سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

26‏/04‏/2017

سالفاتوري كوازيمودو ومقاومة الفاشية

سالفاتوري كوازيمودو ومقاومة الفاشية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 26/4/2017

..................

    وُلد الشاعر الإيطالي سالفاتوري كوازيمودو ( 1901_ 1968) في مدينة موديكا بالقرب من صقلية ، لأب يعمل موظفاً بالسكك الحديدية . درس الرياضيات والهندسة في مدينة باليرمو ، وأكمل دراسته الهندسية بروما عام 1919 ، ثم عمل كمهندس في هيئة حكومية لمدة عشر سنوات.
     كان شِعْرُه غارقاً في الإبهام والغموض والتعقيد ، ولكنه اتَّجه بعد الحرب العالمية الثانية إلى مناقشة القضايا الاجتماعية المعاصرة . وفي عام 1941، حَظِيَ بمقعد لتدريس الأدب الإيطالي في أحد المعاهد . كما أنه دُعِيَ إلى الإسهام في المجلة الأدبية ( سولاريا ) التي صدرت في فلورنسا بين عامي 1926و1936. وكان لها دور كبير في تجديد الأدب الإيطالي، وتحديث الأساليب الأدبية، والتعريف بالآداب الأخرى وكُتَّابها .
     وقد نشرت هذه المجلة ديوانه الشِّعري الأول " مياه ويابسة " ( 1930) الذي جَعل كوازيمودو رائداً من رواد مدرسة الإبهام في الشِّعر ، وزعيماً لتيار شِعري مُوغل في الرمزية .
     كان كوازيمودو في بداية حياته من أنصار الفكر اليساري ، وكان عضواً في الحزب الشيوعي حتى تحرير بلاده من الحكم الفاشي . وكان مُقاوماً عنيداً للفاشية ، وألهمته المقاومة قصائد أكثر وضوحاً ومُباشَرةً. ورَكَّزَ على المأساة التاريخية للإنسان المعاصر الذي يبحث عن الحرية ، ويكتشف أنها صعبة المنال.وقد تَغَنَّى بالأحلام الوردية الضائعة،والعصرِ الذهبي المقترن بالأساطير والذكريات.
     لقد غدا شِعره تأملاً دقيقاً في الحزن والدمار الذين جلبتهما الحرب على الإنسانية . وندَّد في كثير من قصائده بظلم الحكم الفاشي ، وبشاعة الحروب ، وآثام الإيطاليين . كما أضحت قصائده تتَّسم ببساطة اللغة ، وواقعية الصور والمجازات . وهذا يتناسب مع عالَم الخراب والضياع والضحايا والحروب والكوارث .
     ومِن الأمور اللافتة أن كوازيمودو كان يُقارن الجسد الإنساني بالطبيعة ، ويرى فيه مُكوِّنات الأرض من ماء وتراب . لكنَّ وصفه للطبيعة يُظهِر تشاؤمه ونظرته السَّوداوية للحياة ، حيث تظهر قوى الطبيعة في أعماله بشكل مُخيف ورهيب . فالرياح تُصبِح مُهلِكة ، والغيوم دموية ، ويتحوَّل المطرُ إلى قاتل . وهذه الصور الرهيبة تتجلى في مؤلفاته " الأخضر الزائف والصحيح "  ( 1956). و" أرض لا نظير لها " ( 1958). وفي العام نفسه، مُنح جائزة فياريتجو ( أكبر جائزة أدبية إيطالية ). ثُمَّ ازدادت شُهرته العالمية بعد فَوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1959 عن أعماله الشعرية الغنائية المعبِّرة عن الحياة المأساوية في عصرنا الحالي .
     ويُشكِّل كوازيمودو إلى جانب الشاعرَيْن مونتالِه وأونغاريتي الثالوث الشِّعري الذي طَوَّر الشِّعر الإيطالي في القرن العشرين ، كما أسهم في إحياء اللغة الإيطالية ، وفاق نضالُه الشِّعري نضالَه السياسي .
     وفي يونيو 1968 ، أثناء تواجده في أمالفي ( جنوب شرق مدينة نابولي ) لمناظرة ، أُصيب بنزيف في المخ . وتُوُفِّيَ في مستشفى نابولي . ودُفن في المقبرة التذكارية بميلانو .
     من أبرز دواوينه الشِّعرية : مياه ويابسة ( 1930). المِزمار المغمور ( 1932). أريج الكافور ( 1933) .

     ومن أبرز كُتبه الفكرية : الروح فِعل خالص ( 1937) . فلسفة الفن ( 1949) .

21‏/04‏/2017

بوريس باسترناك وإلهام العشيقات

بوريس باسترناك وإلهام العشيقات 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 21/4/2017

..............

     وُلد الكاتب والشاعر الروسي بوريس باسترناك(1890_1960) لأب كان يهودياً ، ثُمَّ تَحَوَّل إلى الكنيسة الأرثوذكسية،وهو رسَّام وأستاذ في معهد الفنون. ووالدته كانت عازفة بيانو مشهورة.
     نشأ في عائلة فنية ومنفتحة على الثقافات ، وهذا الأمر دفعه إلى دخول كونسرفتوار موسكو عام 1910،لكنَّه ترك الكونسرفتوار،ليدرس الفلسفة في جامعة ماربورغ الألمانية . ورغم نجاحه الدراسي، رفض العمل في مجال تدريس الفلسفة،وترك الجامعة عام1914.وفي نفس السنة أصدر ديوانه الأول، الذي احتوى على قصائد واقعة تحت تأثير أفكار الفيلسوف الألماني كانت ، ومكتوبة بلغة يومية ذات كلمات مُتشابهة ( نوع معروف في الشِّعر الروسي كالسَّجْع عند العرب، ولكن التشابه يكون في بداية الكلمات ) .
     خلال الحرب العالمية الأولى ، عمل باسترناك في مختبر للكيمياء في الأورال. وهذه التجربة الشخصية سَتَكون مادةً أولية سيستخدمها لاحقاً في رواية " دكتور جيفاغو " .
     في صيف 1917 ، بينما كان باسترناك في سهل ساراتوف ( جنوب شرق روسيا ) ، عاش قصة حب ملتهبة مع فتاة يهودية، كانت مُلْهِمَتَه الأولى. وهذه التجربة الغرامية أوحت له بمجموعة شعرية كتبها خلال ثلاثة أشهر، وامتنع عن نشرها_إحراجاً_ لمدة أربع سنوات. وقد نُشرت في عام 1921 بعنوان " حياتي الشقيقة "، وأحدث تأثيراً هائلاً على الشِّعر الروسي . وصار باسترناك مثالاً يُحتذَى لصغار الشعراء ، حتى إِنَّه أثَّرَ على كبار الشعراء الرُّوس في عصره . وتُعتبَر " حياتي الشقيقة " من أهم المجموعات الشِّعرية التي كُتبت باللغة الروسية في القرن العشرين .
     في أواخر العشرينات ، بدأ باسترناك يشعر أن أسلوبه الشِّعري يتعارض مع المناخ الأدبي الناتج عن الواقعية الاجتماعية التي كان الحزب الشيوعي السوفيتي يَدعمها ويَنشرها ، فحاولَ باسترناك أن يُبسِّط شِعره حتى يصل إلى القارئ العادي . وفي عام 1932 ، غَيَّرَ أسلوبَه الشِّعري بشكل جذري ليتوافق مع المفاهيم السوفيتية الجديدة. وأصدر مجموعته الشِّعرية " الولادة الثانية " التي كانت كارثيةً . وأُصيب مُحِبُّوه في الخارج بخيبة أمل. ثُمَّ اعتمدَ بشكل كُلِّي على التبسيط والمباشَرة في الوطنية في مجموعته التالية" قطارات مُبكِّرة" ( 1943). فكانت النتيجة سَيِّئة للغاية، وتعرَّضَ لهجوم حاد من النُّقاد .
     في أواخر الثلاثينات ، قادت السُّلطةُ السوفيتية حَملات تطهير واسعة في أوساط الأدباء والمفكرين الروس، فشعر باسترناك بالخيبة والخذلان من الشعارات الشيوعية، ورفضَ نشر شِعره، وتَوَجَّه إلى ترجمة الشِّعر العالمي إلى الروسية. وقد أنقذته عبقريته اللغوية من الاعتقال، حيث مُرِّرت قائمة أسماء الذين صدرت أوامر باعتقالهم أمام ستالين ، فحذف اسْمَه قائلاً : " لا تلمسوا ساكن الغيوم هذا " .
     أبرز ما كتبه باسترناك خلال مسيرته الأدبية رواية " دكتور جيفاغو " . وتحكي قصة حياة طبيب وُلد في أواخر القرن التاسع عشر. وقد أعطى المؤلف صُوراً عن الحياة في روسيا ، قبل الحرب العالمية الأولى وأثناءها ، وأثناء الحرب الأهلية وبعدها. لقد كان باسترناك مُحِبَّاً للحياة ومُتفائلاً،وهذا انعكس في تجسيده للشخصية الأساسية في هذه الرواية، أمَّا بطلة الرواية " لارا " ، فالنقادُ يقولون إنها تُمثِّل عشيقته أولغا إيفنسكايا .
     وبسبب انتقاده الشديد للنظام الشيوعي، لم يجد ناشراً يقبل بنشر الرواية في الاتحاد السوفيتي. لذلك فقد هُرِّبت عبر الحدود إلى إيطاليا ، ونُشرت في عام 1957، وأحدثت تأثيراً سلبياً في الاتحاد السوفيتي ، وإيجابياً في الغرب .
     وقد كتب باسترناك هذه الرواية، وهو واقع تحت تأثير فرحه بانتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتصار شعبه فيها ، وأمله بانتشار الحرية والديمقراطية في المجتمع السوفيتي ، وأن تتوقف أعمال القمع والمحاكمات التي يتعرَّض لها المثقفون وغيرهم . لكن هذا الأمل لم يكن سوى سراب .
     وفي عام 1958 مُنح جائزة نوبل للآداب . لكن السُّلطة السياسية في بلاده أجبرته على رفضها . ولم يتم الاكتفاء بهذا، فقد فُصل من اتحاد الكتاب ، وأُوقف إصدار ترجماته ، وفُرض حظر عليه ، وتُرك بلا راتب . والجديرُ بالذِّكر أن السُّلطة السوفيتية كانت قد وضعته تحت المراقبة منذ مطلع الثلاثينات ، وصَوَّرته إنساناً معزولاً عن العالَم ، غارقاً في الذاتية والانطوائية والعدمية . ثُمَّ أطلقت عليه لقب " المرتد " و" عدو الشعب " .
     تتميَّز كتابات باسترناك بعمق نفسي ( سيكولوجي ) وفلسفي ، وإدراك عميق للعالَم والروح الإنسانية ، مع الحفاظ على بساطة التعبير وعمق الرؤية ووضوحها . وتُعتبَر الغنائية سِمةً بارزة في كتاباته،وهي غنائية قائمة على الأصوات والألفاظ المتناغمة المثقلة بالأحاسيس والصور والإيقاعات المتنوعة . كما تتميَّز قصائده بالدِّقة ، وتداعي الأفكار ، والتراكيب المعقَّدة . ويتَّصف مُعجمه اللغوي بالضخامة والغِنى . وصُوَره الفنية تمتاز بالتكثيف ، والأداء الجمالي ، وقوة التعبير.
     من أبرز أعماله الشِّعرية : خلال الحواجز ( 1916) . حياتي الشقيقة ( 1921) .

     ومن أبرز كُتبه النثرية : في الصيف الماضي ( 1934) . الطفولة ( 1941).

19‏/04‏/2017

النظام الاجتماعي في القصيدة

النظام الاجتماعي في القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..................

    القصيدةُ الحقيقية هي محاولة لكشفِ البُنى الاجتماعية _ بكل تفاصيلها _ في ثقافة المجتمع ، واكتشافِ الأنساق اللغوية المعتمِدة على التجريد والتعرية ، والذهابِ إلى ماوراء النَّص بُغية الحصول على صيغة معرفية متكاملة . والأفكارُ عِبارة عن بذرة تَنتظر مَن يأتي ليَسقيَها ويُنَمِّيَها . وهذه هي مُتعة التراكم المعرفي . وكما هو معلوم ، لَيس شرطاً أن يَكون الزارع هو الحاصد . والعِلْمُ هو تراكمات مستمرة تتحرك في الأزمنة المختلفة، والأمكنةِ المتغيِّرة . وليس بِوُسْعِ أحدٍ بمفرده تشكيل عِلْمٍ قائم بذاته . ففي أحسن الأحوال ، يَستطيع المبدِعُ وَضْعَ الأصول ، أو الفروع ، أو إيجاد روابط بين الفروع والأصول .
     وفي هذا السياق ، تبرز أهمية تأصيل القضية الشِّعرية ، وَوَضْعَ الأسسِ المعرفية للنظام الاجتماعي في القصيدة، وترسيخَ جُذور عِلْم اجتماع القصيدة ، وإظهارَ العلاقات المتشابكة في المأزق الاجتماعي للثقافة ، وإبرازَ معالم فلسفة الشِّعر. وكلُّ هذه المحاولات الحثيثة هي شرارة معرفية، أو عملية رمي حَجَر في الماء الراكد .
     ولا يخفَى أن الإيمان بالقضايا الكبرى هو المنطلق الحقيقي لأنسنةِ السلوك الاجتماعي، وتوضيحِ القيم العاطفية الثورية . وقد آن الأوان لإرجاع الأدب إلى إنسانية المجتمع المتحرك في ماديةٍ عمياء شرسة . ويمكن القول إِن الأدبَ هو القوةُ الفاعلة في حياة الفرد ، والمحرِّكُ الحقيقي للجماعة . فهو المعبِّر عن الطموحات الكبرى، والآمالِ العريضة، والتاريخِ الحضاري. وإِنَّ إقصاءه من الحياة العامة من شأنه توسيع الفَجْوة بين الإنسان وإنسانيته ، وقتل الهوية الجماعية للحضارة البشرية ، وتحويل الإنسان إلى وحش .
     ومن خلال هذا المنظور الكُلِّي ، يَبْرز النظامُ الاجتماعي في القصيدة كحالة معرفية شاملة ، وتَبْرز _كذلك_ القوةُ الضاربة لهذا النظام، ألا وهي " عِلْم اجتماع القصيدة ". فالنظامُ الاجتماعي في القصيدة بمثابة حاسة البصر، وعِلْم اجتماع القصيدة بمثابة عملية النَّظر. وبالتالي ، فهما كيان واحد متكامل لا مكان فيه للانفصال أو التعارض. و"عِلْم اجتماع القصيدة" هو العِلْم الذي يَدْرس القصيدةَ على أنها مجتمعٌ متحركٌ ذهنياً وواقعياً، ويقومُ بتشريحه إلى أنويته الأساسية انطلاقاً من فكرة الانبعاث المتجدِّد ، ويُحدِّد قيمَ الاندماجِ والتمايزِ والحقيقةِ والمجازِ في بؤرة الْحُلْم الشِّعري .
     و"عِلْمُ اجتماع القصيدة " إذا لم تُرافقه نزعةٌ إنسانية تضع يدَها على أحاسيس الكائنات الحية، فَسَوْف يغدو عِلْماً فلسفياً غارقاً في التنظير والتجريد والعُقم والملل . والتعويلُ في هذا السياق إِنما هو على اللغة الشِّعرية، والرِّهانُ الحقيقي يَكون على فلسفة اللغة. فاللغةُ تؤسس عِلْمَ اقتصاد خاصاً بها ، حيث يتمُّ وَضْعُ الألفاظ في ذاكرة المعاني، وَوَضْعُ المعاني في فضاء الألفاظ ، وَوَضْعُ الألفاظِ والمعاني في أقصى مدى ممكن. ويمكن القول إِن اللغةَ هي اقتصادُ الوعي ، واختزالُ الذِّهن . وهذان المفهومان يَضَعَان الذاكرةَ الإنسانية في أقصى مداها الشِّعري .
     وكلُّ الفلسفات الذهنية التثويرية كامنةٌُ في اللغة ، فاللغةُ هي العوالِمُ الملموسة ، والعوالِمُ المتخيَّلة في آنٍ معاً. ونحن _ عِندما نتعامل مع رمزية اللغة _ لا نَهْرب من واقعية الأنساق الواقعية، ولا نَخترع لحظاتِ صِدام بين اللفظ والمعنى ، وإِنما نَقْذف ذواتنا في فوهة الكلمة من أجل تشكيل المشاعرِ الإنسانية والعناصرِ الطبيعية على صورة ثورات معرفية مستمرة. وهذا التثويرُ المتواصل يَحْقِنُ القصيدةَ بالحراكِ الاجتماعي وانفجاراتِ الأبجدية . ومهما يكن من أمر ، فالكتابةُ الشِّعرية ستظل واقعيةَ الوجود البشري الذي يتحرك باتجاه حُلْمٍ لا تأكله إحباطاتُ السياسة ، وانهياراتُ العناصر الاجتماعية ، ومَوْروثُ الوهمِ ، وميراثُ القمع . وسَوْفَ تظل اللغةُ نداءَ غريزةِ البقاء في تضاريس الْحُلْم الاجتماعي الكُلِّي . وفي ظل هذا الزخم الفكري ، سيصبح جسدُ القصيدةِ تجسيداً للمعرفة الإنسانية، وصورةً حيَّة للمعنى المتمركز في مدارات الوجود الحالم. وهذا يَمنع نشوءَ عداوة بين الشاعر ولُغته .
     والقصيدةُ هي الثورة الذهنية الواقعية الأكثر قدرة على استشراف الواقع المتخيَّل، ذلك الواقع المعجون بالطموح الإنساني الواعي. وحريٌّ بنا أن نَدْرس القصيدةَ بوصْفها كائناً حَيَّاً يَسْتشرف أحلامَ المستقبَل، ويُحوِّلها إلى مسارٍ فكري وطريقةٍ معرفية لفهم تحولات الذات الإنسانية ، والغَوْصِ في أعماقها الشِّعرية . والقصيدةُ كَيْنونةُ شُعورية قائمة بذاتها، تَجْمع قِيَمَ الموتِ والحياةِ ، ولَيست مَعنيةً بتأريخ الوقائع الاجتماعية. فهذه مهمةُ المؤرِّخ لا الشاعر . فالشاعرُ يَسعى _ بكل ما أُوتِيَ من مهارة وثقافة _ إلى إعادةِ تشكيل الواقع وَفق منظور سِحري ، وصناعةِ القصيدة ( السَّبيكة الوجودية المتميِّزة ) باعتبارها ظاهرةً شُمولية تعتمد على صياغة الأبعاد المعرفية في قوالب كاسرة للقَوْلبة والتقليدية . وهكذا ، يُوضَع النَّصُّ الشِّعري في أقصى مداه الإنساني ، فيُصبح من الصعب اجتثاثُ الطموحِ الفردي أو اقتلاعُ الْحُلْمِ الجماعي . ولا بُدَّ من كسر الحواجز التي تُوضَع بين الشاعر وجنينه الشِّعري ، وبين الشاعر والمتلقي ، وبين الجنين الشِّعري والمتلقي . وهذا لا يتأتى إلا بالعمل الجاد من أجل صناعة منظور فكري يَسْتلهم الأبعادَ الرمزية للحضارةِ واللغةِ . والقصيدةُ هي ثورةُ المجتمع المثالي العابرة لحدود الزمكان ( الزمان _ المكان ). وحِين يتمُّ بناءُ الفلسفة الشِّعرية على رمزية اللغة، فإِن النَّص سَوْف يُسيطر على مفاصل المجتمع شُعورياً وواقعياً. وهذا ليس غريباً ، فالشِّعرُ كيمياء خاصة . والفلسفةُ الشِّعرية قائمة على اللغة ، واللغةُ هي المرجعية الفلسفية للشِّعر .

     إِن القصيدةَ تَحْفظ شبابَ اللغة ، وتؤسس مجتمعاً كلماتياً خاصاً بها . وهذا المجتمعُ يُمثِّل فِعلاً اجتماعياً يُزاوج بين الرمزِ اللغوي والتاريخِ الحضاري للإنسان. والقصيدةُ تَموت في ولادة الشاعر، وتُولَد مِن مَوْتها كي تحيا حاملةً معها حياةَ العناصر . كما أن الكتابةَ الشِّعريةَ مَوْتٌ مُتتابِع لكي يُولَد المعنى . أمَّا العاطفةُ الشِّعرية فهي حفلة زواج بين الزمان والمكان. وفي ظل هذه المعطيات ، تَظْهر حقائق أساسية تتعلق بمسار القصيدة ومصيرها ، من أبرزها : القصيدةُ هي الوعاء الإنساني الأكثر قدرةً على تجسيد بَراعةِ اللغة ولمعانِها الصاعق . والقصيدةُ هي انتقام الضحية من الجلاد ، وهي تعويضٌ معنوي للمظلومين في عالَم ظالم . والقصيدةُ وطنُ مَن لا وطن له . وكما هو معلوم ، لا تُوجَد معركة من أجل المعركة ، وكذلك ، لا توجد قصيدة من أجل القصيدة .

15‏/04‏/2017

صرخة الأزمنة

صرخة الأزمنة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 10/4/2017

.................

[1] لا أُحِبُّ إنشاءَ حَديقةٍ مَنْزليةٍ . أُحِبُّ مُساعدةَ الأزهارِ في اختيار مَقرِّها .

إذا أنشأتُ حديقةً فقد فَرضتُ شروطي على الأزهار . سأتركُ الأزهارَ تَكتشف مسارَها بِنَفْسها، وتحدِّد مصيرها دون إملاءات خارجية. أتركُ لها حريةَ الاختيار الذهني، والتطبيق الواقعي . وسوفَ أقوم بالمساعدة تطوُّعاً . وهكذا أُردُّ بعضَ الدَّيْنِ في عُنقي لتاريخي الشخصي ، وبيئتي الداخلية ، وبيئتي الخارجية ، وحضارتي الكَوْنية . لا أفرضُ شروطي ورؤيتي على العناصر ، وإنما أُساعد العناصر لكي تختارَ طريقها بنفسها دون ضغط خارجي. وقد عَلَّمتُ تلاميذي أن يَنقلبوا عليَّ، وألا يأخذوا كلامي كمُسلَّمات . لستُ صنماً ، ولا أودُّ أن يتَّخذني الآخرون صنماً . أُحبُّ التعرضَ للنقد البنَّاء لأنه يَكشف عيوبي، وهذا يُساعدني في ردم الثغرات في حياتي ، وإزالة نقاط ضَعفي ، وتعزيز نقاط قُوَّتي ، وتصحيحِ مساري ، وتحسين أدائي الحياتي . ورَحِمَ اللهُ مَن أهدى إِلَيَّ عيوبي . الحبُّ الحقيقيُّ لا يَظهر في الامتلاك ، وإنما يَظهر في التَّخلي . لا يَظهر في الاستحواذ ، وإنما يَظهر في المشارَكة . افتحْ بابَ القفص لكي يَطير العُصفورُ . إن تحريره هو السيطرةُ الحقيقية عليه . إذا حَرَّرْتَه فقد امْتَلَكْتَه إلى الأبد . اترك الزَّهرةَ في الحديقة ولا تَقطفها . إذا قَطَفْتَها فقد خَسرتَ نَفْسكَ وخَسِرْتَ الزَّهرةَ إلى الأبد . إذا قَطعتَ العلاقةَ بين الزَّهرةِ والأرضِ ، فقد قَطعتَ العلاقةَ بَيْنكَ وبين الأرض . والأرضُ هِيَ أُمُّنا التي أَنْجبتنا ، وهِيَ التي سَتَبْلعنا . العِشْقُ هُوَ التضحيةُ ، أن تَتركَ المرأةَ التي أَحْبَبْتَها إذا كُنتَ عاجزاً عن إسعادها ، تَتْركها لشخصٍ آخر قادرٍ على إِسْعادها . لا تكنْ عَقبةً في طريق الأشخاص الذين أَحبُّوكَ بدافع الأنانية ، وحُبِّ الامتلاك والسيطرة . إذا رَأيتَ نَفْسَكَ فَلَن تَرى الآخرين ، وهذا هُوَ الانتحارُ في الحياة ، فاهربْ مِن مُسْتنقعِ الانتحار إلى ضوءِ الحياة . إنَّ الحياةَ الحقيقية هي المعنى الإنساني الذي يَدور حَوْلَ التَّضحية، اتْرُك الْحُلْمَ للحالِم ، ولا تَنْسَ نَصيبكَ مِنَ الْحُلْمِ . المكانُ يَتَّسِعُ للجميع . ولا أحَدَ يَأخُذُ مكانَ أحَد .

[2]الفَيْلسوفُ هُوَ الكائنُ الوحيدُ الذي يَكونُ عُمرُه حَيواتٍ متكررة منبثقة من أحزانه المتكررة.

إِنَّ الفيلسوفَ هُوَ ضَميرُ الثورةِ الحيُّ ، إنه صَرخةُ العالَمِ الرافضِ للتدجين . مِهْنته هِيَ صَعقُ الناس لتحريرهم مِن أنفسهم ، وانتشالهم من النظام الاستهلاكي الخانق ، والأخذ بأيديهم إلى خالقهم ، وإِرْشادهم إلى الضَّوْءِ في نهاية النَّفق ، وإنقاذهم من الخوف لكي يَنطلقوا إلى الأمام . وأفضلُ طريقةٍ للتخلص من الخوف هِيَ اقتحامُه . ارْمِ نَفْسَكَ في قلبِ الخوف لكي تُفجِّرَ الخوفَ مِن دَاخله، وتَشعرَ بالأمان الروحيِّ والهدوءِ الماديِّ . إنَّ وَظيفةَ الفَيلسوف هِيَ البحث عن العِطْر في أكوام القُمامة . وَلَوْ خَيَّرُوني أن أَكُونَ فَيْلَسوفاً أوْ مَلِكاً ، لاخترتُ الأوَّلَ ، لأنَّه الملِكُ الحقيقيُّ . الفَلْسَفةُ تُزيلُ اكتئابي ، وتُشعِرُني بِجَدوى الحياةِ ، وأهميةِ العقلِ الإنسانِيِّ في حَركةِ التاريخِ ومَسارِ الوُجودِ. والفلسفةُ هِيَ فَنُّ التَّنقيبِ عن الذات وتطهيرُها. والوسيلةُ الوَحيدةُ لِتَخليدِ الفلسفةِ هِيَ بِنَاؤُها على رَمزيةِ اللغةِ والمشاعرِ الإنسانيةِ . وَسِوَى ذلك سَوْفَ تَزولُ الفَلسفةُ . الفلسفةُ هِيَ ضَوْءُ الشمعة، وخارطةُ الضوءِ ، وخُطةٌ واقعية لكي يُصبح الذَّكرُ رَجلاً ، وتصبح الأنثى امرأةً ، ويُصبح الشخصُ إنساناً . والفَيْلسوفُ يَحرقُ الشوائبَ في الرُّوح الإنسانية لكي يَمنح الخلاصَ والطهارةَ للإِنسان . إنَّ إزالةَ الشوائب من الرُّوح الإنسانية تَجْعل الرُّوحَ طاهرةً ومُطهِّرةً . ولا يَخفى أن إزالةَ الشوائب من الذَّهبِ تَرتقي بالذَّهبِ إلى درجةٍ أعلى . ولا مَكان للبريقِ في ظِلِّ وُجودِ الشَّوائب . عُمر الفَيْلسوفِ حَيَوَاتٌ متكررة لأنه يَعيش في أماكن كثيرة دون أن يُغادِر مكانه، ويُولَد في أزمنة كثيرة مع أنَّ تاريخَ ميلاده _ في شهادة الميلاد الرَّسمية _ واحدٌ لا يتكرر . وهذه الحيواتُ الحارقةُ المحترِقةُ تَنبعث من أحزانه ، لأنه موجودٌ في مجتمعٍ استهلاكي .

[3] مَا يَدْفعُ الأشخاصَ إِلى الكتابةِ هُوَ حُبٌّ عَنيفٌ أو حُزْنٌ عَنيفٌ .

الكتابةُ تَعبيرٌ عن الأنا الأُخرى الكامنةِ فِينا ، وعمليةُ تطهُّرٍ مستمرةٌ . والأشخاصُ يُمارِسون فِعلَ الكتابة مُنطَلِقين مِن حُب عنيف أو حُزن عنيف . وهاتان الطاقتان ( الحب / الحزن ) أكبرُ من قُدرة الإنسان على التَّحمل، فيتمُّ اللجوء إلى الكتابةِ للتخلص من هذا الحِمْل الزائد ، وهذا الضغطِ الهستيري ، مِمَّا يُؤدي إلى تحقيقِ التوازن في النَّفْسِ البشريةِ . إِنَّنا في سَفينةٍ مهترئةٍ في قلب البحرِ الثائر ، ويَنبغي التخلصُ من الأحمال الزائدة لكي تَستعيدَ السفينةُ توازنَها، ويَستعيدَ البحَّارةُ ثِقتهم بأنفسهم ، ويَصلوا إلى شاطئِ الأمان . ورَغْمَ كُلِّ شيء ، سَيَظلُّ الكاتبُ الحقيقيُّ هُوَ الذي يَعتبر الكتابةَ موقفاً من الوجود بِأَسْره ، لا لحظةَ حُب زائلة ، أو شعوراً حزيناً عابراً . إنَّ الكتابةَ هِيَ فَلسفةُ الوجودِ الواقعيِّ والخيالِيِّ ، ولَيْسَتْ هِوَايةً لِمَلْءِ وَقْتِ الفَراغ ، أو وَجاهةً اجتماعية . وأبجديةُ الْحُلْمِ في الكتابةِ هِيَ العذابُ المتواصلُ الذي يَهْدِفُ إلى تَخليصِ المجتمعِ مِنَ العذابِ ، وتَحريرِ الأنساقِ الحياتية مِنَ الفَوضى ، وترسيخِ المعاني الثَّورية في أقصى المشاعرِ الإنسانية .

[4] كُنْ مِسْماراً في نَعْشِ الاحتلالِ لا قِيثارةً يَتغنَّى بها الأحرارُ .


التَّضحيةُ بالنَّفْسِ أعلى درجات التضحية . ولا بُدَّ مِن مواجهة الاحتلال بالحديد والنار ، فما أُخذ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالقوة . أمَّا بناءُ نسقٍ رومانسي حالِم فهو أداءٌ متأخرٌ لا يَجوز البَدءُ به . وفرقٌ شاسعٌ بَيْنَ مَن يَكتبُ بِدمه ، وَمَن يَكتب بالحِبر . الموتُ أعلى وأقوى مِن الحُبِّ . والسَّيفُ هُوَ البُنيةُ التحتيةُ ( الحاملة ) ، والقلمُ هو البنيةُ الفَوْقية ( المحمولة ) . والأساسُ هو البنية التحتية . جَذرُ الشَّجرةِ أهمُّ بكثير مِن الأغصان . ولا يُمكن أن يُفكِّرَ العَقلُ إِلا إِذا أُشبعت الغرائزُ ( الحاجات البيولوجية ). وإذا أرادَ أحدُهم الوصولَ إلى الطابقِ الثاني في بنايةٍ ما ، فلا بُدَّ أن يمرَّ بالطابقِ الأول . لا بُدَّ مِنَ البناءِ الإنسانِيِّ وَفْقَ التَّفكيرِ المنطقيِّ الْمُتَسَلْسِلِ . وهذا المبدأ الثابت هو أساسُ الفَلسفةِ الحياتيةِ ، حياةِ الفردِ وحياةِ الجماعة .

10‏/04‏/2017

الحب في غرفة العناية المركزة / قصيدة



الحب في غرفة العناية المركزة / قصيدة 

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

    تجتمعُ في زِنزانةِ الخوْخِ نِسْوةٌ / يَسْتَخْرِجْنَ القَهوةَ مِن الإسفنجِ / ويَتحدَّثْنَ عن قُماشِ أكفاني / يا صُورةَ أبي عَلى خَناجرِ القَبيلةِ / إِنَّ الأمطارَ تُجَهِّزُ نَعْشي / أوْردتي قناديلُ مَنثورةٌ في الغيومِ / وجُدرانُ غُرفتي تُحلِّلُ قَصائدي / أُعْدِمُ أطفالُ البحرِ بِدَمٍ باردٍ / وَبَقِيتُ في الضَّبابِ القُرْمزيِّ أَشربُ الشَّاي السَّاخِنَ/ سَيَفْتحون في جِلْدي طُرقاتٍ لِلْمَوَاكِبِ الملَكيةِ/ الشَّوارعُ مُعبَّدةٌ بأحلامي / وحَبْلُ مِشْنقتي سيظلُّ الشاهِدَ الوَحيدَ عَلى مَوتِ السَّنابلِ / والفُقراءُ يَتجمَّعونَ حَوْلَ البُرتقالِ كالإِبادةِ الجماعيةِ للأمواجِ / اللعبةُ انتهتْ / وكلُّ شَيْءٍ وَهْمٌ / والزَّنابقُ تَرى في عُيونِ الرَّاهباتِ مَجْزرةً للسِّنديان /
     يَا مَذبحةَ البَطاطا المقْليةِ في مَطاعِمِ العُشَّاقِ / لم يَعُدْ في الأعيادِ أعيادٌ / فتمهَّلْ أيها الجنونُ/ هَذه سِحْنتي إِشارةُ مُرورٍ حَمْراءُ / وشُرْطِيُّ المرورِ يُراقِبُ أمعاءَ القمرِ / حُبُّنا طاهرٌ كالبنادقِ الآليةِ / وَمَشاعرُ الطغاةِ أعضاءٌ ميكانيكيةٌ للرِّجالِ الآليين / وأنا البِئْرُ المختبئةُ بَين نباتاتِ القُبورِ / تَشُمُّ الأشجارُ أيتامَها / وتَموتُ مَعَهم في أحضاني / نَزيفٌ بَاعَهُ أبناؤه فَبَاعَهم/ النَّوارسُ قَتَلت زُرْقةَ الأمواجِ/ وغَرِقَتْ في الدِّماءِ الزرقاءِ/ والماعزُ حَارسٌ شخصيٌّ للمَوْجِ / المستقبلُ السياسيُّ للمُقامِرِ / وأُنوثةُ المومِساتِ / تُصدِّرُ الحكومةُ حَليبهنَّ إِلى الخارجِ / والضفادعُ تُهرِّبُ الآثارَ إِلى مَتاحفِ السَّيافين / يُعاني البحرُ مِن ضَرْبةِ شَمْسٍ / والسُّفنُ تنامُ على فِرَاشِ الموتِ / 
     شَعْبٌ يُباعُ / وَطَنٌ يُباع / يَجُرُّ النَّمْلُ نَعْشَكَ في قَريتكَ المنبوذةِ / البَحرُ مُديرُ أعمالي/ لكني عاطلٌ عَن العَمَلِ/ يَركضُ الضَّوْءُ المهجورُ إِلى وَليمةِ الدُّخان / وَحَديقةُ البكاءِ مُصابةٌ بالصُّداعِ / سَتَنمو الدُّموعُ في تُرابِ الغرباءِ / كُنتُ الطريقَ حِينَ اختفتْ مَلامحي في أصابعِ الطوفان / النُّبلاءُ يَلْعبون التِّنسَ في ثلاجةِ الموتى / وجِلْدي إِسطبلٌ لِخُيولِ الوَهْمِ/ يتوكَّأُ البَحَّارُ المنبوذُ على مِرْساةِ الحمَّى/ وَأَقرأُ وَصايا السُّنونو أمامَ ضَريحي /    
     أيها الرَّملُ المثقَّفُ / يَا مَن تَدُلُّ المخبِرِين عليَّ وتَبكي عليَّ / سأَتركُ حُجرةَ الأمطارِ / فَعِشْ فِيها ذُكورةَ وَطْواطٍ وأُنوثةَ بِئْرٍ / تَنقشُ الرَّاهبةُ دُموعَها على حَافَّةِ الصَّليبِ / وَسَأكتبُ اسْمِي على الرَّصاصةِ الأخيرةِ / ثَدْي الرِّياحِ الفُولاذِيُّ / أَشْنُقُ أحزاني في الظلامِ / كَي أُقَلِّلَ فَاتورةَ الكَهرباءِ / أَكتبُ وَصِيَّتي قَبْلَ اغتيالي / كَلامُ النارِ شاطِئٌ للأغرابِ/ ولا وَقْتَ لَدَيَّ كَي أَزُورَ قَلْبي / غَريبٌ أنا في أجفانِ المرافئِ / سَجِينٌ أنا في المرايا /
     الطريقُ إِلى قَلبي تُضيئه العَناكبُ / والقبورُ الكريستاليةُ تُقاتِلُ البَحْرَ بِمُسدَّسِ مَاءٍ / مَطَرٌ في وَقْتِ الحصَادِ / عُرْسٌ في مَوْعدِ الجِنازةِ/ بُكاءٌ في أيام الضَّحِكِ/ وَسُعالي يستمرُّ في القُرى المحاصَرَةِ / هل سَأموتُ مِن الجوعِ أَم مِن التُّخمةِ ؟ / أُصيبت البُحيرةُ بِسَرطانِ الثَّدْي / نَقَلْتُها عَلى ظَهْري إِلى المستشفى / وَكَانَ السَّوْطُ يُؤجِّرُ جُثتي للطوفان / يا شَرْكسيةً تُقاتِلُ مَعَ غَيْماتِ القُوقازِ / أَعطي ضَريحي رِئةً بَين أشجارِ الدَّمْعِ / أَنتِ وسُنبلةُ الحزنِ تَعْرفان خَارطةَ مَقبرتي / وَجْهُكِ نخلةٌ تتسلَّقها فَراشاتٌ تَعيشُ رَقْصتها الأخيرةَ / والحطبُ يَحتسي نَبيذاً مَخلوطاً بِحَليبِ أُمِّه / والبُكاءُ يَحتكرُ تِجارةَ التَّبْغِ في خُوذته النُّحاسيةِ/ وَيُسمِّي أفخاذَ عشيقاته دِيمقراطيةً/
     يا رَصيفَ المِيناءِ / حَاوِلْ أن تَفهمَ مَشاعِرَ زَوْجاتِ البَحَّارةِ / كُلما عَرفتُ مَوعدَ دَفْني / هَرَبَت الأحصنةُ مِن عُرُوقي/ أُحارِبُ جِلْدي لأَجمعَ شَظايا رُوحي / إِنَّ دِيدانَ القُبورِ مِثْلُ سَرَطانِ الثَّدْي / أُكِلَتْ صُدورُ النِّساءِ فَوْقَ الأرضِ وتَحتَ الأرضِ / والقَراصنةُ يَدْرُسون التَّركيبَ الكيميائيَّ لِلعَرَقِ في ثِيَابِ زَوْجاتهم / الحضارةُ تُفاحةٌ مَقتولةٌ بَين حِصارِ بَيْروت وحِصارِ ستالينغراد / فَسَامِحيني يا شَمْسَ الأندلس /
     ارحميني يا سَنابلَ الأرقِ/ لم أَنَمْ مُنذُ طُوفانِ نُوح / وأنا الغَريقُ في عَرَقي أو أرَقي/ فَسَاعِدْ الغَريقَ أيها الغَريقُ / وأنا المحاصَرُ بالذِّكرياتِ / سَيَكْسِرُ الموْتُ الحِصَارَ / وَيُنهي عُزلةَ اليَاقوت / يَفتخرُ بِيَ البَعوضُ في طَريقِ قُرْطبة / وَتَمْشي الملكاتُ السَّبايا إلى قَرْيتي التي هَجَرَها المطرُ /
     الفَراشاتُ تَمسحُ حِذاءَ النَّهرِ / أموتُ في مَساءاتِ اللوْزِ / وأُعيدُ اكتشافَ حَياتي في أضواءِ السَّياراتِ / بُحَيراتٌ تَجِفُّ في شَمالِ أوْردتي / وَأَتتْ أُمسياتُ الخريفِ مِن نَوْباتِ اكتئابي / كَي تَقولَ المشانقُ البلوريةُ أسرارَها للضَّوْءِ البَعيدِ / والقلوبُ تَغرقُ بَينَ الشِّعابِ المرجانيةِ / حُكومةُ البَاركِنسون / فَلتمتْ أولاً ثُمَّ اعترضْ عَلى تَفاصيلِ الجِنازةِ / إِبهامي احتضاراتُ الفَراشةِ في صُورةِ الهيدروجين / هُوَ الرَّصاصُ الذي ضَمَّنا / مَقَاصِلُ مِن اليَاسمين المقْطوفِ مُبكِّراً / بَشَرٌ يَخطبون المرافئَ في الطرقاتِ العامَّةِ / والمرتزِقةُ يَكْتُبون قَصائدَ المديحِ لِقُصورِ الرِّمالِ / سأمنحُ الفَجرَ الكاذبَ فُرصةً لِتحليلِ شَخْصيتي / أشلائي قُطْنٌ مَبْلولٌ في جَرَّةِ مَاءٍ عَلى كَتِفِ فَلاحةٍ / وَغَيماتُ الدَّمِ في صَيْفِ المشرَّدين / تَغارُ عَلَيَّ الأشجارُ / ورائحةُ العَرَقِ في ثِيابِ أبي تَدُلُّني عَلى حَبلِ مِشْنقته / وأُمراءُ الحروبِ يَتَكَاثرون كَقَطيعِ الاكتئابِ في الشِّتاءِ السَّحيقِ / تُشارِكني البَراكينُ في كِتابةِ وَصِيَّتي / والجريدةُ تَزرعُ صَفحةَ الوَفَيَاتِ في الملحَقِ الرِّياضيِّ / تُغمِضُ فأسي عَيْنَيْها لِكَيْلا تَرى اغتيالي / والضَّفادعُ تُنقِّبُ في جِلْدي عن آبارِ النِّفطِ / كأنَّ رُموشي مِصْفاةُ نِفطٍ مَهجورةٌ / وَخُدودي أزِقَّةٌ قَديمةٌ في غَرْناطة / والصَّراصيرُ المضيئةُ تَنْبُشُ عُرُوقي / لأنَّ اسْمي مُعَمَّمٌ عَلى الحدودِ بَيْنَ النخيلِ والبُكاءِ /
     سَأصيرُ عَاطفياً عِندما تنامُ الطحالبُ في عُلَبِ المِكياج/ يَشعرُ المتزوِّجون بالهدوءِ في لَيلةِ الدُّخلةِ/ وأَشعرُ بالهدوءِ في غُرفةِ الإِعدامِ / أخافُ مِن لَيالي الصَّيفِ الشَّاهِدةِ على ذَبحي / رَأسي مَحْمولةٌ عَلى رِمَاحِ الأُمويين / يَحْملُ النهرُ بِطِّيخةً في يَدِه / وأَحْملُ جُمجمتي في يَدِي / يُقبِّلُ الرِّجالُ زَوْجاتهم في حُقولِ الضَّوْءِ / وأُقبِّلُ أشجارَ مَجزرتي في المغاراتِ البَعيدةِ / يَسْتَحِمُّ الزَّوْجان مَعَاً / وأستحمُّ مَعَ ضَجيجِ مَحْرقتي / يَتغزَّلُ الأُسُودُ باللبؤاتِ / وأتغزَّلُ بِقُضْبانِ السُّجون/ يَنتظرُ المتزوِّجون الجددُ المولودَ الأولَ / وأنتظرُ مِقْصلتي الثانيةَ / يُسَمِّي الرِّجالُ أبناءَهم / وأُسَمِّي الأسماكَ السَّابحةَ في دُموعي / يُورِّثُ الملوكُ أبناءَهم تاريخَ الحضارةِ / وَأُورِّثُ قِطَطَ الشَّوارعِ ضَوْءَ مِشْنقتي / وصدأَ أجفاني الحديديةِ / تَقضي الصَّبايا العُطْلةَ الصَّيفيةَ في المغامَراتِ العاطفيةِ / وأَقضي مُغامراتي في مِلَفَّاتِ البُوليسِ السِّياسيِّ / تَقضي الصَّحاري إِجازتها في نهاياتِ أوْردتي / تحتفلُ الرَّاقصةُ بِعِيدِ مِيلادها في الملهى الليليِّ / وأحتفلُ بِحُكْمِ إِعدامي في الملهى النَّهاريِّ /
     هَرَبَت الأميراتُ مِن جِلْدِ النَّهارِ / وَبَقِيَت القُبَّعاتُ في قُصورِ الرِّمالِ / هَرَبَ الجنودُ مِن أهدابِ الموجِ / وَبَقِيَت الْخُوَذُ في الجِنازاتِ العَسْكريةِ / النَّحْلُ يُتاجرُ بالأوسمةِ المسْتَعْمَلَةِ / والنخلاتُ تَغطسُ في شُرفاتِ الرَّعدِ / الذاكرةُ عَجوزٌ شَمْطاءُ / والدَّوْلةُ كُوبُ عَصيرٍ أو سَلَطةُ فَوَاكِه / دُموعُ الشمسِ تُراثُ الغِزْلان / ويُمارِسُ الشَّعبُ الضَّائعُ الحبَّ الضَّائعَ في الوَطَنِ الضَّائعِ في الوَقْتِ الضَّائعِ / أتلقى بَرقياتِ التَّهنئةِ بِمُناسبةِ اغتيالي / والدُّودُ في شَراييني يُنادي عَلَيَّ / البَرقُ أبي / والنَّخْلةُ أُمِّي / لكني يَتيمٌ في بَراري السُّعالِ / المساءُ يُبدِّلُ جِلْدَه / عِظَامي تَحرسُ عِظَامي / والسَّناجبُ مُختبئةٌ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ / سَيَبْحَثُ المخْبِرُون عَن عَمُودي الفِقرِيِّ في مُسْتَوْدَعاتِ المِيناءِ / وَسَوْفَ أَكونُ رُومانسياً عِندما تُصبحُ لَيْلةُ الدُّخلةِ سِفْرَ الخروجِ مِن الحضارة /
     كَانتْ ظِلالي خَناجِرَ/ وأخشابُ نَعْشي تَنمو بَيْنَ أزهارِ الرُّعْبِ / المراكِبُ تَحْملُ المهاجرين غَيْرَ الشَّرْعيين إلى الغروبِ البَعيدِ/ والموْتُ هُوَ الشُّروقُ القَادِمُ مِن ضِحْكةِ الضَّبابِ / الحقائبُ الجِلْديةُ أضرحةٌ / سَأَكونُ مُعطَّراً بالقُبورِ عِندَ سُقوطِ طائرتي / فَلا تُخبِري أُمي/ شَبَحُ دَوْلةٍ يُصادِقُ أشباحَ دَمْعي/ وُلِدْنا في عَالَمِ الأشْباهِ والأشباحِ/ ولم يَعترف الفَجرُ بِوُجوهِ الضُّيوفِ / وَكُلُّنا ضُيُوفٌ عَلى سَمَكةِ القِرْشِ / انفصامٌ في شَخصيةِ الشَّاطئِ/ والبَحرُ حَزينٌ / لأنَّ الحمَامةَ تَبني عُشَّها على شَكْلِ جِنازةٍ مَهيبةٍ / أَرحلُ مِن نَزيفي / أَزرعُ هَلْوستي في حُقول الرَّصاصِ / مَاتَ جَدِّي وَهُوَ يَغرِسُ الضَّحِكاتِ في جُذورِ الزَّيتون / وَقِطَّتي العَمياءُ تَسمَّمتْ / صُودِرَتْ كِتاباتي / والأناناسُ لم يُفرِّقْ بَينَ غُرفةِ الإعدامِ بالغازِ والغازِ المسيلِ للدُّموع /
     كُلُّ قِصَصِ الحبِّ سَتَموتُ مَعَ الموتى / أُهاجِرُ مِن جُرْحي المزدَحِمِ بالعُقبان / أُقبِّلُ حُزني لِئلا يَظُنَّ أني حَزينٌ / وأطيافُ الرَّمْلِ تَشنقُ صَحراءَ القُلوبِ / فاجْمعي أجزاءَ بُكائي هذا الغروب/ صُداعي شَامةٌ في وَجْهِ البُركان / وسُعالي شَاطئٌ للذئابِ العاجزةِ جِنسياً / والشَّوارعُ تَقْلي البَطاطا في دَمْعي الساخنِ / والأراملُ يُصَلِّينَ عَلَيَّ صَلاةَ الجِنازةِ/ وُجوههنَّ بَيْضاءُ/ وأكفاني بَيْضاءُ/ البُندقيةُ شَمْعتي في أزقةِ الحشراتِ / فَكَيْفَ سأتزوجُ الغاباتِ والحرَّاسُ يَنامون في خُدودي ؟! / أَزُورُ قَبري في مَوْسِمِ الحصادِ / المناجِلُ أحزانُ النِّساءِ / والسُّيوفُ مُغمَدةٌ في تفاحِ الطرقاتِ / تَذوبُ أشعةُ الشَّمسِ في قُضبان السِّجْنِ مِثْلَ الشُّوكولاتةِ أو قِلاعِ القُرونِ الوُسْطى /
     في مَمَالِكِ الوَخْزِ / تُصبحُ مَذْبحتي مَاركةً مُسجَّلةً / وتلتصقُ جِنازتي على ألعابِ الأطفالِ / وتَصيرُ انتحاراتي سِيناريو لِفِيلمٍ عَاطفيٍّ / أيها الزَّيتونُ الباكي / سَتَصْعَدُ مِن بَراميلِ المرفأ / الذاكرةُ نَعْشٌ مِن نُحاسٍ / مِقْصلتي مَخْطوطةٌ يُحقِّقها الغبارُ الفِضيُّ / وَجْهي الامتدادُ الجغرافِيُّ لموْتي/ الشُّطآنُ تُلقي عُلَبَ البِيرةِ في رِئةِ البَحر / مَاتَ العُشَّاقُ / وَجَدْنا الْحُبَّ وَأَضَعْنا القلبَ/ وَجَدْنا جُثَّتي/ ولكنْ أيْنَ أنا ؟/ عَثَرْنا على الذِّكريات/ وَأَضَعْنا الذاكرةَ / قَمَعْنا الأحلامَ / وَأَطْلَقْنا سَرَاحَ الْخَيَالِ / وَجَدْنا الخطوةَ / وَضَيَّعْنا الطريقَ /  
     أَبي / كُنتَ تُريدني أَن أُنجبَ أطفالاً أَعتني بِهِم / مَا زِلْتُ أتحسَّسُ سُورَ مَنْزِلنا عِندَ أصواتِ الرَّصاصِ / تتكاثرُ المذابحُ في الخوْخِ الأسيرِ/ دَمْعاتي أكياسٌ يُخَزِّنُ فِيها البَرْقُ الجماجمَ المجهولةَ/ وَدَاعاً أيتها الكاميراتُ/ التي صَوَّرَتْني عَلَى خَشَبةِ الإِعدام/ 
     وَرَمٌ غَيْرُ خَبيثٍ في ثَدْيِ الشَّمعة/ والوَطْواطُ لا يُفرِّقُ بَين المرأةِ العاريةِ والحائطِ/ آخِرُ أيامِ الفَراشةِ / وَشَهواتُ المطرِ المكْبوتةُ / سَأَعْثُرُ على دِمائي في شَقائقِ النُّعمان / حِيطانُ زِنزانتي تَرْسُمُ خَرائطَ أجفاني / تَعْرِفُني الحِيطانُ والطحالبُ / وَلا يَعْرِفُني سَجَّاني / تُشْبِهُ دُمُوعي البَطاطا المقْلِيَّةَ / وَضَريحي طَاولةٌ يَتيمةٌ في مَطْعَمٍ لِلوَجَباتِ السَّريعةِ / أَخافُ أن أنامَ / كُلما نِمْتُ رَأيْتُكِ مَصْلوبةً عَلى الضَّبابِ البَنَفْسَجِيِّ / تَزوجتُ ضَوْءاً مَاحِياً / وانْبَعَثْتُ مِن مُعْجَمِ الزَّبدِ / عُرُوقي خَنادقُ أَشْوِي فِيها بِداياتِ الصَّدى / وَرُبَّما يُصْبِحُ انتحاري فَارِسَ أحلامِ سَمَكَةٍ لَقيطةٍ .

08‏/04‏/2017

نقوش على جسد الرياح / قصيدة

نقوش على جسد الرياح / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     يَداكَ أيها الرَّعدُ تَعْطِفانِ عَلَيَّ / الرَّحيلُ مناديلُ الصَّبايا على أرصفةِ الميناءِ / والزُّمردُ غُربةُ المطرِ في جَسَدي الضَّوئيِّ / الذِّكرياتُ المكسورةُ/ والأمطارُ المكسورةُ/ والدَّبابيسُ وَطَنُ السُّنونو / سَيَحْترقُ دَمْعُ الخوخِ في السُّجونِ / وَيَنْسِجُ أولادُ الحارَةِ مِن شَراييني كُرَةَ قَدَمٍ / أَينَ تَمُتْ أَكْتُبْ / عاشقان قَبَّلا الحمَامَ الزَّاجلَ وَمَاتا / كما يَموتُ الموظفون في طَوابيرِ الرَّاتبِ الشَّهريِّ / بُكائي مَخطوطةٌ تُحقِّقها الصَّواعقُ بِدُون إِذْني/ تَذْكُرين كَفَني ؟/ بَدَا وكأنهُ لا يَعْرِفُني / تَذكرينَ كَفَنَكِ ؟ / بَدَا وَكأنهُ كَفَني / نَحْنُ قَتيلان / فَشُكراً لِحُكومةِ الموتى ! / بِلادي دَفْترٌ تَكتبُ فِيه الأعاصيرُ مَرثيةً للبَجَعِ / وأسناني وَقودٌ للزَّوابعِ / يا هَذا الجرح المتوهِّج / تتدحرجُ أشلائي على ضَوْءِ التَّوابيت / مِثْلما تتدحرجُ كُراتُ الثلجِ على أجسادِ النِّساءِ المغْتَصَبَاتِ /
     قَبائلُ العَبيدِ عَشائرُ الإِمَاءِ / صِياحُ الجدرانِ يَمنعني مِن النَّوم / وتِلالُ قَلبي تَرمي عُروقي في كُوبِ اليانسون / تَكتئبُ عُصفورةٌ مخنوقةٌ بَين دَرَجاتِ السُّلمِ الموسيقيِّ / يُقدِّمون كَبِدي في لَيلةِ الدُّخلةِ للشجرِ الذي تزوَّجَ مِن مِشْنقتي / يَنتصبُ نَعشي بَين دُموعِ أُمِّي وَصَحْنِ السَّلَطةِ / أُصيبَ الشاطئُ بالعَجْزِ الجِنسيِّ / لَكنَّ الرَّمْلَ يُنظِّمُ فَتَراتِ الحمْلِ لامرأته/ والصَّدى تزوَّجَ العَوانسَ / بِدايةُ الليلِ نهايةُ جَدائلِ البُحيرةِ / والبُروقُ تَحْرِقُ ذِكرياتِ الشَّفقِ/الكَنائسُ يَوْمَ الأَحَدِ مُغلَقةٌ/ أيْنَ تَذهبُ الرَّاهباتُ؟/ المتاجرُ الأجنبيةُ مَفْتوحةٌ / تَشتري الأرستقراطياتُ الهدايا في ذِكرى وَفَاتي/ وَالمرفأُ يَرحلُ مِن أظافري مِثْلَ بَلوطِ الغُرباء / تَنسى الصَّبايا أرقامَ هَوَاتفِ عُشَّاقهنَّ على مَقَاعدِ الكَنيسةِ / وغُرفةُ الاعترافِ مُمتلئةٌ بالسَّبايا / ترتاحُ المقابرُ في طَريقِ بَنكرياسي / كَما يَرتاحُ سائقو الشَّاحناتِ على الطريقِ الصَّحراوي/ وكُلُّ الصحاري تَشربُ مِن دَمْعي/ وتَكتبُ قَصائدَ رِثائي/ فَيَا صَديقي المطر / لا تقتحمْ أُنوثةَ الهِضاب / لأنَّ طَيْفَ الزَّوجاتِ الخائناتِ يَلْمعُ كأخشابِ المذْبَحِ / اكتشفَ الزلزالُ خَريطةً لِجِيناتِ الإِمَاءِ / أَنحِتُ مِن الأعشابِ شَاهِدَ قَبْرٍ لِزَوْبعةٍ يَتيمةٍ / صُداعي مَهْرُ السَّنابلِ في القُرى المنبوذةِ / وَحَضارةُ الشَّكِّ صُرْصورٌ عَلى سُرَّةِ راقصةٍ / وعَلى سَطْحِ مُسدَّسي / غَزالةٌ تَغتسلُ بَعْدَ الوِلادةِ / نَقلي الفلافلَ في دِماءِ آبائنا / ونَسألُ التَّبْغَ المهرَّبَ / هَل بَقِيَ شيءٌ مِن الْحُبِّ العُذريِّ في مُدُنِ العاهِراتِ المحتَرِفاتِ ؟ / زَيْتُ الزَّيتون على مَائدتي / التي يَجلسُ عليها أعدائي / وآبائي مَدْفُونون تَحتَ شَجرِ الزَّيتون / كُلما هَجَمَ عَليَّ الليلُ / خَلَتْ مِرآتي مِن وُجوهِ النِّساء / أخافُ يا وَرْدتي الغَامضة مِن المساءِ المتوحشِ / لَيْسَ لِي حَديقةٌ / ولا أَمْلِكُ إِلا الألوانَ الزَّيتيةَ في لَوْحةِ شَنْقي / 
     كالمجاعاتِ الرُّومانسيةِ كَالعَاشِقين الفاشلين نَرجعُ أنا وأنتَ يا حُزني / دَوْلةً مِن السَّراب مَرَّت عُروقُنا خَلْفَ أسوارنا/ للأمسِ وَجْهٌ أو وَجْهُ الموتى المنثورُ في وَجْهي / للذاكرةِ ذَاكرةٌ مَزْروعةٌ بالحواجزِ الأمنيةِ / الطحالبُ البرونزيةُ تَجُرُّ بَساطيرَ الجنودِ الهاربين / والنوارسُ تَقتقي آثارَ لَحمي على الصَّليبِ / أينَ سَيَذهبُ البيانو بَعد انتحارِ العازِفةِ ؟ / أنا أسرارُ البُرتقالِ وتفاحُ السرابِ / كُلما بَكَيْتُ وَقفتُ عارياً أمامَ مِرآةِ الجنونِ / والموتُ يَكْسِرُ عُلبةَ المِكياجِ / فَيَنكسرُ الصَّمتُ بَين حَفَّارِ القُبورِ وأعشابِ المقبرةِ / أنتَ الماسِحُ / لِكَي تَمْسَحَ حَضارةَ الوَهمِ /
     يا وَجهي في المرايا المخدوشةِ / مَن أنتَ ؟! / أيها الأصدقاءُ الحزانى في طُرقاتِ المجزرةِ / مَن أنتم ؟! / هل التقيتُم بِذَبْحي قَبْلَ هذا الليلِ ؟ / سَتُبحِرُ المراكِبُ في مَاءِ عُيوننا / ونُسافرُ في أمعائنا الممزَّقةِ / لَنا الألَمُ خَجولاً تَحْتَ سَكاكين الظهيرةِ / والعَواصفُ تأخَّرتْ عَن مِيعادِ جِنازتي / الصُّداعُ النِّصفيُّ وَطَنٌ للسُّنونو / وَسُيُوفُ الفُرسان تُباعُ في المزادِ العلنيِّ / راهبةٌ تَستحمُّ في بُحَيْرةِ طَبريا / لَكِنَّ لَحْمَها تابوتُ صَقْرٍ أعمى/ أنا مَيِّتٌ / لكنَّ نَعشي يَتجوَّلُ في الطرقاتِ/ وَيُولَدُ قُرْبَ ظِلالِ الكَرَزِ / أَصْدُمُ أعمدةَ الكهرباءِ بِكَهرباءِ الكلامِ/ كَي تَستيقظَ الشَّوارعُ مِن رُموشي / شَمْسُ المقاصِلِ تُنقِّي سُعالي مِن الدِّيدان / وَقَوْسُ قُزَحَ يَدفعُ ضَريبةَ الذاكرةِ للمنافي / 
     ذَلِكَ الحزنُ السَّاطعُ / يَرْعى قَطيعاً مِن الحيواناتِ المنويةِ في صَحْراءِ الحِبْرِ / حَوَاسِّي تَقودُ انقلاباً عَسكرياً في جَسَدي / تتمردُ أظافري على أصابعي / فَكَيْفَ أَحْضُنُ النَّيازكَ السَّاقطةَ في بَنكرياسِ الموْجِ ؟ / اعْتَرِفْ / لَسْتُ حَزيناً بِما يَكْفي لأَفْرَحَ ! / سَأبكي عَلى الضِّفةِ الجنوبيةِ لِقَلْبي / نَسِيتُ مِشْطي عِندَ حَبْلِ مِشْنقتي / فاتركْني أسألْ جُثماني / لماذا يَكْرَهني دَمي ؟ / نافذتي مَلِكَةُ جَمَالِ السَّلاحِفِ / وَمِقْصلتي أجملُ المقاصِلِ تَحْتَ أعلامِ القَبائلِ المنقرِضةِ / وفي رِئَةِ الأمطارِ أزمةٌ سياسيةٌ / لأنَّ السُّلطانةَ غَيَّرَتْ نَوْعَ نَبيذها / دُونَ إِذْنِ السُّلطانِ المشغولِ بِتَلْميعِ أوسمته/ سَتَموتُ الأميراتُ في ثِيابِ الرَّقْصِ/ والسَّرابُ يَقودُ سَيَّارته إلى قَبْرِه في الصَّنوبرِ البَعيدِ /
     أيها الوطنُ الضائعُ في اللجَانِ ومِكْياجِ المذيعاتِ العَوانسِ/ رَجْفةُ الأسرى تأكلُ وَجْهَ الغروبِ / هَل سَيَقْتلني انتظارُ القِطارِ في دِماءِ الغَيم ؟! / نَزِيفُ الوِدْيان الموحِلةِ أُغنيةٌ حَجَريةٌ / والرِّمالُ تَمسحُ أحمرَ الشِّفاه بالمناديلِ القَذرةِ / تَواريخُ التَّحرشِ الجِنسيِّ في الكاتدرائيات / أَشكركَ أيها الوطنُ لأنكَ صَلَبْتَني / فاضحكْ / سَنَصْنعُ مِن تَوابيتِ المطرِ أراجيحَ لليَتامى / بَدَويةٌ تَرْعى دِماءَ القَتلى في رِماحِ القَبيلةِ /
     سَامِحيني أيتها الشمسُ / لَيْسَ لِي تَاريخٌ سِوَى هَزائمِ آبائي / واعذريني أيتها الحضارةُ / لَيْسَ لِي حِضارةٌ سِوى أبراجِ المراقَبَةِ في السُّجون / سَيُدْفَنُ التِّلميذُ قُرْبَ أُستاذه / وَنَزُورُ أضرحةَ العَصافيرِ في قِرْميدِ كُوخي المهجورِ / سَأُعْطِي الحِبْرَ شَرَفَ دَفْني / فيا أيتها الفَتَياتُ الصَّاعِداتُ مِن ضَوْءِ المجازِرِ / لا تَقْلَقْنَ إِذا أَعْدموني / اقْرَأْنَ الفاتحةَ / ثم اذْهَبْنَ إِلى المطبخِ لِتَحْضيرِ الطعامِ /
     سَيُنادي عَلَيْكِ المساءُ لِيَقْتلكِ / سَأرى فِيكِ شَبَحي / كأنني قَد عِشْتُ مَوْتي قَبْلَ الآن / في مَكانٍ يَعْرِفُني ولا أَعْرِفُه/ كُلُّ المرايا تَعْرفني ولا أَعرفُ وَجْهي / الغموضُ يُحْييني / والموتُ يَفُكُّ الشِّيفرةَ / النِّساءُ أشباحٌ / كُلُّ شَبَحٍ يَدُلُّني عَلى شَبَحٍ آخَر / والسُّيوفُ تَنهمرُ في مَتاهةِ اللوْزِ / عِطْرُكِ على المرايا المكْسورةِ/ يُرْشِدني إِلى قَبركِ في اليَاقوتِ/ فَيَا أيها المطرُ اليَابِسُ / انطفِئْ لأشتعلَ في إِعْدامِ اللازوردِ / مَا طَعْمُ الفَراشاتِ المقْليةِ بِمَاءِ عُيُوني ؟ / وَطَنٌ ضَائعٌ ضَيَّعَنَا لِيُشجِّعَ السِّياحةَ في مَقابرنا / وأنا المؤذِّنُ في طُرقاتِ المجزرةِ / ودَمي أكثرُ أصدقاءِ الشَّفقِ إِخلاصاً /
     كُوخي عِندَ مَنْبعِ النَّهرِ / وأشلائي عِندَ مَصَبِّ النَّهر / تَلْعبُ المجاعةُ دَوْرَ قَلَمِ رَصَاصٍ / رَسائلُ الأسرى إِلى البَجَعِ المنفيِّ / وَالأسماكُ تتشمسُ عَلى أغصانِ القلبِ/ وفي عِيدِ مِيلادي أَشعرُ بالموتِ لأعيشَ / وَيَشعرُ بي لِتَعيشَ السنابلُ في سُعالي الليليِّ / أنا الذي أنجبتُ نفْسي / وأنا الذي سَأَقتلُها /
     عندما يَتساقطُ الثلجُ على شَواهِدِ القُبور / وتُصبِحُ أصابعُ الفقراءِ المتجمدةُ حكايةً للأطفالِ قَبْلَ النَّوْمِ / سَأَخطفُ البُحيرةَ مِن أُسْرتها / وأُطالبُ الطوفانَ بِفِدْيةٍ / عِشْرِين كِيساً مِن حُزْنِ الرَّاهباتِ/ فَاغْرِسْ أهدابي في الضَّبابِ تَجِدْ طُفولتي المعدنيةَ / غَيْبوبةُ الطباشيرِ الحمراءُ في المدرسةِ المدمَّرةِ / هَذه عَاصِمتي الذبيحةُ تُرَكِّبُ جِهازَ إِنذارٍ في سُرَّتِي / وتَقتلني رَائحةُ دَمِ الولادة في تَثاؤبِ اليَاسَمين /

     مَعْجونُ الأسنانِ لِلفَتاةِ المغْتَصَبَةِ / الجِنرالُ وَاقفٌ في الطابورِ أمامَ المخْبَزِ / لَن أُغَنِّيَ لِعَنكبوتٍ تُقَبِّلُ زَوْجَها ثُمَّ تَقْتله / يَا أجنحةَ الدَّجاجِ التي تَصيرُ عُلبةَ سَرْدِين / تتقلصُ وَطَناً لِلمَشْنُوقين / أُصاحِبُ الزُّقاقَ الذي لم تَخْتَرْه حَنجرتي / أَختارُ شَفَقاً لم تَنتخبه أُغنيتي/ خُذْ تَوْقيعي قَبْلَ مَوْتي/ ولا تَبْكَ عَلى أشلائي/ سَأصيرُ مشهوراً كَجُثةٍ مجهولةِ الْهُويةِ/ وَسَوْفَ تُباعُ شَراييني المسْتَوْرَدَةُ في المزادِ العَلنيِّ / أَحَبَّ الليلُ النازفُ امرأةً مقتولةً / لأنها لا تَقْدِرُ عَلى خِيانته / النهرُ الأعمى يَقُودُ الشجرَ المبصِرَ إلى حَافةِ القَصيدة/ كُلُّنا أسرى في مملكة السرابِ/ وعِندما يَتجمعُ الذبابُ على نُعُوشنا / وَتُصبحُ الفَراشاتُ كِلاباً ضَالةً / سَنَعْرِفُ أننا عِشْنا في سُوقِ النِّخاسةِ . 

06‏/04‏/2017

عشتُ غريباً ومتُّ غريباً / قصيدة

عشتُ غريباً ومِتُّ غريباً / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

    لَمْ تَقْدر التَّنورةُ فَوْقَ الرُّكبةِ/ عَلى قَتْلِ الحزنِ في عَيْنَيْكِ / رَميتُ السِّجنَ خَلْفَ قُضبانِ قَفَصي الصَّدْريِّ / أنا القتيلُ الأنيقُ في حَضاراتِ السَّرابِ/  لأني مَا كَتبتُ الشِّعْرَ تحت شُرفاتِ العاهراتِ / لأني ما قَدَّمتُ قصائدي لبغايا بني إسرائيل / لأني لم أُصاحِب اليَهودياتِ الثرياتِ في مَكاتبِ الشَّركاتِ في نيويورك / لأني مَا كَتبتُ رَسائلَ الغرامِ للملكةِ فكتوريا / لأني لم أُنَسِّق صَفَقاتِ الرَّقيقِ الأبيضِ في البَيْتِ الأبيض / لأني لم أُهَرِّبْ أفخاذَ المراهِقاتِ في حَقيبةِ الأزرارِ النَّوويةِ / لأني مَا صَوَّرْتُ المرْقَصَ عَلى طَوابع البريدِ/ لأني فَضحتُ الكَهَنةَ وَهُم يَتحرَّشون جِنْسياً بالرَّاهباتِ / لأني لم أَبِعْ سَائلي المنَوِيَّ في زُجاجاتِ الشَّمبانيا /
     لِلْجَسَدِ بَصْمةٌ كالبُرتقالِ / تَشُقُّ الغَمَامَ وَفِضَّةَ الهاويةِ / تَطيرُ العُقبانُ باتجاه جَسدِ السَّجين / يَكسرُ القمحُ جِرَاحاتِ السُّنونو كَقِطَعِ الشُّوكولاتة/ هَرَبْتُ مِن أغلالِ الزُّمردِ إلى قُيودِ الكَهْرمان / صَعَدْتُ مِن فَيْروزِ المذْبحةِ / أَحْضُنُ عُزلةَ القَمرِ / والأرصفةُ تَستثمرُ أعضائي في البُورصة / والذِّكرياتُ لَيْمونةُ الأسرى / لَيْتَ حُبِّي للبحر يَرْجمني بأجنحةِ الفَراشاتِ / كَي تُطَهِّرَ جَدائلُ البُندقيةِ عِظامي مِن الدُّودِ والاكتئابِ / سَيْفي مَرْهونٌ عِندَ المجرَّة / لَن يُباعَ في المزاد العَلنيِّ / بِيعوا جِلْدي للباعةِ المتجوِّلين / كَي تَفرحَ الغَجرياتُ في مَناجمِ الفَحمِ /
     الموْجُ عَامِلُ نَظافةٍ / يُنقِّبُ عَن الطحالبِ في دِمَائي / والبحرُ سَائقُ شَاحنةٍ في أزقةِ الخريفِ / سَأَصْهرُ مِشْطَ الرِّيحِ في حَوْضِ الأسماكِ / يا قُيوداً تُفرِّخُ الذِّكرياتِ في بُلْعومِ الصَّاعقةِ / إِنَّ الخناجرَ في الحناجرِ / ألهثُ في المساءِ الخالي مِن حُلْمي شَريداً كَخِيَامِ الغَجرِ / لَسْتُ المسْرَحِيَّةَ المسْرَحَ الممثِّلَ الْمُخْرِجَ القاعةَ السَّجادةَ الحمراءَ في المطارِ / يَا مَجَرَّةً مَقْتولةً عَلى مِعْصَمِ الكَوْنِ / بَيْننا أُغنياتُ الصَّبايا اللواتي ذَهَبْنَ إِلى الموْتِ حَافياتٍ/ وَعَرَباتُ نقلِ المحكومين بالإِعدام تَغْرقُ في الحبوبِ المنوِّمةِ/
     رَكَضْنا في القَبْو أنهاراً مَثقوبةً / وَغُموضُ المطرِ يَجْذِبُ أشلائي / فَاضْحَكي يَا فَراشةَ الموْتِ / وابْتَسِمي أيتها الحضارةُ العَمياءُ / سَيَكونُ حَبْلُ مِشْنقتي مِن خُيوطِ الذهبِ / ومِقْصلتي مِن الفِضَّةِ / تُهاجرُ الشُّموسُ إِلى مَغاراتِ الحزنِ / وطَريقي لا يَتَّسعُ لأهدابي / سَتُنادي عَلَيَّ مُعَلِّمتي القديمةُ / عُدْ أيها الوَلدُ اليتيمُ فنحن نُحِبُّكَ / يَنحرفُ قِطاري عَن السِّكةِ / فَأَصِلُ إِلى قُبور العُشَّاقِ/ وَرُبَّما أَصِلُ إِلى شَهْقةِ المِلْحِ / أو شَجرةٍ سَجينةٍ في سَراديبِ قَلْعةٍ غَامضةٍ / سَأبقى العاشقَ المنبوذَ تَحْتَ المطرِ / صَوْتي يَنبعثُ مِن رَمْلِ البَحر / وَتَحْشُدُ الصَّفحاتُ البَيضاءُ سُطورَها / في كُرياتِ دَمي البَيضاءِ / جُمْجمتي بِطاقةُ دَعْوةٍ إِلى عُرْسِ الغَيماتِ / طِفلٌ جَديدٌ يَمشي نَحو مَجْزرةٍ جَديدةٍ / وأنا أُفتِّشُ عَن مِرْآتي / كَم مَرَّةً قُتِلْتُ في حَياتي ؟ / وَحْدَها أُمِّي تَعْبأ بِسُؤالي / وأسئلةُ الصَّحراءِ تُجيبُ عَنها سُفنُ القَراصنةِ /
     حَفَّارُ قَبري عَيَّنه أصدقائي/ وقَاضي المحكمةِ عَيَّنه أعدائي / فما فائدةُ الرُّومانسيةِ بَيْنَ أضرحةِ اللازَوَرْدِ ؟!/ يَشُقُّني البكاءُ بِمِنشارِ الجنونِ / نَباتاتُ الزِّينةُ حَوْلَ حَقيبةِ السَّفَرِ / لكنَّ رَصيدي في بَنكِ الجثثِ / لا يَكْفي لِشِراءِ الهدايا / قُطعت الكهرباءُ عَن أوردتي / وأنا الغريبُ / أَمنحُ القَشَّ حَقَّ كِتابةِ سِيرتي الذاتيةِ / أثناءَ تَحوُّلي إلى جُثةٍ مَشْهورةٍ /
     مَا رَائحةُ الحطبِ في أجفانِ الصَّبايا ؟ / هَل تَشتاقُ الإسطبلاتُ إِلى ضَجرِ الحِصانِ المشْلولِ ؟ / عَرَقي هُوَ المِصْيدةُ والطُّعمُ / يَقتحمُ الغَسقُ تفاحَ المنفَى سُجوناً بِلا أرقام / وفي صَهيلِ الأنهارِ / وُلِدْتُ وأضحكني بُكاءُ السُّنونو / وهناكَ / مِتُّ وأبكاني ضَحِكُ التِّلالِ /
     غُموضي لا يَكتملُ إِلا بِمَوْتي/ أنامُ مَعَ جُثةِ الرياح / تَركضُ أوردتي عَلى أوراقِ الخريفِ / وأَبْكي كَقَارورةِ العِطْرِ / وأَحكي ما جَرى لِلْحُلْمِ فَوْقَ طَعَناتِ الشَّهيقِ الأخيرِ / آهاتي كُسِرَتْ حِينَ سَمعتُ الصَّباحَ يَقولُ للدَّمعةِ : (( أنتِ طَالِقٌ ! )) / للنُّعوش نَبَضاتٌ كَقَلْبِ العاصفةِ / والمشنوقون أبناءُ الظِّلالِ / مَهْما يَكُن مِن نَعْشٍ / فالأعشابُ تتجوَّلُ بَين القُبور / فيا أيتها الصَّبايا المختبئاتُ وراءَ السَّتائرِ المعدنيةِ / في تِلكَ المقبرةِ الأُرجوانيةِ نِساءٌ أَندلسياتٌ / وبَناتُ قُرْطبةَ مُتأخِّراتٌ عَن بَاصِ المدرسةِ/ والتَّوابيتُ الأنيقةُ صَارَتْ فَساتينَ للعَرائسِ / حَضَنَتْني ذِكْرياتٌ / اشتبكتُ مَعَ عُروقي المفْتوحةِ لأنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ / وصَدْري يَعُجُّ بِدماءِ السُّنونو التي غَسَلتْ بَوَّاباتِ التاريخِ / شَوْقُ المذبوحِ إلى الذابحِ / امرأةٌ تنامُ مَعَ تابوتِ زَوْجها / وَالجراثيمُ تتشمسُ على أكفانِ الفراشاتِ / وَالشَّاطئُ يُعْلِنُ انتصارَ الرِّمالِ على الرِّمال / أَحْرُسُ عِظامَ القَراصنةِ مِن الأمواج / عُنفُ الألوانِ في مَناديلِ القَتيلاتِ / أَقِيسُ مَنْسوبَ دَمي في سُدودِ بِلادي / بِحَنْجرةِ بَجَعَةٍ تَموتُ بَيْنَ غَدِها وَلُغتها / لا زَوْجةٌ تُغسِّلني إِن مِتُّ / ولا إِمامُ مَسْجدٍ يُصلِّي عَلَيَّ / فالأئمةُ مُعْتَقَلُون في قِلاعِ النُّبلاءِ / تَقْرَعُ بَناتُ آوَى ألواحَ صَدْري / يُقلِّدُ الرَّمادُ الكُونتيسةَ وِسامَ الخِيانةِ الزَّوجيةِ / الوطنُ عُلْبةُ مِكْياجٍ لِعَشيقةِ الكَاردينال/ وقَلْبي يَتفجَّرُ أزقةً وزَيْتوناً / وَصِيَّتي تَكتبني بِدُموعِ النَّخْلِ / والنَّيازكُ تَنشرُ غَسيلَ السُّجناءِ على المريخِ / تَركضُ الأشجارُ في طَريقِ جُرْحي / وأجنحةُ العَصافيرِ مُبْتلةٌ بِبَوْلِ الضِّباعِ / سَيُلْغي الليمونُ حَظْرَ التَّجولِ في وَرِيدي / اختلفتْ رَبطاتُ العُنقِ / لكنَّ القاتِلَ واحدٌ / والضَّحيةَ واحدةٌ /
     جُلودُنا مَفتوحةٌ للعَصافيرِ المهروسةِ / مَملكةُ الضَّحايا / وأقفاصُنا عُروشُنا / صِرْتُ واثقاً من زَفيري / يَشُقُّ الضحايا حَناجرَهم / كَما يَشُقُّ النهرُ مَجْراه في جَدائل الصَّبايا المغتَصَبَاتِ / رَائحةُ خَشبِ النُّعوشِ / والموكيتُ الجديدُ لِخِيامِ اللاجئين / طَارت الضفادعُ في حَواجبي / فيا إمبراطورَ الزَّبدِ / سَنَختارُ أحكامَ الإِعدامِ البطيء / كما نَختارُ البطاطا المقْليةَ في مَطَاعمِ الوَجَباتِ السَّريعةِ / إِنْ تُفرِجوا عَن أجنحةِ العُقبانِ تَصْلبوا خَوْخَ المجازرِ / تَعْشقني الديدانُ العائشةُ في قَميصي المعلَّقِ على قَانونِ الطوارئِ / وَضُبَّاطُ المخابَراتِ يُعَيِّنون القُضاةَ / فلا تَحزنْ يا خَطَّ الاستواءِ المصْلوبَ عَلى خُطوطِ جِلْدي/ سَتُصبح دِماؤنا غِرْبالاً غَيْرَ مَثقوبٍ/
     وُلِدْتُ بَين التَّوابيتِ / لكني أَسْمَعُ الأنينَ الأُنثويَّ في شَوارعِ القَمرِ / وَشَمْسُ غَرْناطةَ طَرَدت الخلفاءَ مِن نوافذِ قُصورهم / الذِّكرياتُ زَبَدٌ / والشُّطآنُ تَغرقُ في دِماءِ المصابيحِ / وَالدَّلافينُ تَقودُ المظاهَراتِ في قِيعانِ المحيطات / طُيوري تُنَظِّمُ العِصيانَ المدنِيَّ عَلى أسلاكِ الكَهْرباء / الدَّمُ الرَّمليُّ زِيرُ نِساءٍ غامضٌ / وَصَدِيقي الأعمى مُتَّهمٌ بِخَطْفِ الطائراتِ / والأطفالُ في الأزقةِ المهْجورةِ / يُخطِّطون لِقَلْبِ نِظامِ الحُكْمِ / فَيَا ضَوْءَ الشُّموعِ / شَاطِئاً مَنْسِيَّاً أُسَمِّيكَ / وقاتلاً مأجوراً تُسَمِّيني /
     طُرد البركانُ مِن عَمَله / وتَقاعدت الأدغالُ / حَزينٌ أنا / لأنَّ الزلازلَ مَاتتْ في سُعالي / اسْتقالت الشَّوارعُ / سَافرَ النَّهرُ إِلى الخارجِ لإِكْمالِ دِراسته / والنَّوارسُ تُعاني من البَطالةِ / إِسْطبلاتٌ في قَاموسِ اليَنابيع / جُرْحي مَصْنعٌ لِتَكْريرِ الدَّمْعِ الفائضِ عن الحاجةِ / سَتَرْتاحُ أعصابُ الشَّفقِ في صَليلِ أجنحةِ الفَراشةِ / والنهارُ قَد أَغلقَ ذَاكرته بمفاتيحِ الحزنِ / يَعْصِرُني نُعاسُ المطرِ كالشَّظايا / رَمْلُ البَحرِ طَبيبٌ للفُقراءِ / الذين لَم يَسْتفيدوا من خَريطةِ الجِيناتِ التي اكْتشفها الأغنياءُ /
     أَغْرقُ في سُعالِ الشَّجرِ صُداعِ الأرصفةِ / وأسألُ الضبابَ الأزرقَ / مَن هذه المرأةُ التي تبكي أثناءَ إِعدامي ؟ / نعتني بأجسامنا في إِسطبلاتِ الخليفةِ / والجليدُ يَفرضُ عَلَيْنا الإقامةَ الجبريةَ / تَخجلُ الرياحُ من أزهارِ اللهبِ / والحديقةُ تَسيرُ إِلى الدمارِ / نَقرأُ حِكاياتِ اغتيالنا لِلهُدْهدِ قَبْلَ نَوْمه / سيأتي يَوْمٌ تَصيرُ فِيه مَشانقُنا وَرَقاً أَبيضَ تُلَفُّ بِه الفَطائرُ / وتَصيرُ أشلاؤنا رُسوماً مُتحركةً على عُلَبِ حَليبٍ / تَشتريها الأمهاتُ الخائفاتُ عَلى حَجْمِ أثدائهنَّ /
     نَقاءُ العاصفةِ في لَحظةِ مِيلادها / وَطَنٌ لا يَحْضُنُ إِلا قَاتلينا / بِلادٌ تَحْتَ رِمالِ المحيطاتِ بِحَجْمِ عُودِ الكِبْريتِ / أَعيشُ في مِلْعقةِ الصَّهيلِ / الطرقاتُ مأتمٌ / والشَّظايا أضرحةٌ / غَرِقت المِياهُ الجوفيةُ في وِشاحِ الحِدَادِ / وثِيابُ القتيلاتِ تُحْرَقُ بالمطرِ / شَعْبٌ لِلبيعِ في غُرفةِ العِنايةِ المركَّزةِ / بِلادٌ تَرفعُ فَخْذَيْها إكليلَ غارٍ / ولم نَعرفْ لُغةَ ظِلالنا / قِرْميدُ أكواخنا يُراوِدُ نَخْلةً عَن نَفْسها / وَالخرابُ المزَرْكَشُ يُنصِّبُ القُرصانَ مَلِكاً عَلى الشَّرايين المغلَقةِ / نَحْقِنُ خِيامَ اللاجئين بِزَفيرِ الأرصفةِ / والصحراءُ تُدافعُ عَن العناكبِ المبْحِرةِ في لُعابي/ الأسفلتُ رِوائيٌّ فاشلٌ / وحِكاياتُ العِشْقِ انتهتْ تَحْتَ مَقاصلِ البَلوطِ / وَسَوْفَ يَخرجُ الوَحلُ الباكي مِن أجندةِ الصَّاعقةِ / كأنني رَضِعْتُ مِن نُهودِ المنافي/ مُذكَّراتُ القُبطانِ قَبْلَ غَرَقه في نَشيدِ الخِيانةِ الزوجيةِ / الرِّمالُ عُروشُ القَراصنةِ / والملوكُ المخلوعون يَبيعون العِلكةَ عَلى الإشاراتِ الضَّوئيةِ / وإبِرةُ البُوصلةِ تَركضُ إلى نَصْلِ مِقْصلتي / وَمَا دَامت الشُّعوبُ تَلتقي في الملهى الليليِّ / فَلا خَوْفَ عَلى الوَحدةِ الوَطنيةِ /
     كُن حَجَراً كَرِيماً لِتَعْرفَ حِجارةَ ضَريحكَ / لَن تَرْسُمَ الحشراتُ قَلبي على الرُّخامِ / وَجْهُ الرِّياحِ اختفى في وُجُوهِ الأراملِ / وأمعاءُ الطوفان في سَلَّةِ القُمامةِ / إشاراتُ المرورِ أعوادُ مَشانق / والأيتامُ يَبْحَثُون عَن أعوادِ الكِبْريتِ / لِكَي يَطْبُخوا أحزانهم في شَظايا الموْجِ / فَيَا إِخوتي اللصوص / لا تَتعجَّبوا مِن اغتيالي في لمعانِ الكَرَزِ / حَياتي نَظرياتُ كِيمياء في لُعابِ أسماكِ القِرْشِ / فَيَا أيها النَّملُ الذي يَدْعَمُ السلامَ في عِظامي / تَلْمَعُ الشُّطآن كأصابعِ الفُقراءِ / والأَسرى يُغازِلون الأسيراتِ في مَسَاءِ الانقلاباتِ العَسكريةِ/ يَا أُنشودةً تَجْلِسُ بَين بُكائي وسُورِ مَقْبرتي / اجْمَعي نُقوشَ الحِنَّاءِ في قَاموسِ الصَّحاري / إِنَّ رائحةَ المجاري تتسلقُ جَدائلَ الأرستقراطياتِ/
     في مَقهى جُباةِ الضَّرائبِ / تجلسُ النساءُ على صُوَرِ الزَّعيمِ / يَنْطَفِئْنَ في دُخانِ السِّيجارِ المصنوعِ مِن خِيَامِ اللاجئين / تتوحَّشُ أحلامهنَّ أبراجاً مِن الياقوتِ المزوَّرِ / سَيَكتبُ العُشَّاقُ أسماءهم على جُمجمةِ الغروب/ والدُّيوكُ المشرَّدةُ تَوارَتْ في سُرَّتي/ نَسكنُ في بُكائنا/ بَعد أن هَدَمتْ بُيوتَنا دُموعُنا / وَصُرَاخُ القَناديلِ يَقْتلعني مِن نُخاعِ عَظْمي / لأنَّ المجاعاتِ فَرَّتْ إِلى خِيَاناتِ الرَّصيفِ / يَغْرَقُ العُشَّاقُ في البَحرِ البعيدِ / الرِّمالُ رَسائلُ الجنودِ / والوَحْلُ نَشيدٌ وَطنيٌّ للفُقراءِ / كُلُّ دَمعةٍ مَنفَى / والأمواجُ القادمةُ مِن الضَّحايا كُوخٌ للسَّيافين/ وأنا ضَحِيَّةُ نَفْسي / أسألُ حَضارةَ الرَّماد/ هل سَيُصبِحُ شَعْرُ إِبطي عُشْباً لملاعبِ كُرةِ القَدمِ ؟ /

     أيها القَمَرُ الشَّاهِدُ على انتحارِ العُشَّاقِ / في مَساءاتِ الشَّاطئِ البَعيدِ / الْتَقِطْ لِي صُورةً تِذكاريةً قُرْبَ جُثتي / ذَلِكَ الضَّوْءُ الجارِحُ هُوَ أنا / فَتَحْتُ أبوابَ سُعالي للأعاصيرِ / أنا وَجْهُ الأضْرحةِ لا القِناعُ .

04‏/04‏/2017

ليالي المايسترو المشلول / قصيدة

ليالي المايسترو المشلول / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

     عِندما يَتفجَّرُ المسَاءُ في جَبيني/ يَرْكُضُ الأمواتُ في غُرْفتي / فَاقْتُلني يا صَلِيلَ أَعمدةِ الكَهْرباءِ / لأُصبحَ شَاهِدَ قَبْرٍ في غَيْمةٍ مَنْسِيَّةٍ / للحجارةِ زَفيرٌ / وَجُلُودُ العَبيدِ سَجَّادٌ أَحْمرُ لِلكَرادِلةِ / كُلُّ شَهْقةٍ سَيْفٌ / وَكُلُّ تَابوتٍ مَدينةٌ /
     أيُّها الغَرِيبُ/ سَتُصْبِحُ جَدائِلُ أُمِّكَ أكفاناً لَكَ/ تَرتدي الهِضابُ قُمْصانَ النَّوْمِ/ وتَسيرُ إِلى الخريفِ الدَّمويِّ / العُشَّاقُ أَمَامَ الموْقَدَةِ الأُرجوانيةِ / وَعَرَقُ الرَّاقِصاتِ يَصُبُّ في حَوْضِ السَّمكِ / وَخَلْفَ النافذةِ الطوفانُ/ التاريخُ فَراغٌ يَمتلئُ بالعُشبِ والدِّماءِ والقِصَصِ الغَراميةِ / وَفي بَيْتي أَلْفُ مَدينةٍ فِيها أَلْفُ أَميرٍ للمؤمِنين/ كُلُّهم يَشْربون دَمْعي الأزْرقَ على مَائدتي الخضراءِ/ تَتركُ الصَّحراءُ جُثمانها عَلى طَاوِلةِ القِمارِ/ وأَتركُ جُثتي على مَكْتبِ النَّهْرِ / وَأَرْحَلُ مِن جِلْدي / الطحالبُ عَلى جُدْرانِ شَراييني / والصَّرَاصيرُ تَمْشي عَلى شَواهِدِ القُبورِ في لَيالي الشَّكِّ /
     لِلْجُثثِ رائحةُ التُّفاحِ / والثَّعالبُ النَّازِفةُ تَجُرُّ الضَّبابَ الصَّخْرِيَّ / لا طِلاءُ أظافرِ النَّاقَةِ قَلْعةٌ لِلمُشَرَّدِين / وَلا ضَوْضاءُ الرِّئةِ الأسيرةِ وَتَرُ رَبابةٍ / تَنامُ الشَّوارعُ في بِنْطالي / حَنْجرتي تَطْحَنُها البَيَادرُ / عِشْتُ تَحْتَ الأرضِ / وَمِتُّ تَحْتَ الأرضِ / وكانَ حُلْمي أن أرى الشَّمْسَ /
     يَا شَعْباً يُباعُ مَعَ التَّوابِلِ وَقُمْصانِ النَّوْمِ / الزَّوْجاتُ الخائِناتُ في مَحطةِ القِطاراتِ / يَنْتَظِرْنَ صُكُوكَ الغُفرانِ / أَشُمُّ رَائحةَ اليَانسون في طَريقِ الشَّمْسِ الذاهِبةِ إلى الرُّكامِ / أنا الطائرُ أتفجَّرُ لأُضِيءَ المدى/ لأُحرِّرَ رِئتي مِن أَرْصِفةِ المِيناءِ / لأُضِيءَ شَوَارِعَ الملاريا أَمَامَ أجسادِ الفُقراءِ /
     البَشَرُ المرقَّمون / وَالزَّنازِينُ المرقَّمةُ / يُولَدُ المطرُ في جُلودِنا مَيْتاً / وَالإِوَزُّ يَقرأُ اسْمي على شَاهِدِ القَبْرِ / أَنا مَن بَكَى / وانتظرَ الأنهارَ النَّائِمةَ / فَاعْشَقي صُداعي أيَّتها اللبؤاتُ / كَي أُشاهِدَ مَصْرَعَ الثلوجِ التي تَشْتهيني/ كُلما حَدَّقْتُ في المرايا رَأيتُ تَضاريسَ قَبْري / كِتاباتُ القَمَرِ تَضِيعُ / والنَّهرُ يَجْتَثُّ مِن سُعالي تَاريخَ الصَّواعِقِ / بِئْرُ قَرْيتي في غَيْبوبةٍ / والطرقاتُ الحزينةُ مُغْمَىً عَلَيْها / فَاقْرأْ حُكْمَ إِعْدامي / لِكَي يَرْمِيَ البُكاءُ شَرايينَ اللوْزِ على المرْمَرِ / أَصْرُخُ في ثُقُوبِ جِلْدي / أَبْني مَمْلكتي فِي قَاعِ البِئْرِ / وَرَاعِيةُ الغَنَمِ تَمُدُّ لِي حَبْلَ المِشْنقةِ / والجنودُ الخاسِرون يَكْتبون رَسائلَ الغَرامِ للأسيراتِ / قَد يُطَالِعُ الشَّعْبُ الأُمِّيُّ أسمائي في صَفْحَةِ الوَفَيَاتِ / قَد تَسْمَعُ جُيُوشُ الهباءِ وَقْعَ أَقْدامِ الأنهارِ / في أدغالِ الْحُلْمِ / لَن يَكْتَرِثَ الذُّبابُ بِقُمْصَانِ النَّوْمِ الملقاةِ في حَاوِيةِ القُمامةِ / مَلامحي أبوابٌ للأغرابِ / والفَراشةُ لَم تَرْجِعْ مِن غُرْفَةِ التَّحْقيقِ /
     بِلادٌ تَضيقُ عَلَيْكَ أَكْواخاً مِن الحرائقِ / تُصبحُ الحمَاماتُ جَارياتٍ في قَصْرِ السُّلطانِ / سُيُوفُ القَبيلةِ وَشْمٌ عَلى صَهيلِ الأراملِ / والبَراكينُ تَحْرُثُ الزِّيَّ الرَّسْمِيَّ للضَّفادِعِ / فَيَا إِخْوتي اللصوص ! / أَعيشُ في غُرْبةِ الرُّوحِ / وَتَعيشون في غُربةِ الجسدِ / أَضَعْنا حَضَارةَ أظافرِ آبائنا / وَلَمْ نَجِدْ تاريخَ دُموعِ أُمَّهاتنا / عَوَاصِمُ تَسْتخدمُ أثداءَ بَناتِها شِعاراً لِتَشْجيعِ السِّياحة / الجِرذانُ تَتشمَّسُ في عُروقي / وبَلْدتي تَطْردني مِن ضَفائرِ الرِّياحِ / يَا وَجْهَ أُمِّي في الغُروبِ / امْنَحْني شَهَادةَ مِيلادي وَصَكَّ وَفَاتي / لِكَي أَعْرفَ أَن لِي وَطَناً كالأسماكِ المشْنوقةِ / لِكَي يَسْمحَ لِيَ التُّرابُ بالبُكاءِ الطويلِ / بِدُونِ مُلاحَقَاتِ العَسْكرِ وأضواءِ المعْتَقَلاتِ / 
     الصَّبايا يَضَعْنَ صُكُوكَ الغُفرانِ في بَراويزَ بَسيطةٍ / وَالأشجارُ تُوقِظني لِصَلاةِ الفَجْرِ / تُنادِيني عِظامي في مَملكةِ الرَّمادِ / والبَحْرُ جَالسٌ على عَرْشي / بُكائي رَقْصةٌ لا تَعْرفها رَاقصاتُ البَاليه / وَأوراقُ الخريفِ تَقُودُ مُظَاهَرَةً في أعصابي / قَد تتجسَّسُ الألوانُ الدَّمويةُ على غُرْبةِ الرَّسامِ / وقد يَبْكي البَجَعُ / حِينَ يَرى دُموعَ أُمِّي عَلى شَاهِد قَبْري/ لَكِنِّي سَأُعَلِّقُ أوْردتي على حِيطانِ بَيْتنا في إِشْبيلية / أُفَتِّشُ في أَجنحةِ النَّوارِسِ عَن أحْزانِ بِلادي / الحطبُ ضَجيجُ الفَتَياتِ المغْتَصَبَاتِ / أَعْجِنُ اكتئابي بِسَاعةِ الْمُنَبِّهِ/ وَأَخْبِزُ أَرَقي في المجرَّاتِ/ يا رِئَتي الرَّاحلةَ إِلى أسرارِ اليَاسَمين / سَتَجِدِيني في قَلْبِ امرأةٍ غَامِضةٍ/ تِلْكَ جُثتي الخشنةُ على الرُّخامِ النَّاعِمِ / وَهذا أنا / أَرْكُضُ في جُلُودِ المرايا / لِكَي أَرْكُضَ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو /
     هِجْرَةُ الطيورِ تاريخُ الأعاصيرِ الْمُعَدَّلُ وِرَاثياً / قَد خَسِرْتُ طَيْفي وعُشْبَ المسدَّساتِ / أنا لَوْحةُ الاحتضارِ بِلا ألوانٍ زَيْتيةٍ / عِظامُ صَدْري طَباشيرُ / وَحَوَاجِبُ الأسرى سَبُّورةٌ للرِّماحِ / تَنْتخبني الهياكلُ العَظْميةُ / وأنا أنتخبُ عِظامَ الموْتى في دِيمقراطيةِ المجازِرِ / فَاجْمَعْ دُموعي لِتَسْتَخْرِجَ مِنها اليُورانيومَ الْمُخَصَّبَ / ذَلِكَ الشَّاطِئُ الأحْوَلُ لا يُفَرِّقُ بَيْنَ قَانونِ الطوارِئِ وَغُرفةِ الطوارئِ في مُسْتَشْفَى / لا يَقْدِرُ الفُقراءُ عَلى دُخُوله /
     يُولَدُ البَحْرُ في جِلْدِ المساءِ / فَعَلِّمْني كَيْفَ أُفَرِّقُ بَيْنَ عَرَقي وَعَرَقِ التِّلالِ / لاعبةُ السِّيركِ تَمْشي عَلى حَبْلِ مِشْنقتي / لَكِنِّي أَمْشي إِلى الأندلسِ / الرِّياحُ الشَّمْسيةُ تَنْشُرُ الغَسيلَ عَلى كَوْكبِ عُطارد / وَقَّعْتُ الأوراقَ اللازمةَ لإِعدامِ خَشَبةِ الإِعْدامِ / خَرَجْتُ مِن دِمَائي / وَدُوارُ البَحْرِ يَضْرِبُ مَاءَ عُيوني / تقيَّأتُ عَلى ثِيابِ النَّهْرِ / أرى عَصِيرَ لَيْمون تَسْبحُ فِيه مَذابِحُنا / وَسَوْفَ أرتدي ثِيابَ العُرْسِ في طَريقِ المِقْصلةِ / خَيْمتي تَبْكي / قَد تَزَايَدَ مُعَدَّلُ هُطُولِ الدَّمْعِ / يَنامُ الأسْفلتُ في وِسادتي / وأنا أَغْرِسُ أظافري في أعصابي /
     قَلْبي يَنْزِفُ رَماداً / نُثِرَتْ أجْزائي عَلى طَاوِلةِ المقامِرِين / اقْتُلِيني قَبْلَ أَن يَقْتُلَكِ الشَّاطئُ / اشْرَبِيني مَعَ الماءِ قَبْلَ أَن تَشْرَبَكِ الزَّوابعُ مَعَ النبيذِ / زَوْجَةُ الفَيَضانِ هِيَ القُربانُ / وَعُروقُ الليلِ هِيَ المذْبَحُ / سَتَسْمعُ القَتيلاتُ النَّشيدَ الوَطَنيَّ للسُّيولِ / التاريخُ في غُرفةِ العِنايةِ المركَّزةِ / وَكُلُّ عَشاءٍ هُوَ عَشاءٌ أخيرٌ / عَلَّمَني السَّرابُ كَيْفَ أَقْطَعُ الشَّارعَ / وَلَم يُعَلِّمْني كَيْفَ أُصادِقُ شَرَاييني / صَوْتُ الدُّموعِ خَنْجَرٌ في قَارورةِ الحِبْرِ / والنَّوافذُ مَساميرُ في نَعْشي البلاستيكيِّ / لَيْتَ الفَراشةَ شَرِبَتْ عِظامي/ لَيْتَ السُّجونَ لَم تَلِدْ رِمالَ البَحرِ/ لا طُيورٌ تُشارِكني انتحاري / وَلا هِضَابٌ تَبيعُ صَرْختي في السُّوقِ السَّوْداءِ /
     رَائعٌ تَوْقيعُكِ على شَهادةِ وَفَاتي / أشلائي بَيْنَ حَبْلِ الغَسيلِ وَغَسيلِ الأموالِ / وَقِطَّتي مَصْلوبةٌ عَلى زُجاجِ السَّياراتِ / خَبَّأْنا الجثثَ في ثَلاجةِ البُوظةِ / وَرأيتُ وَجْهَ قَاتلتي في الدُّخانِ / وَانقطعتْ عَن نَبْضي كَهْرباءُ الشِّتاءِ / أُهَرْوِلُ في أزقةِ مَعِدتي / لأتذكرَ كَلامَ الذبابِ في سَريرِ الطوفان / كأنني جَاسوسٌ أَنقلُ أخبارَ الرَّمادِ إِلى الشَّلالاتِ / وَتِلْكَ لُغتي الأُرجوانيةُ تَنْساني في مَأْتَم /
     الأمطارُ العَاريةُ / وبُوصلةُ رُموشي في الفَيَضاناتِ / سَالَ جَبيني بَاروداً / وُلِدْتُ قَبْلَ شَنْقِ اليَمامةِ / وَمِتُّ بَعْدَ انتحارِ البُحَيْرةِ / أشجاري أُغنيةٌ لأطفالٍ تَقَمَّصَت الألغامُ أَطْرَافَهم / أَنامُ مَعَ جُثتي / وَلا أَشْعُرُ بِالكَوَابيسِ / يُطْلِقُ المساءُ عَلَيَّ الرَّصاصَ المطاطِيَّ / وَأُطْلِقُ عَلى البَحْرِ الرَّصاصَ الْحَيَّ / وَكِلانا مَيِّتٌ / نافذتي تُطِلُّ عَلى دِمائي / والشُّطْآنُ تَمْشي إِلى بُكاءِ نِسَاءِ القَبيلةِ / 
     عَلى المسْرَحِ المهْجورِ / يُمَارِسُ الضَّبابُ الذبيحُ هِوَايته في التَّمْثيلِ / تتفجَّرُ غَابةُ الجثَامِين في سِحْنتي / نَسِيَت النِّساءُ جُثثَ أبنائهنَّ على الأراجيحِ / وَالطاعونُ يَزْرَعُ الألغامَ في أصابعِ النَّهْرِ / كُونوا نَوافذَ لِلمَجْزَرةِ / كَي تَدْخُلَ العَواصفُ في القُلوبِ الحزينةِ / وارْحَموا الأطفالَ الذين يَزْرَعون في خُدُودهم الأسمدةَ الكِيماويةَ /
     وِشاحُ غَيْمةٍ عَلى كَتِفِ البَارودِ / البَعُوضُ عَلى الكَمَانِ / هَاجَرَ المايسترو إِلى حَلَبةِ مُصَارَعةِ الدِّيَكَةِ / يَقْتلني كُلُّ مَن يَراني / أباريقُ الفَخَّارِ عَلى عُيونِ الثِّيرانِ / وَضُبَّاطُ المخابراتِ يَسْألون عَن الفَرْقِ بَيْنَ البَقَرةِ والجاموسةِ / سُؤالٌ هَامِشِيٌّ كأجسادِ الفُقراءِ /
     أحزاني هِيَ الاسمُ السِّريُّ للحُقولِ / والأعرابُ يُزَوِّرون تاريخَ الصَّهيلِ / مَا الفَرْقُ بَيْنَ المنفى الذي وُلِدَتْ فِيه العُقبانُ والمنفى الذي مَاتتْ فيه ؟ / تَنمو أجوبةُ الصَّدى على آثارِ السِّياطِ/ والهديلُ يُحاصِرُ طُرْوادة/ أيها الضَّبابُ الملوَّنُ بالأشلاءِ / عَلِّمْني أبجديةَ النَّيازكِ / لأكتشفَ الحزنَ في عُيونِ الشَّرْكسياتِ /
     المواطنُ الذي لا يَعْرفُ أنهُ مُواطِن ! / والأكفانُ مُعَلَّقةٌ على أبوابِ العَاصفةِ / دُموعُ الصَّبايا في البُيوتِ المهْجورةِ / والأسمنتُ المسلَّحُ بالذِّكريات / انتحاراتي أعْوادُ مَشانقَ تتزوَّجُ أعوادَ الثِّقابِ / القَرابينُ في جَسَدِ الشَّفقِ / والبُرتقالُ قَارَّةٌ مِن النَّزيفِ المتواصِلِ / مَاتَ الموْجُ لِكَي يُولَدَ البَحرُ في عمليةٍ قَيْصريةٍ/ لكي نُشَيِّدَ مَصْنعاً من جَماجمنا/ وَأُمَّهاتُنا لا يُفَرِّقْنَ بَيْنَ حَبْلِ المِشْنقةِ وَحَبْلِ الغَسيلِ / سَتَنْبُتُ الطحالبُ على جُثةِ الإعصارِ / وَعُمَّالُ المناجمِ يُغَطُّون ذاكرةَ الصحراءِ بالنُّعوشِ / 
     هَل خَانَ لاعبُ التِّنسِ المِضْرَبَ أَم خَانَ المِضْرَبُ لاعبَ التِّنسِ ؟ / أَعيشُ مُرَاهَقَتي المتأخِّرةَ تَحْتَ ضَوْءِ الخناجرِ / تَناثرَ الجنودُ بَاعَةً مُتَجَوِّلين / في وَقْتِ إِغلاقِ سُوقِ النِّخاسة / نَمْلةٌ تُدَرِّسُ ابنتها لُغةَ الضَّبابِ / أَحْفِرُ القَبْرَ بأظافري / والأعاصيرُ تَموتُ جُوعاً /
     بِاسْمِ الشَّعْبِ أُعْلِنُ مَوْتَ الشَّعْبِ !/ أيها الثوارُ مِن أجْلِ تحريرِ السَّردين مِن مَجَرَّاتِ الرِّعْشةِ / أَنعي إِليكم وَطناً تناثرَ في زُجاجِ النوافذِ المكْسورةِ / بِاسْمِ الشَّعْبِ الميْتِ في صَحاري البَحر / القُضاةُ يُصْدِرون أحكامَ إِعْدامي/ ثُمَّ يَنامون مَعَ زَوْجاتهم/ وَسَلاسِلُ الجِبالِ تَفُكُّ سَلاسلَ القَصيدةِ / يَحْقِنُ السَّيافُ أوردةَ الموْجِ بالدُّخانِ / والرَّصيفُ يَقْتلني بِسُرعةٍ / لأنَّ زَوْجته تَنتظره عَلى الغَداءِ /
     عَلَّمَني حَبْلُ مِشنقتي شُرْبَ الشَّاي بالنَّعناع / هَذَيانُ المعْتَقَلاتِ الصَّحْراويةِ / حِينَ يُمارِسُ الصَّدأُ الجِنسَ مَعَ حَديدِ الزَّنازين / أَعْلامُ القَراصنةِ في مَطاعمِ الوَجَباتِ السَّريعةِ / والجرادُ يُلْقي النظرةَ الأخيرةَ على جُثمانِ البُرتقالِ / كأنَّ جُسورَ سَراييفو رَنينُ الخلاخيلِ / والهديلُ يَأكلُ أطفالَ القُشَعريرةِ / يُمارِسُ الأمواتُ هِوايَتَهُم في تغسيلِ الأمواتِ / سَتُنادي عَلَيْكَ الفَراشةُ لِتَقْتُلَكَ / سَتركضُ وَراءَ النِّداءِ الغامضِ في ليالي الخريفِ الجارحةِ / سَتَصرخُ عُروقُكَ في مُدُنِ الصَّمْتِ / كَي يَجرحَ الصَّوْتُ الصَّدى / والقَتيلُ هُوَ قَاتِلُ الصوتِ / والقاتلُ هُوَ قَتيلُ الصدى / وأنتَ الصوتُ والصدى / فَكُنْ كُنْيةَ عِظامي في المقابرِ الجمَاعيةِ / وَزَيِّنْ سُورَ المقبرةِ بالمصابيحِ والبنادقِ الخشَبيةِ /

     عِندما تَدْخُلُ الملكةُ فِكْتوريا في الرِّيجيمِ / وَيَخْرُجُ الأغرابُ مِن لَيْلةِ الدُّخلةِ / وَيَرْحَلُونَ عِندَ الفَجْرِ / سَأكتبُ اسْمي على غِمْدِ سَيْفي / وأبكي عِندَ قَبْرِ أُستاذي / أقدامُ الرَّحيلِ/ والخطواتُ الجريحةُ تَذوبُ في خُضرةِ الظِّلالِ/ وَحِينما طَرَدَتْني القبائلُ مِن ضَوْءِ الرِّماحِ / لم أَجِدْ غَيْرَ جُثتي أنامُ مَعَها في بِئرِ الدَّمْعِ / يَنْقُلونَ قُيُودي عَلى ظَهْري/ والبُكاءُ يَضْرِبُ الهيكلَ العَظْمِيَّ لِلْخَوْخِ/ كَم عَدَدُ النِّساءِ الباكياتِ وَراءَ أجنحةِ الجرادِ الكِلْسِيَّةِ ؟/ مَا جِنسيةُ الأدغالِ السَّائرةِ تَحتَ لِسانِ بَغلتي ؟ .