سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/06‏/2021

رودلف أوكن ونقد الاشتراكية

 

رودلف أوكن ونقد الاشتراكية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...................

وُلد الفيلسوف الألماني رودلف أُوكن ( 1846_ 1926) في مقاطعة أوريتش الألمانية ، وتُوُفِّيَ في يينا .

تُوُفِّيَ والده عندما كان طفلاً ، فقامت أُمُّه برعايته والإشراف على تعليمه . درسَ في جامعة غوتنغن ( 1863_ 1866 ) . مِن أبرز أساتذته الذين تلقَّى العِلْم على أيديهم : عالِم اللغويات والفيلسوف فِلهِلم رويتر ، والأستاذ هيرمان وتز ، والأستاذ أدولف تراند الذي ساهمَ في تدعيم النظرة التاريخية للفلسفة الأخلاقية .

حصل أُوكن على شهادة الدكتوراة في فقه اللغة الكلاسيكية والتاريخ القديم من جامعة غوتنغن في عام 1866، واهتم بالجانب الفلسفي من اللاهوت. وبعد عِدَّة سنوات أصبحَ مُحَاضِرًا في جامعة بازل .

بَقِيَ أُوكن في جامعة بازل حتى عام 1874 ، ثُمَّ عمل مُحَاضِرًا في جامعة يينا . وهي إحدى أشهر الجامعات الألمانية وأكثرها عراقة، ومن أشهر خِرِّيجيها الفيلسوف الألماني شوبنهاور ، والفيلسوف الألماني كارل ماركس، وعالِم الفيزياء النمساوي شرودنغر .

     بَقِيَ أُوكن مُحَاضِرًا في جامعة يينا حتى تقاعده في عام 1920 .

وفي الفترة ( 1913_ 1914)، شغل منصب محاضر زائر في جامعة نيويورك . وخلال الحرب العالمية الأُولى ، اتَّخذَ _ مِثْل الكثير من زملائه الأكاديميين _ موقفًا قويًّا ضد الحرب .

وقد وقَّع في عام 1914 ( العام الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الأولى ) على بيان المثقفين الألمان . ورأى أن الحرية تتحقق بالعِلم وبمجتمع السلام، فالعِلْم يُوفِّر سيطرة الإنسان على الطبيعة بتعاون العلماء ، ومجتمع السلام يكون بتعاون البشر ووقف صراعهم .

تزوَّج أُوكن في عام 1882 ، وأنجبَ وَلَدَيْن وبِنتًا . وقد أصبحَ ابنه والتر مفكرًا اقتصاديًّا شهيرًا . أمَّا ابنه الثاني أرنولد ، فقد أصبحَ عالِمًا كيميائيًّا .

حصل أُوكن على جائزة نوبل للآداب عام 1908 ، بعد أن كان قد تَمَّ ترشيحه مِن قَبْل عُضوًا في الأكاديمية السويدية. وقد بَيَّنت لجنة نوبل سبب منحه الجائزة: " تقديرًا لبحثه الجاد عن الحقيقة ، وامتلاكه القدرة على اختراق الفكر، وأُفقه الواسع، والدفء والقوة في عَرْض أفكاره، التي ساهمت في تكريس مثالية فلسفة الحياة".

إن فلسفة أُوكن فلسفة حياة . والحياةُ في نظره أنظمة عضوية ومؤسساتية، ووظيفة الفلسفة شرح أنظمة الحياة ، وإظهار معانيها ، ثم اختيار أفضلها . وبما أن الحياة عملية تطور ، فلا يمكن حجزها في فلسفة أو نظام .

وعندما تُحطِّم الحياةُ الحواجزَ الْمُنْشَأة ، تظهر الحاجة إلى فلسفة جديدة ، أو نظام للحياة جديد أكثر شمولاً . والفلسفة الجديدة لا تولد إلا بالعملِ الحي الجاد ، وبالتركيز على الحياة ومعرفة الخير والشر فيها .

والحياة في الإنسان وعي ذاتي ، وهي تتجاوز حدود الفرد لتربط كل الكائنات الواعية . وبهذا التجاوز ، تصبح حياة روحية مستقلة تصل الإنسان بالحقيقة المطْلقة ، والجمال والخير المطْلقَيْن.

انتقدَ أُوكن المذهب الطبيعي الذي يفرض حدودًا زائفة على روح الإنسان . ومعَ أن المذهب الطبيعي هو نتيجة تأثير العِلْم في حياة الإنسان ، إلا أن هذا المذهب يصبح شديد الخطورة إذا قيَّد طاقات الإنسان بالطبيعة وحدها . لذلك أكَّد أُوكن على الاستقلال الروحي الذي يُعطي الأولوية للكُل ، الذي يُؤلِّف الفرد جزءًا منه مِن دُون ذوبان فيه .

كما انتقدَ أُوكن الاشتراكية مِن ستة وجوه : 1_ عجزها عن إضفاء وَحدة على حركة الحياة. 2_ عجزها عن إدراك حاجة الإنسان إلى حياة جوَّانية. 3_ حصرها اللحظة المهمة لحياة الإنسان في الحاضر. 4_ اختزالها الإنسان في معادلة رياضية . 5_ حصرها الإيمان في المذهب الطبيعي ، مِمَّا وَلَّدَ صراع الإنسان ضد أخيه الإنسان . 6_ إجهاض طبيعة الإنسان الحقيقية بسبب تحديد الإنسان بالمصطلحات الاقتصادية .

يُعَدُّ أُوكن من أعمدة " فلسفة الحياة " ، ويحتل مكانةً رفيعة في تاريخ الفلسفة ذات الطابع الروحي الحياتي .

مِن أبرز مؤلفاته : وَحدة الحياة الروحية ( 1888) . النضال من أجل المحتوى الروحي من الحياة ( 1896) . توما الأكويني وكانت ( 1901) . فلسفة التاريخ ( 1907 ) ، مدخل إلى فلسفة حياة الروح ( 1909) .

29‏/06‏/2021

روجيه مارتن دوغار ورفض العنف

 

روجيه مارتن دوغار ورفض العنف

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.................

وُلد الروائي الفرنسي روجيه مارتن دوغار ( 1881_ 1958) في نويي سور سين ، وهي بلدية فرنسية في إقليم هوت دو سين ( مرتفعات السين ) في منطقة إيل دي فرانس، تقع على حدود مدينة باريس على الضفة اليمنى لنهر السين .

يُعتبَر من أبرز الروائيين الفرنسيين في النصف الأول من القرن العشرين . حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1937 .

كانت عائلته ثرية، وفيها الكثير من المحامين والقُضاة. بدأ مسيرته الأدبية شاعرًا يَكتب القصائد العاطفية ، لكن حياته انقلبت رأسًا على عَقِب في السابعة عشرة من العُمر ، حين قَرأ _ بعد مَشورة والده_ رواية " الحرب والسلام " للروائي الروسي الشهير تولستوي . وهذا الأمر نقله من عالَم الشِّعر إلى عالَم الرواية .

حصل في عام 1898 على شهادة في الفلسفة ، لكنه انقطعَ عن عالَم الفكر والأدب بسبب أدائه للخدمة العسكرية عام 1902 .وفي عام 1906 تزوَّجَ من ابنة محامٍ، وبعدها قَرَّرَ أن يَصبح كاتبًا . وقد سمح له وضعه المادي أن يَتفرغ للأدب .

شاركَ كجندي في الحرب العالمية الأولى.وبعد انتهائها، بدأ في كتابة ملحمته" أُسرة تيبو " ، وهي رواية ضخمة تتكون من ثمانية مجلدات ( وتشتمل على آلاف الصفحات ) ، وقد نُشرت في الفترة ( 1920 _ 1940 ) . وتضمُّ الكثيرَ من ذكريات الطفولة الخاصة بالكاتب.

وهي رواية تتمتع بشعبية جارفة في الوسط الأدبي الفرنسي . وفي هذه الرواية الضخمة، تبرز معاني الحب والسلام في مواجهة الكراهية والحرب .

وتدور أحداث الرواية حول ابنَي آل تيبو أنطوان وجاك ، اللذين تلقَّيا تربيةً قاسيةً مِن قِبَل الأب ، وتعرَّضا لنفْس الظروف الأُسرية والبيئية ، حيث إنهما عاشا في عائلة برجوازية تدين بالكاثوليكية ، وتعتمد على الصرامة والحزم في التعامل مع الأبناء. ومعَ هذا ، سارَ كُل واحد منهما في طريق مختلف ، فقد أصبح أنطوان طبيب أطفال ناجحًا ونزيهًا ، أمَّا جاك فصار متمردًا على المجتمع ، وثائرًا على تقاليده .

لقد سَلَّطَ الكاتب الضَّوء على الطبقية الاجتماعية ، والبرجوازية الباريسية ، سواءٌ الكاثوليكية أَم البروتستانتية . وكَشَفَ أهميةَ قيمة التَّضحية في مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى .

وقد ذهب أبعد مِن هذا ، حين دعا إلى التآخي الألماني الفرنسي ، والمضي قُدُمًا في مسيرة السلام ، ورفض أشكال العنف ، مهما كانت الأسباب .

ومعَ أنَّ دوغار يُعتبَر وريثًا للرواية الواقعية التقليدية في القرن التاسع عشر ، إلا أنَّه استطاع صناعة أوصاف جديدة للرواية ، تتعلق بتفاصيل السرد والعلاقات النفسية بين الشخصيات ، كما أنه اهتمَّ بالسياق التاريخي للأحداث ، وحاولَ تحليل التاريخ وَفْق المشاعر الإنسانية الداخلية ، وتقنيات عِلم النفس . وأيضًا حاولَ تحليل العلاقة بين الدِّين والحداثة ، في ظل الفصل بين الكنيسة والدَّولة الفرنسية .

كتب دوغار الكثير من نصوص السيرة الذاتية ، ودوَّن يومياته مُنذ الحرب العالمية الأولى ، ووصف حياته العائلية الصعبة ، كما وصف علاقات الصداقة التي قامت بينه وبين مجموعة من الأدباء ، وذَكَرَ مشكلات الحياة الأدبية وتقلباتها . وجُمعت الرسائل التي تبادلها مَعَ كبار الكُتَّاب الفرنسيين مِثْل : أندريه جيد ، وألبير كامو ، إلى جانب المراسلات العامة .

تُوُفِّيَ دوغار في عام 1958 ، ودُفن في مدينة نِيس الفرنسية .

مِن أبرز أعماله الأدبية: المهزلة ( 1913). الثقة الأفريقية ( 1931) . الصامت ( 1932). تيبو( ثمانية مجلدات1920_ 1940). الأعمال الكاملة "مع مقدمة كتبها ألبير كامو " ( 1955) .

28‏/06‏/2021

روجيه غارودي وفضح السياسة الصهيونية

 

روجيه غارودي وفضح السياسة الصهيونية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...................

     وُلد الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي ( 1913 _ 2012 ) بمدينة مرسيليا الفرنسية لأب ملحد ، وأم كاثوليكية . واعتنقَ البروتستانتية وهو في الرابعة عشرة من العُمر .

     حصل بسبب تفوُّقه على مِنَح الدولة في جميع مراحل التعليم،ودرس في كل من جامعة مرسيليا وجامعة " إيكس أون بروفانس"، ونال درجة الدكتوراة عن النظرية المادية في المعرفة، مِن جامعة السوربون بباريس عام 1953 ، ودكتوراة ثانية من جامعة موسكو عام 1954 .

     عاش تجارب فكرية مختلفة، فقد ربَّته والدته على المسيحية الكاثوليكية في الوقت الذي كان فيه أبوه ملحدًا. تبنَّى الفكر الشيوعي، وأصبح واحدًا من رموزه داخل الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي التحق به وهو في العشرين من عُمره، وظَلَّ فيه حتى طُرِد منه عام 1970 لانتقاده اللاذع للغزوالسوفييتي لتشيكوسلوفاكيا(1968).انتقل بعدها للجهة الأخرى،وأعلنَ إسلامه عام1982.

     صار واحدًا مِن دُعاة حوار الأديان ووَحْدتها مع إيمانه بأن الإسلام هو دين المستقبل، وهو عنوان كتاب له قال فيه: (( أظهرَ الإسلام شمولية كبرى في استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة، فقد كان أكثر الأديان شمولية في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد، وكان في قَبوله لأتباع هذه الديانات في داره منفتحًا على ثقافاتهم وحضاراتهم )) .

     عُيِّنَ غارودي عام 1937 أستاذًا للفلسفة، وزاوجَ بين مهنة التدريس والبحث العلمي ، بعدما أسَّس المعهد الدولي للحوار بين الحضارات في باريس .

     شاركَ في حركة المقاومة ضد النازيين في فرنسا بداية أربعينيات القرن العشرين ، فاعتقلته حكومة فيشي الموالية للنازيين، ونُقِل إلى مدينة الجلفة جنوب الجزائر في الفترة (1940_1942). انتُخِب عام 1945 نائبًا في البرلمان الفرنسي،ونال عضوية مجلس الشيوخ    (1946_1960) . حيث ترأس اللجنة الثقافية الوطنية، وتوجَّه في الستينيات إلى عالَم الأديان من خلال عضويته في الحوار المسيحي الشيوعي . وجرَّب الجمع بين الكاثوليكية والشيوعية فلم يجد نفسه فيهما، وبدأ يميل منذ السبعينيات إلى الإسلام الذي أعلن اعتناقه إيَّاه في المركز الإسلامي بجنيف عام 1982، وغيَّر اسمه من روجيه إلى " رجاء " .

     ألَّف top-pageبعد هذا التحوُّل كتبًا عديدة منها"الإسلام يسكن مستقبلنا" فَدُعِيَ إلى عشرات المؤتمرات والندوات والمنتديات ، خاصة بعدما كشف في عدد من كتبه حقيقة الحروب التي خاضها ويخوضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها كتاب "أمريكا طليعة الانحطاط"، فتعزَّزت مع مرور السنوات شعبيته في العالم العربي والإسلامي . كما ناصرَ قضايا عربية وإسلامية كقضية فلسطين ، وواجهَ الصهيونية بشراسة خاصة بعد مجزرة صابرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، حيث أصدر بيان إدانة لها وقَّعه معه الأب ميشيل لولون، والقس إيتان ماتيو، ونُشِر في جريدة لوموند الفرنسية يوم 17 يونيو/حزيران من العام نفسه بعنوان "معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان".

     شَنَّ عليه الإعلام الموالي لإسرائيل والصهيونية حملة شعواء، وصوَّره على أنه عنصري ومُعادٍ للسامية، وقاطعته صحف بلاده، إلا أنه لَم يتراجع عن مواقفه، وفي مرحلة هامة من تاريخ الرَّجل أصدر كتاب " الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية " عام 1995.وشكَّك في الرواية الصهيونية للهولوكوست، فحكمت عليه محكمة فرنسية عام 1998 بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، وغرَّمته 120 ألف فرنك فرنسي ( 50 ألف دولار)، متهمة إياه بالعنصرية، وبإنكار جرائم ضد الإنسانية.

     وقال قال غارودي في هذا الصدد : (( اليهودية ديانة أحترمها، أمَّا الصهيونية فهي سياسية أُحارِبها )) .

     أنشأ في مدينة قرطبة الإسبانية متحفًا للتراث الأندلسي للاحتفاء بتجربة التعايش الإيجابية بين أتباع الديانات أيام الحكم الإسلامي في الأندلس . ألَّف غارودي عشرات الكتب، وكانت البداية برواية "البارحة واليوم" عام 1945، ثم كتاب "الشيوعية ونهضة الثقافة الفرنسية ". ومن أشهر كتبه "الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية" ، و"فلسطين أرض الرسالات السماوية"، و"الأصوليات المعاصرة: أسبابها ومظاهرها"، و"محاكمة الصهيونية الإسرائيلية"، و"كيف نصنع المستقبل؟"، و"الإسلام وأزمة الغرب"، و"الإرهاب الغربي"، و"المسجد مرآة الإسلام " .

     حصل غارودي على جوائز عديدة، منها ميدالية الشرف لمقاومته الفاشية الهتلرية في الفترة    ( 1941_ 1944) ، وجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1985 .

     آمنَ غارودي بأن الإسلام دين المستقبل ، وانتقدَ الإرهاب الغربي ، وواجه الفكر الصهيوني بالصدر العاري، وبشجاعة عَزَّ نظيرها . وقد تُوُفِّيَ غارودي يوم 13 يونيو/حزيران 2012 في ضاحية شامبيني سيرمارن الباريسية، ولَم يعثر أصدقاؤه ومحبوه على قبر له ، لأن أسرته _حسب روايات عديدة _ قرَّرت إحراق جثمانه وعدم دفنه على الطريقة الإسلامية ، وهو الأمر الذي فسَّره كثيرون بأنه تم بضغوط جهات خافتْ منه حيًّا وميتًا.

27‏/06‏/2021

روبرت فروست وسحر الطبيعة

 

روبرت فروست وسحر الطبيعة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................

     وُلد الشاعر الأمريكي روبرت فروست ( 1874_ 1963) في مدينة سان فرانسيسكو . تُوُفِّيَ والده الذي كان يعمل صحفيًّا من مرض السُّل ، وهو في الحادية عشرة مِن العُمر ، وبعدها انتقلت عائلته إلى لورانس في ولاية ماساتشوستس .

     بدأ فروست دراسته في معهد درت موت عام 1892 ، لكنه ترك الدراسة فيه قبل أن يُكمِل الفصل الأول، وعاد إلى ماساتشوستس، وهناك عمل في التدريس وبعض الأعمال المؤقتة الأخرى. في عام 1894 باع فروست منظومته الشعرية الأولى " فراشتي " لأسبوعية في نيويورك مقابل خمسة عشر دولارًا . وبعد هذا النجاح طلب يد صديقته ألينور مريام للزواج ، لكنها رفضت بسبب رغبتها في إكمال دراستها . بعدها سافر فروست مُحْبَطًا إلى النهر الكبير في فرجينيا، لكنه لَم يلبث أن عاد وتزوَّج صديقته التي كانت سندًا له طيلة حياتهما معًا، وأنجب منها ستة أولاد ، أربعة منهم ماتوا خلال حياته . عمل فروست وزوجته في التدريس حتى عام1897. بعد ذلك بدأ فروست دراسته في جامعة هارفارد ، إلا انه ترك الدراسة فيها بعد عامين ، وبعد أن وُلد له الولد الثاني ، لأنه رأى أن الجامعة تحدُّ مِن أُفقه . اشترى له جَدُّه مزرعة في ولاية نيوهامبشِر ، وهناك مكث فروست تسعة أعوام من حياته لَم يُحقِّق خلالها نجاحًا في العمل الزراعي، لكنه كتب خلال تلك الفترة أشعار كثيرة أصبحت مشهورة .

     تتميَّز أشعار فروست بالأسلوب البسيط والمباشر والسَّلِس ، وقد قِيل إنه حَوَّلَ لُغة البسطاء إلى شِعر ، وهو يُكثِر من وصف مناظر منطقة نيوإنجلند التي قضى فيها أغلب فترات حياته .

     معظم أشعاره موزونة على هيئة منظومات غنائية ، إذ إن فروست سَخِرَ من أسلوب الشِّعر الحر، الذي مارسه الكثير من أبناء جيله من الشعراء الأمريكيين . ويُعرَف فروست بأسلوبه البسيط والمباشر ، وبأوصافه المثيرة للمشاعر لمناظر نيوإنجلند شمال شرق الولايات المتحدة .

     يُعتبَر فروست في نظر الكثيرين كواحد من أهم شعراء اللغة الإنجليزية . وقد فازَ خلال حياته بأربع جوائز بوليتزر . كما شاركَ في مراسم تنصيب الرئيس جون كينيدي .

     كتب فروست الشِّعر بَدْءًا من عام 1890، ولكن لَم يَتيسَّر له أن ينشر إلا عددًا قليلاً من قصائده . وبإلحاح من زوجته رحلا إلى إنجلترا عام 1912، حيث كانت بوادر الشعر الحديث قد بدأت بالظهور . وكان جيرانه هناك أعلام الشِّعر الإنجليزي .

     في أثناء إقامته في إنجلترا ، نشر فروست ديوانه الأول " إرادة صبي " ( 1913) ، ثم ديوانه الثاني " شمال بوسطن " ( 1914) ، اللذين لقيا نجاحًا باهرًا . وأُعيدت طباعتهما في الولايات المتحدة، التي عاد إليها الشاعر عام1915، بعد نشوب الحرب العالمية الأولى في أوروبا ليستقر في مزرعته في نيوهامبشر، وصار الشاعرَ المقيم في كلية آمهرست . وتتالت دواوينه في الظهور ، فكانَ ديوان"استراحة على الجبل"(1916) و"قصائد مختارة"( 1923) ، و " نيوهامبشِر" ( 1923).

     ونشر فروست في الفترة ( 1942_ 1947) عددًا من المجموعات الأخرى ، حصل عن أُولاها " الشجرة الشاهدة " ( 1943) على جائزة بوليتزر للمرة الرابعة .

     وقد تضمَّنت هذه الدواوين كُلها خُلاصة خبرته وفكره وتأملاته حول كُنه الوجود ، وعبَّر فيها عن السَّكينة ، وأهمية رؤية الوجود بشكل واضح .

     ومع تمكن فروست من الأدب الكلاسيكي، الشعري منه خاصة، فقد اعتمد لغة الحديث اليومية مُهَذِّبًا إيَّاها، ومُتناوِلاً موضوعات تمسُّ حياة الإنسان العادي كما في قصيدة " دفن منزلي "، والتي تتحدَّث عن بعض ما يتعرَّض له الشاعر مِن مآسٍ في حياته ، مِن مرض أفراد عائلته ، ثم موتهم الواحد تِلْو الآخر . وقصيدة " الجدول المنساب نحو الغرب " التي عَبَّر فيها عن رؤية للوجود قد يشوبها بعض الأسى ، إلا أنها لَم تكن يَوْمًا متشائمة، وعَبَّر فيها أيضًا عن حب فائق للطبيعة بشعر وصفي مليء بالإحساس ، إلا أنه في الوقت ذاته تأمُّلي يبحث في الوضع الإنساني .

     كان فروست مِن الشعراء الانتقاليين الذين توسَّطوا بين القديم والحديث . لَم يلحق بركب الحداثة كما فعل باوند وإليوت ، ومع ذلك فقد كان من أبرز المجددين في الشعر الأمريكي . وعند وفاته في بوسطن كان الشاعر الأرفع مكانةً ، وقارئ الشِّعر الأكثر جمهورًا في هارفارد ، وفي كبريات الجامعات الأمريكية الأخرى .

26‏/06‏/2021

العلاقات الاجتماعية والتحديات الوجودية

 

العلاقات الاجتماعية والتحديات الوجودية

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.................

     البحث عن المصادر الثقافية للعلاقات الاجتماعية ينبغي أن ينطلق من طبيعة الرموز في اللغة ، التي تَحمل الألفاظَ والمعاني والمشاعرَ. وعندما تنتقل حركةُ العناصر الفكرية الفاعلة في المجتمع مِن المشاعر إلى التصورات ، فإنَّ تاريخ الفِكر الإنساني سيزداد وُضوحًا ، ويَسهُل تحليله ظاهريًّا وباطنيًّا . وإذا انكشفَ التاريخُ الحاكم على الفِكر الإنساني ، فإن الثقافة الحاكمة على العلاقات الاجتماعية ستنكشف . ولحظةُ الانكشاف هي الحَد الفاصل بين المعنى الحقيقي والوَعْي المُزيَّف . واللغةُ _ باعتبارها حاملةً للرُّموز المعرفية ومحمولةً على الظواهر الإنسانية _ تستطيع الوصول إلى أنوية المجتمع الداخلية ، وكشف العلاقات الهَشَّة بين الأفراد خَيَالًا وواقعًا ، وتحديد التَّشَوُّهات التي تُصيب العلاقات الاجتماعية معنويًّا وماديًّا .

2

     كُلُّ هَشَاشة في العلاقات الفردية ستؤدِّي إلى فصل العلاقة عن المصلحة ، وهذا أمرٌ في غاية الخُطورة ، لأن الأفراد يُطوِّرون علاقاتهم لتحقيق مصالحهم ، ويُشيِّدون البُنى الاجتماعية لدفع الضَّرَر عن أنفسهم ، وجَلْبِ المنافع لها . والطاقةُ المُحرِّكة للمُجتمع هي المصالح المُشتركة والمنافع المُتبادلة . وإذا صارت العلاقاتُ الاجتماعية خاليةً مِن الفائدة،وعاريةً عَن المعنى،وفارغةً مِن المَضمون، فإنَّ الإنسان سينكمش على ذاته، ويَغرق في صَوته الداخلي ، ويَصنع عَالَمه الخاص ، ويبتعد عن المُشارَكة في الخلاص الجماعي مُكتفيًا بإنجازاته الشخصية ، ويعتبر نَفْسَه نُقْطَةً مرجعية قائمة بذاتها ومَحصورة في وُجودها . وهذا يعني أن الإنسان يَنسحب مِن الحياة كَي يصنع حياته الذاتية ، ويَرجع إلى تجاربه وخبراته كَي يُفَسِّر التاريخَ ، ويرتد إلى أعماقه كَي يَجد معنى لهُويته وكَينونته . وبذلك يُصبح الجُزء هُو الكُل ، ويُصبح الكُلُّ مجموعةً مِن الشَّظَايا المُبعثرة والعلاقات العبثية غير المُتجانسة ، وهذا الانهيارُ في المفاهيم يَقُود إلى انهيار المُجتمع . وغيابُ التجانسِ والمصلحةِ عن العلاقات الاجتماعية يَدفع الإنسانَ إلى العُزلة ، ويُدخِل مُكوِّناتِ المُجتمع في دَوَّامة مِن الصِّراعات الوهمية والصدامات المُتخيَّلة. وهكذا يَصِير الإنسانُ كِيانًا بلا معنى وجودي، ويَصِير المُجتمعُ تَكَتُّلًا بلا شرعية إنسانية.

3

     كُلُّ تَشَوُّه في العلاقات الجماعية سيؤدِّي إلى فصل المسار عن المصير ، وتعميق الفجوة بين السبب والنتيجة ، وهذا يعني خسارة المجتمع لهُويته المُتفرِّدة ، وعَجْزه عن تفسيرِ كَينونة الحياة ، وتوضيحِ القيمة المركزية للوَعْي.وتفكُّكُ الرابطة المنطقية بين السَّبب والنتيجة يَستلزم عدم القدرة على تفسير الفِعل الاجتماعي، لأنَّ الفِعل الاجتماعي أداة وظيفية لتحقيق غاية مُعيَّنة ، وهذه الغايةُ هي أساسُ التغيرات الاجتماعية ، والقُوَّةُ الدافعة للسُّلوك الإنساني . والفِعل الاجتماعي تابعٌ لغايته ، والتابع لا يَكُون مَتبوعًا . والأصلُ في المُجتمع أنَّه وَحدة لا تتجزَّأ ، ومنظومة لا تتشظَّى ، تتمتَّع بالحيوية والاستمرارية والقُدرة على التأقلم معَ المُتغيِّرات ، والتَّكَيُّف معَ التَّحديات . وإذا حدث تشوُّه في العلاقات الجماعية ، دُون وُجود آليَّات لعلاجه وتَرميمه ، فإنَّ المُجتمع لَن يَستطيع التفريقَ بين الفاعليَّةِ ( ما يُوجَد الشَّيء بسببه )، والغائيَّةِ ( ما يُوجَد الشَّيء لأجله ). أي إنَّ المُجتمع لَن يُفَرِّق بين المَنبع (نقطة البداية) والمَصَبِّ (نقطة النهاية).وبالتالي،سَوْفَ تُولَد العلاقات الاجتماعية، وتتحرَّك في المجتمع بشكل عشوائي ، ولا يُمكن السَّيطرة عليها ، ولا تحليل طبيعتها وتفكيك مُكوِّناتها .

4

     كُلُّ عُنصر اجتماعي خارج السَّيطرة سيتحوَّل إلى وَحْش . وإذا أرَدْنا منعَ العناصر الاجتماعية مِن التَّحَوُّل إلى وُحوش، فيجب علاج كُل تشوُّه في العلاقات الجماعية بأسرع وقت مُمكن، وعدم الاستهانة به مهما كان صغيرًا وضئيلًا ، وهذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة زمان ومكان ولادة العلاقات الاجتماعية ، وتتبُّع مسارها ، ومعرفة النُّقطة التي ستنتهي إلَيها ، والغاية التي ستصل إليها . وبالتالي ، يَسهُل إيجادُ تفسير عقلاني للعلاقات الاجتماعية ، وكشفُ جَوْهرها من أجل توظيفها لتحرير الناس من أوهامهم ، وليس السَّيطرة على أحلامهم .

25‏/06‏/2021

روبرت ستيفنسون وجزيرة الكنز

 

روبرت ستيفنسون وجزيرة الكنز

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.................

     وُلِد الأديب الأسكتلندي روبرت ستيفنسون(1850_1894)في إدنبرة، عاصمة أسكتلندا. درس الهندسة، وهي مهنة أبيه، في جامعة إدنبرة، لكنه لَم يكن مُهتمًّا بالموضوع .

     وفي عام 1871 غيَّر دراسته إلى القانون . وتخرَّج في الجامعة عام 1875 ، ولكن صِيته ككاتب موهوب ومحبوب غلب على مهنته .

     يُعتبَر ستيفنسون مِن أعظم الأدباء الإنجليز في أواخر القرن التاسع عشر ، وهو رومانسي المذهب. وكان شاعرًا ، وكاتب رحلات، ومقالات ، ومؤلف للعديد من روايات المغامرات المحبوبة لدى قُرَّاء الأدب في معظم أنحاء العالَم .

     عانى من صحة ضعيفة طِيلة حياته، بسبب إصابته بمرض السُّل، لكنه عاش حياة سفر ومغامرة. وبعد الجامعة ، زار فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة وكتب عن هذه الرحلات. وقع في حُب امرأة أمريكية، وتزوَّجا بعد أن انتهى زواجها الأول . عادا إلى أسكتلندا ثُمَّ ذهبا إلى سويسرا .

     في عام 1888، أبحرا إلى جزر المحيط الهادي. وخطَّطا لرحلة قصيرة ، لكن ستيفنسون لَم يعد إلى أوروبا . اشترى منزلاً في جزيرة (ساموا ) مِن أجل صحته ، وصارت وطنه الدائم ، وعاش هناك مع عائلته حتى موته الفجائي. ودُفِن جُثمانه في قمة جبل " فيا " في هذه الجزيرة أيضًا .

     كان زواجه بداية لأعظم فترة إنتاجية في حياته، فقد نشر بعد زواجه مُعظم إنتاجه الذي حقَّق له شهرة واسعة في إنجلترا وأمريكا على السَّواء ، فكتبَ إلى جانب قصائده الشعرية وكتب الرحلات مجموعةً من الروايات والقصص التي تُعَدُّ مِن كلاسيكيات أدب الأطفال واليافعين، لذلك عَدَّه النُّقاد مُبتكِر الكتابة لهما، دون أن يبتعد عن عالَم الكبار، فكتبَ : الدكتور جيكل ومستر هايد وجيم هوكنز وحديقة أشعار الطفل عام 1885 . والمخطوف عام 1886، والسهم الأسود عام 1888، وكاتريون عام 1893 .

     وبسبب اعتلال صحته ، فإنه كان مُضْطَرًّا دائمًا للقيام برحلات إلى بعض المناطق والبلاد الأخرى الأكثر دِفئًا، كَي يُخفِّف مِن أثر نوبات مَرَضه ، فذهب في أول رحلة إلى فرنسا في سبتمبر عام 1873، فكانت بداية لكتابة أدب الرحلات، إذ ألَّف في ذلك "رحلة داخلية " ( 1878) ، و" سفريات مع حمار " ( 1879) ، و" دراسات طريفة عن الكتب والرجال " ( 1882) . ورحلاته تُعَدُّ أُنموذجًا لأسلوبه الجذاب السَّلِس .

     أصبح ستيفنسون مشهورًا حين كتب" جزيرة الكنز "، أول عمل قصصي طويل له. وهي رواية مغامرات ، تروي قصة " قراصنة وذهب مدفون " . وقد نُشِرت في كتاب أول مرة عام 1883، غير أنها كانت تُنشَر في الأصل على هيئة حلقات في مجلة الأطفال " الفتيان الصغار " خلال الفترة ( 1880_ 1882 ) .

     أتت فكرة " جزيرة الكنز " مِن لعبة لعبها الكاتب مع الصغير لويد أوزبورن ابن زوجته . وتُعتبَر أعظم روايات ستيفنسون على الإطلاق . وقد استوحى أحداثها من حكاية كنز مدفون ، رسم أول خيالاتها في ذهنه ، وهو يُخطِّط لجزيرة خيالية لِيُسَلِّيَ بها ابن زوجته في يوم عطلة .

     وحين صدرت روايته، وكان ينشرها على حلقات، أسماها في البَدْء " طاهي البحر " ، فلم تُقابَل بما كان يُؤمِّل أن تنال مِن نجاح ، فأعاد طبعها بعد أن استبدل اسمها بـِ " جزيرة الكنز ". وفي حين كانت تُنشَر في مجلة أطفال مِن قَبْل ، صارت بعد ذلك مجلدًا تامًّا .

     وأحداث الرواية تُروَى على لسان الصبي " جيم هوكنز " الذي كان يعيش مع أُمِّه في منزل صغير عُرف باسم " أمير البحر بنبو " بالقرب من البحر. وفي يوم يدخل النُّزل قُبطان سفينة قديم يدعى " بيلي بونز " ليقيم فيه عدة أيام . وقد كان هذا القبطان يمتلك خريطة سِرِّية لجزيرة نائية أودع فيها الكابتن " فلنت " الرهيب كَنْزَه.

     تتوالى الأحداث ، ويموت القبطان " بونز " ، وتقع الخريطة بيد " جيم " الذي يُسلِّمها بدوره إلى الطبيب " ليفزي " ، فيجمع هذا الأخير كوكبة من الرجال ويركبون متن سفينة في رحلة طويلة بحثًا عن الكنز ، وكانوا اختاروا طاقم بَحَّارة للسفينة قبل إقلاعهم ، ولكن لِسُوء حظهم فقد كان معظم البحارة قراصنة غَدَّارين ، كان هدفهم من الرحلة الاحتفاظ بالكنز ، ولذلك يجد " جيم " ، والطبيب و السَّيد " ترلاوني " المالك أنفسَهم مُحاطين بشرذمة مِن القَتَلة، وهُم في عُرض البحر .

     إن أحداث الرواية الشَّيقة ترتكز على أربعة أُسَس : 1_ جزيرة نائية . 2_ كنز مدفون . 3_ سفينة في عُرض البحر . 4_ رجال يتربَّصون ببعضهم الدوائر .

24‏/06‏/2021

روبرت ساوذي وانطفاء الشهرة

 

روبرت ساوذي وانطفاء الشهرة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................


     وُلِد الشاعر الإنجليزي روبرت ساوذي ( 1774 _ 1843 ) في بريستول . وكان ابنًا لتاجر أثواب وأقمشة . ومِن بين هذه البيئة التجارية ، كانت خالته غالبًا ما تدفعه إلى التهذب بسلوكيات المجتمع الأرستقراطي . وتَمَّ إرساله في الرابعة عشرة مِن عُمره إلى مدرسة وستمنستر الراقية في لندن ، وفيها قرأ سرًّا أعمال فولتير وروسو وجيبون وغوته . كما كتب بعض الشعر الملحمي وقطعًا نثرية ثَورية . وأثارت مهاجمته للعقاب البدني في مجلة مدرسية بعنوان " الضارب بالسياط " مديرَ المدرسة ، ففصله من المدرسة وهو على وشك التخرج ، لكن ساوذي استطاع بطريقة أو أخرى أن يتقدم إلى كلية باليول في أكسفورد في ديسمبر سنة 1792 . وهناكَ واصلَ أعماله السِّرية ، فكتب ملحمةً شِعرية امتدحَ فيها الثورة الفرنسية ، واشتغل بالدراما الشعرية .

     سافرَ ساوذي إلى إسبانيا والبرتغال ، ثم عاد إلى إنجلترا عام 1796 ، فدرس القانون ، ووجد عملاً كصحفي ، وكان لديه الوقت الكافي لكتابة ملاحم لَم يُكتَب لها الخلود ، بالإضافة إلى بعض القصائد القصصية البسيطة مثل " معركة بلنهايم " ( 1803 ) . وأقامَ في جريتا هول في كزويك، مُستعينًا بإعانة مالية قوامها 160 جنيهًا إسترلينيًّا .

     وفي هذه الأثناء _ في كُل مِن جريتا هول ولندن _ كان ساوذي يعول زوجته إديث وبناته الخمس وابنه ، الذي أحبه حُبًّا يفوق الوصف ، والذي وافته المنِيَّة وهو في العاشرة مِن عُمره . كان ساوذي يُنفِق على كُل هؤلاء من حِصاد كتاباته المتقَنة . وبعد انتقال كولردج إلى مالطة تولى ساوذي رعاية أولاد كولردج وزوجته . وحتى وردزورث كان أحيانًا يعتمد عليه .

     إن حِرص ساوذي على إرضاء ذوي المال والسُّلطة جعل بايرون يشنُّ عليه حربًا علنية في عام 1818، وتَمَّت القطيعة الكاملة مع الجميع عندما استطاعت مجموعة مِن الأشخاص الحصول على مخطوطة مسرحية " وات تيلور " ، وهي دراما راديكالية كان ساوذي قد كتبها في عام 1794 ، وتركها مخطوطةً لَم يطبعها ، وقاموا بنشرها _ سُعداء بما فعلوا _ في عام 1817 .

     عاد ساوذي إلى جريتا هول ومكتبته وزوجته التي كانت قد اقتربت من الجنون أكثر من مرة، وفي عام 1834 ، فقدت عقلها تمامًا وماتت في عام 1837 . أمَّا ساوذي نفْسه فقد تخلى عن معركته مع المناوئين له في عام 1834 ، ومِن ثَمَّ جَعل وردزورث أميرًا للشعراء رغم معارضته هو نفسه ( أي وردزورث ) ، وقد حَظِيَ هذا التعيين بموافقة عالمية .

     كا ساوذي واحدًا مِن" شعراء البحيرة "، وأمير الشعراء لثلاثين عامًا ( 1813_ 1843 ). ورغم أن شهرته قد خبت منذ زمن بعيد بسبب شهرة مُعاصريه وأصدقائه وردزورث وكولردج ، إلا أن أشعار ساوذي ما زالت تحظى بِقَدْر من الشعبية .

     وساوذي هو أيضًا كاتب رسائل جَزِل ، وباحث في الأدب ، وكاتب مقالة ، ومُؤرِّخ ، وكاتب سِيَر ذاتية . والتراجم التي كتبها تتضمَّن حياة وعمل كل من جون بونيان ، وجون ويزلي ، ووليام كاوبر ، وأوليفر كرومويل ، وهوريشيو نيلسون ( وهو نائب أدميرال إنجليزي . اشْتُهِر بمشاركته بمعركة النيل ومعركة طرف الغار . ويُعَد أحد أبرز القادة العسكريين في تاريخ المعارك ، وفقد إحدى عينيه في معركة النيل ) . وقد لاقت ترجمة هوريشيو نيلسون نجاحًا كبيرًا ، فنادرًا ما تَمَّ إيقاف طباعتها مُنذ نشرها في عام 1813 ، وتَمَّ اقتباسها لعمل الفيلم البريطاني " نيلسون " عام 1926 .

     لقد كانَ ساوذي باحثًا معروفًا في الأدب البرتغالي ، والأدب الإسباني، والتاريخ، وقد ترجم العديد من الأعمال من اللغتين البرتغالية والإسبانية إلى الإنجليزية . وألَّفَ كتابًا بعنوان " تاريخ البرازيل " ، وآخر بعنوان " حرب شِبه الجزيرة الأيبيرية " .

     وأكثر أعماله الأدبية شُهرةً وانتشارًا هي قصة " الدببة الثلاثة " للأطفال . والتي نُشِرت بدايةً في مجموعته القصصية " الطبيب " .

23‏/06‏/2021

رفائيل ألبرتي والجمع بين الرسم والشعر

 

رفائيل ألبرتي والجمع بين الرسم والشعر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................

     وُلِد الشاعر الإسباني رفائيل ألبرتي ( 1902 _ 1999 ) في بويرتو دي سانتا ماريا قُرب قادش . كانت عائلته من أصل إيطالي تحترف صناعة النبيذ في قادش . وكان يعيش طفولته بشكل حُر حتى تَمَّ قبوله في الكلية اليسوعية سان لويس غونزاغا ، حيث تلقى تربية صارمة وتقليدية .

     بدأ جو الانضباط يتعارض مع روح الشاب المتحررة ، وهذا أدى إلى ضعف أدائه الأكاديمي ، فتمَّ طرده في عام 1916 بسبب سوء السلوك . ولَم يتجاوز السنة الرابعة من المدرسة الثانوية .

     في عام 1917 ، انتقل إلى مدريد مع عائلته ، وقرَّر متابعة مهنته كرسَّام، وبرهنَ بأعماله عن قدرة كبيرة على التقاط الجمالية الطليعية . واستطاعَ عرض أعماله في أتينيو دي مدريد . وفي عام 1920 ، تُوُفِّيَ والده . وقد كتب أمامَ جُثته الممدَّدة أبياته الأولى .

     يُعَدُّ ألبرتي من أشهر الشعراء السرياليين في إسبانيا وأكثرهم إنتاجًا . وكان الشِّعر عنده تعبيرًا عن المشاعر الإنسانية التي تجمع السعادة والألم، والهناء والعذاب، والسخط والإعجاب .

     تأثرَ ألبرتي بالشعراء الغنائيين في القرن الخامس عشر، وحذا حَذْو الشعراء الذين اختاروا الشِّعر الشعبي . وكان يهدف إلى رفع الأدب الإسباني إلى مصاف الآداب العالمية . وقد جمع بين هوايتَي الرَّسم والشِّعر، فجاءت لوحاته شعرية وقصائده تصويرية ، واتَّسمت كتاباته بالأصالة والعفوية والصدق .

     توجَّهَ ألبرتي في الخامسة عشرة من عُمره إلى مدريد ، وانكبَّ على التصوير باحثًا عن أستاذ له في متحف برادو. وتلقى مبادئ الشعر والموسيقى العصرية عن رُوَّادها .

     واكبَ شِعره تجربته الشخصية ، وكان لنشأته بين اليسوعيين وتأثره بالكاثوليكية أثر في كتابه  " الرَّجل الذي لا تسكنه الأرواح " . وحازت قصائده الأولى التي تناولت قصة حياته في " بَحَّار على اليابسة " ( 1925 ) على الجائزة الوطنية للآداب . وأصبح شخصية بارزة في الشِّعر الغنائي الإسباني . أمَّا كتابه " فجر المنثور " ( 1928 ) فكان مثالاً للشِّعر الشعبي التقليدي .

     أراد ألبرتي أن ينهض بالشعر مقتديًا بأستاذه غونغرا فكتب"الجير الحي" ( 1926_1927). وفي كتابه " مواعظ " ( 1929 _ 1930 ) تحدَّى مجتمعه الذي رأى فيه مصدرًا للشر .

     انتهت أزمته النفسية بزواجه والتزامه السياسي الكامل ، إذ تفرَّغَ لأدب النضال. وأحيا عند اندلاع الحرب الأهلية في عام 1936 ، الأنشودةَ التقليدية التي تجمع بين السرد الملحمي البطولي والكتابة المأساوية والنشيد الحماسي . وخلال فترة الحرب الأهلية ، كان ألبرتي عضوًا في تحالف المثقفين لمناهضة الفاشية . وبالنسبة إليه ،أصبح الشعر السلاح اللازم لهز الضمائر ووسيلة لتغيير العالَم . اشتركَ ألبرتي مع الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، وهرب إلى فرنسا بعد الحرب. ساعده صديقه الشاعر بابلو نيرودا على الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فالأرجنتين حيث استقرَّ .

     كتب مجموعته الشعرية " بين القرنفل والسيف "( 1941 ) ، وظلَّت ذكرى وطنه تلازمه . عاش ألبرتي من لوحاته،في حين كان الشِّعر هوايته المحبَّبة إلى نفْسه كما تشهد مجموعته " أناشيد وأغانٍ على الشاطئ " ( 1954 ) ، وبقي شِعره حتى عام 1930 تعبيرًا عن الذات ، إذ إن موضوع إسبانيا في ظل حُكم بريمو دي ريبيرا لَم يَسْتَهْوِه . وكان الأدباء في ذاك العصر يجابهون المشكلات السياسية والاجتماعية بحدَّة ، إضافة إلى خضوعهم لرقابة صارمة .

     وقف ألبرتي أعماله خلال الفترة ( 1930_ 1931 ) على خدمة قضية الطبقة الكادحة ، فانضمَّ إلى الحزب الشيوعي ، ومثَّلت كتاباته المسرحية صراعه مع قوى الشر ، ومع مجتمع الآلة العدائي الطبقي . وقد عرَّف ألبرتي أعماله بأنها تمثيلية دينية لا تحوي أسرارًا، فيها تصرخ الشخصية المسرحية حاقدة على حياتها ، مُنكِرة حرية الإرادة والاختيار لدى الإنسان .

     وعالج الشاعر موضوع ثورة الإنسان على القوى العمياء ، التي تفرضها القيم السياسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية مُعرقِلة تكامل شخصيته ، وخَلُصَ إلى أن البشرية تعيش مأزقًا ، وأن الماركسية هي المخرج.

     نالَ ألبرتي جائزة لينين الدولية عام 1965 ، والميدالية الذهبية للسلام من الاتحاد السوفييتي السابق عام 1983 ، وجائزة ثيربانتس عام 1983 . بعد وفاة الجنرال فرانكو عام 1975 ، وإصدار الملك خوان كارلوس عفوًا عامًّا عن السياسيين عام 1977 ، عاد ألبرتي إلى بلده، ثم انزوى في بلدته بويرتو دي سانتا ماريا الساحلية،  حيث تُوُفِّيَ فيها عام 1999 .