زوجاتهم ، وأنا مريض نفسياً ، في سباق مع الزمن لقتل الوحش في داخلي ، أُقاتِل الاكتئابَ والوَسْواسَ القهريَّ، وأخوض حرباً أهلية داخل أعصابي ، وأحترق من الداخل ، ولا أحد يشعر بي ، وأنا شخصياً لم أعد أشعر بنفْسي ، ولا أَلُوم إلا نفْسي . وأعرف أن لا أحد يختار طبيعة امتحانه . الامتحان مفروض عَلَينا ، وكل شخص عليه أن ينجح في امتحانه ، والحِيلة في ترك الحيلة ، أشعر أنني جثة مُتعفِّنة ، سَوْفَ يَتخلَّصون مِنِّي في أقرب فُرصة . سَتَمحو الرياحُ اسْمي في أرشيفِ القلوبِ المكسورة . ولا يُوجَد شارع يَحْمِلُ اسْمي . أنا الاسمُ الغريبُ . أنا اسْمُ الغرباءِ الذين مَرُّوا على هذه الأرضِ . سَوْفَ يُلقي البَحَّارةُ جُثتي الْمُحاطة بالذباب في البحر ، كي تنطلق السفينة بكل رومانسية وثقة . لن يهتم أحد بمشاعر الأموات . أنا عِبء ثقيل على الآخرين ، ونقطة سوداء في تاريخ الحضارة ، ووصمة عار في رايات القبائل . ولكن،هل تاريخ الحضارة أبيض أو أسود ؟. هل رايات القبائل مرفوعة أم مُنكَّسة؟. هل كان العالَم جميلاً ورومانسياً وهادئاً وأنا قُمتُ بتلويثه ؟ . كُلُّنا ضحايا ، وَكُلُّنا نبحث عن المجرم، والمجرمُ ساكن فِينا. كأننا نُدافع عن حقوق المرأة ، ونريد حماية ليلى من الذئب . ونحن الذئابُ أو ليلى هِيَ الذئب. الخناجر مُعلَّقة في سُقوف حُلوقنا . أنا نقشُ الهزيمة في الأغاني الوطنية . لَستُ أنانياً . لم أتزوج ، لأني لا أريد تكرار أخطاء مَن سَبقوني ، لا أُريد أن أُورِّط امرأةً معي ، سأدفع ضريبةَ الحياة وَحْدي، أنا الوهمُ الذي ابتلعَ جُرثومةَ الحضارة،وعليَّ أن أدفع الثمن وَحدي.
     ما الفائدةُ إذا انفصلت الرغبة عن القدرة ؟ . رَجلٌ يعشق زوجته لكنه عاجز جنسياً . ما فائدةُ العشق في هذه الحالة ؟ . ما الفائدة إذا انفصل اللفظ عن المعنى ؟. أحياناً أسأل نفْسي : هل أنا موجود في هذا العالَم ؟ . إذا كانت الدنيا سراباً ، فشيء طبيعي أنَّ كُلَّ عناصرها من البشر والشجر والحجَر سراب .
     الجميعُ يُشعرونك بالحب ، ويُحيطونك بالمشاعر الراقية . لكنهم عاجزون عن مساعدتك ، لا أحد يستطيع انتشالك من الهاوية السحيقة . فما فائدة الحب الذي لا يُترجَم إلى واقع ملموس ؟ . ما معنى " قلوبنا معك وسيوفنا عليك " ؟ . ماذا يستفيد الرجل من رومانسية زوجته إذا كانت زوجته خائنة ؟. تتبخَّر الضَّحِكاتُ ، وتختفي العباراتُ العاطفية ، والمِحَكُّ الحقيقيُّ هو قاع الهاوية .
     قال لي أحد أصدقائي القُدامى : (( مَن يَجلس مَعَكَ يَكره نفْسَه )) . وأنا أقول لَكِ إِنني قاسٍ لأنني أحترمكِ ، وأُريدكِ أن تكون زهرةً في حديقة الحضارة ، عَصِيَّةً على القَطْفِ والوَأْدِ. لا أُريدكِ أن تكوني جارية في سُوق النِّخاسة . الجواري كثيرات ، وعُلَب المكياج كثيرة ، وعمليات التجميل كثيرة، لكنَّ العِبرة كامنة في عُذوبة الرُّوح وشُموخ الأنوثة. فلا تَكرهيني إذا بَدَوْتُ قاسياً أو وَقِحاً. أنا طبيب جَرَّاح أَقْطَع الأعضاءَ لإنقاذ المريض . أنا طبيب الأمراض النِّسائية والتَّوليد ، أطَّلع على جسد المرأة بدافع تخليصها ، وليس بدافع الشهوة الغريزية . أنا الْمُخَلِّص لا النَّخاس . ومعَ هذا ، فأنا أحتاج إلى مَن يُخَلِّصني . وتَذَكَّري أن باب النَّجار مُخَلَّع .
     ماذا تريدين منِّي بالضبط ؟ . هل تتوقعين إذا قلتِ لي إِنني أُحِبُّكَ أو مُعْجَبة بِكَ وبكتاباتكَ أن أتقدَّم للزواج مِنكِ ؟ . أنتِ واهمة ! . لقد وضعتِ قِطعة الْجُبْن في المِصْيدة ، فهل تظنين أنني فأر ساذج ؟. هَرَبَتْ فِئرانُ السفينة . وأنا رَجلٌ فاشل ، أو بالأحرى : أنا ذَكَرٌ فاشل ، لأنَّ الرجال زرعناهم في المقابر الجماعية ، ولم يَعُدْ هناك رجال !. فابحثي عن ذَكَرٍ آخَر يَلعب دور البطولة في حياتكِ ، ابحثي عن وطنٍ يُولد في السراب كشريط سينمائي تالف . إنَّ رومانسيتي الحقيقية لا تَظهر إلا في عصر السبايا .
     أنتِ تريدين أن أضحكَ عليكِ لئلا تُجرَح مشاعركِ . تُريدين مني أن أخدعك بالكلام العاطفي لئلا يُخدَش كبرياء أنوثتك ، ولكني لا أستطيع أن ألعب بمشاعرك لأحميَ مشاعرك . هذه لعبة قاتلة ، وسوف ينقلب السحر على الساحر . لا تُقلِّدي الجواري اللواتي يحتفلنَ في عيد الحب بالكراهية . صَدِّقيني ، لا يمكن الاحتماء من الموت بالموت . الموت هو البداية لا النهاية .

     الزواجُ مقبرة الفلاسفة ، والفيلسوفُ صاحب الرَّقْم القياسي في عدد مرات الموت، والمرأةُ تُفسِد عقلَ الفيلسوف كما يُفسِد الْخَلُّ العَسَلَ . إن الفلسفةَ والمرأةَ ضِدَّان لا يجتمعان. وأنا قد اخترتُ الفلسفةَ، فلا تتَّهميني بالوقاحة وعدم التهذيب . لا أريد أن أصدمك بالحقيقة ، ولا أحب أن يكون الحب شَفقةً أو إحساناً . النساء على قفا من يشيل ، وكذلك الرجال أو الذكور ! .

26‏/12‏/2017

سأعيش سرًّا غامضًا / قصيدة

سأعيش سرًّا غامضًا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

سَأعيشُ سِرَّاً غَامِضاً/ والموْتُ يَفُكُّ شِيفرةَ ذِكْرياتي / ذَهَبَت الذِّكرياتُ إلى الاحتضارِ / وفِرَاشُ الموْتِ على الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ/ وألعابُ الأطفالِ تَحْتَ أنقاضِ البُيوتِ/وجُثماني هُوَ بَيْتُ العَنكبوتِ/
أنا الحاجِزُ العَسكريُّ بَيْنَ الرُّومانسيةِ والكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ/ أنا الرَّصاصةُ الْمَنْسِيَّةُ بَيْنَ شُيوخِ القَبائلِ ومُلوكِ الطوائفِ / أنا النَّشيدُ الوَطنيُّ بَيْنَ الفَراغِ العاطفيِّ والفَراغِ السِّياسيِّ /
كَسَرَتْ أحزانُ الطفولةِ أجنحةَ الذبابِ / والأمطارُ تَعيشُ في دَمِي النُّحاسيِّ أشجاراً / ونَحْنُ اليتامى / بِعْنا دِمَاءَ آبائِنا في السُّوقِ السَّوداءِ / وانكَسَرَتْ جَدائلُ أُمَّهاتِنا في صَوْتِ الرَّصاصِ / ونَصْعَدُ إلى هَاويةِ اللازَوَرْدِ حَبْلَ غَسيلٍ أوْ حَبْلَ مِشْنقةٍ /
وُلِدَ قَلبي في الخريفِ / وماتَ في الشِّتاءِ / لَكِنِّي مُحَاصَرٌ بأزهارِ المقبرةِ / ولا أعْرِفُ مِن أيْنَ سَيَأتي الموْتُ / وأوراقُ الخريفِ لا تَعْرِفُ مِن أيْنَ سَيَأتي الشِّتاءُ / انكسرَ جَسَدُ المرأةِ / وضَاعَت الْجُغرافيا / وانكَسَرَت الدَّولةُ / وضاعَ التاريخُ / لا امرأةٌ ولا دَولةٌ / لا جُغرافيا ولا تاريخ /
أيُّها البَحَّارةُ/ كُونوا رُومانسِيِّينَ كَمَنَادِيلِ الوَداعِ/ إِنَّ السَّفينةَ تَغْرَقُ/ اعْشَقُوا نَوَارِسَ الغروبِ / ارْمُوا جُثةَ الرُّبَّانِ في البَحْرِ / ارْفَعُوا أعلامَ القَبائلِ على جُلودِ فِئرانِ السَّفينةِ / وَدِّعُوا بَعْضَكُم / إنَّهُ فِرَاقٌ لا لِقَاءَ بَعْدَهُ/ أكَلَ الإعصارُ الذِّكرياتِ/ والنِّساءُ وَاقفاتٌ على رَصيفِ المِيناءِ/ يَنْتَظِرْنَ ثِيَابَ الحِدَادِ والجِنازةَ العَسكرِيَّةَ والأغاني الوَطنيةَ / ونَسِيَ العُشَّاقُ عَصيرَ البُرتقالِ عَلى طَاوِلاتِ المطاعمِ/ وذَهَبُوا إلى الموْتِ / والعَناكبُ تَتساقطُ في عَصيرِ البُرتقالِ / أكَلَ البَقُّ خَشَبَ الطاولات / وأكَلَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ صُدورَ البَنات / ماتت الذِّكريات / وَكُلُّ شَيْءٍ مات /
لماذا تَكْرَهُوني يا مُلوكَ الطوائفِ ؟ / النُّعوشُ مُرَتَّبَةٌ تَحْتَ رَاياتِ القَبائلِ الْمُنَكَّسَةِ / وجَدائلُ النِّساءِ مَصْفُوفةٌ كالتَّوابيتِ على سُطوحِ القِطَاراتِ / أخذتُ الجِزْيةَ مِن مُلوكِ أُورُوبَّا / وتَصَدَّقْتُ على البَدْوِ الرُّحَّلِ / الذينَ سَكَبُوا السَّائِلَ الْمَنَوِيَّ في آبارِ النِّفْطِ / والعصافيرُ تَقِفُ على صَفَّاراتِ الإنذارِ في مَملكةِ السُّلِّ / وتَرْمي الفَتَيَاتُ مَناديلَ الوَدَاعِ في صَفيرِ القِطَارات / وَكُلُّ شَيْءٍ مَات /

أنا دَليلٌ سِيَاحِيٌّ في مَقابرِ الملوكِ / أنا بَائعٌ مُتَجَوِّلٌ في مَوَانِئِ الرَّحيلِ / جُثماني مَعروضٌ للبَيْعِ في السُّوقِ السَّوداءِ/ وأشلائي تُزَيِّنُ حِيطانَ المتاحفِ / وعُكَّازةُ أبي تُباعُ في الْمَزَادِ العَلَنِيِّ / وأنا المنبوذُ/ أبيعُ النَّعناعَ أمامَ المحاكمِ العَسكرِيَّةِ / وتَضْحَكُ الغَجَرِيَّاتُ أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ / ويَرْحَلْنَ إلى نَشيدِ الغروبِ / مَاتت الدَّولةُ / وماتت الأُغْنِيَات / وَكُلُّ شَيْءٍ مات .

25‏/12‏/2017

الريح تتبرع بدمها للبحر الجريح / قصيدة

الريح تتبرع بدمها للبحر الجريح / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

سَامِحْني أيُّها النَّهْرُ / سَأترُكُ جُثمانَكَ تَحْتَ الأمطارِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ / نُولَدُ في غُرَفِ الفَنادقِ الرَّخيصةِ/ وَيَأتي الأغرابُ كَي يَمْدَحُونا بَعْدَ اغتيالِنا/ صَادقتُ قَاطِعَ الطريقِ/وَمَا زِلْتُ أبْحَثُ عَن الطريقِ /
سَأدْعَمُ حُقوقَ المرأةِ بَعْدَ انتحارِ المرأةِ / وأعشقُ الوَطَنَ بَعْدَ ضَياعِ الوَطَنِ / لأنَّ دُستورَ الوَحدةِ الوَطنيةِ كَتَبَهُ رُعيانُ الغَنَمِ / أعْتَقْتُ الملِكَاتِ السَّبايا / وَعُدْتُ إلى الرِّمالِ الْمُتَحَرِّكَةِ / كَي أزرعَ النَّخيلَ في آبارِ النِّفطِ / سَيُصْبِحُ تاجرُ الْمُخَدِّرَاتِ شَاعِراً / وَيُصْبِحُ تاجرُ الأسلحةِ فَيْلَسُوفاً / فلا تَخَفْ عَلى الوَطَنِ / لَم يَعُدْ هُناكَ وَطَنٌ كَي نَخَافَ عَلَيْهِ /
سَتَنْمُو عِظامُ القَتلى في الغَيْمِ الأزرقِ / وَيَنْمُو النَّعناعُ في خَشَبِ التَّوابيتِ / لَسْتُ رُومانسياً في بَراري الدَّمْعِ / وَلَن أتزوَّجَ البُحَيرةَ / أنامُ وَمُسَدَّسي مَحْشُوٌّ بالذخيرةِ تَحْتَ وِسادتي / والخيولُ تَجُرُّ عَرَبَاتِ الموتى تَحْتَ نافذتي / وَصَوْتُ المطرِ يَأكلُ صَوْتَ الكَمَانِ في الليلِ الطويلِ /
جَماجمُ العُشَّاقِ مَنقوعةٌ في عَصيرِ الليمونِ / أغلقَ الجرادُ المطعمَ بالشَّمْعِ الأحمرِ / لا طَريقٌ للذِّكرياتِ / ولا أرشيفٌ للعَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / مَاذا تُريدينَ مِنِّي أيَّتُها السُّنبلةُ المحترِقةُ بِدُموعِ عَاشِقِها ؟ / مَاذا تُريدينَ مِنِّي ؟ / دَمُ الْحَيْضِ على النَّظارةِ السَّوداءِ / وَالعَرَقُ على فُرشاةِ الأسنانِ / والصَّليبُ يَتأرجَحُ بَيْنَ الثَّدْيَيْن / سَيَأكُلُ البَقُّ الصَّليبَ / وَيَأكُلُ السَّرطانُ الثَّدْيَيْن /

لا تَقْلَقْ يَا حُطامَ الذِّكرياتِ / إِذا لَم نَجِد الْخَلاصَ في أجنحةِ الفَراشاتِ / سَنَجِدُهُ في أوراقِ الخريفِ/ الأعلامُ الْمُنَكَّسَةُ في طَريقِ البَحْرِ / والرَّاياتُ البَيضاءُ عَلى سُورِ المقبرةِ/ والغبارُ انتصرَ عَلى شَوَاهِدِ القُبورِ / عَادَ التُّرابُ إلى التُّرابِ / والبَحْرُ وَهْمٌ اخْتَرَعْنَاهُ وصَدَّقْنَاهُ / كُلَّما عِشْتُ ابتعدتُ عَن ذَاتي / والموْتُ سَفَرٌ إلى ذَاتي / أنا الرُّومانسيُّ الأخيرُ في أرشيفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / أبراجُ الْحَمَامِ مِن عِظَامِ الضَّحايا/ وَالْجُسُورُ في المدُنِ الخرساءِ مِن جماجمِ النِّساءِ المغتَصَبَاتِ/ضَاعَ الشاطئُ بَيْنَ القُصورِ الرَّمليةِ وَمَحاكمِ التَّفتيشِ/ لكنَّ السَّلاحِفَ تَدْفِنُ بُيُوضَهَا في رَمْلِ الشَّاطئِ/ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ المكسورةِ / انكسرَ صَوْتُ البيانو في مُوسيقى الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ / تَكْتُبُ الأسماكُ النُّحاسيةُ قَصائدَ الْحُزْنِ/ لأنَّ البَحْرَ مُصَابٌ بانفصامِ الشَّخصيةِ/ يُزَيِّنُ حَفَّارُ القُبورِ أشجارَ المقابرِ بالذِّكرياتِ/ لكنَّ أشجارَ المقابرِ مُصَابةٌ بالوَسْواسِ القَهْرِيِّ / كَانت أشلاؤُنا فَراشاتٍ في مَلْجَأ الأيتامِ / يَبني الأيتامُ القُصورَ الرَّمليةَ وَيَهْدِمُونها/ وَيَتَسَاقَطُونَ عَلى جُثةِ البَحْرِ ذُباباً / كَانتْ جَدائلُ أُمَّهَاتِنا سَرَاباً .

24‏/12‏/2017

البحر صومعة الجثث / قصيدة

البحر صومعة الجثث / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد 

...............

مَاتَ البَحَّارُ عَلى ظَهْرِ السَّفينةِ / رَمَيْنا جُثتهُ في البَحْرِ / والرُّبَّانُ المشلولُ يَتَذَكَّرُ الْحُبَّ الأوَّلَ وأحلامَ الطفولةِ / والسفينةُ تَغْرَقُ كَالقُلوبِ المكسورةِ / مَذْبُوحةٌ أنتِ يَا شُموعَ الغاباتِ / مَجْرُوحةٌ أنتِ يا جَدَائِلَ البُحَيراتِ/والعناكبُ الْمُلَوَّنةُ تُزَيِّنُ حِيطانَ غُرفتي/والطحالبُ تُضِيءُ أوعيتي الدَّمويةَ/
سَيَعُودُ رَجُلُ الثلجِ إلى مَوْقَدَةِ الخريفِ في قَلْبِ الليلِ / والقَطِطُ الْمُشَرَّدَةُ تنامُ عَلى الأثاثِ الملفوفِ بالأكفانِ البَيضاءِ / سَتَأكُلُ فِئرانُ السَّفينةِ جُثمانَ الرُّبَّان / أشلاؤُنا هِيَ أعلامُ القَراصنةِ / وَشَوَاهِدُ القُبورِ بُوصَلَةٌ تُرْشِدُ طُيورَ البَحْرِ إلى دُموعِ الأيتامِ/ حِينَ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ وَيَهْدِمُونها/
أركضُ إلى البَحْرِ في الليلةِ الباردةِ كَي أسْمَعَ نَبضاتِ قَلبي/ أجنحةُ العَصافيرِ هِيَ خَشَبَةُ المذْبَحِ/ لَكِنَّ الرَّاهبةَ العَمْيَاءَ تَسْكُبُ دُمُوعَها / في مَزْهرياتِ غُرفةِ الاعترافِ / وَالقَنَّاصُ يَصطادُ أشجارَ المقبرةِ فَراشةً فَراشةً / كُلَّمَا سَأَلْتُ البَحْرَ عَن الذِّكرياتِ أخْبَرَني أنَّها مَاتتْ / أشِعَّةُ القَمرِ تَتساقطُ على أجسادِ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ / وأسرارُ البَنَفْسَجِ تُولَدُ في خُدودِ الأنهارِ /
البَحْرُ هَادِئٌ كأعصابِ القَتلى / وَجَدائلُ النِّساءِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / قَلْبي دَليلٌ سِيَاحِيٌّ في المقابرِ الكريستالِيَّةِ / وأنا بَائِعٌ مُتَجَوِّلٌ أمامَ المحاكمِ العَسكرِيَّةِ / أبيعُ أشلاءَ النَّهْرِ للغرباءِ والجرادِ/ والرِّيحُ تُحَنِّطُ أشلائي في مَتْحَفِ أحلامِ الطفولةِ / وُلِدْتُ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعترِ / لَكِنِّي مِتُّ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو / كُلَّما قُتِلْتُ بَيْنَ طُفولةِ السَّنابلِ وأسرارِ الزَّنابقِ / عَرَفْتُ أنَّ مَوْتي سَفَرٌ إلى قَلْبي/
أهْرُبُ مِن ذَاتي لأكتشِفَ ذَاتي / كُلَّما اقتربتُ مِن أوردةِ الزَّوابعِ / اقتربتُ مِن أكفانِ الخريفِ الزُّمُرُّدِيِّ / والنَّعناعُ يَصْعَدُ مِن فِرَاشِ الموْتِ / والضَّبابُ يَكْسِرُ الْحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ / والرَّصاصُ الْحَيُّ يَغْسِلُ خُدودَ البُوسنِيَّاتِ / لَم يَعُدْ هُناكَ فَراشاتٌ كَي نَكْسِرَ أجنحتها / لَم يَعُدْ هُناكَ ذِكرياتٌ كَي نَبكيَ عَلَيها / لا فَراشاتٌ ولا ذِكريات / كُلُّ شَيْءٍ مَات /

احْرِقْ خَشَبَ البَراويزِ بِدُمُوعِكَ / واكْسِر المِلْحَ في دُموعِ أُمِّكَ / وَابْحَثْ عَن صُورَتِكَ في مَرايا الموْتِ/ أنا شَاهِدُ قَبْرِكَ/ فَلا تَخَفْ مِنِّي / أنا رايةُ المعركةِ / فاقْتُلْ أحزانَ الطفولةِ في الأغاني الوَطنيةِ/ يَمشي القَتلى تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / والأراملُ يَنْثُرْنَ أكاليلَ الغارِ عَلى الجنودِ / الذينَ هَرَبُوا مِنَ المعركةِ/ فَلا تَهْرُبْ مِنِّي/ أنا طَيْفُ الأمواتِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / أنا ظِلالُ القَتلى عَلى نوافذِ الخريفِ/ قَد أَمُوتُ في لَيلةٍ مَاطرةٍ / يَكْسِرُ المطَرُ مَساميرَ نَعْشي / وَيَأكلُ البَقُّ أخشابَ تابوتي/ وَقَد أذهبُ إلى صَلاةِ الفَجْرِ / وأموتُ في صَباحٍ مَاطِرٍ / وَسَوْفَ يَظَلُّ البَحْرُ شَابَّاً / لأنَّهُ مَاتَ شَابَّاً .

23‏/12‏/2017

الحمام الزاجل يوصل الرسائل للمحكوم بالإعدام / قصيدة

الحمام الزاجل يوصل الرسائل للمحكوم بالإعدام / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

افْرَحْ أيُّها المحكومُ بالإِعدامِ/ سَيَأكُلُ البَقُّ خَشَبَةَ الإِعدامِ/ أنتَ وَحْدَكَ الحيُّ في الأرضِ الخرابِ/ أنتَ حَبَّةُ الكَرَزِ اليَتيمةُ في الحقلِ المحروقِ / الرِّيحُ تَنْشُرُ أجنحةَ الفَراشاتِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَبَنَاتُ آوَى تَأكُلُ حَبْلَ مِشْنَقتي / فَأَصِيرُ رُومانسِيَّاً كالجرادِ / انسَ اسْمِي في أرشيفِ الضَّحايا / وَاحْفَظْ رَقْمَ زِنزانتي / أسماءُ السُّجَنَاءِ هِيَ أرقامٌ / والمرأةُ الغامضةُ تَحُلُّ مُعَادَلاتِ الرِّياضياتِ في لَيالي الشِّتاءِ / وَدُمُوعُ اليَتيماتِ أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ / تَزِيدُ مَنْسُوبَ المِلْحِ في شَراييني النُّحاسِيَّةِ / وَأشِعَّةُ القَمَرِ تَبكي بَيْنَ أرقامِ الزَّنازينِ وأرقامِ القُبورِ / مَقْبَرةٌ قَديمةٌ بِلا بَوَّابةٍ / لَكِنَّ البَحْرَ هُوَ البَوَّابُ / الذي يَحْرُسُ مَوْتَ السَّنابلِ في أوردةِ الغَيْمِ /
بُقَعُ النِّفْطِ عَلى جُلودِ السَّبايا / والأكفانُ نظيفةٌ بَيْنَ عُلَبِ السَّرْدِينِ وَعُلَبِ المِكياجِ / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموتِ / وَبَقِيَتْ ضِحْكَتُهَا في الْمَمَرَّاتِ البَاردةِ / نَكْتُبُ أرقامَ الضَّحايا عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ/ والرِّيحُ تَكْتُبُ وَصَايَا الأشجارِ عَلى حِيطانِ الزَّنازين / نَذْبَحُ الذِّكرياتِ بالخناجرِ / وَنَطْعَنُ ظِلالَ القَتلى بأحلامِ الطفولةِ / تَزَوَّجَ النَّهْرُ بَنَاتِ أفكاري / وأنا العَانِسُ الأخيرُ في مُدُنِ الكُوليرا / يُغَسِّلُ الليلُ جُثةَ البُحَيرةِ بِدُمُوعِهِ / جَسَدُ الزَّوابعِ كَالغِرْبَالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ / والأطفالُ يَجْمَعُونَ الرَّصاصاتِ كَطَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادرةِ / والفَراشةُ تَغْسِلُ مَسَامِيرَ نَعْشي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا /
قَلْبي حَاكِمٌ عَسكريٌّ عَلى القِطَطِ الشَّريدةِ في قُرى الملاريا / وَجُثتي هِيَ مَحكمةُ أَمْنِ الدَّولةِ / لَكِنَّ الدَّولةَ مَاتتْ / وَاكْتَشَفْنَا جُثمانَ الوَطَنِ في الأغاني الوطنيةِ / أنا الْمَنْفِيُّ في شَراييني المعدنيةِ /   لا دَوْلَةٌ وَرائي / وَلا رَايةٌ أمامي / والتَّوابيتُ الضَّوئيةُ تَتساقطُ كالذبابِ البلاستيكيِّ / فَكُنْ يَا حَفَّارَ قَبْرِي شَاهِدَاً عَلى مَوْتِ أُغْنِيَاتي/ كُوني يَا أشجارَ المقبرةِ حَاجِزَاً عَسكرِيَّاً / بَيْنَ الرُّومانسيةِ والكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ / الْجُثَثُ مُتَنَاثِرَةٌ في الشَّوارعِ / وعُمَّالُ النَّظافةِ يَسْحَبُونَ جُثتي مِن حُفَرِ المجاري / وَتَمْشي الرَّاقصاتُ في الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ /
القَنَّاصُ في بُرْجِ الكَنيسةِ / والأسماكُ تَسْبَحُ في دِمَاءِ الرَّاهباتِ / كَسَرَ الإعصارُ قَارورةَ الحِبْرِ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموْتِ / لكنَّ ضَفَائِرَها تَتَوَهَّجُ في مَمَرَّاتِ الصَّقيعِ / ذَهَبَ أبي إلى الموْتِ / لَكِنِّي أشُمُّ رَائحةَ عِطْرِهِ في أرشيفِ الضَّحايا /

أيُّها الحِصَانُ الجامحُ في بَراري الدَّمِ / سَيَقْتُلُكَ ضَوْءُ القَمَرِ في ليالي الخريفِ / حَفَّارُ القُبورِ مَشغولٌ بِحَفْرِ قُبورِ الغرباءِ / ولا يَعْرِفُ مَن سَيَحْفِرُ قَبْرَهُ عِندَما يَمُوتُ .

22‏/12‏/2017

فارسية في موسم الحج / قصيدة

فارسية في موسم الحج / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

رَاحِلَةٌ أنتِ إلى الضَّوْءِ/ لا طَرِيقَ إلا الطريقُ / فَاعْرِفي طَرِيقَكِ قَبْلَ أن يَعْرِفَ الاحتضارُ طَرِيقَهُ إِلَيْكِ / عَرَفْتُ طَرِيقي/ وَمَشَيْتُ إلى البَحْرِ في الليلةِ الحزينةِ / وَكَانَ دَمْعي حَاجِزَاً عَسكرِيَّاً بَيْنَ الشَّرْكَسِيَّاتِ والفَارِسِيَّاتِ/ تَسْتَثْمِرِينَ في الجسَدِ / وأسْتَثْمِرُ في التَّاريخِ / ولا تاريخَ لِي سِوى دُموعِ اليَمامِ /
جَسَدِي الحرامُ في المسجدِ الحرامِ / أمشي إلى النُّورِ / وتَلْمَعُ أظافري على شَاطَئِ الأمطارِ / وأشِعَّةُ القَمَرِ عَلى الرُّخامِ / سَيَغْسِلُ ضَوْءُ الشُّموعِ ذاكرةَ المساءِ / والذِّكرياتُ مَغْسُولةٌ بِمِلْحِ الدُّموعِ / وَقَلبي شَاطِئٌ لِطُيورِ البَحْرِ / التي عَادَتْ إلى ذَاكرةِ الأمواجِ في الليلِ الْمُضِيءِ /
أكفاني مَغسولةٌ بِمَاءِ زَمْزَم/والمصابيحُ تُنيرُ عِظَامي في الطريقِ الطويلِ/وَحْدي أنا مَعَ الذِّكرياتِ/ هَجَمَ المساءُ على الهياكلِ العَظْمِيَّةِ للعَاشِقِين / أموتُ في الحياةِ لأحيا / والخلودُ قَريبٌ مِنِّي / وحَبَّاتُ الكَرَزِ تَصْعَدُ مِن ثُقوبِ جِلْدي /
العَباءةُ السَّوداءُ في الليلةِ الْمُقْمِرَةِ / مَطَرٌ يَغْسِلُ أعصابي / وأسيرُ وَحْدي إلى أرواحِ الغرباءِ / وأنا الغريبُ في دَمْعِ الْحَمَامِ / رأيتُ دَمي يَتَوَهَّجُ تَحْتَ صَوْتِ الرَّعْدِ / أمشي إلى الضَّوْءِ في آخِرِ النَّفَقِ / أنا السَّائرُ في الطريقِ/ أنا السَّائرُ والطريقُ/ كُلَّمَا مَشَيْتُ إلى ذَاكرةِ الأنهارِ مَشَيْتُ إلى ذَاتِي / أبتعِدُ عَن قَلبي فَأجِدُ قَلْبي / أُسَافِرُ بِاتِّجاهِ رُموشي / لأرى وَجهي في مَرايا الغروبِ / لا أعْرِفُ هُوِيَّةَ الحاصِدِ ولا مَوْعِدَ الحصادِ / لَكِنِّي أعْرِفُ مَوْعِدَ الشُّروقِ / تَغِيبُ الشَّمْسُ / لَكِنَّ شَمْسَ قَلْبي لا تَغِيبُ /

دَمِي يَلْمَعُ في ضَوْءِ القَمَرِ / سَيَأتي الغُرباءُ كَي يُكَفِّنُوا طُيورَ البَحْرِ بأوراقِ الخريفِ / فَلا تَسْألي عَن مَوْتي أيَّتُها التِّلالُ / أنا حَفَّارُ القُبورِ وَشَاهِدُ القَبْرِ / ومَقْبَرتي في كُلِّ القُلوبِ / حُزْني مَنْبَعُ النَّهْرِ / وأشلائي هِيَ الرَّوَافِدُ / وَدَمْعي يَنْبُعُ مِن ذِكرياتِ الرَّعْدِ / وَيَصُبُّ في أغصانِ المساءِ .

21‏/12‏/2017

مقتل بنات القيصر / قصيدة

مقتل بنات القيصر / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

لِمَاذا تُطِلُّ جُمْجُمتي عَلى النِّيلِ / وتُطِلُّ أشلائي على الفُولغا ؟ / وَطَنٌ يَموتُ / أَجْرَيْتُ لَهُ تنفُّساً اصطناعياً / خَلَعْتُ جِلْدي وَغَطَّيْتُ بِهِ أثاثَ بَيْتِنا المهجورِ / تَكتبُ الإِمَاءُ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / والفِئرانُ تَقْلِبُ نِظَامَ الْحُكْمِ في حُفَرِ المجاري / نَسِيَ المطرُ وُجوهَ البَشَرِ الذينَ يُولَدُونَ تَحْتَ الأرضِ/ ويَمُوتونَ تَحْتَ الأرضِ/ وَطَني فَراشةٌ خَسِرَتْ غِشاءَ البَكارةِ / وَالزَّوْجاتُ الخائناتُ يَضَعْنَ العَاطِلينَ عَن العَمَلِ في قَائمةِ الاحتياطِ / وَمَاتتْ ظِلالُ الغرباءِ بَيْنَ ضَوْءِ القَمَرِ وحَبَّاتِ المطَرِ/
رَسائلُ أراملِ الجنودِ هِيَ أقمارٌ تُضِيءُ للأمواتِ مَوْتَهُم أو طَريقَهُم / والموتُ هُوَ الطريقُ / والطريقُ هُوَ الموتُ/ أنا أدغالُ النَّزيفِ في حَبَّاتِ الياقوتِ/ وآنَ للفأرِ أن يَخْرُجَ مِن تَحْتِ الأرضِ / وَطُيورُ البَحْرِ تُخَبِّئُ فِرَاشَ الموْتِ بَيْنَ قَارُورةِ الحِبْرِ وبِرْمِيلِ النِّفْطِ / دَمُ الشُّموسِ يَصِيرُ رَمْلاً أزرقَ في الصَّحراءِ الجليدِيَّةِ / دَمْعِي بِدَايَةُ الزَّوَابِعُ وَنِهَايَةُ الذِّكرياتِ/ وَثُقُوبُ جِلْدي آبَارٌ مَنْسِيَّةٌ في القُرى المهجورةِ / لا مَاءٌ وَلا نِسَاء / دُموعُ الفَراشاتِ هِيَ غَاباتٌ بِلا نِهايةٍ / وَالرَّمْلُ يُقَدِّمُ أطْرَافَاً صِنَاعِيَّةً للبُحَيرةِ المشلولةِ في عِيدِ مِيلادِها / وَالجمَاجِمُ مَنْثُورةٌ عَلى الطاولةِ / والعَشَاءُ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ يَحْتَضِنُ الغُرَبَاءَ والضَّحَايا / أنا السَّجينُ والسَّجَّانُ / وقَلْبي زِنزانةٌ انفرادِيَّةٌ /
أيُّها الوَطَنُ الذي تَحْكُمُهُ الْمُخَابَرَاتُ والحشَرَاتُ / لَقَد ماتت الذِّكرياتُ / والضَّبابُ يُؤدِّي التَّحيةَ العَسكريةَ لِنَعْشِ المطَرِ / والشُّطآنُ تُجَهِّزُ قَصَائِدَ الرِّثاءِ / لأنَّنا سَنَعْثُرُ عَلى البَحْرِ مَقتولاً في شَقَّتِهِ/ سَوْفَ تَرْحَلُ الأراملُ مِن رَائحةِ البَصَلِ إلى الذِّكرياتِ / ويَرْحَلُ الفُقَراءُ مِن صُدورِ زَوْجَاتِهِم إلى حُفَرِ المجاري / والأثرياءُ يَلْعَبُونَ الغولفَ في حُفَرِ المجاري /

أنا فَوْقَ قَانونِ الذِّكرياتِ وضِدُّ قَانونِ الأغنامِ / أنا الرَّاعي الذي أضاعَ مِزْمَارَهُ في صَوْتِ الرَّصاصِ/ والأغنامُ تَسيرُ إلى حَافَّةِ الجبَلِ/ ودَمي يَنْثُرُ الحِبْرَ في الغُيومِ الأُرْجُوَانِيَّةِ / أَكَلَ الذِّئبُ لَيْلَى/ وتَرَكَ الأغنامَ للهَاوِيَةِ اللازَوَرْدِيَّةِ/ فيا أيَّتُها الحضارةُ التي تُولَدُ بَيْنَ صَوْتِ الرَّصاصِ وبُكاءِ الأطفالِ/ أيْنَ أُنوثةُ السَّنابلِ ؟/ أحْمِلُ جُثمانَ أبي على ظَهْري/ وأحْلُمُ بالمطَرِ يَغْسِلُ أشلاءَ الضَّحايا / سَتَنْمُو حَبَّاتُ التُّوتِ في الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ / أرى حَبَّاتِ المطَرِ عَلى جَدَائِلِ أُمِّي / وضَفائرُ اليَتيماتِ تَتَوَهَّجُ في أرشيفِ الضَّبابِ / أصْعَدُ مِن قَبْرِ البُحَيرةِ / أُنادي على النَّهْرِ المشلولِ / عَلِّمْنِي جَدْوَلَ الضَّرْبِ كَي أحْسِبَ عَدَدَ الضَّحايا / عَلِّمْنِي الوَحْدَةَ الوَطنيةَ كَي أعْرِفَ أرقامَ الزَّنازين / عَلِّمْنِي أُنوثةَ الذِّكرياتِ كَي أعْرِفَ عَدَدَ الصَّدَمَاتِ العاطفية .

20‏/12‏/2017

الشركسية التي علمتني الكفاح المسلح / قصيدة

الشركسية التي علمتني الكفاح المسلح / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

لَم أَكْفُر بالرُّومانسيةِ أيَّتُها الأمواجُ القُرْمُزِيَّةُ / لَكِنِّي آمَنْتُ بالكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ / اعْشَقِي مَوْتي بَيْنَ رُموشِ الإعصارِ وأجفانِ الغُروبِ / واهْدِمِي مَجْدِي / سَأَصْعَدُ إلى هَاوِيَةِ الأحجارِ الكَرِيمةِ حَجَرَاً غَيْرَ كَرِيمٍ / فَكُونِي مَوْتي وَمَجْدي / نَسْبَحُ في دِمَائِنا / ونَنتظِرُ مَوْتَ البَحْرِ كَي نَرِثَهُ ونَرْثِيَهُ /
أيُّها الغريبُ بَيْنَ غُربةِ الدُّموعِ وغُربةِ الشُّطآنِ / أيُّها المسافِرُ بَيْنَ انبعاثِ الذِّكرياتِ وقِيَامَةِ الأنهارِ / كَم عَدَدُ الضَّحايا في المجاعاتِ الأُرْجُوَانِيَّةِ ؟/ أنا مُعَادَلَةُ الرِّياضياتِ بَيْنَ دُموعِ الشَّركسياتِ وأشجارِ الغاباتِ / أنا التَّوَازُنُ بَيْنَ مِلْحِ الدُّموعِ ومِلْحِ البَحْرِ /
في ليالي الخريفِ القديمةِ / تَختلِطُ رَائحةُ المطرِ بِرَائحةِ الْجُثَثِ / نَسِيَ الموتى أن يُقَبِّلوا زَوْجَاتِهِم قَبْلَ الذهابِ إلى الموتِ / نَسِيَ الأسرى أن يُقَبِّلُوا أطفالَهُم قَبْلَ الذهابِ إلى المعركةِ / والنَّهْرُ ضَائِعٌ بَيْنَ أكفانِ اليَتامى / لأنَّهُ نَسِيَ خَارطةَ قَبْرِه / سَتَرْقُصُ بَناتُ آوَى حَوْلَ احتضاري / أَزْرَعُ راياتي في فِرَاشِ الموتِ / وَتَكْسِرِينَ قِناعي / وَتُشَاهِدِينَ وَجْهي قَبْلَ الرَّحيلِ بِلا ذِكرياتٍ / خَسِرْتُ المعركةَ وَرَبِحْتُ الحربَ / وَجَدَائِلُ الرِّيحِ هِيَ استراحةُ الْمُحَارِبِ / أَخُوضُ حَرْبَاً أهلِيَّةً دَاخِلَ جِسْمي / وأنا الْهُدْنةُ بَيْنَ الليالي الماطرةِ وَمَقابرِ الأزهارِ / والبُوسنِيَّةُ اليَتيمةُ تَكْتُبُ قَصيدةً لأُمِّها في لَيالي الشِّتاءِ /
أَحِبِّينِي يَا شُطآنَ السَّرابِ / حِينَ تَرْكُضُ بَساتينُ الكَرَزِ في الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ / أَجْلِسُ عَلى نَعْشِ الأمطارِ / وَتَنمو الجوَّافةُ بَيْنَ مَساميرِ نعشي/ أنتظِرُ القَراصنةَ الذينَ سَيَأكُلُونَ جُثتي/ وأنتظِرُ رَصاصةَ القَنَّاصِ كَي تَغتالَ أحلامَ الطفولةِ/ تَنْبُتُ الطحالبُ عَلى رَصاصةِ القَنَّاصِ/ وأشْرَبُ الشَّايَ الأخضرَ/ وَدَمِي لَيْسَ أزرقَ / لَن تَشْعُرَ النَّوَارِسُ بالوَحْدةِ في الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ / شَراييني مِنَ البلاستيك / وَبَوَّابَةُ المقبرةِ مِنَ النُّحاسِ / وَكُلَّمَا مَشَيْتُ في طَريقِ قَلْبي / عَرَفْتُ الطريقَ إلى ضَريحي /
بُوظةُ العُشَّاقِ بَاردةٌ كالْجُثَثِ في ثَلاجَةِ الموتى/ يَأكُلُ البَقُّ أخشابَ نَعْشي/ فَلا أَمُوتُ إلا وَاقِفاً/ يَأكُلُ الصَّدَأُ مَساميرَ نَعْشي / وَأَصِيرُ الْحَدَّ الفَاصِلَ بَيْنَ مِلْحِ الطعامِ وَمِلْحِ دُموعِ أُمِّي/ تأكلُ الفِئرانُ أكفاني/ وَتَكتبُ الزَّوابعُ قَصيدةَ رِثائي / جَسَدي بَيْنَ الذِّكرياتِ والحشَرَاتِ/ وَجُثتي تَحْتَ الشَّفَقِ /

جُثماني حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الفَراشةِ والذبابةِ/والزَّوابعُ تَطْرُدُ الذبابَ عَن جُثمانِ أبي/ سَيَنْمُو الزَّعترُ في شَظايا الجماجمِ المنثورةِ تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ/وأشلاءُ الضَّحايا هُدنةٌ بَيْنَ شُيوخِ القَبائلِ وَمُلوكِ الطوائفِ / جُثةٌ تَنْشُرُ الغسيلَ عَلى سُطوحِ القِطَاراتِ / التي تُسَافِرُ إلى الشَّفَقِ ولا تَعُودُ / والْحَمَامُ الزَّاجِلُ أضاعَ الرَّسائلَ في صَفيرِ القِطَاراتِ/ والتِّلالُ تَبكي بَيْنَ صَفيرِ القِطَارَاتِ وَصَفَّاراتِ الإِنذارِ.

19‏/12‏/2017

النشيد الوطني لأحزان الشتاء / قصيدة

النشيد الوطني لأحزان الشتاء / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

البَحْرُ يَمُوتُ جُوعاً/ وَعِظَامُ الضَّحايا تُزْهِرُ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعْتَرِ / والأيتامُ يَجُرُّونَ نُعُوشَ آبائِهِم في حُقولِ البَارُودِ / والفُقَرَاءُ يَرْسُمُونَ خَارِطَةَ الوَطَنِ / بَيْنَ الرَّصاصِ الْحَيِّ والرَّصاصِ المطاطِيِّ / والأراملُ يَنْتَظِرْنَ عَوْدَةَ أبنائِهِنَّ مِنَ الْحَرْبِ / بَيْنَ صَفِيرِ القِطَاراتِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ /
أيَّتُها الجثةُ التي تَقضي شَهْرَ العَسَلِ في ثَلاجَةِ الموتى / ماتَ الجنودُ في الخنادقِ / وَبَقِيَ أرشيفُ الضَّحايا في المتاحِفِ/ والصَّدَأُ يَأكلُ الأوسمةَ العَسكرِيَّةَ ومَسَامِيرَ النُّعوشِ / ونَخْلَةُ الدَّمِ تَصْعَدُ بَيْنَ الصَّدى والصَّدَأ / تَنْهَمِرُ أكفانُ الأيتامِ مِثْلَ قَطِيعِ الفَرَاشَاتِ / وشَعْرُ البُحَيرةِ عَلى كَتِفَيْهَا كالنَّهْرِ الْمُتَوَحِّشِ/ ودَمُ الْحَيْضِ يَسِيلُ بَيْنَ عُلبةِ المِكياجِ وعُلبةِ البِيرةِ/ تَلْمَعُ أظافرُ القَتلى في أحلامِ الطفولةِ/ كَمَا تَلْمَعُ عُيونُ الفِئرانِ في مَمَرَّاتِ مَحَاكِمِ التَّفتيشِ / هَل ماتَ قَلبي في حُقولِ الصَّدى أَم ماتت السَّنابلُ في ثُقوبِ جِلْدي ؟ / أنا التَّوازُنُ بَيْنَ بَعْثِ أحلامِ الطفولةِ وقِيَامَةِ الأمواتِ مِنَ القُلوبِ /
افْرَحْ أيُّها المنبوذُ / سَتَمُوتُ وَحيداً فَفيراً مَطْرُوداً مِن ذَاكرةِ القَبائلِ / لَكِنَّ الْحَمَامَ الزَّاجِلَ سَيَبْنِي قَبْرَكَ مِنَ السِّيراميك / كُلَّمَا هَجَمَ المساءُ عَلى قَلْبي كالأسَدِ الجريحِ / رَأَيْتُ وُجوهَ القَتْلى عَلى زُجاجِ النَّوافذِ / كُلَّمَا جَلَسْتُ في مَحطةِ القِطَاراتِ وَحيداً / رَأَيْتُ أقنعةَ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / فيا أيُّها البَحْرُ الذي يَحْبِسُ جُثةَ البُحَيرةِ في قَلْبِهِ/ أيْنَ طَوْقُ النَّجاةِ ؟/ إِنَّ الذِّئبةَ تَبْني مَجْدَها عَلى مُؤَخِّرَتِها العَريضةِ / وَتَبْني السَّبايا بُورصةَ النِّفْطِ بَيْنَ نُهُودِهِنَّ / وأسعارُ السَّبايا يُحَدِّدُها سِعْرُ بِرْمِيلِ النِّفْطِ / والعَبيدُ يَقِيسُونَ بِقُيُودِهِم حَجْمَ نُهودِ زَوْجَاتِهِم /

كَيْفَ أكُونُ نِدَّاً للنَّهْرِ ؟ / النَّهْرُ أبي الرُّوحِيُّ / لَكِنِّي يَتِيمٌ / رُوحي مَكسورة / وقَلْبي شَظَايا / لِمَاذا نُمَجِّدُ الأحزانَ أمامَ نُعوشِ السُّنونو تَحْتَ رَاياتِ القَبائلِ ؟ / لِمَاذا نَمْدَحُ الغُبارَ على الْجُثَثِ الطازَجةِ ؟ / أحزاني هِيَ البُوصلةُ التي تَدُلُّ الشَّفَقَ عَلى ضَريحي / وعِظَامي هِيَ الْمَنَارَةُ التي تُرْشِدُ القَرَاصِنَةَ إلى جُثمانِ البَحْرِ / فيا أَيَّتُها الحضارةُ القائمةُ على جَمَاجِمِ النِّساءِ / أغشيةُ البَكَارَةِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ / وَدَمُ الْحَيْضِ في حُفَرِ المجاري / أيْنَ تاريخُ الأُنوثةِ ؟ / ضَاعَ الموتى بَيْنَ أُنوثةِ الأكفانِ وأُنوثةِ التَّوابيتِ / وَشَهَادَةُ مِيلادي يَكْتُبُهَا المطَرُ في المقابرِ الكريستالِيَّةِ / دَمِي الأحمرُ عَلى السَّجَّادِ الأحمرِ/ لَكِنِّي لَم أجِدْ أحَدَاً يَسْتَقْبِلُنِي / سَتَنْمُو نباتاتُ الزِّينةِ عَلى جُثمانِ الرِّياحِ / والقَنَّاصُ يُطْلِقُ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ على الذِّكرياتِ/ لا أمَلٌ في التَّرَاجُعِ / ولا وَقْتٌ للاستسلامِ / والعَوَاصِفُ تَزْرَعُ اللونَ الأسْوَدَ في كُحْلِكِ وثِيَابِ الحِدَادِ / والنَّوَارِسُ تَرُشُّ مَاءَ البَحْرِ عَلى ضَريحي .

18‏/12‏/2017

الزوابع تغسل الملح في دموع الضحايا / قصيدة

الزوابع تغسل الملح في دموع الضحايا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموْتِ / وَبَقِيَ عِطْرُها في الْمَمَرَّاتِ الْمُعْتِمَةِ / ذَهَبَ أبي إلى الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ ضَحِكَاتُهُ في سَرَادِيبِ القَلْبِ المكسورِ / رَائِحَةُ المطَرِ تَختلِطُ بِرَائِحَةِ الْجُثَثِ الْمُتَفَحِّمَةِ / والأطفالُ يَرْكُضُونَ في بَراري الكُوليرا تَحْتَ قَمَرِ الخريفِ /
يَا رَاياتِ القَبَائِلِ الْمُنَكَّسَةَ بَيْنَ صُحُونِ المطبخِ وَثَلاجَةِ الموتى / أقْوَاسُ النَّصْرِ بَيْنَ نُهُودِ الإِمَاءِ / والأغاني الوَطَنِيَّةُ تَذُوبُ كالشُّوكولاتةِ تَحْتَ شَمْسِ الشِّتاءِ / وَكُلَّمَا بَحَثَ الفُقَرَاءُ عَن الْخُبْزِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ/ وَجَدُوا الْجُثَثَ المجهولةَ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ/فانتظِريني على سَطْحِ بَيْتِنا المهجورِ/ حِينَ يَختلِطُ صَوْتُ الرَّصاصِ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ / سَنَمُوتُ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / وَنُولَدُ طِفْلَيْنِ بَيْنَ الشَّهيقِ والزَّفيرِ / وَتُولَدُ رَائِحَةُ المطَرِ بَيْنَ الصَّوْتِ والصَّدى / سَيَرْكُضُ الأطفالُ في حُقُولِ السُّلِّ / ويَمُوتُ الجنودُ في الخندقِ الفَاصِلِ بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ /
يَتَّسِعُ صَوْتُ المطَرِ لِبُكَاءِ أرَامِلِ الْحُرُوبِ / بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وشُيوخِ القَبائلِ / فابْحَثْ عَن رَايةٍ تُظَلِّلُ نَعْشَ البَحْرِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / يا أيَّتُها التِّلالُ المقتولةُ بَيْنَ مَناديلِ الوَدَاعِ وَحُبُوبِ مَنْعِ الْحَمْلِ / نامَ النَّهْرُ المذبوحُ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ / وصَوْتُ الرَّصاصِ يَنبعِثُ بَيْنَ بَناتِ آوَى وبَناتِ أفكاري/سَتَبكي عَلَيْكَ أُمُّكَ أيُّها القَتيلُ/وَلَن تُفَرِّقَ بَيْنَ مِلْحِ دُمُوعِهَا والمِلْحِ في خُبْزِ أعدائِكَ/
في لَيالي الشِّتاءِ القُرْمُزِيَّةِ / يَنبعثُ صَوْتُ الرَّصاصِ مِنْ صَوْتِ البيانو / جَدَائِلُ القَتيلاتِ في المزهرِيَّاتِ / ونَحْنُ نَمشي إلى أطيافِ الموتى عَلى زُجاجِ النوافذِ / والمساءُ يَرْكُضُ إلى أقنعةِ المطَرِ في المرايا / والرِّيحُ تَكْتُبُ أسماءَ الضَّحايا على زُجاجِ القِطَاراتِ / والثلجُ يَعْرِفُ وَقْعَ أقدامِ الْمُخْبِرِينَ / الذينَ جاؤُوا كَي يَغتالُوا رَمْلَ البَحْرِ /
سَوْفَ يَرَى الغريبُ وَجْهَهُ بَيْنَ الشَّاطئِ والشَّفَقِ / سَوْفَ يَتَذَوَّقُ المنبوذُ مِلْحَ دُمُوعِهِ بَيْنَ الرِّجالِ الآلِيِّينَ والبَنادِقِ الآلِيَّةِ / وعَلَى القَاتِلِ أن يَختارَ الضَّحِيَّةَ بَيْنَ الرَّصاصةِ وقَصيدةِ الرِّثاءِ / تَقتسِمُ الزَّوابعُ دُموعَ أُمَّهَاتِنا / قَبْلَ أن يَقتسِمَ الجنودُ الغنائِمَ في مَعركةِ الذِّكرياتِ /

أيَّتُها البُحَيرةُ الأُرْجُوَانِيَّةُ المقتولةُ بَيْنَ شَهيقي وأزرارِ قَمِيصي / ماذا نَفْعَلُ بِرَايَاتِ القَبائلِ بَيْنَ قَميصِ عُثمانَ ورَأْسِ الْحُسَيْنِ ؟ / نَزيفي يَتَدَفَّقُ نَهْرَاً بَنَفْسَجِيَّاً / وأخشابُ النُّعوشِ تَطْفُو عَلى دَمْعِ عُيوني / كَمَا تَطْفُو الْجُثَثُ المجهولةُ على سَطْحِ النِّفْطِ / الرِّيحُ تَخْلِطُ الأوراقَ / والقَتْلَى يَلْعَبُونَ / وَيَبْني الأيتامُ القُصُورَ الرَّمْلِيَّةَ / والموْجُ يَهْدِمُها / ونَكْتُبُ رَسَائِلَ العِشْقِ / والْحَمَامُ الزَّاجِلُ يُضَيِّعُها .

17‏/12‏/2017

تفاحة وحيدة في حقول المطر / قصيدة

تفاحة وحيدة في حقول المطر / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

أنا وَجُثتي نَتَنَاوَلُ العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / جَمَاجِمُ النِّساءِ في صُحُونِ المطبخِ / وَجُثَثُ الأطفالِ في الثلاجةِ / والشُّوكولاتةُ تَذُوبُ تَحْتَ شَمْسِ الخريفِ / جَثامينُ الملوكِ المخْلُوعِينَ في الشَّارِعِ / وَالعَبِيدُ يَغْتَصِبُونَ الملِكَاتِ السَّبايا عَلى رَمْلِ الشُّطآنِ تَحْتَ المطَرِ / والسَّائِلُ الْمَنَوِيُّ يَختلِطُ بالمطَرِ / والحليبُ يَختلِطُ بالرَّمْلِ الذي يُغطِّي بُيُوضَ السَّلاحِفِ /
عِندَما يَمْسَحُ المطَرُ كُحْلَ عَيْنَيْكِ/ وَيَمْسَحُ الإِعصارُ دُمُوعي/سَنَعْرِفُ أنَّنا ضَحِيَّتَانِ في الذاكرةِ/ قَاتِلانِ في الذِّكرياتِ/ تَحَدِّي الملوكِ هَذِهِ لُعبتي/ فَهَلْ رَأيْتِ السَّبايا يَحْكُمْنَ عَلى شَرِيفَاتِ قُرَيْشٍ ؟/
سَلامَاً أيَّتُها الأُمَّهَاتُ اللواتي أَنْجَبْنَ أبناءَهُم للقَتْلِ وَبَنَاتِهِنَّ للاغتصابِ / يُولَدُ التاريخُ بَيْنَ طُبولِ الحرْبِ وبيانو الفِرْقَةِ الموسيقِيَّةِ / تُولَدُ الْجُغرافيا بَيْنَ رَاياتِ القَبائلِ والملابسِ الداخلِيَّةِ / مَاتَ الأيتامُ في القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ / وَبَقِيَتْ جُثةُ البَحْرِ عَلى أُرجوحةِ الغُروبِ / دَمي صَابُونٌ لِتَنظيفِ بَلاطِ مَحطةِ القِطَاراتِ الفارغةِ / فيا أيَّهُا الوَطَنُ الذي يَعْتَبِرُ نُهُودَ النِّساءِ مَادَّةً في دُستورِ الوَحْدةِ الوطنيةِ / أيْنَ الوَطَنُ ؟ / أيْنَ النِّساءُ ؟ / أيَّتُها الحضارةُ التي أَنْجَبَت النِّسَاءَ للسَّبْيِ / أيْنَ تَارِيخُ الأُنوثةِ ؟/ المقابرُ الجماعِيَّةُ هِيَ فَرَاشَاتٌ للبَحْرِ عِندَ الغُروبِ / والشَّفَقُ هُوَ الشَّاهِدُ عَلى احتضارِ أشِعَّةِ القَمَرِ / وأنا الشَّهيدُ / أَكَلَ البَقُّ أخشابَ نَعْشي / وأَكَلَت الحشَرَاتُ قُمَاشَ أكفاني / مِتُّ عَارِيَاً / وَبَقِيَتْ جُثتي في الشَّارِعِ تِذْكَاراً للحُبِّ الضَّائِعِ وأحلامِ الطفولةِ / والتَّوابيتُ مَصْفُوفةٌ عَلى سَطْحِ القِطَارِ البَعيدِ/
سَامِحْني أيُّها البَحْرُ / لَم أكْتُبْ قَصَائِدَ الرِّثاءِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ في الخريفِ البَعيدِ / نَسِيَ القَتْلَى أن يُلَمِّعُوا مَسَامِيرَ نُعُوشِهِم / أجْلِسُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / أُشَاهِدُ مَرَاسِمَ جِنازتي على شَاشَةِ التِّلفازِ / وحَفَّارُ القُبورِ نَسِيَ مَوْقِعَ قَبْرِهِ / والنَّوارِسُ دَفَنَتْ عِظَامَهَا في رِئَةِ البَحْرِ / وهَاجَرَتْ إلى الشَّفَقِ/ والأيتامُ دَفَنُوا دُمُوعَهُم في القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ/ كَمَا تَدْفِنُ السَّلاحِفُ بُيُوضَهَا في رَمْلِ الشَّاطِئِ/

أيَّتُها البُحَيرةُ الأُمِّيةُ/ كَيْفَ سَحَرْتِ البَحْرَ الأعمى ؟/ إنَّ البَحْرَ يَبْحَثُ عَن قَبْرٍ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ / ورَائحةُ عِطْرِ الضَّحِيَّةِ تَختلِطُ بِرَائِحَةِ سَجَائِرِ القَاتِلِ / وطَعْمُ المطَرِ يَمتزِجُ بِدِفْءِ فِرَاشِ الموْتِ / أشْهَدُ أنَّني عِشْتُ في المقبرةِ / وَوَجَدْتُ ضَريحي بَيْنَ أشِعَّةِ القَمَرِ وَجَدَائِلِ الفَرَاشَةِ / فلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الذُّبَابةُ القُرْمُزِيَّةُ / أنا أوَّلُ مَن سَمِعَ دَقَّاتِ قَلْبِكِ / وآخِرُ مَن يَأكُلُ كُرَيَاتِ دَمِكِ/ أزرارُ قَمِيصِكِ تَنْمُو في ثُقوبِ جِلْدي زَعْتَراً / ودَبابيسُ حِجَابِ أُمِّي تَنْبُتُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ نَعْناعاً وذِكْرياتٍ / والْحَمَامُ المذبوحُ لَم يُفَرِّقْ بَيْنَ حَبَّاتِ الذُّرَةِ وحَبَّاتِ المطَرِ .

16‏/12‏/2017

براري السيانيد / قصيدة

براري السيانيد / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........

بُيُوتُنا أفلاكٌ تَدُورُ فِينا ونَدُورُ فِيها / الضَّحِكَاتُ مَاتَتْ في الْمَمَرَّاتِ البَارِدَةِ / والذِّكرياتُ مَصْلُوبةٌ على أخشابِ البَراويزِ/ والمطَرُ يَكْسِرُ مَساميرَ نَعْشي/ ويَصْعَدُ مِن جُثماني / نَتْرُكُ بُيُوتَنا للإعصارِ / ونَرْحَلُ عِندَ الفَجْرِ الكاذبِ / أضاعَ ضَوْءُ القَمَرِ مَوْعِدَ الحصَادِ / وأنا الْمُهَاجِرُ في الأضدادِ / أَقْتُلُ ذَاتي لأَجِدَ ذَاتي خَارِجَ وَصَايا البَحْرِ ومِيرَاثِ الشُّموسِ /
تَحْتَ المطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ / تَتَغَطَّى الكِلابُ البُوليسِيَّةُ عِندَ الحواجِزِ العَسكرِيَّةِ بالْجُلُودِ البَشَرِيَّةِ / والنَّهْرُ يَكْتُبُ بِدَمِهِ اعتذاراً للبَحْرِ / وأنا أكتبُ وَصِيَّتي على جِلْدِ الرِّياحِ / والأطفالُ يَكْتُبونَ عَلى زُجاجِ القِطاراتِ أسماءَ آبائِهِم القَتْلى / والدِّيدانُ تُرَتِّبُ أثاثَ قَبْري وقَلْبي / والعَوَاصِفُ تُرَتِّبُ صُحونَ المطبخِ في ثَلاجةِ الموتى / أنا الخليفةُ الشَّرْعِيُّ للنَّهْرِ / أعصابي تَغتالُ النَّهْرَ / وتَجْلِسُ عَلى عَرْشِ الأنقاضِ/ فيا بِلادي المسروقةَ / اتْرُكِيني أسْرِقْ ذِكْرياتي مِنْ طُيورِ البَحْرِ / الموْتُ في الشَّوارعِ القَذِرَةِ/ والْجُثَثُ بَيْنَ حَاوِيَاتِ القُمامةِ / والْحَمَامُ لا يُفَرِّقُ بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ وصَفِيرِ القِطَاراتِ/
الدَّولةُ هِيَ القَبيلةُ / وكُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ / أحْرَقَ الْحُزْنُ جُثةَ البَحْرِ / ونُثِرَ الرَّمادُ في نَهْرِ الذِّكرياتِ / والزَّوابعُ تَزْرَعُ الْخَشْخَاشَ في جُثماني / والذبابُ يَتساقطُ عَلى جُثةِ الرِّياحِ / والجرادُ يَأكُلُ عِظَامَ البُحَيرةِ / والفَراشاتُ تَغْرَقُ في قَارُورةِ الحِبْرِ / والمحكومُ بالإعدامِ لَم يَقْدِرْ أن يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ / والسَّائِلُ الْمَنَوِيُّ يَطْفُو على المِلْحِ في دُموعِ النِّساءِ /
أيُّها البَقُّ / لَكَ البَريقُ وَلِيَ الانطفاءُ / تَأكُلُ خَشَبَ البَراويزِ في كُوخي القُرْمُزِيِّ / وتَلْتَهِمُ أخشابَ نَعْشِي في المسَاءِ الْمُضِيءِ / يا بَراري السِّيانيد / يا مُدُنَ الحديدِ / يا مَزْهَرِيَّاتِ الحِدَادِ / مَاتَ الْحَدَّادُ عَلى صَدْرِ زَوْجَتِهِ / فَمَن يَصْنَعُ مَساميرَ نَعْشي ؟ / مَاتَ النَّجارُ في زِنزانةِ الياسَمين / فَمَن يَصْنَعُ نَعْشي ؟ / اسْتَعَارَت الرِّيحُ أخشابَ مَطْبَخِ بَيْتِنَا في الأندلسِ لِتَصْنَعَ نَعْشي /

وَدَاعَاً أيَّتُها الأراملُ في عَرَبَاتِ القِطَاراتِ / الصَّقيعُ يُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى حَبَّاتِ البُرتقالِ في مَحطةِ القِطَاراتِ / والْجُثَثُ البلاستيكِيَّةُ عَلى الْمَقَاعِدِ الخشَبِيَّةِ / ذَهَبَ أبي إلى الموْتِ / وَبَقِيَتْ ثِيَابُهُ في الخِزَانةِ/ كُلَّما مِتُّ عِشْتُ في قَلْبِ امرأةٍ مَا/ أنا قَطَرَاتُ المطَرِ التي لا تموتُ/أنا الموْتُ والانبعاثُ/ فَيَا أيَّتُها الرَّاهبةُ المكسورةُ بَيْنَ مُضَادَّاتِ الاكتئابِ وَحُبُوبِ مَنْعِ الْحَمْلِ / أيْنَ الطريقُ إلى غُرفةِ الاعترافِ ؟ / المزهرِيَّاتُ في الممرَّاتِ / والجثثُ في الشَّوارعِ / فَازَ الموْجُ بِأكفانِ الغَرْقى / وانتصرَ البَحْرُ عَلى ذِكْرَياتِ البَحَّارةِ / هَنيئاً لَكَ أيُّها البَحْرُ / إِنَّ البُحَيْرةَ تَحْسُدُ فُرشاةَ أسنانِكَ .

15‏/12‏/2017

ملهى ليلي للملك المخلوع والراقصة المشلولة / قصيدة

ملهى ليلي للملك المخلوع والراقصة المشلولة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

نَشْرَبُ أنخابَ الهزيمةِ تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / أنا الأنقاضُ وَأَصْعَدُ مِنَ الأنقاضِ/ أضَاعَ النَّسْرُ جَنَاحَيْهِ في صَفيرِ القِطاراتِ / قَصيدتي هِيَ الْحَدُّ الفاصلُ بَيْنَ صَوْتِ المطَرِ وَصَوْتِ الرَّصاصِ / فَكُنْ شَاعِرَاً / كَي تُفَرِّقَ بَيْنَ صَوْتِ البيانو وَصَوْتِ المرأةِ الْمُغْتَصَبَةِ / قَلْبي مُغْلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / وَحَفَّارُ القُبورِ هُوَ الأبُ الرُّوحِيُّ لأعشابِ المقبرةِ / والطيورُ أَخَذَتْ مِفتاحَ ضَريحي / وَعَادَتْ إلى البَحْرِ في الليلةِ الماطِرَةِ /
أَعْرِفُ الْحُبَّ الذي هُوَ قَاتِلِي/ لَكِنِّي أمشي إِلَيهِ خَنْجَراً مُلَوَّناً / كَالفَراشةِ السَّائرةِ إلى هَاويةِ الزُّمُرُّدِ / كُلَّمَا نَظَرْتُ إلى المزهرِيَّةِ رَأَيْتُ جُثتي فِيها / كُلَّمَا نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأَيْتُ غَيْرِي / مَاذا يَستفيدُ المحكومُ بالإعدامِ مِنَ الأغاني الوطنيةِ ؟ / سَتُصْبِحُ قُمصانُ النَّوْمِ أكفاناً للنِّساءِ في المجاعةِ اللازَوَرْدِيَّةِ / أنا الأملُ الأخيرُ في ذِكْرَياتِ العَوَانِسِ / لَكِنِّي جُثةٌ هَامِدَةٌ / وَالقَنَّاصُ يَشْرَبُ الشَّايَ في بُرْجِ الكنيسةِ / وَيُرَاقِبُ حَرَكَةَ الأمواجِ عَلى جُثمانِ البَحْرِ / والدُّودُ يَأْكُلُ أحلامَ الطفولةِ / كَمَا يَأكُلُ الْحَمَامُ الذُّرَةَ عَلى سُطُوحِ القِطَاراتِ الرَّاحِلَةِ / وأشِعَّةُ القَمَرِ عَلى جُثَثِ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ / يَبِيعُ الأيتامُ العِلْكَةَ عَلى إِشاراتِ الْمُرُورِ في نَهَارِ الدِّماءِ / وَيَرْكُضُونَ وَراءَ وَمِيضِ البَرْقِ في لَيْلِ البُكَاءِ/ نَسِيَ الْحَمَامُ الزَّاجِلُ عُنوانَ بَيْتي / لَكِنَّهُ تَذَكَّرَ رَقْمَ قَبْري/ أنا ضَحِيَّةُ نَفْسي / وَقَاتِلُ نَفْسي / أنا الضَّحِيَّةُ التي تَقَمَّصَتْ قَاتِلَهَا / لِتَنْتَقِمَ مِنَ الذاكرةِ والذِّكرياتِ /
نَرْحَلُ في شَرايينِ المسَاءِ / نَتْرُكُ حَقَائِبَ السَّفَرِ للمُعْجَبَاتِ وقُطَّاعِ الطُّرُقِ / والعَاشِقَةُ تَتْرُكُ عَصِيرَ البُرتقالِ لِقَاتِلِهَا / صَوْتُ المطَرِ يَكْسِرُ عِظَامَ الضَّحايا / ومَحطةُ القِطَاراتِ فَارغةٌ / يَرْسُمُ الأطفالُ عَلى زُجَاجِ القِطَاراتِ وُجُوهَ أُمَّهَاتِهِم القَتيلاتِ / والرِّيحُ تَبِيضُ بَيْنَ الحاجِزِ العَسكريِّ وحَقيبةِ السَّفَرِ / يَصِيرُ رَقْمُ الزِّنزانةِ أهَمَّ مِنَ السَّجينِ / وتَصِيرُ حَقيبةُ السَّفَرِ أهَمَّ مِنَ المسافرِ /

أنا انقلابُ الذِّكرياتِ عَلى الذاكرةِ/ لَكِنَّ دَمِي قِناعٌ لا وَجْهٌ/ وأراملُ الجنودِ يَنْتَظِرْنَ استلامَ النُّعوشِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / قَلْبي مَاتَ بَعْدَ جُرْعَةٍ زَائدةٍ مِنَ الذِّكرياتِ / وَمَا زِلْتُ أَبْحَثُ عَن شَرْكَسِيَّةٍ تَدْفِنُهُ في قَلْبِها / كَي نَعِيشَ مَعَاً / وَأَمُوتَ وَحْدي/ جِئتُ وَحيداً / وأَعُودُ وَحيداً / الْخَنْجَرُ المسمومُ لَيْسَ لَهُ غِمْدٌ / والطعنةُ القاتلةُ لَيْسَ لَهَا مَوْعِدٌ / أَبْحَثُ عَن مَجْدٍ زَائِلٍ / لأنَّني أنا الزَّائِلُ / أبْحَثُ عَن تَاريخٍ وَهْمِيٍّ / لأنَّني أنا الوَهْمُ .

14‏/12‏/2017

ما هو الحب ؟ / قصيدة

ما هو الحب ؟ / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

الْحُبُّ رَصاصةٌ تَخترِقُ قَلْبَ المساءِ / وَالْمُسَدَّسُ الْمَطْلِيُّ بأعشابِ المقابِرِ يَعْمَلُ بالطاقةِ الشَّمسيةِ / الْحُبُّ نَجَّارٌ يُفَصِّلُ التَّوابيتَ مِن أخشابِ المطبخِ / الْحُبُّ أرْمَلةٌ تَخِيطُ أكفانَ العُشَّاقِ مِن زُجاجِ القِطَاراتِ / جَدائلُ النِّساءِ في صُحُونِ المطبخِ البلاستيكِيَّةِ/ وَدُمُوعُهُنَّ تَسِيلُ بَيْنَ العَناكبِ الذهبيةِ وأكفانِ الزَّوابعِ / مِثْلَ السَّائِلِ الْمَنَوِيِّ أوْ سَائِلِ الْجَلْيِ/ أخشابُ السُّفُنِ الغارقةِ هِيَ أثاثُ الجِنازةِ العسكريةِ/ مَاتَ ضَوْءُ الشُّموعِ في الْحُبِّ / وانبَعَثَ في الذِّكرياتِ / وَأحزاني هِيَ الحياةُ والموْتُ والبَعْثُ / وَالرِّيحُ تَبْحَثُ في قَصيدتي عَن مَوْتٍ لا قِيَامَةَ بَعْدَهُ /
جُمْجُمَتِي الْمُضيئةُ في قَاعِ البِئْرِ / والذبابةُ التي تَخيطُ أكفاني مِن خُيوطِ العَنْكَبوتِ مُطْمَئِنَّةٌ / لأنَّ ضَوْءَ القَمَرِ سَيَكْسِرُ الحِجَارَةَ في قَاعِ الْمُسْتَنْقَعِ / عُلْبَةُ مِكْيَاجٍ قُرْبَ جُثةٍ مَجهولةِ الْهُوِيَّة / والرِّيحُ تُحَطِّمُ مِزْمَارَ الرَّاعي / والقَطيعُ يَسيرُ إلى الهاويةِ بِهُدوءٍ ورُومانسِيَّةٍ /
أنا الْجُثْمَانُ وَحَفَّارُ القُبورِ في آنٍ مَعَاً/ لَكِنَّني أضعتُ خَارِطَةَ المقبرةِ / والقَراصنةُ أضَاعُوا جَزيرةَ الكَنْزِ / والعَوَاصِفُ أضاعَتْ بُوصلةَ القُلوبِ المكسورةِ / والطريقُ إلى البَحْرِ مُغْلَقٌ بالْحَوَاجِزِ العَسكرِيَّةِ/ أنا الصَّقْرُ والفَرِيسَةُ في نَفْسِ الوَقْتِ/ دُمُوعي مُلَوَّنةٌ كَسَنابلِ وَطني التَّائِهِ/ بَيْنَ صَفيرِ القِطَاراتِ وَصَفَّاراتِ الإنذارِ / وَأُنوثةُ الزَّنابقِ تَضِيعُ في الأغاني الوَطَنِيَّةِ وَمُرَاهَنَاتِ الْخُيُولِ / والنَّهْرُ خَسِرَ زَوْجَتَهُ في لُعبةِ قِمَار/ وَدَمُ الرِّياحِ البَنَفْسَجِيُّ عَلى الْجُسُورِ/ التي قَصَفَتْهَا الطائراتُ / والمسَاءُ يَرْعَى قَطِيعاً مِن جَمَاجِمِ الأطفالِ / والسَّلاحِفُ وَضَعَتْ بُيُوضَهَا في القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ / التي سَيَهْدِمُهَا الموْجُ الأصفرُ / أيَّتُها الحشَرةُ الْمُضيئةُ / لَسْتِ غَريبةً عَنِّي / أنا حَشَرَةٌ بَيْنَ رَاياتِ القَبائلِ ودُستورِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / ظِلالُ العَناكِبِ عَلى قَارورةِ الحِبْرِ في الثلجِ النَّازِفِ / وحَفَّارُ القُبورِ أخَذَ إجازةً بِلا رَاتِبٍ / فَمَن يَدْفِنُني عِندَما أمُوتُ ؟ /
أيُّها البَحْرُ الأعْمَى/ لا تَنْظُرْ إِلَيَّ كَضَحِيَّةٍ / أنا القاتلُ والمقتولُ / دِمائي شَجَرَةٌ بَيْنَ الانبعاثِ والاجتثاثِ/ أيُّها البَعُوضُ الأُرْجُوَانِيُّ/ أنتَ الشَّاهِدُ على احتراقِ خَشَبِ البيانو في مَوْقَدَةِ الخريفِ/ والمساءُ يَشْهَدُ أنَّ صَوْتَ المطَرِ انتَصَرَ عَلى صَوْتِ البيانو / أنا الكَلِمَةُ الحزينةُ بَيْنَ الكَابوسِ والقَامُوسِ / أنا كَابُوسُ الفَراشاتِ وَقَامُوسُ أشجارِ المقابِرِ /

سَلامٌ عَلى الأمواتِ / يَعِيشُونَ بَيْنَ أزرارِ قَميصي والصُّوَرِ التِّذكارِيَّةِ / سَيَأتي الشِّتاءُ مِن نوافذِ اللازَوَرْدِ / اطْبُخِي الدُّموعَ يَا أُمِّي / وانتَظِري أبي الذي لَن يَعُودَ في المسَاءِ .

13‏/12‏/2017

الرعد يدفن جثماني في مكان سري / قصيدة

الرعد يدفن جثماني في مكان سري / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

هَل يَعْرِفُ الصَّيادُ ذِكْرَياتِ الفَريسةِ ؟ / هَل تَعْرِفُ الفَرِيسةُ أبناءَ الصَّيادِ الجائعين ؟ / البَحْرُ يُضَيِّعُ وَقْتَهُ في إِطلاقِ الرَّصاصِ عَلى جُثةِ النَّهْرِ / مَاتَ النَّهْرُ بِلا وَصِيَّةٍ ولا زَوْجَةٍ / والرِّيحُ وَصِيَّةُ الغريبِ / والزَّوبعةُ وِصَايَةُ الصَّيادِ عَلى الفَريسةِ /
مَاتت البُحَيرةُ رَمْيَاً بالرَّصاصِ / وَشَجَرُ المقابرِ يَسألُ ضَوْءَ القَمَرِ / عَن عَدَدِ الرَّصاصاتِ في جِسْمِها / سَتَظَلُّ الرَّصاصاتُ في الليلةِ البَاردةِ تِذْكاراً لأحزانِ الطفولةِ / النِّسْوَةُ في المقابرِ بِدُونِ نُونِ النِّسْوَةِ / وَدِمَائي أبجديةٌ جَديدةٌ تأتي مِنْ صَوْتِ المطرِ / رَاحِلٌ أنا في لَيْلِ الشِّتاءِ / بِلا ضَفائرِ أُمِّي ولا عُكَّازةِ أبي / يَدْخُلُ ضَوْءُ القَمَرِ في شَرَاييني/ وأركضُ إلى البَحْرِ/ وَتَظَلُّ جُثتي عَلى رَصيفِ المِيناءِ/صَوْتُ الرَّصاصِ يَكْسِرُ صَوْتَ البيانو في ليالي الخريفِ/وأكفانُ أبي تُغَطِّي أثاثَ بَيْتِنا القديمِ/ وأكفاني البَيضاءُ رَايةٌ بَيضاءُ في أحلامِ الطفولةِ / والأمطارُ هُدْنةٌ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمي البَيْضَاءِ والحمراءِ/
أنا السَّرابُ / فأيْنَ الصَّحراءُ ؟ / أنا الْمَرْفَأُ / فأيْنَ البَحْرُ ؟ / زَرَعَ مَطَرُ الخريفِ السَّنابلَ في الصُّدورِ الْمُحْتَرِقَةِ بالْحُبِّ / لَكِنَّ سَرَطَانَ الثَّدْيِ هُوَ الحاصِدُ / سَتَمُوتِينَ وَحْدَكِ أيَّتُها الفَراشةُ / فِرَاشُ الْمَوْتِ ضَوْءٌ يُولَدُ مِن قَطَرَاتِ المطَرِ أوْ قَطَرَاتِ الحِبْرِ /
قَمِيصُ النَّوْمِ في خِزَانةِ المطبخِ / ورُؤوسُ النِّساءِ في صُحُونِ المطبخِ / أيْنَ العَشَاءُ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ يا بَنَاتِ آوَى ؟ / لا أَبْحَثُ عَن السَّجَّادِ الأحمرِ / لأنَّني أعيشُ تَحْتَ الأرضِ/ لا أَبْحَثُ عَن الْمُعْجَبَاتِ/ لأنَّ الْحُبَّ في قَلْبي مَات/ أَضَاعَت السَّبايا طِلاءَ الأظافِرِ بَيْنَ الذِّكرياتِ والْمُسَدَّسَاتِ / وَأَضَعْتُ قَارُورةَ الحِبْرِ بَيْنَ قَارُورةِ العِطْرِ وَقَارُورةِ السُّمِّ/ وَالسَّنابلُ تَنْمُو في ثُقوبِ جِلْدي كأخشابِ التَّوابيتِ / وأخشابُ السُّفُنِ الْمُحَطَّمَةِ تَصِيرُ نُعُوشَاً لِمَناديلِ الوَداعِ / التي نَسِيَتْهَا أراملُ البَحَّارةِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / وَسَوْفَ يُلْقِي البَحْرُ نَظْرَةَ الوَداعِ عَلى جَثَامِينِ البَحَّارةِ الغَرْقى /

امْشِ أيُّها النَّهْرُ الْمُحْتَرِقُ بالذِّكرياتِ في الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ/ النَّعْشُ مَلْفُوفٌ بِوَرَقِ الشُّوكولاتةِ/ والنِّساءُ يَرْتَدِينَ قُمصانَ النَّوْمِ / وَيَمْشِينَ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / والأعلامُ مُنَكَّسَةٌ / وَالأغاني الوَطَنِيَّةُ سَقَطَتْ في عَصيرِ البُرتقالِ / سَقَطَت الرُّومانسِيَّةُ بَيْنَ جُثتي وَعِطْرِ الذبابةِ / سَقَطَ الكِفَاحُ الْمُسَلَّحُ بَيْنَ مِرْآةِ الأمطارِ والأسمنتِ الْمُسَلَّحِ / فَيَا أيُّها القَلْبُ العَاشِقُ المصلوبُ عَلى جَسَدِ الرَّجُلِ الآلِيِّ / سَتَنْقُلُ الشُّطآنُ جُثمانَ البَحْرِ بَحْرَاً / وَيُدْفَنُ في مَسْقَطِ رَأْسِهِ كالنَّسْرِ المشلولِ .

12‏/12‏/2017

دمي يحرس بوابة المقبرة من الصدأ / قصيدة

دمي يحرس بوابة المقبرة من الصدأ / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

يَنتظِرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ في المقبرةِ / بَيْنَ دِيدانِ التُّرابِ والشَّايِ بالنَّعناعِ / الذي يَشْرَبُهُ حَفَّارُ القُبورِ في استراحةِ الْمُحَارِبِ / وَلَم يَعُدْ هُناكَ مُحَارِبُون / ضَاعَتْ قُرْطُبَةُ بَيْنَ أُمَرَاءِ الْحُرُوبِ وأُمَرَاءِ الطوائفِ / والعَبيدُ يَكْتُبُونَ رَسائلَ الغرامِ للجَوَاري / والأغاني الوَطَنِيَّةُ هُدْنَةٌ بَيْنَ القَبَائلِ والطوائفِ/
اكْرَهِيني أيَّتُها الفَرَاشَةُ / وتَزَوَّجِي صَقْرَاً / أنا حَشَرَةٌ تَأْكُلُهَا الكِلابُ البُوليسِيَّةُ بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ والحواجِزِ العَسكرِيَّةِ / بِلادي مَنْذُورةٌ لأشباحِ المرافئِ البَعيدةِ / ورَاياتُ القَبائلِ مَنْذُورةٌ لأعلامِ القَرَاصنةِ / وَجِلْدي مَنْذُورٌ للحَمَامِ الزَّاجِلِ / وَرَسَائِلُ العُشَّاقِ لَن تَصِلَ / والرَّاهباتُ يَزْرَعْنَ المارِيجوانا في حَديقةِ الدَّيْرِ / فَانثُرْ أيُّها البَعُوضُ الذهبِيُّ الأزهارَ الصِّناعِيَّةَ عَلى الأضرحةِ الزُّجاجيةِ /
مَوْجُ البَحْرِ يَعْمَلُ في العُطْلةِ الصَّيفيةِ نَجَّاراً / يَصْنَعُ نُعُوشَ الأطفالِ الذين بَنَوا القُصورَ الرَّمليةَ وَهَدَمُوهَا / أنا الْمُحَارِبُ الخاسِرُ في مَعَارِكِ العِشْقِ / جُثماني استراحةٌ لِسَائِقي الشَّاحِنَاتِ عَلى الطريقِ الصَّحراوِيِّ / دَمِي هُدْنةٌ بَيْنَ قَلْبي وَرِئَتي / أظافري تُقَاتِلُ جِلْدِي / وَجِلْدي يُقَاتِلُ شَرَاييني / حَرْبٌ أهْلِيَّةٌ في قَلْبي المكسورِ / لَكِنَّ نَزِيفي يَقْطِفُ الأزهارَ مِن تِلالِ القُوقازِ / وكُحْلُ الشَّركسياتِ يَتَزَوَّجُ قَطَرَاتِ المطَرِ عَلى الأزهارِ / جُثتي مُعَطَّرةٌ بِدُمُوعِ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسُورِ سَرَاييفو / جِئْتُ وَحيداً / أَعُودُ وَحِيداً / الذِّكرياتُ جَوَازُ سَفَرِي / لَكِنَّ دُودَ التُّرابِ أَسْقَطَ جِنسِيَّةَ الزَّوابعِ عَن أعشابِ المقبرةِ/ لا فَرْقَ بَيْنَ النَّزيفِ الأخضرِ والنَّزيفِ الأزرقِ/ لأنَّني جُثةٌ تَذُوبُ في أحلامِ الطفولةِ/
عَلى أزرارِ قَميصي / أَرْسُمُ وَجْهَ البَحْرِ مِن نافذةِ سِجْني / وَصَوْتُ المطَرِ يَفْرُشُ حِيطانَ زِنزانتي بِشَقَائِقِ النُّعمانِ / قَميصُ النَّوْمِ مَنْقُوعٌ في عَصيرِ التُّوتِ / الذي لَن يَشْرَبَهُ العَاشِقُ / لأنَّهُ مَات / والْمَلِكُ المخلوعُ يَحْمِلُ عَرْشَهُ عَلى ظَهْرِهِ/ والملِكَاتُ يَبِعْنَ دَمَ الْحَيْضِ عَلى إِشاراتِ المرورِ كالبَاعَةِ الْمُتَجَوِّلِين/ سَتَصِيرُ عُرُوشُ الملوكِ أثاثاً مُسْتَعْمَلاً أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ/ في لَيَالي الكُوليرا والذِّكرياتِ/

احْفَظْ جَدْوَلَ الضَّرْبِ يَا شَجَرَ المقابرِ / كَي تُفَرِّقَ بَيْنَ أرقامِ الأضرحةِ وأرقامِ الزَّنازين / أَمْشِي إلى المقبرةِ في لَيْلَةٍ خَرِيفِيَّةٍ بَارِدَةٍ / وَضَوْءُ القَمَرِ يُشَرِّحُ جُثتي نَهْرَاً نَهْرَاً / والإعصارُ يَقُصُّ ضَفَائِرَ الأراملِ عَلى شَاطئِ الوَدَاعِ / ويَخْلَعُ قِرْمِيدَ كُوخي مِثْلَ قَارورةِ الحِبْرِ / تَبْكِي شُموعُ الاحتضارِ تَحْتَ نوافذِ الشِّتاءِ / كَمَا يَمُوتُ الفُقَراءُ في طَوَابيرِ الْخُبْزِ / فيا أيُّها الإعصارُ / زَيِّنْ غُرفتي بالأزهارِ الصِّناعيةِ / وَافْرَحِي يا أُمِّي/ إنَّ نَعْشِي الْمُسْتَعْمَلَ هُوَ أثاثُ بَيْتِنَا الجديدُ/ أنا وَعَشِيقتي البُحَيرةُ ذَهَبْنا إلى الجفافِ العَاطِفِيِّ / ذَهَبَ العَاشِقَانِ إلى الْمَوْتِ / وَصَارَ الشَّايُ عَلى طَاوِلَةِ الْمَطْعَمِ بَارِدَاً .

11‏/12‏/2017

لِمَن تتعطر الجثة في المساء ؟ / قصيدة

لِمَن تتعطر الجثة في المساء ؟ / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

بُرْجُ الكَنيسةِ مِن عِظَامِ الرَّاهباتِ / والقَنَّاصُ عَلى سَطْحِ الدَّيْرِ انتصرَ على الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ/ والأعلامُ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ الكَنَائِسِ والعَوَانِسِ/ والموْجُ يَرْعَى قَطِيعاً مِنَ الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ/ السَّفينةُ تَغْرَقُ / لَكِنَّ البَحَّارةَ يَتَغَزَّلُونَ بِابْنَةِ القُرْصَانِ / رَمْلُ البَحْرِ هُوَ النَّخاسُ الحزينُ/ يَبْكي في سُوقِ النِّخاسةِ بَعْدَ بَيْعِ الجواري / كالْمُهَرِّجِ الوَحيدِ الذي يَبْكي بَعْدَ رَحيلِ لاعباتِ السِّيرك /
دُمُوعُ أُمِّي في المزهرِيَّةِ / والمزهرِيَّةُ تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وَالمرايا الكريستالِيَّةُ مِن شَظَايا جَمَاجِمِ الأطفالِ / والنُّسورُ تَرْحَلُ مِن أعلامِ الدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ إلى أكوامِ القُمامةِ / بَحْثاً عَن جُثَثِ القَتْلى الْمَنْسِيَّةِ / وَالْجُثَثُ في الشَّوارعِ أكثرُ مِن سَيَّاراتِ التاكسي / وَدَاعاً يَا حَفَّارَ القُبورِ / ذَهَبْتَ إلى دِيدانِ التُّرابِ والنَّعناعِ حَوْلَ شَوَاهِدِ القُبورِ / وَنَسِيتَ طَيْفَكَ عَلى أجسادِ النِّساءِ البَاكياتِ عِندَ سُورِ المقبرةِ / أيُّها المنبوذُ في الأحكامِ العُرْفِيَّةِ وَقَوَانِينِ الطوارئِ / أشجارُ المقابرِ لا تَحْفَظُ كَلِمَاتِ النَّشيدِ الوَطَنِيِّ / وَحُكومةُ الوَحْدةِ الوَطنيةِ لَن تَضَعَ صُورَتَكَ عَلى طَوَابِعِ البَريدِ / كَمْ أنتَ وَحيد /
يَا شَجَرَ الغابةِ اللازَوَرْدِيَّةِ / احْتَرَقْتَ بالصَّدَمَاتِ العَاطِفِيَّةِ / وَذَهَبْتَ إلى الاحتضارِ الأُرْجُوَانِيِّ / وَلَم تَتْرُكْ للعُشَّاقِ تِذْكَاراً / مَا فَائِدةُ أَن نُعَلِّقَ سَاعَةَ الحائِطِ عَلى أشجارِ المقابرِ ؟ / مَا فَائِدَةُ رَبطةِ العُنُقِ الْمُلَوَّنةِ بَيْنَ حِيطانِ الزِّنزانةِ العَمْياءِ ؟ /
يَا حَفَّارَ القُبورِ / كُلُّ أصدقائِكَ مَاتوا / فَمَن سَيَحْفِرُ قَبْرَكَ عِندَما تَمُوتُ ؟ / كُلَّمَا نَظَرْتُ في المِرْآةِ رَأَيْتُ صُورَةَ قَاتِلِي / فلا تُشْفِقْ عَلَيَّ يا رَمْلَ البَحْرِ / ولا تَرْحَمْنِي يا شَاطِئَ الوَدَاعِ / كُلُّنا نَبْحَثُ عَن رَصاصةِ الرَّحمةِ بَيْنَ أكوامِ الْجُثَثِ/ سَتُكَفِّنُ الفَراشةُ العَمْياءُ النَّسْرَ القَتيلَ بَيْنَ النَّيازكِ والدَّبابيسِ / فلا تَحْزَنْ عَلى الضَّحِيَّةِ يَا مَرْفَأ السَّرابِ / سَوْفَ تَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ قَاتِلَهَا / ويَكْسِرُ الخريفُ المرايا لِكَيْلا يَرَى وَجْهَهُ / سَتَظَلُّ ضَفائرُ أُمَّهَاتِنا في مَزْهَرِيَّاتِ الشِّتاءِ / وتَظَلُّ جَثامينُ آبائِنا على الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ / فَاشْرَب الشَّايَ الأخضرَ يَا دَمي الأخضرَ بَيْنَ وُجوهِ المساءِ وأقنعةِ البَحْرِ /

وَدَاعاً يَا طَيْفَ الشِّتاءِ في الليلِ السَّحيقِ / وُجوهُ القَتيلاتِ تَلتصِقُ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وضَوْءُ القَمَرِ يَأكُلُ لُحُومَ الأراملِ في المِيناءِ البَعيدِ/ ظِلالُ أشجارِ المقابرِ عَلى خُدودِ النِّساءِ / واليَمامُ يَصطادُ الكُحْلَ الأزرقَ مِن عُيونِ اليتيماتِ/اكْسِرِي مِرْآتَكِ أيتها الْمُسَافِرَةُ قَبْلَ أن يَكْسِرَها البَحْرُ/ مَا فَائِدةُ المِرْآةِ والاحتضارُ يَنْزِعُ وَمِيضَ عَيْنَيْكِ زَهْرَةً زَهْرَةً ؟ / اكْتُبِي وَصِيَّتَكِ بِأُسْلُوبِ المحكومِ بالإعدامِ/الأمطارُ تَشُمُّ رَائحةَ الجثثِ المحترِقةِ في أبجديةِ الزَّوابعِ/وَعِطْرُ أبي القَتيلِ يَسِيلُ عَلى أصابعي.