سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

28‏/12‏/2011

العراق وملوك الطوائف

العراق وملوك الطوائف
للكاتب / إبراهيم أبو عواد .

لا يخفى أن عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي قد تم تصميمه وفق الطريقة اللبنانية ، حيث الزعماء السياسيون يختبئون وراء طوائفهم ويتقاتلون على المناصب الحكومية في ظل انتحار الدولة وغياب الحكومة . وهؤلاء الزعماء _ من خلال تناحرهم وتنافسهم على الوهم _ يَجُرُّون طوائفهم معهم إلى الصدام الحتمي وصناعة مجتمع الكراهية والتفرفة على أساس الدِّين والمذهب والعِرق .

وما يحدث في العراق الآن أشبه بلعبة طفولية ، حيث يتم بناء القصور على الرمال ثم هدمها بكل عنف . فالعمليةُ السياسية الكرتونية بالغة الهشاشة، لذلك تنهار _كحجارة الدومينو _ بسبب أدنى هزة ، ثم يعاد بناؤها من جديد بنفس الأخطاء السابقة . وهذا يدل على التخبط وانعدام الرؤية وسيطرة المصالح الفردية والحزبية على العملية السياسية برمتها .

والقطرةُ التي أفاضت الكأسَ في هذه المرحلة هي مذكرة اعتقال نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي . وهذا الأمر شديد الغرابة لأنه يأتي في توقيت مشبوه . لذلك فقد تساءل الكثيرون لماذا جاءت هذه المذكرة بعد انسحاب القوات الأمريكية مباشرةً ؟ . والجواب هو أن رئيس الوزراء نوري المالكي شخصية وسواسية تعيش في ذهنية الانقلابات ، وفقدان السُّلطة ، وكوابيس حزب البعث التي تطارده في اليقظة والمنام . لذلك فهو يتشبث بالكرسي بأظافره وأسنانه ويعتقد أن خصومه السياسيين سيزدادون قوةً ونفوذاً ويهجمون عليه بعد رحيل الأمريكان حُماة عرشه . لذا فقد قرَّر أن يتغدى بهم _ وفق خطته المبيَّتة سلفاً _ قبل أن يتعشوا به .

وإذا كان الهاشمي متهماً بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء أو تفجير مقر البرلمان ، فلماذا بقي حُرَّاً طليقاً طيلة هذه المدة ما دام أنه " إرهابي خطير " لهذه الدرجة ؟ . وإذا كان المالكي حريصاً على أمن العراق وسلامة " الديمقراطية العراقية الرائعة " فلماذا لم يقبض على الهاشمي " مُخطِّط العمليات الإرهابية " مبكراً لكي يحميَ الشعبَ العراقي ويحقن دماءه ؟!. والجميع يعلم أن كثيراً من العراقيين يتم القبض عليهم بتهم الإرهاب والبعثية والصَّدامية بدون قوانين ولا احترام لحقوق الإنسان . وقد يقول أحدهم إن التحقيقات الجنائية استغرقت وقتاً كي تصل إلى الهاشمي . وهذا الأمر يثير الضحك. فالأجهزةُ الأمنية العراقية قاصرة ، وتعيش في العصر الحجري، وما زالت بعيدة جداً عن الاحتراف والمهنية ، فكيف تقدر هذه الأجهزة المتهاوية على اكتشاف هذه الجريمة المزعومة بينما القوات الأمريكية بكل وحداتها المخابراتية المتقدمة لم تكتشفها ؟! . وإذا كانت الأجهزة الأمنية العراقية عبقرية لهذا الحد فحبَّذا لو تكشف لنا خيوط عمليات الاغتيال وأسرار التفجيرات والقتل المنهجي الذي طال شرائح واسعة من الشعب العراقي منذ 2003م حتى الآن.

إن اتهام طارق الهاشمي يحمل رائحة سياسية وطائفية ، خصوصاً أنه يأتي بعد إعلان بعض المحافظات السُّنية نفسها كأقاليم مستقلة مثل محافظة ديالى وغيرها . الأمر الذي فسَّره البعض على أنه محاولة للضغط على الحكومة المركزية بزعامة المالكي . وهذا الأمر أثار حفيظة المالكي الذي يَعتقد أن إعلان أقاليم سُنِّية مستقلة يتلقى الدعم من القائمة العراقية ( السُّنية ) ، فأراد أن يقلب الطاولةَ ويعيد خلط الأوراق لكي تظل زعامته الوهمية محفوظة ولا يمكن المساس بها أو تهديدها .

وهناك قضية أساسية لا يمكن إغفالها في هذا السياق ، وهي عدم نزاهة القضاء العراقي بسبب خصوعه للسلطة التنفيذية ، لذلك فهو لا يتمتع بالاستقلالية والعدالة ، كما أنه مُختَرَق سياسياً وطائفياً . وهذا دفع الهاشمي إلى الاحتماء بإقليم كردستان والاستعداد للمثول أمام المحاكم الكردية وليس محاكم بغداد المسيَّسة. وهذه حقيقة لا يمكن إخفاؤها، فالقضاء العراقي الذي أَخرج مسرحية محاكمة الرئيس السابق صدام حسين بشكل ركيك ومكشوف ، لا يمكن الوثوق به أو الاطمئنان إلى أحكامه . فمثلاً كان القيادي في ائتلاف العراقية صالح المطلك متَّهماً بالانتماء للبعث من قبل القضاء العراقي وتم منعه_ في فترة ما _ من الترشح للانتخابات وممارسة السياسة، ثم صار فيما بعد نائباً لرئيس الوزراء ! . وفي هذا مؤشر بالغ على أن القضاء العراقي ألعوبة بيد الساسة المتنفذين وصفقاتهم فوق الطاولة وتحت الطاولة .

إن ما يحدث في العراق هو إعادة إنتاج الدكتاتورية وفق موديلات تختلف باختلاف الشخوص والمسرحيات، حيث تتغير الأقنعة والوجوه لكنَّ الاستبداد واحد . والمضحك المبكي أن الرئيس العراقي جلال الطالباني لم يعلم بمذكرة توقيف نائبه إلا متأخراً ، وهذا يشير إلى حجم المأساة في العراق الذي انتهى كدولة ، وصار ريشةً في مهب الريح ، وصفقةً سياسية تُبحَث على طاولات الساسة المتصارعين على السراب .

22‏/12‏/2011

البحث عن هوية القصيدة

البحث عن هوية القصيدة
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 19/12/2011

إن الإشكالية الكبرى في الفكر الشِّعري المعاصر هي ابتعاد القصيدة عن النبض اليومي للإنسان ، والهروب من مواجهة الحاضر الصادِم عن طريق استخدام رموز فلسفية موغلة في التجريد والرمزية بلا ضوابط، فأضحت القصيدةُ شيفرةً غير منطقية بحاجة إلى إيجاد حلول منطقية. فالكثيرون هَربوا إلى أنماط قصائدية موازية للعَدَم ، وهذا يتجلى في اختيار مواضيع هُلامية وفوضوية تحت ذريعة الحداثة وما بعد الحداثة . وهذه الأنماط العابثة هي ردةُ فعل فظيعة لمتاهة الإنسان المعاصر في عالَمه ذي الأنساق المعقَّدة والقيمِ المضادة للمعنى . فانعكس غيابُ المعنى في الواقع المادي الشرس على كثير من القصائد ، والتي أضحت نسقاً لفظياً بلا معنى . وهذا أدى إلى انكماش جمهور الشِّعر ، وانحسار دَوْره التاريخي في صناعة الأحداث وتخليدها . وهكذا نجد أن العبارة الشهيرة " الشِّعر ديوان العرب " أضحت محل تساؤل وتشكيك في وقتنا المعاصر ، وهي التي ظلت طيلة قرون مُسلَّمة لا تَقبل النقاش ، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عمق المأزق الذي تعيشه القصيدة العربية الراهنة ، والتي صارت رَجعَ صدى للشِّعر الإنجليزي أو الفرنسي دون هوية مستقلة ومميَّزة . لذا فإن الشِّعر العربي عليه _ قبل البحث عن جمهور _ أن يبحث عن هويته الشخصية النابعة من حضارته الذاتية . وهذه المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الشعراء الحقيقيين الذي لم يَقعوا في فخ " عُقدة الخواجة " ، ولم يسقطوا ضحية فلسفة " المغلوب مُولَع بتقليد الغالب " .

والقصائد الهلامية التجريدية الملتصقة بالعبث هي محاولة مكشوفة للهروب من الاصطدام مع الواقع الضاغط ، وعدم التطرق للاستحقاقات الحياتية الفاعلة في معيشة الفرد . ومن هنا تنبع أهمية نقل القصيدة من موازاة العَدَم الفلسفي إلى أنوية فكرية تَرجُّ المجتمعَ رَجَّاً ، ليس بهدف قتله بل إحيائه . وبالتالي فإن تجذير الوعي الاجتماعي الشامل داخل أنسجة القصيدة هو طوق النجاة للشِّعر الذي يُمثِّل آخرَ معاقل الحلم المؤمن بالقضايا الكبرى . وكلما التصقنا بالدلالة المنطقية للفضاء الشِّعري ، سيطرنا على اشتعالات الذات القصائدية المساهمة في صياغة كائن حي جديد ، وجدير بأن يُنسَب إلى الحياة .

لذلك ينبغي صعق الفرد والجماعة بكهرباء الشِّعر من أجل إخراج المجتمع البشري من غرفة العناية المركزة إلى شمس الحياة وليس تراب المقابر . ولا يخفى أن الأداء اللغوي يستمد طاقته الإبداعية من المجتمع الحي لا الميت. وإن إحياء الأموات الذين يتحركون في المجتمع بلا بوصلة، من شأنه أن ينعكس على طبيعة القصيدة التي ستعود إلى الحياة من أجل استكمال دورها المحوري . فالقطارُ الشعري لا يتحرك إلا بالوقود المستمد من ثورة الناس _ المجازية والواقعية _ . وبالطبع ، فإن الأحياء _ وَحْدَهم _ هم القادرون على الثورة والتغيير . وهكذا سيعود للشِّعر بريقه داخل الأنساق الاجتماعية والنظمِ الحضارية .

12‏/12‏/2011

النظام السوري يريد تدويل أزمته

النظام السوري يريد تدويل أزمته
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي اللندنية12/12/2011

إن التصعيد الخطير الذي تمارسه قوى الأمن السورية الموالية للنظام دون رادع أخلاقي أو أفق سياسي يشير إلى وجود خطة مسبقة لدى أركان القيادة السورية تتمحور حول جَر المنطقة إلى فوضى شاملة وتحدي العالَم ودفعه إلى التدخل في الأزمة السورية . فالنظام السوري يعتقد أن التدويل يصب في مصلحته ، ويَكسر عزلته ، ويعيد خلط الأوراق ، ويَسحب البساط من تحت أقدام المعارضة ، ويُصوِّرها كحفنة من المرتزقة المأجورين الذين يتآمرون على بلدهم لصالح الغرب ويستقوون بالخارج ، ويريدون دخول دمشق على ظهور الدبابات الأجنبية تماماً كما فعلت المعارضة العراقية عام 2003م .

ومن مصلحة النظام السوري _ الذي يُقدِّم نفسَه على أنه حامي الشرف العربي وقلب العروبة النابض _ ، أن يتلقى ضربة عسكرية غربية، لأنه_ حينئذ_ سَيُصوِّر الأمر على أنه حملة استعمارية جديدة تستهدف مواقف سوريا القومية، وأن هؤلاء المتظاهرين السلميين هم طابور خامس وعملاء للاستعمار . وهذا سيجلب متعاطفين معه ويفتح المنطقة على المجهول ويخلط الحابل بالنابل . مع أن النظام الأسدي _ أباً وابناً _ أفضل مَن حافظ على هدوء جبهة الجولان ، مما وَفَّر الراحة للكيان الصهيوني طيلة عقود .

وهذه اللعبة التي يتبناها النظام السوري سبق وأن مارسها نظام معمر القذافي الذي كان يُسلِّم الإسلاميين لأمريكا وبريطانيا للتحقيق معهم وتعذيبهم ، ودفع المليارات لضحايا طائرة لوكربي ، وفتح حقول النفط أمام كبريات الشركات الغربية ، وبعد كل هذا صار ينعت الغربيين بالصليبيين وقادة الاستعمار . وفي هذا إشارة واضحة إلى أن بشار الأسد سائر على خطى القذافي ، وأن الطغاة لا يتعظون بغيرهم ، فهم لا يَرَوْن أبعد من ذواتهم التي نفختها وسائل النفاق الإعلامية .

والمضحك المبكي أن النظام السوري الذي يصف_ صراحةً أو ضمنياً _ الجامعة العربية بأنها أداة في يد أمريكا، وأن الدول العربية محميات أمريكية ، ينسى أنه حَوَّل سوريا إلى محمية روسية _ صينية ، تمد يدها لنيل المساعدات من هنا وهناك . فها هي روسيا قد تحولت إلى المتحدث الرسمي باسم سوريا في المحافل الدولية تمنحه الأسلحة والدعم المعنوي ، وصارت إيران تنفق على النظام السوري . فأين السيادة السورية والشرف العربي وقلعة الصمود والمقاومة وباقي المصطلحات التي أعطاني النظامُ السوري محاضراتٍ فيها طيلة عقود ؟! . وإذا كان الماءُ والكهرباء يأتي إلى سوريا من تركيا ، والأسلحة تأتي من روسيا والصين ، والأموال تأتي من إيران ، والمقاتلون يأتون من جيش المهدي وحزب الله ، فأين نظريات الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس التي عَلَّمَتْنا إياها سوريا طوال هذا العمر ؟! .

إن شرعية أي نظام مستمدة من قدرته على حماية المواطنين وضمان حياة كريمة لهم ومستقبل مزدهر ، فإن عجز عن ذلك فهو فاقد للشرعية ، وعليه أن يَرحل لإفساح المجال للأفضل . فلا مكان تحت الشمس لسياسة " أنا الدولة والدولة أنا " ، أو " أنا وليكن الطوفان من بعدي " . فالذين يجيئون بالدم ، بالدم سيذهبون . ولا تقدر دولةٌ_ بمفردها_ على تحدي العالَم. فألمانيا النازية التي كانت تملك اقتصاداً جباراً وجيشاً أسطورياً وبنيةً صناعية خارقة ، لم تصمد أمام باقي القوى الدولية ، فما بالك بسوريا التي تعيش على المساعدات الخارجية ولا تقدر على صناعة مسدس ؟! .

فينبغي على النظام السوري أن يستوعب مساراتِ الربيع العربي، فالشعبُ هو المنتصر _ عاجلاً أو آجلاً_، أم محاولات كسب الوقت واللف والدوران فلا تجدي نفعاً في عالَم مفتوح ومكشوف . والمشكلة الحقيقية أن النظام السوري المغلق ما زال يعيش في عقلية مجزرة حماة 1982م، فهو يظن أن بإمكانه قطع وسائل الاتصالات وضرب طوق من العزلة والتعتيم الإعلامي ، ثم القيام بما يحلو له دون حساب أو نكير . وهذا الزمنُ قد ذهب إلى غير رجعة . والعاقلُ من اتعظ بغيره ، والجاهل من اتعظ بنفسه .

الدورة الدموية لأبجدية الشعر

الدورة الدموية لأبجدية الشعر
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 12/12/2011

لا تنبع أهمية النص الشعري من كَوْنه منطقاً ثقافياً واجتماعياً للحياة فحسب، فهو _ أيضاً _ مركزية الأسئلة الوجودية للطبيعة البشرية . كما أن قيمة النَّص تتجلى في كَوْنه بوتقةً لصهر الهويات الثقافية المستحيلة والأقطاب الاجتماعية المتنافرة. أي أن القصيدة تُحوِّل السلبي إلى إيجابي، وتجعل الحلم أكثر قرباً ، وتجعل المستقبل أقل جموحاً، وتصهر الأضدادَ المجتمعية لتعيد تشكيلها وفق صورة متآلفة لا تناقض فيها ولا تنافر . وعلى الرغم من ثورية النص الشعري إلا أنه يسير وفق منهجية توفيقية لا تلفيقية ، حيث إنه يُصفِّي المجتمعَ من بؤر التوتر ، ويؤسس النقاطَ المشتركة التي يلتقي عندها الجميعُ دون مُساوَمات أو ابتزاز .

والنصُّ الشعري وسيلةٌ لا غاية . فالأطوار القصائدية المتوالدة في النص هي مرحلة انتقالية تتم فيها بلورة قيمة المدلولات اللغوية على شكل أبجديات بُغية صناعة لغة جديدة قادرة على استلهام كُلِّيات وجزئيات المجتمع . وهذا الأمر يُعزِّز الترابط المصيري بين سياسة الثقافة وسياسة المجتمع . والجدير بالذِّكر أن العقلية الشعرية مثل الشجرة ، تمتص العناصرَ السامة وتُعطي أكسجين الحياة ، ومهما ضُربت بالحجارة فإنها تُقدِّم الثمرَ . وهذه هي فلسفة العمل الثقافي _ عموماً _ في تعاطيه مع العلاقات الاجتماعية بكل طبقاتها وإفرازاتها .

كما أن التعابير المركزية في الولادة الشِّعرية تتمحور حول بوصلة الانقلاب ، انقلابِ القصيدة على ذاتها ، وذلك بتكوين متوالية الهدم والبناء في أبجدية الشِّعر بشكل متواصل ، حيث تهدم القصيدةُ نفسَها وتُعيد البناء من جديد بحثاً عن الشكل الحاسم والجوهرِ النهائي . وأيضاً انقلاب القصيدة على الأنماط السلبية في المجتمع والتي تتجذر بفعل الموروث الاعتيادي وليس بفعل المنطق والبرهان . وبالتالي يمكن اعتبار القصيدة مُختبَراً حيوياً ، ومنظومةً دائمة القلق والبحث ، وصولاً إلى ذروة الحدث المحسوسة وغير المحسوسة. وهذه نقطة القوة التي تضمن للقصيدة أن تتأقلم مع الظروف القاسية والمتغيرة .

وبعبارة أخرى إن القصيدة تُغيِّر جِلدها باستمرار ، بمعنى تجديد الآليات وتفعيل الابتكار وتأسيس الانبعاث، وليس بمعنى التخلي عن المبادئ أو الخداع. فالدورةُ الدموية لأبجدية الشِّعر دائمة التجدد والجريان ، لأن السكون هو الموت . وما دامت القصيدةُ قادرة على التحرك فهي تمتلك القوة والمبادَرة ، أما إن توقفت عن الحركة فسوف تنتهي إلى غير رجعة .

04‏/12‏/2011

أهمية القصيدة كجسر اجتماعي

أهمية القصيدة كجسر اجتماعي
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 28/11/2011
لا يمكن للنص الشعري أن يَصهر المراحلَ ويتجاوز الموانعَ الاجتماعية إلا إذا بُنِيَ على قاعدة ثقافية متينة . وهذه القاعدةُ تتكون من عنصرين رئيسيَّيْن : التقاط الملاحظة واصطياد اللحظة . وهذان العنصران يعملان على تجسيم البؤر الذهنية وتجسيدها واقعاً ملموساً. فالنصُّ الشعري رادار يرى ما لا يراه الناسُ ، ويلتقط عناصر البيئة ويعيد إنتاجها. كما أنه يصطاد اللحظةَ الآنية وينقلها عبر الحقب التاريخية المختلفة متجاوزاً الجغرافيا. وهذا يشير إلى أن النَّص الشعري لا يترك الزمان والمكان يَمُرَّان دون امتصاصهما حتى الرمق الأخير، وإعادة صناعتهما على شكل قصيدة لا تعتمد على التجريد الخيالي المفرِط في الذاتية، وإنما تعتمد على ذاكرة موروث الحلم القابل للتحقق. فالقصيدةُ زمنٌ متميز لا يخضع لعقارب الساعة ، فالشِّعرُ له نظام توقيت خاص به أشبه بالنهر الذي يشق مجراه وفق رؤيته الخصوصية . وبالتالي فإن الشِّعر يغدو توهجاً للحلم المجتمعي في قلب الكابوس القامع ، ويغدو _ كذلك _ مرحلةً انتقالية حاسمة ، تنقل المجتمعَ من استهلاكية الجسد المحاصَر بالأوهام إلى صناعة المعنى الكَوْني الهادر ، وهكذا يتحرر الحلم والحالم من تبعية الأساطير التي ترتدي قناعَ الحضارة . وهنا تبرز ضرورة التصاق الحلم البشري بالبنية المعرفية من أجل تجميع شظايا الإنسان وترميم كيانه الممزَّق ، وإعادة التلاحم الحقيقي لا الشعاراتي إلى أوصال المجتمع المتنافر . مِمَّا يُكرِّس الطبيعةَ الاجتماعية للقصيدة كنظام ثوري يحضن اللبابَ والقشورَ معاً ، ويضع كلَّ جزء في مساره ، ويعيد الأنوية الإنسانية إلى مداراتها. وهذا يساهم _ بشكل كبير _ في إنهاء حالة الشَّلَل الكامن في أوصال المجتمع الذي صار يُقاتِل نفسَه ، ويلهثُ وراء القطار العالمي دون أن يصل إليه . وعلى القصيدة أن تكون الجسرَ الرابط بين السُّلطة الشعبية والسلطة السياسية من أجل إحداث تغيير حقيقي في المجتمع لا صوري . والعقبةُ الصادمة في هذا السياق أن كثيراً من الأفكار الاجتماعية تُنقَل في متواليات عابثة تُعمِّق حالةَ التشقق في روح الأشياء التي تنعكس شروخاً في ذاكرة الفرد التائه بين الأضداد ، والذي فقد القدرة على التخيُّل والإبداع ، وعجز عن تحديد نقطتي البداية والنهاية في طريقه . وبالطبع ، لن يذهب بعيداً مَن لا يَعرف إلى أين هو ذاهب . وهنا تظهر أهمية القصيدة في جسر الهوة بين الفرد وذاته ، والفردِ ومجتمعه . وهذا التجسير ضروري للغاية لأنه يُنهي حالة الغربة التي يحياها الفرد في مجتمعه ، وينهي _ كذلك _ حالةَ العزلة التي يعيشها المجتمع في محيطه العالمي المفتوح على كل الاحتمالات والأزمات .

25‏/11‏/2011

هندسة الخيال وإعادة بناء المجتمع

هندسة الخيال وإعادة بناء المجتمع للكاتب/ إبراهيم أبو عواد جريدة العرب اللندنية 23/11/2011

يمكن تعريف " هندسة الخيال " بأنها عملية ترتيب القيم الشِّعرية في الذهن من أجل إسقاطها على أرض الواقع لتغييره وحقنه بالأمل . وإن هذه النزعة المنطقية لا بد أن تواكبها صياغة جديدة لألفاظ القصيدة ومعانيها، تمهيداً لصياغة المجتمع البشري من منظور ممتلئ بالعنفوان ، وإعادة بناء الإنسان وترميمِ كيانه المتشظي بين القمع السياسي والكبت الاجتماعي .

ووفق هذا الرؤية، فإن القصيدة ستمتلك القدرة على تفعيل الموروث الخيالي إلى درجة التماهي مع الحياة المعاشة . وهكذا يُعاد اكتشاف الدلالات اللغوية لنظم المجتمع البشري، فيصبح المجتمعُ قصيدةً تكتبها الجماهير ، وتصبح القصيدةُ مجتمعاً متجانساً ومتقدماً .

وكل هذه الإرهاصات تدفع باتجاه توليد نَص شِعري ينتزع شرعيةَ وجوده بوصفه حركة تحررية تنويرية في أرجاء المجتمع الإنساني . وقوةُ القصيدة تنبعُ من قدرتها على ملامسة الجرح المجتمعي برفق ، ووضع اليد عليه لعلاجه . إذن ، نحن أمام حركة قصائدية تصحيحية للمسار الإنساني داخل البُنية الاجتماعية ، وهذه الحركة لها دلالتها الواعية النابعة من الشرعية الثورية للنص الشعري الذي ينتشل الفردَ الضحيةَ من المأزق ، ولا يتاجر بعذاباته . ولا يكتفي النصُّ الشعري بعملية الإنقاذ ، بل أيضاً يُخرج الفردَ من زاوية " الضحايا " ليجعله كائناً متوازناً لا يَظلم ولا يُظلَم . وهكذا تتجذر ماهيةُ التوازن العاطفي والمادي في الذات الفردية والذات الجماعية. ومن أهم نقاط قوة القصيدة _ في هذا السياق _ أنها تنتزع المجتمعَ من الجدلية الثنائية ( الجلاد/ الضحية).فالمجتمعُ البشري الذي تؤسسه الشرعيةُ القصائدية هو مجتمع السادة لا العبيد، فلا يمكن للمجتمع أن يتقدم وهو مُكبَّل بأغلال الكراهية والشطط الطبقي والتمييز العنصري .

وكل التغييرات الجذرية في البنية الاجتماعية هي نتاجٌ طبيعي لحركة التاريخ الشِّعري الذي هو نتيجة حتمية للمبدأ الأساسي " هندسة الخيال " الذي يُشكِّل النواةَ الأولى لعوالم بناء المجتمع ، سواءٌ كان شِعرياً أم بشرياً . فالفردُ لم يُؤْتَ القدرة على التخيُّل لكي يَهرب من نَفْسه ويفرَّ من مواجهة واقعه القاسي . فالخيالُ هو المختبَر الحقيقي لصناعة النماذج الافتراضية قبل تطبيقها على أرض الواقع . وهذا يؤدي إلى توحيد النسيج الذهني والمنظومةِ الحياتية المحسوسة . الأمر الذي يدفع باتجاه تشييد القلعة الاجتماعية، تحتياً وفوقياً ، فردياً وجماعياً .

18‏/11‏/2011

تصريحات ملك الأردن بخصوص سوريا هل هي أردنية ؟

تصريحات ملك الأردن بخصوص سوريا هل هي أردنية ؟
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي اللندنية 18/11/2011

لا يمكن اعتبار مطالبة الملك عبد الله الثاني بتنحي الرئيس السوري زلةَ لسان أو موقف عفوي عابر . بل هو سياسة رسمية مبنية على معطيات مفادها أن الرئيس السوري صار ورقةً محروقة ، وأنه أضحى جزءاً من المشكلة وليس الحل . وهذه التصريحات التي تأتي من رأس النظام الأردني تُعبِّر _ ضمنياً _ عن موقف دول الجوار ، كما تُعبِّر عن موقف دول الخليج غير المعلَن خوفاً من انتقام محتمل للنظام السوري ضد هذه الدول ، تقوم به إيران نيابةً عن حُكام دمشق ، وذلك بإثارة النعرات الطائفية ، وتحريك الشيعة في منطقة الخليج ، وإيقاظ الخلايا النائمة التي قد تُسبِّب مشكلات أمنية واجتماعية لدول الخليج التي تفتقد للقدرات الأمنية الفائقة . والدول العربية صارت تدرك أن وجود نظام دموي في دمشق يُشكِّل عبئاً عليها ، وقد يُغرق المنطقة بأسرها . وهذا يُفسِّر القرارَ القوي لجامعة الدول العربية بتجميد عضوية سوريا في هيئات الجامعة العربية ، والذي يعتبره الكثيرون تمهيداً لتدويل الأزمة السورية ، وفتح المجال لتدخل غربي بمختلف الأشكال .

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة : لماذا صَمَتَ الأردن الرسمي على مدار أشهر عديدة ولم يُعلِّق على أحداث الثورة السورية ثم انفتحت شهيته _ فجأةً _ للإدلاء بدَلْوه في الموضوع تلميحاً وتصريحاً ؟! . والجواب هو أن الدول تعتمد على مراقبة الأزمات ، وتترك كرةَ النار تتدحرج أمامها دون استبقاء الأحداث ، وفي ضوء المواقف الدولية تأتي الردود العربية . فالعربُ لا يَقدرون على اتخاذ فعل حقيقي بسبب ضعف تأثيرهم الإقليمي والعالمي ، لذلك ينتظرون الأفعال الأمريكية والأوروبية ، ثم تأتي المواقف العربية كرد فعل تابع لمواقف القوى الكبرى . ولأن الغرب قد رفع الغطاء والشرعية عن الرئيس السوري ، فقد صارت المواقف العربية أكثر تحرراً وانطلاقاً . فقامت دول الخليج بسحب سفرائها من دمشق ، ثم رفعت جامعة الدول العربية الغطاءَ عن النظام السوري ، وقامت بحشره في الزاوية ، وتجريده من الاحتضان العربي ، وتعريته من عُمقه العربي . وبعدها جاءت تصريحات العاهل الأردني غير المسبوقة بضرورة تنحي بشار الأسد ، وقبل ذلك تمهيد انتقال السُّلطة بشكل سلمي وسلس .

ومن الجدير بالذِّكر أن التصريحات الملكية قد جاءت بعد قيام أحد المسؤولين الأمريكيين بزيارة المنطقة للتأكد من أن الأردن ولبنان يُطبِّقان خطة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على سوريا . وهذا يُعطينا مؤشراً مهماً على أن الأردن _ بما يملكه من حدود طويلة مع سوريا وعلاقات اقتصادية ومشاريع مشتركة _ قد صار رأسَ الحربة العربية في مشروع إسقاط النظام السوري . ومن الدلائل على ذلك أيضاً احتضان المعارِضين السوريين في الأردن ومنحهم حرية الحركة والتحدث مع وسائل الإعلام المختلفة ومهاجمة نظام بشار الأسد بشكل علني . كما أن المظاهرات المناوئة لنظام بشار تجري أمام السفارة السورية في عَمان على مرآى ومسمع من القوى الأمنية دون نكير ، بل إن الرئيس السوري يُشتَم في هذه المظاهرات التي تعرضها كافة وسائل الإعلام . كما كثر الحديث عن إقامة مناطق عازلة بين سوريا ودول الجوار لتسهيل انشقاقات الجيش السوري وتوفير الحماية لهم لكي يصبحوا شوكةً في خاصرة النظام السوري . ولا تخفى أهمية الحدود الأردنية مع سوريا في مثل هذه الخطة .

وبالتالي فإن الأيام القادمة حُبلى بالمفاجآت غير السارة لنظام بشار ، إذ إن مستقبله السياسي صار وراء ظهره ، ولا يمكن لعقارب الساعة أن تعود إلى الوراء . لذلك فإن السؤال لم يعد حول إمكانية سقوط الرئيس السوري ، فقد صار السؤال : ماذا بعد بشار ؟ .

15‏/11‏/2011

أهمية الرمز الشعري في صناعة الواقع

أهمية الرمز الشعري في صناعة الواقع
للكاتب / إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 14/11/2011

مهما حاولنا صياغة نزعة قصائدية ثورية فإن محاولاتنا ستبوء بالفشل إن لم نُوَظِّف الرموز الشعرية الإنسانية في طبقات القصيدة . وذلك لأن قيمة الرمز هي جيناتُ الفعل الشعري ، والطاقةُ الحاملة للمشروع الاجتماعي الحيوي . كما أن الرمز _ باعتباره وحدةً معرفية متكاملة _ هو الأقدر على حمل الموروث الذهني المتدفق للشِّعر وإحالته إلى حياة واقعية. ووفق هذه الصيغة فإن الرمز الشِّعري يحافظ على معنى الوجود الاجتماعي ، ويُنظِّم الأفكار الثورية التي تبدو للوهلة الأولى متنافرة .

وإذا زادت قدرةُ الرمز على الحركة في محيطات القصيدة وإحداث حِراك لغوي حقيقي في أبجدية المجتمع المنظورة وغير المنظورة ، فإن النص الشعري سيغدو سُلطةً منطقية تكسر الأنظمة المجتمعية المغلقة ، وتؤسس مشروعَ الانفتاح على كل العناصر ، حيث ينتقل الفكرُ الإنساني من الخلاص الفردي إلى الخلاص الجماعي . فالقصيدةُ _ قبل أن تكون منظومةً لغوية واجتماعية _ هي عملية استثمار في روح التاريخ وشرعيةِ وجوده ، إذ إن القصيدة _ ذاكرةً وفلسفةً وأبجديةً _ هي مشروع جماعي يشارك في صياغته الجماهير على اختلاف مستوياتها الفكرية .

وهذه المنظومة الجماعية من شأنها إحداث انقلاب جذري في طريقة تفكير الفرد المقموع ، وعندئذ سوف يتضح طريق الحرية ، فينتقل الفردُ من قيود تحصيل لُقمة العيش إلى عوالم الإبداع بشتى أشكاله ، والتحررِ من الصور الاجتماعية السلبية التي تحشر الإنسانَ في زاوية السِّلعة والدوران في حلقة مفرغة . وعلى القصيدة أن تتخذ موقفاً حاسماً ونهائياً من أجل صياغة الحلم الإنساني ، وتأخذ المبادرة لإعادة بناء الكيان الإنساني وفق أُسس متحررة من القيود السياسية والاقتصادية .

والجديرُ بالذِّكر أن حلم تغيير الواقع لا يمكن إنجازه إلا عبر صناعة خيال افتراضي وابتكار رموز معرفية ذهنية تحتضن الحياةَ المنشودة ، ومن ثم يتم إنزال هذه الحياة الجديدة في العالَم المحسوس. فكل ثورة إنما تبدأ في الذهن وتتبلور على شكل نموذج خيالي قبل أن تتكرس على أرض الواقع . تماماً كما تُصنَع السفينة على اليابسة ثم يتم إنزالها إلى البحر .

وهكذا ، نرى أهمية الرموز الذهنية في الفعل الشعري كمرحلة مفصلية ذات تماس مباشر مع الواقع المعاش. فليس الرمز الشِّعري رياضةً ذهنية مُجرَّدة ، أو طَوْراً متماهياً مع العدمية والهلوسة. إنه النواة الشرعية الأساسية للفعل الشعري الطامح إلى خلق أبجديات أدبية متميزة ، وتكوين مجتمعات بشرية جديدة تختار مسارها نحو آفاق لم يتم اكتشافها من قبل .

12‏/11‏/2011

نحو توليد معجم شعري خاص

نحو توليد معجم شعري خاص
للكاتب / إبراهيم أبو عواد

لا يخفى أن النواة المركزية في النص الشعري تنبعث من قدرة الأبجدية على خلق أساسات واعية للصور الفنية الكاسرة للتنميط . والدلالةُ الشِّعرية لا يمكنها الحصول على الشرعية اللغوية والاجتماعية إلا إذا نجحت في إنشاء معجم خاص بها يعتمد على ابتكار عوالم فكرية متميزة ، وتكوين صور ذهنية مُدهشة، ورؤية الحياة الكامنة وراء الجدران العالية التي تفصل اللفظ عن المعنى ، وتحجب رؤيةَ الحيوات الموازية للحياة الإنسانية. وإن هدف هذا المعجم القصائدي هو توليد الدهشة والانبهار المتواصل، وتطويع ميكانيكا الكلمات المجرَّدة ، وتحويل هذه الميكانيكا إلى تعابير حياتية متراكمة تُشكِّل رصيداً معرفياً مذهلاً على صعيد اللغة الشِّعرية واللغة المجتمعية.

وإذا نجح المعجم القصائدي في إطلاق شرارة الحياة وإتاحة الفرصة للحلم الاجتماعي أن يتكاثر في جسد القصيدة، فإن تحولاتٍ حاسمة ستظهر في علاقة النص الشعري بالمجتمع ، من أبرزها الحفاظ على النَّص كشُعلة للتحرر ، ومنع تحوله إلى دولة بوليسية اعتماداً على سُلطة المنظومة الثقافية ، كما أن المجتمع الإنساني سيغدو منظومةَ ولادات مستمرة ، مما يبعث الحيوية في النسق المجتمعي ، سياسةً وثقافةً . وهكذا تصير القصيدة مجتمعاً سياسياً ينطلق من المواجهة لا المساومة. وبالتالي نكتشف تجارب وجدانية شديدة التَّماس مع حياة الفرد العادي، حيث تتقاطع هذه التجارب مع أحلام البشر المقموعة ومستقبلهم المصادَر وحاضرهم المستلَب . وهذا التماس الصاعق من شأنه توليد قيم إنسانية عليا ذات قدرة على التحرك في المحيط المادي .

وكلما ازدادت القدرة الشعرية على اكتشاف حيوات جديدة في أوصال المجتمع المحاصَر بالتحديات المصيرية ، انتشرت الدلالة اللغوية الوظيفية للقصيدة في ماهية السلوك المجتمعي ، فردياً وجماعياً . وإن كل الدلالات المعرفية التي ترمي إلى خلق مجتمع جديد حُر ومناوئ للمجتمعات التقليدية المدجَّنة والمحكوم عليه بالإقصاء والتهميش من قبل الأنظمة البوليسية ، هي أنوية لقصائد تنبعث من التحدي ، وتصعد من بين أنقاض الإنسان في الأوطان التي يُعامَل فيها البشر كقطيع أغنام لا يملك حق الاعتراض على قاتله .

03‏/11‏/2011

ملحمة غزة ( صياغة جديدة )

ملحمة غزة ( صياغة جديدة )
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

صَاعِداً إِلى غُيومِ الدَّمِ الحارقِ لأخمشَ ذبابَ المهرِّجين . أُمِّي أَعْطَتْنِي بُنْدقيةً ، وقالتْ لِي : (( اغْرُبْ عَن وجهي ولا تَعُدْ )) . أنا _ يا أمي _ لن أعودَ إلا حينما فلسطين تعود . لن أعودَ إلى دماء النيازك إلا إذا غرستُ أعلامي على تابوت مملكة بنات آوى . دخلتْ أَناشيدُ نِصَالِ المقاصل في ذكرياتِ البارود . لا بُدَّ _ يا أمطارَ القلوب _ أَنْ نَعُودَ .

سَأَغْسِلُ دِمَاءَ الأسماكِ بِعَرَقِ الشُّموسِ الرَّاكِضَةِ إِلى صَدْرِي . الآنَ تبدأ مَلاحِمُ الذَّاكِرَةِ بَيْنَ سَيْفِ الشَّمْسِ وأُنشودةِ الرَّعْدِ . يبدأ صعودُ الفراشات من أنقاض الشرايين . وَلْتُولَدِ الأرضُ نَقِيَّةً من ضوءِ عِظَامِنا مُسَدَّسَاتِ مَعِدَةِ الرِّيح . رَضِعْنا حَليبَ البنادق وتَعَلَّمْنا لغةَ النارِ من رُومانسيةِ النار . واعتنقنا ذاكرةَ الرصاصِ الحيِّ شجراً حارقاً .

على أَرضنا باقون كزيتون المجرات فاذهبوا إلى حِبر الكتب الميتة يا جِرْذانَ الحضارة . وَعُودُوا مِنْ حَيْثُ جِئْتُمْ يَا سماسرةَ الحروبِ الدِّيمقراطيةِ . فَلَيْسَ فِي دَمِنَا إِلا نزيفُ البحورِ المتفجر . فَلا تُتْعِبُوا أَنْفُسَكم في حساباتِ الهزيمة ومتاهةِ جنرالات السِّيرك .

أيها الوهمُ المعلَّب في جنونِ الحديد . ارْحَلْ مِنْ أرضِنا مِنْ قناديلِ الرعد مِنْ كَسْتناءِ المجزرة مِنْ زَيْتِ الزَّيتون من زَعْتَرِ المذابحِ ارْحَلْ. أُحِبُّكِ يا حيفا لكي أَعشقَ غروزني . أعانقُ وجوهَ أجدادي على عنب الخليل لكي تَقْبَلَنِي سراييفو شَامَةً على خَدِّها . رضعتُ من النار طَعْمَ النار فصرتُ مُسدَّساً في يد الشفقِ .

انتظري قليلاً يا شركسيةً تمشي في يافا . سأُحرِّرُ فلسطينَ بسرعةٍ ثم نتزوجُ في عُرسٍ أُقيمه في مدائن الشفق . سأغسلُ دِماءَ الشموس بماء الورد بدمع السيوفِ لأزيل أوساخَ الجِرْذان على الكراسي الجِلْدية . سأجعلُ من جماجم الزنازين مصابيحَ منيرةً في عُرْسي .

تمشي البنادقُ في كُرَيَاتِ دَمِي . مَهْرُ حَيْفا بندقيةٌ مغسولةٌ بدماء الأنهار بجثث الرمال بأكفان النسيان. فئرانُ محاكم التفتيش، ومخترعو صكوك الغفران ، وحضارةُ يهوذا الإسخريوطي . أثداء الجواري التي تسيل نفطاً للتوابيت الكهربائية . كم يحتاج العالَمُ الحرُّ من شهدائنا نُمُورِ الشَّفق لكي تبتعدَ الكلابُ عن أكلِ أطفالنا وطائراتِهم الورقية ؟! .

وَمَرَّت في لُعابِ الثِّيرانِ خِيَاناتُ الثعالب. والليلُ يبني من نعوش أبنائي أبراجاً للدمع القرمزي. تركض الكلابُ البوليسية وراء خُلْخَالِ يمامة تغتسل بعصير الاحتضار .

يا ذئبةً تكشف حزنَها ليفرح الغبارُ على طاولات المطعم المهجور . نُفْطِرُ في ممالك الشفق ، ونتغدى على أكفان الشاطئ ، ونَتَعَشَّى على ضَوْءِ شموع الانتصار . أطلقتُ على الرَّصاص فؤادي فعادت بلادي. سَأُبَرِّدُ حرارةَ رمال المحيط في مَعِدَتِي . وَكُلُّ دُمُوعِ الأطفالِ رَصاصٌ وليمون . ودجاجاتُ أمهاتنا تقضم صواريخَ الغزاة .

أَظافِرُنا كاتيوشا الانقلابِ ، وقِلاعُنا نارُ الاجتياح ، وحرارةُ المطرِ لمعانُ عيوننا. لم تجلس الموانئُ مع أمراء الحرب وتجارِ الجثث . فلتسكن البروقُ في القلب الذي أَحَبَّها . نقلي جماجمَ الرمال في دماء العناكب ، وننشر أشلاءَ الرياح على حبل الغسيل .

كُلُّ تَارِيخِ الأراملِ يُقَاتِلُ . وَكُلُّ دَهْشَةِ الأيتام تُقَاتِلُ . وَكُلُّ خِيَامِ اللاجئين تُقَاتِلُ . وَكُلُّ مُدُنِ اللهيبِ تُقَاتِلُ . وَكُلُّ أَظَافِرِ الغاباتِ تُقَاتِلُ . فلن أخسر سوى خَيْمتي . أنا النجارُ المتخصِّصُ في صناعةِ نعوشِ الرمال الخائنة . وجيوشُ رئتي تحرس حدودَ أحزاني . فشكراً لكرياتِ دمي التي باعت ذكرياتي في المزاد العلني .

فنامي يا حنجرةَ اللازورد مع عشيقكِ بهدوء لكي تفوزي في انتخابات المجزرة . لم يعد الحطبُ النحاسي يميِّز بين نبيذ الأميراتِ ودماءِ الشهداء . أُحرِّر البحيراتِ السبايا من زجاجاتِ الدَّم والأرقِ وتعاليمِ أفاعي الصحراء . احرقي يا رعودُ أجسادَ الصمت لكي تنسى مراهقاتُ نيويورك المحترِقاتُ بقصصِ الحبِ الفاشلة عيدَ الحب ، ولا حُبٌّ في إسفلت النار سِوى حطب الموقدة .

نَسطع كالطوفان . نتداخلُ مَعَ ضميرِ العشب المبتلِّ بالحديد . احْرِقْ وَرَقَ الخريف بأكسجين رئة المرفأ الفيروزي . مليون صليبٍ يقتلني وما زلتُ أمشي . حاضناً دماء الزيتون المشنوق . الآنَ _ أي بعد الطوفان الماحي _ أُعلن كبدي منتجعاً سياحياً للبارود . ونمحو جثثَ السنونو من خارطة المطر . فلا تَخَفْ مِنْ منظر المصلوبين . قضيتُ حياتي مُعَلَّقاً على الصَّليب فنزلتُ حَامِلاً عَلَمَ بلادي . وصلبتُ الصليبَ وشنقتُ المِشنقة . وما زِلْتُ أُقَاتِلُ وَأُقَاتِلُ . وَحْدي أعيش مَلِكاً وأفرضُ شُرُوطِي على الملكاتِ السبايا ممالكِ الإماء . وأنا العالي في حياتي ومماتي . (( عُلُوٌّ في الحياة وفي الممات لحقٌّ أنتَ إحدى المعجزات )) .

وأَعَدْتُ صَلْبَ يهوذا الإسخريوطي لكي يَحْدُثَ الطَّلاقُ النِّهَائِيُّ بين الوهم القديم والوهم الجديد . فتتزوَّجُ بندقيتي جُثَثَ حُرَّاسِ الصدى . فلتَكُنْ أَرصفةُ الموانئ نُعُوشَاً رُومانسيةً سَابِحَةً فِي دماء الغزاة الرُّومانسية . ينْتَشِرُونَ كَالسُّلِّ في رئة الشَّمس النقية كَسُعَالِ العاطلين عن العمل كَرَجْفَةِ النِّساء اللواتي يَرْقُبْنَ عُيُونَ المغتصِبين ولم تتقدم الثعالبُ العاطلة عن العمل دفاعاً عَنْهُنَّ .

الدِّيَكةُ المذبوحة في عيد التَّطهير العِرْقي . كُلُّ جُثَثِ الشطآن مجالُ نفوذي . سَأَخْمِشُ الظلامَ بالبارودِ العاشقِ بالرَّصاص الحيِّ بأسنانِ الميناء البعيد . (( جئتُ لأُلْقِيَ على الأرض _ أَرْضِ الكوكايين السِّياسي _ ناراً فَكَمْ أُريد أن تكونَ قد اشْتَعَلَتْ ؟ )) .

هذا حِذَائِي الجديدُ هُوَ خارطة الألم الجديد . وهذا الكفاحُ المسلَّحُ هو ضوءُ البحر الجديد . إن في قفصي الصدري حديقةَ حيواناتٍ غَيْرِ أَليفةٍ . يا مَمَالِكَ إِبْليسَ الدِّيمقراطيةَ ، نَمْحُو سُعَالَكِ السَّام من الخارطة . سندفنكِ في رمال صحارينا . فخذوا مجدَكم أيها القتلة قبل الذهاب إلى ذاكرة ثمود .

مستنقعُ الضفادع المتحضِّرة . مُضَادَّاتُ اكتئابي هي انتحارُ الطغاة . يُدَافِعُون عن الكلابِ ويقتلون الشُّعوبَ . أُخَزِّنُ القنابلَ في دموع قِطَطِ الشَّوارع التي انتهت مدةُ صلاحية أنوثتها منذ مدة طويلة . فَلا فَرْقَ بَيْنَ فأرةٍ وضفدعةٍ إذا كان النسيانُ مهووساً بالجِنْس . تصير حُفَرُ المجارِي تاريخاً شَرِيفاً للمومسات الشريفات . فلا ترمِ يا قمرَ الآلام جمجمتي تحت نعال الرياح . كنْ أيها الحطبُ أكثر شَرَفَاً من الماريجوانا والقَرَاصنةِ المتقاعدين .

مَتَى يَا نَسْرَ المجاعاتِ والمخيَّماتِ سَتُلْغِي أحزان الشاطئ البعيد ؟ . ذكرياتُ الإسفلت حَشَرَاتٌ على مكاتب أُمراء الحرب . سَنَصُبُّ عليها المبيداتِ الحشريةَ مِثْلَ عصيرِ البرتقال. فليكن اسمَ الصحراء مَنْجَمَ فَحْمٍ أَسْوَدَ واحْرِق الرَّايةَ البيضاءَ. لا أريد اللونَ الأبيضَ في رَايَاتِ الشَّفق . خُذْ دَمَ السوسن وَرْدَةَ الدَّمارِ النِّهائيةَ ، وَرْدَةَ المعنى النِّهائيِّ في احمرارِ الدِّماء ، وَلا تَمُر على وَصْفِ الخريف في أمعائي البلاستيكية . ستمرُّ الأهراماتُ على تماسيحِ النِّيل، وسَيَخْرُجُ مِنْ أعماقِ الرَّصاص مَنْ يَكْسِرُ احتضارَ البحر . وسيأتي أطفالُ غَزَّةَ حَامِلِين في أقلامِ الرَّصاص مرافئَ القمر .

أجفانُ بحرِ غَزَّة مَحرقةُ المطر الحمضي . وَفِّر ثمنَ الخشب يا ضوءَ الشموع ، سندفع ثمنَ نعوش الغزاة حينما نبيعُ ذكرياتِ الخوَنة في سُوق النِّخاسة . أصنع من خشب مقاعد المدارس توابيتَ لرياح الخماسين . فلا تَبْنُوا يا حفاري القبور مِنْ جَثَامِين الضَّحايا نَاطِحاتِ سَحَابٍ للتحرش الجنسيِّ .

نَحْنُ وأمواجُ البحر ما زِلْنا نُقاتِل وندافع عن شرف الموج . وُلِدْنا مَعَاً ونموتُ مَعَاً . وأَحْرَقْنَا الرَّايةَ البيضاء معاً . وَدَرَّبْنَا قِطَطَ الشَّوارع على حَمْلِ السِّلاح معاً . وانْتَصَرْنَا في معاركِ كوكب المريخ معاً . وَنَقَلْنا الكفاحَ المسلَّحَ إِلى كوكب القمر معاً . كُلُّ عَنَاصِرِ الطُّوفان سَتُقَاتِلُهُمْ : (( مِضَخَّاتُ المياه في المخيَّمات والأكسجينُ النَّقِيُّ والحشراتُ والأعشابُ البريةُ وصَهيلُ الأنهار وبارودُ الذَّاكرة وخطواتُ أَجدادي في الخليل )) .

الآنَ أُعْلِنُ بِدْءَ القيامةِ _ قيامتنا الخصوصية_ . ولتكن المعركةُ بين دمي ورياحِ الخماسين . هَزَمْنَا جيشَ الرمال الذي لا يُهزَم وصِرْنَا الجيشَ الذي لا يُهزَم . وللآخرين راياتُ الهزيمةِ المنقوعةِ في نبيذِ الخديعة . نحوِّل الفراشاتِ إلى نسور ، والخِيَامَ إِلى بنادق ، ودموعَ الأراملِ إلى مُسَدَّسَاتٍ، وأكياسَ الطَّحينِ إلى بارود .

صَاعِدَاً إلى ضَوْءِ استقلالِ الحلم عن الرصاصة . هذه دِمَاءُ السُّنونو سِجَّادٌ أحمرُ لعودةِ الجيش المهزوم . فَلْتَحْتَرِقُوا يا أبناءَ الصَّمت بِعَرَقِ البحر تحت أَقْدَامِ الرَّاقِصاتِ. فلم نستفد من رومانسية بنات آوى غَيْرَ زِيادةِ نسبة العنوسةِ . فَاشْرَبُوا أنخابَ المجزرة ولا تَعُودوا إِلَيْنا .

مستنقعُ الدَّم في شلالاتِ جثث الأطفال الفقراء . نعوشُ أصحاب عَرَبَاتِ الفواكه . قَدْ أنقلُ يومياتِ عمودي الفقري إلى كوكب القمر . وَسَنُعَبِّدُ أجنحةَ الذُّباب بدموع الرمال . إن عَرَقَ الصَّحْراء زَيْتُ مصابيحنا . فَكُنْ يا مطرَ الجروحِ حيث يبدأ طفلُ المجزرة في البحث عن أُمِّه ، في البحثِ عن البحَّارة الضائعين بين براميلِ النِّفط على رَصيفِ الميناء الذي تَقْصِفُه خُدُودُ الدَّبَّابةِ .

هل كان الجرحُ وحيداً ؟ . هل كان الكابوسُ أَجْمَلَ سيناريو منطقيٍّ للمِقصلة أم ذِكرياتِ البَدْوِ الرُّحَّلِ ؟ . فَلَمْ أَذْكُرْ دَمَ الأراملِ عَرَقَ السَّنابل . فَابْدَأْ أَوْ كُنْ بِدْءَ القيامةِ فِينَا لكي يَسْكُنَ الشُّهداءُ في أجفانِنا .

هل أَغْلَقَ الزبدُ مَعْبرَ الأحلام ؟ . هل فَتَحَ الفِطْرُ السَّام سُجُونَه لأنينِ المرضى وسَرَقَ المطرَ ؟ . هل اخْتَرَعَ زنازين إلكترونية للتعذيب الرومانسي ؟ . والفقراءُ يموتون على طابور الخبز. مُوتِي أيتها الأكذوبةُ المقدَّسةُ . افْتَحِي سُجُونَكِ لِجُنُونِكِ . انْدَثِرْ أيها الوهمُ العجوزُ ولا تُوَرِّثْ بِلادَ الشَّمْسِ للدُّخانِ الأجنبي ، لأن النوارس ليستْ خَاتِماً في أُصبعكَ . فَاذْهَبْ إلى مَعْقِلِ ديمقراطيةِ إِبادةِ الهنود الْحُمْرِ . (( إِذا جَاءَ موسى وألقى العصا فَقَدْ بَطَلَ السِّحْرُ يا سَاحِرُ )) .

وَقَعَ حَدِيدُ الرُّوحِ على نُحَاسِ الجسدِ السَّاخِن . كَأَنَّ جَثَامِينَ العَابِرِين إِلى السَّماءِ مَدَى الفراشةِ . فلا تُصَدِّقْ خَاصِرةَ الأمس يا وَجْهَ العشب . يا وَجْهَ أُمِّي الضائعَ بين أوراقي القديمة وزجاجِ القطارات التي لا تعود . يا قَمَراً يُرَبِّي الماعزَ في مَصَاعِد ناطحاتِ السَّحاب . فَهَلْ يُصَدِّقُ دَمُ الأطفالِ أقنعةَ بنات آوى ؟ .

لا ليلٌ حَوْلَ لَيْلِ الشهداءِ في أظافر الذاكرة ، ولا دمعاتٌ من الألمنيوم تسيل على أثداء المذيعات المكشوفة للمذبحة. تَلْبِسُ بِرْميلَ النِّفط عِمَامةٌ. وامرأةٌ صَدْرُها حَقْلُ نِفْطٍ مَسْروق. ينغمسُ احتضارُ الأرضِ في صُراخِ الأطفال .

مُذِيعاتٌ صَاحِباتُ نُهُودٍ مكشوفةٍ للجماهير المثقَّفةِ الثَّوْرية كضياعِ كَوَالِيسِ المسرح السياسي . نِسْوَةٌ يَقِفْنَ في طابور سُوق نخاسةٍ للبيع يَنْتَظِرْنَ مَنْ يَدْفَعُ أَكثرَ . وَطنٌ يشرب دماءَ الشهداءِ ويبصقها نفطاً . جمهوريةُ العوانسِ الديمقراطيةُ . فقولي لي أيتها العانِسُ التي ترتدي تنورةً فوق الرُّكبتَيْن ، هل دمي في حُفَر المجاري هو فضيحةُ الذِّئب الرومانسي ؟ . هل الجِرْذُ المثقَّفُ يطلب مِنْكِ كَشْفَ لَحْمِكِ ليزداد راتِبُكِ فتصبح المجزرةُ أكثرَ رومانسيةً في حقائبِ عارضات الأزياء وتصبح لحومُ الأطفال المحروقةُ أجملَ هَدِيَّةٍ في رأس السَّنة ؟ .

مُجْرِمٌ يَلُومُ الضَّحيةَ وأقاربُ الضَّحيةِ يُصَفِّقُون لِلْمُجْرِم . والغاباتُ المحترقة تتعلم عَزفَ البيانو على أكفان الأطفال . أيتها الجراح الرُّومانسيةُ التي بَاعَتْ قلبي في عِيد الحبِّ والسَّلام . هل أنتظرُ البَغَايَا يُدَافِعْنَ عن كُرياتِ دمي تحت الرمال ؟ . هل أنتظرُ قدومَ البَرق لكي يُقْنِعَ الذكرياتِ أَنَّ جُثْماني حقيقةُ المعنى لا مَجَازٌ شِعْرِيٌّ؟. هل أنتظرُ رجال المافيا لتمنح المشلولين الكراسي المتحركةَ مَجَّاناً ؟ . فشكراً لَكَ يا قاتِلي لأنَّكَ زَوَّجْتَ كَبِدي للنَّيازك ! .

لا تَدْفَعْ مِنْ نفطِ عِظامِ الضَّحايا أَتعابَ القاتِلِ المأجورِ في آخر الليل . وَأَشْعِلْ لَيْلَ العُشَّاق بالاجتياح البَرِّي بالفتوحاتِ الحاسمة . كُلُّ تاريخِ الأنقاض حَدَّادٌ يُصفِّح قفصي الصدري ضِدَّ الألغام . فَلْتَمُتْ يا رِمْشَ الرمال عَارِياً من المجد لابِساً خَنَادِقَ العَارِ ، وَلا تَقْلَقْ على زوجتكَ ، فالغبارُ يُعامِلُ السَّبَايا بِاحْتِرَامٍ .

جُرحٌ لِكُلِّ الكِلابِ البوليسيةِ وَالسَّائِحاتِ الأجنبياتِ . يَا مَسِيحَ اللهِ أَنْتَظِرُ نُزُولَكَ مِن السَّماء حَتَّى تُعِيدَ تَشكيلَ هَذا العالَمِ المجنون . حُرُوبُنا المقدَّسةُ نَشِيدُ قَوْسِ النَّصْرِ . لا نُريدُ ذِكرياتِ الْبَدْوِ الرُّحَّلِ في مساء الأبجديات المنسية . أَيَّتُهَا الأكواخُ الحاكمة على ذكريات الغابات، خُذي جَمَاجِمَنا مَجَّاناً، وانصرفي إِلى غُرَفِ الاحتضار . كأن رِياحَ الخماسين تخزِّن في بَرَامِيلِ النِّفْطِ دَمَ الحيْضِ لِلْجَوَارِي .

لَمْ يَزْدَهِرْ في معدتي غَيْرُ السُّجون . لم يزدهر في قفصي الصدري غيرُ ثَلاجاتِ الموتى . لم يزدهر في اكتئاب الشُّموس غيرُ حُبوبِ الفياغرا . لا حُزْنَ يَحرس جماجمنا يا أُختي المرافئ . قبائلُ مِيكي ماوس في ثلوج الشَّفق . جُثماني مَشاعٌ لبنات الليل في قلب النهار . حَتَّى الدِّيكُ الرُّومي لم يَعْبَأْ بدجاجاتِ الهلوسة . لكنَّ مُرَاهِقاتِ رُوما في ملابس السِّباحة دَافَعْنَ عن حقوق السبايا . هل أَطْلُبُ النَّجدةَ من نِسَاءِ نِكاح المتعة ؟ . حضارةُ الزبد جثةٌ هامدة قَبَرْنَاهَا في أغاني الزُّنوج . إنها أكثرُ المومسات شَرَفَاً في مُسْتَوْدَعَاتِ الميناء .

أَسْحَقُ الغُزاةَ بِمِمْحَاةِ النَّار بَعْدَ أَنْ آخُذَ الصحراء سَبِيَّةً . قررتُ أن ألغيَ النشيدَ الوطني لكريات دمي . وأنا السَّاري في شوارع المخيَّماتِ المطفأةِ . ذكرياتُ الأزقة من البطيخ الباكي .

يَا بُؤْرَةَ الفجرِ الذَّاكِرَةِ التَّاريخِ ، شربتُ مِن نهرِ الحزن ، وَكُلُّ خُدُودِي مَخَازِنُ سِلاحٍ . وَنَظَّفْتُ أَسنانَ النَّخِيلِ بِأجسادِ التَّماسيح ، فَمَتَى يا دَمْعَ النجوم سَتُعَلِّقُ مَشَانِقَ جَلادِيكَ عَلَى أبوابِ مَدينةٍ لم يَبْقَ فيها إلا الأراملُ ؟ .

أيتها الأحزابُ الحاكِمةُ على الجماجم ، إن أجفاني جيوشُ الفراغ . نبدأ الآن فَتْحَ المزادِ العلني لبيع ذكريات النهر الجريح. أمعائي التي باعوها في سوق النخاسة ، أشكركِ لأنَّكِ قَتَلْتِنِي بدون بيروقراطية وَانْتَشَلْتِ جثتي مِن تحت الأنقاض بكل ديمقراطية . وشُكراً للمراهقاتِ العاريات اللواتي سَاهَمْنَ في انتشال الضحايا من تحت أنقاض هيروشيما . لم تعد جروحي إلا قبيلةً من الْبَدْوِ الرُّحَّلِ . وهذه مُدُنُ سُعالي موتى ساكنون في جوارب نسائهم ، مطرودون في عواصم اللهيب . فَسَكَبَ العبيدُ السائلَ البترولي في أَرحام جواري القصر .

إِنَّ جنودَ الظلام يخافون من بريق جماجمهم ، يبيعون نساءَهم في الشوارع لقتل الأحزان العالقة على إشارات المرور . كانت رُموشُ الريح الرومانسيةُ سَتَنْتَصِرُ لَوْ أَنَّ قُمْصَانَ نَوْمِ صَديقاتِ الفئران قَاتَلَتْ في المعركة على ألحان أغاني الضحايا . لكنَّ الجرادَ الذي يَضع مليون وِسَامٍ على الصَّدْر ، ولا يعرف مَسْكَ المسدَّسِ ، قَد هَرَبَ من المعركة بكل شجاعة ، وترك الأراملَ يُقَاتِلْنَ القنابلَ بِآخِرِ عُكَّازةٍ بآخِرِ حَقيبةٍ مدرسية .

عروشُ الذباب على أشلاء الضحايا . سَامِحيني يا مادونا ، لم أَحْضُر حفلتكِ الأخيرة لأن جثتي كانت في شوارع غَزَّةَ تُغَنِّي وحيدةً . أنخابُ المذبحة ، والغزاةُ يبيعون أجسادَ الشُّهداء لمصانع السَّرْدين ، ويَشربون نَخْبَ العام الجديد على قَبْرِ الفراشات الجديد. كُنَّا سَنَنْجَحُ في حياتنا الزَّوْجية لو فَهِمْنَا نظرياتِ رومانسيةِ بلاط السجون لكنَّ الزَّنازين كَانَتْ أسرعَ من ارتفاع تَنُّورةِ البحيرة . فَلَمْ يَقْدِر الجيرانُ على إِنقاذ القِطَطِ الشَّريدة . فما الذي ضاع من حُمرة دمائنا زُرْقَةِ شطآننا ؟ . ما زال لحيطان الزنازين بقايا القدرة الجنسية . ما زال لدينا السائل المنوي المسكوب في براميل النفط. أيها المطرُ الضائع في معدة جنون الهمس ، لستَ عازفَ بيانو لِتَفرضَ الإيقاعَ على المهرِّجين. لَسْتَ ضوءَ الفيضانات لتفتتحَ ثلاجاتِ الموتى في حَفْلِ الزِّفاف . لَسْتَ أُمَّنا الأرملة لِتُعَلِّمَنا إعدادَ الملوخية بالأرانب .

فاليتيمُ في دم القمح لا يملك غَيْرَ حقيبته المدرسية . يا أسماكَ القِرْش ، ادفني الحزنَ الشَّمْسيَّ تحت رمال البحر . فَجْرُ التَّحْرِير ، وذَاكِرةُ الحلْمِ الكَوْنِيِّ ، وَزُهُورُ الكواكبِ السَّيارةِ . وبَارُودُ المجراتِ الصَّاعِقُ . يا نسورَ الأبيض المتوسط ، لَقَدْ هَزَمْتُم الهزيمةَ وَبَصَقْتُمْ على قَلْبِ الرُّعْبِ .

أَجْسَادُنا بِطِّيخٌ يَضَعُ على كَتِفَيْهِ أَوسمةَ الأُكذوبةِ . تُوَزِّعُ الأمطارُ ذكرياتِ البروق بين التركيات والفارسيات . وأظل في شوارع البارود وحيداً . سَأُهَاجِرُ مِن جِلْدِ البَحْرِ ليرتاحَ كَوْكَبُنا مِن الجرادِ الدُّبْلُومَاسِيِّ .

مُوتي أيتها الفراشاتُ أَمامَ التِّلفاز المزيَّنِ بِدماء الضَّحايا. ما هذا الكوكبُ الذَّاهِبُ إلى الدمار ؟. تقوده الكلابُ البوليسية إلى هاوية الذاكرة . هذا هو احتراقُ أسنانِ الغاباتِ يا جارتي القتيلةَ . سَامِحْ جنونَ الحطب على صَراحةِ عشب الجنازة ، يا كبيرَ المهرِّجين في السِّيرك . يا كُلَّ عَاهِراتِ طوكيو السَّائراتِ في أناشيد بيرل هاربر ، ضَحِكْنَا على أنفسِنا وَكَذَبْنا على أمهاتنا ، فَلَمْ يُصَدِّقْنا حَليبُ أعشابِ المقابر، وَضَحِكَتْ علينا سلمى حايك برومانسية الموتى . حَتَّى كَلْبةُ جارتنا ضَحِكَتْ عَلَيْنا في عِيدِ الحبِّ . هذا زَمَنُ مَنْ لا زَمَنَ لموتِه خارج مكانِ الريح .

لم أَرْضَعْ مِنْ ثَدْيِ النَّارِ لأرفعَ الرَّايةَ البيضاءَ . سَنَفْتَحُ ذاكرةَ الحدودِ سَنُفَجِّرُ حَليبَ السُّدود . تَحْتَ مَرْمَى اللهبِ الشَّاسِعِ أُرَتِّبُ تَوَابِيتَ الشطآن . فَابْدَأْ مَطَرَاً يَحْرِقُ شجرَ العَتمة . نَمْسَحُ أعداءَ الشَّمسِ تَحْتَ كُلِّ شَمْسٍ . لَنْ تأخذوا عِظَامَ الشُّهداءِ مِكْياجاً لجوارِي القَصْر . لَنْ تَمُرُّوا على جُلودِنا الحارِقةِ لأنَّ أجسادَنا زَلازِلُ. نَحْقِنُ ذَرَّاتِ الأُكسجين بالذكريات.نَزْرَعُ الأمطارَ في كريات دَمِ الشَّوارع. كَأَنَّ الرَّعْدَ قَادِمٌ لخطفِ الذُّباب . والأمواجُ تَرْكُضُ تَغْسِلُ بَلاطَ المطاراتِ بدماء الوحل . أُعيدُ هَندسةَ رُموشي وِفْقَ نظريةِ البَارودِ . كُلُّ رَضِيعٍ مُسَدَّسٌ ، وَكُلُّ وَرْدةٍ مِصْيدةُ فِئْران ، وَكُلُّ مَاءِ عُيونِنا سُمٌّ في عُرُوقِ الزبد .

فَلا تَنْسَ يَا هِمِنغواي الفاشلَ _قَبْلَ انتحارِكَ الرُّومانسي _ أن تكتبَ رِوايةً فَاشِلةً عن مذبحتي اليوميةِ النَّاجحةِ . تَتَزَاوَجُ انتحاراتُنا فَتُولَدُ حَيَاةً جَديدةً لِلْبَنَادِقِ . لا تَنْسَ يَا ضوءَ الشموع أن تخترعَ أُغنيةً عَنْ مذبحتي اليوميةِ .

فَيَا كُلَّ الرَّسائلِ التي لا تَصِلُ أبداً، ازرعي صُندوقَ البريد في قفصي الصدري . سِرْ أَيُّها الرملُ والنُّعوشُ المتحركةُ مِنْ ورائكَ. هذه أحزاني خواتم في أصابع السبايا . أَهدابي فَاكِهَةُ النَّارِ حِينما تُصْبِحُ السُّجونُ سَلَطَةَ فَوَاكِه. قَدْ يُعَلِّقُ الرَّعْدُ على حِيطانِ سُجُونِنا نُعُوشَ السَّجَّانين . على خُدُودِ الدِّيدان يَضعون شَوَاهِدَ قُبُورِهِمْ وَأجسادَ نسائِهم . في ذلك السُّعالِ زُنوجٌ لا يَقْدِرُون أن يَدْخُلوا كَنيسةً لِلْبِيض .

أبني مستقبلي السياسيَّ تَحْتَ ظِلالِ حَشِيشِ القُبور . أَيْقَظَنِي المطرُ المشْتَعِلُ افْتَرَسَنِي ضَوْءُ المشانِق . أَضَعْتُ رَقْمَ زِنْزانتي بَيْنَ أَرقامِ القبور فَاخْتَرْ رَقْمَاً يُنَاسِبُ ذِكْرياتِ الضَّحايا الصَّاعِدِين إِلى سَرَادِيبِ بُلْعُومِ البَحْرِ . لم أَفْتَرِسْ احتضارَ زُهُورِ النَّار . فَيَا رعودَ الجسدِ المنحوتِ على شَمْعدَانِ العَارِ ، كُونُي إِخْوةً شُرَكاءَ في تحليلِ صَمْتِ الذَّبِيح . إِذَا كُنْتُمْ مَوْتَى فَاقْتَسِمُوا عُشْبَ المدافِنِ .

كُلُّ حُفَرِ المجارِي تَعْرِفُ بَصْمَةَ دِمَائي . كَأَنَّ مَطَرَ الذِّكرياتِ بَصْمَةُ كَوْكَبِ الدَّمِ فَاغْسِلْنِي اغْسِلْ جَثَامِينَ رُمُوشي . ارْفُض استقالةَ الصَّابون لا تُحِلْهُ إلى التَّقاعُد . إِنَّني أَنينُ نَاطِحاتِ السَّحابِ الملوَّثُ باللامعنى . ولا تَتْرُك جنودَ الفراغِ يَجْلِسُون على أهدابي في انتظارِ الرَّاتبِ الشَّهري .

كُلَّمَا أَمْسَكْتُ حُنْجرةَ الفَيَضَان تَسَاقَطَتْ أصابعي الخشبيةُ كَشَوْقِ زَوْجاتِ البحَّارة الذَّاهِبِين إِلى اللاأين العائِدين إلى السُّؤال . أَعُدُّ الضَّحايا وَأُخْطِئُ . أستخدمُ آلَةً حَاسِبةً جديدةً لإحصاءِ نُعُوشِ الفراشات اليتيمةِ في خِيَامِ الرَّعدِ فَاخْتَرِعْ أبجديةَ العَوَاصِفِ مِنْ مَطَرِ الغاباتِ الاستوائيةِ تَلِيقُ بالشُّهداءِ الواقِفِين على أبوابِ المخيَّم .

اخْرُجُوا مِنْ آلامِ المسيح . لا تَمَسُّوا طَهَارةَ مَرْيَمَ . خُذي جُثماني أيتها الأمواجُ لِكَيْ يَكُفَّ المطرُ عن استئصال الغاباتِ مِن دماء الأطفال المذبوحين في حُفَرِ المجارِي. كأن فِئْرانَ الشَّفق تَتَزَوَّجُ الجثثَ المرْمِيَّة في شوارع المخيَّم .

لأرصفةِ الميناء أُقَدِّمُ زُهورَ أسئلةِ الجرحى. للمطرِ يَجلس على سَطْحِ قِطارٍ يُلَحِّنُ أغاني الشَّفق أُقَدِّمُ اعتذارَ الموتى عن حضور حَفْلِ زِفاف الإعصار . للسَّناجبِ تزرع أشجارَ البِتْرول في أجفانها تُهَاجِرُ مَعِدَتي الخاويةُ . لراياتِ القبائلِ تَرْكُضُ بَرَاميلُ النِّفطِ الشَّمْعيةُ . هذه جُلودُ الفراشات غِلافُها مِنْ صُرَاخِ الضَّحايا . يَصْنَعُون مِن جَثامينِ السُّنونو جِسْرَاً تَعْبُرُ عَلَيْهِ السَّبايا ثُمَّ يُدَافِعُون عن حَدِيقةِ الطُّيورِ في تعاليمِ المنْفَى .

نَسِيَ أطفالُ المجزرةِ البوظةَ في ثلاجةِ الموتى فَلَمْ تَقْفِزْ أسماكُ القِرْشِ في مِقلاةِ مَطْبخِ المخيَّم . كَأَنَّ النارَ هِيَ الغريقةُ وَأُحَدِّدُ هُوِيَّةَ القَشِّ . خارطةُ عواطفِ النِّيران كِفَاحي المسلَّحُ في عِظَامِ رقبتي . هَكَذَا يَقْتُلُ الورودَ بماءِ الدَّمْعِ وطنُ الضَّحايا المرقَّمِين . وَتَنَامُ قُرْبَ قَصَائِدي النَّيَازِكُ .

أَنْصُبُ خِيَامَ أَنهارِي اللاجئةِ قُرْبَ انتظارِ أُمَّهاتِ الجنودِ الذين لَنْ يَعُودُوا . لَنْ يُولَدَ الجنونُ الذي سَيَمُرُّ على أصابعنا . نَحْنُ أيتامٌ مُذْ مَاتَتْ أُمُّنا القَاسِيةُ ، وَقُبُورُنا مَرْمِيَّةٌ في حُفَرِ المجارِي . دُمَى في مَسْرحٍ للعرائسِ تَعْبُرُ المرايا سَتُدَافِعُ عَنَّا بَعْدَ عُبورِ الدَّبابات على أكفاننا . هُوَ انكسارُ الحلم في بَراري الكوليرا .

نحنُ سُيوفٌ على خَنَاجِرِ الذِّكْريات . مَمْلكتنا تَحْتَ الأرضِ لِنَصْنَعَ حُلْمَنا فَوْقَ الأرض . أَختارُ أشكالَ المشانِقِ لِلْغَرْقَدِ فَاشْنُقْ كُلَّ مِشنقةٍ مرَّتْ في أجفانكَ . أُغَيِّرُ لَوْنَ دماء الأدغال وِفْقَ مَا يَراه طُحَالي مناسباً .

هؤلاء النَّائمون في صَنَوْبر الشَّفق : (( انْتَصَرْنا على سُعَالِ قِطَّةِ جَارَتِنا . انتصرنا على ضَوْءِ جَوَارِبِنا. انتصرنا على سَرِيرِ لَيْلةِ الدُّخْلةِ . انتصرنا على الكُرْسِيِّ المتحرِّكِ لجارِنا . قُدْنَا المسيرةَ على ضَوْءِ شُمُوعِ جَثَامِينِ الأطفال )) .

دَعُونا نحتفلْ بذكرى ميلاد الأنين . بُقْعَةُ الزَّيتِ تأكلُ الرَّصاصَ المتدفِّقَ تَجْتَاحُ . أَلُفُّ المطرَ الرصاصي حَوْلَ خَاصِرةِ دَجَاجَاتِ أُمِّي حَوْلَ خَاصِرةِ الميناء حَوْلَ خَاصِرةِ البَيَّارة حَوْلَ خَاصِرةِ الصَّحْراء. يَخْرجُ الضوءُ صُقُوراً مُشْتَعِلَةً مِنْ تَحْتِ رِمالِ الأبيضِ المتوسِّط مِنْ تحتِ أظافرِ العشب .

كُلُّ الملايين قَادِمُون مِنْ وَراءِ الشَّمسِ مِنْ أَمَامِ الهمسِ مِنْ رِئَةِ الحدود . كُلُّ شَهيدٍ يَخْرُجُ مِنْ عُرُوقِه مَلايينُ الشهداءِ . لا حُدودٌ بَيْنَنا ولا سُدودٌ . فالبَرْقُ يَذْبَحُ الرايةَ البيضاء بِسكاكينِ المطبخ .

مِنْ وَراءِ أوتادِ الخِيام نَطْلُعُ . مِنْ وَراءِ البَنَادِقِ نَتَدَفَّقُ . يَخْرُجُ أطفالُ ثورتِنا مِنْ كُلِّ ثوراتِ السَّنابل . حَفَرْنَا على حُنْجرةِ الموجِ خَارِطةَ فِلِسْطين التَّارِيخيةِ . أُحرِّر الذكرياتِ من الحكايات . نَفْرِضُ سَيْطَرَتَنَا عَلَى صُحُونِ مَطَابِخِ الطوفان. تَخْتَرِعُ بَنَادِقُنَا عِلْمَ فِيزياء جَدِيداً لا يَعْرِفُهُ آينِشْتَاين.

اقْتَحِمْ عُزْلةَ الزَّيتونِ المسَيَّجِ بالجنون . أيها الذئبُ الحاكِمُ بَأَمْرِ الشَّيطان ، يَا مَنْ تَضَعُ على صَدْرِكَ مِلْيُون وِسَامٍ . إن الضِّباعَ تَشرب نَخْبَ احتضارِ الغابات في قَصْرِ الحمراء . يَبْنُونَ مَجْدَهُم البلاستيكيَّ عَلَى الجماجِم وَيُسَمُّون ذَلِكَ حُلمَ المساء . الشَّوَارِعُ المرصوفةُ بِجِيَفِ القِطَطِ المتَحَلِّلَةِ بَيْنَ أصابعِ النَّهر . بَسَاطِيرُ المخْبِرِين . رَكِّزْ في مِكْيَاجِ الدَّجاجاتِ المنثورِ كالسِّيانيد عَلَى كَامِيراتِ التِّلفازِ . حَتَّى الفَشَلُ يَفْشَلُ في بِلادِ القُبُورِ المائِيَّةِ الأضْرِحَةِ الصِّنَاعِيَّةِ . وُجُوهُ الأباطرةِ المائِلةُ للاضْمِحْلالِ.

يا شُرَكائِي في بَسَاتِينِ النَّزِيفِ المجنونِ . احتراقُ زَهْرِ المذابحِ أوسمةُ كِلابِ حِرَاسَةِ . صَارَ الحريقُ هُوَ النَّجاحَ الوحيدَ لِمُهَنْدِسِي البِتْرُولِ في الصَّحاري . فَشُكْراً يَا حُزنَ الذاكرةِ النَّائِمةِ تَحْتَ رِمَالِ المحيطِ الهادي . ثَلاجَةُ الموتى رُمُوشُ الخرائط المنسيَّة . أَيْنَ خَارِطةُ مَلاقِطِ الغسيلِ الحامِلةِ لِعُشْبِ المجازِر ؟ . فهل سَتَكُونُ عُرُوشُ الوهمِ رُومانسيةَ وُرُودِ المقبرة ؟ .

لَسْتُ المسيحَ المخلِّصَ لَكِنَّ يَهُوذا خَانَنِي. لستُ عُثْمَانَ لَكِنَّ الأُمَوِيِّين خَانُونِي . لستُ عَلِيَّاً أو الحسين لَكِنَّ أَهْلَ الكُوفةِ خَانُونِي . لستُ ابْنَ الزُّبير لَكِنَّ أَصْحَابِي خَانُونِي . لستُ عِمَاد الفايد لَكِنَّ الذكرياتِ خَانَتْنِي .

نُنَادِي على العَدَمِ فيأتي العَدَمُ لِيُعْدِمَنَا . يا قلبي الضائعَ في صَدَأ أوسمةِ جُيُوشِ السَّبايا ، أَعْطِ الأراملَ خُبْزَ العَشَاءِ النِّهَائِيَّ . هِيَ الرُّتبُ العسكريةُ سَنَاجِبُ مَشْنُوقةٌ كالشَّوارِع فِي مَوْسِمِ البَيَاتِ الشَّتويِّ المصبوغِ بموسم تَزَاوُجِ الهواء مع الدِّماء . تَزَوَّجَ أُكسجينُ الجرْحِ هَيدروجينَ الذَّاكِرةِ فاستخدمتُ مَاءَ تَبْرِيدِ المفَاعِلاتِ النَّوويةِ في تَبْرِيدِ حَرَائِقِ صَدْرِي . أعِيشُ على هَامِشِ الحلْمِ كَقِطَطٍ تُفَتِّشُ عَنْ طَعَامِها في القُمامة ، وَتَضْحَكُ عليها بَنَاتُ الإِقْطَاعِيِّين في المدارس الأجنبية . نَحْنُ جَرَادٌ في سَلَطِةِ الفَوَاكِه .

زَرَعْنَا الطَّعناتِ في ظُهُورِ اليمام . وأَحْرَقْنَا دَمَ الفراشاتِ التي تنتظرُ القَصْفَ . لَسْنَا حَظِيرةَ أَبْقارٍ لِيَبِيعَنا العشبُ حَسْبَ مَزَاجِ الطَّبِيبِ البَيْطَرِيِّ . لَنْ يَصِيرَ عِنَبُ الجزائرِ نَبِيذاً فَرَنْسِيَّاً . أَخلعُ جِنْسيةَ بِرْمِيلِ النِّفْطِ . نتعلمُ السِّباحةَ في الجنازات بَعْدَ انتهاءِ المجزرة بِدَمٍ بَارِدٍ كَعِصيرِ البُرْتقال .

مَرَّ قِطَارُ التَّارِيخِ مِنْ أَمَامِنا فَلَمْ نَرْكَبْ وَبَقِينا على مَقاعدِ محطةِ القِطاراتِ نُدَخِّنُ قرميدَ الأكواخ البعيدة . لَمْ تَعْرِفْنا نُسُورُ قُرَيْشٍ وَلَمْ تَنْظُرْ إِلينا شَرِيفاتُ قُرَيْشٍ . وَلَمْ يَكْتَشِفْ مَلامِحَنَا سِوَى المذيعاتِ العَوَانِسِ . لَمْ يُصَافِحْنا التَّارِيخُ لأنَّ أَيْدِينا مَقْطُوعةٌ ، وَرُؤُوسَنا مُعَلَّقةٌ على إِشاراتِ المرور . كَأَنَّ رِجَالاً يُقَدِّمُون زَوْجَاتِهم إِلى الاغْتِصَابِ مَجَّاناً بِكُلِّ دُبْلوماسيةٍ .

يا أحزاني المجيدةَ في المذابِحِ الجديدةِ . إِنَّ المومِسَ تَبِيعُ جَسَدَها لِتَأْكُلَ . وَالمرتزقةُ بَاعُوا بِلاداً وَأَكَلُوا شُعُوبَها . (( قَدْ يُعْذَرُونَ لَوْ أَنَّ الجوعَ أَرْغَمَهُمْ وَاللهِ مَا عَطِشُوا يَوْمَاً وَلا جَاعُوا )) .

لا تَخُونُوا ذِكْرَياتِ الأنبياءِ المقتولِين . لا تَرْفَعُوا رَأْسَ الحسينِ وردةً في عيد الحب. لا تَرْسُمُوا رَأْسَ ابْنِ الزُّبير بِرْوَازَاً على الحِيطان . كُنَّا ثواراً ممتازين في حِصار عُثمان . كُنَّا رِجالاً أشداء في قتل الحسين . كُنَّا أبطالاً فاتحين في خيانة ابن الزُّبير .

أحزانٌ حاسمة من قِشْرِ البِطِّيخِ المنثورِ على طَاوِلاتِ مطاعمِ الوجباتِ السريعةِ . ماتت أعصابي في ثلاجة البوظة وبَقِيَ الباعةُ المتجوِّلون يَجْمَعُون ذِكرياتِ الجثثِ في أكياسِ الطَّحين . يا مدينةَ الوهمِ المقدَّسِ التي تأخذُ دِماءَ الضَّحايا مِكْياجاً لجنونها . سَأَنْصُبُ قَفَصِيَ الصَّدْرِيَّ صاروخاً في الشَّفق. كأن الدِّماءَ أحمرُ شِفَاهٍ في عيد الحب.

أيها الرِّجالُ الذين يأكلهم الدُّودُ ، ارْمُوا الرَّاتِبَ الشَّهريَّ بَيْنَ أسنانِ المِكْياجِ . سَيَتِمُّ بَيْعُ الجواري لِرِجالٍ قَادرين على الدَّفع . لكنَّ رَمْلَ قِيعانِ القلوب يُطْلِقُ الألعابَ الناريةَ احتفالاً بتدشين عَصْرِ السَّبايا وَمَوْتِ الرِّجالِ في المقابر الجماعية .

انتصارُ طُفولةِ الأولادِ على شَيْخُوخةِ الدَّبابات . ومسارحُ الجمجمة تحافظ على مشاعر الجثث في الشوارع المطفأة . انتظروا قليلاً حتى تَكتملَ المجزرةُ لتكتبوا مَدِيحَ الضَّحيةِ بَعْدَ تَقَاعُدِ الشطآن التي لا تتقاعد . وَاتْبَعْ _ يا قلبَ العاصفة _ نَشيدَ الرُّوحِ إلى زُجاج العواصف . كُلُّ تَاريخِ البَجَعِ الميتِ يركض على أظافر صَقْرٍ أَحْوَلَ لا يَرى في قفصي الصدري غَيْرَ ذبحتي الصَّدْريةِ . اذْبَحْنِي لكي تدركَ أن موتَ النَّوارسِ رَمْلُ البحر .

قَدْ نتدارسُ مَعَ رِياحِ الخماسين فلسفةَ المشانق لَكِنِّي المصلوبُ العالي لأنَّ مِقْصلتي بِطَعْمِ الفانيلا ومقصلتكَ بطعم الشوكولاتة . كُنْ صديقَ الريح يوم تموتُ . وَادْفَعْ لحفَّارِ القبور شِيكاً بدون رَصيد لأنَّ رَصيدَ لاعبة الجمْبازٍ في السِيرك قصةُ حب تحترق ، أَوْ مُهَرِّجٌ يسير على حبل مِشْنقتي واثقاً من ساعةِ الصِّفْر . ألقيتُ استقالتي من وظيفة العشق على مكتب قلبي . واعتزلتْ أظافري الحياةَ السياسيةَ وَحَمَلَت البندقيةَ . ولا بُنْدقيةٌ في عَرَقِ الكواكب سِوَى عُيونِ أُمِّي ، ولا ذاكرةٌ لأسماك الغيم سوى دماءِ الكواكب . إنَّ قلبي يمارس هِوايةَ التَّطهيرِ العِرْقي في خِيَامِ كُرَياتِ دَمِي . فَمَارِسْ أيَّةَ هِوايةٍ لا تَدُلُّ على مرايا المنفى . كَمْ رَقْمُ خَيْمَتِنا يا أُمِّي في مطاعم بُرْجِ إيفل ؟ . ما الفرقُ بين رقمِ قبر الصنوبر ورقمِ طاولتنا في المطعم ؟ .

بنيتُ مِنْ عَرَقِ الفلاحين بُرْجَ مُرَاقَبةٍ تقضي فيه أسماكُ القِرْشِ العُطْلةَ الصَّيفيةَ في شِتاءِ الخِيَام . ومنحتُ مَعِدَةَ شُموعِ عِيدِ ميلادي لِلْحَمَامِ الزَّاجِل . أنا أعلى المذبوحِين على راية الطوفان . وخشبُ سفينتي توابيتُ الطغاةِ المرتَّبةُ في فُوَّهةِ مُسَدَّسي . أَحتفلُ بذكرى زواجي من أعشاب المجزرة . لَكِنَّ نَمْلَ المنفى يشتهيني .

تَخْرُجُ مِنْ قِيعانِ عُرُوقي نُسورٌ . وَكُلُّ أَعمدةِ الكهرباءِ المحمولةِ على ظُهُورِ قِطَطِ الشَّوارع تَئِدُ تاريخَ المتاحف التي تَتَشَمَّسُ في ذِكْرياتِ المجازر . صحراءُ الذِّئبِ الوحيدِ وَزُمُرُّدُ المذابحِ وعشيقةُ الصدى . صَاعِداً إلى معاركي على سطح القمر . لم نُولَدْ لِنَهْرُبَ من المعارك . كالدَّمِ الأبيضِ في شلالات ذاكرة الحزن يُولَدُ أطفالُنا أشجاراً. سأجعلُ هذا الكوكبَ المجنونَ أكثرَ عقلانيةً حِينَ نُحَوِّلُ أجسادَنا إلى زعتر . هذا الطِّفلُ لَمْ يَعِشْ طُفولةَ البَحْرِ ، لأنَّ البَحْرَ بُنْدقيةٌ يُنَظِّفُها بِزَيْتِ زَيتونِ البُحَيراتِ الثَّائِرةِ . وَنُواصِلُ صَداقةَ البارود حَتَّى يَخْرُجَ البحرُ مِنْ جِلْدِهِ ، وتخرجُ رِمَالُ الشَّفقِ من عَباءةِ البِتْرولِ . سَنُحَاصِرُ تاريخَ الجماجم في الملاحم . نُدافِعُ عَنْ حُقوقِ الإنسان بَعْدَ موتِ الإنسان . هل تَرَى دَمَ الضَّحايا بَيْنَ أثداءِ البحيرة يَسِيلُ ؟ . أنا المواطِنُ العَاطِلُ عن الوطن . لَمْ أَعِشْ إلا في المنافي الدِّيمقراطيةِ . مِتُّ أَوْ عِشْتُ لَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ. فَلا تُنَادِ يَا كَفَنِي على حَشَائِشِ مُسْتَوْدَعَاتِ المِيناء . صار مِكياجُ الجارات سِكَّةَ حَدِيدٍ تَعْبُرُ عليها قِطاراتُ الزوبعة. إِنَّ كَوْكَبَنا عَرَبَةُ المحكومِ بالإعدام . لا وَقْتٌ لتمشيطِ جِلْدِ قِطَّةِ جارتنا ولا مكانٌ لأزمنة معنى الضَّحايا .

أُدَافِعُ عن حقوق الأرامل في الذكريات ، وَحِصَّةِ أطفال الشوارع في الحكايا . لم نُثْبِتْ رُجُولَتَنَا إِلا في ضَرْبِ نسائنا . وقطيعُ النمل يَتَّخِذُ من قبور السنديان سريراً لممارسة الجنس . هذه جيوشُ الصدى لم تَعْرِفْ غَيْرَ الألعابِ النارية في حفلاتِ زِفَافِ بَنَاتِ القياصرة .

لا تموتوا على طوابير الخبز . اذْهَبُوا شُهداءَ سَائِرين في مجد أرض الأنبياء . إِنَّ حَوَاجِبَ البَنَاتِ مُسدَّساتٌ في دُروبِ المجزرة . وَكُلُّ الدُّروبِ تُؤَدِّي إلى دَمِي المسفوحِ الذي يَصْقُلُ ضَفَائِرَ الأعشابِ . نحن ضوءُ الاحتضار نقضي وَقْتنا تائهين في الصَّحاري كَمَا قَضَى بنو إسرائيل نَصِيبَهُمْ مِنَ التِّيه في الأرض . أُفَتِّشُ في كُثْبانِ الرَّملِ عن ذِكرياتِ الضَّحايا. أَسْأَلُ نَيَازِكَ السَّماءِ عن يَوْمِيَّاتِ شَرِيفاتِ قُرَيْشٍ . فلا أَرى أَمَامِي غَيْرَ اكتئاب مرافئ صَقَلَ أجفانَها عشبُ المذابح . أَسألُ إِجاصَ الليلِ عن صَداقاتِ الأمويين والعباسيين . لم أَعُدْ قَادِراً على النَّظرِ في عَيْنَيْكِ ، ولحومُ الأطفالِ تتساقط حَوْلِي كصحونِ المطبخ فابحثي عن غَيْرِي وَحَاوِلي نِسْيانَ وجهي بين ملاقطِ الغسيل. ابْحَثِي عَنْ جيشٍ يحرس ذِكْرياتِكِ .

أدورُ في براري ذاكرة الصحراء أُفَتِّشُ عن رأسِ الحسين . كأنَّ جَمَاجِمَ الضَّحايا تُفَّاحَاتٌ نَاضِجةٌ ، وأجسادُ البشرِ المصبوغةُ بِوَحْلِ المخيَّماتِ عِلْكَةٌ بِطَعْمِ النَّعْنَعِ . أدورُ في أبراجِ مَصَافِي النِّفْطِ بَاحِثاً عن اسْمِي التَّائِهِ بَيْنَ أسماءِ الشُّهداءِ وأرقامِ الضَّحايا . أَهِيمُ على وجهي في الصَّحاري بَاحِثاً عَنْ ذِكرياتِ عِمَامةِ النَّبِيِّ وَسَيْفِ عَلِيِّ بن أبي طالب .

يَعْبُرْنَ صُراخَ الضَّحايا أعمدةً من دُخانِ الحلْم . يُوصِلْنَ سُعالَ البَحْرِ إلى حَقِيبةِ أُمِّهِ الجِلْدية . لا تُحَاصِرْ مَوْتَ البَجَعِ بالذكريات العاطفية على توابيتِ النِّساءِ المنسِيَّاتِ في الحكايات الشَّعْبية . فَلا تَخْدَعِيني يا جارتي بالرُّومانسية ، إن بندقيتي رُومانسيةُ الأنهارِ المقاتِلةِ . لَنْ أكونَ في بِلادي سَائِحاً . أُعيدُ شَعْبِي إلى فلسطين وَأُعيدُ فلسطينَ إلى الخارطة .

أنا رُومانسِيٌّ أَكْثَرُ مِنْ عِماد الفايد لكن قطارات المنفى تغتصبني . دَفَنْتُ حُبِّيَ الأوَّلَ لأنَّ البُنْدقيةَ زَوْجَتي . لَكِنَّ البُنْدُقِيَّةَ أَذْكَى مِنْ حِبْرِ ورق الخريف بَيْنَ السِّكينِ وَقِطْعَةِ الْجُبْنِ . إِنَّ غَزَّةَ الْجَنَاحُ العسكريُّ للبحر . نَحْنُ رَسَمْنَا شَوَاهِدَ قُبُورِنا بقلم الرَّصاص ، وأنتم حَفَرْتُمْ خَنَادِقَ الرَّصاصِ . أنتم تكتبون الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ لِلْحُورِ العِين ونَحْنُ نركضُ وراءَ مِكْياجِ الجواري .

عُشبُ الجثث . خُضْنَا معركةَ التوابيت في أحضانِ دُمَى مَسْرَحِ العَرَائِسِ . فَهَلْ سَتَحْمَرُّ خُدودُ مُراهِقاتِ الكنيسة عندما يَقْرَأْنَ سِفْرَ حِزْقِيَال ؟ . فَلَمْ تَعْرِفْ وُجُوهَنا الملطخةَ بدماء الغاباتِ الاستوائيةِ وجوهُ الرَّاهباتِ الخجولاتِ من الْحُبِّ الواثِقاتِ من انكسار الحلْمِ على الصَّليبِ .

إِنَّ ثَلاجةَ الموتى ممتلئةٌ فركضتُ نحو حُلْمِي فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَ جُثْمَانِ أَبِي . قَدْ تحتاجُ أجسادُنا المنطفئةُ إلى قَبْرٍ يَتَّسِعُ للمطرِ الحِمْضِيِّ والعُشْبِ مَعَاً . عَانَقْنَا كُلَّ الذِّكرياتِ في طريق صلاة الجنازة.

لَمْ يَعُدْ تاريخُ أعضائنا الميتةِ إلا سكرتيرةً تُبْرِزُ مَفَاتِنَها لكي تحصلَ على الوظيفة. وعلى جثةِ الحلم حَفْلةُ تَعارفٍ بَيْنَ الطابورِ الخامس والطابورِ السادس . فَاصِلٌ من عُروض الأزياء بينما تَكتملُ المجزرةُ . ويلتصقُ على الكاميراتِ الناعمةِ دَمُ الضَّحايا الخشنُ .

أُعِيدُ إِحياءَ البحرِ الميتِ أُحَوِّلُ مجرى النِّيل لِيَصُبَّ في أوردتي البلاستيكية . أرشدُ عَاهِراتِ بَارِيسَ إلى لَيْلَةِ القَدْرِ . وابنُ الجيران يَضحك على ابنة الجيران . وابنة الجيران تضحك على ابن الجيران . ومُراهِقةٌ في أزقةِ الجِرْذان تَبْحَثُ عَمَّنْ تضحكُ عَلَيْهِ . هَذا هُوَ مَوْسِمُ الضَّحكِ في الأرض الخراب .

لم أتناولِ البِيرةَ مَعَ بَنَاتِ بَرْشَلُونة لأنَّ تَارِيخي يتناولني مع الزيت والزعتر . وكلُّ تاريخ سعالي أعوادُ مَشانِق وَذِكْرَيَاتُ أَراملَ شَابَّاتٍ . وَبَشَرٌ يُسْحَقُون في السجون اللازوردية . ولم أَسْمَعْ كلمةَ " حبيبي " إلا من شَخْصَيْن : (( ضابطةُ المخابراتِ وحَفَّارةُ القبورِ )) .

لم نَسْتَفِدْ من رُومانسيةِ عماد الفايد غَيْرَ حُبُوبِ مَنْعِ الحملِ للأميرةِ دَيَانَا . ولم يَنْفَعْنا احتضارُ أُنوثةِ الموانئ إلا بِقَدَرِ مَا نُزَيِّنُ بِهِ جَمَاجِمَ الأطفالِ بمكياجِ المجازِرِ . فَكُنْ يَا مَطَرَ الأكفانِ الضَّوْئيةِ أَرْحَمَ بجثثِ الأطفالِ مِنْ تُفَّاحِ النَّيازِكِ . لم تَذْهَبْ غَزَّةُ إلى الأوسمة العسكرية لكني رأيتُها تُعْطِي أسماكَ المتوسِّطِ دَوْرةً عسكريةً مَجَّانيةً . لَيْتَنِي نَيْزَكُ الذاكرةِ لأَحْرِقَ جُلُودَ الشَّاطئِ بأشعة المسدَّسات . والأعداءُ يَنْقَعُون أَكْفَانَنَا في براميل نفطنا . لكنَّ الأراملَ يُدَافِعْنَ عَنَّا في شهر العسل .

يا مدائن الضوءِ المقاتِل رُدِّي لَنَا معنى الفراشاتِ ، وَشَرْعِيَّةَ وُجودِ أظافرِنا في مَجَرَّةِ البَنَادِقِ . بَدَأَ احتراقُ الجسدِ المصبوغِ بأدغالِ الشَّمْعِ فَابْدَأْ عِنْدَ نَشيدِ المذنَّباتِ . كَسَرْتُ ظِلَّ البندقيةِ على لَحْمِ البحر فلم ينتبه الرَّصاصُ الحيُّ إلى قَلَمِ الرَّصاص . أنتَ المعنى فَاحْمِلْ أكتافَ الرِّيحِ على ظَهْرِ البندقية . أتزوجُ بوسنيةً ونحتفلُ في مَجَرَّةِ دَرْبِ التَّبانةِ باستقلال كوسوفو لكي يَصْعَدَ دَمِي إلى خُدود فلسطين .

يا أسماءَنا البعيدةَ عن البحيراتِ العَوَانِس تَزَوَّجي خنادقَ اللحْمِ . تَبْدَأُ الحقيقةُ تَغِيبُ بَنَادِقُ الشُّطآن . لم يَتقدَّم حزنُ الأرضِ في ميلاد احتراقِ هضابِ الطباشير . فَاحْرِقْ حُزْنَ حبل الغسيل وَاعْبُرْ في حقائبِ التلاميذ العائِدِين من المجزرة الذَّاهِبِين إلى القَصْفِ الجوِّي . سَقَطَت الطباشيرُ عن آخِرِ سَبُّورةٍ مَرَّتْ عَلَى جَثَامِين مَنْ مَرُّوا قُرْبَ مُرورِ الصدى . لا تَنْسَ احتضارَ الوَرْدِ الصِّنَاعِيِّ على بَرَاوِيزِ أنهارِنا المنْفِيَّةِ . والليلُ المريضُ يقولُ لحزنِ بَيَاضِ النُّمور : (( اذْهَبْ إلى أَناشيدي )). فَلْيَذْهَبْ عَارِياً من بقايا أسنان سمكة القِرْش على طاولات مطاعم الوجبات السريعة .

نَسِيتُ أشكالَ تِلالِ الرَّعد ولم نختبئ في عَباءةِ السَّنابل . هِيَ الأرضُ أُمُّنا التي تَدْفِنُنَا في فُوَّهاتِ المدافِع لِنَحْيَا في حقولِ البارودِ نَشيداً لِلْبُنْدقية . كُلَّما مشى الزيتونُ إلى شَرايين البحر تَسَاقَطَتْ عُرُوشُ الحِيتانِ الزَّرقاءِ على أَصابعي . فَخُذْ زَوْجةَ الرَّمْلِ إلى ملجأ الطُّوفان ولا تَتْرُكْ لأظافِرِ الحلْمِ طِلاءَ الأظافِرِ المغشوش . كأنَّ جَارَتَنَا تَذْهَبُ إلى عُرْسِها عُرْسِ الشَّظايا في السِّنديان . فَكُنْ شَظِيَّةَ الاحتفالِ بموسمِ عَوْدةِ الشُّطْآنِ إِلى شُطْآنِ قلبي . هذا أنا وَرْدَةُ الجنازَاتِ البعيدةِ . والصَّبايا يَمْشِينَ في تِلالِ قَاعِ المحيطِ يَجْمَعْنَ أحجارَ المعِدَةِ الخاوِيةِ يَأْكُلْنَ ظِلالَ اليَاسَمِين . فَاحْتَرِمْ مَشَاعِرَ خِيَامنا يَا جُوعَ النَّهْرِ . احْتَرِمْ مَا تَسَاقَطَ مِن أَجِنَّةِ الغَسَقِ قُرْبَ احتفالاتِ شِتَاءِ سُخُونةِ الدَّمْعِ بُرودةِ الرَّشَّاشاتِ في وِدْيانِ رَسائلِ الشَّفق . هذه أظافرُ بندقيتي نَسَجَتْ مِن اللامِ والأَلِفِ مُدَنَ الرَّفْضِ ، ولم تَحْمِلْ على ظَهْرِها عَرْشَ الحوت الأزرق . فانتشرتْ في عُروقِ الرَّصاصاتِ سُفُنُ النَّبْضِ . ولا بُدَّ أن أصيرَ شهيداً لكي تُصَدِّقَ جَارَتي الأرثوذكسيةُ أَنَّ حياتي الزَّوْجِيَّةَ مَعَ البارود ، وُمُسْتَقْبَلِي العَاطِفِيَّ مَعَ الحورِ العِين .

وإذا كَانَ الصَّدى الرَّمْلِيُّ قد رَمَى جراحَنا في البحر طُعْماً للألغامِ البحرية فَإِنَّ ذكرياتِ الزنازين أَسندتْ أقفاصَنا الصَّدريةَ على صَنَوْبر الممرَّاتِ أَثناءَ جَلْي الصُّحونِ في المطبخ . والمساءُ يزرعُ في خُدودِنا شَجَرَاً يَسْرِقُ ذِكْرياتِ المطر . فصَدِّقْ كَلامَ حُزْنِ الأرامل في خَرِيفِ الرُّعود .

مَعابِرُ الذِّكرياتِ والرومانسيةِ المخزَّنةِ في أكياسِ الطَّحِينِ الذَّاهِبةِ إلى البحر المكهرَب . خُذُوا مَذَابِحَكُمْ وَاتْرُكُوا لَنَا أثاثَ المنفى تَجْلِسُ عَلَيْهِ ذِكْرياتُ الدُّودِ . أمعائُنا أكثرُ حَداثةً مِنْ شُعراءِ الحداثة . ولم يَصْمُدْ مَعي غَيْرُ دَجَاجِ جَارَتِنا المطلَّقةِ . ولم يَلْتَقِطْ صُوَرَنا التِّذْكَارِيَّةَ غَيْرُ مُخْرِجي الفيديو كليب في الكِفاحِ المسلَّحِ .

أَكْثَرُ مِنْ حُزْنٍ يَتكدَّسُ كصناديقِ زُجاجاتِ الخمر . أَكْثَرُ مِنْ مَوْتٍ أكثرُ من انهيارٍ. فماذا أفعلُ يا أسنانَ الجماجمِ المبتسمةِ عِنْدَما أموتُ في منفى الذَّاكِرةِ بِلا رَقْصَةِ الوَدَاعِ الأخيرِ ؟ . كُلُّ زُجَاجاتِ المحالِّ التِّجاريةِ تَشْهَدُ على تَوابيتِ البَجَعِ البَرِّي لَكِنَّ أنهاري تُحَوِّلُها الذِّكرياتُ إلى رَصَاصٍ. فَهَلْ أُطْلِقُ جُرْحِي على الرَّصَاصَةِ لِيَرْتَاحَ الشَّاطِئُ مِنْ صُراخِ أبنائه العائِدِين إِلى مُخيَّماتِ الشِّتاءِ السَّاخِنِ وَهِيَ تَرْفَعُ أقلامَ الرَّصاصِ هُدْنةً مع أمواج الذكرياتِ ؟ .

أنا والمطرُ رَصَاصتان . دَخَلْتُ في خُشُوعِ المطرِ عَارِياً إلا مِنَ البَنَادِقِ. إِنَّ قِطَّتي تَفْرِضُ شُروطَها على سواحل الدمع . وَكُلُّ الطُّرقاتِ إِلى حُفَرِ المجارِي تُؤَدِّي إلى دَمِي فَاصْعَدْ شَجَرَاً وَاثِقاً يَا ظِلالَ نَوْرَسٍ يُحْتَضَرُ وَصَوْتُ الرَّصاصِ أَحْيَاهُ لكي أَرى فِيَّ مَا انكسرَ مِنْ مُعَسْكراتِ اليَانسون . لا دَمٌ مُحَايِدٌ ولا خِنْجَرٌ دُبْلُومَاسِيٌّ . كأنَّ الرَّعدَ الذي يُخَزِّنُ تَوابيتَ النِّساءِ في أكياس الطحين الفارغة لم يَتَعَرَّفْ على خَنَادِقِ حُزْنِنا الرَّصاصيِّ .

بَيْنَ مُضَادَّاتِ الاكتئابِ والحبوبِ المنوِّمةِ يَمُرُّ مَوْكبُ الحشراتِ الرومانسيُّ . كُلُّ شَيْءٍ في ضَحكاتِ الشجرِ رومانسيٌّ كالدَّمِ البارِدِ في الشِّتاء السَّاخِن . فَقَتَلَ الغُزاةُ ظِلالَهم لِيُخْفُوا آثارَ احتضارِهم في الموج المحصَّنِ بالنَّعْنعِ . أَحْمِلُ على ظَهْرِي ظِلِّيَ الثَّقيلَ فَأَسْقُطُ في فُوَّهاتِ المدافع نَسْراً . قَصَفْتُ ظِلالَ الشَّجر بمطر الجروح الطَّازَجةِ . فَقَصَفَ قلبي تُرابُ الشَّفقِ . تَصَاعَدَ مِنْ قَفَصِي الصَّدْريِّ دُخانُ الأرض وزنازينُ الفيضانِ الوردي .

كُلَّ يَوْمٍ تَقْتُلُون الحسينَ . فإلى متى سَتَظَلِّين في ثِيابِ الحِدادِ يا فارسيةً تعتنق الإجهاضَ بعد نكاح المتعة ؟ . في الطريق إلى المذبحة صادفتُ قلبيَ القديمَ . مَشَى المطرُ إلى حُضْنِ أُمِّهِ . تَعَالَ يَا قَبْرِي إِلى حُضْنِي . ارْكُضْ كَحِصَانٍ هَارِبٍ مِن حُمْرةِ الشَّفق . هذه حَشائِشُ المدفنِ هُوِيَّةُ خُيُولِ رُمُوشي . وَلَيْسَ فِي يَدَيَّ غَيْرُ حُمْرةِ الدَّمِ وَأَحْمَرِ الشِّفاهِ لِصَديقتي الخيمةِ . مَضَيْتُ إِلى قِمَاشِ تَارِيخِ الغُزاةِ فَعَبَرْتُ بَحْراً لم تتذكر وَجْهَهُ أميراتُ موناكو. فَانْصُبْ خيمتكَ في معسكراتِ البِطِّيخ البَرِّي.

مِنْ زَمانِ الموتى الأخضرِ تَأْتي فلماذا بَكَيْتَ على كَتِفِ الطُّوفان ؟ . اتْرُك الدَّمْعَ لكي يَقُودَ المجروحِين إِلى دبابيس مَناديلِ الأراملِ في محطة القِطارات . عَلَى مِقْعَدِ الأحزان أَحرقتُ أحزاني . واختبأت المسدَّساتُ في إسمنت سَقْفِ حَلْقي . خُذْ مِفتاحَ قفصي الصدريِّ تِذْكاراً فيما بَيْنَنَا ولا تتذكر عُيوني على كاميراتِ المِشرحة . سيأتي الصيفُ مِن وراء قلوب الصَّبايا ونَفْرُشُ عِظامَ الأنهارِ نَقَّالةً لإسعافِ نشيدِ الغاباتِ المحترِقة بالهديلِ . حَفَرَت الرُّعودُ على سُطوحِ عَمُودي الفَقَرِيِّ وَشْمَ القصيدةِ ، فَنَظَرَت البلابلُ في دَمِي فَلَمْ تَجِدْهُ أَزْرَقَ . لَكِنِّي أَحْمِلُ جُثَّتي على ظَهْري بعد انتشالها من حُفَرِ المجارِي .

يا أَجْمَلَ الأراملِ في مخيَّماتِ السُّيول المشتعِلة . سَتُشْرِفِين على جَنَازَةِ العَالَمِ . يا أرملتي المحترِقةَ بحِبر القنابل ، تَبَادَلِي الرسائلَ الغراميةَ مع الرصاص الحيِّ . وَمَضَتْ فَراشاتُ المسدَّسِ لَيْلاً مِن الحطب العتيق . كُنْ صَدِيقاً للجرحى لتكتشفَ بين أسنانِكَ تَاريخاً مِن الغاباتِ المحروقة .

تِلْكَ ظِلالُ البَنَادقِ على خارطة القلب . يَا بِلاداً محبوسةً في قَفَصِي الصَّدْريِّ ، خُذِي مِفْتَاحَهُ وَاخْرُجِي مِن صَدى الظِّل ظِلالِ القيود على خَاصِرة البحر الدموي مِن أَثَرِ دِماء أطفال الخِيَام وَجِيَفِ قِطَطِ مَجزرةِ سِرْبينتشا . لم نَكْبُرْ كثيراً مُذْ رَحَلَت الأنهارُ إلى مَوْقَدةِ الرِّئَتَيْن . أُقولُ للموتى إِنَّ دَمِي سِرْبُ أَقلامِ الرَّصاصِ فَلَمْ يُصَدِّقْني الرَّصاصُ الحيُّ . سأمشي لكي أمشيَ نحو ما مَرَّ مِن ذاكرةِ البَدْوِ الرُّحَّلِ على أظافر البارود . سأعودُ طِفْلاً لكي تُصَدِّقَني الطائراتُ الورقيةُ فَلَمْ أَرَ في بيتنا المهجور غَيْرَ صورةِ جَدِّي على جُدران شرايين الرياح .

لم نَسْتَفِدْ مِن الرُّومانسيةِ غَيْرَ ضياعِ الأندلس ومَقْتلِ عِمَاد الفايد . وَكُلُّ الجثثِ المعلَّقةِ على حَبْلِ الغسيل أَعْرِفُها ولا تَعْرِفُ أصابعَ أُمِّي فَأَبْحَثُ عن عائلتي الذبيحةِ بين ملاقط الغسيل على سطوح هُوِيَّةِ الموج بعيداً عن خنادق المعنى . تَحْفِرُ البناتُ في ظِلِّي المصلوبِ مَسْرحاً للعرائس .

احْتَفِلُوا في عُرْسِ الدَّمِ بِزواجِ تُحَفِ الكاتِدْرائيات قَبْلَ أنْ تَزُورَ قَبْرَ لُوركا النِّسوةُ المتَّشِحاتُ بمحاكمِ التَّفتيشِ والصُّلبانِ السوداء. إِنَّ كَوْكَبَ الدَّجاجِ مُعَسْكَرُ اعتقالِنا . نَعِيشُ على هَامِشِ الرعد فَلَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَنا بَرْقُ الكلماتِ المقاتِلةِ . هل يَعْرِف وجوهَنا عمر بن الخطاب ؟ . هل نُدافِع عن ذِكرياتِ سَيِّداتِ قُرَيْشٍ ؟ .

مَشَيْنا حَامِلين قُمْصانَ النَّعنعِ البَرِّي على ظُهور أبقارِنا الهزيلة . ركضت أشجارُ الرُّمانِ إلى بُنْدقيةِ الشَّهيد. لا تَقْرَأْ أسماءَ أراملِ الشُّطْآنِ على مَسْمَعِ البحر . إِنَّ سَمَكَةَ القِرْشِ تُعَانِي مِن الرَّبو. والحوتُ الأزرقُ مُصابٌ بأزمةٍ قلبيةٍ . كأنَّ جَسَدَ الطوفانِ قميصُ العاصفةِ . كتبتُ اسمَ الرِّياح على تُفَّاحِ دِمائنا ، فهل أبحثُ في حُفَرِ المجاري عن جمجمةِ رضيعِ الأعشابِ ؟ . هل تسيرُ رَاقِصاتُ التَّانغو على خُطَى غِيفارا قُرْبَ فِئْرانِ المعدة ؟ . ماذا تفعلُ ابنةُ الزَّنجبيلِ بخاتِمِ الخطوبةِ بعد مَقْتلِ رمال الكواكب ؟ .

أَمُرُّ على اللازورد فَيَمُرُّ على تَعَرُّجاتِ عُروقي قُرْبَ سُجوني . أَكْسِرُ بُرْتقالَ النسيانِ أم أَبْنِي نسيانَ البرتقالِ على تابوتِ الليمون ؟ . أطرحُ أسئلةَ الفَيَضَانِ على كراسي غُرْفةِ التَّحقيق . بَيْنَنَا الرَّشاشُ وردةٌ تأتي من حُمْرةِ دمائنا من أحمرِ شِفَاهِ حَفَّاراتِ القبور . مُلُوخِيَّةٌ بالدَّيناصوراتِ هذه هي بلاد غُرَفُ الإعدام بالغاز هذه زجاجاتُ عطورنا .

لم تَتَّسِعْ لنا ثلاجةُ الموتى يا صديقي فَخُذْ مكاني في تِلالِ الصَّهيل ، وَتَذَكَّرْ كُلَّ أَصابعي التي مَرَّتْ عليها خَيْمةُ الأعاصير . لم أستطع أنْ أَحْضُرَ عُرْسي لأنَّ البحرَ طَوَّقَ نَعْشِي بالمرجان . لا تغادروا أيها الضيوفُ الجالِسون على زجاج المقابر الجماعية . سَتَصُبُّ البروقُ البعيدةُ دَمِيَ البارِدَ في أَوردةِ الشِّتاءِ السَّاخِنِ قُرْبَ كُؤوسِ المنفى فاشربيني يا غُرَفَ الفنادقِ الشعبيةِ قُرْبَ المجازِرِ الشَّعبيةِ . حَتَّى المنفى يَنْفِينا فَلَمْ تَعُدْ شَرايينُ رِقَابِنا قَادِرةً على تلميع سيوف أجدادنا . في موسم هجرتي أَطْمَئِنُّ على صعود الكائنات من البَيَاتِ الشتوي في تموز . وتموزُ هُوَ أيلولُ إِذا قَامَ حزيرانُ بِذبحنا . نَتْرُكُ رَسائلَ الحبِّ على طاولةِ غرفةِ الفندق ، وَنَبْحَثُ عن منفىً أكثرَ دِفْئاً مِن قلوب الآبار العاشِقة لظلال المعنى .

وَبَقِيَ الأطفالُ مُعَلَّقِين بجثثِ أمهاتهم . كأنَّ دَهْشةَ سَوَاحِلِ الأناناسِ دِماءُ اليَاقوتِ . ذِكْرياتُ يَافَا لا تَتْرُكِيني عَارِياً تَحْتَ المطر . وَفَوْقَ بِنْطالي أوحالُ النَّيازكِ وَقُبورُ السَّمكِ المبْتَلةُ بالقنابل الفُسْفورية . لا يا حَيْفا ، لا تُصَدِّقي ما تقوله الحيتانُ الزرقاءُ عن نهاية قصة حُبِّنا . لا تَحْرِقي رَسائلَ الغَرَامِ فِيما بَيْنَنا . لا تُصَدِّقي الليلكَ الذي حَكَمَ بالإِعدام على ضحكاتنا . أرجوكِ قُولِي للشطآن كَمْ مَشَيْنا معاً في نشيد الأمطارِ حُفَاةً نرتدي أدغالَ اليورانيومِ المشعِّ كشواهد قُبورِ وَحْلِ المخيَّمات.

لستُ مجنوناً لأنسى يَدَيْكِ في زنازين رئتي . يا وردةً تأخذُ دَمِي أحمرَ شِفَاهٍ ، وَبُنْدُقِيَّتي كُحْلاً ، وبكائي حِبْراً لرسائل العشق في منتصف الليل . كَلا يا عكَّا لستُ أنا من بَاعَ أجفانكِ لأشربَ الخمرَ مع أميراتِ موناكو . مررتُ في المساءِ وتاريخُ أشعارِ النَّارِ قَطِيعٌ مِن السَّلاحفِ البحريةِ يُحْتَضَرُ . حضنتُ دَمَاً لا أعرفُ أَبَاه طِفْلاً يرتعشُ على صَدْرِ أُمِّهِ الذبيحةِ فَكُنْ طريقي لأكتشفَ آخِرَ الضَّوْءِ في نَفَقِ الذكريات. مُعَلَّقةٌ الجثامينُ على جُسورِ البنفسج فَابْتَعِدْ يا مَسائي عن دفتر الفيزياء .

لن أَنسى مدرسةَ الطوفان . والأسوارُ تَصِيرُ نَشِيداً للأدغالِ . نجحتُ في امتحانِ لُغَةِ الثَّوْرةِ بَكَيْتُ في امتحانِ الحنين . أَظَلُّ أَحْفِرُ في برتقالِ خَاصِرة العُمُرِ نَشيدي . وَأَتْلُو تعاليمَ المطرِ أمامَ صَدِيقاتِ أُمِّي الشَّهيدةِ . فَهَلْ عَبَرْتِ المعنى يا هاويةَ مأزقِ كلمات النَّار ؟ .

لا تحرقيني . أريدُ أن أحترقَ بِقُبُلاتِ الأمواجِ عَلَى صَناديقِ مُسْتودعاتِ قلبي المريضِ . خُذْ مَرَضِي تِذْكاراً ولا تَذْكُرْني إلا في الطريق إلى السواحل البعيدة . كَبُرْتِ يا أُمِّي بعيداً عن سُعالِ أبي . وَكَبُرْتُمَا مَعَاً في ذِكْرى زواجِ الشاطئ من أحلامي . وَبَقِيتُ أَعْزَبَ وقلتِ لي فَلْتَذْهَبْ . أذهبُ إلى أوراقي القديمةِ في مؤلفات الكواكب . لم أُمَزِّقْ كَبِدَ الحِبر لأعترفَ أمامَ مذبح عشقكِ بأنَّكِ قاتلتي يا كُلَّ تَواريخِ الأحجارِ الكريمةِ . فِلِسْطِينُ هِيَ أُمِّي فَمَنْ وَلَدَنِي أَوَّلاً أَسوارُ عَكَّا أَمْ بُحيرةُ طَبَرِيَّا ؟ .

يا فَيَضانَ ذِكرياتِ خُلْخالِ زَوْجةِ العَصْفِ . يا سَجَّاني الدُّبْلوماسيَّ ذَوِّب الأحكامَ العُرْفيةَ في عصير البرتقال لكي ترى في شَجَرِ الملاحِمِ أساطيرَ جُمجمةِ الموجِ. يُحَرِّك مِلْحَ دُمُوعي كُلُّ مَشاعِرِ حُقولِ قَصَبِ السُّكر فَاسْكَرْ بدمعي أو دَمِي. أَعْطِني مِفتاحَ قَبْري المفتوحِ أمامَ السائحات . وَخُذْ مَا بَقِيَ في غُرْفتي مِن بَراويزِ الأنهارِ المنفِيَّةِ .

يا أطفالَ غَزَّةَ الصَّاعِدِين إلى رايةِ الذاكرة النَّازِلِين إلى كوخ قانون الطوارئ . يا مَنْ أَنْجَبْتُم البارودَ قَبْلَ سِنِّ البُلُوغِ . لا تَسمحوا لأسماكِ القِرْش أن تُتاجر بدمائكم المعلَّبةِ في مِنْفضة السَّجائر .

في بلاد رياح الخماسين ، كُلُّ شَيْءٍ يركضُ إلى الانطفاءِ . ذَهَبَ الرِّجالُ إلى الانطفاء . ذهبت النساءُ إلى الانطفاء . ذهب الانطفاءُ إلى الانطفاء .

لم يَعُدْ شَيْءٌ يَلْمَعُ سِوَى القنابلِ الفُسْفوريةِ وَشَواهِدِ القبور . أُفَتِّشُ في أضواءِ السَّياراتِ عَنْ دماءِ الضَّحايا . أَقْسِمُ لَيْمونةً بخناجر الرَّعد وَأُخَزِّنُ فيها المقابرَ الجماعيةَ وَدَسَاتِيرَ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ . دخلت أشجارُ الذاكرةِ في شَيْخوخةِ السَّيفِ . صارت خَنَاجِرُنا أَقْصَرَ مِن الطريق الصحراويِّ بين الرِّئتَيْن فَخَسرت هِضابُ الحنينِ طَعْمَ البابونج . رميتُ طُعْماً للأسماكِ . تَخْبُطُ في دَمِي وحشةُ الأرصفةِ القذرة . والمساءُ يصطادُ حَشَراتِ أُمْنياتِ الخريفِ .

أتى الشتاءُ السَّاخِنُ فَجَهِّزي يا أرملتي كوباً من الشاي الأخضرِ للقِطَّةِ الهارِبةِ مِن القصفِ المدفعيِّ . مِتُّ في شمال القلبِ وَمَاتَ ظِلِّي في جَنوبِ العاصفةِ الثَّلجيةِ . نَحْنُ رَجَعْنا إلى حَفْلةِ الجماجمِ نَحْمِلُ وَقْتَ السَّنابلِ في الحقائبِ فلم نَنْتَبِه إلى حفلة رأس السَّنةِ في مُنتجعات الدماء اللزِجَةِ . سَتَكُونِين يا غَزَّةُ لَوْحةً زَيْتِيَّةً على جُدرانِ اللوفر ، حيثُ السائحاتُ العاريات يَضْحَكْنَ أمامَ أجفانِ الشهداءِ ، حيثُ الجنودُ الفرنسيون يَسرقون آخِرَ أحلامِ عنبِ الجزائر ، وَيَعْبُرُون إلى الإِبادة واثِقِين من الفِيتو .

رَسَمُوا على قُبورِ البَجَعِ المندهش اتفاقيةَ جِنيف الرَّابعة . يتجوَّلون في دماء الحزن الثالث . دَخَلْتُ إلى خشبِ الأعاصير . إِنَّ حُزْني سِكينُ المطبخ ولم يعد هناك مطبخٌ ولا سكاكين . نطبخ حُزْنَ الشموسِ في مَعِدَةِ الإعصار . وَنَقْطَعُ لحمَ البحيرةِ بسكين جارتنا المنفية في مملكة اليتامى .

كُلُّ الحزانى يَعيشون في أزقة ميناء المناديل السَّاقطة على الرصيف . غابت الصَّبايا في خواتم الخطوبة . وذهب المزارِعون إلى الشفقِ يصطادون المطرَ الحمضي . لا أَقْدِرُ أن أُحدِّقَ في عيونِ البحيرة العانس . أنا آسِفٌ يا قَاتِلي لأنَّ طَعْمَ دَمِي لم يَصِلْ إِلى مستوى عصير الليمونِ المنعِشِ .

لا أرى بَطَّةً تَضَعُ تَاجَ الوداعِ على أجفانها في محطة القطارات التي لا تصل أبداً. أَخْجَلُ أن أكونَ رومانسياً والعَالَمُ ينتحرُ مِنْ حَوْلِي يتساقطُ قِلاعاً مِن هَلْوسة .

تبحث خيولُ الشفقِ عَنْ كِسْرةِ نَهْرٍ لأطفالي . كسرتُ كُلَّ المرايا على حيطان بَنْكرياسي . لا أَقْدِرُ أن أُحدِّقَ في عيوني. وأشلاءُ أُمِّي مَرْمِيَّةٌ تحتَ عَجَلاتِ سَيَّاراتِ الإسعاف. كان الدَّرْبُ الموحِلُ منفىً لِلْبَطِّ الأعورِ . فَقَدَ الفيضانُ ذِرَاعَه في المعركة وما زال يُقَاتِلُ . وداعاً يا اسْمَ تَابوتِ الأزهارِ تَحْمِلُه القِطَطُ العَرْجاءُ إِلى أغاني المنفى الثلجيِّ .

اخْلَعْ جِلْدَكَ قُنْبلةً فراغيةً لِتَمْلأَ فَراغِي العاطفِيَّ وَتُخَبِّئَ في وَقْتِ فَرَاغِ أجنحةِ الفراشاتِ مخازنَ الأسلحةِ . وَاكْسِرْ أَنفَ الخيمةِ لم تُخْلَقْ لِلْخِيامِ . يا نَسْراً يَغْمِسُ عُنفوانَه في الوهج، وَيَبْسُطُ أجنحةَ النارِ على صحاري الحطبِ . حَتَّى خَشَبُ التَّوابيتِ تُقاتِل . فَلا تَبْكِ على مَقتلِ أصابعِ السُّيولِ في المزهريات . خرجتُ من رومانسيةِ الجسد الملوَّث بالغِزْلان الميتة ودخلتُ في رومانسيةِ العُبُوَّاتِ النَّاسِفة أَصُفُّ الصَّدماتِ العاطفيةَ على رُقْعةِ ذاكرة رِياحِ الخماسين كأحجارِ الشطرنجِ ودهشةِ الرَّاهِباتِ في طَابورِ صُكوكِ الغُفْران . أَخْرُجُ مِن حِبَالِ الغسيل أَصْعَدُ مِن أكوامِ الرَّصاصِ المطاطِيِّ أكتبُ قصائدَ العِشْقِ لِلْحُورِ العِين وَأَمُرُّ على أضرحةِ المطرِ العَارِي مِن البَارود أَحْقِنُ الأمطارَ الحِمْضِيَّةَ بأقواس النصر . وَكُلُّ بُحَيْراتِ البَارودِ تَصُبُّ في شَراييني وَتُحرِّك قَلْبَ الثورة . أنا ثَوْرتي مَسَاءاتُ حليبِ السنابل ذَاكِرةٌ تتزوَّجُ التِّين في مَدَافِنِ دَبَّاباتِ الغُزاةِ . أَعْصِرُ دَمْعي لأمنحَ الجوْعَى مِلْحَ الطَّعام . لم أَعُدْ أُمَيِّزُ بَيْنَ السِّلْكِ الدُّبْلوماسِيِّ والأسلاكِ الشَّائِكةِ على أسوار رِئَتي . وكُلُّ الأسلاكِ الكهربائيةِ سِيَاجُ قَفَصِي الصَّدْرِيِّ فَافْتَحْهُ لاستراحةِ المحارِبِ الذي لا يستريح .

رسمتُ ذاكرةَ الحقولِ خُيُولاً تُرَمِّمُني البنادقُ وَرَمَّمْتُ أبجديةَ السَّنابلِ فَلْتُقَاتِلْ . كأنَّ النارَ ترعى قطيعاً من جماجم السُّنونو . أَخرجتُ أرقامَ ظِلالِ الضَّحايا مِن حِساباتِ الغَسَقِ . لَسْنَا جَدِيرِين بالزَّواجِ مِن شَرِيفاتِ قُرَيْشٍ . نحن أَضعفُ مِن النَّظر في عُيونِ النساء . لَسْنا رِجالاً لكي نُعَلِّقَ أنوثةَ البنادق على حبل الغسيل وَنَصْلُبَ الأسطورةَ على أعمدة الكهرباء .

المنفى الرُّخامِيُّ وَنَقِيضُ العُشْبِ وَجْهانِ لِمُسَدَّسِ البَرْقُوقِ . أمعائي نَائِمةٌ والكلاب تحرسها ، وأسماكُ البحرِ تَحْمِلُ القنابلَ وَتُدَافِعُ عن دموعنا . لا نَقْدِرُ أنْ نَحْمِيَ قِطَّةَ جارتنا من الاغتصاب . نحنُ اغْتَصَبْنا رموشَنا فَصِرْنا ظِلالاً لأشياء تَمُرُّ على زُجاج القطارات . وَصَوْتُ الرَّصاصِ هُوَ الرُّومانسِيُّ الوَحِيدُ في أَزِقَّةِ المجزرة .

لَمْ نَسْتَفِدْ مِن العَالَمِ الحرِّ غَيْرَ مَقْتَلِ عِماد الفايد وأسواقِ الرَّقيقِ الأبيضِ . لم نَسْتَفِدْ مِن أكسفورد غَيْرَ مُصَاحَبةِ الفَتَياتِ الإِنجليزياتِ في أَريافِ قَرْميدِ الحبِّ الأوَّلِ المذبحةِ الأولى أكواخِ الإبادة . بَرَاوِيزُ أعضائي على أوتادِ خَيْمتي مُسْتَوْدَعُ ذَخِيرةٍ . والشعبُ تُفَّاحاتٌ على نِصَالِ المِقْصلةِ . حَاضِناً أشلاءَ الأطفالِ المعلَّقةِ على حَبْلِ الغسيل اكتشفتُ مطراً يَخْرُجُ مِن قَلْبِ الشَّمْسِ يَصْقُلُ حِبَالَ المشانق . لا تُعَانِق القَاتِلَ وَابْقَ في الشَّفَقِ تُقَاتِلْ . دِيمقراطيةُ المقاصِلِ . سَأقولُ للشموس المزيَّفةِ : لا . لا تُعانِقِيني لا تَخْتَبِري حِبْرَ أشعاري على سُطوحِ عَرَباتِ نقل الجنود . لا أريدُ نُورَكِ الحارِقَ إِنْ كان سرطانُ الجِلْد نشيداً وطنياً .

والرملُ يقضي الليلَ في كهوف زوجته ويَطْعَنُ الشُّموسَ التي تقضي الليلَ في المعارك . ولو ضاعت الأندلسُ فقد ربحنا غَرامياتِ ابْنِ زَيْدُون . ولو ضاعت كشميرُ فقد ربحنا سِينما بوليود . ولو ضاعت الشِّيشانُ فقد ربحنا ذِكْرياتِ لاعباتِ التِّنس الرُّوسياتِ .

حَاضِناً ضَوْءَ عِظَامِ الموتى ولا قَتْلَى على حِيطانِ كَبِدي إِلا رُمُوشِي . قَتَلْنَاكُمْ ثم سَرَقْنا مِنْكُمْ ثمنَ أكفانِكم ، فَسَامِحُونا نَحْنُ المسدَّساتُ البلاستيكية التي تُحلِّلُ الوَضْعَ الإِستراتيجيَّ لِلْجُثَثِ . لا عُشْبٌ يعترف بنا سِوَى حَوَافِّ مَرايا المنفى ولا منفى يوافق على استقبال رؤوسنا المقطوعة . إِنَّ دَمِي الملتصقَ على حِيطانِ حُفَرِ المجاري سَيَرفع أسهمَ البورصة . إِنَّ شَراييني في ممالكِ القَاتِ مُزِيلُ عَرَقٍ فاخرٌ .

نَغْدُو سَبايا حافياتٍ في طُرْوادة وَنَحْلُمُ بالأندلسِ على نَوافذِ سُجُونِنا في الْجُزُرِ النَّائيةِ . نركضُ في رئةِ التفاح المسموم ونشربُ نَخْبَ المجزرة . بَارِكُوا لِلْجُنونِ يا رِفَاقَ السِّلاح . لقد اكتشفنا في أجساد الفقراء حقولَ نفطٍ . بلادي التي تَقْتُلُ بلادي اقْتُلِيني وَامْشِي في جَنازتي . يا وَطَنِي القَاتِلَ المقتولَ ، اذْبَحْني وَانْهِ المِهْزلةَ . بلادي التي حَلُمْتُ بها أبادتْ كُلَّ أحلامي .

أنا فيزياءُ تُرْبةِ الانقلاباتِ وكيمياءُ أعاصيرِ الرَّشَّاشات . لا أُطِيقُ النظرَ إلى وجهي في المرآة . يا بِلاداً تَقتلُ أنبياءَها ، وتقدِّس عاهراتِها ، اذهبي إلى أرشيفِ حجارة النيازك المكسورة . يتكاثر اللصوصُ المصلوبون على ربطات العنق . فَلْتَكُن الضحيةَ أو رَقْمَ الضحيةِ التي تهتف لقاتلها . وستأخذ رَقْماً جديداً للزِّنزانة . اقتليني يا بلادي ثم قَدِّمي اعتذاراً رسمياً لأرملتي .

أرشدتُ المخْبِرَ المكلَّفَ بمراقبتي إلى موقع حُزني . لماذا حَوَّلْنا المرأةَ إلى حِذَاء مطاطي على قياس رِجْلِ النَّخاس ؟ . تقفزُ كالتَّوابيتِ أسماكُ القِرْشِ في أحاسيس الرَّاقِصة بعد انتهاء رقصتها المصيرية .

انْتَحِرْ يَعِش الحلمُ في أجفانِ الغصونِ الخائفةِ. يا كُلَّ فقراءِ حُفَرِ المجاري المندَهِشِين من اللوحات الدبلوماسية لسيارات المرسيدس السوداء . ازْرَعُوا احتضارَكم في أجراس السنابل . تُرَبِّي جُنونَ العشبِ الدِّيدانُ في حُنْجرةِ رَقَبَتي . سَأُقَدِّمُ رِسالةَ ماجستير عن أناقةِ رَجُلِ المافيا وَشَرَفِ ابنةِ القُرْصان وخرافاتِ الكاردينال النحاسي . وَأُضَيِّعُ وَقْتي في اصطيادِ الأسماكِ في البحر الميت . نُدْخِلُ الإنسانَ في الانقراض ، وَنُنْقِذُ الرقصَ الشرقي من الانقراض .

شَهْرُ العسلِ هو استراحةُ المحارِبِ المسافرِ بين دخولِ الليل ولَيْلةِ الدُّخلة . وزجاجُ نظارتي الطبية ضِدُّ رَصَاصِ العِشق المخملي . رومانسيةُ تَحَوُّلاتِ حَشَائِشِ المدفن ، حيث يصيرُ ضَابِطُ المخابرات عازفَ بيانو محترِفاً .

تَعْزِفين على البيانو وَأَعْزِفُ على حَبْلِ مِشْنقتي. لا أحتاجُ حَفَّارَ قُبورٍ مُستورَداً . فأنا أحفرُ قبري بيديَّ . أُنادي على الجثثِ المنسية تحت المطر بلا فائدة. وأصرخُ في قَشِّ الإسطبلات الأزرقِ.

أيتها الخرافةُ المقدَّسةُ والأكذوبةُ المطهَّرةُ ، كَمْ عددُ الجماجم المرصوفة في الطريق إليكِ ؟ . ما فائدةُ غرفة النوم إذا كانت حياتي ثلوجَ الأرَقِ ؟!. سأُقدِّم استقالتي من مهنة اصطياد قلوب النيازك وأضعها على مكتب الطوفان . فَلَيْسَتْ شرايينُ البَجَعِ سِوَى اسمي خارجَ حُدودِ أمعائي التي أَسْقَطَتْ عن حديقة أكفاني الجِنسيةَ . على خطى صقور قريش سائرون : (( القتال حتى انفصال الرأس عن الجسد )) .

لا تزعج النملَ الذي يقضم شراييني القُرْمزيةَ . الحزنُ المزركَشُ ، وَرَقْصةُ اليبابِ ، وأقواسُ النصر في المذابح . يا رَصَاصَ الطِّين في الورد الذي بَصَقَ علينا ورَحَّبَ بالسائحين . لَوِّنْ أحذيةَ الإمبراطورة بجماجم الملوك . وَطَنٌ لم يَعُدْ لنا فَخُذْ سريري في غرفة العناية المركَّزة يا قَاتِلي العزيزَ . خُذْ مَجْدَكَ في الرقص على أنغام التطهير العِرْقي .

يا رَاقِصةَ الدَّمار ، خَصِّصي جُزْءاً من دَخْلِكِ للإنفاق على البشر النائمين في سِلال القمامة . وحيداً أعيش في البارودِ مَلِكَاً ألهثُ في شوارع الجثامين الطازَجة . حَيْثُ حُفَرُ المجاري تصير دُسْتوراً للجرذان الأنيقة . سرقةُ الجثث المتفشية كغموض ابتسامة لاعبات التنس ؟ .

يا مَنْ قَتَلْتُمْ عماد الفايد ، وأَقمتم على ضريحه شعائرَ عيد الحب. شعوبٌ من دُخان القطارات. أنا والمخبِرون نعاني من الفراغ العاطفي ، فاشلون في الحبِّ لأننا لم نتعلم أن نُحِبَّ ، لأن النظريةَ النِّسبيةَ لا تَقْدِرُ أن تصيرَ مُضَادَّ اكتئاب لسرعة ضوء عيوننا المخلوعة كالملوك المخلوعين . كيف تُفرِّق الظلالُ بين حليب النساء وآبارِ النفط ؟ .

مِنْ دماء الضباب يُولَد ضبابُ زجاج عصير البرتقال تفاحاً نائماً في أقصى ذكريات ملح الدموع . متى يا جنونُ سَتَرجع إلى طريق الفجر الصاعق ؟ . لمعانُ سطوحِ الكوابيس كالدبابيس . هناك ظِلالُ جَارِيةٍ فارسيةٍ مكسورةٍ تعشقُ خليفةً عباسياً مكسوراً . (( ابْكِ كالنساءِ مُلْكاً مُضاعاً لم تحافظْ عليه كالرِّجال )) . كأنَّ المزارِعين يَحصدون جماجمَ الأطفال على عُشْبِ الزِّنزانةِ الانفرادية .

وَعَرَّابو داحس والغبراء رفعوا الرايةَ البيضاءَ . يأخذون دِماءَ الأطفالِ ألواناً جديدةً لربطاتِ العُنُقِ . وَالقِطَطُ الضالةُ تَلْعَقُ دِماءَ أبنائي في شوارعِ الأنقاض . إِوَزَّةُ الطوفان تَحْمِلُ على ظَهْرِها أثاثَ المنفى وَتَرْحَلُ إِلى حرائق صَدْري . فَكُنْ مَوْتاً لأغصانِ النَّزيف لكي تَرَى .

كُنَّا سنتزوَّج ذكرياتِ المطر لو أن رومانسية البنادق لم تُصَب بالاكتئاب . كنا سنجد لأنفسنا مرايا غير مشروخة لو أن الظلال لم تبع الوطنَ والمنفى في صفقة واحدة . كان قلبي سيحتفل بعيد استقلاله لو أنَّ بنكرياسي أكثر رومانسيةً من لاعباتِ التنس الصربيات ، حيث يختفي المعنى في مجازر البوسنة . وَحْدِي أَسِيرُ في طُرقاتِ المجزرة ذاكرةً للأنقاض أرعى قطيعَ الدمعات وحيداً في الصحاري الجليدية . وَكُلُّ أَهْلي يموتون حَوْلِي . ومصافي النِّفطِ تَطْلُعُ من أجسادِ الأمواتِ .

سأتركُ دُموعَ السُّنونو رَسَائِلَ فِيما بَيْنَنَا . فَيَا قَلْبي المسيَّجَ بِخِيَامِ النَّعْنعِ ، لا تَنْسَ وَجْهَ تَاريخِ البارود . وامتصَّ شمسَ الدُّخان جَيْشُ السَّبايا . لم يستفد الفقراءُ من النشيد الوطني غَيْرَ الموتِ على طوابير الخبز . رجالٌ نائمون مع زوجاتهم النحاسياتِ على عُشْبِ الهاوية . والصحراءُ وَضَعَتْ على مكتبي اسْتِقَالَتَهَا .

كنتُ أَجْمَعُ رُفَاتَ أَبي في أَزِقَّةِ المخيَّماتِ . أين أذهبُ يا دموعَ الكواكب المهاجِرة ؟ . هي الكلابُ تَعُضُّ ضوءَ القمر . فَكُنْ قَمَرِي يا مُقاتِلاً تختلط أحشاؤه بالشفق ولا يَسْقُطُ قُرْبَ اسْمِ الريح. كأنَّ دِمَاءَ عماد الفايد تصرخ في غِمْدِ سَيْفي . أَحْمِلُ كُلَّ تَاريخِ شَريفاتِ قُرَيْشٍ على كَتِفِي فلا أَقْدِرُ أن أخلعَ بندقيتي عن صدر معدتي . وَجْهُ عكَّا وردةٌ على خِنجر الرعد . وهذا الغريبُ تَزَوَّجَ الغريبةَ .

يا رَاهِبةَ الاكتئابِ المعدني ، خُذِي خارطةَ أضرحةِ عائلتي ، ولا ترسمي الصليبَ على صدركِ قبلَ انتحارِكِ ، لأنَّ ابْنَ الزُّبير كَسَرَ صليبَه . كُنْ يا حُزْني أكثرَ شجاعةً مِن الغبار. كأنَّ احتضارَ النيازكِ تَحْمِلُه طُيورُ الشفق فلا تُشْفِقْ عَلَيَّ يا رَمْلَ البحر . هذا دَمِي سُدُودُ مَعاني ضَفائرِ الشَّجرات . لكنَّ أُكسجينَ السُّيول أَحرقَ ضفائرَ الرَّاهباتِ . أُخَزِّنُ بين أسناني بنادقَ الرُّوح . نَزِيفي بُرْجٌ سَكَنِيٌّ تَقْطُنُه النوارسُ . يكون الأبيضُ المتوسِّطُ حُفْرةَ دَمٍ سَوْداء لِتَخْبِطَ في دِماءِ اللصوصِ أجنحةُ الأسماك . إِنَّ دَمِي جالسٌ في مقهى العوانس يشربُ زنجبيلَ المذبحة .

كتبتُ قصةَ حُبِّنا تَحْتَ جُسورِ سَرَاييفو . وكان القمرُ يَخْلَعُ قميصي ليفتحَ رئتي للخيولِ القادمة من مَعِدَتي . أفرضُ على أحزاني الإقامةَ الجبريةَ . فَاصْنَعْ نَشيدَ المطر بَيْنَ حُبِّنا الأوَّلِ ومجزرتنا الثانية . يا مَن تَقضون شهرَ العسل في ثلاجة الموتى ، لا تنسوا البوظةَ بالفانيلا مع فتياتِ شواطئ الطاعون . الذكرياتُ اختراقٌ أمنيٌّ فلا تتذكر نَعْشِي في خيمة اللاجئ . وبَازِلْتُ التَّوابيتِ يتعلم الكراهيةَ في عيد الحب .

أسكبُ المنفى في أباريق تواريخ ثلج التطهير العِرْقي . فَاعْبُرْ أرقامَ القبور على صفحات المنفى. بين حَبْلِ مِشنقتي ونَصْلِ مِقصلتي تبني السناجبُ عَرْشي. فَامْشِ نحو أجفان العصف في طريق جماجم منافي الأغنية. ولا تُصَدِّقْ أحاسيسَ لاعبات التنس . وَصَدِّقْ جُثةَ نهرِ الفولغا المرْمِيَّةَ على صدور أرامل الجنود الألمان . شكراً لمومسات العالَم الحرِّ اللواتي يحترمنَ مواعيدَهنَّ ويَدفعنَ الضرائبَ في المواعيد المحدَّدة ! .

هذا تاريخُ خُبْزِ الأعاصير بين أسنان العاصفة . فكوني عاصمةَ السنونو يا سجونَ عِظام الغيم . كأنَّ ليلَ سجناء الأغاني موسمُ تزاوج الخِيام فيما بينها دَاخِلَ أعصابِ حجارة قفصي الصدري . أَعْطِ للموتى المرقَّمين في زنازين النشيد دُخَانَ ضفائرِ الراهبات . تِلْكَ البدويةُ تَتقمَّصُ جُودي فوستر .

يا مَلِكاً مُتوَّجاً على شواهد القبور ، خُذْ مِقْعدَ الشاطئِ القتيلِ في حديقة النعوش. لي سيادةُ الكلماتِ على البحيرات النازفة . فَانْزِفْ حتى خروجِ قوانين الفيزياء من عباءةِ الضباب لِتُصَدِّقَ الشموسُ الذبيحةُ أنَّكَ قَتيل . هذه الشجراتُ المنفيةُ ملاعقُ على طاولة الغابات اليتيمة. خُذْ نَصيبي من الدَّخْلِ القَوْمي وأعطني نَصيبي من الصدماتِ العاطفية . أجسادٌ تعتقلُ أشعةَ الشمسِ .

مُدُنٌ مَنذورةٌ للطوابير : (( طابورٌ خامسٌ وطابورٌ أمامَ المخبز وطابورٌ أمامَ السينما وطابورٌ أمامَ قصر السُّلطان وطابورٌ أمامَ السَّفارات الأجنبية )) . فلا تسمحوا لدماءِ الضفادع أن تسير في دماء الشموس .

لا أثق بحذائي فكيفَ أسيرُ إلى المجزرة واثقاً من البيات الشتوي لتماسيح الصيف؟. غَيْمٌ تكدَّسَ على بُندقيةِ حواجبي. فَامْشِ قُرْبَ نشيدي عارِياً من طواحين الدماء حينما يغيبُ الأكسجينُ في قذائف الرمال . ثِقْ بكل الأموات القادِمِين من البحر . كَسَرْتُ رموشَ جُرْحي فجرحتُ أغاني المطر وَعَبَرْتُ عِنْدَ عُبوري .

كُلُّ سِكَّةِ حَديدٍ مَخْزنُ سِلاحٍ . أنا حَديدُ عَرباتِ نَقْلِ الجنود إلى الشفقِ . فَلا تُشْفِقْ على جُثْماني في كياني . ولا تَتَخَيَّلْ وردةَ الأنهار تُعَلِّمُ سُجوني تعاليمَ الجنونِ . إِنَّ الحزنَ المسلَّحَ بُنْدقيةٌ على كَتِفِ الإسمنت المسلَّحِ .

بَيْنَنا برتقالُ الكِفاحِ المسلَّحِ فَابْدَأْ . لماذا أخلعُ قُضْبانَ قَفصي الصدري ؟ _ ليدخلَ البحرُ اليتيمُ. فَادْخُلْ مع نزيف الرمال. ولا تسألْ مَلَكَ الموتِ لماذا تموتُ. والرياحُ تقلي عظامي في خيوط مِعطفي خَلَعَهُ الرَّصاصُ . ولم أنتظر جيشاً يمد حَبْلَ مِشنقتي في بئر الطيور المهاجِرة .

يا كُلَّ أضرحةِ الياقوتِ التي تَحُجُّ إلى البحيرات المنفية . إِنَّ النهرَ يضع على خَصْرِه مُسدَّساً فَضَعْ على قَبْرِ العَالَمِ مُسدَّساً مائياً لطفلٍ يتسلق جثةَ أُمِّه صَاعِداً إلى أعصابِ الزَّيتون . أَرتمي على صدركِ المسيَّجِ بالدموع وأبكي في ليلِ الصراخ حتى يصعد أذانُ الفجر أعلى من الطائرات .

ويمشي الدِّيكُ في طرقات المجزرة وحيداً ، فيتعثرُ بأجساد الشهداء على الأرصفة الموجُ . هل كانت مِسْبحةُ أَبي على جُثَّته يَوْمَ قُتِلَ الهديلُ قي حديقة طيور أمعائي ؟ . أُعطي لرمالِ بنكرياسي حَقَّ التنقيب في نخاع عَظْمي عَنْ مَناجمِ النَّعنع الملوَّثةِ بزوجاتِ القياصرة . وَكُلُّ ضفائرِ أرملةِ الفيضان مُلَوَّثةٌ بجواري القيصر . كأنَّ نظراتِ عواصم السُّل تحاصر جثمانَ ميكي ماوس الخارجِ من حصار ستالينغراد إلى عَرْشِ الزَّبد .

أنامُ في دماءِ الزيتون وأصحو في زئبقِ المنافي . فلا أجدُ في دموعِ الأرصفة غَيْرَ رومانسيةِ سرطانِ الثدي . وَجَدْنا مِكياجَ المذابح فأين عاملاتُ الإنقاذ ؟ . أنقذتُ ظِلِّي من السقوط في يانسون الإبادة . والبحيرةُ مِقْلاةُ الفقراء . والحزنُ يطبخ أدمغةَ الغابات . كأنَّ ضفائرَ الموؤداتِ تجلس في رأس الرجاء الصالح تراقبُ فراشاتٍ يَلْعَبْنَ فوق ظَهْرِ حُوتٍ أزرقَ شطرنجَ المذبحة .

كُلُّ غرف التشريح أحجارُ جفوني. وَطَنٌ في عُلْبةِ طباشير لكل راقصات الباليه. وَثَوْرةٌ على سَبُّورة التلالِ يقودها الرومانسيون .

يا كَلْبَ جارتنا ، لماذا أكلتَ جارتنا ؟ . والذُّبابُ يُشَكِّلُ في نُخَاعِ الفيضانِ حكومةً . أَبْعِدُوا الجثثَ عن صهيل المسدَّساتِ لكي يلعب أولادُ الطوفان في شوارع المذبحة كرةَ القدم . فَقَدْتَ قَدَمَكَ في حَرْبِ داحس والغبراء فَخُذْ عُكَّازةَ النَّهرِ قَدَمَاً صِناعيةً . ولا تنتظرْ هِنْدَ بنت النعمان لكي تُحِبَّ موتكَ ، وتشفقَ على دموع أُمِّكَ في إبريقِ الزلزال ، لأنَّ الخادماتِ يَمْنَحْنَ صحونَ المطبخ ذاكرةَ نمورِ التَّاميل في حفل زِفاف عشب الأضرحة . فلا تقتنص نمورَ صدري وكُنْ حَوْلي تراباً لأكتشفَ ذَهَبَ الملاجئ فِيكَ . ماذا ستفعلُ مريم العذراءُ بين بغايا بني إسرائيل ؟ . ما فائدةُ نعومة ليلة الدُّخلة إذا كانت جثةُ كَوْكبنا تنام على سريري ؟ .

لن تنتظر الأسلاكُ الشائكة تحت المطر طويلاً لأنَّ المخْبِرِين والرَّاقِصات جاؤوا في الموعد المحدَّد لبدء العرض السينمائي في أوردة الشهداء . وَاكْتَشَفْنا في عُلْبةِ السَّردين حُلماً للشوارع . لكنَّ وُعُودَ بَناتِ الجيران لِلْحَمَامِ الزَّاجل لم تَنْقُلْ وجهةَ نظرِ الموتى إلى حَفَّاري القبور . هذا جُرْحي نِظامٌ جمهوري فَانْقَلِبْ عليه . ولا تفرض على كرياتِ دمي الإقامةَ الجبريةَ كبناتِ القياصرة .

كُلُّ صُدورِ النيازك مَسْقَطُ رأسي . ولا تَسْقُطُ رأسي إِلا في لَيْمونِ المقاصل . يا قلبي الوحيدَ في غابة النِّساءِ المتوحِّشاتِ ، اعْتَنِق الكِفاحَ المسلَّحَ تَنْسَ صدماتكَ العاطفيةَ ، قَبِّلْ خُدُودَ البنادقِ تَنْسَ مُضَادَّاتِ الاكتئاب ، فَلا تَصْدُمْ قِطةَ الجيران بسيارة الجيب العسكرية .

انْقَلِبْ يا اكتئابَ البراري عَلَيْكَ تَجِدْكَ . ازرعْ في عيونكَ مِضَخَّةً لِرَيِّ ما تَسَاقَطَ من أنوثة الأرصفة على قميصِ ملل القاتل في أزقة المذبحة . وعندما تكتبُ رسائلَ الغرام للملكاتِ السَّبايا ، ارمِ ماءَ عيونكَ من شُرْفة صنوبر المجزرة لترى بائعاتِ العلكة على إشارات مرور دمي في أنابيب النفط . وحينما تُخزِّن جدائلَ الراهباتِ القتيلاتِ في مناديل زجاج الكاتدرائيات تَخَيَّلْ فقراتِ ظَهْرِ الغابة وهي تَجْمَعُ جثثَ أرامل الشجر في أكياس القُمامة . وحين تشربُ أشجارَ الطوفان مع أميراتِ سَدُوم تَخَيَّلْ نِساءَ بني إسرائيل الغاطِساتِ في ذاكرةِ قتل الأنبياء .

إنني أُجهِّزُ أكفانَ العالَم في خريف الطيور ، فلا أدري هل سَأَدْفِنُ العالَمَ أم العَالَمُ سَيَدْفِنُني ؟ . عُنوسةُ الحضارةِ وانتحارُ ظلالِ النورسِ والملكاتُ السَّبايا . إنَّ الحيواناتِ المنويةَ في أقفاص حديقة الحيواناتِ . أقلبُ في شراييني نظامَ الحكم فَادْفِنْ شرايينَ البحر في عُلَبِ السَّردين. أُزَوِّجُ للرصاصةِ دَمِي وأرقصُ في حفل زِفاف الشُّطآن . أُفَكِّكُ تَعقيداتِ كوكبِ الهاوية في مخازن السِّلاح . وأُهَرِّبُ قلبي مِن تحت رمال المجراتِ . وشاطئُ الياقوتِ يُنَظِّفُ مُسدَّسي بِلُعَابِ البحيرات . هذا البارودُ أخي الشقيقُ يُحلِّل عُقَدِي النَّفسيةَ صَقْراً صقراً . فلا تَزُرْ حديقةَ الطيور في مُنتجعاتِ أحكام الإعدام إلا حينما يضع النسرُ واقياً ضِدَّ الرَّصاص على صدر الرياح .

وكلبُ الإمبراطورةِ اعْتَزَلَ الحياةَ السياسيةَ . قُرْحَةٌ في مَعِدَةِ الصَّحراء لَبِسْتُ غاباتِ الزِّئبق . أسألُ حِجارةَ أُورشليم عَنْ دماءِ الأنبياء . أسألُ جثةَ أبي عن جثةِ أُمِّي. أَجِّلوا قتلَ عماد الفايد لكي ندعمَ مسيرةَ الرومانسية في غرف العناية المركَّزة. اخترتُ لونَ الرصاصة لأبْنِيَ الجناحَ العسكريَّ لِرِئَتِي من سكك الحديد حتى أبراج الذاكرة . فانتصرتْ نظريةُ قَفَصِي الصدريِّ في الكِفاحِ المسلَّحِ المغطَّى بالرومانسية كالجوْزِ المغطى بشكولاتة البارود. والليلُ يطبخُ أحزاني والرَّصِيفُ يُشَرِّحُ جثةَ المطر. هذه رُموشي بِطِّيخةٌ نَاضِجةٌ كلونِ الأكفان . خُذْ أحمرَ الشِّفاهِ لزوجةِ الإسفلت واتْرُكْ لي خُضْرةَ عُشْبِ الجنازاتِ . اتْرُك القِشْرَ للذين يُحَمِّلون نَعْشَ البحيرة على ظَهْرِ حِمارٍ وحشيٍّ ويجلسون في كوخي منتظرين البرابرةَ .

أثداءُ السِّيليكون وَمَلَلُ نِساءِ قبيلة الأحزان الواقِفاتِ أمامَ نَعْشي . خَانَتْني نارُ القبيلةِ فَكَيْفَ يحرقُ عِشْقُ الإسمنت صدورَ السَّناجب ؟ . عندما يقومُ إخوتي بتصفيتي جسدياً ويرموني في البئر سَتَرْثِيني الخادماتُ السريلانكياتُ في مَعْقِلِ نمور التَّاميل فتصبحُ مِضَخَّةُ دَمِي زجاجةَ شمبانيا في كُوخِ العُشَّاقِ الفاشِلين . ويأكلُ الدِّيدانَ جَسَدُ عصافيرِ النَّار لكنَّ عَشِيرةَ الموجِ أَطفأَتْ رَمادَ مُذَكَّراتِ البحر وَرَحَلَتْ . وَالْبَدْوُ الرُّحَّلُ يُناقِشون خُطَطَ الاستثمار في طُبولِ القبيلة . أين دِماءُ نِيرانِ القبائل في موسم هجرة الطيور إلى المنافي والبَدَوِيَّاتِ المجروحاتِ عاطفياً في سياراتِ المرسيدس ؟ .

كُلُّ الطيورِ الخارِجةِ مِنْ قفصي الصدري إلى موقدة المنفى تُعِيدُ هندسةَ شواهدِ القبورِ على حبل الغسيل المغسول بالعارِ . (( يَا بِنْتُ أَهلوكِ قد جعلوا جمالكِ سِلْعةً وباع بنو أبي أوطاني )) . وَصَنَعْنا دُمَىً في مسرح العرائس سَمَّاهُم الصَّدى ملكاتٍ سَبَايا . هذا أنا لم أتبادل القُبُلاتِ مَعَ لاعباتِ التنس الصربيات في الطريقِ إلى مجزرة سربينتشا. كأنَّ راقصاتِ التَّانغو سَائِراتٌ على خُطى غيفارا.

هؤلاء الصَّبايا الخارِجاتُ من الأحزان المفخَّخةِ يَزْرَعْنَ الماريجوانا في جُثَثِ البَحَّارةِ عِنْدَ خُلْجانِ العَارِ . والنَّعْنعُ البَرِّيُّ يفرضُ على رِئتي الإقامةَ الجبريةَ . خَسرت أهراماتُ الدمعِ رُومانسيةَ مارلين مونرو . الرمادُ طحالبُ الحضارةِ وهندسةُ الخراب . كَسَرَ مرايا الليلكِ شِرْياني الأبهرُ فانبهرت جثةُ الخريف . وكسرتُ إشاراتِ المرور في طرقات نخاعي الشَوْكي . قد ينهزمُ الحبُّ الأولُ أمامَ الجثثِ الأولى لكني لن أُوَقِّعَ على معاهدة الاستسلام .

أَرجوكُنَّ يا بَغايا بوينس آيرس أنْ تُرْشِدْنَ طيورَ احتضارِ البحر إلى جثة غيفارا قُرْبَ فِئْرانِ المعدة . إِنْ مِتُّ يا قطتي فَتَزَوَّجي مُسَدَّسي . هذا جسدُ صحاري النَّزيفِ وِزارةُ الْبَدْوِ الرُّحَّلِ . فَقَرَاتُ ظَهْرِي مَخَازِنُ أَسلحةٍ أَدْخُلُ في أغاني الرِّيح مُسَلَّحاً بالموجِ الأخضر . يوزِّعون على الطحالب صُكوكَ الغُفران ، كما يَتوزَّعُ المكياجُ على أخاديد الوجه المحترِق بالصَّدى . لا وَقْتٌ للرومانسيةِ في عَالَمٍ يَغْتَصِبُ المرأةَ حيةً وميتةً .

كنتُ في المطار أنتظرُ قُدومَ جُثْماني . مَعْكرونة بالمقاصلِ وعصيرُ مشانقَ طازَجةٍ وطابورٌ خامس . وكُلُّ الغيومِ التي تشربُ دِماءَ الطيورِ المهاجِرةِ وَطَنُ أَوْردتي . فاشربني عارياً من رائحة أبانوس غرفة التشريح . أُشَرِّحُ ذاكرةَ الجنون ليَصعدَ العشبُ ناراً . بَدَوِيَّةٌ نَسِيَتْ تَاجَها على ظهور جواميس المذبحة . سأذبحُ ظِلالي بسيوفِ التِّلال . أنا تَلَّةُ المجزرةِ وآخِرُ مَنْ تَمُرُّ على جسده البحيراتُ . فتحتُ قفصي الصدري للمقاتِلِين . هذه سوائلُ مَعِدَةِ الوهج تهضم أمعاءَ الدَّبابات. فلا تَرْجِعْ إِلى رئتي إلا إِذا أكلتْ جَيْشَ المومساتِ أحطابُ البارود . أختارُ طريقاً لم يختره الأمويون ولا العباسيون . أنا بندقيةُ الشمسِ وكرياتُ دَمِي شموسُ اللهيب . حرقتُ أعلامَ الهزيمة . نسفتُ أُلوهيةَ الأصنام واعتنقتُ النارَ قمراً للقتال .

اسْتَرِحْ بين غضاريفِ عِظَامي لتشتعلَ عِظَامي بالمطر . وَوَاصِلْ تحريرَ البحيرةِ من ظِلِّها حتى تخرجَ الصحراءُ من جِلْدها . وأنا جُلودُ المجاهِدِين في ظَهيرة الانتصار . ازْرَعْ رَاياتِ الرَّصاصِ قُرْبَ قُبورِ الغزاة تَجِدْ عصافيرَ شراييني تَشربُ رِمالَ البحرِ فَوْقَ أقواسِ النَّصر .

يا أيها الوهجُ المندفِعُ مِن أقمارِ حُزْنِ الأراملِ خنادقَ ولَوْزاً . هذه خُدودي مخازنُ السلاحِ وجسدي أُخدودُ الديناميت . اسْكُبْ ضَوْءَ عُيونِكَ في براميل البارود . وأَطْلِقْ على حُزْنِكَ الرَّصاصَ إن رفع الرايةَ البيضاءَ ، ولا تُوَدِّع الإِوَزَّ الميتَ في الطرقات . إنني نشيدُ النصر فَاعْبُرْ طَيْفَ هَاويةِ حَشائشِ الصَّدى لكي ترى عَمُودي الفقريَّ عَرَباتٍ لنقل جنود الشمس إلى جبهة المعنى . وادخلْ جبهتي زيتوناً وتَمْراً للفجر . لم تُولَد لِتُوَزِّعَ الأوتادَ على شَعْبِ الخِيَام ، وتموتَ قُرْبَ مَوْتِ المسدَّساتِ الخشبيةِ . خنقتَ دَمْعَكَ فَاخْنُقْ جُنونَ أرصفةِ معدتكَ . وَلْيَكُنْ شَعْبُكَ بنادقَ وعيونُ أولادِكَ رصاصاً .

وُلِدْتَ لتنشرَ ضَوْءَ رموشكَ على حبل مِشنقتكَ ، وَتشنقَ كُلَّ مشانق الرمل بين أجفانِكَ والخِيامِ . أَنجبتكَ الصاعقةُ لتأخذَ الملكات سَبايا لا أَنْ تحرسَ برتقالَ سُوقِ النِّخاسة . يا أيها المولودُ لِتَحْيا أبدياً نَقِيَّاً مِن رَقْمِ الهوية وأرقامِ الزَّنازين ، وترى أقواسَ النصر على جدائل الرياح ، وتذهبَ إلى لقاء الله . اذْهَبْ شَهِيداً خَارِجاً على قوانين الحطب، وَطَوِّرْ أسلوبكَ في كتابة الرسائل الغرامية للحُور العِين. فِلِسْطينُ خِنْجرٌ فَاغْرِسْهُ في قلبِ الصمت . وَانْقُلْ معدتكَ إلى الشفق حتى ترى ذكرياتِ الموانئ تنظِّف مُسدَّسكَ الشخصيَّ . فكن رومانسياً صَقْراً يرسم خريطةَ العشق على تفاح الجسور . ولا تخذل عيونَ امرأةٍ صرختْ في وديان صدركَ . استخرجْ حريةَ ماء أنهاركَ من دماء جيوش السراب . أنت صانعُ النصر في ممالكِ النِّسرين ، ولا ذاكرةٌ حول دمكَ سِوَى عيونِ المقاتِلين ، ولا رايةٌ على جسدكَ سِوَى لهبِ التِّنين . فاحْرِق الرايةَ البيضاءَ وَارْفَعْ رَاياتِ مجدِكَ في طريق الرعد . أنا المؤذِّنُ الجوَّالُ في الطرقات الخرساء . والعشبُ جَسَدُ الطُّوفان فَتَجَسَّدْ . أعلى من خطوات الأنهار على مناديل الغريباتِ ، فاركضْ على رُموشِ القطارات . ولا قطارٌ في قفصِكَ الصَّدْرِيِّ سِوَاكَ ، ولا سكةٌ على بارود عينيكَ إِلاكَ .

يا ضَوْءَ ضَفائرِ الأمهاتِ في عيد مِيلاد مخازن السِّلاح ، تَسَلَّحْ بِمَوْجٍ يمرُّ في أجفانِ أُمِّكَ ، ولا تتذكرْ جسداً على وَجْنة المطر غَيْرَ جَوَّافةِ اللهيب . قد ذهبت الراهباتُ إلى ملل الحياة الزوجية ، وبقيتَ وحدكَ في أزقة المرفأ المكسور . فاصْلُب أشجارَ البحر على قضبان القفص الصدري للبنفسج تَجِدْ خُيولاً تنام بين غضاريف عمودكَ الفَقَري . فَلْتَمُتْ في أعالي أغنيةِ نُحاسِ رُموشي ولا تَمُتْ على قَارعةِ جبيني في رياح الزئبق . شَواهِدُ قبورٍ مُرَتَّبةٍ كمخازن السِّلاح. لم يَكُنْ دَمِي سِوايَ وأنا غَيْري حتى آخرِ الحلم . أمشي ولا أنام إلا في حُضن جمجمتي .

يا حفيدَ الزنزانة ، إِنَّ جَدَّتي البندقيةُ والبارودَ أبي الرُّوحيُّ ، نَتَشَمَّسُ في مَوْتِ الرِّيح ، فَأَرِحْني مِن حَمْلِ أجفاني في شَمالِ ثِيابِ الحِدَاد . كُنْ أَجملَ حَطَّابٍ في غَاباتِ رئتي ، ولا تُصَدِّقْ مَواعيدَ المخبِرِين والزَّوجاتِ الخائناتِ . هِيَ الأرضُ أُمِّي التي وَلَدَتْ مطراً تَزَوَّجَ ثَوْرتي . فأينَ جثةُ السُّيولِ التي وَلَدَتْ سَنابلَ الحقل وَنَسِيَتْ أنْ تُرْضِعني حَطَبَ الأكواخ ؟ . رُبَّ أَخٍ لَكَ لم تَلِدْه السَّنابلُ وَوَلَدَتْه الزَّلازلُ .

يا خَيْمَتَنَا الرَّصاصيةَ . وَكُلُّ الأكسجين زِئْبقٌ مُعَطَّرٌ بأشلاء القمر . أنا قمرُ المجزرة فَأَصْعدُ . وعيونُ السناجبِ أسلحتي الأُتوماتيكية . وَحَوْلَ خَصْري مُسْتودعاتُ مِيناءِ البنادق . عَائِشاً بين غرف الفنادق الرخيصة وخِيَامِ الطوفان . لم يتذكر الشفقُ زيتونةَ الأغاني فَغَنَّيْتُ دَمِي إعصاراً للغُرباء . وَكُلُّ غَريبٍ هُوَ لِحْيةُ النَّهْر .

يا ضَوْءاً يُزَوِّجُ رئتي الأولى للثانية في أعراس المدافع . وتظل الشُّطآنُ بينهما منفىً للأزواج العُشَّاقِ . فلا تعشقْ دمَ عماد الفايد في شوارع باريس . هذه دماءُ اللوز في عُرْسِ غزَّة . والمطرُ عَرِيسُ الجرحِ نَيْزكٌ يمرُّ على خارطة خُدود الموج ، ولا يُقَبِّلُ أيتامي بَعْدَ طَلاق الزِّنزانةِ مِن زَوْجها .

قَسَماً بخالِقِ دِمَائِنا الصَّاعِدةِ إِلى السَّماء ، إِنَّ وجوهَ الحزانى تنتظرُ نزولَ المسيح من السماء . كُنْ بجانب قُطْنِ المجراتِ حينما يَتمدَّدُ المرفأُ على فِرَاشِ الموت . رِجَالٌ يَحْمِلون تاريخَ الشموس في مخازن الأسلحة وَيَرْمُون أظافِرَهم خريطةَ زيتونِ انتصار الحلم على السُّم . احتكارُ الضَّحيةِ لأسماءِ الضَّحايا فَادْفِن الرايةَ البيضاءَ في جَنَاحِ مَوْجةٍ تُنَقِّي الكوليرا من الغُزاة .

أيها العَابِرُون تحت أقواس النصر . والغاباتُ تسيرُ حَوْلَ عيونكم ظِلالاً للفراشات بِلا ذُبابٍ على نَحَافَةِ عَارِضاتِ الأزياء ، أو سِجَّادٍ أحمر للأميرات الجواري . أَعيدوا تسميةَ الأبيض المتوسط وِفْقَ أبجدية اللهب . وَلْيَكُنْ وَسِيطاً بين جباهكم والمشمشِ الملتهِب .

زمناً من تفاح الوهج تلمع أظافرُ الزنجبيل في مدى نيرانكم . كلما اقتربتُ من اسمي رأيتُ عمودي الفقري حارساً لأنفاق البارود. نزعتْ غزةُ خلخالها وتزوَّجتْ أُكسجينَ الانقلاب الكَوْني . أنا ماءُ التِّين وأوَّلُ مَنْ يرفعُ رِمالَ المحيط إشارةَ مرورٍ لأسماك القِرْش . كأنني هودجُ الرعد أنتظرُ رَعْشةَ عُرُوقي في محطة القطارات . وأفرادُ عائلتي مُعَلَّقُون على الصُّلبان حول مرايا أكتافي . فيا لمعانَ الخيانة أَبْعِدْ غِزْلانَ السُّل عن دبلوماسية عِظام قِطتي .

غسلتُ ماءَ عيوني بدموعي . إِنَّ تُرابَ قَبْري ضَفَائِرُ العَاصِفة . والعَصْفُ اسْمُ الدُّراقِ في أزقة المخيَّمِ . مَات الملكُ وانتهتْ لعبةُ الشَّطرنج . وَصِرْتِ ملكةَ السَّبايا نَادِلةً في مطعم هولاكو . وهؤلاءِ بَنَاتُ القياصرة في أيدي البلاشفة . فَانْصُبْ خِيَامَ جَيْشِ كُرَياتِ دَمِكَ على كوكب زُحَلَ . وَاحْرِقْ بهاويةِ الصَّدى بملحِ دُموعِ الغَيْمِ ذكرياتِ هُبَلَ .

شَطرتَ طَيْفَكَ نِصْفَيْن : (( نصفٌ للكفاح المسلَّح ونصفٌ لتسليحِ طيور البحر)). خانكَ أخوكَ فاقلبْ نظامَ الحكم في رئته . خانتكَ بلادُ الراقصات في القُبلة الأولى فافرشْ عظامكَ سِجَّاداً لخيول فتوحاتكَ نحو القِبلة الأولى . ولتكن مملكةُ السبايا من رمال غضب أظافركَ حتى هدوءِ أسماك القِرْش . فاشكرْ حواجبَ شُطآن النار وحَاصِر احتضارَ السنابل . وعَلِّق جماجمَ الفئران مصابيح في شوارع مجد المسدَّسات . وسَامِحْ الأمطارَ بثمن التوابيت التي صنعها جبينكَ المنصور .

كُلُّ أَشْجَارِ حَدِيقتي فلسفةُ البنادقِ . كُلُّ أظافري تعاليمُ الرصاصة . كُلُّ تَوَاريخِ أجفاني زهرةُ اللهيب . كُلُّ ممالكِ حُنجرتي رومانسيةُ الأعاصير . كُلُّ جدرانِ شراييني ممالكُ القتال . كُلُّ أنهارِ ماء عيوني رصاصُ الرِّئتين. دمي يَحمل فصيلةَ الدَّم الانقلابي . منصورون تحتَ الأرض فوقَ الأرض.

أيها الأُسُودُ المرابِطُون على حدود كوكب زُحَلَ ، كيف عَلَّمْتُمْ أَسماكَ القِرْش في البحر المتوسط أساليبَ القتال الجديدة ؟. خُذُوا ذكرياتِ البرق معكم إلى أقواس النصر . أنتم دمُ الشُّموسِ في زمن براميل النفط . فَاعْبُرُوا قُرْبَ ضَرِيحِ الثعالب النائمة في قُرْصِ العَسَل . نَسِيَ قبورَنا قُرْصُ الشَّمسِ نَسِيَها وَجْهُ الشَّفَقِ الصَّاعِق . وَكُلُّ مَوْتٍ على أظافرِ النِّعاج يَصْعَدُ .

نَخْرُجُ مِنْ دموع الأرامل الواقفاتِ كالخنادق أَمامَ عِصَاباتِ الإِبَادة . نَخْرُجُ مِنْ حُفَرِ المجاري نزرعها بالحزن المتفجر . نخرج من أوحالِ المخيَّمات نَرْصُفُها بجثامينِ الخديعة . نخرج من بكاء الحمَام الزَّاجل نَحْقِنُه بالثَّورة . نخرج من مذابحنا نسوراً أكثرَ أجنحة للثأر . نخرج من خُيوط خِيام اللاجئين ضوءاً للمعنى . نخرج من عُكَّازةِ جَدَّةِ النَّهر ألغاماً بَحْرِيَّةً في الشفق الْحُرِّ . نَخرج من رمال البحر نَخلع أسنانَ التماسيح بأسناننا . نخرج من جنازير الدَّباباتِ نَنْسِفُها بأطرافِ أصابعنا . فتسقط راياتُ الطُّغاةِ كالضفادع المقلِيَّة . نخرج من ثيابِ الطوفان نأكل المطرَ الحمضيَّ .

أين أنتَ يا فاروقُ لِتُطْعِمَ الموتى على طوابير الخبز . كأنني أَنزلتُ ابنَ الزُّبير عن الصليب . لم أُرافق آلَ البَيْتِ في طريق كَرْبلاء. هذا دمي سجاجيدُ للأزواج العُشَّاق تحت جسور سراييفو . كأن حُنجرةَ الموجِ المشنوقةَ مُزِيلُ عَرَقٍ لعارضات الأزياء . جثةٌ عائشةٌ على التَّنفس الاصطناعي . فَكُنْ مَع الملكِ وانْسَ العبيدَ .

لكي يتأكدَ عماد الفايد أني اخترتُ شامل باساييف ، لا بُدَّ أن أصيرَ شهيداً. ولا خيمةٌ للعشب اللاجئِ سوى نعوش الرماد. أنا الانقلابُ فكيف تنقلبون عليَّ ؟. فلا تَرْفَع الرايةَ البيضاءَ في كاميرات عُرْيِ العشب . سأُقيمُ صلاةَ الفجر في البحر المتوسط . فَانْقُلْ معركةَ رُموشِكَ في أمطار الحرية ، فَإِمَّا أنْ تكونَ أو لا تكون .