سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/03‏/2010

جارتي الكاثوليكية تتعاطى الأفيون

جارتي الكاثوليكية تتعاطى الأفيون
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
ضفدعةٌ عرجاء ترتدي تنورة فوق الركبتين
إذا نكح الطوفانُ ابنةَ الزئبق تناثر فينا رَحِم الشجرة
امرأةٌ تلتحف ألواح اليورانيوم وتتشظى حطباً
أيها الساكنون في قبو جثتي والنعنعِ المستورَد
جارتي انطفاءاتُ زجاجات النبيذ
في مقر الحكومة العلمانية
إن جسدها منقوع في ثعالب الأفيون
كالمذياع القديم وجهُها المحفور بالسناجب
وعمالُ المناجم يلمحون أمواج انتحارهم
في ضربات الفؤوس الضاحكة
تاريخُ الضباب يشنق نفسَه
في خيوط السجاجيد الحمراء اختناقاً
كلُّ النخاسين ذهبوا إلى طعام الغداء
وتركوا الجواري يبعن حليبهن
مثل الباعة المتجولين
وتحلَّق العبيدُ حول أفكار المداخن
يرتعشون من شدة النسيان الرمادي
ويَدُلون السياحَ على مواقع قبورهم
في شرفات أشعة النزيف
والفيضانُ يتعلم الأكل بالشوكة والسكين
رعشةٌ راحلة أنا
وخدودي فلافل في علبة السردين
أحمل اسمَ زوجي كالأثاث المنزلي
في أنقاض أمعائي
وكلابُ الحراسة تحمل أسماءَ القطط الضالة
يحلق البركانُ شَعرَ رأسه
استعداداً لزواجه من نعشي
كنا في الحب كالبدو الرُّحل
إنني قصيدة أضاعت قافيتها
فالعشبُ جنسية اليمام
قد متُّ قبل قرون
وأنا شبحي ما تبقى من أحجار العتمة .

خواطر رئيسة الجمهورية في فترة الحيض

خواطر رئيسة الجمهورية في فترة الحيض
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
عندما تنشر زوجةُ البارود على سطوح رفاتي الغسيلَ
يحتفل الرعب في أزقة المرفأ بانتحار الزوارق المكسرة
وفي العيد تَزور أعمدةُ الضياء ثيابَ المشنوقات
يقضي الضجرُ حياته في سراديب الفنادق الرخيصة
كالديدان الملاحَقة أمنياً
من سيمسح الغبارَ عن مؤلفات المطر بعد محاكمتي ؟
جسدي علبةُ سجائر نسيتها الأبقارُ على المدخنة المحطمة
وهذه الرعشة دمٌ رصاصي كومةُ قش على أفخاذ الفيضان
يا مشنقةَ الآلهة اللصوص
العبي بمشاعر الجدران حينما يسد العوسجُ ثقوبَ جمجمتي
كأن إكليل الحطام خجلُ الأعشاب في ليلة الدخلة
رأى الغبارُ في منامه نساءً متشحات بالسواد
في أعناقهن السوداء صلبان سوداء
غامضةٌ نظراتكِ الحجرية قرب حُفر الذكرى
كأن سجيناً سياسياً يحب ابنة مدير المخابرات
ما شعور المقبرة حين تعلم أن الرصيف ضعيف جنسياً ؟
والوردُ يُصلب فيصبح أعلى من تاجي
خذ الصولجان أيها الشلال
واتركْ للسراديب المتعفنة أعضاء الراهبات المحاصَرة
وفي مآتم البابونج تتحدث النسوةُ عن فحولة أزواجهن
ويتبادلن تعاليم كتب الطبخ
ذئابٌ ترعى الغنم في السحاب
وفقمةٌ تكتب قصيدةَ رثاء لشارع مجهول
منحتني الكستناءُ الشمسية اسمَها الرملي
إنْ يحفر الهديلُ خدودَ النيازك
تتجمع التماسيحُ في أنفي
لكن الأرامل ينسجن من جِلدي ثياباً لبناتهن
وأشواقاً لحصان يحمل جثمان الريح العجوز
ويدخل في عمودي الفقري المتأكسد
وداعاً يا ثعالب الجنازات الأميرية
إن أطراف أصابعي هاوية الصقيع الرمدِ المدخنةِ
في جوفي صحاري سيبيريا
وتحت رموشي براكين ثلجية
أين سيختبئ جفني في مواعيد مكافحة الجراد للجراد ؟ .

30‏/03‏/2010

سيرك القمة العربية

سيرك القمة العربية
إبراهيم أبو عواد
نشرت في جريدة القدس العربي
لندن ، 30/3/2010م .
لا توجد أمة في العالم تدمر نفسها بنفسها مثلما تفعل الأمة العربية المحكومة من قبل أنظمة عاجزة عن تحقيق أي نجاح. فغياب الإصلاح والعدالة الاجتماعي أدى إلى انهيار الجبهة الداخلية، وتفكك المجتمع، وتكاثر الأزمات التي تهدد السلم الاجتماعي، وتنذر بعواقب كارثية سيدفع ثمنها الحاكم والمحكوم على السواء. وتأصيل الفساد وسوء الإدارة في البلاد العربية من رأس الهرم السياسي وحتى القاعدة جعل من العلاقة بين المواطن والوطن مجرد زواج متعة دون شعور بالانتماء أو الارتباط الحتمي المصيري. واختفاء مشروع التحرر والتحرير أقنع الفرد العادي بأنه لا توجد دولة تدافع عنه وترعى مصالحه، ولا يوجد جيش قادر على حماية المقدسات والحدود، وتأمين حياة المواطنين. وهذا العجز الشامل أدى إلى تحويل المشهد العربي إلى كوميديا سوداء تثير الضحك، وكما يقال: 'شر البلية ما يضحك'. وللأسف فإن هذا العجز أخذ منحى هستيرياً وصل إلى كل المرافق الحيوية، وانعكس سلباً على صورة العرب الذين يظهرون غير قادرين على الدفاع عن هويتهم ومقدساتهم وشعوبهم. وفي ظل هذه الأجواء الكارثية الهزلية يفترض بالقمة العربية أن تكون طوق النجاة الذي ينتظره الغريق بفارغ الصبر من أجل خلاصه. لكن الواقع يقول غير هذا. فالقمة العربية هي عبارة عن سيرك للترفيه، ومسرحية لرفع العتب، وتجميع شيوخ القبائل لاستعراض إنجازات كل قبيلة في هذا الأفق المفتوح للغزاة الذين يسرحون ويمرحون. فصار مؤتمر القمة أشبه بسوق عكاظ في الجاهلية، حيث الشعراء يتبارون لإظهار محاسن كل قبيلة، وتلميع صورتها، من أجل تحقيق بعض المكاسب الشخصية وزيادة النفوذ. فالوطن العربي مثل امرأة مات زوجها القوي، فصارت محل نظر الرجال الطامعين فيها، فلا هي قادرة على الدفاع عن نفسها، ولا يوجد رجل يحميها من نظرات الآخرين. ولا يأتي هذا الكلام في سياق التشاؤم أو السوداوية، فالنظام الرسمي العربي جعجعة بلا طحن.فالذي يريد التحرك بفاعلية وصدق عليه أن يتخذ خطوات عملية على الأرض. وفي تاريخنا العربي المعاصر نماذج حية على تحركات حقيقية. فملك السعودية الراحل فيصل بن عبد العزيز (1906م - 1975م) كان قد هدد الغربَ بإغلاق جميع آبار النفط إذا لم تعد القدس للمسلمين، وفي عام 1973م قاد حملة قوية ترمي إلى قطع النفط عن أمريكا والدول التي تدعم 'إسرائيل'، وقامت مجلة 'التايم' الأمريكية بتسميته 'رجل العام'.وملك الأردن الراحل حسين بن طلال (1935م - 1999م) أجبر نتنياهو على إحضار الدواء للسيد خالد مشعل بعد محاولة اغتياله في عَمان على أيدي عملاء الموساد (1997م)، وهدد بإلغاء معاهدة وادي عربة، مما اضطر نتنياهو المتعجرف إلى الخضوع والاستسلام. حتى الزعيم الليبي معمر القذافي استخدم ورقة العلاقات الاقتصادية للضغط على أمريكا بعد تصريحاتها المستهزئة بإعلانه الجهاد على سويسرا. والعجيب أن الزعيم الليبي أعلن الجهاد بسبب خلافات شخصية لكنه لم يفكر في اتخاذ أي قرار حاسم بشأن احتلال قِبلة النبي الأولى. أما في هذا الزمن المعاصر فلم يعد الحاكم العربي مستعداً للتضحية من أجل قضايا الأمة، فعاد سيناريو ضياع الأندلس واقعاً ملموساً، وعادت شخصية آخر ملوك الأندلس المسلمين أبي عبد الله الصغير (1460م - 1527م) على شكل حكام أعراب معاصرين سَلَّموا مفاتيح القدس لأعدائهم مجاناً، والكل يتغنى بالدفاع عن المقدسات. ففي كل زاوية أمير للمؤمنين، والمؤمنون يتم ذبحهم بدم بارد. لذلك صار الشعار الرسمي للواقع العربي المعاصر 'ابكِ كالنساء مُلكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال'.أما غياب ثمانية زعماء عرب عن مؤتمر القمة فهو دليل باهر على عدم أخذ شأن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية بالجدية المطلوبة، في حين أن الاجتماعات العربية التي تستهدف محاربة ما يسمى بالإرهاب لا يتخلف عنها أي مسؤول، بل يأتي قبل الموعد للاستعداد الذهني والبدني. فالحقيقة الصادمة التي يتهرب منها الكثيرون أن غالبية الحكام العرب مستعدون للتضحية بالمسجد الأقصى والقدس كاملة مقابل البقاء على الكرسي. لكن هؤلاء لا يعلمون أن ضياع القدس سيعرض كراسي الحكم إلى الاهتزاز والزوال. ومهما حاولوا وأد الانتفاضة في مهدها لضمان استمرار حكمهم، فهذا دفن النار تحت الرماد، وموعد التفجير غير مضمون، لأن المشكلة لم يتم حلها جذرياً. والقاعدة الأساسية في العمل العربي المشترك أن مصر هي القائدة، لكن المشكلة تحييد مصر تماماً عن القضايا العربية بعد اتفاقية الاستسلام في كامب ديفيد، لذا يجب الضغط على مصر (القاطرة الأولى) من أجل التحرك لكي يسير القطار العربي. وفي حال رفض مصر للقيام بدورها القومي والديني ينبغي نقل مقر الجامعة العربية من مصر كما حدث بعد 'كامب ديفيد'، وتأسيس منظومة إقليمية جديدة تتضمن تركيا وإيران ودول الممانعة وحركات المقاومة، مدعومة من أحرار العالم مثل فنزويلا، وذلك للحفاظ على هوية هذه المنطقة قبل أن تصبح الأندلس الثانية، لأن الفلسطينيين لوحدهم لن يقدروا على تحقيق شيء خصوصاً بعد تقزيم قضية فلسطين وجعلها قُطرية، ومجردة من بعدها العربي والإسلامي .

29‏/03‏/2010

تقاعد عامل النظافة الأعرج

تقاعد عامل النظافة الأعرج

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة "

دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .

أنتَ العشب فوق قرميد الجروح

يا أيها الفجر الذي لا يتذكره الشجر

إلا في مآتم الكستناء

امتزجْ بالجليد الأزرق

عند نبضات الحائط المشقوقة

لكن دمعات الشارع

تتذكر نزيفَ المكانس الخشبي

طالعاً من براري عقارب الساعة

لم يمهلنا الخريف كي ننشر جماجمنا على حبل الغسيل

ونساعد البرتقالَ في تشغيل سيارته القديمة

أجبرنا حراسُ الثلج على رفع صداقة الوحل

رايةً للموتى السائرين في الزقاق النحاسي

مكنسةً تلد ظلال النهر كانت محركاتُ السيارات

ومواءُ القطط الوليدة يقضم حجارة الظل الأبيض

يا من لا تملك غير ثيابك المزروعة في جسد الرعد

قِفْ على منصة إعدام الموج الفستقي بلداً للتفاح الطريد

عَلَّمْتنا كيف نُكنس الملوك في ضجر الشوارع

وعلَّمْتَ البط المهاجر كيف ينتعل صور الحاكمة

لستَ للوحل شطآن ديناميت أو عوسج المد

وفي وطن اللصوص إن مات صنمٌ ورثه صنم

مواسمُ كهولة حاملات الطائرات

في الملابس الداخلية للقوادين

كانت الزلازلُ تدهن واجهاتِ المقاهي بأجفاني

لكن الطوفان تبرع بدمه

في المستشفى المجاورة لمذبحتي

ويعترف الموج بنسب البحر اليتيم

وما زالت حكومة الحطب في قبعات الهذيان

تستدرج البغايا المبتدئات .

28‏/03‏/2010

إعدام فقيه سُني في طهران

إعدام فقيه سُني في طهران
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة "
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
يا قاتلي !
لا تحملْ دمي على ظهركَ
تذكاراً للأعشاب المنفية
سيمشي المرمر على بلاط الدم الحجري
والغسقُ يمسح الغبار عن كتبه
اتركْ لي أيها الموج فرصة لأرتب مكتبتي المنزلية
لا تقطفْ لحم الأسود عن أغصان المعنى
وفي جِلدي الثاني تمر كلَّ ليلة أسوارُ المدفن
حيث تركت اللبؤاتُ الشريدة وجوهها
ونام الطين المعجون بالبارود النقي
ويغفو القصدير على أعمدة الثلج البنفسجي
سأتلو مقولاتِ الشمس
عن قصة تشردنا في الليلك الهَرِم
وأتينا نجر أرصفة الحزن
حاملين ما تبقى من عَرَق التين
منزلُنا في غرناطة صار مسرحاً للعراة
ووكراً لقطاع الطريق
يا قصرَ الحمراء !
اتصل بي هاتفياً
قبل أن تهويَ المقصلة على رأس أبي
نرثُ زيتون الشفق
ونُسجِّل أسماءنا على خدود الأبيض المتوسط
دعونا نقتبسْ من ضوء وجوه الأنبياء
لِيَ المشانق خالية من أعواد الثقاب
وسيافُ الخليفة يدخن الرمالَ وينفثها سيوفاً
أتوا كالصبار الذهبي في أمواج الذاكرة
يا حادي الفراشات
تفرَّسْ في لحوم البرتقال
لا مقصلة جَدِّي ابتسامة الشفق
ولا مدخنة كوخي نورسٌ أطرش
غامضةً كانت ضحكةُ الخريف
في مزارع وأد البنات
فاحفرْ في أصفاد النهر مسدساً
تستعمله الأدغال لحماية أعواد مشانقنا
كلُّ طلقةٍ في أُذن البحيرة حلمٌ للقادمين
من وهج أشلاء التفاحات
وفي خطى الغريب يولد إسفلتٌ ثائر
كيف قُتلت الإوزة في مؤلفات نهر الدانوب ؟
يشجع غاباتِ سمرقند انكماشُ الفستق
في أنف الجليد على إكمال دراستها
حول أشكال مجزرتي
وتوهجاتِ قطيع السيوف الذي ينهشني
فاعبرْ ظِلك الخشبي في مساءات الزيتون
وتذكَّر اسمَ من خلع عيون أصفهان
انطفأت لحومُ الشموع
لمعت عقاربُ الساعة فوق أضرحة السنبلة
عودوا إلى خنجر البحر المحنط في جلود العبيد
إن تفتحْ رئتي تجدْ أكواخاً يستحم فيها البارود
الدروبُ البنفسجية تقود إلى الدروب الذبيحة
وزوجةُ النهر حاملٌ أسقطها غصنُ الموج
في الإجهاض القسري
توهجت غابةٌ حمل العشبُ حقيبته المدرسية
نهاري أفاق على هزيم كريات دمي
احملوا جثتي إلى جثتي
اترك المراثي ترثِ المراثي
ولنمشِ إلى بريق قضبان أقفاصنا الصدرية
كان الوردُ الحبيس يرفع _ مُجبراً _
أوحالَ ذاكرة الخشب عن التيجان المبعثرة
بعثر النحاسُ ظله
كن أكثر لمعاناً من حبل كتان يشنق مشنقتي
لكن الزهور طريق
دمي قطع سكر ذوَّبها البرقُ
في إحدى كؤوس المجزرة
هي رئتي الثورةُ اللازوردية
أرى موتَ البنفسج في أجفاني يراني
والقمحُ يرثُ حنجرة الشمس
أخي الموت !
سأكون في الجنة أو النار يومَ تُذبح
تذهب اكياسُ الدقيق إلى عنف ألوان طاووس القش
لجبين الشعير حمرةُ الغروب
عند شروق النعنع على سوط العصف
ركضت الشوارعُ إلى غرفة نومها فيَّ
يحتل ورداتِ صَلبي سعالُ الشفق
ظلَّ المساءُ يحفر أغانيه في إعدامات الراعي
والغنمُ تسبح في لؤلؤ الأنين
أين خبَّأ الموزُ أعوادَ المشانق وقمصانَ الفحيح ؟
لستُ للسيراميك صوتاً
صوتي ينقلب على صوتي
لكم مساءات الذُّرة خاليةً
من الصراخ لحظة ولادة البحيرات
إنها أناشيد أمواج الصعق الكهربائي
لكن المنشد لم يأت
وجهُ الضباب من الأسمنت المسلح
أُعطي وجهي للفجر القادم من شراييني
وأنتظر حبلَ غسيل يلفه الغسقُ حول رقبة الطوفان
قُتلتُ في ظروف غامضة
وأغلقت الرعودُ ملف القضية
أرملةُ الخشب تزوجت الرمادَ
يُحتضر زوجُ المدخنة
قُمْ أيها الرمل التفاحي من شظايانا
للمرايا نحيبُ ما انكمش من ذكريات البرق
عُدْنا إلى أسماء النهر السرية
رحيلُنا يتوهج كلما عانق الوادي قرميدَ أحزاننا
أتوا من حيث يُخاصر الارتعاشُ أقنعةَ السيول
إنْ تجمعْ أجزاءَ ظلي في كيس ورقي
ينفجرْ ضحكُ السنونو بين أنياب القش
لا فراشاتي براميل نفط
ولا أناشيد دمعتي فرو ثعلب
أنا الشاطئُ البعيد النزفُ النهائي كلمةُ الشجر
في حفلة تنصيبي منبوذاً
ليت ظلال الغيم النائمة على صخرة الرعشة تفيق أفقتُ
قال التراب الباكي :
(( وداعاً يا مومسات بلادي
متُّ وما زالت أجسادكن تبحث عن خناجر الرماد ))
تعلم الفرنجةُ قتل الحب قبل أن يتعلموا مضاجعة نسائهم
قد يعمل الفيضانُ مرشداً اجتماعياً للزوجات الخائنات
أرشد أميراتِ موناكو إلى ارتداء الحجاب
يا أيها البطيخ المتشكل في بطن إعصار
إن دمي توزع على القبائل
لأن ذكاء الطوفان منثور في أوردتي
والشلالُ يسوق قطيعاً من كريات الدم البيضاء
أسماكٌ تطير فوق ضريحي يصطادها السيل البنفسجي
تركض مصابيحُ الخيام المهجورة
على سطح تفاحة تُلقن هيكلاً عظمياً تعاليم الندى
لا تطردوا القطط التي تمشي في جنازتي
وبينما كان الرعد يُشرِّح جثتي في الغابات
كنتُ أتنفس حزنَ بنات غروزني وأشرب القصيدة
سامحْني أيها الشجر الذهبي
لأن أكفاني لم تأخذ طيفها من سقوطكَ .

23‏/03‏/2010

دم الحسين يصب في شموس الروح

دم الحسين يصب في شموس الروح
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة "
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
وجهٌ تناثر في غيمة مصلوبة
فأضاء مساءاتِ النرجس وفضةَ الصليل
كربلاءُ مذاق ذكريات الهديل الذبيح
يركضون في أوردة صليل تساقط من الفراشات
وهذا الجسد مشطٌ لشَعر الأرض
حين تذهب إلى معدة الشموع
رأسٌ تدور على حِراب الذاكرة
والنصالُ على النصال
يا أيها الوطن المخزَّن في رؤوس الرماح
قُمْ وانفض الموانئ عن أجنحة الينبوع الجاف
ويومياتِ الخرير اليابس
وتذكَّرْ أطيافَ النوارس على أخشاب الألم
حين يخجل قوس قزح من النظر في عين القتيل
قمحٌ يطلع من حديد المقاصل
حَلُمْنا بمنصة إعدام من اللازورد الكلاسيكي
قل إنكَ قاتلي أُسرِّح الرماحَ من غياب الكستناء
لا وجهي قناع بارود
ولا لحمي شاطئ لمذكرات الموتى
لم نميز بين حفلات الزفاف وحفلات الإعدام
سأعطي سجاني درساً خصوصياً في الرياضيات
جسدي خندقٌ فليحفره مطر الكلمات المضيء
اختارتني المشنقة لأكون عشيقها
سيبني المساءُ الفضي مملكته
في دماء الشهداء وقطراتِ المطر
ويومَ شنقي موعد لقاء النهر بخطيبته
هذا وقت زواج دمي من السنديانة اليتيمة
تسير الإسطبلاتُ على جسر
يربط ضفتي ذبحتي الصدرية
فلتبكِ أيها البلوط على فراق شواهد القبور
في عيد محاصَر يحتفل به الغرباء
كنا للميناء نشيداً خائفاً من بريق المرساة
حمَّلْنا أكتافَ الشفق في مراكب الصيد
ولم نتذكر أن نبكيَ حين عاد البحارةُ حطباً
لإضاءة بنفسج الغيمات
الجرحُ فراشة لكن وسادتي أنين قوس قزح
وركضنا في نحيب المجرة المرصوف بأكبادنا
المطلةِ على سواحل الخنجر
ننظف سكاكين المطبخ بملح دموعنا
وننتظر عودةَ التراب المهاجر
كلما غسَّلتني أزهار المقصلة
خجلتُ من صور المشمش على حيطان الموج
للندى نشيج البراويز العتيقة
إن لحمي غربة المعنى
الضبابُ يركض على حواف اللوز
في شجرات الذبحة الصدرية
لي ما تساقط من اشتعالات الصدى
وللغزاة عتمة الغرقد على سطوح الرصاصة
فأرةٌ تحمل على ظهرها سياراتٍ عسكرية
وتمضي إلى مقتل الخوخ
ومن وراء نافذة الجرح
يلمع شَعر القمر وخصرُ النسيان
ويحتضن المساءَ ومضُ التوابيت الطازجة
بشرٌ يستلمون انهيار الكستناء
ثم يغطسون بين أفخاذ نسائهم
جِلدي الانقلاب عيوني جيشٌ من البرتقالات الثائرة
وكلُّ أسراب الدمع الراكض
في احتضارات ثمود سكاكينُ على ظهر ثور الظلمات
ما لون الحطب في وجوه النساء الضاحكات
في مأتم الحشائش السامة ؟
راكضاً في تفاصيل الجهاز العصبي للبطاطا
عانقتُ نبضات الغروب
فصرتُ شيخوخة عود المشنقة
انتظارُ أسماك القرش على سطوح سيارات التاكسي
دهشةُ الدلافين في محطة القطارات الكهربائية
والماعزُ يولم لزرقة الشطآن في ممالك غرب قلبي
إن لظلال النحاس أنشودة الفتيات المغتصَبات في فيتنام
لكنكم فم الشفق الثوري لمعان أظافر الأرامل
في إمبراطورية الصدى الأبيض
نفطٌ مغشوش في ثدي الريح
خواطرُ الحاكم ذلك الصنم المقتول في دورة المياه
لم تتلطخ يدي بدم الشموس
وقد يعمل البارود دليلاً سياحياً للبط الغريب
عَرَقُ الشجرات تقاسمه جيشُ الدخان .

22‏/03‏/2010

مشاريع التهويد والغطاء الرسمي العربي

مشاريع التهويد والغطاء الرسمي العربي
إبراهيم أبو عواد
نشر ت في جريدة القدس العربي
لندن ، 22/3/2010م .
كل مشاريع التهويد التي تجري في القدس المحتلة إنما تتم وفق غطاء رسمي عربي غير مباشر . فرئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو يعرف مسبقاً أن الحاكم العربي عائش في دنيا الأحلام ، ولن يعترض مطلقاً على مشاريع التهويد وضم المساجد إلى التراث اليهودي سواءٌ طالت المسجد الإبراهيمي ، أو الأقصى ، أو حتى الكعبة .وكما يقال : من أَمِن العقوبة أساء الأدب . وهذه هي المرجعية الفكرية لسياسة الاحتلال الصهيوني الذي يعتدي على مقدسات رُبع البشرية من المسلمين دون أن يعبأ بهم في ظل تغييب منهجي لأصوات العلماء الحقيقيين والمؤسسات الدينية الكبرى. فالأزهر الشريف الذي يقمعه النظام المصري ويحاصره ويجعله بوقاً إعلامياً لتبرير سياسات الحزب الحاكم يتم تعيين شيخه من قبل رئيس عاجز في ألمانيا عن طريق الفيديو وأزرار التحكم عن بعد .ولم يتوقف الأمر عند استباحة المقدسات الإسلامية ، بل إن الاعتداءات على المقدسات المسيحية في فلسطين المحتلة متواصلة دون سماع كلمة عتاب أو نقد من الدول التي تضع الصلبان على أعلامها ، وتقول إنها متمسكة بتراثها المسيحي . حتى الفاتيكان المشغول بقضايا التحرش الجنسي بالراهبات والأطفال لم يجد الوقت لكي يدافع عن أماكنه المقدسة . وهذا يعكس نفاق الغرب الذي أقام الدنيا ولم يقعدها عندما هُدمت تماثيل بوذا في أفغانستان في حين أنه لم يحرك ساكناً حينما قصف الاحتلال الصهيوني تمثال السيدة مريم في بيت لحم . إن المشكلة الأساسية التي تجعل الأمة العربية عاجزة عن حماية نفسها ترجع إلى قيام النظام الرسمي العربي بحشر نفسه في ثنائية ( إما السلام أو السلام ) على الرغم من أن الجميع يعلم أن اتفاقيات السلام حِبر على ورق لا أكثر ولا أقل . ولا يوجد بلد _ في تاريخ الوجود البشري _ نال الاستقلال والحرية من المحتل باتفاقيات السلام. ونحن نعرف كيف تحررت الجزائر من فرنسا ، وكيف تحررت مصر من بريطانيا، وكيف تحررت فرنسا من ألمانيا، وكيف تحررت أمريكا اللاتينية من إسبانيا .لكن انعدام البدائل والخيارات الإستراتيجية في المنظومة الرسمية العربية جعل الوطن العربي عائشاً تحت صدقات المحتلين ، ولقمة سائغة في أفواه الطامعين . تماماً كالمرأة المغتصبة التي لم تجد رجلاً يدافع عنها . وهنا تظهر أهمية الجماهير في قيادة فعل المقاومة، لأن التعويل على النظام الرسمي لقيادة الأداء التحريري إنما هو مضيعة للوقت وتعويل على جثة هامدة . فالحاكم العربي حسم خياره باتجاه تقديس الكرسي والحفاظ عليه حتى الرمق الأخير سواءٌ هُدم الأقصى أو هُدمت الكعبة . وحينما يأتي الحديث عن الفعل الشعبي يتبادر إلى الذهن مشروع الانتفاضة كحالة شعبية سامية رافضة للاحتلال تأخذ زمام المبادرة دون انتظار الخطب الرنانة الجوفاء القادمة من هنا وهناك ، وبيانات الشجب والإدانة من سماسرة السياسة والمتاجرين بدماء الشعوب المنطفئة .وقد شاهد العالم أجمع عبر أطوار الانتفاضة الفلسطينية شعباً رافضاً للاحتلال يفضح سياسات الكيان الصهيوني الذي يصور نفسه كواحة ديمقراطية متحضرة في وسط صحراء رعيان الغنم . كما يفضح الأنظمة العربية المتواطئة مع الاحتلال التي ترصف الطريق أمام الغزاة لكي يمروا . لكن الوضع الحالي في الضفة المحتلة قد يعيق قيام انتفاضة لعدة أسباب من أهمها :1) إن الجنرال دايتون هو الحاكم الفعلي للضفة وهو موجود لكي يحافظ على أمن "إسرائيل" عن طريق تدجين قوى الأمن الفلسطينية وتوجيهها نحو حماية المحتل واستئصال المقاومة نظير بعض الامتيازات وبطاقات ال V.I.P ، ودفع رواتب أكثر من مئة ألف موظف في السلطة، ووعود كاذبة بإقامة دولة فلسطينية لن تأتي ، والسماح بحرية السفر والحركة لمسؤولي السلطة بإذن الاحتلال . 2) غياب الآباء المؤسسين عن حركة فتح الذين قادوا مسيرة النضال والكفاح المسلح مثل ( أبو عمار ، أبو جهاد ، أبو إياد ). كما أن حركة فتح التي تسيطر_ شكلياً _ على الضفة المحتلة خلعت المبادئ الثورية التي تزامنت مع إطلاق الرصاصة الأولى عام 1965م ، خصوصاً أن قادة السلطة الحاليين من الصف الثاني والثالث في حركة فتح التاريخية ، ولم يُعرف عنهم ممارسة الكفاح المسلح أو التأثير في تاريخ الثورة الفلسطينية عبر العقود الماضية . ومن لم يعرف مسك المسدس في الحروب لن يعرف التوقيع على معاهدات السلام . 3) خوف حركة فتح من سيطرة حركة حماس على أية انتفاضة قادمة بما لها من ثقل إسلامي، وتواجد في المساجد القادرة على حشد الجماهير ، وتجييش الشارع للدفاع عن المقدسات ، والتعبئة الشعبية للانتفاضة والتحرك الفاعل . 4) غياب الإسناد العربي والإسلامي لأي فعل مقاوِم، فأمريكا تحرك الأنظمة العربية بالريموت كنترول ، ولا يمكن لجامعة الدول العربية أن تعقد اجتماعاً إلا بموافقة أمريكية ضمنية تضمن عدم المساس بمصالح العدو الصهيوني ومن يقف وراءه . وفي ظل هذا الوضع البائس قد تتم التضحية بالمسجد الأقصى مقابل البقاء في سدة الحكم كما تمت التضحية بالأندلس من قبل . ومسؤولية حركة فتح في هذه اللحظة الزمنية أكبر بكثير من مسؤولية حركة حماس ، لأن حركة حماس _ بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها _ حافظت على إبقاء قطاع غزة كأرض فلسطينية نقية بدون مستوطنات أو تواجد صهيوني ، في حين أن حركة فتح المتواجدة في هرم السلطة في الضفة لم تقدر على حماية القدس الشرقية التي هي عاصمة الدولة الموعودة . مع العلم أن كلا الحركتين عصفوران يتقاتلان في نفس القفص . وفي هذا السياق ينبغي إعطاء الجماهير الفرصة الحقيقية لحمل عبء التحرر والتحرير عبر انتفاضة جديدة تكسر ثنائية الاختيار الموجودة في أذهان بعض المتخاذلين ( المسجد الأقصى أو سيارة المرسيدس ) ، لأن الشعوب الواقعة تحت الاحتلال لا تساوم على حريتها وكرامتها ، بل تندفع باتجاه هدف محدد وهو التحرر . وهذا لن يحدث إلا بحل السلطة الفلسطينية التي كانت اختراعاً هلامياً ومضيعة للوقت ، ووصفة سحرية لتلميع وجه الاحتلال ، وزيادة التهويد ، وقضم الأرض طيلة عقدين من الزمن ضمن فوضى مفاوضات عبثية .أما الهروب من التحديات المصيرية فلن يجدي نفعاً. وكان حرياً برئيس السلطة ألا يغادر إلى عمان في هذا الوقت الحساس هروباً من الاستحقاق على الأرض كما كان يفعل الرئيس المصري الذي يترك مصر تحترق ثم يذهب إلى شرم الشيخ للرفاهية .لذلك فإن حل السلطة الفلسطينية سيحفظ ماء وجه حركة فتح ، ويعيد لها كثيراً من الحس الثوري الغائب، ولن يخسر الفلسطينيون شيئاً بإعلان الانتفاضة الشاملة، فلا دولة يخافون عليها ، فالأرض يتم بلعها شبراً شبراً . ففي الواقع لن يخسروا سوى قيودهم . وإذا لم تحدث حركة شعبية عارمة، فإن احتمالات الترانسفير، وتأسيس الوطن البديل، ومحاصرة قادة السلطة كما حدث مع عرفات ، وضياع القِبلة الأولى بالكامل ، سوف تتضاعف بشكل مخيف . فعلى الفلسطينيين أن يقودوا معركتهم بأنفسهم ضد الاحتلال ، فلا أحد سيأتي لكي يدافع عنهم .كما إن إجراءات حل السلطة هي اتفاقية المصالحة الحقيقية التي ستعمل على توحيد الشعب الفلسطيني بكل أطيافه ، وتوحيد حماس وفتح وباقي الفصائل ضمن قالب تحريري واحد ذي مسار فاعل وهدف مصيري مشترك ، وعودة غزة إلى الضفة ، وعودة الضفة إلى غزة . فالشعب الفلسطيني بكل أطيافه لا يمكن أن يتوحد إلا حول المقاومة . وقد رأينا عرفات وجورج حبش كيف اتفقا على فعل المقاومة ضمن منظمة التحرير على الرغم من الاختلاف العقائدي بين فتح والجبهة الشعبية . فالمقاومة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وسوى ذلك ستصبح فلسطين هي الأندلس الثانية ، ولن ينفع البكاء عندئذ ، أو العتاب بين مشعل وعباس ، أو التسول على أبواب مجلس الأمن ، واستجداء سماسرة الشرعية الدولية .

21‏/03‏/2010

التفاصيل الكاملة لقصة اغتيالي

التفاصيل الكاملة لقصة اغتيالي
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة/ كلام الفراشة الناعمة
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
قال الرمل الدبلوماسي :
(( لنتوقف قليلاً عن خياطة الأغاني الوطنية
ولنبحث عن الوطن في المجازر المعتادة ))
رأى السيلُ كتاباتي على سبورة الأحلام
إلى شيء راقص كالرؤوس المتطايرة تمشي أزمنة البيلسان
لا يدري القمر لماذا تأخذ البحيرة إجازةً مَرضية
رقصنا على الأنغام الخرساء
في قاعة الجماجم في قصر الخليفة
كنا مهرجين مبتدئين في مدن الزبد
في بلاط الوالي في التراب الأجنبي
نقفز كأشجار المذبحة لإسعاد الأميرة الصغيرة
هذه الرئة مفتوحة لكل السيوف
غائبٌ المكان في قلب الصراخ
تصطاد الأسودُ الحيواناتِ المنوية في أدغال العمر
هكذا تعيش أشباحنا كالأرصفة المكبوتة جنسياً
في الدروب المنسية جلس وقتُ الزنبق
على كرسيه الهزاز
حيث تلتصق جثث البحارة الإغريق
على حيطان المعبد
وتنتظر القططُ خروجَ لحم البحيرة
من شقوق البلاط القذر
لستُ بروازاً للصمت الأعرج
تكون أزمنتي باروداً لصور الغياب
شكلاً للأصفاد النحاسية في أطراف الظل
واضحٌ غروب الجرح خلف جبال الكلمة
أتيناكَ وفي أوداجنا عناوين المنافي
التي يقضي الوقتُ وقته في عَدِّها
شِباكُ الصيادين الراجعين من المغيب
والأناناسُ الواقف على حافة كل الدماء
والأنهارُ الجارية على سطوح القطارات
كلُّ العناصر الكيميائية تستقر في ظلال الدم
قلتُ إن البحر سوف يضع على رأسه خوذةً فولاذية
أين البحرُ المتعطش لرؤية ما تساقط من عنفوان الرمال ؟
نفرش سجاداً على رمل المحيط
استعداداً لقدوم موكب أسماك القرش
كلما استنزفنا الغسقُ سرَّحْنا العصافير
من خاصرة الرعاش
عندما أصيب النهر بالباركنسون
حزنت الصحراءُ المارة بمحاذاة مجزرتنا
للسكين جلودنا وفرو الثعالب
إبرٌ تتجمع كريش المداخن ودخانِ الثلوج
في أنوف التماسيح
زوروا الفقمةَ في غرفة العناية المركزة
وامنحوا للشرفات الخريفية حزنَ الفتيات المغتصَبات
في ريو دي جانيرو
وبعد شنقي سوف تذهب الفتاة التي أحببتها مع خطيبها
إلى مطعم للوجبات السريعة
قرب أطياف مشنقتي
سنطلق على شوارعنا أسماءَ المشنوقين
ونسمِّي عظامنا بأسماء الضحايا
ونعلِّق على رئاتنا لافتاتٍ تحمل أسماء من رحلوا
سافرت بئرُ الأحلام ولم تودِّع البحرَ المخملي
والزيتونُ يؤرخ أحداثَ مصرعي ويُوثِّقها
والعطورُ التي يضعها بلبلُ الدم تشق بلاطَ زنزانتي
لا وجهٌ يغطي القشَّ البحري
وصلت الأعشابُ إلى كتابات المطر متأخرة
مشت الأشجارُ في جنازة البلابل
إنكم لون الخبز في المجموعة الشمسية
فلتمش أيها البارود إلى كهوف البنكرياس الرصاصية
يحتفل السكوتُ بذكرى استقلال جروحي عن المذنَّبات
وحيث يضع النهرُ خوذةَ الشعير على رأسه
تولد ثورةُ البيادر
لي ضوءُ الجوافة في بكائيات زُحَل
وليلٌ خالٍ من القُبَل
والقمرُ يحل مسألةً في الرياضيات
وحين تبكي ابنةُ عمي على البجع المنفي
يندلع الوردُ في شظايا الفراق ومرايا الوداع
إننا مرآة السفر على صفائح النثر
المشنقةُ الطازجة كرقائق البطاطا الخارجة
من الجرح البنفسجي
اعتاد اللازورد على التهام قوس قزح
في جهات شمال الألم
بدأ الصمتُ يمارس هواية قراءة الشِّعر
في الكواكب المجاورة
منتصبةٌ شواهد القبور في صدري الرميم
فانهضي ألواحَ الصفيح العابر
وسجِّلي اسمكِ في قائمة السوسن المحلي
ومضينا نزرع النعنع على ظهر حوت أزرق
يغيِّر لونَه كالأدغال المطرودة
والجرذانُ تقضم نصفَ قطر فوهة الدمع
إن الأمس مستقبل الوديان
واضحةٌ ارتعاشة المطر
قل إنكَ ماضي الغابات المضيئة
في مساءات البطيخ
يشرق معنى البخار من جهة الرجفة
ركضنا في شهوات الحصان الخشبي
بيننا صباحاتٌ للبرقوق استمرارُ الرعشات
لهاثُ ما تناثر من الأسمنت الفضي
علَّقْنا على طحال الليلك جرسَ العتمة
وبكينا لتبدوَ صورةُ غاباتنا واضحة
في مناديل الحجارة في الموانئ المنسية
نستخرج الصوديوم من مخدات سكوتنا
كأننا عبَّأْنا زجاجاتِ العصير بهزائم النهر
ومشينا إلى موت الفطر الزهري واثقين
ملتفين حول أفواه النسيان
الميناءُ الذي رمانا في القوارب التي لا تعود
ما زال يحتفظ بقمصاننا تذكاراً
والبحارةُ نسوا أن يُطعِموا للرمل الأخضر
القططَ المشردة في الأزقة القذرة
من كل أبواب الوداع
جاءت خيوطُ وشاح المرفأ اللوزي
إن المسافرين يسجلون تقاطيعَ خاصرة الشاطئ
في جواز السفر الذي يجدده البحرُ الغريب
نتقاسم وحدةَ الراعي وغربة الفِيَلة
ونصعد كالملح السكري من معاطف الدموع
كلنا واقفون على حافة الجنون
ننتظر قدوم جلادنا كي نحتفل بالجريمة
لا أزال أتذكر وجوهَ الملح
وهي تبدل الأقنعةَ كالمقاصل الجديدة
ودِّعْني أو لا تُودِّعْني
سيركب حصاني قشةَ اللامعنى
قلوبنا معكَ وسيوفنا عليكَ
فابدأْ سردَ حكاية برقوق المنافي الذي تفجر
في وسادة النجمة
أنا المنفى والوطنُ المنفى
لكن نزيفي يعود في المساء مثل الفلاحين الموتى
فلا تُصدِّقْ ما صرَّحت به حديقة جثتي لوسائل الإعلام .

11‏/03‏/2010

الكيانات الصهيونية في الوطن العربي

الكيانات الصهيونية في الوطن العربي
إبراهيم أبو عواد
نشرت في جريدة القدس العربي
لندن ، 11/3/2010م .
كلنا يعلم أن الوطن العربي ذو موقع إستراتيجي عالمي . وهذه الحقيقة الجيوسياسية المفروغ منها أدت إلى هجمة غربية شرسة على هذه البقعة العربية الهامة على خارطة تشكيلات السياسة والطاقة والأمن . ومن هنا نفهم الخلفية الفكرية لاحتلال فلسطين والعراق ، ومحاولة تفكيك دول المنطقة على أسس طائفية وعِرقية ليسهل السيطرة عليها. فالشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحجارة ، أما الشجرة الميتة فلا أحد يعيرها انتباهاً . وهذا يدل على حيوية المنطقة العربية وأهميتها ، مما جعل الغزاة يحلمون بها في كل الأوقات ، ويخططون بكل جهد للسيطرة على مفاصلها السياسية ، وثرواتها الطبيعية وعلى رأسها النفط . لذلك جاءت فكرة زراعة قاعدة عسكرية ( العدو الصهيوني ) في المنطقة ليكون رأس حربة متقدمة للاحتلال الغربي التوسعي ، حيث يفصل آسيا العربية عن إفريقيا العربية للحيلولة دون تكوين وحدة اتصال جغرافية متماسكة من الخليج إلى المحيط ، وأيضاً تكون هذه القاعدة العسكرية الصهيونية قريبةً من منابع النفط ليسهل الوصول إلى المنطقة في حال حدوث أمر طارئ. لكن قوى الاحتلال الغربي التقليدية ( بريطانيا وفرنسا ) برفقة أمريكا وريثة إمبراطوريات الهيمنة والابتزاز السياسي والتوسع الهستيري أدركت منذ مدة بعيدة التكلفة الباهظة لوجود قوات عسكرية غازية على الأرض العربية ، فاخترعت أنظمةً عميلة لها ، عربية الملامح صهيونية الباطن والولاء ، تحمل أسماء عربية ومسلمة تقوم بتنفيذ الأجندات الغربية الاحتلالية حرفياً باسم الحضارة والتحديث والازدهار والديمقراطية وحقوق الإنسان . وهذه اللعبة موجودة عبر أطوار التاريخ ، وتختلف تفاصيلها باختلاف الثقافات والتقاليد . فالنازيون _ مثلاً_ حينما احتلوا فرنسا ، لم يقوموا بحكمها مباشرة ، بل أقاموا حكومة فيشي الفرنسية الموالية للنازيين . وقد قامت أمريكا بنفس الفعل في أفغانستان ، فقد أحضرت كرزاي الأفغاني البشتوني كدمية في يد أسياده ، وحاكم شكلي لأفغانستان التي تم تقديمها " واحة للديمقراطية قامت بتحرير المرأة من طالبان المتوحشة المضادة لحقوق الإنسان والمرأة " . فصار كشف وجه المرأة الأفغانية هو القضية الإستراتيجية العالمية التي تقلق عباقرة التنظير السياسي في الأمم المتحدة. ولم يتحدث أحد عن خمس الأمريكيات اللواتي تعرضن للاغتصاب، وأن المومسات في الغرب صارت لهن نقابات تدافع عن حقوقهن ، وأن مهنة البغاء مكفولة في الدساتير الغربية ، وتدعم الاقتصاد الوطني عبر دفع الضرائب في موعدها ! . وكل هذا النفاق والكيل بمكيالين يتم تأطيره وفق إفرازات سياسية لشرعنة الاحتلال، وإيجاد شرعية للتدخلات الخارجية ، وتحويل الحكام المرتزقة الموالين للاحتلال إلى دمى في مسرح للعرائس يتم تحريكها من وراء الستار . ووفق هذه الألاعيب التي يقوم بها الغزاة يمكن إدراك فلسفة خروج المحتلين من الباب ، ودخولهم من النافذة مصبوغين بمكياج الحضارة وأقنعة المدنية . وهذا الدخول عبر النافذة تم تجسيده على شكل أنظمة عربية متصهينة تؤدي خدماتها لأسيادها نظير بقائها في سدة الحكم، وأن تظل حاكمة على رقاب العباد حتى يوم القيامة، وتتحكم بكل موارد البلاد وفق نظام آلهة وحاشية مقدسة ينهبون الثروات بالطول والعرض، ولا يُسألون عما يفعلون . وهم مرتاحون لهذه "التنمية الوطنية" لأن الغرب يوفر لهم غطاءً في المحافل الدولية ، ويمنع الاعتراض عليهم ، أو تعريضهم للنقد ، ضمن خطة نفاق سياسي مدفوعة الثمن مسبقاً . وهذا يبرز أكاذيب الغرب في الترويج للديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات ، واحترام حقوق الإنسان . فالغرب أكبر داعم للأنظمة الاستبدادية في الوطن العربي. والطواغيت الأعراب الذين يبيدون شعوبهم يتجولون بكل أريحية في أمريكا وأوروبا ، ويتم استقبالهم على أعلى المستويات ، ليس حباً فيهم أو من أجل سواد عيونهم وملامحهم العربية التي تُذكر بعوالم ألف ليلة وليلة ، وإنما من أجل استمرارهم في أداء المهام الموكلة إليهم في تجذير العالم العربي كدمية في يد الاحتلال الغربي الجاثم على الصدور . وفي ظل هذا الانكسار ليس غريباً أن تتكرس الصهيونية الأعرابية ( النسخة العربية من المحافظين الجدد ) وفق كيانات عربية متصهينة أشد خطراً من الكيان الصهيوني في فلسطين ، لأنها هي التي دعمت الاحتلال لفلسطين، وقامت بحمايته عبر المراحل الزمنية المختلفة ، وقامت بإمداده بكل وسائل الحياة والاستمرارية . ولم يكن الاحتلال ليجد له موطئ قدم في أرض ترفضه لولا مساعدة الكيانات الصهيونية الأعرابية التي خيَّرت نفسها بين قِبلة النبي الأولى وبين الكرسي ، فاختارت الكرسي . فالقاعدة الأساسية في هذا السياق السياسي المجنون هي : إن أقصر طريق لنيل رضا السيد الأمريكي يمر عبر رضا طفله المدلل " الكيان الصهيوني ". وبالتالي فلا بد من تقديم التنازلات _ حسب عقلية التخلف العربي _ لهذا الطفل المؤدب المتحضر المتعلم الديمقراطي ابن الحسب والنسب ! ، من أجل استمرار أنظمة الحكم العربية الرائعة في مسيرة النهضة والتحديث والتنمية والارتقاء بالوطن والمواطن بعد أن مات الوطن والمواطن ! . وكما قيل : لا تلم الذئب إذا كان الراعي عدو الغنم .

04‏/03‏/2010

هل تتكرر ثورة يوليو 52 في مصر ؟

هل تتكرر ثورة يوليو 52 في مصر ؟
إبراهيم أبو عواد
نشرت في جريدة القدس العربي
لندن ، 4/3/2010م .
إن الناظر في أحوال مصر هذه الأيام يرى حراكاً سياسياً شديد الزخم ، فيبدو أن الشعب الغريق صار يستشعر عمق المستنقع الذي يحيا فيه حياة البؤس والفساد الضارب جذوره من رأس هرم السلطة حتى القاعدة .لذلك فإن الناس راحوا يتعلقون بأي طوق نجاة سواءٌ كان صالحاً أو غير صالح ، لأن الغريق لا يقدر أن يفرض شروطه على الآخرين ، فهو في موقف ضعيف لا يؤهله لأن يحدد نوعية طوق النجاة . وفي ظل هذه الأجواء المشحونة تم تصوير مجيء البرادعي إلى مصر كمجيء مالك الحلول السحرية ، وصاحب الخلاص السياسي القادر على نقل مصر إلى العالم الأول، وإيجاد الوصفة الخارقة التي تنقل المجتمع من الانهيار الشامل إلى التقدم الحتمي . وهذه الصورة السينمائية طبيعية في مجتمع عربي عاطفي اعتاد على تحكيم الأحاسيس المرهفة في العمل السياسي ، والتصفيق للحق والباطل ، والهتاف للزعيم الفاتح بسبب ودون سبب . فالبنية الاجتماعية العربية المتخلفة غير مستعدة لتداول سلمي للسلطة ، وتطبيق مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب ، وتعزيز مبدأ المشاركة السياسية ، وإنشاء دولة القانون والمؤسسات ، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع عبر انتخابات حرة ونزيهة . ونحن هنا لا نقلل من قيمة البرادعي كعالم ومفكر وسياسي دولي وصاحب كفاءة وخبرة في الإدارة. ولكن من قال إن الوطن العربي مستعد لاستقبال الكفاءات وأصحاب العقول اللامعة ؟. فمن يطالع نسب تهجير الأدمغة العربية إلى أمريكا وأوروبا سيصاب بالذهول المرعب ، وسيتأكد أن هناك خطة منهجية من قبل الأنظمة العربية الحاكمة لطرد أصحاب الكفاءات لكي يظل الشعب غارقاً في جهله كقطيع الغنم يُساق إلى الذبح دون أن يعترض . فالنظرية الفلسفية التي يعتنقها الحاكم العربي ولا يحيد عنها هي : إن العقل المفكر يشكل خطراً على نظام الحكم، وبالتالي ينبغي التخلص منه . ونظرة سريعة إلى وزن العلماء العرب والمسلمين في الغرب تؤكد هذه الحقيقة . فعلى سبيل المثال لا الحصر : إن الدكتور أحمد زويل ( مصري يحمل الجنسية الأمريكية ) من أهم العلماء في العالم ويحمل جائزة نوبل في الكيمياء ( 1999م ) . وأشهر جراح قلب في العالم هو الدكتور مجدي يعقوب ( مصري يحمل الجنسية البريطانية ).وأشهر مهندسة معمارية في العالم هي زها حديد ( عراقية تحمل الجنسية البريطانية ) . ومن أبرز علماء الجيولوجيا في العالم الدكتور فاروق الباز الذي ساهم في وصول الإنسان إلى القمر ، وهو أيضاً مدير معهد الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن ( وهو مصري يحمل الجنسية الأمريكية ) .وما أود أن أصل إليه من خلال الأمثلة السابقة هو عدم قدرة الوطن العربي على احتضان أصحاب الكفاءات القادرين على الإدارة وإحداث التغيير، لأن النظام السياسي العربي تم تصميمه وفق العقلية البدوية العشائرية والعصبية القبلية والارتماء في أحضان أمريكا التي تمنح القمح ، وتفرض شروطها ، وتدير شؤون الأمة العربية بأجهزة التحكم عن بعد . فالهتاف للبرادعي يأتي في إطار صرخة الغريق ولا يأتي في إطار العمل السياسي الواعي ، لأن البرادعي لا مكان له في النظام السياسي المصري . فالدستور المصري تم تفصيله لتكريس الحكم الفرعوني حتى يوم القيامة، وتعزيز سلطة الزعيم الأوحد الحاكم بأمر الله المدعوم خارجياً . خصوصاً أن هذه التوجهات البوليسية تنال القبول في أمريكا وإسرائيل اللتين توفران الغطاء الشرعي للنظام المصري في المحافل الدولية مقابل خدماته الجليلة مثل : القيام بعمليات التطهير العِرقي بحق أهل غزة ومحاصرتهم لكي يموتوا في صمت دون إزعاج ضمير الشرعية الدولية والعالم الحر ، وإهداء الغاز المصري لإسرائيل مجاناً أو بسعر رمزي كعربون محبة وسلام ، وتجويع الشعب المصري الذي يموت على طوابير الخبز ، وفتح المنتجعات السياحية للسياح الإسرائيليين وإغلاقها في وجه المصريين ، وتحويل الدولة المصرية إلى بلدية تابعة لتل أبيب . لكن السؤال الحاسم الذي يفرض نفسه : لماذا يقوم الرئيس المصري بكل هذه الخدمات المجانية مع أنه على حافة قبره ( 82 سنة )، ومستقبله السياسي أضحى وراءه، وفقد كل أوراقه ، ولا يعرف ماذا يحدث حوله ، فهو يعيش على الإبر المقوية لكي يقدر على المشي ، ويصبغ شَعره لكي يبدوَ في عنفوان الشباب . والجواب يتمحور حول سعي الرئيس المصري لنيل رضا أمريكا وإسرائيل لكي تسمحا بتولي جمال مبارك الحكم بعد وفاة أبيه . لكن المفاجأة غير السعيدة بالنسبة لأصحاب مشروع التوريث هي أن جمال مبارك _ رغم تلميعه وتقديمه للأمريكان كرجل المرحلة _ لا يقدر أن يحكم مصر لانعدام خبرته، وعدم وجود غطاء شعبي مستمد من الجماهير، وعدم امتلاكه خلفية عسكرية كرؤساء مصر بعد ثورة يوليو 52 . وهذه النقطة الأخيرة تقلق أمريكا وإسرائيل بشكل بالغ ، لأن مصر هي الدولة العربية المركزية . فهي إذا تحركت تحرك العرب ، وإذا ماتت مات العرب . ووجود قيادة ضعيفة مهزوزة مثل السيد جمال مبارك في سدة الحكم قد يعرض المصالح الصهيوأمريكية للخطر . والوضع في المنطقة العربية لا يحتمل مغامرات غير محسوبة ، أو عمليات تجريب . وفي ظل هذا الأفق المسدود يظهر الحل الأكثر رومانسية في دول العالم الثالث البدائية وهو قلب نظام الحكم عسكرياً. وهذا ليس غريباً على مصر وباقي الأقطار العربية ، فتاريخها حافل في الانقلابات العسكرية . لكن البعض قد يستبعد حدوث انقلاب عسكري في مصر بسبب هدوء الجيش وابتعاده عن التجاذبات السياسية ومشاريع تأييد التوريث ومعارضته . وهذه هي مركز الخطورة لأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، والنار التي تحت الرماد ، فالصمت هو المخيف لا الجعجعة . وكل انقلاب عسكري إنما يتأسس على عنصر المفاجأة والمباغتة، خصوصاً أن الوضع المصري قد يمهد الطريق لحدوث عمل ضخم على غرار ثورة يوليو 1952م لعدة أسباب من أهمها : ضعف قبضة الرئيس المصري بحكم الشيخوخة والانهيار الصحي ، وانفتاح شهية الطامعين في الحكم المقتنعين بقرب نهاية حقبة مبارك، وفق مبدأ " إذا وقع الجمل كثرت السكاكين " ، ووفق نظرية تمرد التلميذ على الأستاذ . فقد رأينا الرئيس التونسي الحالي زين العابدين بن علي كيف انقلب على أستاذه العجوز المريض بورقيبة في عام 1987م عندما سنحت له الفرصة لتنحيته واستلام زمام المبادرة . وهذا الدور قد يلعبه في مصر مدير المخابرات عمر سليمان أو قائد القوات المسلحة أو حتى رئيس مباحث أمن الدولة بحكم كثرة الأوراق في أيديهم ، وخبرتهم الأمنية في تجذير الدولة البوليسية ، وقمع الحركات الإسلامية التي تشكل خطراً على الاحتلال الصهيوني ومشاريع الهيمنة الغربية ، واتساع دائرة نفوذهم وأتباعهم ، وارتباطهم بعلاقات وثيقة مع الغرب وإسرائيل . بل إن أتباع هذه المؤسسات الأمنية من الصف الثاني والثالث قادرون _ بحكم خبرتهم _ على قلب نظام الحكم رغم رتبهم العسكرية المتدنية نسبياً . وأمامنا ثورة يوليو التي قادها ضباط شباب من رتب عسكرية منخفضة . فجمال عبد الناصر كان آنذاك في الأربعين تقريباً ، وأنور السادات في بداية الثلاثينات من العمر . لذلك فمن المؤكد أن حقبة الرئيس مبارك قد انتهت ، وأن الانقلاب العسكري _ على الأرجح _ قادم على غرار ثورة يوليو 1952م ، لكن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لتحديد لحظة الانقضاض ، والانتهاء من حبك خيوط اللعبة . وهذا سيدشن عودة الوطن العربي إلى عصر الانقلابات في الدول المركزية ذات الثقل . والذي يدعم هذه الرؤية الإستراتيجية فشل الدولة العربية في تحقيق أي نجاح، وسير المجتمع بأسره إلى الدرب المغلق ، وغياب أي أفق لعلاج مشاكل الناس الذين سيتحركون حين يتساوى عندهم الحياة والموت. وهذا ما نشاهده في جنوب اليمن ، وشاهدناه في دارفور سابقاً ، وما خُفي أعظم .