سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/03‏/2014

فهرس كتاب / قضايا تهم كل مسلم

فهرس كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف : إبراهيم أبو عواد
الطبعة الأولى 2010م
عدد الصفحات : 335 صفحة
دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع / عَمان _ الأردن .
............................................
مقدمة
التوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين
_ الأدلة من القرآن على جواز التوسل
_ الأدلة من السُّنة
_ أقوال العلماء في تجويز التوسل
_ أدلة الاستغاثة
_ إثبات حياة الأنبياء والأولياء
_ تفنيد شبهات المعارِضين للتوسل والاستغاثة
_ ملاحظات مستفادة من بحثنا
نقد بدعة السلفية
_ مسألة رؤية الله ليلة المعراج
_ مسألة تأويل الصفات
_ حجية مذهب الصحابي
_ الجذرُ " سلف " ومشتقاته في الكتاب والسُّنة
_ نقد كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب
_ مسألة البدعة
_ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
_ خرافة حصر فهم الإسلام بالسلف الصالح
آيات القتل والقتال في القرآن الكريم
أخطاء ابن تيمية
نقد عقائد الشيعة فلسفياً
الصُّحبة والصَّحابة
_ تعريف الصحابي
_ عدالة الصحابة
_ إمكانية تفوق بعض المتأخرين على بعض الصحابة
_ أدلة القائلين بعدالة الصحابة فرداً فرداً
_ نقد أفعال معاوية بن أبي سفيان وشيعته
_ العواقب الخطيرة لسب الصحابة خاصةً علي بن أبي طالب
_ إشارات أخرى موجَّهة ضد معاوية
_ نقض ما يسمى بفضائل معاوية
_ نقض ما يسمى بفضائل عمرو بن العاص
_ علي بن أبي طالب وقتال أهل البغي
الفلسفة العامة للفتن
خطأ لفظة" اللواط"
شبهات حول أبي هريرة

المتشابِه في القرآن والسُّنة
facebook.com/abuawwad1982

29‏/03‏/2014

المتشابه في السنة النبوية / الجزء الثاني

المتشابه في السنة النبوية / الجزء الثاني

من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

..........................

     [10] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يقول اللهُ تعالى : أنا عِند ظَن عَبدي بي ، وأنا معه إذا ذَكَرني ، فإن ذَكرني في نَفْسه ذكرتُه في نَفْسي ، وإن ذَكرني في ملأ ذَكرته في مَلأ خَير منهم ، وإن تقرَّب إِلَيَّ شِبراً ، تقرَّبتُ إليه ذِراعاً ، وإن تقرَّب إِلَيَّ ذِراعاً ، تقرَّبتُ إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيتُه هَرْولة )).{متفق عليه.البخاري( 6/ 2694)برقم( 6970) ، ومسلم ( 4/ 2061) برقم         ( 2675).}
     هذا الحديثُ يدل على أن الله تعالى هو الكريم الأكرم ، المتفضِّل على عباده ، والذي لا يُوجد أكرمُ مِنه . وفي فتح الباري ( 13/ 386 ) : (( والتقدير : إن ذَكَرني في نفْسه ذكرتُه بثواب لا أُطلِع عليه أحداً )) اهـ . وقال الحافظ في الفتح ( 13/ 490 ) : (( مَن ذَكَرني في ملأ ، أي من الناس بالدعاء والتضرع ذكرتُه في ملأ ، أي من الملائكة بالرحمة والمغفرة )) اهـ .
     والهرْولةُ بين المشي والعَدْو . ولا شَك ، أن اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عنها ، لأنها مشتملة على تغيرات وحركة ، وهذه من صفات الأجسام المخلوقة . واللهُ ليس جِسماً ، ولا تَطرأ عليه التغيُّرات . فتكون الهرْولة كناية عن سُرعة إجابة الله تعالى ، وقبولِ توْبة عبده ، ورحمته به . 
     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 17/ 3) : (( هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره . وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات . ومعناه : مَن تقرَّب إِلَيَّ بطاعتي تقرَّبتُ إليه برحمتي والتوفيق والإعانة . وإن زادَ زِدْتُ ، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيتُه هَرْولة ، أي صَببتُ عليه الرحمةَ ، وَسَبَقْتُه بها، ولم أُحْوِجْه إلى المشي الكثير في الوصول إِلَيَّ )).
     [11] روى البخاري في صحيحه ( 5/ 2384) عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله قال : مَن عَادَى لي وَلِيَّاً فقد آذنتُه بالحرب ، وما تقرَّب إِلَيَّ عبدي بشيء أحب إِلَيَّ مِمَّا افترضتُ عليه ، وما يزال عبدي يتقرَّب إِلَيَّ بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحببتُه كُنتُ سَمْعَه الذي يَسمع به ، وبصره الذي يُبصِر به ، ويده التي يَبطش بها ، وَرِجْله التي يمشي بها )) .
     لا يُوجد عاقلٌ يعتقد أن اللهَ تعالى يُصبِح سَمْعاً للإنسان ، وبَصراً ، ويداً ، ورِجْلاً .
     والمعنى: إن الله تعالى يَتَولاه بشكل كامل، ويُدافِع عنه، فيُصبِح الإنسانُ عائشاً مع الله تعالى، يقوم بأوامره ، ويَجتنب نواهيه .
     قال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين النووية ( 1/ 100) : (( فهذه علامة ولاية الله لمن يكون الله قد أحبَّه ، ومعنى ذلك أنه لا يَسمع ما لم يأذن الشرعُ له بسماعه، ولا يُبصِر ما لم يأذن الشرع له في إبصاره ، ولا يمد يده إلى شيء ما لم يأذن الشرع له في مَدِّها إليه ، ولا يَسعى بِرِجْله إلا فيما أذن الشرعُ في السعي إليه )) اهـ .
     [12]عن أبي هريرة_ رضي الله عنه_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( خلق اللهُ آدمَ على صُورته)) { متفق عليه. البخاري( 5/ 2299 ) برقم ( 5873 )، ومسلم ( 4/ 2183)برقم ( 2841).}
     قلتُ : ووجه الإشكال لفظة " صورته "، فمن العقائد الأساسية في الإسلام أن الله تعالى مُنَزَّه عن الصورة ، لأن الصورة تتألف من مكوِّنات مفتقرة إلى مصوِّر . 
     وهذا الحديثُ يمكن فَهْمُه كالآتي :
     أ ) الهاء تعود على بعض بني آدم . فعن أبي هُريرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يَقُولَنَّ أحدُكم : قَبَّح اللهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَن أَشْبَهَ وَجْهَكَ ، فإن اللهَ خَلَقَ آدم على صُورته .
{ رواه ابن حبان في صحيحه ( 13/ 18 ) برقم ( 5710 ) . وقال : [ يُريد به على صورة الذي قِيل له : قَبَّح اللهُ وَجْهَكَ مِن ولده . والدليل على أن الخطاب لبني آدم دون غَيْرهم قوله صلى الله عليه وسلم: (( ووجه مَن أشبه وجهك )) ، لأن آدم في الصورة تُشبه صورة ولده ] اهـ .}
     ب) إن الهاء تعود إلى الله تعالى، والمعنى التشريف بالإضافة ، كقوله تعالى :  } أن طَهِّرا بَيْتِيَ للطائفين { [ البقرة : 125] .
     قال الحافظ في الفتح ( 11/ 3) : (( واختلف إلى ماذا يعود الضمير ، فقيل إلى آدم، أي خَلَقَه على صورته التي استمر عليها إلى أن أُهْبِط وإلى أن مات، دفعاً لتوهُّم مَن يظن أنه لَمَّا كان في الجنة كان على صفة أخرى ، أو ابتدأ خَلْقه كما وُجد ، لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة.وقيل للرد على الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان، لا أوَّل لذلك، فبيَّن أنه خُلق من أوَّل الأمر على هذه الصورة . وقيل للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره،وقيل للرد على القَدَرية الزاعمين أن الإنسان يخلق فعلَ نفسه ، وقيل إن لهذا الحديث سبباً حُذِفَ من هذه الرواية ، وأن أوَّله قصة الذي ضَرب عبدَه فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وقال له إن الله خلق آدم على صورته ... وقيل الضمير لله، وتمسَّك قائل ذلك بما ورد في بعض طُرقه على صورة الرحمن، والمراد بالصُّورة الصفة ، والمعنى أن الله خلقه على صفته من العِلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك،وإن كانت صفات الله تعالى لا يُشبهها شيء )) اهـ.
     وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 16/ 166): (( وأن مِن العلماء مَن يُمسك عن تأويلها ، ويقول نؤمن بأنها حق ، وأن ظاهرها غير مراد ، ولها معنى يليق بها ، وهذا مذهب جمهور السلف، وهو أحْوط وأسْلم. والثاني أنها تتأول على حسب ما يليق بِتَنْزيه الله تعالى وأنه ليس كَمِثْله شيء. قال المازري : هذا الحديث بهذا اللفظ ثابت ، ورواه بعضهم إن الله خلق آدم على صورة الرحمن{(1)} وليس بثابت عند أهل الحديث ، وكأن مَن نقله رواه بالمعنى الذي وقع له وغلط في ذلك. قال المازري : وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث فأجراه على ظاهره وقال لله تعالى صُورة لا كالصُّوَر، وهذا الذي قاله ظاهر الفساد، لأن الصورة تفيد التركيب ، وكل مُرَكَّب مُحْدَث ، والله تعالى ليس بِمُحْدَث ، فليس هو مُرَكَّباً ، فليس مُصَوَّراً )) اهـ .
     [ 13] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _قال : قال أناس يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟، فقال: (( هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ ))، قالوا: لا يا رسول الله، قال: (( هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ ))، قالوا: لا يا رسول الله، قال: (( فإنكم ترونه يوم القيامة ، كذلك يجمع الله الناس ، فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم، فيقولون : نعوذ بالله منك  ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربكم ، فيقولون أنتَ ربنا )) .
{ متفق عليه. البخاري ( 5/ 2403 ) برقم ( 6204 ) ، ومسلم ( 1/ 163) برقم ( 182) .}
     قال الحافظ في الفتح ( 11/ 450و451 ): (( وأما نسبة الإتيان إلى الله تعالى فقيل هو عبارة عن رؤيتهم إياه ، لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكن رؤيته إلا بالمجيء إليه ، فعبَّر عن الرؤية بالإتيان مجازاً . وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث . وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله ، ورجحه عياض .
     قال  _ القاضي عياض  _ : ولعل هذا الْمَلَك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الْمَلَك لأنه مخلوق . قال : ... وهو أن المعنى يأتيهم الله بصورة أي بصفة تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الإله ليختبرهم بذلك، فإذا قال لهم هذا الملك: أنا ربكم، ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعلمون به أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك ، انتهى.
     وأما قوله بعد ذلك فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها فالمراد بذلك الصفة، والمعنى فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها، وإنما عرفوه بالصفة وإن لم تكن تقدمت لهم رؤيته... وقد علموا أنه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ،  فيعلمون أنه ربهم ، فيقولون أنت ربنا ، وعبَّر عن الصفة بالصورة لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة .
     وقال ابن العربي : إنما استعاذوا منه أولاً لأنهم  اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله ، ولهذا وقع في الصحيح : فيأتيهم الله في صورة، أي بصورة لا يعرفونها ،  وهي الأمر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون  : إذا جاء ربنا عرفناه ، أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق .
     وقال ابن الجوزي : معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ، ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا ، فيستعيذون من تلك الحال ، ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه، أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه ، وهي الصورة التي عبَّر عنها بقوله : يكشف عن ساق ، أي عن شدة .
     وقال القرطبي : هو مقام هائل يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب ، وذلك أنه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين أنهم منهم ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع : أنا ربكم، فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه، وأنه منزه عن صفات هذه الصورة ، فلهذا قالوا : نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب ، أي يزل فيوافق المنافقين . قال : وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ، ولعلهم الذين اعتقدوا الحق ، وحوَّموا عليه من غير بصيرة )) اهـ .
     قال الكوثري في تعليقه على كتاب الأسماء والصفات( ص 292) : (( اضطربت الروايات في ذكر الصورة ، والإتيان كما يظهر من استعراض طرق هذا الحديث ومتونه في الصحيحين وجامع الترمذي ، وتوحيد ابن خزيمة ، وسنن الدارمي وغيرها. ولم يسبق أن عرفوه على صورة ، فعُلِمَ أنه قد فعلت الرواية بالمعنى في الحديث ما فعلت ، على أن المنافقين محجوبون عن ربهم يوم القيامة ، فيكون هذا الحديث مخالفاً لنص القرآن ، إلا عند مَن يُؤوِّله تأويلاً بعيداً ، فالقول الفصل هنا هو الإعراض عن ألفاظ انفرد بها هذا الراوي، أو ذاك الراوي، باختلافهم فيها،والأخذ بالقدر المشترك من المعنى الذي اتفقوا عليه، فلعلك لا تجد في ذلك ما يوقعك في ريبة أو شبهة .. ويقول ابن العربي في عارضة الأحوذي  : إن الناس في هذه الحال لا يرونه سبحانه في قول العلماء  ، وإنما محل الرؤية الجنة .. بإجماع العلماء )) اهـ .
     [14] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فأمَّا النار فلا تمتلئ حتى يضع الله_تبارك وتعالى_رِجْلَه،تقول: قط قط قط، فهنالك تمتلئ ، ويزوي بعضها إلى بعض)).
{ متفق عليه.البخاري( 4/ 1836 ) برقم ( 4569 )، ومسلم( 4/ 2186 ) برقم ( 2846).}
     قلتُ : إن الله تعالى مُنَزَّه عن الجوارح ، وذلك أن الجوارح مركَّبة من أجزاء ، وبالتالي فلا بد أن  يكون هناك جزء قبل جزء ، وهذا يفيد الحدوث _ وجود الشيء بعد إذ لم يكن  _ ،  وكل الحوادث تفتقر إلى مُحْدِث ، والله تعالى قديم لا يوصف بالحدوث . كما أن الجوارح دليل نقص في الكائن الحي  ، لأنه لا يقدر على القيام بأعماله إلا باللجوء إلى جوارحه من يد ورِجْل وفم  ، وغير ذلك . والله تعالى غني عن كل شيء ، وكل شيء فقير إليه . وقد وردت لفظة " قدمه " بدلاً من   " رِجْله " في روايات صحيحة ثابتة ، ولهما نفس التأويل .  
     وقد أحاط الإمام النووي بكافة الاحتمالات الممكنة لفهم هذا الحديث الشريف بشكل موجز غير مخل ، فقال في شرحه على صحيح مسلم ( 17/ 182و183 ) : (( اختلاف العلماء فيها على مذهبين : أحدهما وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين ، أنه لايتكلم في تأويلها ، بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله ، ولها معنى يليق بها ، وظاهرها غير مراد . والثاني : وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها ، فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث  ،  فقيل : المراد بالقدم هنا المتقدِّم ، وهو شائع فى اللغة ، ومعناه حتى يضع الله تعالى فيها من قدَّمه لها من أهل العذاب. قال المازري والقاضي : هذا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن ابن الأعرابي . الثاني : أن المراد قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم  ، الثالث : أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية. وأما الرواية التي فيها يضع الله فيها رِجْلَه فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل، ولكن قد رواها مسلم وغيره، فهي صحيحة ، وتأويلها كما سبق في القدم، ويجوز أيضاً أن يراد بالرِّجْل الجماعة من الناس، كما يقال رِجل من جراد ، أي قطعة منه. قال القاضي : أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها وخُلِقوا لها . قالوا : ولا بد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى )) اهـ .
     وقال الإمام ابن الجوزي في دفع شُبه التشبيه (ص 170): (( الواجب علينا أن نعتقد أن ذات الله تعالى لا تَتَبَعَّض ، ولا يحويها مكان ، ولا توصف بالتغير ولا بالانتقال )) اهـ .
     [15] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يَنْزل رَبُّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : مَن يدعوني فأستجيب له ، من
يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له )). { متفق عليه . البخاري ( 1/ 384 ) برقم ( 1094) ، ومسلم ( 1/ 521 ) برقم ( 758) .}
     قلتُ: إن الله تعالى مُنَزَّه عن الحركة ، لأن الحركة انتقال من مكان إلى مكان ، ومن كان هكذا شأنه  ، فهو حادث ، والله تعالى قديم . كما أنه تعالى مُنَزَّه عن المكان والزمان ، فكان الله ولا أين ، وهو الآن حيث كان، وهو الآن كما كان. وأيضاً فإن الله تعالى لا يحل في الأشياء، ولا تحل الأشياء فيه، فما كان محل الحوادث فهو حادث، وما خالطته الحوادث فهو حادث ، وكل الحوادث مفتقرة إلى مُوجِد ، والله تعالى غني عن كل شيء ، وهذا ينفي صفة الحدوث عن ذاته العلية .
     قال الحافظ في الفتح ( 3/ 30و31) : (( قوله : يَنْزل ربنا إلى السماء الدنيا . استدل به من أثبت الجهة ، وقال : هي جهة العلو . وأنكر ذلك الجمهور ، لأن القول بذلك يُفضي إلى التحيز  _ تعالى الله عن ذلك  _. وقد اختلف في معنى النُّزول على أقوال : فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته ، وهم المشبِّهة _تعالى الله عن قولهم _ . ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة،وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة. والعجب أنهم أوَّلوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث ، إمَّا جهلاً وإمَّا عناداً . ومنهم مَن أجراه على ما ورد ، مؤمناً به على طريق الإجمال مُنَزِّهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف . ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة  والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم . ومنهم من أوَّله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب ، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف ، ومنهم من فصَّل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب ، وبين ما يكون بعيداً مهجوراً  ، فأوَّل في بعض وفوَّض في بعض، وهو منقول عن مالك ، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد ...والحاصل أن تأوله بوجهين : إما بأن المعنى ينزل أمره أو الْمَلَك بأمره،وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه  .  وقد حكى  أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنْزِل مَلَكاً {(2)} ... وقال البيضاوي: ولَمَّا ثبت بالقواطع أنه سبحانه مُنَزَّه عن الجسمية والتَّحيُّز امتنع عليه النُّزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة )) اهـ .
     وقال ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه ( ص 194و196) : (( وقد روى حديث النُّزول عشرون صحابياً ، وقد سبق القول أنه يستحيل على الله _ عز وجل _ الحركة والنُّقْلة والتغير ... والواجب على الخلق اعتقاد التَّنْزيه ، وامتناع تجويز النُّقْلة ، وأن النَّزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام : جسم عالٍ ، وهو مكان الساكن ، وجسم سافل ، وجسم ينتقل من علو إلى أسفل، وهذا لا يجوز على الله تعالى قطعاً . فإن قال العامي : فما الذي أراد بالنُّزول ؟، قيل: أراد به معنى يليق بجلاله لا يلزمك التفتيش عنه ، فإن قال : كيف حدَّث بما لا أفهمه ؟ ،قلنا: قد علمت أن النازل إليك قريب منك ، فاقتنع بالقرب ولا تظنه كقرب الأجسام )) اهـ . 
     كلمة أخيرة : في موضوع المتشابِه هناك صراع كبير على الألفاظ والمعاني والمصْطَلَحَات . فاللفظةُ الواحدةُ قد تَحمل عِدَّة معانٍ بحسْب الجهة التي تتبنَّاها . فاللفظةُ الواحدةُ قد تكون عند المعتزلة بمعنى مُعيَّن، وعند الأشاعرة بمعنى آخر، وعند الذي يُسمُّون أنفسهم بالسلفيين بمعنى ثالث ، وعند الفلاسفة بمعنى رابع . وهذه النقطة غاية في الخطورة .
     قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية ( 1/ 117 ) : (( إنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم ، إذ الجسم عندهم هو القائم بنفْسه ، أو الموجود ، أو الموصوف )) اهـ . وهذا الكلامُ إِن صَحَّ ، فهو يُشير إلى المسألة التي عَرَضْناها . فقد يُطلِق أحدُهم لفظ " الجِسم " على الله تعالى ، وهو يَقصد به الموجود . وقد يتم تكفيره مِن قِبَل علماء آخرين ، لأنهم يَعتقدون أن كُلَّ جِسم حادثٌ ومُكوَّنٌ من أجزاء مفتقرة إلى بعضها البعض ، واللهُ تعالى مُنَزَّه عن الجِسمية والتبعيض والتركيب والأجزاء . وهناك مسألة مُهمَّة ، وهي ضرورة التفريق بين الاشتراك في اللفظ والاشتراك في المعنى . فالمخلوقُ سميعٌ بصير ، والخالقُ سميعٌ بصير . فهناك اشتراك في اللفظ ، ولكنْ لا يوجد اشتراك في المعنى ، لأن صفات الله تعالى صفات قديمة لا تُشبِه شيئاً ولا يُشبِهها شيء . أمَّا صفات المخلوق فهي صفات مخلوقة محدودة وناقصة . فاللفظُ واحد ، لكنَّ المعنى مختلف .
....................الحاشية.........................
{(1)} (158) رواه الطبراني في الكبير ( 12/ 430 ) بلفظ " لا تُقبِّحوا الوجهَ فإن ابنَ آدم خُلِقَ على صورة الرحمن تعالى " . قال الحافظ في الفتح ( 5/ 183 ) : (( وقال حرب الكرماني في كتاب السُّنة: سمعتُ إسحاق بن راهويه يقول : صَحَّ أن الله خلق آدم على صورة الرحمن . وقال إسحاق الكوسج : سمعتُ أحمد يقول : هو حديث صحيح )) اهـ . وقال العَيْني في عمدة القاري ( 13/ 116 ) عن زيادة عبارة " صورة الرحمن" : (( أخرجها ابن أبي عاصم في السُّنة ، والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات )) اهـ . وقال ابن الجوزي في دفع شُبه التشبيه ( ص 146) : (( هذا الحديث فيه ثلاث عِلَل ، أحدها : أن الثوري والأعمش اختلفا فيه ، فأرسله الثوري ، ورفعه الأعمش . والثاني : أن الأعمش كان يُدلِّس فلم يَذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت . والثالثة : أن حبيباً كان يُدلِّس فلم يُعلم أنه سمعه من عطاء . قلتُ : وهذه أدلة توجب وهناً في الحديث ، ثم هو محمول على إضافة الصورة إليه مُلْكاً )) اهـ . وقال الهيثمي في المجمع ( 8/ 198 ) : (( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وهو ثقة ، وفيه ضعف )) اهـ .

{(2)} يؤيد هذا الرأي ما رواه النسائي في سُننه الكبرى ( 6/ 124) : عن أبي هريرة وأبي سعيد  _ رضي الله عنهما_ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله _ عز وجل_ يُمهل حتى يمضيَ شَطر الليل الأول ، ثم يأمر منادياً ينادي، يقول : هل من داع يستجاب له ؟ ، هل من مستغفر يغفر له ؟ ، هل من سائل يعطى ؟)). قال القرطبي في تفسيره ( 19/ 34 ) : (( صحَّحه أبو محمد عبد الحق )) اهـ .
facebook.com/abuawwad1982

27‏/03‏/2014

المتشابه في السنة النبوية / الجزء الأول

المتشابه في السنة النبوية / الجزء الأول

من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم

تأليف : إبراهيم أبو عواد .

.......................

    [1]روى مسلم في صحيحه( 2/ 615 ): قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطرٌ. قال : فَحَسَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثوبَه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسولَ الله لِمَ صَنعتَ هذا ؟، قال : (( لأنه حديث عَهْد بربِّه تعالى )) .
     بعضُ الناس يَعتقدون أن المطرَ كان موجوداً عند الله تعالى الموجود في السماء ، ثم نزلَ . وبذلك يكون حديث عهد بربِّه . أي : فارقَ ربَّه سبحانه منذ مدة بسيطة . وهذا المعنى باطل . والمعنى : أن المطرَ قريبُ العهد بتكوين ربِّه _ سبحانه وتعالى _ .
     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 6/ 195) : (( ومعنى حديث عهد بربِّه ، أي : بتكوين رَبِّه إيَّاه . ومعناه : أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فَيُتَبَرَّك بها )) اهـ .
     [2] روى البخاري في صحيحه ( 6/ 2699 ): أن السيدة زينب بنت جحش _ رضي الله عنها _ كانت تَفْخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : (( زَوَّجَكُنَّ أهاليكنَّ ، وزوَّجني اللهُ تعالى مِن فَوْق سَبْع سماوات )) .
     البعضُ يَحرصون على إثبات مكان لله تعالى ، وهُم يَستدلون بهذا الحديث على أن الله تعالى مَوْجود فوق السماوات السبع . ونحن نقول إن اللهَ تعالى مُنَزَّه عن المكان ، وهو سبحانه فَوْق كُل شيء ، وهذه الفَوْقِيَّة فَوْقِيَّة القهر والعَظَمة وعُلُو المكانة لا المكان. ولَيْست فَوْقِيَّة التحديد في جهة ، أو الحلول في المكان ، لأن المكان مخلوق ، واللهُ تعالى لا يَحُلُّ في شيء مِن خَلْقه. ليس في مخلوقاته شيء مِن ذاته ، ولا في ذاته شيء مِن مخلوقاته . إنهُ سبحانه فوق كُل شيء ، وليس فَوْقَه شيء .
     ونحن نسأل: ما هي الميِّزة للسيدة زينب بنت جحش _ رضي الله عنها _ ؟. الميِّزةُ أن تزويجها مذكور في القرآن الكريم ، وأن قضيَّتها نَزل بها وَحي يُتلَى . وبالتالي ، فقد نَزَلَ تزويجها مِن فَوْق .
     وقال الحافظ في الفتح ( 7/ 413) أن السهيلي قال : (( ولا يستحيل وَصْفه تعالى بالفَوْق على المعنى الذي يليق بجلاله ، لا على المعنى الذي يَسبق إلى الوهم من التحديد الذي يُفضي إلى التشبيه )) اهـ .
     [3] روى البخاري في صحيحه ( 6/ 2706 ) أن اللهَ تعالى يومَ القيامة يَكشف عن سَاقه .
     إن اللهَ تعالى مُنَزَّه عن الجوارح والأعضاء والأجزاء ، ومُنَزَّه عن أن يَكشف ويَتغطى. والجوارح والأعضاء مُكوَّنة من أجزاء تَحتاج بعضُها بَعضاً ، كما أن الجوارح والأعضاء من خصائص المخلوقين العاجزين الذي يَحتاجون إلى وسائل لتسهيل حياتهم . واللهُ تعالى غنيٌّ عن كُل شيء ، وكلُّ شيء فقير إليه . فلا يحتاج يداً لكي يَبطش بها ، ولا يحتاج ساقاً أو رِجْلاً لكي يقوم بأعماله . فالخالقُ العظيم لا يحتاج شيئاً .
     والمعنى : أن اللهَ تعالى يَكشف عن العظيم مِن أمره أو شِدَّته. وقد أُضيفت الساق إليه، لأن الكُلَّ له وفِعله .
     وفي تفسير القرطبي ( 18/ 216 ) : (( وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الحربُ والأمر ، قيل : كَشَفَ الأمرُ عن ساقه ، والأصل فيه أن مَن وَقَعَ في شيء يحتاج فيه إلى الجِد ، شَمَّر عن سَاقه فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة )) اهـ .
     قال ابن الأثير في النهاية في غريب الأثر ( 2/ 1036 ) : (( في حديث القيامة [ يكْشفُ عن سَاقه ] الساقُ في اللغة الأمرُ الشديدُ . وكشْفُ الساق مثَلٌ في شدَّة الأمْر كما يقال للأقْطَع الشَّحيح : يَدُه مغْلولة ... وإنما هو مَثَلٌ في شِدَّة البُخْل . وكذلك هذا لا سَاق هُناكَ ولا كَشْف . وأصلُه أنَّ الإنسان إذا وقَع في أمْرٍ شديد يقال : شَمَّر عن ساعِده وكشَف عن ساَقِه للاهْتمام بذلك الأمْر العظيم )) اهـ .
     [4] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يَضحك اللهُ إلى رَجُلَيْن يَقتل أحدهما الآخر يَدخلان الجنة )) { متفق عليه . البخاري ( 3/ 1040)برقم ( 2671) ، ومسلم ( 3/ 1504) برقم ( 1890). وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 13/ 36 ) : (( يُقاتِل هذا في سبيل الله ، فَيَسْتَشْهِد ، ثم يتوب اللهُ على القاتل فَيُسْلِم ، فَيُقاتِل في سبيل الله فَيَسْتشهد )) اهـ .}
     الضحكُ المعروفُ ( كما يقوم به البشر ) لا يَجوز في حَقِّ الله تعالى، فهذا الضحكُ من خصائص الأجسام ، ويَشتمل على تغيُّرات . واللهُ مُنَزَّه عن ذلك ، وهو سبحانه يُغيِّر ولا يَتغيَّر .
     والمرادُ بالضحك هنا الرِّضا بفِعْلهما ، ومَنْحهما الأَجْر ، وكناية عن القبول والثواب العظيم .
     قال الحافظ في الفتح ( 6/ 40 ) : (( قال الخطابي : الضحك الذي يَعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى ، وإنما هذا مَثَل ضُرب لهذا الصنيع الذي يَحِل محل الإعجاب عند البشر ، فإذا رأوه أضحكهم ، ومعناه : الإخبار عن رضا الله بفعل أحدهما ، وقبوله للآخر ، ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة ، مع اختلاف حالَيْهما . قال : وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة ، وهو قريب . وتأويله على معنى الرضا أقرب ، فإن الضحك يدل على الرضا والقبول ، قال : والكرام يُوصفون عندما يسألهم السائل بالبِشر وحُسن اللقاء فيكون المعنى في قوله : (( يَضحك الله )) أي يُجزل العطاءَ ، قال : وقد يكون معنى ذلك أن يُعجِب اللهُ ملائكته ويُضحكهم مِن صنيعهما ، وهذا يتخرج على المجاز ، ومِثله في الكلام يَكثر . وقال ابن الجوزي : أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرونه كما جاء، وينبغي أن يُراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تُشبِه صفاتُ الله صفاتِ الخلق . ومعنى الإمرار عدم العِلم بالمراد منه مع اعتقاد التَّنْزيه . قلتُ : ويدل على أن المراد بالضحك الإقبال بالرِّضا تعديته بإلى . تقول : ضحك فلان إلى فلان إذا توجَّه إليه طَلْق الوجه مُظهِراً للرِّضا عنه )) اهـ .
     [5] حديث الجارية . روى مسلم في صحيحه ( 1/ 381 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية معاوية ابن الحكم السلمي : (( أيْنَ الله ؟ )) ، قالت : في السماء . قال : (( مَن أنا ؟ )) ، قالت : أنتَ رسول الله ، قال : (( أَعْتِقْها فإنها مؤمنة )) .
     هذا الحديثُ حالةٌ خاصة لا يجوز تعميمها ، لعِدَّة أسباب :
     أ ) لم يُعرَف عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استخدام عِبارة " أينَ الله ؟ ". ولو كانت هذه العِبارة ذات وجود في الدِّين الإسلامي لانتشرتْ بصورة كبيرة، وفشا استخدامها بين الناس، ولَذَكَرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شتى الحالاتِ والمواقف ، خصوصاً أمام الذين يُريدون الإسلام . وهذا لم يُعهَد عنه صلى الله عليه وسلم .
     ب ) من المعلوم لكل مُسْلم سَواءٌ كان عالِماً أَم جاهلاً ، أن دخول الإسلام إنما يكون بنُطق الشَّهادتَيْن لا باعتقاد أن الله في السماء . ومن المعلوم أن الشخص لا يُحكَم بإسلامه بمجرَّد اعتقاد أن الله في السماء . وهذه حقيقة بَدَهية يَعرفها الصغير والكبير .
     ج ) سؤالُ النبي صلى الله عليه وسلم وإقرار جوابها يُشعران بالجِهة . لكننا نقول إنها ظواهر ظَنِّية لا تتعارض مع القَطْعِيَّات . ومهما تعارضَ دليلان ظاهرياً ، وَجَبَ الجمعُ بينهما ، ورَدُّ المتشابِه إلى الْمُحْكَم ، والظَنِّي إلى اليقيني .
     د ) لا بد من استحضار القواعد العَقَدية الأساسية ، وهي : كان اللهُ ولا شيء معه . كان اللهُ ولا أيْن ، وهو الآن حيث كان ، وهو الآن كما كان . كان اللهُ ولا سماء ولا عَرْش . وقد تقرَّر أن الله تعالى ليس جِسماً ، فلا يَحتاج إلى مكان يَستقر فيه . فقد كان اللهُ ولا مكان .
     هـ ) قَوْلُها " في السماء " تعبير عن الجلال والعَظَمة وعُلُوِّ المكانة لا المكان . فاللهُ في السماء ، يعني أن اللهَ هو العَلِيُّ الأعلى الذي له المجد والرِّفعة ، ولا يعني أن الله تعالى حالٌّ في السماء . ونحن عندما نَرفع أيدينا إلى السماء ، فلأنها قِبْلة الدعاء ، وليس لأنها مكان لله تعالى .
     والسؤالُ الذي يَطرح نفْسه : كيفَ حَكم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإيمانها بمجرَّد اعتقادها أن الله في السماء مع أنها لم تَنطق الشهادَتَيْن ( مفتاح الدخول إلى الإسلام ) ؟ .
     نحن نَجْزم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من الجارية أمارةَ الإسلام ، وأدركَ أنها من المسلمين . وكان السؤالُ (( أيْنَ الله ؟ )) من أجل اختبارها ، والاطمئنان على صحة عقيدتها وتوحيدها ، وأنها تَعبد اللهَ العَلِيَّ الأعلى ، ولا تُشرِك به شيئاً من الأصنام الحجريةِ ، والأوثانِ الأرضية .
     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 5/ 24) : (( هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان تقدَّم ذِكْرهما مَرَّات في كتاب الإيمان . أحدهما : الإيمان به مِن غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كَمِثْله شيء ، وتَنْزيهه عن سمات المخلوقات . والثاني : تأويله بما يليق به . فمن قال بهذا قال : كان المراد امتحانها هل هي مُوحِّدة تقرُّ بأن الخالق المدبِّر الفعَّال هو الله وَحْدَه ، وهو الذي إذا دعاه الدَّاعي استقبل السماءَ ، كما إذا صلى المصلِّي استقبلَ الكعبةَ، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصراً في جهة الكعبة ، بل ذلك لأن السماء قِبلة الداعين كما أن الكعبة قِبلة المصلِّين ، أو هي مِن عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم ، فلما قالت : ( في السماء ) عَلِم أنها مُوحِّدة ، ولَيستْ عابدةً للأوثان )) اهـ .
     [6] روى البخاري في صحيحه( 3/ 1096) عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( عَجِبَ اللهُ مِن قَوْم يَدخلون الجنةَ في السلاسل )) .
     المرادُ بالعَجَب من الله تعالى رِضاه . أي : رَضِيَ مِنهم ، وعَظُم شأنهم .
     قال الحافظ في الفتح ( 6/ 145) : (( وأن معناه الرضا )) اهـ .
     وفي دفع شُبه مَن شَبَّه وتمرَّد ( 1/ 13) : (( قال الأئمة : لأن العَجَب إنما يكون مِن شيء يَدهم الإنسانَ فيستعظمه مما لا يَعلمه، وذلك إنما يكون في المخلوق ، وأمَّا الخالق فلا يليق به ذلك، فمعناه عَظُم قَدْرُ ذلك الشيء عنده ، لأن المتعجِّب من الشيء يَعْظم قَدْره عنده )) اهـ .
     [7] روى مسلم في صحيحه ( 4/ 2099 ) عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( للهُ أشد فَرَحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها )) .
     والفرحُ المعروف المنبثق من انفعال المشاعر ، والتأثر بالأجواء المحيطة ، وحدوث تغيُّرات في الحالة ، لا يَجوز إطلاقُه في حَقِّ الله تعالى . فيكون معنى الفرح في الحديث : القُبول والرِّضا .
     قال الحافظ في الفتح ( 11/ 106 ): ((وإطلاق الفرح في حق الله مجاز عن رَضاه ...)) اهـ.
     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 17/ 60 ) : (( قال العلماء : فَرَحُ الله تعالى هو رضاه . وقال المازري : الفرحُ ينقسم على وجوه ، مِنها السرور ، والسرور يقاربه الرضا بالمسرور به . قال : فالمراد هنا أن الله تعالى يَرضى توبة عبده أشد مما يرضى واجدُ ضالته بالفلاة ، فعبَّر عن الرضا بالفرح تأكيداً لمعنى الرضا فى نفس السامع ، ومبالغة فى تقريره )) اهـ .
     [8] روى مسلم في صحيحه ( 3/ 1458) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن المقسِطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن _ عَزَّ وجَل _ ، وكِلتا يَدَيْه يمين )) .
     إن اللهَ تعالى مُتَّصف بصفات الكمال ، فهو سبحانه لا يَطرأ عليه العَجز ، ولا يُصيبه النَّقص . والشِّمالُ دائماً تَرمز إلى الضعف والعجز والمعاني السَّيئة. لذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( وكِلتا يَدَيْه يمين )) لإثبات الكمال الإلهي ، ونفي النَّقص عن الله تعالى ، فلا يَتوهَّم أحدٌ وجودَ نقص في صفته سبحانه. كما أن قَوْل النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى نفي الجارحة ( العضو ) عن الله تعالى . ولو كان اللهُ تعالى له يَدان           ( جارحتان ) لكانَ من غير المعقول أن كلتا يديه يمين . إذن ، فالمعنى : أن اللهَ تعالى مُتَّصف بالكمال المطْلق ، وبما أن الشِّمال رمزٌ للنقص كان اللهُ تعالى مُنَزَّهاً عنها .
     قال القرطبي في التذكرة ( 1/ 194) : (( وأمَّا قوله: كلتا يديه يمين ، فإنه أراد بذلك التمام  والكمال ، وكانت العربُ تحبُّ التيامن ، وتَكره التياسر لِمَا في التياسر من النقصان ، وفي التيامن من التَّمام )) اهـ .
     [9]عن السيدة عائشة_رضي الله عنها_أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((فإن اللهَ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا )). { متفق عليه . البخاري ( 2/ 695) برقم ( 1869) ، ومسلم ( 1/540) برقم ( 782) .}
     إن المللَ مُحالٌ في حق الله تعالى . فالمللُ ثقل الشيء على الإنسان ، والسآمة منه . وهذا المعنى يتضمن النقص والضعف ، واللهُ مُنَزَّه عن كُل صفات النقص والضعف .
     ومعنى الحديث: أن اللهَ تعالى لا يَترك الأجرَ والثوابَ حتى تتركوا العملَ. فعبَّر عن الترك بالملل. ويمكن القول : إن اللهَ تعالى لا يَمَلُّ وإن مَلُّوا . فالخالقُ له صفات الكمال ، أمَّا المخلوق فناقص .
     وورودُ هذه الألفاظ في الحديث يمكن اعتبارها من باب المقابَلة اللفظية ( المشاكَلة ) ، وهي من أبواب الفصاحة . وقد سبقَ أن وضَّحنا المراد بها في مَوْضع سابق ، فانظرْه هناك .

     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 6/ 71) : (( قال العلماء : الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حَقِّنا مُحال في حق الله تعالى ، فيجب تأويل الحديث . قال المحقِّقون : معناه لا يعاملكم معاملة المالِّ فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم . وقيل : معناه لا يملُّ إذا مَللتم . وقاله ابن قتيبة وغيره وحكاه الخطابي وغيره . وأنشدوا فيه شِعراً ، قالوا : ومِثاله قَوْلهم في البليغ فلان لا يَنقطع حتى يَقطع خصومه ، معناه : لا ينقطع إذا انقطع خصومه ، ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غَيْره )) اهـ .
facebook.com/abuawwad1982

25‏/03‏/2014

المتشابه في القرآن / الجزء الرابع

المتشابه في القرآن / الجزء الرابع

من كتاب / قضايا تهم كل مسلم

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

..........................

     [15] قال اللهُ تعالى : } وَهُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِباده { [ الأنعام : 18] .
     إن اللهَ تعالى هو القاهرُ المسيطِر على كُل شيء . وهو تعالى فَوْقَ كُلِّ شيء فَوْقِيَّة القَهْر والجبروت والهيْمنة ، ولا شيء فَوْقَه . أي إن عباده تحت قُدرته ، وخاضعون لعَظَمته ، لا فَوْقِيَّة المكان ، لأن اللهَ تعالى مُنَزَّه عن المكان . كما نقول : إن الحاكم فَوْق الشَّعب ، أي فَوْقِيَّة السُّلطة والقوة والنفوذ .
     قال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 172): (( أي وهو الذي خَضعت له الرِّقاب ، وذَلَّت له الجبابرة ، وَعَنَت له الوجوه ، وقَهَرَ كُلَّ شيء، وَدَانت له الخلائق ، وتواضعت لِعَظَمة جلاله وكبريائه وعَظَمته وعُلُوِّه وقُدرته على الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه ، وتحت قَهْره وحُكمه )) اهـ .
     قال ابن شيخ الحزاميين في صفات الرَّب ( 1/ 30 ) : (( لأن فَوْقِيَّته _ سبحانه وتعالى _ وعُلُوَّه على كل شيء ذاتي له ، فهو العَلِيُّ بالذات )) اهـ .
     كلمة " بالذات " لم تَرِد في القرآن والسُّنة ولا كلام السلف ولا كلام الخَلَف . وهي زيادة مرفوضة لأنها تُثبِت مكاناً لله سبحانه . وإذا كان اللهُ عَلِيَّاً بالذات ، فهذا يَعني أنه سبحانه محصور في مكانٍ مُحدَّد ، ومحصور في جهة مُعيَّنة ( حيِّز مُعيَّن ) ، وهذه من صفات الأجسام . واللهُ تعالى لَيْس جِسماً ، وهو سبحانه موجود قبل المكان وقبل الزمان .
     [16] قال اللهُ تعالى : } إِلَيْه يَصْعد الكَلِمُ الطَّيِّب { [ فاطر : 10] .
     إلى الله تعالى يَصعد الكَلِمُ الطَّيب الذي هو ذِكْر العبد لربِّه سبحانه . وصعودُ الذِّكر يدل على القُبول . وهذه الآيةُ لا تعني أن اللهَ تعالى حَالٌّ في السماء ، أو أن العَرشَ مكانٌ له سبحانه .
     قال القرطبي في تفسيره ( 14/ 286 ) : (( ضَرب صُعوده مَثلاً لقبوله ، لأن موضع الثواب فوق ، وموضع العذاب أسفل . وقال الزجاج : يُقال : ارتفع الأمرُ إلى القاضي ، أي عَلِمه فهو بمعنى العِلم ، وخُصَّ الكلام الطَّيب بالذِّكر لبيان الثواب عليه . وقوله : } إِلَيْه { ، أي إلى الله يَصعد ، وقيل : يَصعد إلى سمائه ، والمحل الذي لا يَجري فيه لأحد غَيْره حُكم )) اهـ .
     وقد أخطأ مَن قال إن قَوْله تعالى : } إِلَيْه يَصْعد الكَلِمُ الطَّيِّب { دليلٌ على إثبات الجهة . فالغايةُ هنا لَيْست غاية المكان ، بل هي غاية انتهاء الأمور إليه سبحانه . كما قال الله تعالى : } ألا إلى اللهِ تَصيرُ الأمورُ { [ الشُّورى : 53] . وكما قال النبيُّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم: } إني ذاهب إلى ربِّي { [ الصافات : 99] .
     وعن ابن مسعود _ رضي الله عنه _ قال : (( إذا حَدَّثْناكم بحديث آتيناكم بتصديق ذلك في كتاب الله : إن العبد إذا قال : سُبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وتبارك الله ، قَبَضَ عليهن مَلَكٌ فَضَمَّهُنَّ تحت جَناحه ، وصَعد بهنَّ لا يمرُّ بهنَّ على جَمْع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وَجْه الرحمن )) ثم تلا عبد الله: } إِلَيْه يَصْعد الكَلِمُ الطَّيِّب{.{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 461) برقم ( 3589 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .}
     وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية ( 2/ 157و158 ) : (( باب الحد والعرش . وادعى المعارِض أنه ليس لله حَد ، ولا غاية ، ولا نهاية ، قال : وهذا هو الأصل الذي بَنى عليه جهم جميع ضلالاته ، واشتق منها أغلوطاته ، وهي كلمة لم يَبْلغنا أنه سَبق جهماً إليها أحد من العالَمين ، فقال له قائل ممن يحاوره : قد علمتُ مرادك أيها الأعجمي، تعني أن الله لا شيء، لأن الخلقَ كلهم عَلِموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حَد وغاية وصفة ، وأن لا شيء لَيْس له حَد ولا غاية
ولا صفة . فالشيء أبداً موصوف لا محالة ، ولا شيء يُوصَف بلا حَد ولا غاية . وقَوْلُك : لا حَد له تعني أنه لا شيء . قال أبو سعيد: والله تعالى له حَد لا يَعْلمه غَيْره ، ولا يجوز لأحد أن يتوهَّم لِحَدِّه غاية في نفْسه ، ولكن نؤمن بالْحَد ، ونَكِل عِلْمَ ذلك إلى الله ، ولمكانه أيضاً حَد ، وهو على عرشه فوق سماواته . فهذان حَدَّان اثنان . قال : وسئل ابن المبارك : بِمَ نَعرف رَبَّنا ، قال بأنه على عرشه بائن مِن خَلقه . قيل : بِحَد . قال : بِحَد . حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن علي ابن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال : فَمَن ادَّعى أن لَيْس لله حَد فقد رَدَّ القرآنَ ، وادعى أنه لا شيء ، لأن الله تعالى وَصَفَ حَدَّ مكانه في مواضع كثيرة مِن كتابه ، فقال :     } الرَّحْمنُ عَلى العَرْش استوى { . } أَأَمِنتم مَن في السماء { ... فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الْحَد ، وَمَن لَم يعترف به فقد كَفر بِتَنْزيل الله ، وجَحَدَ آياتِ الله )) اهـ .
     هذا الكلامُ الخطيرُ لنا معه وقفات :
     أ ) إن اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عن الحَد والغاية والنهاية . فاللهُ تعالى أكبرُ من كُل شيء . ولو كان سبحانه له حَد أو غاية أو نهاية لكانَ جِسماً مقهوراً ومحصوراً في حَيِّز الزمان والمكانِ . واللهُ تعالى يقول : } لَيْسَ كَمِثْله شَيء {  [ الشُّورى :11] . واللهُ تعالى هو الأوَّل فليسَ قَبْله شيء ، وهو الآخِر فليسَ بَعْده شيء ، لا بداية له ولا نهاية. ولو كان لله تعالى بداية أو نهاية لكانَ محصوراً في نطاق زمني ، ولكانَ خاضعاً لحركة الزمن . واللهُ تعالى أكبر مِن كُل شيء ، وهو خالق الزمان والمكان ، فلا يُعقَل أن يَخضع الخالقُ لمخلوقاته. وابنُ تيمية يَزعم أنه ملتزم بالكتاب والسُّنة وأقوال السلف، فمِن أينَ جاء بهذه الألفاظ: الحَد ، الغاية ، النهاية ؟! . هل وَردت في القرآن والسُّنة ؟! . ومعلومٌ أننا لا نَصِفُ اللهَ تعالى إلا بما وَصَفَ به ذاته العَلِيَّة ، أو وَصَفه به رسولُه صلى الله عليه وسلم . كما أننا لا نُثبِت صِفةً لله تعالى إلا بِنَص قَطعي الوُرود ( القرآن والسُّنة المتواترة ) وقَطعي الدلالة . فهذه عقيدةٌ ، وينبغي أن تُبنَى على قَطعيات لا يتسلل إليه الوَهم أو الاحتمال أو الشَّك .
     ب ) لا يجوز وصفُ اللهِ تعالى بأنه شيء. فاللهُ تعالى لَيْسَ شيئاً بدليل قَوْله تعالى: } قُل اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء { [ الرعد : 16] . إذن ، كُل شيء مخلوق ، وبما أن اللهَ تعالى هو الخالق وليس مخلوقاً، فهو سبحانه ليس شيئاً. فلوْ كان شيئاً لكانَ مخلوقاً، وهذ مُحال. وبالتالي ، فصفاتُ الأشياء المخلوقة كالحَد والغاية والنهاية لا يَجوز إطلاقها على الله تعالى ، لأن اللهَ سبحانه ليس جِسماً ولا شَيئاً ، ولا يَعْرف اللهَ إلا الله ، وكُلُّ ما في بالِك ، فاللهُ بِخِلاف ذلك .
     ج ) اللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عن المكان . ولو كان له سبحانه مكان لكانَ محصوراً في هذا المكان ، ولكانَ المكانُ محتوياً على الله تعالى وأكبر من الله تعالى . ولكانَ اللهُ تعالى يَحُل في خَلْقه ( المكان ) .
وهذا لا يقول به مُسْلم . فاللهُ أكبر مِن كُل شيء . واللهُ سبحانه كان موجوداً ولا شيء ، فلم يكن عرش ولا سماوات ولا مكان ولا زمان . وفي صحيح البخاري ( 3/ 1166) : أن النبي صلى الله عليه وسلم :  (( كان اللهُ ولم يَكن شَيء غَيْره )) . فأينَ كان اللهُ قبل خلق العرش ؟ ، وأينَ كان الله قبل خلق السماوات ؟. وأينَ كان اللهُ قبل خلق المكان والزمان ؟ . كانَ اللهُ ولا شيء ، وهو الآن كما كانَ ( يُغيِّر ولا يَتغيَّر ، لأن التغيُّر من صفات الحوادث المخلوقة ) ، وهو سبحانه الآن حيث كان ( بلا مكان ) .
     د ) ونحن نقول : مَن قال إن لله حَدَّاً أو مكاناً فقد كفرَ، وسبقَ أن شَرَحْنا هذه القضية. أمَّا قَوْلُ الله تعالى : } الرَّحْمنُ عَلى العَرْش استوى { ، وقَوْله سبحانه : } أَأَمِنتم مَن في السماء { فلا يعني إثبات مكان لله تعالى . ومَن أثبتَ مكاناً لله تعالى أخذاً بظواهر الآيات فقد خالفَ السلفَ والخَلَف معاً ، واعتمد على هواه .
     هـ ) نحن لا نأخذ عقيدتنا من أقوال الرجال سَواءٌ ثَبَتَ النقلُ عنهم أَم لم يَثْبُت . وإنما نأخذها من القرآن والسُّنة المتواترة . وكُلُّ إنسان يُؤخذ مِنه ويُرَدُّ عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم . والعِصمةُ للحق لا أقوال الرجال.اعرف الحقَّ تعرفْ أهلَه.وقد قال ابن الجوزي عن إحدى المسائل في كتابه تلبيس إبليس ( ص 171 ): (( وقد قِيل لأحمد بن حنبل _ رحمة الله عليه _ إن ابن المبارك يقول كذا وكذا ، فقال : إن ابنَ المبارَك لم يَنْزل مِن السماء )) اهـ .
     هذا هو الفهمُ الدقيق للإمام أحمد الذي يَعرف أن الرجال يُعرَفون بالحق ، والحقُّ لا يُعرَف بالرجال ، والعِصمةُ للأنبياء وَحْدَهم . هذا هو فهم الإمام أحمد الذي لَوَّثَ مُجسِّمةُ الحنابلة سُمعته، وأهانوا مذهبَه بعد أن أَدْخلوا فيه عقائد التجسيم التي اخترعوها من بنات أفكارهم .
     [17]قال اللهُ تعالى: } إِذ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ورافِعُكَ إِلَيَّ { [ آل عمران : 55].
     بَعضُ الجهَّال يَفهمون مِن هذه الآية أن اللهَ تعالى رَفَعَ عيسى صلى الله عليه وسلم إلى السماء التي يَحِلُّ فيها اللهُ تعالى . وهذا الفهمُ المنحرف جاءَ من إيمانهم بأن السماء هي مكان لله تعالى ، وقد رَفع اللهُ سبحانه رسولَه عيسى صلى الله عليه وسلم إلى مكانه تعالى . وهذا انحرافٌ واضح . وقد سبقَ وأن شَرحنا قضية تَنْزيه الله عن المكان. ولو كانَ اللهُ تعالى موجوداً بذاته في السماء ، أو موجوداً بذاته على العَرش ، لكانَ محصوراً في مكانٍ وَجِهةٍ ، وخاضعاً لظروف المكان ، ومقهوراً في حَيِّز مُحدَّد . وهذا يتعارض بالكُلِّية مع عَظَمة الله تعالى ، فهو أكبرُ مِن كُل شيء ، وفوقَ كُل شيء ، فَوْقِيَّة القهر والجبروت والهَيْمنة . 
     قال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 54 ) : (( إلى مَحَل كرامتي ومَقر ملائكتي )) اهـ .
     [18] قال اللهُ تعالى : } أَأَمِنتم مَن في السماء { [ الْمُلْك : 16].
     إن اللهَ تعالى في السماء، بمعنى أنه العَلِيُّ الكبيرُ الذي قَهر المخلوقاتِ ، وعَلا فَوْقَها فَوْقِيَّة المكانة لا المكان . أمَّا اعتقاد أن اللهَ تعالى حالٌّ في السماء، فهذه عقيدة كُفرية ، لأنها تعني أن السماء أكبر من الله تعالى ، وأنها محتوية عليه سبحانه . واللهُ أكبر مِن كُل شيء ، وقاهرٌ لكل شيء . واعتقادُ أن الله تعالى في جهة العُلُو بذاته عقيدةٌ كُفرية لأنها تعني أن الله تعالى محصور في نطاق ضيِّق . واللهُ تعالى أكبر من الأمكنة والأزمنة . واللهُ تعالى كان موجوداً ولا شيء معه . فالخالقُ قديم ، والمخلوقات حوادث وُجدتْ بعد إذ لم تكن .
     قال السيوطي في تنوير الحوالك ( 1/ 140 ) : (( وقال الباجي : ... يُقال : مكان فلان في السَّماء : يعني عُلُو حاله ورِفعته وشَرفه )) اهـ .
     أمَّا الذين يَأخذون بظواهر النصوص ، فنسألهم : ماذا تقولون في قَوْله تعالى : } أَأَمِنتم مَن في السماء { [ الْمُلْك : 16]. وقَوْله تعالى: } وَهُوَ اللهُ في السَّماواتِ وفي الأرضِ  {[الأنعام : 3 ]. فهل اللهُ تعالى في السماء حقيقة أَم في السماوات أَم في الأرض ؟! . وإذا أردتُم إثبات مكان لله تعالى ، فلماذا لا تُثبِتون مكان الله سبحانه بين العبد والقِبلة أخذاً بظاهر الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه ( 1/ 159 ): عن أنس _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يُناجي رَبَّه _ أو إن رَبَّه بَيْنه وبين القِبلة_ فلا يَبزقن أحدكم قِبَل قِبلته ولكن عن يساره أو تحت قَدَمَيْه )) ؟! .
     قال الحصني في دفع شُبه مَن شبَّه وتمرد ( 1/ 8 ) : (( ومن التناقض الواضح في دعواهم في قَوْله تعالى :  } الرَّحْمنُ عَلى العَرْش استوى { [ طه : 5] أنه مُسْتَقِر على العرش مع قَوْلهم في قَوْله تعالى : } أَأَمِنتم مَن في السماء { [ الْمُلْك : 16] ، إِنَّ مَن قال إنه ليس في السماء فهو كافر ، ومن المحال أن يكون الشيء الواحد في حَيِّزَيْن في آنٍ واحد )) اهـ .
     وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 5/ 24 و25) : (( قال القاضي عياض : لا خِلاف بين المسلمين قاطبة ، فقيههم ومُحدِّثهم ومُتكلِّمهم ونظارهم ومُقلِّدهم أن الظواهر الواردة بِذِكْر الله تعالى في السماء ... ليست على ظاهرها ، بل مُتأوَّلة عند جميعهم . فمن قال بإثبات جِهة فَوْق مِن غَير تحديد، ولا تكييف مِن المحدِّثين والفقهاء والمتكلِّمين تأوَّل في السماء، أي على السماء. ومَن قال مِن دهماء النظار والمتكلمين وأصحاب التَّنْزيه بنفي الحد واستحالة الجهة في حقه سبحانه وتعالى تأوَّلوها تأويلات بِحَسْب مُقتضاها )) اهـ .
     إن العقيدة القائلة بأن الله تعالى موجود وحالٌّ في السماء عقيدة وثنية جاهلية متخلفة ، وللأسف فإن بعض المجسِّمة الذين يُسَمُّون أنفسهم مسلمين يقولون بها ، وينافحون عنها بكل ما أُوتوا من قوة وجدل . قال اللهُ تعالى مُبَيِّناً هذه العقيدة الباطلة ورادَّاً عليها : ] وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ . أَسْبَابَ السَّمَاواتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبَاً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ [ [ غافر : 36و 37]. فها هو فرعون يعتقد أن الله تعالى حالٌّ في السماء، لذا حاول_ بزعمه _ أن يصعد إليه ، والله تعالى سَمَّى هذا العمل المستند إلى عقيدة باطلة سيئاً، وقال إن هذا العمل السيئ زُيِّنَ لفرعون ، وصُد عن السبيل.
     [19] قال اللهُ تعالى : } وَاللهُ مَعَكم { [ مُحمَّد : 35].
     لا يُوجد عاقلٌ يعتقد أن الله معنا بذاته _سبحانه وتعالى_ . ومعنى الآية : أن الله مع المؤمنين بالنصر والتأييد . قال القرطبي في تفسيره ( 16/ 217 ) : (( أي بالنصر والمعونة )) اهـ .
     وقال ابن تيمية في دَرء التعارض ( 3/ 178 ) : (( كلام آخر للإمام أحمد عن الْمَعِيَّة ... في النصر لكم على عدوكم )) اهـ .
     ولا يخفَى أن هذا تأويلٌ للآية ، وصَرفها إلى غير ظاهرها . وهو تأويلٌ مُعْتَمَد شَرْعاً ولُغةً .
     [20] قال اللهُ تعالى : } وَهُوَ مَعَكم أينما كُنتم { [ الحديد : 4].
     والْمَعِيَّةُ هنا هي مَعِيَّةُ العِلْم والقُدرة والإحاطة لا المكان . فاللهُ تعالى معنا بعِلْمه لا بذاته . فالْمَعِيَّةُ بالذات تَعني أن اللهَ موجود معنا بذاته عندما نَدخل الأماكن القذرة كالخلاء وغَيْره . وهذا لا يَقول به مُسْلم . وإضافةُ مَعِيَّة القُرب بالمسافة إلى الله تعالى مُحالٌ ، لأن اللهَ تعالى مُنَزَّه عن المكان والزمان . وهكذا ، وَجب تأويل الآية ، وصَرْفها عن ظاهرها .
     قال أبو السعود في تفسيره ( 8/ 204 ) : (( تمثيل لإحاطة عِلْمه تعالى بهم ، وتصوير لعدم خروجهم عنه أينما داروا )) اهـ .
     وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5/ 191 ) : (( وقال يحيى بن عثمان في رسالته : لا نقول كما قالت الجهمية : إنه بداخل الأمكنة وممازج كل شيء ، ولا نعلم أين هو ، بل نقول : هو بذاته على عَرْشه ، وعِلْمه محيط بكل شيء وسمعه وبصره وقُدرته مُدرِكة لكل شيء ، وهو معنى قَوْله : } وَهُوَ مَعَكم أينما كُنتم { )) اهـ .
     وهذا الكلام لنا مع وقفات :
     أ ) يحيى بن عثمان لم يَنْزل من السماء ، وهو غير معصوم .
     ب ) اللهُ تعالى مُنَزَّه عن المكان والزمان . كان اللهُ قبل خلق المكان والزمانِ . وهو الآن حيثُ كان . اللهُ موجود بلا مكان ، ولا يقال أين ، فالذي خَلَقَ الأينَ ، لا يُعقَل أن يُحصَر بالأين . فالخالقُ لا يَخضع للمخلوق . بل المخلوق يخضع للخالق سبحانه .

     ج ) العِبارة " بل نقول : هو بذاته على عَرْشه " ، عبارة مرفوضة لأنها مُخالِفة للقرآن والسُّنة وأقوال علماء المسلمين سَلَفاً وخَلَفاً . فكلمة " بذاته " لم تَرِد في القرآن والسُّنة . ولا يَجوز وَصْفُ اللهِ تعالى إلا بِنَص شَرْعي ( قَطْعي الورود وقَطْعي الدلالة ) .
facebook.com/abuawwad1982