سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

24‏/06‏/2017

رسالة من النمر إلى اللبؤة / قصيدة

رسالة من النمر إلى اللبؤة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 24/6/2017

..................

    أتمنَّى لَكِ حَياةً خَارِجَ الحياةِ / أَنْتِ مَغْرورةٌ / لا أَعتبرُ رَفْضَكِ هَزيمةً لي / فالذهبُ لا يبكي عَادةً إلا عِندَ وَفاةِ النارِ/ أَرْحَلُ بِصَمْتٍ عَالي الصَّوْتِ قليلاً/ أَعُودُ لأُكْمِلَ الانقلاباتِ على قَلْبي الوَحيدِ / لَكِ قِلادةٌ مِن العَاجِ / كَم فِيلاً قَتَلَتْهُ أُسْرَتُكِ لِئلا تتضايقي / وَأنتِ تنامين في بُكاءِ الغاباتِ ؟ / لَكِ خَدَمٌ مِن الثعالبِ الخائنةِ / هَل فَكَّرْتِ بالليلِ يَغْسلُ دَمْعَ البَلَحِ ؟ /
     احتضاراتُ الصَّقيعِ أقامت مَصْنعاً لتكرير الملحِ على ضِفَّةِ دُموعي / إِنْ أَخُنْ قلبي أَخسرْ وَجْهي/ إِنْ أَعْشَق الرَّصاصاتِ أفقدْ مَمالكَ المجاعةِ/ فَعُودِي إِلى أسنانكِ / ونظِّفيها بِسَعَفِ النَّخْلِ / فالأرضُ شَمْعةُ الغُرباءِ/ إذا انطفأتْ أشعلتُها بذكرياتي في المدنِ المنسيةِ / لَحْنٌ خَافِتٌ يَطْلُعُ مِن الشَّوْكِ/ وَالشَّوْكُ لم تَلْمَسْه أُنثى مُنذ مَصْرعِ أُمِّهِ / ولا أَذْكرُ أن أُنثى لَمَسَتْني إلا البحيرة / كُنْ يا غُبَارِي عِندَ حُسْنِ ظَنِّ الميناءِ المحطَّمِ بِكَ/ بَحَّارٌ صُداعُ التَلِّ الحافي / والطاعونُ يحتلُّ ذَاكرةَ القَشِّ / يَسِيلُ دَمُ الوِلادةِ / وأنا سَأموتُ / وَقَدْ يَأْتي عُمَّالُ مَناجمِ الفَحْمِ إلى مَغارتي / ويتناولونَ خُبْزِي / وَيَسْخرون مِن تَاريخِ عائلتي في الأدغالِ/ وَرُبَّما يَنْظرون إلى قَبري باستهزاء/ فهل سَتَبْكين عَليَّ ؟/ هَل سَتَقُولين إِنَّ نَمِراً أَحَبَّني يَوْماً ما/ إِنَّ نَمِراً مَرَّ مِن هُنا ذَاتَ مَساء/ وَكَانت عَيْناه تَدْمعان حَنيناً؟/
     أَيَّتها اللبؤةُ/ عُيونُكِ تَنْقُشُ فِيَّ رِحْلةَ اللاعَوْدةِ / أُريدُ مِنكِ حِينَ تَصْطادين السَّوسنَ المجروحَ / أن تتذكَّري أحاسيسَ جُذوره / لكي تتذكَّري مَلامحي / أنا المنسِيُّ في قائمةِ عُشَّاقكِ الكثيرين/ صِرْتِ مَرَضاً في عِظامي/ ونَزيفاً في أعصابي / أَنتِ هَوَسِي / صَارت الفِئرانُ تَضْحكُ عَليَّ / أنا الأبُ الرُّوحِيُّ لأوراقِ الخريفِ / صَارَ الجميعُ يَسْخرون مِنِّي / صِرْتُ نَبَاتِيَّاً / ماذا سَأَقول لأبي وأنا أرجعُ كُلَّ لَيْلةٍ بِدُون فَريسةٍ ؟/ وَمَا زَادَ لحمي ظِلالاً أنِّي استقلتُ مِن السِّيركِ / واعتزلتُ الحياةَ السياسيةَ / مَا كُنتُ أظنُّ أن أُنثى سَتَفْعلُ بِي هذا/ ولكني سأقفُ ضِدَّ حُبِّكِ ما دَامَ حُبُّكِ رُمْحاً يُشرِّحني/ مَا زَالَ في تفاصيلي ضَوْءُ تمردٍ / وَرَفْضٌ لسَيَّافي الأرضِ / رِياحاً تأتي أعضائي المسعورةُ / أتذكرين لقاءنا الأولَ في المقبرةِ / والعناكبُ تَقْفزُ سَعيدةً بوجودنا ؟ / شَعَرْتُ أنهُ حُبٌّ مِن الرَّصاصةِ الأُولى / فَكَّرْتُ يَوْمَها أن أُقَبِّلَ تاريخاً حافلاً بالمرايا المشروخةِ في الرماد / كِدْتُ أقولُ لَكِ خَبِّئيني في يَدَيْكِ / مِن الصَّيادين وَعُلماءِ الأحياء / لكني أدركتُ أنني حيوانٌ / وأن الحيواناتِ أُلعوبةٌ تستمتع بها بَناتُ الأغنياء / أغارُ مِن شَوْكةٍ تَلْمَسُكِ  / أصبحت الحيواناتُ تفاحةً بائسةً تُؤَجِّرُ رَحِمَها للرِّيحِ / مَا عَساكِ أن تفعلي في هذا العَالَمِ المتوحِّشِ ؟ / تعالَيْ أتزوَّجْكِ فتنجبي أنصافَ نمورٍ وأنصافَ أُسودٍ / ثم نُشعلُ الانقلاباتِ على أناشيد الغابة / نحن خَاسِرون إِنْ لم نُرسِلْ قاتلينا/ إلى أرشيفِ الهياكلِ العظميةِ / فَلْنَبْدَأْ مِن دَمِكِ وَدَمِي / مِن مَوْتي وَمَوْتِكِ /
     يَغْمرني المكانُ فأصحو ذَبيحاً / يَنتحرُ الطُّغاةُ على بَوَّاباتِ اكتئابي / أَلْفُ مُسْتنقعٍ يَغْفو في أعمدةِ انهياري / ناسفةَ حُطامي / عَشيقةَ ذُبولي/ مَن الخاسرُ فِينا ؟!/ لا أُصَدِّقُ أنَّا جَرَحْنا أحزانَ الغُصونِ / وَتَبَادَلْنا الدُّموعَ بَدَلَ الهدايا / ولم ننتبه إلى أننا قَتَلْنا الفَرَحَ في معاطفنا/ وَبَذَرْنا الكَرَاهِيَةَ في طُرودٍٍ مَلْغومةٍ تتأرجحُ فِينا/ وفَجْأةً / أصبحت قِصَّتُنا فُكاهةً على ألسنةِ القُرودِ وَدِبَبةِ الباندا /
     إنها الأمطارُ فيذهبُ الجميعُ إلى مَخْبئه/ وأظلُّ هائماً مُبَلَّلاً بلا مأوى/ أنالُ عَطْفاً مُؤَقَّتاً مِن مُخرجِ أفلامٍ وثائقيةٍ / يَجْني الملايين والتصفيقَ / ثُمَّ يَرْميني في الشَّارعِ / رُجولةُ الزَّوْرقِ / وامرأةٌ تُذبَحُ في الستائرِ الرماديةِ / أنا حيوانٌ / لكنْ لَدَيَّ شُعورٌ يَصْهرُ أعصابي في وَهَجِ الزنابق / أحتاجُ إلى أُنثى تُشارِكني مَسيرةَ التَّوَحُّشِ / وشَهْوَةَ الاكتشافِ / وَجُنونَ الانطلاقِ الشَّرسِ/ لِيَكُن الحبُّ بَيْنَنَا حَرْبَاً تتعانقُ فيها بَقايانا / لن أَخْرجَ مِن جِلْدي / لكني سَأُجَهِّزُ على شُطآنه مَقعداً يَتَّسعُ لجثةٍ نتقاسمها وتتقاسمنا/ ونضمُّ أجسادَ مَوْتانا ونموتُ / أَعْطَيْتِني دَمَ الفَريسةِ تِذكاراً / تَذَوَّقْتُه فَوَجَدْتُه مُرَّ المذاقِ / كمساميرِ نَعْشي المهترئةِ / أنا وأنتِ قاتلان / كِلانا سَرَقَ بَراءةَ الغِزْلان / فلا تَلْبَسي الأُنوثةَ .

مَلِكُ الغابةِ غَير المنتخَب

                                                                                 النمر

20‏/06‏/2017

المرأة التي تكرهني تُحرّرني

المرأة التي تَكرهني تُحرِّرني

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 20/6/2017

................

(1) المرأةُ التي تَكْرَهُني تُحرِّرني .

     الْحُبُّ نوعٌ من الاستسلام والخضوع . إنه الانكسار أمام القوة الناعمة . والمرأةُ التي تُحِبُّني تُحمِّلني فَوْقَ طَاقتي ، وتضغطُ على أعصابي ، وتفرضُ عليَّ شُروطَها بدافع الحب والتهذيبِ . وهذا يَجعلني خاضعاً لإملاءاتها ونظامِ حياتها . وبالتالي ، أخسرُ إيقاعي الشخصيَّ ، وأَخْرجُ مِن جِلدي شَيئاً فشيئاً، وأفقدُ هُوِيَّتي المميَّزة ، ونظامَ حياتي . وبعبارة أخرى ، سَأُسَلِّمُ أسلحتي لها ، وأُضحِّي بنقاطِ قُوَّتي في سَبيل أوهامٍ عاطفية عابرة . والبقاءُ على الشاطئِ أفضلُ من الإِبحار بلا بوصلة . أمَّا المرأةُ التي تَكْرهني فهي تُسدي إِلَيَّ مَعْروفاً ، تُريحني وتُريح نَفْسَها . تُريحني مِن الضَّغطِ والتَّضحيةِ ، وتُريحُ نَفْسَها مِن ذِكرياتي وأحزانِ طفولتي ، فَنَصِلُ إلى حالة التعادل ، فلا أَفرضُ عليها شُروطي ، ولا تفرضُ عليَّ شُروطَها ، وهذه العمليةُ هِيَ جَوهرُ الحرية والتَّحرر والتحرير . حيث لا غالب ولا مغلوب .

(2) البَشرُ يَخْترعون حَواجز وهميةً ثم يُضيِّعون وَقْتهم مُفكِّرين في تجاوزها .

     إِنهم مَرْضى بالوَهْم . خَيالُهم المريضُ يَبْني لهم قُصوراً مِن الرِّمال . يَخْدَعُهم السَّرابُ فَيَخْدَعون أَنْفُسَهم وَيُصَدِّقون الأُكذوبةَ . الحياةُ كُلُّها أُكذوبة. وَبَعْدَ ذَلكَ يَمْضون في حَياتهم تَائِهين ، يُضيِّعون وَقْتَهم وَجُهْدَهم مُفكِّرين في كَيْفيةِ الانتصار على السَّرابِ ، وسَحْقِ الهواء ، وتفسيرِ الماءِ بالماء .

(3) يُولَدُ الإِنسانُ عِدَّة مَرَّاتٍ ، ويموتُ عِدَّة مرات .

     الإنسانُ هُوَ الخرافةُ المركزيةُ في هذا العالَمِ . جَاءَ مِن التُّرابِ وَسَيَعودُ إلى الترابِ كأنه لم يأتِ أصلاً. له وِلاداتٌ عديدة، وَهِيَ انبعاثاتٌ وإشراقاتٌ وَقْتيةٌ ، لَيْتها كَانت دائمةً . وفي نَفْسِ الوقتِ يَموتُ أكثر مِن مَرَّة . وحالاتُ مَوْته هِيَ نِقاطُ ضَعْفه ، ولحظاتُ انكساره ، وضَياعُ أحلامه . وَسَوْفَ يَظلُّ الإنسانُ حُلْماً هُلامياً ضائعاً في بحر متلاطم الأمواج .

(4) أشتاقُ إلى الأزمنةِ التي أَنبعثُ فيها .

     هذا أنا أشتاقُ إلى حَركةِ الزَّمن التي تتفجَّرُ فِيها أحلامي ، وتتدفَّقُ على سَطْحها ذِكْرياتي . وأشتاقُ أيضاً إلى تضاريسِ التراب ، تِلْكَ الأمكنة التي أُذبَح فيها مبتسماً كالأبله . لَقد صَدَرَ الْحُكْمُ قَبْلَ المحاكَمةِ. انبعاثِي مَوْتي . إِنَّهُ الصُّعودُ إلى الهاويةِ . إِنَّه عَوْدةُ التُّرابِ إلى التراب ، وَرُجوعُ الطِّفلِ إلى حِضن أُمِّه .
(5) الانكماشُ في الأنا العُليا أَساسُ كُلِّ جَريمةٍِ .

     عِنْدما يَتَقَوْقَعُ الشَّخصُ في ذَاته ، ويُعْلِي قَدْرَ نَفْسِه على حَسابِ الآخرين ، سَوْفَ يَسقطُ في حُبِّ الذاتِ وازدراءِ غَيْره . وهذه الأنانيةُ المفرِطةُ هِيَ الأساسُ الفكريُّ للجريمةِ . فالجريمةُ هِيَ مُنتهى الأنانية ، والحقدُ على الآخرين ، والطمعُ الجنوني . المجرِمُ جَعلَ لَذَّته هِيَ مَركز الدائرة ، وجعلَ مُتعته فَوْقَ شُعورِ الآخرين وحياتهم ، فَسَقَطَ في الهاويةِ السَّحيقة ، وهُوَ يظنُّ أنه يَصعد إلى القمة .

(6) وَراءَ كُلِّ طاغية فَيْلسوفٌ مُنْحَرِفٌ .

     الانهيارُ الأخلاقيُّ لم يجئ بِمَحْض الصُّدفةِ . إنه نتاجٌ تراكمي ، وبناءٌ طبقي شديد التعقيد ، وجذورٌ مسمومة ضاربة في الأعماق . وما كان لهذه الجذور أن تجد أرضاً خصبة لولا وجود الفلاسفة المنحرِفِين الذين يَجعلون النهارَ لَيْلاً ، والليلَ نهاراً . يَستخدمون المنطقَ لِشَرعنة الأوهام ، ويتلاعبون بالكلماتِ الرَّنانة لتزيين القُبحِ ، وتحويلِ الرائحةِ الكريهة إلى عِطر فَوَّاح .

(7) يَتخلَّى الفردُ عن انتمائه الوطنيِّ حين تُشْعِرُهُ حكومتُه أنَّ وُجودَه كَعَدَمِه .


     حِينَ يَشعر الفردُ أنه رَقْمٌ تافه في أرشيف ذاكرة المجتمع ، فسوفَ يَنسحب من مجتمعه لِيَسقطَ في بِئر ذاته ، فينسلخ عن هويته، ويتخلى عن الانتماء ، لأن الانتماء _ حينئذٍ _ يُصبح عِبئاً عليه ، وحِملاً ثقيلاً . وهكذا يَفقدُ الفَردُ ظِلَّه ، ويُصبحُ عاطلاً عن الوطن ، ويَخسرُ اسْمَه ، فيكتسبُ اسماً جديداً قاتلاً هُوَ " اللامنتمي " .

17‏/06‏/2017

قلوبنا معك وسيوفنا عليك / قصيدة

قلوبنا معك وسيوفنا عليك / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     إِنَّنِي السَّفَرُ حِينَ قُتِلَ الْمُسَافِرُ / أَطَاحَ الْغُرُوبُ بِمَمْلَكَةِ الْجَسَدِ الْمُحَمَّصِ / وَأَبْرَاجُ دَمْعٍ يَذْبَحُ عِشْقَ الْجِبَالِ / الصَّحَارِي تَنْتَهِي مِنْ مُمَارَسَةِ الْجِنْسِ / ثُمَّ تُصْدِرُ أَحْكَامَ الإِعْدَامِ بِحَقِّ فَرَاشَاتِي / اتْرُكُونِي لأَتَّحِدَ مَعَ اللازَوَرْدِ الْعَاشِقِ / وَتَبْقَى رَائِحَةُ الْمَجَرَّاتِ عَلَى شَوَاهِدِ الْقُبُورِ / الْمَوْتَى جِلْدُ الرِّمَالِ / وَجِرَاحُ الضَّبَابِ تَحْمِلُهَا الْخِيَامُ عَلَى ظَهْرِ طَاوُوسٍ مَيِّتٍ / يَمْتَطِي عُكَّازَتَيْنِ لإِيهَامِ الشَّجَرَاتِ أَنَّهُ حَيٌّ ! /

     الليلُ أَضَاءَ نَخِيلَ كُهُوفِ رِئَتِي مِنْ مَجَرَّاتِ الْكَلِمَةِ حَتَّى حُفْرَتِي الْمَثْقُوبَةِ / بَلَدِي ذَلِكَ الارْتِعَاشُ النَّازِفُ فِي أَكْوَاخِ وَرِيدِي / مَاذَا سَتَفْعَلُونَ بِمَا تَبَقَّى مِنْ شَكْلِي ؟/ أَخِي حَجَرَ الرَّحَى الْبُرُونزِيَّ/ تَكَاثَرْ فِي أَحَاسِيسِ الْقَرَنْفُلِ غَيْرِ الْمُسْتَوْرَدِ/ وَشَارِكْنِي صَمْتَ حُرُوفِ الْوَرْدَةِ الْمُتَفَجِّرَ / وَحَفْرَ أَخَادِيدِ وَجْهِ الطُّوفَانِ / رَأْسُ الْحُسَيْنِ تَدُورُ فِي دَوَرَانِي حَوْلَ رَأْسِي الْمَقْطُوعِ / وَالأَرْضُ تَفْتَحُ فِي كَتِفِي شُبَّاكَاً صَغِيرَاً لِعَابِرِي السَّبِيلِ / لِيُطِلَّ الزِّئْبَقُ عَلَى أُذُنِ الرَّصَاصَةِ / وَهِيَ تَمُصُّ الْغُصُونَ على شِفَاهِ حَضَارَةِ الْقَنَابِلِ / قَبْرِي دَمَارٌ لِلدَّمَارِ / وَلَيْلِي نَهَارٌ لِلنَّهَارِ / فَاقْتُلِينِي يَا ذِكْرَيَاتِي كَيْ أُولَدَ نَقِيَّاً / خَسِرْتُكِ وَخَسِرْتِنِي / وَفَازَ الدُّودُ بِجَسَدِي / وَالْمَسَاءُ قِطْعَةُ لَحْمٍ عَابِرَةٌ فِي خَاصِرَةِ الْعِنَبِ /
     ثَلاجَةُ الْمَوْتِى الضَّيِّقَةُ / وَآخِرُ عَذَابَاتِ الْحَمَامِ / حَبْلٌ يَتَدَلَّى مِنْ سُرَّةِ جُثَّةِ الشَّلالِ / إِلَى قَاعِ ظِلِّي فِي الأَنَاشِيدِ الْمُرَاقَبَةِ / أُحِبُّ أَشْيَاءَ الْوَادِي حِينَ تَحْيَا وَتَمُوتُ / لأَنَّ الصَّخَبَ حَفَّارُ قُبُورٍ ثَائِرَةٍ/ كَرَجْفَةِ الرَّاهِبَاتِ الْمَصْلُوبَاتِ عَلَى أَبْرَاجِ الْكَنَائِسِ / فَلْنَهْبِطْ إِلَى ضَوْضَاءِ دَمِنَا يَا جَدَّتِي / هَذِي رِحْلَتُنَا / نَجُرُّ أضْرِحةَ العَصَافيرِ / وَنُفَرِّغُ أَكْتَافَنَا مِنْ صَرَخَاتِ الْقَشِّ / فِي ضِحْكَةِ الْغِيَابِ غَيْرِ الْغَائِبِ / أَنَا السُّجَنَاءُ وَالسُّجُونُ / فَكَيْفَ تَسْجُنُونَنِي ؟!/ لا رَعْدٌ حَوْلَ دَمِي يُذَكِّرُنِي بِذَاكِرَتِي/ وَلا مَطَرٌ فِي قَلْبِي يَحْتَلُّ مَأْسَاتِي/ كُنْتُ الْحُبَّ الأَوَّلَ فِي حَيَاةِ الْمَقَاصِلِ / تَنْشُرُ النِّساءُ أحزانَهُنَّ على حَبْلِ الغَسيلِ/والعَاصِفةُ الرَّمْليةُ تَدْهَنُ ثِيابَ الحِدَادِ بالقُشَعريرةِ / أَدْرِكْنِي حَيْثُ تَتَفَتَّحُ قَبْضَةُ الضَّجَرِ أَبْوَابَاً لِلْمَسَالِخِ / وَتَطْلُعُ أَشْتَالُ التَّبْغِ مِنْ بُطُونِ الأَطْفَالِ الْمُقَطَّعَةِ / أُوَزِّعُ هُمُومِي عَلَى بَرَاعِمِ مَقَابِرِنَا الطَّرِيدَةِ / أَيْنَ الذِّكْرَيَاتُ الْهَنْدَسِيَّةُ يَا حَفَّارِي الْقُبُورِ الْكِلْسِيَّةِ ؟ /
     مُشَرَّدُونَ وَسَمَاسِرَةُ وَذُبَابٌ خَشَبِيٌّ / وَفِي ضِحْكَتِي أَثْمَرَ زَوَاجُ السُّلِّ مِنَ الْمِدْخَنَةِ أَرْبَعِينَ سِكِّينَاً / تَمْتَصُّ أُرْجُوانَ الْحَدِيقَةِ / نَزْفِي انْتِخَابُ مَلِكِ التَّشَرُّدِ / وَجَوَازُ سَفَرِي نَخْلٌ خَجُولٌ / أَتَتْ وُجُوهٌ / لا جِنْسِيَّةٌ ولا مَطَارٌ / وَأَلْقَابُ الصَّقْرِ لِلْمَجَاعَةِ حُقُولٌ / طَابُورُ بَنَاتٍ أَمَامَ قَصْدِيرِ الْمَذْبَحِ / الْجَرْجِيرُ قَبِيلَةُ السُّيُوفِ / أَلْصِقْنِي عَلَى وَجْهِي / أَنَا تَوْأَمُ الرَّحيلِ / أُشْبِهُ ذُرِّيةَ الزَّيْتُونِ / وَالزَّعْفَرَانُ الصَّرِيعُ عَلَى لافِتَاتِ الْعَاصِفَةِ / هَذَا الْخُبْزُ وُجُوهُ الْمَطَرِ / كَأَنَّكَ أَنَا / مَنْ دَمِي ؟ / وَأَيْنَ أَيْنِي كَيْ أَرَى ؟ / أَشْبَاحُ قِطَطٍ فِي مُحَاكَمَةِ الْجَسَدِ / مُوَظَّفُونَ يَجْلِسُونَ ضَاحِكِينَ فِي أَدْمِغَةِ ثَعَالِبِ مَحَاكِمِ الْعَارِ / رَحِيلُنَا عِنْدَ الْفَجْرِ يَا أُخْتَاهُ/ وَمَلابِسُنَا تَصْطَادُ الأَرَانِبَ الْمَنْفِيَّةَ فِي أَنِينِ الْبَسَاتِينِ/ الشَّمْسُ أَقَلُّ صَفَاءً مِنْ تَوْبَةِ الْمُرَابِينَ / ضَيَّعَنِي التِّرْحَالُ فِي عُكَّازَاتِ الْمَهَا/ فَوَجَدْتُ نَفْسِي صَدِيقَاً لِلْبُرُوقِ / كَأَنَّنِي أَلْمَحُ الرَّعْدَ تُضِيءُ ابْتِسَامَاتُهُ شُمُوعَ غُرْبَتِنَا / فِي أَدْغَالِ عُيُونِ الظِّبَاءِ / تَنْتَصِبُ الْخَنَاجِرُ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَنَوِيَّةِ الْمَنْشُورَةِ فِي أَجْسَادِ الْيَنْبُوعِ الثَّوْرِيِّ / كُنْتُ الْجَسَدَ أَقْوَاسَهُ الْبَيْضَاءَ عَلَى الْحَرِيرِ الأَسْوَدِ / إِنَّ أبراجَ الكنيسةِ مِثْلُ حَواجِبِ الرَّاهباتِ / والقِرْميدُ أجراسُ الخريفِ القاتِلِ /
     مُحَاصَرٌ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ / سَأُفَجِّرُ ظِلَّ الْخَطِيئَةِ / وَأَحْرِقُ الْخَطَايَا بِالنَّدَمِ / وَأُمَزِّقُ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ عَلَى ثَوْبِ الرَّصاصةِ / وَيَكْسِرُ لَحْمُ كَلامِي أَقْفَاصَاً تَخْمِشُنِي / سَأَحْفِرُ قَبْرِي بِأَنْيَابِ مِلْحٍ مُسْتَعَارَةٍ / وَأُهَاجِرُ ضَوْءَاً لِلْيَدِ الْجَرِيحَةِ / الأَسْلاكُ الشَّائِكَةُ تَنْمُو عَلَى جِدَارِيَّاتِ أَنْفِي / وَحُجُرَاتُ الْمُعْتَقَلِ تَرْكُضُ نَحْوِي/ أُغْلِقَ عَلَيَّ/ أُرْسِلُ وَجْهِيَ الثَّانِي وَسَجَّانِي إِلَى أَرْشِيفٍ مَا/ وَأَذْهَبُ إِلَى مَالِكِ رُوحِي/
     يَا ضَوْءُ / هَل الْبَرَاعِمُ اعْتِذَارِي الْمُهَذَّبُ عَنْ حُضُورِ مَذْبَحَتِي ؟ / مِنْ كُتُبٍ تَفْتَرِسُ بَرِيقَ عَيْنِ الذِّئْبِ / يَخْرُجُ قِطَارُ الْحِبْرِ / وَيَذُوبُ فِي بِلادٍ تَبْذُرُ فِي نَظَرَاتِ الضِّبَاعِ / دُكَّانَاً لاسْتِثْمَارِ أَفْخَاذِ الْمَلِكَاتِ / أَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ فَأَرَى غَيْرِي / أَوْسِمَةُ بَشَرٍ نُسَمِّيهِمْ مُلُوكَاً / وَتُسَمِّيهِمُ الأَغْصَانُ الْبُرْكَانِيَّةُ ضَفَادِعَ / وُلِدَ غَزَالٌ أَعْوَرُ فِي الْمَقْبَرَةِ الرَّمْلِيَّةِ / وَمَاتَ فِي الْمَقْبَرَةِ الرَّصَاصِيَّةِ / وَقَضَى حَيَاتَهُ مَاشِيَاً بَيْنَ الْقُبُورِ الْمَاشِيَةِ /
     سَلامٌ عَلَى الأَنْبِيَاءِ / ضَحُّوا مِنْ أَجْلِنَا / نَحْنُ الْمُسْتَلْقِينَ سَجَّادَاً رَخِيصَاً فِي الْمَخْفَرِ الْوَحْشِيِّ / مَنْ سَيُصَلِّي عَلَيَّ صَلاةَ الْجِنَازة ؟ / الْمُرَاهِقَاتُ الْخَارِجَاتُ مِنَ الْمَسَابِحِ الْمُخْتَلَطَةِ ؟ / الْجَوَارِي الْمُسْتَحِمَّاتُ بِالْبَارُودِ الْمَغْشُوشِ لاسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ الْعَائِدِ مِنَ الْهَزِيمَةِ ؟ / عُلَمَاءُ الْبَلاطِ الَّذِينَ يُجَهِّزُونَ الْفَتَاوَى حَسْبَ أَمْزِجَةِ الشَّيْطَانِ ؟/ أَصْدِقَائِي الْمُعَلَّقُونَ عَلَى مَشَانِقِ شُرُفَاتِ الْخَوْخِ فِي حَدَائِقِ الْقَصْرِ الْمُتَفَشِّيَةِ فِي الْجَمَاجِمِ ؟ / جَارِي الْقَدِيمُ الَّذِي مَاتَ بَاحِثَاً عَنِ الْخُبْزِ النُّحَاسِيِّ وَرَأْسِ زَوْجَتِهِ فِي سِلالِ الْقُمَامَةِ ؟ / نَجْمَةُ السِّينَمَا الَّتِي تَعِيشُ عَلَى مُضَادَّاتِ الاكْتِئَابِ ؟ / رِجَالُ الأَمْنِ الْمُبَعْثَرُونَ فِي خُيُوطِ قَمِيصِي الْمُتَآكِلِ ؟ /
     أَشْرَبُ يَوْمِيَّاتِ الرَّعْدِ فَأَنْسَى هُمُومِي / مَغَارَاتُ يَدِي خُبْزٌ لِلْحَمَامِ الْمَسْلُوقِ / رَائِحَةُ الْكُلُورِ فِي قُبَّعَةِ الْمَاءِ / تَخْطُبُ دَرَجَ الْمَذْبَحِ / وَتَمَوُّجَاتِ إِبْهَامِ السَّجَّانَةِ الْعَزْبَاءِ / وَالْبَاعَةُ الْمُتَجَوِّلُونَ يَحْمِلُونَ ضَرِيحَ الْبَنَفْسَجِ / فِي أَكْيَاسٍ بِلاستِيكِيَّةٍ مُسْتَعْمَلَةٍ / وَيَطُوفُونَ بِهِ عَلَى الْكَوَاكِبِ / حَيْثُ تَأْكُلُ الْوُرُودُ لَحْمَ الزَّهَايمرِ / الزَّهْرُ لُغَةُ الثَّوْرَةِ الَّتِي تُبَدِّلُ أَسْنَانِي / وَتَرْقُصُ فِي سِينَاريُو مُحْتَمَلٍ لِتَشْرِيحِي / مِنْ أَيِّ رَحِمٍ خَرَجَتْ أَرْبِطَةُ الْجُرُوحِ ؟ / الْبَرْقُ عَلَى صَدْرِ الرَّعْدِ / يَا طِفْلَ حُفَرِ الْمَجَارِي النَّائِمَ فِي إِبْطِ مُسَدَّسٍ / دُلَّنِي عَلَى اسْمِ أُمِّي / فِي قَائِمَةِ الضَّحَايَا أَوِ الْمَفْقُودِينَ / أَنَا الْمَاءُ الْجَالِسُ فِي حِجْرِ الْيَانسُونِ / فِي مَوْسِمِ بَيْعِ نِسَاءِ الْقَبِيلَةِ / رَسَائِلُ بِالْحِبْرِ السِّرِّي إِلَى حَبِيبَتِي كَشْمِيرَ / غِيَابُ أُسْتَاذِ الرِّيَاضِيَّاتِ فِي الْمَدَافِنِ الْمُرَتَّبَةِ / جُودي فُوستر تِلْكَ الطِّفْلَةُ الضَّائِعَةُ / أَحْزَانُ فَتَاةٍ خَارِجَةٍ لِلتَّو مِنْ جَثَامِينِ الليْلِ الأَخْضَرِ / الْحَيَاةُ فِي وَطَنٍ مَيْتٍ /
     أَمِيرَ الأَنْقَاضِ / وَأَنْتَ تَتَعَشَّى مَعَ عَشِيقَتِكَ / فِي مَسَاءَاتِ كَوْكَبِ الزُّهْرَةِ / انْسَ الْبَشَرَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ غَيْرَ حِيطَانِ الزِّنْزَانَةِ لِيَمْضُغُوهَا / الْقُرَى الْمَنْحُوتَةُ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ وَجْنَةٌ لِلْكَهْرَمَانِ/ قَافِلَةُ الْمَقَاصِلِ تُخَيِّمُ فِي سُرَّتِي/ فَيَضْحَكُ زِنْدُ الشَّمْسِ مِنْ نَزِيفِي الْمُنْهَمِرِ عَلَى جَبِينِ الزَّيْتون/ كُلَّمَا حَمَّلَنِي الْغُرُوبُ مَسْؤُولِيَّةَ الأَخْذِ بِثَأْرِهِ/ اكْتَشَفْتُ أَنَّ ظَهْرِي غِمْدُ سَيْفٍ / احْتِضَارُ غَابَاتٍ مَلْفُوفٌ بِالسُّيوفِ دَاخِلَ سَجَاجِيدَ فَاخِرَةٍ فِي الْكُهُوفِ/ تَجِيءُ دِمَاءُ الشُّموسِ مِنْ بَطْنِ حَبَّةِ الرَّمْلِ /
     يَا أَنَا / أَنَا وَأَنْتَ سَوْفَ يَلْبَسُنَا مَوْجُ الأَكْفَانِ / وَنَفْتَحُ جُلُودَنَا أَمَامَ سُلالَةِ الْمَجَرَّاتِ / دَعْنِي أَتَخَنْدَقْ فِي رَقَبَةِ أَبِي / حَيْثُ وَرَّثَنِي زَهْرَ مِشْنَقَتِهِ / مَاذَا طَبَخْتِ يَا رُعُودُ لِضُيُوفِكِ الْحَامِلِينَ لِجُثَّةِ الأَرْضِ / فِي لَيَالِي الشِّتَاءِ الصَّيْفِيِّ / قُرْبَ الغاباتِ السَّائِلةِ كَعَصِيرِ الدَّمِ فِي القِلاعِ ؟ /

     وَيَخْتَفِي الْعَسَسُ فِي أَكْوَابِ الشَّايِ الْمُتَجَمِّدِ / وَيَتَبَوَّلُ نِسْيَانُ القُبُّرَاتِ عَلَى قُبُورِ الْمُلُوكِ / أَجْسَادُ الْمَوْجِ تُقَايِضُنِي / وَلا قَمْحٌ فِي أَنْفِي / تَفِرُّ السُّنْبُلَةُ مِنْ ثِقَلِ قِنَاعِهَا مُتَدَاخِلَةً مَعَ الأعاصيرِ / شَوارعُ البَحْرِ اليتيمِ / أَدُورُ في عَرَقِ النَّيازكِ / بَاحِثَاً عَن الخبزِ وَمَرَقِ الْعَوَاصِفِ / أَنَا وَالْقِطَطُ الضَّالَّةُ نُفَتِّشُ عَنْ أَشْبَاهِ الطَّعَامِ / بَيْنَ الْجُثَثِ الْمَغْلِيَّةِ جَيِّدَاً/ الْمِدْفَأَةُ الْمُكَسَّرَةُ/ والزَّمْهَرِيرُ يَقْضِمُنِي عَلَى أَغْصَانِ الذَّاكِرَةِ/ فَتاةٌ فِي قَمِيصِ نَوْمِهَا الْقُطْنِيِّ / تَدْرُسُ الْكِيميَاءَ وَفْقَ الْمِنْهَاجِ الأَجْنَبِيِّ / وأنا أَدْرُسُ كِيمياءَ دَمي في الخِيَامِ / وَأَظَلُّ أَدُورُ عَلَى جَوارِحي / أُوَزِّعُ سُخُونَةَ دَمْعِي عَلى الأغرابِ / لأَنَّ صَبِيَّ الضَّوْءِ يَرْكُضُ فِي نُخَاعِ تُفَّاحَةٍ / وَيُفَتِّشُ عَنْ جُثَّةِ أُمِّهِ فِي جُثَّةِ أَبِيهِ / ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ / قَتَلَنِي رَمْلُ الشُّهُبِ فِي رَقْصَةِ الْحِجَارَةِ / فَرَثَانِي اسْتِسْلامُ الأَمْوَاجِ لِذِكْرَيَاتِ الصَّاعِقَةِ / سَتُضَيِّعُ وَقْتَكَ إِنْ حَفَرْتَ قَبْرَكَ / وَانْتَظَرْتَ مَلَكَ الْمَوْتِ كَيْ يَأْتِيَكَ .

14‏/06‏/2017

الوردة التي لا تدوسها الأقدام

الوردة التي لا تدوسها الأقدام

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 14/6/2017

....................

(1) كُن وَردةً تَنشر عِطْرَها ، ولا يُمكن سَحْقُها تَحْتَ الأقدام .
     التَّسامحُ لا يَعْني الضَّعفَ والخضوعَ . فالتسامحُ قوةٌ وانتصار . والقيمُ النبيلة لا تَصْدرُ من الضُّعفاء ، بل تَصْدر من الأقوياء . فالضعيفُ يتحرك رَغْمَ أنفه لأنه مُضْطر وخاضع لقوى خارجية، أمَّا القويُّ فيتحرك انطلاقاً من الوازع الداخلي بدون ضغوطات خارجية . والضعيفُ يَعتبر الخيرَ سِلاحاً دفاعياً ، أمَّا القويُّ فَيَعتبر الخيرَ سلاحاً هجومياً . والضعيفُ يَنظر إلى الخير بِوَصْفه نسقاً حياتياً، أمَّا القويُّ فَيَنظر إلى الخير بوصفه حياةً قائمة بذاتها. القويُّ يُسامِح الآخرين ، ولا يَسْمحُ لأحدٍ بالتطاول عليه أو كَسْره. المحبةُ تُحيطه بهالةٍ واقية وسِياجٍ مُكَهْرَبٍ . وللأسف الشديد، فقد ارتبطَ الاحترامُ بالسَّذاجة ، وارتبطَ التسامح بالضَّعف ، وارتبطَ الإجرامُ بالقوة .
(2) الدَّمارُ أَحدُ أركانِ الحضارةِ .
     " لَوْ " لا مَعْنَى لها في سياق الانكسارِ الإنسانِيِّ والانهيار الحضاريِّ . لَوْ فَعَلَ الإنسانُ كَذا لَمَا مات . لَوْ فَعَلْنا كذا لَمَا قَامَت الحربُ . لَوْ عَمِلْنا كَذا لَمَا انهارت الحضارةُ . الإنسانُ يَمشي إلى الهاويةِ بِرِجْلَيْهِ ، والحضارةُ تَسيرُ إلى الخرابِ عَلى قَدَمَيْها. تَمُرُّ الحضارةُ بِنَفْسِ الأطوارِ التي يَمُرُّ بِها الإنسانُ : الولادة ، الطفولة ، الشباب ، الكُهولة ، الشَّيخوخةِ ، الموت . والمسافةُ بَيْنَ الانبعاثِ والانطفاءِ هي الفُسحة الزَّمنية لصناعةِ الأحلامِ أوْ إضاعتها . والدَّمارُ واقعٌ عمليٌّ ، لأنَّ الإنسانَ كائنٌ ناقصٌ . ومَهْما بَلَغَ مِنَ الذكاءِ والعَبقرِيَّةِ سيظلُّ عَقْلُه محدوداً . والبشريةُ لن تتعلم من التاريخ حتى لو حفظت التاريخَ عن ظَهْر قلب . لَم تَستفِد البشريةُ مِن أخطائها ، لأنَّ كُلَّ فَرْدٍ يعتقد أنَّه استثناء ، وَكُلَّ حضارةٍ تعتقد أنها استثناء . إنَّ الدمارَ لا يُفَرِّق بين القاعدة والاستثناء . التاريخُ يُعيد نَفْسَه بأدوات العَصْرِ الْمُعاش، والحضارةُ الإنسانيةُ مَحكومة بالفناء ، وتَتحرَّك في دائرة مُغلَقة. سَوْفَ تُكرِّر البشريةُ نَفْسَ الأخطاء ، كما يُكرِّر السياسيون نَفْسَ الأخطاء ، وَيَقُودون بلادهم إلى الدمار، لأن الإنسان والحضارة لا يتحركان بمفردهما في هذا الوجود . هناك عوامل خارجة عن إرادة الإنسان، وهناك ظروف مفروضة على الحضارة ، لا شأن للحضارة بها . لذلك ، تصبح رَدَّةُ الفِعل في أحيان كثيرة هي فِعلاً قائماً بذاته. ومهما كان حارسُ المرمى واثقاً مِن نفْسه ومن قدراته ، فلا بد أن تدخل الأهداف في مرماه ، لأنه لا يملك القدرة على صد كُل الكرات. إن الدمار والحضارة وجهان لعملة واحدة لا يمكن فصلهما . وكل حضارة تشتمل على عوامل انهيارها في داخلها ، كما أن الذبول جزء لا يتجزأ من حياة الوردة . والعبقريةُ لا تَستطيع مَنْعَ الدمارِ ، لكنها تَستطيع إدارة الدمار ، والتقليل مِن آثاره وأضراره .
(3) هُناكَ أشخاصٌ يَبْحَثُونَ عَن الكَرَاهِيَةِ لِيَتَمَسَّكُوا بالْحُبِّ .
     بِضِدِّها تتبيَّن الأشياءُ . كأننا نبحث عن ضوء الحب في الليل المظلم . ندرس الأمراض كي نتجنبها . دِرهم وِقاية خَيرٌ مِن قِنطار علاج . نعرف حدود الْحُفَر لئلا نسقط فيها . لن نعرف قيمة الشمس إلا عندما نرى القمر ، ولن نعرف قيمة القمر إلا عندما نرى الشمس . لا بد من التوازن بين العناصر . لا بد من الوقوف بين الأضداد مُتَأمِّلين ، وخاشعين لِعَظَمَةِ اللهِ . ولَن تَعْرِفَ التأمُّلَ الحقيقيَّ إلا عِندَما تَمشي في الليلِ وَحيداً . وهذا سَيَقُودُكَ إلى مَعرفةِ عَظَمَةِ الخالق تعالى . مَن أرادَ أن يُصْبِحَ فَيْلَسُوفاً فَلْيَمْشِ في الليل وَحيداً . سَيَتَّحِدُ بالأشجارِ ، وَيُعيدُ اكتشافَ ذاته ، ويَرى عَناصرَ الطبيعةِ بِقَلْبه . يُعيد بناءَ العالَم . سَيَرى الكَوْنَ الذي لا يُرَى . سَيَمْشي الأمواتُ مَعَهُ . يُعيدُ رُؤيةَ حياته كَشريطٍ سينمائيٍّ . يَعيشُ مَعَ الأمواتِ ، ويُولَد مِن جَديد . والْمُبْدِعُ هُوَ الذي يَرَى ما لا يُرى .

11‏/06‏/2017

أخطاء أيمن العتوم

أخطاء أيمن العتوم

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

مدونات الجزيرة ، 11/6/2017

.......................

رد على مقال الدكتور أيمن العتوم المنشور على مدونات الجزيرة يوم الجمُعة 2/6/2017 بعنوان ( المنصف المرزوقي ذلك المسكين )
     بدايةً،ينبغي الاعتراف بأن المتنبي هو أكبر شعراء العربية على الإطلاق،ولكن هذه الحقيقة لا تمنع من توجيه سهام النقد له. وللأسف الشديد،فقد حاول الدكتور العتوم تقديم المتنبي باعتباره معصوماً عن الأخطاء والخطايا ومُنَزَّهاً عن العيوب.وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى تَمَسُّك الدكتور العتوم بالقصيدة العمودية،واعتبارها الشكل الوحيد الذي يُعبِّر عن التراث الشِّعري العربي.وكما قِيل:وعَيْنُ الرِّضا عَن كُلِّ عَيْبٍ كَليلةٌ.
     وقد كتبتُ هذا الرد بشكل مُوجَز وسريع على شكل ملاحظات دون الخوض في التفاصيل :
     أولاً :قام الدكتور العتوم باختيار أبيات للمتنبي بشكل انتقائي تَدعم وجهة نظره،وهذا منهج اجتزائي يعتمد على الجزئيات وليس المجموع الكُلِّي.والعِبرة تكمن في الاتِّجاه العام في شِعر المتنبي الذي يتمحور حول تضخيم الذات وتعظيم الأنا العُليا.أمّا النادرُ فلا حُكم له،خصوصاً إذا عَلِمْنا أن ديوان المتنبي يشتمل على أكثر من ستة آلاف بَيت.فهل كل هذه الأبيات تَدعو إلى الحِكمة،وتُحلِّل النفس البشرية؟.بالطبع لا.
     ثانياً : وقع الدكتور العتوم في نفس الخطأ الذي وقع فيه الدكتور المرزوقي،وهو التعالي والفَوقية،وهذا واضح في كلام الدكتور العتوم:((والحقيقة أنَّ هذه القراءة العامة التي وقع فيها الأقدمون والمُحدَثون مِمّن عرضوا للمتنبي تدل على أنهم لَم يعرفوه)).فالعلماء والنقادُ الأقدمون والْمُحدَثون الذين ألَّفوا آلاف الكتب عن حياة المتنبي وشِعره على مدار أكثر من عشرة قرون_من وجهة نظر الدكتور العتوم_لَم يَعرفوا المتنبي.وَحْدَه الدكتور العتوم_الذي لَم يُؤلِّف كتاباً واحداً في النقد الأدبي وهو الحاصل على الدكتوراة في اللغة العربية _ هو الذي تَمَكَّن من معرفة المتنبي!.لسان حاله يَقول هذا.
     ثالثاً:قال الدكتور العتوم:((ثُمّ ألا يسوقُكَ قوله:وليسَ يَصِحُّ في الأَفْهامِ شَيْءٌ...إذا احْتاجَ النهارُ إلى دَليلِ، إلى قاعدةٍ بنى عليها الشافعي في فِقهه قوله:ما جادلتُ عالِمًا إلا غلبْتُه،وما جادلتُ سفيهًا إلا غلبني)).
     سياق الكلام يُشير وكأن الشافعي استفاد من المتنبي واقتبسَ مِنه.وهذا غير معقول لأن الشافعي وُلد قبل المتنبي بمئة وخمسين سنة تقريباً.كما أن هذه العبارة المشهورة تُنسَب إلى الشافعي،ولا دليل على صِحَّة هذه النِّسبة،وكُلُّ مَن يَذكرها،يَذكرها بدون مصدر،والدكتور العتوم واحد مِنهم.ولو أردنا المضيَّ مع الدكتور العتوم فإن المتنبي هو الذي أخذَ معنى العبارة،ووضعها في شِعره،وليس العكس.فاللاحق مُتأثِّر بالسابق.
     رابعاً:قال الدكتور العتوم:((لَوْ كان(أنا) المتنبي هي التي يدور عليها شِعره لمات شعره عند أناه هذه منذ زمنٍ بعيد،لأنّ كُل مَنْ يَدور حول نَفْسه يضمحل ويذوب،وَلَوْ كانت الفكرة التي بنى عليها المرزوقي مدوّنته صحيحةً لما وصلَ إلينا شِعره،ولمات بعد مئة عامٍ على أبعد تقدير)).
     هذا الكلام يشتمل على أخطاء منهجية،فليس كُل مَن يدور حول نَفْسِه يضمحل ويذوب.فمثلاً،امرؤ القَيس تَدور مُعلَّقته حَوْلَ نَفْسه ومُغامراته وغرامياته،فلماذا لَم تضمحل المعلَّقة؟.وفي عصرنا الحالي، الشاعر نزار قباني قَدَّمَ نَفْسَه كَفَحْل الفُحول،ومُحطِّم قلوب النساء،وكل شِعره يَدور نَفْسِه وتعظيم الأنا العُليا. بل إِن هناك نُقّاداً اتَّهموا نزار قباني بالنرجسية !.فلماذا لَم يضمحل شِعره؟.لقد ازدادَ انتشاراً وشُهرةً.
     خامساً:قال الدكتور العتوم:((أفلم يسأل الأستاذ المرزوقيّ نفسه لماذا عاش المتنبي إلى اليوم،ولماذا سيعيشُ إلى آخر الزمان؟إنّ الذي خلّده،وجعله يستمر هو أنّه عرفَ كيفَ يُخاطِبُ النَّفْسَ بكل تناقضاتها،ويُعرّيها بكل فضائلها ورذائلها،ويُبرِز صراعاتها المُتعدّدة)).
     إنَّ الدكتور العتوم يخلط بين انتشار الشِّعر وجَودة الشِّعر.فنقول له إِنَّ الشِّعر بطبيعته خالد لا يموت، وسيصل إلَينا عاجلاً أو آجِلاً.والتاريخُ حَمَلَ إلَينا الأشعارَ الصالحة والفاسدة على السَّواء.فمثلاً عمر بن أبي ربيعة(أوَّل مَن وَصف القِوادة في الشِّعر العربي) ما زال شِعره خالداً حتى يَومنا الحالي،وأبو نُواس( أكبر شعراء الخمرة في الأدب العربي)،وابن الفارض(شاعر الحلول والاتِّحاد الذي يُعلِن في شِعره اتِّحادَه باللهِ تعالى)، وغَيرهم كثير لا يَزال شِعرهم خالداً.أفلم يَسأل الدكتور العتوم نَفْسَه لماذا عاش هؤلاء إلى اليوم،ولماذا لَم ينقرضوا ويذوب شِعرهم مع مرور الأيام؟.
     سادساً:قال الدكتور العتوم:((ألَم يَفخر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بهذه(الأنا)حِينَ رَدَّدَ في المعركة:" أنا النبيُّ لا كَذِب،أنا ابنُ عبد المطَّلب")).
     الحديث صحيح(متفق عليه) لكنَّ الدكتور العتوم أخطأ في تفسيره،فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم لَم يَفخر بهذه (الأنا ).ومعنى الحديث:أنا النبيُّ حقاً وصِدقاً،فلا أفِرُّ من المعركة ولا أزُول.قال النووي في شرحه على صحيح مسلم( 12/ 120):((وفي هذا دليل على جواز قول الإنسان في الحرب:أنا فلان وأنا ابنُ فلان...وأشباه ذلك، وقد صَرَّح بجوازه علماء السَّلف،قالوا:وإنما يُكرَه قول ذلك على وجه الافتخار كَفِعل الجاهلية)).
     إذن،القِياس مع الفارق باطل.ولا يَصِحُّ استشهادك بالحديث النبويّ.وأينَ أنتَ من قَول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"فأنا سَيِّدُ وَلَدِ آدم ولا فَخْر"(رواه ابن حبان في صحيحه).انظر إلى تواضع النبيِّ الذي يتجلى في عبارة   "ولا فَخْر".فَحَبَّذا لو اقتدى بِه المتنبي!.وأينَ أنتَ مِن قَول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيتُم المدَّاحين فاحْثُوا في وجوههم التراب"(رواه مسلم في صحيحه).
     سابعاً:لَم يكن الدكتور العتوم دقيقاً في نقل الكلام المنسوب إلى عُمر بن عبد العزيز.والصواب ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية(9/ 184):((يُقال إنه خَطب الناسَ فقال في خُطبته:أيها الناس إِنَّ لي نَفْساً تَوَّاقة، لا تُعطَى شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أعلى منه،وإني لَمَّا أُعْطِيت الخلافة،تاقت نَفْسي إلى ما هو أعلى منها،وهي الجنة ، فأعينوني عليها يرحمكم الله)). وبالتالي،لا مجال للمُقارَنة بين طموح عمر بن عبد العزيز( الآخرة ) وطموح المتنبي ( الدنيا ).وهذا يدل على خطأ الدكتور العتوم حِين قال:((بل إن ما كان يطمح إليه المتنبي هو ذاته الذي كان يطمح إليه عمر بن عبد العزيز وهو الإمارة)).هذا كلام غير صحيح،لأن القياس مع الفارق باطل.
     ثامناً:لقد قام المتنبي بمدح كافور الإخشيدي طمعاً في الحصول على بعض المكاسب الشخصية،وحِينَ لَم يحصل عليها،قام بِذَمّه وهجائه.لقد جَمع بين مدح الشخص وذَمّه.وهذا تناقض وموقف يُسيء إلى سُمعة المتنبي قبل سُمعة كافور الإخشيدي.وحَبَّذا لو أخْبَرَنا الدكتور العتوم بتفسيره لهذا الموقف المتناقض.

     ونختم بما قاله الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن(ص 114):((رُوِيَ أنَّ عمر بن الخطاب رضي اللهُ عنه وَصَفَ زُهَيراً فقال:كان لا يَمدح الرَّجُلَ إلا بِما فيه)).وهذا يدل على الفرق الجوهريِّ بين زُهَير بن أبي سُلمى والمتنبي ، دون عَقْد مُقارَنة شِعرية بينهما.لذلك، يجب ألا تنفصل شخصية الشاعر عن شِعره. فالشِّعر رسالة، والشاعرُ حامل هذه الرسالة.والهدفُ النبيلُ لا بُدَّ أن يَكون طريقُه نظيفاً،والغايةُ لا تُبرِّر الوسيلةَ .

08‏/06‏/2017

ميخائيل شولوخوف والواقعية الاشتراكية

ميخائيل شولوخوف والواقعية الاشتراكية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 8/6/2017

.......................

     وُلد الأديب الروسي ميخائيل شولوخوف ( 1905_ 1984) لأب مزارع وأم أوكرانية . وأمضى معظم حياته في قريته " فيوشينسكايا "، التابعة لإقليم روستوف في جنوب روسيا . وصارت قريته هي الفضاء الفكري والأدبي لكافة أعماله . تأثَّرَ ببيئته وقَومه ، وهُم مجموعات من المقاتلين جاء بها القيصر كي تَحرس الحدود الجنوبية للإمبراطورية الروسية ، فأسَّست أخلاقياتها ، وكرَّست أدبَها الشعبي وعاداتها وتقاليدها .
     لم يُكمِل شولوخوف دراسته الابتدائية ، وعاش الفترة ( 1918_1924) في إقليم روستوف ، حيث كانت المنطقة تحت سيطرة الجيش الأبيض الذي أراد الإطاحة بثورة البلاشفة .
     في عام 1924 ، سافر إلى موسكو لِيُجرِّب مختلف الأعمال ، ويُمارس حَظَّه في الكتابة والنشر والتعرف على الوسط الأدبي . وبعد عامين، عاد إلى موطنه الأصلي، ولم يُفارقه حتى وفاته. وفي عام 1932 ، انضم إلى الحزب الشيوعي السوفيتي. وفي عام 1934، أصبح عضواً في اتحاد الكُتَّاب .
     بدأ شولوخوف الكتابة وعمره 17 سنة.وأوّل كتاب نشره هو "حكايات الدون" ( 1926). وهو مجموعة قصص قصيرة عن أحداث الحرب الأهلية في روسيا ومآسي شعبه،حيث انتشر القتل،وتَمَّ تشريد ملايين البشر ، ودُمِّرَت الروابط الاجتماعية للشعب الروسي ، وانهارت تقاليده القَومية.وظهرت القَسوة والعنف الهائل بين الأطراف المتقاتلة في الحرب الأهلية . وقد أجمع النقاد الأدبيون على أن هذه القصص تدلان على الموهبة المتألِّقة للمؤلف الشاب .
     وفي عام 1926 ، انهمك في تأليف الجزء الأول من روايته الملحمية " الدون الهادئ "، وأكمل الجزئين الأول والثاني لروايته عام 1927 ، وتم نشرهما في مجلة " أكتوبر " بموسكو. وقد راجت في تلك الفترة افتراءات تزعم أنه ليس مؤلف الرواية ، وإنما استحوذ على مخطوطة كاتب مغمور . لكنَّ شولوخوف لم يهتم بهذه الافتراءات،وعكف على تأليف الجزء الثالث للرواية،ونشر مقتطفات منه في المجلات الأدبية ، ووصف في أحد فصوله انتفاضة سُكان منطقته ضِد حملة سلبهم حقوقهم ، مِمَّا أدى إلى وقف نشر الكتاب. لكنَّ ستالين الذي قرأ فصول الرواية في مجلة أدبية ، أرادَ أن يلتقيَ الكاتبَ الشاب، وقام الكاتب مكسيم غوركي بإعداد اللقاء الذي جرى عام 1931 في منزله بموسكو. وقد أيَّد ستالين شولوخوف في طموحاته الأدبية،مِمَّا مَكَّنه من استئناف نشر الرواية بعد حذف المقاطع حول الحملات الإجرامية الموجَّهة ضِدَّ سكان منطقته وأبناء قَوميته.
     تتكلم رواية " الدون الهادئ " المكوَّنة من أربعة أجزاء ( صدر الجزء الأول عام 1928 ) عن التطورات العاصفة التي حصلت في روسيا خلال الحرب العالمية الأولى ، وسقوط القيصرية وقيام الثورة البُلشفية ، وتنتقل الأحداث من مكان إلى مكان ، وكيف كان يعيش المواطنون بجوار نهر الدون الهادئ القريب من نهر الفولغا الذي يقسم الأراضي الروسية إلى شطرَيْن. ثُمَّ تبرز أحوال القائد المتغيِّرة بسبب قُربه أحياناً من حبيبته التي كانت متزوجة من أحد أفراد سَرِيَّته ، التي كان يُشرف عليها ويَقودها . وتواصل الرواية سرد معاناة الشعب الروسي من الحصار للقُرى ، وقتل الشيوخ والأطفال على يد الجيش الغازي ، واستمرار صمود الجيش الأحمر السوفيتي . وقد صدر الجزء الرابع من الرواية عام 1940 ، وتضمَّن تمرُّد بطل الرواية على النظام ، وعدم قبوله بالحكم البُلشفي ، فتعرَّض شولوخوف لهجمات كثيرة من النُّقاد . لكن ستالين لَم يسمح باعتقاله . وقد لاقت الرواية رواجاً هائلاً في السينما ، فتمَّ تحويلها إلى فيلم سينمائي أكثر مِن مَرَّة .
     تتجلى أهمية شولوخوف في قدرته العالية على تصوير الشُّخوص ، والغَوص في تفاصيل الأحداث ، كما أن التوقيت الذي ظهر فيه زاد من أهميته ككاتب . كما أنه رَفض الخضوع لإملاءات السُّلطة السياسية، ودافعَ عن حُرِّية الإبداع، وأنقذَ الكثيرين من ضحايا القمع الستاليني. وقد انتقدَ ستالين شخصياً، مِمَّا أثار الدهشة من جُرأته وشجاعته، خصوصاً أن ستالين تركه يَفعل ما يَحلو له. وهذه التصرفات كانت تُؤدِّي في الاتحاد السوفيتي إلى حبل المشنقة بتهمة الخيانة العُظمى.
     عمل شولوخوف خلال الحرب ضد ألمانيا النازية ( 1941_ 1945) مراسلاً عسكرياً ، مِمَّا ساعده في كتابة فصول روايته " إنهم قاتلوا في سبيل الوطن " التي لَم تكتمل .
     ومن أبرز أعماله الأدبية: روايته القصيرة" مصير إنسان " التي تُعتبَر تُحفة أدبية صغيرة الحجم، هائلة العُمق والألم والمأساوية . إنها تروي قصة إنسان بسيط أضاعت الحرب كل ما اعتزَّ بِه في حياته : الأسرة والمنزل والأقارب والأصدقاء ، لكنها لم تتمكن من تركيعه وإهانته .
     فاز شولوخوف بجائزة نوبل للآداب عام 1965 ، وكان مجموع ما طُبع من أعماله في الاتحاد السوفيتي وفي عشرات اللغات ، قُرابة 80 مليون نسخة .

     وقد اعْتُبرت كتاباته النموذج الأمثل للواقعية الاشتراكية ، وهو تيار من تيارات الواقعية ، ظهر رسمياً في الاتحاد السوفيتي في ثلاثينات القرن العشرين ، وانتشر فيه ، وفي الدول الواقعة تحت تأثيره ، وكان التيار الموصَى بِه بشكل إلزامي ، وكان له ارتباط بالأيديولوجية والدعاية والترويج ، ويُركِّز بشكل أساسي على دور الفقراء والطبقة الكادحة في الحياة والآداب والفنون .

04‏/06‏/2017

مقتل مصارع الثيران / قصيدة

مقتل مصارع الثيران / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

     كَانَتْ بَرَامِيلُ النِّفْطِ تَسْبَحُ فِي نَزِيفِهَا / يَقُولُ لِيَ النَّدَى الْمَبْحُوحُ : (( خُذْ جُمْجُمَتِي وَارْبَحِ الثَّانِيَةَ مَجَّانَاً )) / أَقُولُ لِلنَّدَى الْمَنْثُورِ فِي رِيشِ النُّسُورِ : (( هَنِيئَاً لَكَ صِرْتَ بِرْمِيلَ نِفْطٍ ! )) /
     يُعْجَبُ ثَوْرُ الْقَحْطِ بِاحْمِرَارِ دَمِهِ الزَّيْتِيِّ / عَلَى الرَّايَاتِ الْمُنَكَّسَةِ / فِي طُحَالِ الْقَتِيلِ / إِنَّ أَجْسَادَ السُّحُبِ الذَّبِيحَةِ جُمْهُورٌ فِي الْحَلَبَةِ / وعَلَى شَفَتَيْكِ يَا سَيِّدَةَ الْمُشَجِّعَاتِ دُموعُ الزَّيتون /
     وَانْطَلَقَ ثَوْرٌ عَلَى أُذُنَيْهِ كُلُّ الابْتِسَامَاتِ / الَّتِي جَاءَتْ مِنْ وُقُوفِ سَيِّدَةٍ خَرِيفِيَّةِ الْغُبَارِ عَلَى سَارِيَةِ الْعَلَمِ الْمَكْسُورَةِ / وَالظَّلامُ لِلْبُكَاءِ صُورَةٌ / تَذْكِرَةٌ مُمَزَّقَةٌ عَلَى كَتِفِ رَجُلٍ يَدُورُ حَوْلَ غِرْبَالٍ مَرَّ فِي أَنْفِ جَرَادَةٍ / مَلابِسُهَا عُصُورٌ مِنَ الأَنْهُرِ الْمُتَزَوِّجَةِ حَدِيثَاً / رَجُلٌ مَاتَ خَلْفَ أَحْجَارِ الْبُحَيْرَاتِ / الَّتِي تَتَثَاءَبُ عَلَى ظُهُورِ الثِّيرَانِ الْمُنْدَهِشَةِ ضَيَاعَاً / عِنْدَمَا يُبَدِّلُ النِّسْيَانُ جِلْدَهُ فِي كُوخِ التُّوتِ /
     كُنْ أَجْمَلَ الضَّحَايَا فِي الْوَطَنِ الْخَرَابِ/ قَتَلْنَاكَ مِثْلَمَا تُقْتَلُ الْكِلابُ الْمَسْعُورَةُ/ بَعْدَ أَنْ تَحْلِبَهَا الدِّيدَانُ الْمَذْعُورَةُ / فِي الْبُسْتَانِ الْحَدِيدِيِّ / وَتَخَلَّيْنَا عَنْ جَفْنَيْكَ يَوْمَ احْتَجْتَ رُمُوشَنَا / ثُمَّ تَقَاسَمْنَا مَلابِسَكَ الْمُلَوَّنَةَ كَالْحَرَائِقِ / عُيُونُكَ أَضْوَاءُ سَيَّارَاتٍ مُعَطَّلَةٍ فِي مُنْعَطَفَاتِ وَرِيدِ الزَّنْبَقِ / وَالنِّيلُ حِيطَانُهُ صَمْغُ الأَشْجَارِ الْمُحْتَرِقَةِ / لا عَرَقٌ حَوْلَ عَرَقِي وَلا صَهِيلٌ / لَهْجَةُ الْخِرَافِ تَتَكَسَّرُ فِي الْبَرَاكِينِ ضِحْكَةً لِغِيَابِ النَّخِيلِ / مَا جِنْسِيَّةُ خِزَانَاتِ الْعَوْسَجِ فِي أَوْعِيَةِ الْمِيَاهِ الْمُلَوَّثَةِ بِالْمَلِكَاتِ ؟ /
     لا ذَبْحَتِي الصَّدْرِيَّةُ تَعْرِفُ الْجَوَابَ / وَلا الْبُرُوقُ الْمُخْضَرَّةُ / وَلا الْبَابُ الصَّامِتُ / رِعشَةُ قَلَمٍ تَمْتَصُّ الأَحْبَابَ / لَمْ يَبْقَ عِنْدَ قَبْرِي إِلا كَلامُ الْحِجَارَةِ السَّاكِتُ / وَتَنْمُو أَعْمِدَةُ الليْمُونِ فِي أَسْنَانِي / رَكْضَاً فِي أَفْلاكِ رَحِيلِ الْمَصَابِيحِ / وَالْحُزْنِ الْمُدَجَّنِ / وَالْحَطَبِ الْجَرِيحِ / أَنَا وَالرَّعْدُ نَجْمَعُ الْجَرَائِدَ فِي الرِّيحِ / امْرَأَةٌ تُبَاعُ / وَطَنٌ يُبَاعُ / يَقْضِمُ نَسْرُ الْقَوَافِي مَوْجَ الضَّيَاعِ / وَتتزاوَجُ الْفَرَاشَاتُ الزَّهْرِيَّةُ فِي مَعِدَةِ الْجِيَاعِ /
     شَيَّعَتْ سُنْبُلَةَ الرَّعْدِ زَلازِلُ الْجَسَدِ / أَتَفَرَّسُ فِي وُجُوهِ الْحَمَامَاتِ/ قَدْ أُذْبَحُ فِي يَوْمٍ مُشْمِسٍ مُلائِمٍ لِلرِّحلاتِ الْمَدْرَسِيَّةِ / أَنْ تَرْجِعَ إِلَى كُوخِكَ النُّحَاسِيِّ / فَلا تَجِدُ سِوَى مَقَاصِلَ مَزْرُوعَةٍ عَلَى الْحِيطَانِ كَالْبَرَاوِيزِ الرَّخِيصَةِ / أَعْقَابُ الْبَنَادِقِ فِي خَيَاشِيمِ الطَّاعُونِ / الليْلُ أَشْقَرُ / فَتَصْعَدُ مِنْ صِيَاحِ الأَوْحَالِ حَمَامَةٌ نَحْوَ مَجْزَرَةِ الرُّوحِ /
     يَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ الصَّاعِدُ إلى السَّماءِ بِلا صَلْبٍ / النَّازِلُ مِنَ السَّماءِ لِكَي تَكْسِرَ الصَّليبَ / لَمْ يَصْلُبُوكَ عَلَى خَشَبَةِ عَارِهِمْ / لَكِنَّ الْجَرَادَ الْوَطَنِيَّ فِي أَعْوَامِ التُّفَّاحَاتِ الْمُرْتَعِشَاتِ / صَلَبَنِي عَلَى كُلِّ أَخْشَابِ السَّنَاجِبِ الْمُنْطَفِئَةِ / هُنَاكَ مُذَنَّبٌ فِي أَقْصَى رَغْبَةِ الرَّكْضِ اللانِهَائِيِّ / فِي مَدَارَاتِ الْمَرْفَأ الْمُحَاصَرِ / وَأَنْوَارِ الْحَجَرِ الْمَخْدُوشِ / أُخْتُ الْبَارُودِ تَزُورُ النَّبَاتَاتِ الْمُتَسَلِّقَةَ عَلَى شَظِيَّاتِ عَوْدَةِ الْجَيْشِ الْمَهْزُومِ / الْوَحْلُ الْمُتَنَاقِضُ / وَالْجِلْدُ الْمَغْرُورُ / كَوْمَةُ صُخُورٍ سَامَّةٍ فِي لَهَبِ الشُّعْلَةِ الأَبْيَضِ / يُكَنِّسُ الشَّهَادَةَ الْجَامِعِيَّةَ لِلإِجَاصِ الْيَتِيمِ / وَالْهُوِيَّةَ الْعَسْكَرِيَّةَ لِلنَّحْلاتِ الْمُتَقَاعِدَاتِ/ تَحْتَ أَظَافِرِ الْمَسْجُونِينَ الْمُبَعْثَرَةِ أَعْلامَاً مُنَكَّسَةً / سَرَايِيفُو جِلْدٌ أَخْضَرُ لِلشَّلالِ الْمُتَّكِئِ عَلَى غِمْدِ قَمْحَةٍ / تَسْتَصْلِحُ قُلُوبَ الطَّرِيقِ الصَّخْرِيِّ / كَقَلْبِ يَهُودِيَّةٍ سَمَّمَت النَّبِيَّ /
     يَا رَاحِلِينَ إِلَى لافِتَاتِ مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ فِي دَهَالِيزِ الْبَنْكِرْيَاسِ / اسْتَرِيحُوا عَلَى عَتَبَاتِ الْقَشِّ / الَّذِي يُغَنِّي عَلَى سِكَّةِ حَدِيدٍ مَهْجُورَةٍ / نَصَبَتْهَا الْغِزْلانُ فِي رَائِحَةِ تَوَارِيخِ الأَنْهَارِ/وَطَنُ الْمَنَافِي عِنَبٌ هَلْ جَرَحْتَنِي ؟/ عُمْرِي يَمَامَةٌ مَخْنُوقَةٌ فِي مَتْحَفٍ مَهْدُومٍ / وهذا الشَّلالُ حَارِسي الشخصيُّ /
     يَا نَبِيَّاً قَبَّلَتْ عِمَامَتَهُ الْعَالِيَةَ نَجْمَاتُ الْقَلْبِ / مُدَّ يَدَيْكَ الطَّرِيَّتَيْنِ اللتَيْنِ نَبَعَ مِنْهُمَا الْمَاءُ / لِتَسْقِيَ صَحْرَاءَ مَلامِحِنَا وَأَجْسَادَنَا الْحَجَرِيَّةَ / إِنَّنَا أَمْوَاتٌ / انْتَشَلْنَا دَمَنَا مِنْ شَرَايِينِ أَرْضِنَا / فَانْتَشِلْنَا مِنْ أَكْوَامِ الْعَارِ الرَّمَادِيِّ / كَيْ نَتَدَاخَلَ مَعَ صَهِيلِ الرِّيَاحِ فِي الْغَزَوَاتِ / وَالسَّلامُ عَلَيْكَ أَيَّامَ جِئْتَنَا وَسَكَنْتَ فِينَا / أَيُّهَا الشَّاهِدُ الشَّفِيعُ الْغَيْثُ فِي ضَوْءِ عُيُونِنَا /
     دَخَلْتُ فِي عُزْلَةِ الْعَوَاصِفِ / خَرَجْتُ مِن اكتئابِ الشُّطآن / وِسَامُ مَعِدَتِي فَوْقَ أَسْمَاءِ الْعَاجِ الْمَخْدُوشِ / تَفَضَّلْ أَيُّهَا الْوَطَنُ الْمُخَصَّصُ لِلْمُرْتَزِقَةِ / تَفَضَّلْ / اقْتُلْ فَرَاشَ الزُّرْقَةِ الْمَأْسُورَةِ / اطْمَئِنْ / فَلَنْ تَتَحَدَّى الذِّكْرَيَاتُ عَبَاءَةَ الكَرَزِ / يَحْتَلُّنِي عِشْقُ الْمَجَرَّاتِ فِي خَرِيرِ عُرُوقي / يُفَصِّلُ عُنْفُ الْكَهْرَمَانِ اكْتِئَابَاً عَلَى مَقَاسِ حِيطَانِنَا / مِئْذَنَةٌ يَنْفَجِرُ فِيهَا قَلْبِي وَلا تَنْفَجِرُ / يَرَانِي الشِّتَاءُ الْمُبْتَلُّ بِأَقْوَاسِ النَّصْرِ / فَأَرَاهُ كَي يُقَبِّلَ تَصَحُّرُ الليْلِ شَرَايِينَ الْمَذْبَحِ/ وَهِيَ تُضِيءُ لِلطُّيُورِ الْمُهَاجِرَةِ وَجْهِي / وَجْهٌ لِلْغَيْمِ يَمْتَصُّنِي / أَفِقْ شَجَرَاً حَضَنَتْهُ الْقَنَادِيلُ / أَمْشِي إِلَى وَجْهِي / فَيَرْفَعُنِي عَلَى ظَهْرِِ الْقِطَارِ / مَضَت السِّيَاطُ إِلَى حُفْرَتِهَا / اغْرِسْنِي في رَعْدِ الْكَلامِ / سَوْفَ أَمْشِي إلى حُفْرتي / كَي أَبْكِيَ عَلَى أَسْمَاءِ الْبَلابِلِ / فَوْقَ مِيَاهٍ تَحْتَلُّ اسْمِي / وَلا أَمْضِي إِلَى حَيْثُ أَرَادَتْ طُفُولَةُ الْوَحْلِ / مَمْلكتي المنهارةُ خَارِجَ أُنُوثَةِ الْخَوْخَةِ الْمُتَرَنِّحَةِ / والرَّصيفُ مَجْهولٌ / والمكتبةُ خَالِيةٌ مِنَ الْغَيْمِ /
     إِنَّ دَمِي خَالٍ مِنَ التَّوابِلِ / لَكِنَّ أوْردتي دَخَلَتْ بِالْخَطَأ في رَائحةِ الكاوتشوكِ قُرْبَ جِرَاحِ المساءِ / وَالسَّنابلُ تُعَسْكِرُ فِي مِضَخَّاتِ الْمِيَاهِ / الْعَرَاءُ الْمُرْتَعِشُ عَلَى ثِيَابِي / تَرَى شُجَيْرَاتُ الثَّلْجِ مَا لا أَرَاهُ / أُعَانِقُ مَا لا تَرَاهُ الْبُرُوقُ فَأَنْسَاهُ / مِدْخَنَةُ لَيْلِي أَفَاقَتْ / اسْتَفِقْ زُمُرُّدَاً / جُسَّ نَبْضَ الطُّوفَانِ / هَلْ أَنَا حَدِيقَتِي ؟ / جَاءَتِ السِّكِّينُ فِي الْعَرَبَاتِ الْمُذَهَّبَةِ / لأتذكَّرَ عَناوينَ السُّنونو فِي مَكْتَبِ الْبَرِيدِ /  الزِّلْزَالُ يَتَغَطَّى بِالذِّكْرَيَاتِ الَّتِي تَمْضِي / لِحَافِي أَقْصَرُ مِنْ حَبْلِ رَقْصٍ عَلَيْهِ سَرِيرُ الْمَجْزَرَةِ / عَلِّمْنِي طَرِيقَةَ الْبَرَاكِينِ فِي الْبُكَاءِ الْكَهْرَمَانِيِّ / أَتَى الْعُمْرُ / ذَهَبَ الْبَرْقُوقُ إِلَيْهِ مُمْتَطِيَاً عُودَ مِشْنَقَةٍ / بَنْكِرْيَاسِي دَرْبِي / وَيَحْتَسِي الْغُصْنُ المكسورُ شُوربَةَ الْعَدَسِ المخصَّصةَ للأيتامِ / هَلْ تَسْمَحُ أُسُودُ اللوزِ لِلْمَرْعَى بِأَنْ يَرْكُضَ فِي جِنَازَتِي ؟ /  
     تَبْحَثُ الرَّاقِصَاتُ الزُّجَاجِيَّاتُ عَنْ تَذَاكِرِ الْحَفْلَةِ / وَأُفَتِّشُ عَنْ رَأْسِ أَبِي الْمَرْمِيَّةِ فِي الآبَارِ الْجَوْفِيَّةِ / تَشُكُّ الصَّحْرَاءُ في بَريقِ الْبَنَادِقِ الْجَدِيدَةِ / وَأَنَا أُعَلِّمُ شَكَّ قَوْسِ قُزَحَ أَنْ يَتَيَقَّنَ مِنْ مَمَاتِي / امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَيَّ لَحْظَةَ إِعْدَامِي الرُّومَانسِيِّ / جَسَدٌ الضَّوْءُ تَثْقُبُهُ الرِّيحُ الْعَارِيَةُ / وَتَضُمُّهُ النِّسَاءُ الْمُتَّشِحَاتُ بِالسَّوَادِ / فِي أَوْدِيَةِ القُلُوبِ غَيْرِ الْمُكْتَشَفَةِ / يَرْفُضُ غَيْمُ بِلادِي أَنْ أُدْفَنَ فِيهِ / يَتَكَدَّسُ الْبَارُودُ فِي ثُقُوبِ زَفِيرِي / فَيَنْهَارُ انْهِيَارِي قُرْبَ جُثْمَانِي / وَأَسْأَلُ الأَرْضَ / أَيْنَ اسْمُكِ أَوْ سُؤَالِي ؟ / ادْفِنِينِي فِي أَيِّ قَلْبٍ مُهَاجِرٍ / فِي جَبِينِي صَلاةُ النَّوَارِسِ / وَالْمَحَارُ يَمْنَحُ اسْمَهُ لِذُرِّيةِ الْيَاسَمِينِ / وَكَما تَدْخُلُ الْحَيَوَانَاتُ فِي بَيَاتِهَا الشَّتَوِيِّ / تَدْخُلُ أَرْصِفَةُ جِرَاحِ النَّسْرِ فِي اكْتِئَابِهَا الْمَوْسِمِيِّ وَخِيَانَاتِ الْمُلُوكِ / سَأبكي تَحْتَ شَمْسِ الدِّماءِ وَحِيداً/ لا جَدائِلُ أُمِّي سَتُغَطِّي ضَريحي/ ولا عُكَّازةُ أبي سَتُحَنِّطُ رُموشي في البَراويزِ/ أيها النَّهْرُ الأعْرَجُ/ أنا رَاحِلٌ/ فاحْرُسْ نارَ القَبيلةِ / واتْرُكْ طُبولَ الحربِ في مَتْحَفِ الإِمَاءِ/ سُعالي مِنْطقةٌ عَسْكريةٌ/ فازْرَعْ أبراجَ الحِرَاسةِ بَيْنَ أصابعي / سَوْفَ تَجْلِسُ الكِلابُ البُوليسيةُ على عُروشِ الرَّمْلِ / وتظلُّ الصَّحْراءُ عَزْباءَ في مَوْسِمِ التَّزاوُجِ / وتظلُّ عُرُوقي وَحيدةً في مَوْسِمِ التكاثُرِ /

     كُلُّ شَيْءٍ يَتَغَيَّرُ فِي هَذَا الْجُنُونِ / أَلْوَانُ رَبطَاتِ الْعُنُقِ لِلْقَوَّادِينَ فِي مُسْتَوْدَعَاتِ الْمِينَاءِ / عَنَاوِينُ بَائِعَاتِ الْهَوَى فِي أَكْيَاسِ الشَّايِ/ أَنْوَاعُ الآلاتِ الْحَاسِبَةِ لِلْمُرَابِين/ لَوْنُ عُيونِ الْعَبِيدِ / وَهُمْ يَتَسَلَّقُونَ أَعْضَاءَ نِسَائِهِمْ / كَيْ يَصِلُوا إِلَى الْوِزَارَاتِ فِي مَمْلَكَةِ الضَّفَادِعِ / انْتِمَاءُ النَّرْجِسِ إِلَى مِيَاهِ الرَّعْدِ النَّيْئَةِ / تَنُّورَةُ سكرتِيرَةِ الطَّبِيبِ النَّفْسِيِّ / الْخَشْخاشُ في كَنائِسِ القُرونِ الوُسْطى / مُزِيلُ الْعَرَقِ لِلاعِبَاتِ التِّنِسِ الأَرْضِيِّ / أَوْقَاتُ انْتِحَارِ مَارِي أَنطوَانِيت فِي آبَارِ الرَّقْصِ / لَوْنُ قُبَّعَاتِ الْبَنَاتِ فِي جَامِعَةِ كَامبرِدج / حَيْثُ يُلْقِي نيوتُنُ آخِرَ مُحَاضَرَاتِهِ .