سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/03‏/2017

الحضارة المحنطة في الدموع / قصيدة

الحضارة المحنطة في الدموع / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........

كَالعُصفورِ الأَعْمى الذي يَتَحَسَّسُ تَضَارِيسَ زَوْجَتِهِ عِندَ الجِمَاعِ / كَانت الحضارةُ / تُدَخِّنُ الأشجارُ تاريخَ الذئابِ / وَالقُبورُ هِيَ فَوْضى العَسْكَرِ / تُصَوِّبُ الرِّمالُ نُباحَها بِاتِّجاهِ قَوَافِلِ البَدْوِ الرُّحَّلِ/ الرَّحيلُ يُطَوِّقُ تِلالَ المطرِ/ يَمْشي ضَريحي تَحْتَ أَعْمدةِ الكهرباءِ في الوَطَنِ المنْطَفِئِ / فَلا تَكْرَهْني يا أَبِي / لَم أُحَقِّقْ أَحْلامَكَ المكْسُورةَ / أنا المسافِرُ بَيْنَ سُيوفِ التَّتارِ وَخَناجِرِ الأعرابِ /
أَتَقَلَّبُ عَلى صُراخِ الجليدِ/ سَتَمُرُّ في قَارورةِ الحِبْرِ سِكَّةُ حَدِيدٍ / وَتَسقطُ طائرتي الوَرقيةُ في أَوْراقِ الخريفِ / والبَنادقُ تَعْرِفُ بَصْمَةَ أَجْفاني / خَزَّنْتُ دُموعي في حَقيبةِ السَّفَرِ / خَبَّأْتُ أَكفانَ أُمِّي في أَزْرارِ قَميصي / صَادقتُ الحمَامَ الزَّاجِلَ / الذي يُوصِلُ رَسائِلَ أَراملِ الجنودِ / والبَحرُ لا يَدْخُلُ إِلى قَفَصي الصَّدْريِّ إِلا بِتصريحٍ رَسْميٍّ / لَسْتُ رَصَاصَتي كَي تَخُونوها / وَلَسْتُ أُغْنيتي كَي تُعْدِمُوها/ لُغتي تَصْعدُ مِن الحروفِ المقْتولةِ / أَساقفةُ الرَّمادِ يَحْتفلون في سَفينةٍ تَسْحَقُ مِشنقةَ صَقْرٍ / وَعَرَباتُ الشِّتاءِ الزَّرقاءُ تَغْزِلُ دَمْعاتي رَصَاصَاً / أظافري المشقَّقةُ سَريرٌ للشَّجرِ العاجزِ جِنْسياً / وَتِلْكَ أَوْصالُ قِطَّتي المشْنوقةِ /
يَا دَمْعةً تتأرجحُ في أَحْداقِ اليَتامى / لا فَراشاتٌ تَمْسَحُكِ / ولا تِلالٌ تَحْرِقُكِ / يَا طِفْلاً يَذْهبُ إلى المقْبرةِ بِلا كَفَنٍ / لا أَمْطارٌ تَغْسِلُكَ / ولا حَقيبةٌ مَدْرسيةٌ تَضَعُ فِيها أشلاءَكَ /

تَجْري الصَّحاري في عُروقي نَخيلاً لِلمُشرَّدين / وغاباتُ القلوبِ المكْسورةِ حَطَبٌ / تَنْهَشُهُ مَواقدُ العُشَّاقِ في الشَّتاءِ الدَّمويِّ / يَا رَاعي الغَنمِ الذي يُوَقِّعُ على مَرْسومِ إِعدامِ البَراري / لماذا تَرْمي شَرايينَ البُحيرةِ في أَقْبيةِ الفِئران ؟ / الرَّصاصُ الْحَيُّ / وَالوَطَنُ الميْتُ / أَصْعَدُ أنا والأضْرحةُ مِن وَهَجِ نَزيفِنا / نُعَانِقُ دِيكَ الصَّباحِ / نَلُفُّ على نَزيفنا حَشائشَ الزُّقاقِ وَضَوْءَ الشُّموعِ / لَم يَأْتِ الجنودُ المهزومون كَي يُنقِذوا قِطَطَ الشَّوارعِ / كَانوا يُجَرِّبون الأوسمةَ المعدنيةَ / كَي يَعْرِفُوا الوِسامَ الذي يُناسِبُ لَوْنَ القَميصِ / البابُ مَفْتوحٌ عَلى ثُلوجِ اللهبِ / والهواءُ يَتجدَّدُ في زِنزانة الموْجِ / وَقُيُودي تَتجدَّدُ مِثْلَ جِلْدِ المطرِ/ الحضارةُ ثَعْلَبُ الخديعةِ/ تَصْنعُ السُّيولُ مِن فِرَائه حَقائبَ للسَّيداتِ الرَّاكضاتِ في أسواقِ النِّخاسةِ / هَل مَوْتُ الفَراشةِ انتحارُ الذُّبابِ الرُّومانسيُّ ؟ / لَم يَأْتِ أطفالُ الشَّوارعِ / كَي نَدْرُسَ تَعاليمَ الزِّنزانةِ في الوَطَنِ الضَّائعِ / عَبَّدُوا حُقُولَ الجنونِ / لَم يَلْمَعْ رُفاتُ النَّخيلِ في الصَّهيلِ / وَلَم يَظْهَرْ وَرَثَةٌ لِلبَحْرِ / فَلْتَكُن التَّرِكَةُ في جَيْبِ السُّلْطانِ ! / سَتَلْمَعُ أَجنحةُ النُّسورِ في شَهيقي / وَتُلَمِّعُ دُموعُ أَبي خَنْجَرَهُ .

28‏/03‏/2017

عصفورة تبكي اسمها الأرض / قصيدة

عصفورة تبكي اسمها الأرض / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد 

..................

    قُيُودي ثُلوجٌ أَنْجَبَها ضَوْءُ الموْقَدةِ في كُوخِي المهْجورِ / دَخَلَ الصَّنوبرُ إِلى السِّجْنِ / وأَوْرِدَةُ الزَّوْبعةِ تَزَوَّجَتْ أسْفلتَ الذاكرةِ / تُولَدُ شُموسي مِن أنيابِ الحِيطانِ/ التي تَقْتَرِبُ مِن مَزْهرياتِ الوَدَاعِ/ سَتَأْتي الرِّياحُ لِتَبِيضَ / كالأقفاصِ كانَ اللمعانُ الغامضُ للأمطارِ / يَكْتبني تاريخُ الغاباتِ المحتضرةِ / أَتذكَّرُ الفُقراءَ الوَاقِفِين أَمَامَ قَبْري / يَنْتظرون قُدُومَ الرَّبيعِ مِن قَلْبِ الخريفِ /
     تَتَسَاقَطُ أَوراقُ المجرَّاتِ في الخريف / تَتساقطُ لُحُومُ السُّجناءِ في المجرَّاتِ / وَالشَّجَرُ يَحْمِلُ سِيَاطاً مَطْلِيَّةً بالذهبِ / وَالصَّوْلجانُ في يَدِ النَّهْرِ / فَارْحَمْني يَا مَاءَ الأحزانِ المقطَّرَ/ يَسْمَعُ البَرْقُ صُراخَ الجدرانِ / وَكُلَّما حَطَّت الزَّنازينُ عَلى سَوَاحِلِ دَمي / ازدادتْ رُومانسيةُ البَعُوضِ / أَدْخُلُ في عُزْلةِ المطرِ / فَتنتقمُ شَراييني مِن جِلْدي / كَما يَنتقمُ الحمَامُ مِن قُضْبانِ سِجْني /
     مُوسِيقى تَصْوِيريةٌ لِلمَذْبحةِ / سَيُنَظِّفُ الزِّلْزالُ شَاهِدَ قَبْري / عِندما يَتعكَّرُ مِزاجُ الغُبارِ / وفي عَرَقي الثاني تُولَدُ الزَّنازينُ والذبابُ والمخْبِرُون / اتْركوا دَمِي مِصْباحاً للأراملِ الصَّاعِداتِ مِن عِظامِ الفَجْرِ / سَلامٌ عَلى شَجَرةٍ تَنتظرُ زَوْجاً / كي يَبْكِيا في لَيْلِ المنافي / وَالنَّجْماتُ المتَّشحاتُ بِالسَّوادِ خَيْمةُ الفُقراءِ / قَمْحةٌ تَضَعُ عَلى تابوتها مَغارةً لِلْحَشَراتِ العَاشِقةِ / والعواصفُ تَقْتفي آثارَ النَّخْلِ في أشلائي / بِلادٌ تَبْحثُ عَن عَلَمٍ تَكُونُ فِيه الدِّماءُ خُطُوطاً هَنْدسيةً / وَجُثتي تَقُودُ ثَوْرَةَ اليَمامِ /
     تَرْكضُ الملاجِئُ في غَازِ الأعصابِ / وَقَلْبُ العَاصفةِ كَابْتِسامةِ القَتيلاتِ في الأَحْضانِ الغَريبةِ / يَذْهَبُ الغُزاةُ إلى انتحاراتهم كُلَّ يَوْمٍ/ وَيَعُودون مُحَمَّلين بأجنحةِ الذبابِ والذِّكْرياتِ الصِّناعِيَّةِ / وُلِدَت السَّنابلُ لِتَثُورَ / وَعِندما مَاتَ الشَّفَقُ في المعركةِ / حَضَنْتُ أبناءَه / لأنَّ أَرْملته تَزَوَّجَتْ غَضَبَ المجرَّاتِ / مِتُّ مِثْلما تُولَدُ الشَّلالاتُ / مِتُّ في الحياةِ / وَعِشْتُ في الموْتِ /
     أَيُّها النَّهْرُ الأعمى / عِندما تَموتُ سَتَرَاني / يَتوهَّجُ لَحْمي عَلى رِمَاحِ القَبيلةِ / وَعَرَقي مَحْرَقةُ الأكاسرةِ/ حَاضِناً بَنادِقَ الرَّعْدِ / حتَّى تَنْسى سِفْرَ الرُّؤيا الرَّاهباتُ / إِنَّ مُسَدَّسي سِفْرُ الرُّؤيا / أُحِبُّكِ يا مِئذنةَ الفَجْرِ / وَأَقْتُلُ اكتئابي بِخَنْجرِ أَبي /
     لِلْمَوْتى طَرِيقُ السَّناجِبِ المشْنوقةِ / عَلَى حَطَبِ الأنهار / وَالضَّفادعُ المقْليةُ في دَمِ الضَّحايا / هِيَ أَكْفانٌ بُرتقاليةٌ / عُزْلَةُ رِياحِ الرَّمادِ / وَرُومانسيةُ البَنادقِ الآليةِ / وَجُنونُ الأرصفةِ / أَسْطَعُ كالعُشْبِ الدَّمويِّ والذِّكرياتِ البَرِّيةِ / لم أَتَنَفَّسْ عِطْرَ المهرِّجِ/ أَنْزَلْتُ صُورةَ الصَّحراءِ عَن جُدْرانِ شَراييني / وَبَارودُ المجرَّاتِ يَحْرُسُ الذِّكْرياتِ بِالفَراشاتِ / قَد أَمُوتُ في الصَّباحِ/ وَقَد أَمُوتُ في المساءِ / مَن سَيَكُونُ الشَّاهِدَ عَلى مَوْتي ؟ / الشَّمْسُ أَم القَمَرُ ؟ /
     المتاهةُ اللازَوَرْدِيَّةُ / وَالليلُ يَحْضُنُ مَوْتانا / اكْتَشِفْني أَكْتَشِفْ جُرْحي القديمَ كالأطلالِ / لا يُشَرِّفني أَن أَكُونُ دَمَاً لِلمَرْعى / لأنَّ جَسَدي زَمانٌ / والأمكنةَ ظِلالُ الرَّمادِ / ذَلِكَ شَاهِدُ قَبْري المطْموسِ / شَاهِدْني وَأَنا أُحْتَضَرُ / مُدَّ يَدَيْكَ إِلى نَزيفِ الرِّياحِ / أَفَقْتُ وَمَا زَالَ مَوْتي عَائِشاً / سَلامٌ عَلى الأمواتِ الذين يَسْكُنونني / أَيْنَ سَنَبْكي أَيُّها الدَّمارُ الملْتَصِقُ بِحَوَاسِّنا / في خَرائِطَ لَم تَعُدْ تَذْكُرُ مَجازِرَنا ؟ / أَيْنَ سَنَبْكي يا أُمِّي تَحْتَ مَصابيحِ المذْبحةِ ؟ / مَقَالةٌ قَصِيرةٌ في رِثَاءِ القَمَرِ/ تُوزِّع الأمطارُ الثورةَ عَلى مَفاصلي/ وتَنتظرُ طُرقاتُ جِلْدي لمعانَ الدِّماءِ / كَما يَنتظرُ الفُقراءُ استلامَ الخبزِ في الطابورِ الخامسِ / يَستثمرُ الغُروبُ في غَضَاريفي / أنا الصَّحاري الذبيحةُ التي سَقَاها الأنبياءُ /
     شُكْراً للملوكِ الذين بَاعوا الأندلسَ مِن أَجْلِ أثداءِ الإِسبانياتِ / شُكراً لِلمُرَاهِقاتِ العائداتِ مِن الاحتفالِ بِجِنازة شَعْرِ رَأْسي / شُكراً لِلزَّوْجاتِ الخائناتِ الماهراتِ في الطَّبْخِ عَلى نَارٍ هَادئةٍ / شُكراً لِدَمِي الذي هَجَرَني / لأنِّي لا أَمْلِكُ ثَمَنَ لاصقاتِ الجروحِ / شُكراً للآباءِ الذين بَاعوا بَناتِهم بالتَّقْسيطِ المريحِ/ شُكراً للفقراءِ المرْضَى بِالوَهْمِ / تَرْتعشُ أطرافُهم كَأصابعِ المطرِ/ شُكراً لِلمُرْتزِقةِ / يَقْتَسِمُون كَعْكَةَ عَذاباتي في الأعيادِ الوطنيةِ / شُكراً لِلشَّعْبِ الميْتِ الذي لم يَجِدْ قَبْراً يَتَّسِعُ له / شُكراً لِلجُنودِ الذين يَعْمَلُون بَعْدَ الدَّوامِ الرَّسْمِيِّ حَفَّاري قُبورٍ للأحلامِ / 
     عُصْفورةٌ انتفضتْ انتفضتُ / رَأيتُ الموْتى يَمْشُون في مَداراتِ الكَرَزِ / يَرَوْنَ أَحزاني/ وَكُلما سَاروا وَقَعُوا في وَرِيدي/ أَيَّتها الشَّجرةُ الزِّئبقيةُ/ لَم تَنتخبي المنفَى / لَكِنَّه انتخبكِ / نُعوشُ الصَّحْراءِ تَسْبحُ في صَوْتِ الذِّئبِ العَاجِزِ جِنسياً / وَجُروحي فَلْسفةُ الأناناسِ/ ظِلالُ الرِّياحِ دِيدانُ مَوْتانا / وَمُسْتَوْدَعَاتُ الميناءِ تمتلئُ بِجثامينِ البَحَّارةِ /
     الأشْرعةُ الممزَّقةُ / والْمَحَارُ البَاكي / وَأَوْرِدةُ اللوزِ المنفيِّ / يُتَوِّجني الدُّودُ مَلِكاً عَلى عِظامِ الصُّبحِ / مَشَيْنا إِلى الهاويةِ ضَاحِكين / نَأْكُلُ جُثثَ آبائنا في مَحَطَّةِ القِطاراتِ / ونَأكلُ الفُستقُ قَبْلَ مُضَاجَعَةِ الزَّوْجاتِ / ظِلالُنا تَسِيرُ مَعَنا وتَسْخرُ مِنَّا /
     تفاحتان مَصْلوبتان تَمْشيان إِلى غُموضِ البَحرِ / أَحصنةٌ مَذْبوحةٌ في حُقولِ الصُّراخِ / وفي جَنوبِ الصَّليلِ / وَرْدةٌ مَشْلولةٌ يُحيطُ بِها كِلابُ حِراسةٍ مُدَرَّبَةٌ / والضَّبابُ الذبيحُ ضَيْفٌ على القَمرِ الأسيرِ /
     في جَسَدِ النَّدى القِرْميديِّ تَنْبعثُ أرصفةُ الدِّماءِ/ صَافحتُ المساءَ الرَّاجعَ مِن تَأبينِ قَوْسِ قُزَحَ / احْتضاراتٌ في شَرايينِ الحضارةِ / شَجَرةٌ بِلا شَجَرةِ نَسَبٍ / وَأجسادٌ بِلا تاريخٍ/ ضِفْدعةٌ تَحْمِلُ عَلى رَأْسِها بُحَيْرةَ الشَّظايا / وَحْدَها اللحومُ البَشَريةُ المهْتَرِئةُ سَتَذْكُرُ قُيُودَنا / فَلا تَبْكِ يَا جِلْدي / سَيَبْكي الغُبارُ على أثاثِ بَيْتنا المهْجورِ / كَما تَبكي الرَّاهباتُ في الأَدْيِرةِ البَعيدةِ /
     شَكْلاً للأحلامِ المصَادَرَةِ كُنتُ / سَيْفي الصَّدى الوَحْشِيُّ / وقلبي الصَّوْتُ الموحِشُ / فَيَا وَطَنَ اللصوصِ / اقْتُلْني وَرْدةً / وَاترك السَّجانين يَرْتاحون في قَارورةِ الحِبْرِ / أنا وَالشَّلالاتُ نَبِيعُ العِلْكَةَ عَلى إِشارات المرورِ في النَّهارِ / وفي الليلِ نَكْتُبُ المنْشُوراتِ السِّريةَ ضِدَّ نَزيفِ القَمرِ / وَنُوَزِّعها عَلى النَّوارسِ / أَصْوَاتُ الموْتى بُوصَلتي في شِتاءَ الجروحِ / صَوْتي مَبْحوحٌ / وَمَا زِلْتُ أَبْحَثُ عَن الصَّدى /
     تَعْشَقُ النِّساءُ اكْتئابي / وَأَعْشَقُ نَباتاتِ مَقْبرتي / حَمَامَةٌ تُغنِّي مَعَ البَحْرِ أُغنيةَ الموْجِ / أجسادٌ تَذوبُ تَحْتَ السِّياطِ / أَطفالٌ يَلْعبون باليورانيومِ المخصَّبِ / أُمهاتٌ يَبْحَثْنَ عَن أسواقِ النِّخاسةِ لِبَيْعِ بناتهنَّ / دَمْعَةٌ خَرْساءُ تَنسابُ شَلالاً يُغْرِقُ النَّهْرَ / شَوَاطِئُ تَدْمَعُ شَوْقاً إِلى بَحَّارةٍ / دَخَلوا في تَاريخِ الماءِ / وخَرجوا مِن تاريخِ الدِّماء / أَنا خَائِفٌ يا أُمِّي / لأنَّ الضَّبابَ يُمَثِّلُ بِجُثَّةِ الفَراشةِ /
     أَيَّتها السَّنابلُ التي يَلْمَعُ لَوْنُها كالألم / اسْكُبي في جُرْحِي أُغنياتِ الأراملِ / تِلْكَ الأزهارُ هَرِمَتْ قَبْلَ عُكَّازِ الحضارةِ/ السِّجنُ دُنيا / وَالدُّنيا سِجْنٌ / فَيَا أَخِي السَّجان / كِلانا غَرِيبٌ في مَدِينةِ الرِّعْشةِ/ والتاريخُ يَضُخُّ دَمَهُ في بَلاطِ الزِّنزانةِ/ تَموتُ النِّساءُ/ وَتَبْقَى أَرْقامُ هَوَاتِفِهِنَّ في دَفْترِ العَوَاصفِ / يَا رِمالَ البَحْرِ الموَزَّعَةَ عَلى اللصوصِ وَالجِرذانِ النَّاضجةِ / بَاعُوا أَوْردتي لِلحَمَامِ / يَا بَحْرُ / خُذْ رَقْمَ هاتفي/ واتَّصِلْ بِي/ لِتَطْمَئِنَّ عَلى خَشَبِ تابوتي / يَبدأُ مَوْسِمُ تَزَاوُجِ الشَّوارعِ في سُعالي / والقِطَطُ تتزاوجُ بَيْنَ أصابعي / والجدرانُ السَّميكةُ تَرْصُدُ أَجفاني / أنا المصْلوبُ / ولا صَليبٌ سِوَى الطُّرقاتِ الحزينةِ / وَلا غاباتٌ سِوَى أشكالِ الأمواتِ /
     أَفْتَتِحُ سُكُوتَ الزِّنزانةِ / لمعانُ أظافري يَنعكسُ عَلى بَراويزِ الرَّاحِلِين / تَغْتَصِبني توابيتُ قَلبي / الذي يُفجِّرني أعشاشاً للطُّيورِ الجارحةِ / اكتشفتُ مَجْزرتي قَبْلَ أن أَكْتَشِفَ أعضائي / وَذَلِكَ وَطَني يَبْحَثُ عَن وَطَني كَي يَقْتلني /
     عِنْدما يَأْتي المساءُ / يُولَدُ الأمواتُ في جِلْدي / تَذُوبُ وُجُوهُ النِّساءِ في أَسْمنتِ الجدرانِ / أنا مَذْعورٌ يَا حَضَارَةَ النُّعوشِ / لأني أَعيشُ في بَيْتٍ بِلا وُجُوهِ نِساء/ انْتَظِرْني أَيُّها الشَّجرُ البَاكي / عِندما تَتعادلُ رَغْوَةُ الدَّمِ مَعَ رَغْوةِ القَهْوةِ /
     مِثْلَمَا تَرْجِعُ البَغايا مِن صَيْدٍ ثَمينٍ / مِثْلَمَا يَذهبُ الملوكُ المهزومون إِلى مُضَاجَعَةِ الجواري / مِثْلَمَا يُنظِّمُ الشَّواذُّ جِنْسياً مُظَاهَرَاتٍ في شَوارعِ الإِبادة/ مِثْلَمَا تَسْتَحِمُّ لاعباتُ التِّنسِ بِدَمِ الحيْضِ / مِثْلَمَا تُولَدُ الأظافرُ المشروخةُ في أدغالِ محاكم التفتيش/ مِثْلَمَا تَسْرِقُ حُكوماتُ الطاعونِ حَوَاسَّ الفُقراء / إِنَّها الحضارةُ العَمياءُ /
     رَسَمُوا الصَّوْلجانَ على أَعْضاءِ اليَمامِ / لَوَّحوا بِأَعْوادِ المشانقِ كأَعْلامِ القَبائلِ / سَرَقوا الحُلْمَ مِن الحالِمِ / حَوَاجبي تَمْتَلِئُ بالألغامِ وَنِقاطِ التَّفْتيشِ/ يَبْزُغُ في صَوْتِ الضَّحايا صَدىً جارحٌ / أَنهارٌ تَجْرِفُ الذِّكرياتِ / وَتَرْمي الجِيَفَ في عُزْلةِ الياقوتِ النَّازِفِ / تَطْبَعُ مَمْلكةُ السَّناجبِ عَاصمتها / على خَشَبِ السُّفنِ الغارقةِ / وَيَصْعَدُ النَّرْجِسُ الوَحيدُ مِن الزِّحامِ / كُحْلُ المها أُنشودةُ القَتْلِ / تُردِّدها حَقائبُ السَّفَرِ / كُلَّما عَصَفَتْ هَوادِجُ الإِماءِ في الصَّحاري / تَكَدَّسَ رَمْلٌ مُبَلَّلٌ بالدِّماءِ على بَوَّاباتِ الموْجِ / مَاذَا سَيَفْعَلُ البَرْقُوقُ لِيَغْسِلَ مَاضِيه ؟ / الجثثُ الطَّافيةُ عَلى مِياهِ الصَّرْفِ الصِّحي / لَيْسَ لِي أَتْباعٌ سِوَى دِماءِ الفُصولِ / لَيْسَ لِي بَيْتٌ سِوَى قَبْري / أَنثرُ كُرياتِ دَمِي لِلحَمَامِ / وَأَبي حِينَ قَتَلوه لَم يَجِدوا في جَيْبِه غَيْرَ الذِّكْرياتِ / أَعشابُ قَبْرِهِ سِرِّيةٌ كأجنحةِ العَصافيرِ /
     عَصَافيرُ الثلجِ تَرْتدي نَظَّاراتٍ طِبِّيةً / لِتَرى مِشْنقتي بِوُضوحٍ / وَطُرُقاتُ بَلْدتي حُلْمٌ يَتبخَّرُ / شَجَرُ المقْبرةِ شَاهِدٌ على رَقصةِ النَّسْرِ الأخيرةِ/ نَمْشي إِلى قُبورِ آبائنا / كَما مَشَى آباؤُنا إِلى قُبورنا / قُتِلَ البَحْرُ رَمْياً بِالرَّصاصِ/ وَأَوْصَت البُحَيْرةُ أَن تُحْرَقَ جُثَّتها بَعْدَ مَوْتها/ كُلُّ أُسْطورةٍ سَتَنْتهي / وَالمسيحُ سَيَكْسِرُ الصَّليبَ /
     كَيْفَ نُطَوِّرُ السُّجونَ لِتُصْبِحَ أكثرَ ضِيقاً ؟! / كَي يَرْتاحَ السُّجناءُ مِن عَمَلِيَّةِ التَّنظيفِ / انتخاباتُ البَجَعِ مَسْرحيةٌ / جَاءَ الحزنُ العُشبيُّ قَبْلَ قُدومِ الرَّبيعِ/ وانتحرَ الموْجُ قَبْلَ أن تَضَعَ السَّلاحفُ بُيُوضَها في رِئَةِ الشُّطْآنِ /

     لا تُرْسِل طَائِرتكَ الوَرَقيةَ في الأُفقِ / إِلا بِتَصْرِيحٍ رَسْمِيٍّ مِن الحكومةِ / أُفَسِّرُ كَلامَ الموْتى للنَّوارِسِ/ دُمْيةٌ مَدْفونةٌ في قِيعانِ الشَّفقِ / وَبَيْنما كانَ العُشَّاقُ يُصَارِعُون الأَرَقَ / كانَ الرَّمْلُ يَسْتَحِمُّ في لَيْمونِ الطُّرقاتِ .

26‏/03‏/2017

سِفر الرؤيا / قصيدة

سِفر الرؤيا / قصيدة

للشاعر / إبراهيم أبو عواد

.................

  أَرَى شَرْكَسِيَّاتٍ يَغْسِلْنَ جُمْجمتي في نَهْرِ الأُردن / نَشيدي لَيْمونةُ الصَّدى / والمدى مِصْباحٌ قَديمٌ كَخَاتَمِ حَارسةِ المقْبرةِ/ قِرْمِيدُ زِنْزانتي أَعْمى يُخَبِّئُ لَحْمَ السَّرابِ في جَسَدِ الأُسطورةِ / يَا أُمِّي/ هَل اكْتَشَفْتِ فِي فِرَاشي رُمْحاً لأجنحةِ السُّنونو ؟ / مَزْهريةٌ تَبُوحُ بِما لَمْ تَبُحْ بِهِ النَّجماتُ المهْجوراتُ / العِيدُ الوطنيُّ لِذَبْحِ الوَطنِ / يَوْمَ ذُبِحْتُ اسْتَفَقْتُ رَأَيْتُ /
     حَضَارةُ الشَّواذِّ مُلْتَصِقَةٌ بِعِلْكةٍ في فَمِ سُلَحْفاةٍ/ أنا العَرِيسُ المفَضَّلُ للمَذْبحةِ / المقتولُ الرَّسْمِيُّ / المذْبُوحُ الشَّعبيُّ / الحزنُ المؤقَّتُ / أُشْعِرُ السَّنابلَ بِأُنوثتها / فَمَنْ يُشْعِرُني بِمَوْعِدِ شَنْقي ؟/ وَالصَّهيلُ يَأْكُلُ فُطوري/ بَيْنهم قِنْديلٌ للعَاصفةِ/ قَوْسُ قُزَحَ يَمَامةٌ مُضَرَّجَةٌ بِدِماءِ الظِّباءِ/ أُدْخِلَ رَمْلُ البَحْرِ مَصَحَّةً عَقْليةً لِعِلاجه مِن الذِّكرياتِ/ عُواءُ الحِيطانِ أَرْشيفٌ لِكُثْبانِ الأشْلاءِ / وَأَدْغالُ الصُّراخِ تَرْمي جَدَائلَ الأراملِ في صَناديقِ الاقتراعِ / يَتبرَّعُ المساءُ بِأَعْضائه / وَالفُقراءُ يَجْمعون بَيْضَ البُحيراتِ / وَدِماؤُهم البنفسجيةُ تُؤنِسُ المستحيلَ / 
     قِطٌّ يُلاحِقُ قِطَّةً مِن غَيْمةٍ إِلى غَيْمةٍ/وَحُقولُ البُكاءِ تُلاحقني مِن خَيْمةٍ إِلى خَيْمةٍ/ فَانتظِرْ بَقايا جَسَدِ الرِّيحِ/ حِينَ يَتعادلُ عَرَقُ الفلاحين مَعَ عَرَقِ الرَّاقصاتِ / يا قَبِيلتي التي جَرَّدَتْني مِن نَعْشِ أَبي وَشَكْلِ البَراري / سَتَجِدين آثارَ دَمْعي في ابتسامِ الشَّفقِ وَشُموخِ الهديلِ /
     الذِّكْرى العَاشرةُ لإِعْدامي / حَمَّلَنِي المذْبَحُ اسْمَه وَغَابَ / إِنَّ العُشْبَ يَموتُ في السَّحابِ/ أَشْرَبُ الشَّايَ قُرْبَ ضَريحِ القَمَرِ / وأَرَى وَجْهَ أُمِّي على سَطْحِ البُحيرةِ / تابوتُ المطرِ يُنادي على رُفاتي / نَادَيْتُ تَناثرتُ / رِجالٌ يَجْدُلُونَ شَعْرَ زَوْجاتهم أَمَامَ مَرَايا ذَبْحي / لا تُنَصِّبْني مَلِكاً عَلى هَذهِ الرِّمال/ لا تَتْرُكوا النِّساءَ يُشَارِكْنَ في رِثائي وَهُنَّ في قُمْصانِ النَّوْمِ / مُرَاهِقةٌ تَفتخرُ بِحَجْمِ نَهْدَيْهَا في خِيَامِ المجزرةِ / وَتَتبادلُ أَحاديثَ الغَرامِ مَعَ صَدِيقها فِي جِنازتي الموْسميةِ / تَشُمُّ الوُرودُ عَرَقَ الخيولِ الرَّاجعةِ مِن مَعْركةِ السَّرابِ / يا خِيَاماً تَمْتَصُّ طُفولتي وَتَتَبَرَّأُ مِنِّي / أنا وَتِلالُ قَرْيتي قُتِلْنا بِنَفْسِ المسدَّسِ لأنَّنا فَرَاشتان / وَكانَ البَطُّ يُسافرُ مِن خَيْمتي إِلى شَراييني / والنَّعْناعُ يَنْبُتُ عَلى جُثثِ الصَّبايا /
     لَمْ يَتَوَقَّع الرَّعْدُ أن تَمْتَدَّ أكفاني مِن أهدابي إِلى ضَفائرِ الفَراشةِ/ دَمِي الْمُعَلَّبُ/  أنا الشَّاطِئُ الْمُعْتَقَلُ فِي كُلِّ الكَوَاكبِ / المطرودُ مِن كُلِّ الوُجوهِ / والأعْرابُ يُخَيِّمُون قُرْبَ دُموعِ النيازكِ / يَبِيعُون نِساءَهم لِرِجالِ الأعمالِ / اسْمِي مُعَمَّمٌ على حُدودِ المرِّيخِ / بَناتُ الفِرِنْجةِ يُفَتِّشْنَ عَن أَغْشيةِ البَكارةِ / عَلى أغْصانِ شَجرةٍ هَاربةٍ مِن الخِدْمةِ العسكرية في الجيْشِ المكْسورِ / والشُّموعُ تَسْحَقُ الرَّاهباتِ في مَكْتبةِ الكنيسةِ / تَأْخذُ الهِضابُ إِجازةَ أُمومةٍ/ وَأَهْلي وَاقِفون أَمامَ الحاجِزِ الأمنيِّ / يَنْتظرون استلامَ جُثماني / صَادَرُوا عِظامي اللامعةَ / أَخَذوا ذِكْرياتي الممنوعةَ / والصُّراخُ يَحْتفلُ بِعِيدِ اسْتقلاله عَن نُخاعي الشَّوْكِيِّ / 
     يا عَرَقَ القناديلِ / كُنْ دَمِي يَوْمَ تَمْشي الرِّمالُ المشْلولةُ في غُرْبتي/ لا دَمٌ مُحَايِدٌ في سُهولِ الرِّعشة / ولا ضَفائرُ بَناتٍ عَلى الصَّليبِ/ أَلَمي ثَوْرتي القادمةُ / والسَّرابُ مُؤرِّخٌ مُتَخَصِّصٌ في الأحداثِ الدَّاميةِ في جَسَدِ البُرتقالِ / ولم يَفْقِدْ ضَبابُ بُرْجِ المراقَبةِ الأملَ بَعْدَ إِصابته بالزَّهايمرِ /
     يَا كُلَّ الثُّوارِ الرَّاجعين مِن الملاجِئِ / وَاليَانسونِ المصْلوبِ على أبراجِ المراقَبةِ في مُعْتَقَلات التُّفاحِ / والأسلاكِ الشَّائكةِ في الأَعْيُنِ المخْلُوعةِ مِن الوُجوهِ المنْفِيَّةِ / هَذا نَعْشي اسْكُنوا فِيه / هَذا جَسدي ازْرَعُوه ألغاماً وقَمْحاً/ هَذه أبجديةُ جَبِيني احْصُدُوها/ وَخَزِّنوها في أَيَادِيكم المثْقُوبةِ /
     لا أَبْناءَ لِي أُورِّثهم عُقَدي النَّفْسِيَّةَ/ العَدُوُّ السَّاكنُ في دَمِي/ قَد يَزُورُ الليلَ شَمْعُ المذْبُوحين/ يَكْسِرُ المطرُ ظِلَّه / وَيَتزوَّجُ أظافري فَتَنْخَلِعُ الأشرعةُ/ فلا تَسْمَحْ لِلْمَوْتى السَّائرين في الشَّارع أَن يُولَدوا في دُوارِ البَحْرِ /
     خَيالُكَ الرَّماديُّ عَادَ مَهْزوماً / تَوَضَّأْ بماءِ المطرِ / وَاغْسِلْ نَزيفَ الغُيوم / امْسَحْ عَن الرَّمْلِ عَرَقَ المسافاتِ / قَبْلَ أَن يَمْسَحَكَ / سَوْفَ تَرُشُّ النِّساءُ العِطْرَ عَلى أحزانهنَّ / كَمَا يَرُشُّ قَوْسُ قُزَحَ المبيداتِ الْحَشَرِيَّةَ / عَلى مَحاصيلِ الذاكرةِ / وَتنمو عَلى سُطوحِ التَّوابيتِ أَزْهارٌ صِناعيةٌ /
     البَحْرُ الملثَّمُ / الزَّمْهريرُ المائلُ لِلبَياضِ / تتراكمُ الأشلاءُ كَالفِطْرِ السَّام / أَيْنَ أنا في جَزيرةِ الغَرْقَى ؟/ أَيْنَ خُطواتُ دَمْعي عَلى الثلوجِ البَعيدةِ ؟/ مَوْتٌ يُوقِفُ احْتراقَ ضُلوعي/ أتخيَّلُ الضَّفادعَ تَهْرَمُ في مَزارعنا عِندَ مَواعيد الحصادِ/ أَرَاملُ إشبيليةَ يَكْتَشِفْنَ في خِزَاناتِ المطبخ تَوابيتَ أبنائهنَّ / وَخِياناتٍ زَوْجِيَّةً في عُلَبِ البِيرةِ / ضِحْكةُ فرانكو تُعكِّر مَاءَ البِئرِ/ وَالأرضُ تَرْكضُ في نهاياتِ الصَّهيلِ/ حَتَّى القِطَطُ لَم تَسْلَمْ مِن رَصاصِ القَنَّاصِ/
     حَطَباً في زَفيرِ الحضارةِ / كَانَت قَوارِبُ الغُزاةِ / تَارِكاً دَمِي وَراءَ ظَهْري / شَبَحي أَمَامي وَخَلْفي/ أَصْعَدُ مِن فُوَّهةِ المكانِ / وأَخترقُ صَمْتَ وِسادتي / أَلَمٌ بَسيطٌ في ضِرْسِ الشَّلالِ / يَتَصَدَّعُ قَلْبي الذي تتجمَّع فِيه مِياهُ السُّيول / أنا الوَليمةُ الجاهزةُ لِلدُّودِ في حُفْرتي / أَتعرفينَ جُلُودَ الغُرباءِ الذين لا يَزُورُهم أَحَدٌ في العِيدِ ؟ / بَاحَ الإِسْطَبْلُ بِأسرار القَمرِ لِلنُّسورِ / اكتئابُ الفَراشاتِ إِذا وَجَدَتْ رِيشَها فَريسةً / يَعْبُرُ الزَّمانُ خنادقَ السَّحابِ / وَعِندما يَموتُ المساءُ / سَيَجِدُ ذِكْرياتٍ تَحْمِلُ نَعْشَه وَتَمْضي/ يَجْمَعُ الفَيَضانُ الْمُعْجَبَاتِ كَطَوابعِ البَريدِ / أَغارُ عَلى جُرْحي مِن مُرَاهِقِين / يَرْقُبون تَمَوُّجاتِ حَبْلِ مِشْنقتي / أَغَارُ عَلى طَيْفي مِن مُرَاهِقاتٍ / يَنْتَظِرْنَ صُدورَ حُكْمِ إِعْدامي بِفَارغِ الصَّبْرِ / (( يُؤْسِفُنا أننا لا نَسْتَطِيعُ إِعْدامَكَ أَكْثَرَ مِن مَرَّةٍ )) / قَالتْ لِي الأطلالُ المائيةُ /
     حَضاراتٌ تَتَجَمَّدُ في جُلُودِ القِطَطِ السِّيامية / وَتَاريخُ البَحَّارةِ الغَرْقَى سَقَطَ في رِيشِ الحمَامِ الزَّاجلِ / اضْطِهَادُ الْحُلْمِ / وُعُورةُ شَرايينِ الإِعْصارِ / أيتها الهِضابُ المتكدِّسةُ في الأَوْعيةِ الدَّمويةِ/ اعْبُري رُمْحِيَ الأوَّلَ/ اشْرَبي جُثتي الثانيةَ/ وَطَنٌ أَحْمَرُ كالشَّاي الأخضرِ/ يَغْرَقُ في دِمَاءِ الفُقراءِ/ نباتاتٌ تَمْسَحُ أَحْذيةَ القِطَطِ العَمْياءِ /
     لَمْ أَقْتَطِعْ مِن لَحْمِ جَدَّتي حَقائبَ لِلْمَلِكاتِ / وَلَم أَنْسِجْ مِن فَرْوِ الثَّعالبِ مَلابِسَ دَاخليةً لِبَناتِ الإِقْطاعيين / هِيَ الدَّوْلةُ البُوليسيةُ ضَياعُ أَوْقاتِ بَناتٍ / يَبْحَثْنَ عَن الجِنْسِ في قِشْرِ البُرْتقالِ / البُوليسُ السِّياسيُّ يَلُمُّ أوراقَ الخريفِ / وَيَسْتُرُ بِها ضَريحي لِكَيْلا تَرَاه دِماءُ المساءِ / يَدُقُّ الضَّبابُ على أَبْوابِ جُرْحي / فَيَخْرُجُ سِجْني مِن جِلْدي / يُصَافِحُني / وَنتذكَّرُ حِكاياتِ جَدَّاتنا / وَنَذْهَبُ إِلى مَصابيحِ الموْتى / تَحْتَ كَسْتناءِ الشَّفقِ /   
     المجدُ لِخَالِقِ هذا المدى/ اقتربَ الرَّحيلُ إِلى لَهَبِ الشَّمْعةِ/ تتبخترُ السُّيوفُ في مَفَاصِلِ الزَّوْبعةِ / لأنِّي نَسْرٌ أَخيطُ أَجْنحتي مِن فَراشاتِ الرَّفْضِ/ أَغْسِلُ سَيْفي بِأَحْصنةِ الرُّوم/ وَأَرْمي أَظافري المشْتعلةَ عَلى حُصونِ بِيزنطة / أنا وَشُموسُ المطرِ وَأعشابُ النارِ / رَفَضْنا التَّوْقيعَ عَلى أَوْراق بَيْعِ فِلِسْطين /
     الشُّموسُ الفِضِّيةُ تَعْتَنِقُ الكِفاحَ المسلَّحَ / في قَلْبِ الرِّعشةِ عَوَاصمُ الانطفاءِ / وَعَلى أَجْنحةِ السُّنونو جُيوشُ الفَراغِ / الكِلابُ البُوليسيةُ تَسْقُطُ في آبارِ الضَّجر / وَتُدخِّنُ الوطنَ الجالسَ عَلى مَقَاعدِ المقْهَى / نَزيفي الفِعْلُ لا رَدَّةُ الفِعْلِ / تَمْتَصُّ أَعْضائي الأَذانَ / اكْسِرُوا الاكتئابَ عَلى التِّيجانِ / اطْرُدوا رِعْشةَ السُّعالِ مِن السَّنابل / اشْطُبوا الظِّلالَ النَّازفةَ مِن أَرْضنا النازفةِ / أَيْنَ الأحصنةُ التي تَجُرُّ النُّعوشَ قُرْبَ أَشْجارِ الليمونِ المحترقةِ ؟ / تَنتحرُ الأمواجُ في مَوْقَدةِ كُوخي المحاصَرِ بالدِّببةِ القُطْبِيَّةِ / لا لَحْمي شَهْرُ عَسَلٍ لليَمامِ / ولا عُروقي ثلاجةٌ لِلْمَوْتى والبُوظَةِ /

     ماذا استفادتْ فِئرانُ التَّجاربِ مِنَ الذِّكرياتِ ؟ / ماذا استفادت الزَّوجاتُ الخائناتُ مِنَ الضَّحِكِ ؟ / الْمُهَرِّجُ يَبكي في شَوارعِ الصَّقيعِ / والسِّيركُ مُغْلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / ماذا استفادَ العُشَّاقُ مِنَ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ ؟ .

25‏/03‏/2017

كشمير تلبسني / قصيدة

كشمير تلبسني / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

  رَائحةُ المطرِ تَغْلي في عِظامي / يا نَشيداً أَقْوى مِن ضَوْءِ الرَّحيلِ / وَأَجْمَلَ مِن رَقصةِ الخريفِ على جَبينِ الرُّمْحِ/ كَشْميرُ يَاقوتةٌ في كَفِّ النَّهْرِ/ وِشاحُكِ يُغْرِقُني في إِيقاعات السِّكين / يَا لَكِ مِن زُمُرُّدةٍ حَمْراءَ أبراجاً ! / قُتِلْتِ ألفَ مَرَّةٍ وَمَا زِلْتِ تَمْشين / جَدِّفي في شَهيقي حتى فِلِسْطين / لأني سَأُغنِّيكِ فَجْراً للعَواصفِ / وَأَنتِ سُلالةُ أقمارٍ / حُذِفَ الاغتصابُ مِن قَاموسها / تَوَضَّئي بِمَاءِ عُيوني المقْذُوفَتَيْن في غَاباتكِ / قَالَت: (( دَعْنا نَتَيَمَّمْ وَنُصَلِّ رَكْعَتَيْن )) / وَرَكِبْنا أشرعةَ الضَّبابِ / كَانَت جَدائلُكِ تَرتفعُ عَلى الحواجزِ الأمنيةِ عِنْدَ نَخيلِ الغروبِ / أتخيَّلُ جِلْدي كَشْميرَ / وَكَشْميرُ هِيَ أنا في رِعْشةِ الجهاتِ /

     يَوْمَ أضاءَ حِجَابُكِ في دُنيا القَمرِ/ كَانَ الناسُ سَلَّمُوا مَفَاتيحَ عُيونهم للنُّعاس / لَكِنِّي انتظرْتُكِ لآخُذَ عِن خُدودكِ أنهارَ السَّفَر/ رَكَضْنا في حَدائقِ المِشْنقةِ / لأنَّ التَّعبَ زَرَعَ رُموشَنا عَلى سُطوحِ القِطاراتِ / أَنْفُكِ يُشْبِهُ أَنْفِي / لَمْ يَبْقَ إِلا وَجْهان طَرِيَّان / بَنى الصَّخَبُ بَيْنهما سُوراً مِن الفَراشاتِ الرَّافضةِ / زِئْبقٌ في عُيونِ المنْفَى / وَأَنتِ وَجْهي حِينَ يَنصهرُ المساءُ / في حماقاتِ الهديلِ أيَّامَ شَبابه / دَفاترُ اليَتيماتِ مِن صُوفِ النِّعاجِ / والشُّوكولاتةُ تَنصهرُ عَلى زُجاجاتِ العِطْرِ / هِيَ صَباحٌ كَشميرُ أو دَمُ المجرَّة / أُحِبُّ الشِّعْرَ لأَكْرَهَ السَّلاطين / وأتوقَّعَ خِياناتِ الشَّاطئِ الهارِبِ / أُسَمِّي عَظماتي بَأسماءِ تِلالكِ / وَأَنظرُ في مَرايا عَيْنَيْكِ كَي أُصَفِّفَ شَعْري / وأُرتِّبَ ثِيابَ القِتالِ المغسولةَ / وأُجَهِّزَ التَّوابلَ للقَتلى القَادمين مِن الشَّفقِ/ ذَاكِرتي حَجَرٌ أَنقى مِن الأحجارِ الكَريمةِ/ فَاذْكُرِيني طِفْلاً بَاكياً بَينَ رُومانسيةِ الغُموضِ وَغُموضِ الجثثِ الضَّوْئيةِ / أَنتِ عُشِّي/ وَأنا الصَّقْرُ الذي يَنْهَشُني عِشْقُكِ / كُنتُ مُتعَباً مِن الإِبحارِ في ضَفائرِكِ / فَحَمَلْتُ جُثَّتي عَلى ظَهْري المشقَّقِ / وَتَنَقَّلْتُ في حِنَّاءِ كَفَّيْكِ الناعمتَيْن / شَرِيدٌ لَحْنُ وَريدِكِ / وأنا شَرِيدٌ / كَأَنَّ الرُّفاتَ على شَفِتي بُركانٌ وَحِيد / 

     مُشْتاقاً إِلى نَسيمِ نَبَضاتكِ الممْلوكةِ/ حَاصِريني بالقُبُلاتِ العَابرةِ / تلتصقُ يَدَانا / وَيَنْسابُ رَمْلُ البحرِ بَيْنهما / وَبِرَكُ السِّباحةِ في دِمَاءِ الشُّهداءِ / سَرَقَت حِصَّتنا مِن حُزْنِ الأنهارِ / عِشْتُ مَوْتي في الشَّرايينِ اليابسةِ  / كَمَوْجَةٍ تَبْحثُ عَن جُثةٍ تتناولُ العَشاءَ في عُرْسِها/ هَشَّمَ رَبيعُ الأشلاءِ بَراويزَ لقائنا/ فَصِرْتُ بَعْدَكِ بِرْوازاً لِتِذْكاراتِ السُّنونو/ هَل رَأيتِ أجفاني خارجةً مِن إِشبيلية في السَّحَر ؟/ جُثةُ فَتاةٍ في بِئْرِ التاريخِ / مَثَّلَ بها المساءُ الضَّيقُ / أَحزانُ الطريقِ مَخَدَّةٌ للعَرائسِ في الكنيسةِ / الدَّمْعاتُ شَجَرتي اليتيمةُ/ وجُروحي أحصنةُ المنبوذين / وَضَرَبَ الصَّمْتَ البنفسجيَّ الحقولُ المنْكَسِرةُ / فَلْتَكُن ثِيابُ الحِدَاد جَاهِزةً عَلى حَبْلِ الغَسيلِ / حُموضةُ الذِّكرياتِ على فَأْسِ الوَداعِ / أَسْتَلُّ مِن لَحْمِ القَمرِ قِطْعةً / وَيُشْرِقُ الحطبُ في جَبينِ يَمامةٍ / وَيَأْسِرُني شَوْقٌ إِلى شَيْءٍ غَامِضٍ/ الأمسُ المسْتَقْبَلِيُّ/ وَالرِّيحُ الجريحةُ تَصْرَعُ اسْمَها/ كَيْفَ مَشَتْ حِيطانُ السِّجْنِ إِلى مَناديلِ الصَّبايا؟/ 
     أُنادي عَلى الشَّوارعِ القَتيلةِ / فارغةٌ أَنتِ إِلا مِن الضَّحايا والعَصافيرِ / وَغَابَت الحقولُ عَن مُؤتمرِ الصُّلْحِ بَيْنَ السَّرابِ والضَّبابِ / أَدُورُ عَلى أَبوابِ الأراملِ المذْبوحاتِ / تَصْعَقُ جِسْمي قَناديلُ الصَّحراءِ / والشَّفقُ يُنْزِلُ دَلْواً ممتلئاً بِسُعالي إِلى قَاعِ أحزاني / وَالنَّارُ لا تَعْلَمُ أَنَّ جَنينَ الرَّمادِ سَيَقْتُلها /
     لِي سِيرةٌ ذَاتيةٌ خَاليةٌ مِن أَوْسمةِ الحطبِ / لِي مِلَفٌّ في دَوائرِ الأَمْنِ السَّاكنةِ في أعصابِ الحشراتِ / يُرتِّبُ أوراقَه شَوْكُ الطريقِ / لِي أصدقاء أَمْعاؤهم على قَائمةِ الاغتيالاتِ / وَوُجُوهُهم تُطاردها مَرايا النِّسيان / لِي بَلابلُ كَسَرَتْ بَابَ القَفصِ / وَخَرَجَتْ إِلى البَارودِ الصَّافي / لِي كَبِدٌ تَثْقُبُ الصَّوْلجانَ / لِي قَارورةُ عِطْرٍ تَرى فِيها الرِّماحُ وَصَاياها / وَللسُّنونو ثُكناتٌ عَسْكريةٌ مِن رُخامِ المرافئِ الغارقةِ /
     فِي آخِرِ صَرخاتِ النَّدى غَاباتٌ مِن أحلامٍ / مَطارٌ عَسْكريٌّ للحَمَامِ / دِيكُ جَارتنا الوحيدُ هُوَ ذَاكِرةُ الخناجرِ / اذْهبي أَطْرافي حَتَّى آخِرِ جِراحِ النَّخيلِ/ لا أَنيني قِيثارةٌ / ولا أَسْنانُ التِّمْساحِ استراحةٌ لِلبَلابلِ الْمُتْعَبَةِ/
     سأُقاتِلُ حَتَّى آخِرِ غَيْمةٍ مِن دَمِي/ حَتَّى آخِرِ شَجَرةٍ مِن دُموعي/ حَتَّى آخِرِ شَاطِئٍ مِن لَحْمي / حَتَّى آخِرِ زِلْزَالٍ مِن كَبِدي/ حَتَّى آخِرِ فَراشةٍ مِن جُمْجمتي / حَتَّى آخِرِ قَطْرَةٍ مِن قَلْبي / حَتَّى آخِرِ بُرْكانٍ مِن عِظامي / حَتَّى آخِرِ شُبَّاكٍ مِن أظافري / حَتَّى آخِرِ نَبْعٍ مِن مَعِدتي / حَتَّى آخِرِ شِرْيانٍ مِن بُندقيتي / حَتَّى آخِرِ بِرْميلٍ مِن عَرَقي / حَتَّى آخِرِ بَرِّيةٍ مِن جِلْدي / حَتَّى آخِرِ شَلالٍ مِن غَضَبي / حَتَّى آخِرِ رَصَاصةٍ مِن شَفَتي / حَتَّى آخِرِ إِعْصارٍ مِن سِجْني/ حَتَّى آخِرِ حَجَرٍ مِن أَنفاسي/ حَتَّى آخِرِ غَابةٍ مِن طُحالي / حَتَّى آخِرِ نَبْضَةٍ مِن خُطواتي / حَتَّى آخِرِ جُرْحٍ مِن عُمري / حَتَّى آخِرِ عُصفورٍ مِن عَضَلاتي / حَتَّى آخِرِ نَبْتةٍ مِن زَمَني/ حَتَّى آخِرِ خَيْطٍ مِن جُرْحي / حَتَّى آخِرِ بُسْتانٍ مِن قَفَصي الصَّدْرِيِّ / حَتَّى آخِرِ رُمْحٍ مِن سُعالي / حَتَّى آخِرِ مَدِينةٍ مِن عَمُودي الفِقرِيِّ / حَتَّى آخِرِ لَوْنٍ مِن أمعائي / حَتَّى آخِرِ حَقْلٍ مِن خَيْمتي .

23‏/03‏/2017

إريك كارلفلت وعقدة الأب

إريك كارلفلت وعقدة الأب 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 23/3/2017

.....................

     وُلد الشاعر السويدي إريك أكسل كارلفلت ( 1864_ 1931) في مدينة فولشرنا بوسط السويد . تَمَّ انتخابه عُضواً في الأكاديمية السويدية عام 1904 . وفي عام 1912 انْتُخِبَ أميناً دائماً للأكاديمية ، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته . رفض جائزة نوبل للآداب عام 1919 ، ولكنها مُنِحَت له عام 1931 بعد وفاته .
     كانت عائلته تعمل في مجال الزراعة . وقد تورَّط والدُه في فضيحة مالية تشتمل على جرائم اقتصادية وتَزوير ، فَحُكِمَ عَلَيه بالسجن لمدة طويلة . وهذه القضيةُ الجنائيةُ لَوَّثتْ سُمعةَ العائلة ، وكانت سبباً في تغيير اسم الشاعر الذي كان عند ولادته " إريك أكسل أريكسون " . لقد أرادَ الابتعاد عن ماضي والده الملوَّث ، والنَّأي بِنَفْسِه عن أعماله الإجرامية ، وغسل اسمه من الخزي والعار. لقد كان والدُه عُقدةً في حياته الشخصية ، ووَصمة عار في تاريخه ، فأرادَ أن يُطهِّر حياته الشخصية مِن عُقدة أبيه ، ويَغسل تاريخه من العار . وكان الحل الأمثل بالنِّسبة إلَيه تغيير اسم عائلته ، وإقامة قطيعة مع الماضي الملوَّث ، وبَدْء صفحة جديدة .
     درس الأدبَ السويدي واللغات الإسكندنافية والإنجليزية في جامعة أوبسالا ، وهي جامعة سويدية ، تُعتبَر أقدم جامعة إسكندنافية . وقد تخرَّج منها في عام 1898 . واضطرَّ في أثناء فترة دراسته أن يعمل بالتدريس في عدة مواقع، من أجل تأمين تكاليف دراسته . وبعد تخرُّجه، حصل على وظيفة في المكتبة الملكية السويدية في ستوكهولم .
     يتميَّز شِعْرُه بالأبعاد الرمزية والفضاءاتِ الغنائية . وقد حَوَّلَ الأغاني الشعبية إلى قصائد رمزية حيَّة عابقة بالتحولاتِ اللغويةِ والطقوسِ المعرفيةِ والإشاراتِ الغامضةِ .
     في عام 1895 نَشرت مجموعته الشِّعرية الأُولَى" الطبيعة والحب " لكنها لَم تَجْلِبْ له الشُّهرة كما كان يَأمَل . وفي عام 1898 كَتَبَ مجموعته الشعرية الثانية " أغاني فريدولين " . ومن الواضح أنَّ مُستواه الشِّعري أخذَ يَتطوَّر شَيئاً فَشَيئاً . وفي عام 1906 أصدرَ مجموعةً مُتميِّزةً مِنَ القصائد بعنوان " فلورا وبومونا " .
     اعتمد كارلفلت على وصف المشاعر الجيَّاشة ، وتصويرِ الواقعية بأسلوب رمزي مُفعَم بالأحاسيس والذكريات . ومَعَ هذا ، فلم يَنْجُ مِنَ الانتقادات بسبب غرق قصائده في الخيالات الرمزية ، وعدم مُبالاتها بالأحداث السياسية والقضايا المصيرية التي تمسُّ حياةَ الإنسان بشكل مباشر . وقد تأثَّر الشاعرُ بعوالم الزراعة والفلاحين التي عايشها في طُفولته ، خصوصاً أنه نشأ في عائلة زراعية.وكانت مفرداته ولغته التصويرية مُسْتَمَدَّةً مِنَ العالَم الافتراضي المسيطِر على ذاكرته.
     يُعتبَر كارلفلت _ بالدرجة الأُولَى _ شاعراً غنائياً ، وقد استلهمَ الملحِّنون العديدَ من الأغاني الشعبية من قصائده الشِّعرية . وقد تَحَرَّرَ مِن نَبرة الوعظ والإرشاد التي سَيْطَرَتْ على شِعْره .

     حصل في على التكريم في حياته وبعد مَوته . ففي عام 1917 مَنحته جامعة أوبسالا الدكتوراة الفخرية . وفي عام 1919 مُنح جائزة نوبل للآداب لاعتباره واحداً من أكبر شُعراء أوروبا ، لكنه رَفضها لسببٍ أخلاقي يَتعلق بِنَزاهة لجنة التَّحكيم ، إِذ إِنه كان أمين الأكاديمية السويدية ( رئيسها) وهي الجهة التي تَمنح جائزة نوبل للآداب ، فَخَشِيَ أن يُقال إِنَّه قَد مَنح الجائزةَ لِنَفْسِه . لذلك رفض استلام الجائزة في حياته لهذا السبب ، فَأُسْنِدَت الجائزة إلَيه بعد وفاته . وهذا دليلٌ واضح على نزاهته ، وحِرْصه على سُمعته ومكانةِ الأكاديمية السويدية . فقد رَفض المجدَ الشخصي ، خَوفاً مِنَ اتِّهامه بخداع الرَّأي العام ، واستغلالِ السُّلطةِ والنفوذ .

22‏/03‏/2017

منفى على شكل عشبة / قصيدة

منفى على شكل عشبة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     سَتُطَهِّرُ البُروقُ سُعالي مِن احتلالِ الأسْفَلْت/ سَيَغْسِلُ المساءُ دَمْعاتي بماءِ الوَرْدِ / والعوانسُ يَخْرُجْنَ مِن البارِ سُيُولاً وأرصفةً / تَقْتربُ شَهْوةُ الزُّمردِ مِن الجثامينِ الملْغومةِ / تُصبِح أقبيةُ الحربِ مَسْرحاً للعرائسِ / وتَسْقطُ الجيوشُ المهزومةُ في فُوَّهةِ العِشْقِ القاتلِ / والصَّبايا يَمْنَحْنَ مَواعيدَ انتحارهنَّ للعساكرِ / على جُسورِ الحضاراتِ المنقرضةِ /
     في بَنكرياسِ الغابةِ طُرودٌ بريديةٌ مُلغَّمةٌ / والبلوطُ يُلحِّنُ أناشيدَ البراكينِ / كأني تاجرُ أسلحةٍ / أُدَمِّرُ نَفْسي بِنَفْسي / الذِّكرياتُ قَنابلُ مَوْقوتةٌ / والأحزانُ رَصَاصٌ حَيٌّ في وَطَنٍ مَيْتٍ / رِحْلةُ الأعرابِ مِن رَعْي الغَنمِ إلى بَيْعِ فِلِسْطين / أنا وَسُورُ عَكَّا نَشْربُ الشاي مَعَ صَوْتِ الرَّصاصِ / ذَابتْ جُلودُ الإِماءِ تَحْتَ شُموسِ البُكاءِ / انطفأت العُيونُ الزَرْقاءُ في الدِّماءِ الزرقاءِ / هَتَفَ الصَّمْتُ اللامعُ / والسلاطينُ يَغْتسلون في بَراميلِ النِّفْطِ الأبيضِ / نَمْشي في سَيْبيريا لكي نَمْشِيَ في غَرْناطة / قَطَعْنا رَقَبَةَ الصَّهيلِ بِسَيْفِ الظِّلالِ / والنِّيرانُ تَشْتهي حَفْلةَ إعدامٍ مِن قَصَبٍ/ والسُّحُبُ الحمراءُ تَرْفعُ الخناجرَ في وَجْهي/
     مَتى سَتَلْمعُ يَا حَبْلَ المِشْنقةِ ؟ / مَزْهريةٌ ذَابِلةٌ / وَقُبْلةُ الفَراغِ على خُدودِ الفَجْرِ المنْسِيِّ / يَدْخلُ الهديلُ في الكُوليرا / يا ضَائعُ / مَعْذِرَةً / مَا وَجَدْتُ لَكَ وَظيفةً تَلِيقُ باكتئابِكَ / الفَراشةُ عَاطِلةٌ عن العَملِ / والجنودُ يَعِيشون على كَرَاسِي المقْهى / حَبيبتي تِلْكَ الخوْخَةُ المصلوبةُ / نَسِيَتْ مِشْطَها في زَحْمةِ التِّلالِ / قَارُورةُ الحِبْرِ كُوخٌ للبُحيراتِ المشرَّدةِ / والقناديلُ الجريحةُ تَسْقطُ في رَقْصةِ الطِّين / وأَشِعَّةُ القَمَرِ تَدْفنُ أظافرَ الموْتى / ولم أَعْرِفْ أن تَارِيخَ جُفوني رَشْفةٌ مِن قَهْوةِ الرِّماحِ /
     كُلَّ يَوْمٍ أَموتُ / والمِئْذنةُ تُحييني / إِنْ شَنَقَتْني الثلوجُ / فَاحْمِلي حَفيدةَ الشَّفقِ قصائدي إلى مَسْقطِ رَأْسِ الشَّمْسِ/ ضَحِكاتي أَقْصَرُ مِن الأسلاكِ الشَّائكةِ في سُعالي/
     أَيُّها الأعمى الذي يَرْكضُ وَراءَ صَوْتِ أُمِّهِ في الضَّبابِ / تَتَشَمَّسُ الذِّئابُ عَلى حَافَّةِ الخَنْجرِ/ وَتَتوهَّجُ أجنحةُ الذُّبابِ عَلى ثِيابِ أرملةٍ غَامضةٍ كَأحزانِ الشِّتاءِ/ نَزيفٌ مَجْهولٌ كَجُنْديٍّ مَجْهولٍ/ والجيوشُ تُقاتِلُ في غُرَفِ النَّوْمِ / والثُّكناتُ مَهْجورةٌ كَصُداعِ التُّرابِ/ نُلَوِّنُ قَطَراتِ الماءِ بِلَوْنِ الرِّيحِ / ونَموتُ عَطَشاً كَقُضْبانِ الزِّنزانةِ / وفي الربيعِ الصَّاعقِ يُبَدِّلُ أَلَمِي مَلابِسَه العَسْكريةَ / مِثْلَما يَرْتدي الشَّجرُ ثِيَابَه المدنيةَ / بِلادٌ حَوَّلت بَناتِها إلى بَغايا / لِزِيادةِ الدَّخْلِ القَوْمِيِّ / وَدَفْعِ رَواتبِ الموظَّفين/ تَناولَ المساءُ جُرْعةً زَائدةً مِن الرُّومانسيةِ/ وَمَاتَ غَرِيباً كأنقاضِ القُلوبِ/ فَمَا فَائدةُ نَارِ العِشْقِ ؟/ أَجْلِسُ عَلى الرَّصيفِ / أَتَأَمَّلُ فِي جُثَّةِ أَبِي / الحضارةُ إِشارةُ مُرورٍ حَمْراءُ كَسَرَها الفَيَضانُ الأخضرُ / والتاريخُ مَشْنوقٌ في ممالكِ الحُزْنِ /
     يا قَوْسَ قُزَح / إِنْ كُنتَ مُحْرَجاً مِن مُواجَهتي بِحُكْمِ شَنْقي / فَابْعَثْهُ عَبْرَ بَريدي الإلكترونيِّ / مَغْصٌ مُتَقَطِّعٌ في بَطْنِ حَائطِ السِّجْنِ / وَتَسِيلُ أَمْجادُ الغُبارِ في الثلوجِ الدَّاميةِ / والأمطارُ على سَريرِ الاحتضارِ / والحُمَّى تأكلُ أغصانَ الجثثِ /
     الرِّياحُ تُعانِي مِن الإِسهالِ/ وآثارُ الرَّصاصِ فِي عُنُقِ الضَّوْءِ / كَحَبَّاتِ زَيْتون على قِطْعةِ بِيتزا / تتناولها مُرَاهِقَةٌ قُرْبَ حَوْضِ السِّباحةِ / لُحُومُ التِّلْميذاتِ الطَّريةُ تُمْسي بَلاطاً للمسابحِ المخْتَلَطةِ/ والمغولُ يَقْتلونني بِسُرْعةٍ كَي يُكْمِلوا تمرينَ اليُوغا /
     مَارَّاً بأطلالِ الضَّحِكاتِ / أَحْمِلُ فِي حَقِيبتي جَدائلَ المدنِ القتيلةِ / وأَزْرَعُ ابتساماتي في سَنابلِ الدُّخانِ / وفي آباري مَأْتمُ القبائلِ / أنا والغُروبُ نُخَزِّنُ الفَراغَ في الفَراغِ / نَاديتُ عَلى العَدَمِ / يا عَدَمُ / شَعْبي قَطِيعُ مَصَابِيح في العَدَمِ / والسُّيوفُ الْمُغْمَدَةُ قُماشٌ جَديدٌ للأعْلامِ الْمُنَكَّسةِ / أُغنياتٌ تَشْربُ النِّسكافيه في سُعالي / وَالقتيلاتُ يَضَعْنَ فَضَلاتِ الطعامِ على صَفْحةِ الوَفَيَاتِ / وَداعٌ للطِّفلةِ السَّائرةِ في صُداعي / أنا وَبائعُ الذُّرَةِ المشْوِيَّةِ بَقِينا وَحْدَنا في الشَّوارعِ الموْبوءةِ آخِرَ الليل / والرِّيحُ تتجوَّلُ في خَوْفنا / أَنْزعُ مِن مَساميرِ نَعْشي ارتباكَ اليمامِ / تَرْتدي الشَّلالاتُ ثِيابَ الحِدَادِ / والتُّوتُ يَنمو على نَعْشِ الزَّوابعِ / 
     عِندما تموتُ عَاهِرةٌ / تمشي في جِنازتها قَبائلُ الأعرابِ / وَإذا مَاتَ شَاعِرٌ فلا يَسِيرُ وَرَاءَه إلا المخْبِرُون / لكي يَطْمَئِنُّوا على رَحيله / سَأَخْرجُ مِن جِراح الموْجِ ذَاتَ مَساء / وَسَوْفَ أَكُونُ مُديرَ أعمالِ الْمَدِّ والْجَزْرِ / النَّشيدُ المحترِقُ لَيْمونةُ القَتْلِ / في طَوابيرِ العَوانسِ أمامَ المخْبَزِ المغْلَقِ / يَكْسِرُ ضَوْءُ كُوخي قَارورةَ الحِبْرِ/ فَأَكتبُ تَاريخَ الدَّمْعِ بِرُفاتِ البُحيراتِ/ صَفائِحُ النَّرجسِ فِرَاشُ احتضاري / وَمَا زِلْتُ أَموتُ / وصَلبتْ رَاياتُ الغُبارِ بَلوطَ الألمِ على كَاهلِ الطُّوفان / أَيْنَ المرأةُ التي تَرْفُضُ أن تَكونَ لَوْحةَ شَظايا ؟ /
     مَزْهَرِيَّةٌ للنِّساءِ الذابلاتِ / صَلِيلٌ بَيْنَ العَرائسِ والفَرائسِ / والتِّلالُ تُرْضِعُ دَمْعي سِهاماً مُكْتئبةً في احتفالاتِ اغتيالي / بَقِيَتْ مَناديلُ اليَاسمين على الرَّصيفِ / وَمَاتَ صَدَى أحذيةِ النِّساء/ فَانْتَشِلْ يَا أَرخبيلَ الجنونِ الكَهْرمانَ مِن جِنازةِ الموانئِ / أُخَزِّنُ الشَّعيرَ في عَمودي الفِقريِّ / كَما يُخَزِّنُ القَراصنةُ جَماجمَ البَحَّارةِ في الإِسطبلاتِ / وَالأُمَّهاتُ يُوَرِّثْنَ بَناتِهنَّ الإِغْراءَ / لِيَذْبَحْنَ العُنوسةَ بِخَنْجرِ الغُروبِ /
     سَيُحَرِّرُ الموتُ العَصافيرَ في قَفَصي الصَّدْرِيِّ / سَتَرْقُدُ رَسائلُ العُشَّاقِ في نارِ الموْقدةِ/ هَذه المدينةُ الوَباءُ/ تَواريخُ الحريقِ / وأخاديدُ الضَّوْءِ / والحُزْنُ يَزْرعُ التُّوتَ في رِئتي / أَسْرِقُ مِن أَهْدابي نباتاتِ المقبرةِ / وَبَعْدَ انتحارِ الصَّبايا خَلْفَ السَّتائرِ المخْمليةِ/سَيُنَقِّبُ الرَّمادُ عن نُقوشِ الحِنَّاءِ في الحصَى الليلكيِّ /وكُلَّما قَامَت الأميراتُ بِتَكْبيرِ أثدائهنَّ / سَقَطَ الصَّوْلجانُ مِن يَد المطرِ / وَسَقَطَت الدُّوَلُ في بِئْرِ الحطبِ /
     تَخَيَّلْ مَشاعرَ الأنبياءِ وَهُم يُكَذَّبُون / أشلائي شُققٌ مَفْروشةٌ للبيعِ / أَنبعثُ في الذاكرةِ الدَّمويةِ/ تلتصقُ بَراميلُ البَارودِ عَلى حِيطان أوْردتي/ كما تَلتصقُ الطحالبُ على حِيطان بِئْرِ قَرْيتي/وعَصيرُ البُرتقالِ مُرْشِدٌ اجتماعيٌّ للزَّوْجاتِ الخائناتِ/وَالوَحْلُ يَبْكي مُسْتَخْدِماً أجفانَ أُمِّه / لأنَّ السُّعالَ قَلَعَ عَيْنَيْهِ الصَّغيرتَيْن / وَبَعْدَ أَن قَتَلُوني / وَزَرَعُوا في بُلْعومي جُسوراً لِنَقْلِ الجنودِ المهْزُومين / اعْتَذَروا لي قَائلين : (( نَحْنُ آسِفُون فَأَنْتَ الضَّحيةُ الخطأ ! )) /
     مِن بَائعةِ التُّرْمسِ في جُذوعِ الكَابوسِ حَتَّى أميراتِ مُوناكو / تَسيلُ الأُنوثةُ المسْتحيلةُ / خَدَشَت الشُّموعُ خُدودَ النَّارِ / والذُّبابُ يَحْقِنُ قِرْميدَ كُوخي بالحنينِ / يُخدِّرني الصَّدى فَأَزْرَعُ صَوْتي في صَوْتِ البَساتين/ وَلَم يَتغيَّرْ فِي اسْمِ الغَاباتِ سِوَى مِيعادِ سَلْخِي/ قَشْتالةُ تَبْدأُ مِن كَرْبلاء/ سَعَلَتْ أَهْدابي سَنابلَ دِماءٍ / صَارَ نُعاسِي الفَيْروزيُّ عَاطِلاً عَن العَمَلِ / أَمْسَكَ البَحْرُ بِيَدَيْه المسْلُوخَتَيْن تاريخَ المهرِّجين / والحِمارُ الوَحْشِيُّ يَحْمِلُ على ظَهْرِه حَضاراتِ الإِبادة /
     مَسْرحٌ لِلعَرائسِ يَحْترقُ في الصَّدى الْمُرِّ / أنا في القَيْدِ حُرٌّ / لا يَعْنيني تَوْقيتُ التُّرابِ / احتضارُ الجسَدِ قُنْبلةٌ ضَوْئيةٌ / وَالزَّائدةُ الدُّوديةُ مُقيَّدةٌ بالزَّوابعِ / تستندُ عِظَامُ الأمواتِ إِلى كَتِفِ الطوفان/ والزَّنبقةُ اليتيمةُ تَغْطُسُ في رَحِمِها الصِّناعِيِّ /
     صُداعي خَزَّانُ وَقُودٍ للطيورِ المهاجِرةِ / أنا وَالوَطنُ وُلِدْنا مَعَاً وَشُنِقْنا مَعاً / افتتحتْ أجفاني فَرْعاً لها على الشَّارعِ الرَّئيسيِّ في قُرى البُكاءِ / التقطْ لِي صُورةً قُرْبَ جِنازتي المتواضعةِ / يَا نَزيفاً تَنامُ عَلَيْه الأدغالُ الصَّاخبةُ/ إِنَّ الجنودَ المهزومين يَضْرِبُونَ نساءَهم/ وَكُلُّنا سَبايا في سُوقِ النِّخاسةِ /
     دُمْيةٌ تَاريخِ شَراييني / والحضَارةُ تاريخُ الدُّمى / بَائعو الهياكلِ العَظْميةِ / أَمْنَحُ اللهبَ نَشِيداً / تُلحِّنه البُحَيْراتُ المهاجِرةُ/ كَواليسُ مِقْصلتي اللازورديةِ / والطباشيرُ على أصابعِ العُمَّالِ المقْطوعةِ / ذِئبةٌ حُبْلى بالسِّياطِ / بِلادٌ لَيْست لوجوهنا / لأننا مَطَرٌ بِلا دَفْتَرِ عَائلةٍ / وَقَلْبي غُرْفةُ إِعْدامي التي مَرَّتْ على حُدودِ الوَجْهِ الحزينِ / والوطنُ الذي أَنْجَبَ الغِزْلانَ قَد اصْطادها / وَتَبْقى بَائِعاتُ الهوى في طُرقاتِ المللِ يَبْحَثْنَ عَن زَبائن / يَسْتلقي المساءُ القَديمُ على أظافري الجديدةِ / أرى وَجْهَ أَبي في العَتمةِ / وَالقَناديلُ تَشْربُ أَنيابَ الصَّدى / فَأَكْسِرُ زُجاجَ أضلاعي / وأُهاجرُ مِن وَجْهي / لا تَحْزني يا أَشْلائي الثَّائرةَ / إِنَّ أَعْشاشَ العُقْبانِ كَامنةٌ في دَفاترِ بَناتِ المدارسِ / أنا النَّجْمُ المحتَرِقُ في مَداراتي / وَبَشَرَتي السَّمْراءُ تَصْبُغُ النِّيلَ / وتتمزَّقُ فُراتاً جديداً /
     فِئْرانُ الحقولِ في ثلاجةِ الموْتى / وَيَنَابِيعُ الدَّمِ تَصْرُخُ في سِحْنتي / ارْحَمِيني / أنا أَمْشي إلى زَنْجبيلِ المذْبحةِ كَدُودةِ القَزِّ / أجنحةُ النوارسِ تَصيرُ ثيابَ حِدَادٍ/ والغرباءُ أَخذوا رِئاتِ الأطفالِ لِتَبْريدِ المفاعِلاتِ النَّوويةِ / الوَرْدُ عَرَباتٌ جَاهزةٌ للتفجيرِ/ إِنهُ الليلُ الأخيرُ يَهْطُلُ أراجيحَ للعُميانِ/ ودَمْعاتي هي المعْقِلُ الأخيرُ في ممالكِ الموْجِ / بَدَأَ العَدُّ التَّنازلِيُّ لِوِلادةِ نُعوشِ الأسْفلتِ / كَانَ خَدِّي لَيْلاً مِن الرِّعشاتِ / ضَفائرُ مِن القَصْديرِ تُهَرْوِلُ في رَسائلِ القَتْلى /
     يَا صَبِيَّةُ / عُودِي مِن أثوابِ الينابيعِ إلى إجازةِ الصَّيفِ في النَّيازكِ / ولا صَيْفٌ فِيَّ كَي أَمْدَحَ نُعاسَ الصَّحاري / وَلا مَصَابِيحُ تُنَقِّبُ عن بُكائي في ثَلْجِ الوَداعِ / صَارَت كَبِدي جَنازيرَ دَبَّاباتٍ / أَنتظرُ قُدومَ جُمجمتي من حَقيبةِ السَّفَرِ / أَعيشُ الخريفَ في كُلِّ الفُصول / وَرُمُوشي تَتساقطُ كَدُموعِ الرَّمْلِ / انْتَظِرْني تَحْتَ جِسْرِ الأيتامِ / سَتَصْعَدُ تَوابيتُ الأسرى على الدَّرجِ الكَهْربائيِّ / وَتُولَدُ الأعْراسُ في النُّعوشِ النُّحاسيةِ / ولا عُرْسٌ يَطْرُقُ بَابَ قَبْري/ ولا زَهْرةٌ تتفتَّحُ بَيْنَ عِظامي / لماذا جِئْتِ يا غروزني إلى احتضاري ؟/ عَيْناكِ البريئتان تُفَّاحتان/ لا تَقْدران عَلى رُؤْيةِ الأمطارِ / وَهِيَ تُحَنِّطُ أفكارَ البراكينِ / التي تأخذُ حِمَمَها مِن رَجْفتي / وَالضَّبابُ يَصْقُلُ خَنجري كَما تُريدُ البُروقُ / تَدُقُّ سَاعَةُ الحائطِ أَرْقامَها في رَقْمِ زِنْزانتي / جَاءَ الغُزاةُ مِن أَسِرَّةِ نَوْمِنَا / وَرَكَضَتْ قَارورةُ الحِبْرِ إلى أشلائي / خَرَجَتْ أصابعي مِن بَياتها الشَّتويِّ / أهدابي بُندقيةٌ / قَبِّلِيها يا شَقائقَ النُّعمانِ / سَتَخْتارُ الرِّيحُ اسْماً عَرَبِيَّاً لمدريد / وأكفاني قُنبلةٌ يَدويةٌ / أَو كُوخٌ للعصافيرِ المقاتِلَةِ/ سَكَنْتُ في مِيَاهٍ مَغْسولةٍ بِوُجوهِ الثَّائرين / الشِّتاءُ خَريطةٌ جديدةٌ لِرَسائلِ الغرام بَعْدَ مَوْتِ العُشَّاقِ تَحْتَ الأمطارِ / كُلُّ المقاصلِ تُغَنِّي في طُرقاتِ اليَاسمين / وَلَمْ يَبْقَ لَكَ يا عُشبَ الأبجديةِ إلا أن تَرْفَعَ رَأْسَكَ /
     المِيناءُ المتجمِّدُ / وَمَشَانِقُ مِن فَرْوِ الثعالبِ / وَزَيْتونُ الغروبِ زَوْرَقٌ يَحْمِلُ أُغنياتِ البَحَّارةِ القَتْلى / وَلا بُدَّ مِن مُوَافَقةِ المخابراتِ العَسْكريةِ حَتَّى تَفْتَحَ مَحَلَّ فَلافل / كَأَنَّ دَمْعي زَيْتُ القَلْي / وَعُيُوني زلازلُ /
     كَأَنَّ إِسْبانيةً أَحَبَّتْ فَتَىً عَرَبياً / لا الْحُبُّ انتصرَ / وَلا الأندلسُ عَادَتْ / أُصَلِّي الْجُمُعَةَ في بَرْشلونة / مَرْثيةٌ لِيَتِيماتٍ يَحْمِلْنَ أكفاني في الإِسكندرية / وأُدْفَنُ في مَكَّة/ شَيْءٌ غَامِضٌ في حُزني يَحْرثُ النارَ / وفي المكتبةِ العامةِ / دَفنتُ نَفْسي بَيْنَ سُطورِ الضَّوْءِ / وَبَكَيْتُ عِنْدَ مُؤلفاتي /
     تِلْكَ المدينةُ / المساجدُ المهدومةُ عَلى رُكَبِ المصلِّين/ المقابرُ الجماعيةُ للفراشاتِ/ الشُّهداءُ الذين رَمَوْهم في البَحْرِ الأخْرسِ / مَذْبحةُ الزُّمُرُّدِ اليَوْمِيَّةُ / تَسخينُ النَّهرِ على حَرارةِ الدَّمِ / والجليدُ يَزْحفُ إِلى خُدودِي مَا تَبَقَّى مِن حَديقتنا / انتفاضاتٌ سَريعةٌ لِعَضَلاتِ الشَّمْسِ أثناءَ مُحاكَمتي /
     ذَلِكَ المنبوذُ / اخْتَرِعْ وَطَناً لِلْكَسْتناءِ في شَمالِ احْتضاراتي / هَذا المكانُ بَرْقوقٌ خَدَشَني / بِطْريقٌ تُوُفِّيتْ زَوْجَتُه / وَما زَالَ مُحْتَفِظاً بِوِشَاحها في أهدابه / يَتراكمُ عِندَ رَسائلِ الْحُبِّ جِبالٌ من المآتمِ / والبَرْقُ يُحَطِّمُ أساورَ الغَيْمةِ / بُقَعُ نِفْطٍ على جِلْدِ غَزالٍ / والشَّوْكُ يَبكي قُرْبَ مَلابسِ أَرْملته / يُقطِّعني المساءُ ويُقَبِّلني / يَا مَشْنوقةً أَحَبَّتْ ظِلالَها أكثرَ مِن مِرْآتها / وَماتتْ في رَنينِ السَّنابلِ/ أَيْنَ تَسْكُنين حَتَّى أُعَزِّيَ أَهْلَكِ الرَّاجِعين مِن الكولسترولِ والمذابحِ ؟/

     أُحِبُّ الشُّموسَ المنْهَمِرَةَ مِن وُجوه الأنبياءِ / وَغُرْبتي تَتَشَبَّثُ بأكتافِ المحارِبِين في المساءِ / أَكياسُ جُباةِ الضرائبِ / والصَّراصيرُ المقْتولةُ تَحْتَ أحذيةِ الأسرى / وَنَقَّارُ الخشبِ المتفحِّمِ / أنا غَريبٌ كالشَّمْعِ الراكضِ في خِياناتِ رَمْلِ البَحْرِ / يُولَدُ الأغرابُ مِن دَوَرانِ البُوصلةِ في مَرَضِ الرُّبانِ / صُراخي نَزْوةٌ في حَياةِ الأمطار / ونعوشُ الأطفالِ على أراجيحِ الشَّفق / وَحَشائشُ المقبرةِ تَعْرِفُ رَائحةَ عِظامي / تنمو الرُّكبُ الصِّناعيةُ للجنود العاطلين عن العمل / كما تنمو الأشجارُ في ظِلال الموْتى / وكلُّ الرِّماحِ رَقَصَت في ذِهني أبراجاً مِن الدَّمْعِ الأُرْجواني / لكنَّ الزوابعَ تُقبِّلني ظَنَّاً مِنها أنِّي ابْنُها / الذي شُنِقَ مَرَّتَيْنِ على التَّوالي /  

     اخْتَرْ مَنفاكَ بِيَدَيْكَ / قُلتُ : (( أُريدُ المجرَّةَ )) / والمجرَّاتُ تُمشِّطني / تَتَقمَّصُ ذَهَبَ المجازرِ فِضَّةُ الهياكلِ العَظْميةِ / والصهيلُ يَخيطُ إِسطبلاتِ دُموعي تَحْتَ الرِّمالِ / لَمْ أتخيَّلْ أنَّ رُفاتي سَيَصِيرُ طَاوِلةَ مُفاوضاتٍ / يَتصافحُ عَلَيْها الأُمويون والعَبَّاسيون / أمامَ مَحَطَّاتِ التَّلْفزةِ الأجنبيةِ /
     وَهَبَطَتْ خُلْجانُ المذبوحين على حَواجبِ الرَّمْلِ/ أَحْشائي إِنها أَسِنَّةٌ لا سَجائرُ / والدِّيدانُ تَبْني في قَزَحِيَّتي مَقْهىً لعائلتها / العَدُّ التَّنازلِيُّ لِلخَجَلِ عِنْدَ إِناثِ الرَّماد / أَفْرُشُ أَجْسادي على المقاصلِ لأرى وَجْهي / أتحدَّثُ إِلى أخشابِ المرافئ عَن مَشاعرِ رِمال البَحْرِ/ لا تَحْزَنْ أيُّها المتسوِّلُ تَحْتَ شَجرِ الدِّماءِ / دُوَلٌ تَتَسَوَّلُ / وَالإِماءُ جَالِساتٌ عَلى العُروشِ /
     انتحارٌ بِالتَّقْسيطِ يَلُفُّ أعناقَ الأمواجِ / مِكْياجٌ عَلى الأفخاذِ الجرباءِ وَالنِّعالِ الأجنبيةِ / نُزِعَت جِنْسِيَّةُ الضَّوْءِ مِن الصَّنوبرِ لأنهُ سَلَّمَ عَلَيَّ / والصَّراصيرُ أَقامتْ نِظاماً بَرْلمانياً في حَاويةِ النِّفاياتِ / وَالنَّهارُ يَنْقُلُ عَلى ظَهْره أَحجارَ ضَريحِ الذُّبابِ / وَيُرَتِّبها صَرْخةً صَرْخةً / عُمري عِشْرون / وَأَمْلِكُ خَمْسين سَنَةً خِبْرةً / في الوُقوفِ على خَشَباتِ الإعدامِ /
     في دَمِي الأخضرِ انقلابٌ عَسْكريٌّ دَمويٌّ / كُرياتُ دَمِي البيضاءُ تَرْفعُ الرَّايةَ البَيْضاءَ / وأشلائي فيضاناتٌ / والزَّنازينُ تَصْبُغُ بَوْلَ السُّجناءِ بالفَحْمِ الحجريِّ / صَارَت السَّكاكينُ مُوسِيقى لها مَلْمَسُ البَارودِ/ وَالنَّحْلُ الميْتُ على البَلاطِ السَّاخن / تَتفتَّحُ الجماجمُ على الأغصانِ / أَدْخُلُ في البُرتقالِ المنْفِيِّ / وَعَرَباتُ نَقْلِ الجنودِ تَنْقُشُ الحِنَّاءَ عَلى أَوْردةِ الإِعْصارِ /
     أَغْشِيةُ بَكارةٍ مُلْقاةٌ في الشَّوارعِ المتَّحدةِ بالجنونِ / نِسْوَةٌ يَغْسِلْنَ المزابلَ بِحَليبِ الرَّضاعةِ / والهِضابُ جَالِسةٌ عَلى كُرْسِيِّ الاحتضارِ / السُّيولُ تُقَبِّلُ جُثْماني / والأَعْلامُ المنكَّسةُ مَزْروعةٌ في فَناجينِ القَهْوةِ / سَيَهْرَمُ المساءُ الذي أَكَلَ الضَّحايا وجَلادَهم والوطنَ المنْفَى /
     يَلْتَصِقُ الإِوَزُّ بِخُدودِ الليلِ الأزرقِ/ وَالقِطاراتُ البُخاريةُ عَلى حَوَافِّ اللوزتَيْن/ سِكِّينٌ تَلِدُ بَريقَ نَصْلِهَا / ضُمِّيني يَا أضرحةَ السَّوْسَنِ / حَيْثُ تُصْبِحُ جُمْجمتي كُرَةَ قَدَمٍ / يَلْعبُ بها الصِّبْيَةُ في حَاراتِ اغتيالي / يتبخترُ البُرتقالُ في مَناديلِ دُودةٍ / تَقْضِمُ أكفانَ الرِّيح /
     الزَّبائنُ الجدُدُ / وَالبَغِيُّ الجديدةُ / والزِّنزانةُ الجديدةُ / والقَراصنةُ في الطابورِ الصَّباحيِّ / يُصْغُون لِنَشيدِ الأنهارِ اليَتيمةِ / والضَّحِكاتُ المنْسِيَّةُ تَبْتَكِرُ مِحْراثاً مِن عُروقِ الأسْرى / الذين نَسُوا مَوْعِدَ العَشاءِ على ضَوْءِ الشُّموعِ /
     وَطَني الغارقَ في عَرَقي / هَل تَعْرِفُ رُفاتي ؟ / كَرِّرْ مَوْتي في مَساءِ الصُّراخِ / أَلْمَحْكَ حَيَّاً عِندَ شُروقِ جِراحاتي/ أَحْداقُ العواصفِ / ودَرَجاتُ قَصْرِ الحمراءِ / والقُرى الكئيبةُ تتمدَّدُ في بَنكرياسِ الرُّعْبِ /
     هَذا الدَّمُ أَشِعَّةُ غَيْماتٍ بَاكياتٍ في انتظارِ السَّرابِ / كَشْميريةٌ تَنْظُرُ إِلى قُيودي عَلى خَشَبةِ الإِعدامِ / والزَّوْبعةُ أَخَذَتْ ذِراعَ البَحْرِ عَصا بِلْياردو / ظَهْري المتصدِّعُ الذي كَانَ يَحْمِلُ أكياسَ الطَّحينِ للفراشاتِ / أَخَذُوه بَلاطاً لِصَالةِ الرَّقْصِ /
     سَقَطَتْ حِكاياتُ العِشْقِ في عَصيرِ التُّوتِ / في مَقْهى الجنودِ المكسورين / فَيَا زَمَنَ العُشَّاقِ الوهميَّ / جَسَدي مَرْمِيٌّ في الشَّارعِ عِندَ حُفَرِ المجاري / والشَّاي المقدَّمُ على بَلاطِ مَجْزرتي يَبْرُدُ ويَبْرُدُ / لأنهُ لَم يَأْتِ مِنِّي إلا طَيْفي /  
     لماذا تَقْضُون شَهْرَ العَسَلِ في أكفاني ؟ / مَن المرأةُ الباكيةُ في البَراويزِ تَحْتَ ضَوْءِ القناديلِ الخافتِ ؟ / قالوا إِنَّ الموْجَ يُنْزِلُ ابْنَةَ عَمِّه عَن ظَهْرِ الفَرَسِ / ولا ابنةُ عَمٍّ وَلا فَرَسٌ / والجرادُ يُحَوِّلُ طُحالي إِلى مَسْبَحٍ مُخْتَلَطٍ في الجامعات / والمتفرِّجون عَلى حَفْلةِ تمزيقي يُلوِّحون بِالتذاكرِ طَرَباً / الرُّوحُ الرِّياضيةُ سَائدةٌ بَيْنَ الجمهور أثناءَ قَتْلي / وَنَعْشي مُعَلَّقٌ عَلى بَوَّابةِ المدينةِ رَقْماً /
     صَباحُ الخيْرِ يَا مَسائي !/ حَاكِماتٌ كَالنِّعالِ يَثْقُبْنَ ثِيابهنَّ لِيَضَعْنَ فِيها أَقْراطَ المشْنوقاتِ / وَفَوْقَ ثَوْرتي ثَوْرةٌ مِن سَرِيرِ الحطبِ / أَمْساً كَانَ مُسْتَقْبَلُ الزُّمردِ / والنَّظاراتُ الطِّبيةُ على عُيونِ الذُّبابِ / الضَّبابُ العَجوزُ / والنُّعاسُ الخشِنُ / حُزْني عَرينُ الأُسُودِ المتقاعِدَةِ / أَجْلِسُ في مِيناءِ الأيتام / أُراقبُ النَّمْلَ وَهُوَ يَأْكلُ جُثماني / وأَسْمعُ بُكاءَ اليَمامِ في عَرَقِ اليَاقوتِ / أَغْلَقَ المطرُ أبوابَ ظِلِّه / وعِظَامُ أُمَّهاتنا الممزوجةُ بِدُموعنا / تَعْقِدُ هُدْنةً مَعَ لَمعانِ أظافرنا /
     إِضْرابُ عُمَّالِ المنَاجِمِ في أَبْجديةِ الملوكِ المخْلوعين / والجنودُ في ثِيابِ الدَّمْعِ / يتجوَّلون في الماريجوانا / تَجْلِسُ العَقاربُ عَلى عَقَارِبِ السَّاعةِ / وأَكْفاني حَديقةٌ للدُّودِ اللاجئِ / وَمِيعادُ سَفَري يُحدِّده أُمراءُ الحروبِ / أَسْئلتي تتكاثرُ كالمغاراتِ في رِئتي المرْتعشةِ /
     عَشِيقةَ أَرَقِي الزَّهْرِيِّ / إِنَّ العَناكبَ تُهَرْوِلُ على المرايا / الفُرْسانُ رُكامٌ يَتساقطُ في زُجاجةِ العِطْرِ اليَتيمةِ / وكُهوفُ قُلوبنا مَطَاعِمُ للغُزاةِ / فَيَا نَحِيبَ السُّنونو في يَوْمِيَّاتِ وَرِيدي / ارْكُضْ في هَوَسِ النُّبلاءِ / كَي نَتجاذبَ أَطْرافَ البُكاءِ / نَسِينا جَدائلَ أُمَّهاتنا عِنْدَ مَرايا المدُنِ المحاصَرَةِ/ وبَحَثْنا عن احتضاراتنا في كَلِماتِ الأغاني /   
     الإِغريقُ وتماسيحُ الأمازونِ وَرَاقِصاتُ البَاليه / أنا المقاتِلُ المتروكُ للصَّدى عَلى الرُّخامِ / تَخَلَّتْ عَنِّي القَبائلُ الكِلْسيةُ / الهياكلُ العَظميةُ جُسورٌ مِن الأزهارِ الصناعيةِ / فَكُنْ يَا مَوْتي الشَّرارةَ التي تُشْعِلُ تفاحاتِ دَمْعي / حَياتي مَحْصورةٌ / مِن المِشْنقةِ إِلى البَيْتِ / ومِن البَيْتِ إلى المِشْنقةِ / الطبيبُ النَّفسيُّ للإِمبراطورةِ / وشَرْكسيةٌ تُطْعِمُ حِصَانَها تاريخَ الأمواجِ / يَتكفَّلُ الخريفُ بِرَسْمِ سِيناريو جِنازتي / أنا الحافي / ولستُ بِشْر الحافي / أنا الثائرُ الذي خانني أهلُ الكُوفةِ / وَبَكَوا عَلَيَّ أمامَ وسائلِ الإِعلام / صِرْتُ سَبُّورةً تَكتبُ عَلَيْها المراهِقاتُ قَواعِدَ اللغةِ الأُمويةِ / أنا والقِطَطُ المنبوذةُ نُفَتِّشُ في أرشيفِ المزابِلِ/ عَن اللحْمِ الذي رُمِيَ بَعْدَ حَفلاتِ الإِعدامِ / فلتأكلْ جِيفتي العُقبانُ لا الغِربانُ / كُن أيها الحزنُ سِرِّياً / كَالموْجِ الذي يَحْقِنُ رَصيفَ الميناءِ بِمناديلِ الوَدَاعِ /

     راهبةٌ إِسْبانيةٌ تَسْتَعْمِلُ أكوابَ الشَّاي / التي تَرَكْناها في بَيْتنا في قُرْطبة / سَلامٌ عَلَيَّ في دُروبِ الحِصَارِ / سَلامٌ على المِلْحِ في خُبْزِنا اليَابسِ / يَبْصُقُ الرَّمْلُ أَهْدابي في قُضْبانِ قَفَصِي الصَّدْرِيِّ / والأغْرابُ شَيَّدوا في زَفيري مَطْعماً للعائلاتِ / أُعْدِمْتُ بِعَدَدِ مَرَّاتِ بَيْعِ إِناثِ القَبيلةِ / وَطَالباتُ كُلِّيةِ الطِّبِّ يُجَرِّبْنَ الأدويةَ على خُدودِ الفُقراءِ / وَيَسْرِقْنَ أَحْمَرَ الشِّفاهِ مِن حُمْرةِ إِشارةِ المرورِ / والنَّوارسُ تَأْكُلُ جَبِينَ الطُّوفانِ / وفِي أنقاضِ ضَحِكاتنا/ يَضَعُ قُطَّاعُ الطُّرقِ بَيْضَ الأمواجِ في أحداقِ بَناتِ آوَى/ أنا المصْلوبُ اليَوْمِيُّ / لَكِنِّي الفَاتِحُ المنْتَصِرُ.

20‏/03‏/2017

نشيد الرفض / قصيدة

نشيد الرفض / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

 حِينَ تُهْتُ في صُراخِ النَّخيلِ / أَرْشدني الضَّياعُ إلى صَدَأ سَرِيري على سِكَّةِ حَديدٍ مَهْجورةٍ / تَصِلُ مِشْنقتي بِمِقْصلتي / مَوْتي خُبْزُ الفراشاتِ الثائرةِ/ يُحَمَّصُ في المجرَّاتِ / ويُقدَّم على مَائدةِ إِعْدامي / عِطْرُ حِبَالِ المشانقِ طَرِيقُ الذُّبابِ / ومَوْتي طَريقي / بَايَعَنِي قَلْبي على ألا نُبايِعَ الملوكَ المرْتَزِقَةَ / أُصيبت الأنهارُ بالإحراجِ حِينَ رَأَتْ جَسدي المقطَّعَ في الفَجْرِ عَارِياً / يُفجِّرني صِياحُ البَساتين / ذَبَحوكَ أَمْ لَمْ يَذْبحوكَ / ارْفُضْ سُجونَ الملوكِ /
     لا تُعْطِ البَيْعةَ لِضَوْءِ المسْلَخِ/ نَزَعت العَاصفةُ مِن رَقَبتها بَيْعةَ الوالي/ وأنا عَاصِفةٌ أَهْدُرُ غاباتٍ / صَاعقةٌ تَنْفُضُ عَن رُموشي قِلاعَ الرُّومِ / وأنا أدغالُ الصَّدى/ وُلِدْتُ مَعَ أحزانِ الصَّواعِقِ / وَقُتِلْتُ قَبْلَ مَقْتلِ شَهيقي / أبراجُ المرَاقَبَةِ في بُطُونِ السُّجناءِ / تَرْكضُ أَوْردتي إلى أَوْردتي حتى أَموتَ / فَاسْمَعْ تَحِيَّاتِ الشَّفقِ المحرومِ / أَسَرُوكَ أَمْ لَمْ يَأْسِروكَ / ارْفُضْ جُنونَ الملوكِ /
     لأوَّلِ مَرَّةٍ أرى وَجْهي بِلا أَسمنت وَبَرْقياتِ وَلاءٍ / أرى مَوْتي مَوْلدي في احتفالاتِ وُقوعِ السَّلاطين في أَرْحامِ الجواري / لا دَمْعتي سَبِيَّةٌ / وَلا خَدِّي صَوْلَجان / القَيَاصِرةُ آبارُ السَّرابِ / جَيْشُ المنافي غُبارُ الموائدِ / شَوارعُ الغَثيانِ مَشانقُ/ وَرِمالُ الهلوسةِ مَراكِزُ اعتقالٍ/ العُشْبُ المذْعورُ أصنامٌ تُسْحَقُ / فَتَرَنَّمْ مَعَ ألغامِ الحقولِ / قَتَلُوكَ أَمْ لَم يَقْتُلوكَ / ارْفُضْ ضَحِكاتِ الملوكِ /

     حَلِيبُ أميراتِ الرُّكامِ قُربانٌ فِي فَمِ تِمْثالِ الحرية / يُقدِّمه كَهَنةُ البَلاطِ / وَلُصوصُ الكَهَنوتِ / الأعلامُ مُنَكَّسَةٌ في بُكاءِ الحِجَارةِ / بُندقيةٌ مَحْشُوَّةٌ بمناديلِ الصَّبايا / لِنَكُنْ في الضَّبابِ نِقَاطاً على حُروفِ أغاني الأرضِ / خَزِّنْ في إِعْداماتي مُغَامَرَةَ الإِماءِ / حَرَقوكَ أَمْ لَمْ يَحْرِقُوكَ / ارْفُضْ ذِكْرياتِ الملوكِ .

18‏/03‏/2017

غزالة فارسية في علبة الكبريت / قصيدة

غزالة فارسية في علبة الكبريت / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

   تَحِيَّةً لأبي الذي دَمَّرَ حياتي ! / لِوَطني الذي نَسَفني بَيْدراً بَيْدراً / لِزَوْجي الذي قَتَلني في حَريرِ المشانقِ / إِنْ صَبَّتْ مَلامحُ النارِ عَرَقَكِ في عَرَقي تَسَمَّمْتُ/ أَصيرُ تُراباً في فِضَّةِ المكانِ النَّازفِ/ يَا صَهِيلَها/ أنتَ ترى بِعَيْنَيْكَ / لَكِنَّكَ لا ترى عَيْنَيْكَ / أنتَ تَسْمعُ غِناءَ البَارودِ / لَكِنَّكَ لا تَسْمعُ دَقَّاتِ قَلْبِها /
     قَلْبي يَنْتحرُ بَيْنَ شَعيرِ النِّسْيان وَصَوَامعِ الحريقِ/ لم يَتزوَّج الميناءُ / لا أَحَدٌ يَستحقُّ حَمْلَ اسْمِه / ولا امرأةٌ تستحقُّ أن تَحتفظَ بأبنائه في رَحِمِها / يَطْرحُ غِيابُ الأُقحوان في الشُّروقِ أسئلةً على الدَّمارِ / لماذا تهاجمُ بَناتُ الفرنجةِ أغشيةَ بكارتهنَّ بالْمَنجنيق؟/ لماذا عُقولُ السَّائحاتِ في أفخاذهنَّ البيضاءِ المكشوفةِ للجماهيرِ الجائعة؟/ لماذا تتمنى الرَّاهبةُ وُجودَ زَوْجٍ عَلى سَرِيرها ؟ /
     أُنشودةٌ حَزينةٌ / والأَسْرى بَعيدون عَن جدائلِ الزَّوْبعةِ / الرِّياحُ خَالتي / ونحنُ نَبْحثُ عَن ضَريحِ أُمِّي / لم أَجْرَحْ قَلْبَ العُشبِ / لأنَّ بِدايةَ الخريفِ نهايةُ شَراييني / استقالةُ الصُّخورِ على مِمْحاةِ الفَيَضانِ / وأولادُ الشَّوارعِ يَتَبَخَّرون في مَوْسمِ هِجْرةِ الطُّيورِ / وَكُلَّ صَيْفٍ / تَحْرِقُ لَندنُ نِساءَها المغْتَصَباتِ في المزْهريات /
     أيْنَ يَختفي اليَتامى في البَنَفْسَجِ المشْتَعِلِ ؟ / تَرْكضُ الشُّموعُ القديمةُ إلى القبورِ المزَخْرَفَةِ / نَجْمعُ أجزاءَ الحُزْنِ في عُلَبِ المِكْياجِ الفارغةِ / ونملأُ صَمْتَنا بأبجدياتِ الغروب / تَنتظرُ الذاكرةُ خَطِيبَها عِندَ حافَّةِ قَبْرِه / لكنَّهُ لم يَأْتِ / وَأَتَت الممرِّضاتُ بَعْدَ انتهاءِ المجزرةِ / تتَّسخُ ثِيابُ الفَراشةِ في أرشيفِ الإِبادةِ الجماعيةِ / والتاريخُ يُوقِفُ سَيَّارته في مَتْحَفِ التَّطْهيرِ العِرْقيِّ /
     صُراخُ بَناتِ الليلِ يَبْلعُ المقابرَ الزُّجاجيةَ / وَحَبْلُ أفكارِي تَرْميه نِساءُ الرَّاعي في البِئْرِ العَمْياءِ / الذِّكرياتُ بُرتقالةُ الإِعدامِ / فَيَا صَفِيرَ القِطاراتِ التي لا تَعُود / لماذا تُزيِّن جُثمانَكَ بِالوُرودِ الصناعيةِ ؟ / كُنْ كَالمِلْحِ سَاكِناً في الخبزِ والدُّموعِ /

     كَأَنَّ خَدِّي لَيْمونةٌ مَنقوعةٌ في بَراميلِ البارودِ/ كَانت أَحْصِنَةُ السَّحَابِ جَديلةً للفَراشةِ الحزينةِ / يَا صِحَابُ / أَيْنَ قُتِلْتُمْ يَا صِحَابُ ؟!/ انكسَرَت الإبرةُ في بُوصلةِ الرُّبَّانِ الْعَائِدِ مَعَ كُلِّ تَوَابِيتِ الفَجْرِ / عُرُوقي خَنْدَقٌ لِلْحِبْرِ السَّجين / تَحِيَّاتُ الدَّلافِينِ فِي كَهْرَمَانِ الْبَوَاخِرِ الْغَارِقَةِ / وأنا الغريقُ في مَعِدَتِي الطَّرِيدَةِ / وَمَا زَالَ الدِّينَامِيتُ يَسْمَعُ وَقْعَ نِعَالِ الْغَابَاتِ فِي الجِنَازَةِ .