سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/11‏/2012

إنجيل دموي لمومسات روما

إنجيل دموي لمومسات روما

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .



صلبتُ الصليب على الصليب

يَا حَضَارةَ البَغَايَا الدِّيمقراطيةَ

لْتَكُن الحربُ بَيْنَ الهِلالِ والصليبِ

يَا مَسِيحَ اللهِ أَنْتَظِرُ نُزُولَكَ مِن السماء

حَتى تَكْسِرَ الصليبَ

وَتُعِيدَ تَشكيلَ هَذا العالَمِ المجنون

حُرُوبُنا المقدّسةُ نَشِيدُ قَوْسِ النصْرِ

سَأَتخِذُ من روما عاصمةَ الخلافة الإسلامية

جَيْشٌ من المهرِّجين فَلْيَمُتْ

انتحرَ بابا الفاتيكان

وصار الكرادلةُ عاطلين عن العمل

وذهبت الراهباتُ إلى ملل الحياة الزوجية

لماذا لا يُنَصِّبون ماما للفاتيكان

لدعم حوار الحضارات ؟

إِنَّ العَلَمَ الأمريكي أَجْمَلُ أَحذيةِ سُعَالِ الزنوج

الذين يَضَعُون على خُدُودِ الدِّيدان

شَوَاهِدَ قُبُورِهِمْ وَأجسادَ نسائِهم

وَلا يَقْدِرُون أن يَدْخُلوا كَنيسةً لِلْبِيض

حَيْثُ تَغْدُو الأحزانُ إِنْجِيلاً أَبْيضَ البَشَرَةِ يَذْبَحُ السودَ .

http://www.facebook.com/abuawwad1982

29‏/11‏/2012

تنظيمات قضائية في القرآن والسنة

تنظيمات قضائية في القرآن والسنة

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .


1_ العدل :
     قال اللهُ تعالى : (( قُل أمرَ رَبي بالقِسْط )) [ الأعراف : 29] .
     فاللهُ تعالى أمرَ بالعدل . وهي قيمة نبيلة عند كل الأمم على اختلاف معتقداتها ، لما فيها من حفظ حقوق الفرد والجماعة ، وتجذير الإنجازات الحضارية ، وتحقيق النهضة الشاملة ، والتنمية المستدامة ، والعدالة الاجتماعية ، والتكافل الإنساني في أبهى صوره. ولا يمكن للحضارات أن تقوم إلا على أساس العدل ، أمّا إن سَلكت طريق الظلم فهي تقامر بمصيرها ، وتضع رِجْلها على درب الانهيار الحتمي ، والنهاية الوخيمة . وكما قال الشاعر :
والْبَغيُ يَصْرَعُ أهْلَـهُ           
وَالظلمُ  مَرْتَعُهُ وَخيمُ
     وقال أبو السعود في تفسيره ( 3/ 223) : (( والقسط هو العدل ، وهو الوسط من كل شيء ، المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط )) اهـ .
     وقال اللهُ تعالى : [ وأُمِرْتُ لأَعدل بينكم ] [ الشورى : 15] .
     فالنبي صلى الله عليه وسلم مأمورٌ بإقامة العدل ، ونشر الاستقامة ، فيأخذ الحق للمظلوم ، ويوقف الظالمَ عند حده ، ولا يسمح باعتداء القوي على الضعيف ، أو تطاول الضعيف على القوي . فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم العادل الذي يَنظر في قضايا المتخاصمين ، فيفصل بينهم بالعدل دون محاباة لطرف على حساب الطرف الآخر .
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 125) : (( [ وأُمِرْتُ لأَعدل بينكم ] في تبليغ الشرائع والحكومات. والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية، وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية )) اهـ .
     والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الوقوع في الظلم . فهو القاضي العادل الذي لا يمكن ابتزازه أو رشوته أو التلاعب بأحكامه . فهو المؤيّد بالوحي ، يُبلِّغ تعاليمَ السماء بلا زيادة أو نقصان .
     وفي الدر المنثور للسيوطي ( 7/ 341) عن قتادة قال : (( أُمر نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يَعدل فعدل حتى مات . والعدلُ ميزان الله في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد. وبالعدل يُصدِّق اللهُ الصادقَ، ويُكذِّب الكاذبَ.وبالعدل يرد المعتدي ويُوبِّخه)) اهـ.
2_ الحُكم بالعدل :
     قال اللهُ تعالى : (( وإذا حَكمتم بين الناس أن تَحكموا بالعدل )) [ النساء : 58] .
     فهذا الأمرُ الإلهي الجليل بالحكم بين الناس استناداً إلى مبدأ العدل والمساواة ورد المظالم ، ونصرة المظلوم ، وقمع الظالم . فالبيِّنةُ على مَن ادّعى ، واليمين على مَن أَنكَر . والشريعةُ هي منبع العدل ، وبدون تطبيقها فلا يمكن للعدل أن يتحقق. والعادلُ هو الذي يَضع أمر الله في موضعه .
والآيةُ تخاطب الحكام والقضاة ، وتشمل أيضاً جميع الخلق ، لأن العِبرة بعموم اللفظ .
     وقال الشوكاني في فتح القدير ( 1/ 725) : (( وأمّا الحاكم الذي لا يدري بحكم الله ورسوله ولا بما هو أقرب إليهما ، فهو لا يدري ما هو العدل لأنه لا يعقل الحُجّة إذا جاءته فضلاً عن أن يحكم بها بين عباد الله )) اهـ .
     وفي صحيح مسلم ( 3/ 1458) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن المقسِطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن _عز وجل_ وكلتا يديه يمين، الذين يَعدلون في حُكمهم وأهليهم وما وُلوا )).
     فالمقسِطون ( العادلون ) على منابر من نور ، ولهم المنازل الرفيعة . وقد نالوا هذه المكانة العظيمة بسبب عَدْلهم في كل أحوالهم .
     أمّا قوله صلى الله عليه وسلم : (( عن يمين الرحمن )) ، فالمعنى أنهم في مكانة سامية ، فالعربُ تنسب الفعلَ المحمود إلى اليمين . ولئلا يظن السامعُ أن لله تعالى أعضاء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( وكلتا يديه يمين )) من أجل التنبيه على أنه ليس المقصود باليمين جارحة لله تعالى .
     وعن ابن أبي أوفى _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ ، فإذا جَارَ تبرأ اللهُ _ عز وجل _ منه )) .
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 4/ 105) برقم ( 7026) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
     فاللهُ تعالى يؤيد القاضي ويُثبِّته على الحق ما دام متمسكاً بالعدل والاستقامة وتحرِّي الصواب في أحكامه ، فإذا ظَلم وانحرف عن الطريق القويم ، فإن الله تعالى يكله إلى نفسه ، ويتركه لهواه يتلاعب به حتى يُهلكه . وهنا تتّضح أهميةُ القضاء ، والدور المحوري للقضاة في إقامة الشريعة ، وفض النزاعات بين الناس ، وتأسيس العدالة واقعاً ملموساً لا شعاراً مُجرّداً . فإذا صَلح القاضي فإن الخير سيعم المجتمع ، وتزول الخصومات بين الأفراد والجماعات . أمّا إذا فَسد فعندئذ تنتشر الفوضى ، وفقدان الثقة بالقضاء ، فيحتكم الأفرادُ إلى أنفسهم ، ويخترعون القوانين من بنات أفكارهم ويُطبِّقونها ظناً منهم بأن الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدل هي أخذ حقوقهم بأيديهم . وهذا يعني انتحار الدولة وفقدان هَيْبتها، وظهور دول داخل الدولة، وتمزّق النسيج الاجتماعي . ويصبح كل فردٍ حاكماً قائماً بذاته ، فيتحول المجتمع إلى جُزر فوضوية معزولة ، وتتجذر شريعةُ الغاب في النسق الإنساني . وهذه بدايةُ نهاية الحضارة ، وانكسارِ الأمم .   
     وقال اللهُ تعالى : (( وإذا قُلتم فاعدلوا ولو كان ذا قُربى )) [ الأنعام : 152] .
     إن العدل ليس حالةً مزاجية ، أو سيفاً مسلطاً على الضعفاء ، أو وسيلةً لابتزاز الآخرين . إنه منهج متكامل يسري على الجميع بلا تمييز أو مجاملة . يسري على الحاكم والمحكوم ، والقوي والضعيف ، والغني والفقير ، والرجل والمرأة ، والقريب والبعيد ، والصديق والعدو ... إلخ .
     فلا مفر من تطبيق العدل في الأحكام والشهادات بغض النظر عن درجة القرابة أو المكانة الاجتماعية للفرد . ومن العدل أن يقول المرءُ الحق سواءٌ على نفسه أو غيره . فالعدلُ لواءٌ ينضوي تحته جميع فئات الشعب بلا تفرقة على أساس الدين أو العِرْق أو المستوى الروحي والمادي . وهنا تتجلى المساواة في أبهى صورها ، والتي تكفل تعزيزَ روح الانتماء والولاء للجماعة ، وتحفظ حقوقَ الناس رغم اختلافاتهم ، وتحافظ على التماسك الاجتماعي ، لأن التمييز في المجتمع سيؤدي إلى نشر الخصومات والأحقاد ، وهذا سيجعل الأفراد أعداءً لبعضهم البعض ، كل يتربص بالآخر . وهذا المناخ الموبوء من شأنه قتل المعنى الاجتماعي بكل أشكاله وأبعاده . 
3_ الظن لا يُغني من الحق شيئاً :
     قال اللهُ تعالى : (( إن الظن لا يُغني من الحق شيئاً )) [ يونس : 36] .
     فالظن لا يحل مكان الحق ، ولا يقوم مقامه . ولا فائدة منه ، لذلك لا يمكن التعويل عليه أو الاستناد إليه في حَل المشكلات وعلاجِ القضايا . والظن خليطٌ من الشوائب ، أمّا الحق فلا شائبة فيه . والمقارنةُ بين الظن والحق كالمقارنة بين الثرى والثريا . ولا يمكن لشمس الحق أن تُغطى بغربال الظن . ولا يمكن للظلام _ مهما كانت شِدته _ أن يَهزم الضوءَ .
     وقال البغوي في تفسيره ( 1/ 133) : (( أي : لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئاً . وقيل : لا يقوم مقام العِلم )) اهـ .
     وأهلُ الضلال _ في كل المراحل الزمنية _ يَبنون عقائدهم وسلوكهم الاجتماعي على الظن والتلفيق والترقيع ، فتكون عقائدُهم كومةً من الأضداد وخليطاً غير متجانس ، لأن الذي يَعجز عن الوصول إلى الحق ، سوف يَعتبر الباطلَ هو الحق المطْلق الذي لا يَقبل النقاش .
4_ الشهادة :
أ _ وجوب أدائها كما هي :
     قال اللهُ تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قَوامين بالقِسط شُهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدَيْن والأقربين )) [ النساء : 135] .
     والآيةُ توضِّح ضرورةَ القيام بالعدل في أداء الشهادة على أكمل وجهٍ ، بلا زيادة أو نقصان ، وإقامتها خالصةً لوجه الله تعالى ، حتى لو كان الأمرُ متعلقاً بأن يَشهد المرءُ على نفسه فيعترف بالحقوق المترتبة عليه ، أو على والدَيْه والأقربين الذين هُم الحاضنة الاجتماعية للفرد ، والحضنُ الدافئ الذي يحتمي فيه . فالشهادةُ إظهارٌ للحق ، ودحضٌ للباطل . والعدلُ أكبر من الأشخاص ، وأعظم من درجة القرابة . فعلى المرء أن يُؤدِّيَ الشهادةَ كما هي ، ولا يَخشى في ذلك لومة لائم . ولا يخاف جباراً لجبروته ، ولا يَرحم ضعيفاً لضعفه .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 5/ 390 ) : (( لا خلاف بين أهل العِلم في صحة أحكام هذه الآية ، وأن شهادة الولد على الوالدَيْن الأب والأم ماضية ، ولا يمنع ذلك من برهما ، بل من برهما أن يَشهد عليهما ، ويُخلِّصهما من الباطل )) اهـ .
     وفي الدر المنثور ( 2/ 714و715) : (( وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن مولى لابن عباس قال : لَما قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ كانت البقرة أول سورة نزلت ثم أردفها النساء . قال : فكان الرجلُ يكون عنده الشهادة قِبَل ابنه ، أو عَمه ، أو ذوي رَحِمه ، فيلوي بها لسانه أو يكتمها مما يرى من عُسرته حتى يُوسِر فيقضي . فنزلت : [ كونوا قَوامين بالقِسط شُهداء لله ] )) اهـ .
     وهكذا نرى تأثيرَ الروابط الأسرية الضاغطة ووطأةَ العلاقات الاجتماعية على مسار العدالة ، فكان الشخصُ يُقدِّر مقامَ القرابة أكثر من مقام العدل، فلا يؤدي الشهادةَ تحت ضغط رابطة الدم،  لكن التوجيه القرآني بَيّن وجوبَ أداء الشهادة كما هي، سواءٌ كانت متعلقة بالذات أو الآخرين .
ب_ شهادة الزور :
     قال اللهُ تعالى : (( واجتنبوا قولَ الزور )) [ الحج : 30] .
     إن قول الزور _ وهو الكذب والباطل _ يُفقِد المرءَ احترامه لنفسه ، ويؤدي إلى شيوع الخرافات والإشاعات في المجتمع . الأمر الذي يُغرِق الناس في دوامة من الأوهام ، وعندئذ تختفي الحقائق ، ويغيب اليقين ، وتنعدم الثقة بين المكوِّنات الاجتماعية ، ويصبح الكذبُ أساساً للبنية الإنسانية ، وهذا يُدمِّر المجتمعَ ، ويجعله ريشةً في مهب الريح ، لا تقوم له قائمة .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 12/ 52 ) : (( والزور : الباطل والكذب . وسُمِّيَ زُوراً لأنه أَمْيَل عن الحق )) اهـ .
     والحق واحدٌ لا يتعدد ، وكل ما خالف الحق فهو زُور _ أي انحراف عن النهج القويم _ ، وينبغي التحذير منه ومن صاحبه لئلا يَغتر بشهادته أحد .
     وعن أبي بكرة _ رضي الله عنه _ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر )) ثلاثاً . قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدَيْن ، _ وجلس وكان متكئاً فقال : _ ألا وقول الزور )) .
{ متفق عليه . البخاري ( 2/ 939) برقم ( 2511) ، ومسلم ( 1/ 91) برقم ( 87) .}
     إن الارتباط الوثيق بين بين الإشراك بالله وعقوق الوالدين من جهة ، وبين قول الزور ، ليشير إلى خطورة قول الزور ، وكَوْنه من أعظم الكبائر ، وأشدها خطراً على أمن الجماعة الإنسانية ، لما فيه من تفتيت للعلاقات الاجتماعية ، وتشكيك الناس بأنفسهم وغيرهم ومجتمعاتهم . ولا يمكن للمجتمع أن يُبنَى على الشكوك وانعدام الثقة . ومن هنا كان قولُ الزور كبيرةً يجب التصدي لها بحزم واجتثاثها قبل أن تنتشر في الأوساط الاجتماعية كانتشار النار في الهشيم ، فتؤول المكتسباتُ الحضارية إلى وهمٍ متبخِّر . وعندئذ لا يَنفع الندم أو العتاب . 
     وعن ابن مسعود _ رضي الله عنه _ قال : (( عدلت شهادة الزور الشرك بالله )) . وقرأ :
[ واجتنبوا قولَ الزور ] .
{ رواه الطبراني في الكبير ( 9/ 109) برقم ( 8569).وحسّنه الهيثمي في المجمع( 4/ 363) .}.
     فالشركُ هو كذبٌ على الله تعالى ، وشهادةُ الزور كذبٌ على العبد . لذلك وُضعت شهادة الزور مقابل الشرك بالله تعالى . والشركُ وشهادةُ الزور هما وَهْمان لا حقيقة لهما ، وهما ضد النقل والعقل معاً . إنهما عالَمان من الأكاذيب والخيالات التي تعتمل في النفوس المريضة ، وسوف تَذهب أدراج الرياح وتضمحل . إذ إن ثلوجَ الوهم لا تَصمد أمام شمس الحق . ولا يَصِح إلا الصحيح .
     وقال اللهُ تعالى : (( والذين لا يَشهدون الزورَ )) [ الفُرقان : 72] .
     فمن صفات عباد الرحمن أنهم لا يَحضرون الكذبَ والباطل ولا يشاهدونه . فمشاهدةُ الباطل مشاركةٌ فيه . وإذا رَأَوْه فإنهم يُعرِضون عنه ولا يتوقفون عنده. والزورُ درجاتٌ، أعظمها على الإطلاق هو الشرك بالله . فالشركُ كذبٌ على الله تعالى ، ونشر للباطل بين الخلائق .
     وقال الحافظ في الفتح ( 10/ 412) : (( وفيه التحريض على مجانبة كبائر الذنوب ليحصل تكفير الصغائر بذلك كما وعد اللهُ _ عز وجل _ )) اهـ .
     فالزورُ من الكبائر ، فلا يَنبغي اقترافها أو حضورها . والمؤمنُ يُنَزِّه نفسه عن مخالطة الضلال وأهله من أجل حفظ دِينه . والابتعادُ عن الكبائر من شأنه تكفير صغائر الذنوب ، لقوله تعالى : 
(( إن تجتنبوا كبائرَ ما تُنْهَوْن عنه نُكَفرْ عنكم سَيئاتكم )) [ النساء : 31] .
     وفي تفسير البغوي ( 1/ 98) : (( وكان عمر بن الخطاب يَجلد شاهدَ الزور أربعين جَلدة ، ويسخم وجهه ، ويطوف به في السوق )) اهـ .
     فلا بد من تحذير الناس من شاهد الزور وفضحه على الملأ لئلا يُغويَ الآخرين ، ويوردهم المهالك . فإذا عُرف بين الخلق وكُشف أمرُه فلن يُغْتَر بشهادته ، ولن يَقع في حبائله أحد .
5_ الحَكَم :
     قال اللهُ تعالى : (( ثُم إلَي مرجعكم فأحكمُ بينكم فيما كُنتم فيه تختلفون )) [ آل عمران : 55] .
     إن اللهَ تعالى هو الحَكَم الحاكم ، يَفصل بين العباد ، ويُصدر الحُكمَ بشأن اختلافاتهم ، لا مُعقب لِحُكمه . وعند الله تجتمع الخصوم . فاللهُ تعالى هو القاضي العادل الْمُنَزّه عن الظلم ، والمحاباة . وإذا كان العدلُ غائباً في الدنيا التي يسيطر عليها الأقوياء ، ويَحصدون الضعفاء دون رادع ، فهو موجود عند الله تعالى الذي يُعطي كل ذي حق حَقه . 
     وقال الطبري في تفسيره ( 3/ 287) : (( يقول : فأقضي حينئذ بين جميعكم في أمر عيسى بالحق )) اهـ .
     والآيةُ تتحدث عن الاختلافات الكبرى التي ضَربت النصارى في شأن عيسى صلى الله عليه وسلم ، وفَرّقت كلمتهم ، وحَوّلتهم إلى شِيَع وأحزاب متناحرة .
     وقال اللهُ تعالى : (( وإن حَكَمْتَ فاحكم بينهم بالقِسط إن الله يحب المقسِطين )) [ المائدة : 42] .
     وهذا الخطابُ الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم بالحُكم بين أهل الكتاب بالعدل الذي هو شريعة الله في الأرض. فاللهُ تعالى يحب العادِلين . والعدلُ مظلةٌ شاملة للجميع ، والكل تحتها ، سواءٌ المسلم والكافر . وهنا تتحقق المساواة بين بني البشر على اختلاف أديانهم وأجناسهم .
     وقال الشافعي في الأم ( 4/ 298) : (( والقِسطُ حُكمُ الله عز وجل الذي أنزله عليه صلى الله عليه وسلم )) .
     وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( كانت قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة ، فكان إذا قَتل رَجلٌ من قريظة رَجلاً من النضير قُتل به ، وإذا قتل رَجلٌ من النضير رَجلاً من قريظة قالوا : ادفعوه إلينا نقتله . فقالوا : بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه ، فنزلت : [ وإن حكمتَ فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ] )).
{ رواه الحاكم ( 4/ 407 ) برقم ( 8094 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .}.
     وقد كان العدلُ في المجتمع اليهودي ( قريظة والنضير ) امتيازاً طبقياً يعتمد على المكانة الاجتماعية لا تحقيقِ قيم العدل والمساواة . فكان النضيرُ يستغلون مكانتهم الاجتماعية الشريفة من أجل قهر قريظة ذات المكانة الأدنى . وهذا التمييز يتعارض تماماً مع ماهية العدل ، لذلك وضّح القرآنُ هذه القضية . وأُمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحُكم بالقِسط بينهم دون محاباة للشريف أو اضطهاد للأقل منزلةً . وهكذا أَسّس القرآنُ مفهومَ العدل وتطبيقه الذي يَسري على الجميع بلا استثناء .
http://www.facebook.com/abuawwad1982

28‏/11‏/2012

نوري المالكي كلب الصفويين وسمسار نكاح المتعة



قال علي بن أبي طالب _ عليه السلام _ مخاطباً أهل العراق :
(( يا أشباه الرجال ولا رجال
ويا طغام الأحلام
وعقول ربات الحجال
وددتُ والله أني لم أعرفكم
بل وددت أني لم أركم معرفة
والله جرعت بلاء وندماً
وملأتم جوفي غيظاً بالعصيان والخذلان
حتى لقد قالت قريش :
إن ابن أبي طالب رجل شجاع
ولكن لا علم له بالحرب )) . [ الأغاني للأصفهاني ( 16/ 287 ) ] .
[ وانظر كذلك البيان والتبيين للجاحظ ( 1/ 239 ) . وجمهرة خطب العرب ( 1/ 429 ) ] .

http://www.facebook.com/abuawwad1982

أحكام قانونية في القرآن والسنة

أحكام قانونية في القرآن والسنة

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .


1_ أحكام عامة :
أ _ سن التكليف ( البلوغ ) :
     قال اللهُ تعالى : (( وابْتلوا اليتامى حتى إذا بَلَغوا النكاحَ فإن آنستُم مِنهم رُشداً فادفعوا إليهم أموالَهم ))[النساء : 6] .
     وهنا تبرز أهميةُ اختبار اليتامى لاكتشاف قدراتهم العقلية ، وإمكانية تولي مسؤولية أنفسهم ، ومقدرتهم على التصرف في أموالهم . فإذا وصلوا إلى سِن البلوغ ( الْحُلُم ) ، ووُجِد فيهم الصلاح والتقوى والقدرة على حفظ أموالهم ، فعندئذ يَسقط الْحَجْرُ عليهم ، وتُدفَع إليهم أموالهم .
     وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 2/ 14) : (( قوله تعالى : [ وابْتلوا اليتامى ]، سبب نزولها أن رَجلاً يقال له رفاعة مات وترك ولداً صغيراً يقال له ثابت ، فَوَلِيَه عَمه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن ابن أخي يتيم في حِجري، فما يحل لي من ماله ؟، ومتى أدفع إليه ماله ؟ ، فنزلت هذه الآية )) اهـ .
     وهذا يعكس حرصَ الوَلِي على مال ابن أخيه ، فلم يستغل ضعفَ اليتيم لسرقة ماله ، وإنما تحرى الحُكمَ الشرعي في هذا المال ، وسعى إلى معرفة ما له وما عليه . 
     والبلوغُ يتحقق بالْحُلُم، وهو أن يرى في منامه ما يستدعي نزول المني(الذي يكون منه الولد).
     فعن عائشة _ رضي الله عنها _:عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( رُفع القلم عن ثلاثة:عن الصبي حتى يَحتلم ... )).
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 67) برقم ( 2350) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
     إذن ، فالاحتلام هو العلامة الأكيدة للبلوغ ، وجريان القلم بالثواب والعقاب . فلا مؤاخذة قبل سِن البلوغ .
     والحالةُ الثانية التي يتحقق بها البلوغ هي استكمال خمس عشرة سنة . فعن ابن عمر _ رضي الله عنهما_ قال :         (( عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني )).
{متفق عليه. مسلم ( 3/ 1490 )برقم ( 1868)، والبخاري ( 2/ 948) برقم ( 2521) .}.
     وهذا هو الحد بين الصغير والكبير . فقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم مشاركةَ ابن عمر في الحرب عندما كان في الرابعة عشرة ، لكنه سمح له بالاشتراك عندما صار في الخامسة عشرة ، أي عندما دخل مرحلةَ الرجولة ، وصار قادراً على الاضطلاع بمسؤولية القتال تماماً كالرجال .
     وقال اللهُ تعالى : (( وإذا بَلَغ الأطفالُ مِنكم الْحُلُمَ فليستأذنوا كما استأذن الذين مِن قَبْلهم ))  [ النور : 59] .
     فإذا وصل الأطفالُ إلى سِن البلوغ وَجب عليهم أن يستأذنوا تماماً كالرجال وفي كل الأوقات. واللهُ تعالى يُوضِّح للناس طريقَ سعادتهم ، ويُبيِّن للمجتمع السبل المثلى لتحقيق العفة والطهارة . وهذا كله يؤدي إلى صيانة المجتمع من الأمراض الروحية والمادية ، ويحمي الإنسان من السقوط في فخ الشهوات المحرّمة. إذ إن الاستئذان من شأنه حراسة المجتمع من الانحراف الأخلاقي الذي يُفضي إلى كوارث اجتماعية هائلة. كما أن سَد الذرائع ، وإغلاق الطرق الموصلة إلى الحرام يدفعان باتجاه صناعة مجتمع الفضيلة والنقاء . ودرهمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاج .
     وقال الحافظ في الفتح ( 5/ 277) : (( وقول الله _ عز وجل _ : [ وإذا بَلَغ الأطفالُ مِنكم الْحُلُمَ فليستأذنوا  ] ، في هذه الآية تعليق الحُكم ببلوغه الحُلم . وقد أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام )) اهـ .
     إذن ، فالاحتلامُ هو نقطة البداية ، والركيزة الأساسية التي تُبنَى عليها الأحكام الشرعية ، وهو العلامة الفاصلة بين مرحلتَيْن . فإذا احتلم الطفلُ فعندئذ تسري عليه تعاليمُ الدِّين لأنه صار رَجلاً مُخاطَباً بالْحُكم الشرعي ، أي إنه مُكلّف في نظر الشريعة ، ومُلزَم بأداء العبادات كاملةً .
     وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( إن الله حليم رحيم بالمؤمنين ، يحب الستْر ، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ، ولا حجال _ وهي بيوت تُزيّن بالثياب والأسرة والستور لها عُرى وأزرار _ ، فربما دخل الخادمُ أو الولد أو يتيمة الرجل والرجلُ على أهله ، فأمرهم اللهُ بالاستئذان في تلك العورات ، فجاءهم اللهُ بالستور والخير )).
{رواه أبو داود في سُننه( 2/ 770) برقم ( 5192).وصححه الحافظ في الفتح ( 11/ 25) .}.
     إن الله خالق الإنسان، ويَعلم نقاطَ قوته وضعفه، وماهيةَ شهواته ونزواته. وهو _ سبحانه _ رؤوف بالمؤمنين لم يُكلِّفهم فوق طاقتهم ، ولم يتركهم لشهواتهم وخطواتِ الشيطان . وقد كان الناسُ ليس لبيوتهم ستور . وهذا قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة ، إذ إن غياب الستر يتناقض مع العفة والصيانة ، ويُهدِّد أمنَ المجتمع من الناحية الأخلاقية . فقد يَدخل أحدهم بلا استئذان ، فَيَرى ما يَكرهه ، مثل أن يكون الرجلُ مع زوجته ضمن العلاقة الحميمة . فأمر اللهُ بالاستئذان صيانةً للمجتمع المسلم وحفظاً له من الوقوع في الأزمات الأخلاقية الكارثية . فكانت الستورُ لحفظ حُرمات الناس وأسرارهم وبيوتهم .
     وعن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ : أنه كان إذا بلغ بعضُ ولده الحُلم عَزَله ، فلم يَدخل عليه إلا بإذن.
{ رواه البخاري في الأدب المفرد( 1/ 364) برقم ( 1058).وصححه الحافظ في الفتح( 11/25).}.
     وعن علقمة قال : جاء رَجل إلى عبد الله _ يعني ابن مسعود _ قال : أأستأذن على أمي ؟ ، فقال : (( ما على كل أحيانها تحب أن تراها )).
{ رواه البخاري في الأدب المفرد( 1/ 364)برقم( 1059).وصححه الحافظ في الفتح( 11/25). }.
     وعن عطاء قال : سألتُ ابن عباس فقلتُ : أستأذن على أختي ؟ ، فقال : (( نعم )) ، فأعدتُ فقلتُ : أختان في حِجري وأنا أمونهما وأنفق عليهما ، أستأذن عليهما ؟ ، قال : (( نعم ، أتحب أن تراهما عريانتَيْن ؟ )).
{ رواه البخاري في الأدب المفرد( 1/ 365)برقم( 1063).وصححه الحافظ في الفتح (11/25).}.
     وهذه الأحاديثُ تُمثِّل منهجاً أخلاقياً متكاملاً لصيانة المجتمع المسلم ، وحفظِ الأسرة من الانهيار الأخلاقي، وجنونِ الغريزة الشرس. وهذا المنهجُ يتجلى في سَد الذرائع الموصلة إلى الحرام ، وهو بالطبع لا يعني عدم الثقة في الآخرين ، أو التشكيك بإيمانهم وأخلاقهم . بل يعني إحاطة المجتمع والأسرة بسورٍ متماسك من الفضيلة يقمعَ ألاعيبَ الشيطان ، ويُغلق الطريقَ أمام تأجج الشهوة الإنسانية التي يضعف أمامها الكثيرون .
     ولا يمكن إنكار أهمية الاستئذان في هذه المنظومة مهما بَلغت درجة القرابة . فالولدُ قد يرى أباه في وضعٍ غير لائق ، وهذا يؤدي إلى تدمير صورة الأب في الذهن ، وتفتيتِ الأسرة ، وتكسيرِ الروابط العائلية ، وتهشيمِ المفاهيم التربوية ، بحيث لا يمكن إصلاحها مرةً أخرى .
     وقد يرى الرجلُ أُمه أو أُخته في حالة عُري . وعندئذ يكون الموقف محرجاً للغاية ، وقد يتطور فيما بعد ليصل إلى زنا المحارم الذي ينتشر في التجمعات البشرية المكشوفة التي لا تهتم بالستر والعفة . لذلك أراح الإسلامُ الفردَ والجماعةَ من الوساوس والسلوكيات الخاطئة ، وأغلق الطريق الموصل للحرام كي يحافظ المجتمع على تماسكه وطهارته وأخلاقه . فإذا زالت الأخلاقُ وانتحر العفافُ فسوف ينهار المجتمع لا محالة ، لأنه _عندئذ _ يكون قد فَقد المناعةَ الذاتية ، وحصانةَ الجبهة الداخلية ، فيَسقط في الهاوية السحيقة . وكما قال الشاعر :
_ وإِنما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيَـتْ         
فإِن همُ ذَهَبَتْ  أخلاقهُم ذَهَبوا
_ إنما الأممُ الأخلاقُ مابقيَــتْ         
فإِن تَوَلتْ مَضَوا في إِثرها قُدما
ب_ إباحة الزينة وأكل الحلال :
     قال اللهُ تعالى : (( اليومَ أُحِل لكم الطيبات وطعامُ الذين أُوتوا الكتابَ حِل لكم وطعامُكم حِل لهم )) [ المائدة : 5] .
     فاللهُ تعالى أحل الطيباتِ للمؤمنين رحمةً بهم ، فأباح المستلذات والأشياء المحببة للنفس البشرية ، ولم يُضيِّق على الناس ، أو يَضطرهم إلى أضيق المسالك. فالشريعةُ لم تجيء لتعذيب الإنسان وحرمانه من الاستمتاع بالطيبات، بل جاءت لتنظيم هذا الاستمتاع، فهي نظامٌ متكامل متوافق مع الفِطرة .
     وقد أحل اللهُ تعالى ذبائحَ أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) ، فهي مباحةٌ للمسلمين ، ولا حرج عليهم في تناولها . كما أن ذبائح المسلمين يجوز تقديمها لأهل الكتاب ، فهي مباحة لهم .
     فالشريعةُ منظومة متوازنة لا غُلُو فيها أو معاداة للقيم الإنسانية . ولا يخفى أن هذا التسامح الإسلامي في قضية " الذبائح " من شأنه تعزيز المعاني الإنسانية ، وتعزيز الروابط الاجتماعية ، وبناء جسور التعارف والتعاون والرحمة بين أصحاب الدِّيانات المختلفة . فالإسلامُ هو الدِّين السماوي الوحيد ، وهو عالمي شاملٌ للإنس والجن على السواء . 
     كما أن هذا التسامح يشير إلى قُرب أهل الكتاب من المسلمين . ومع أنهم حَرّفوا التوراةَ والإنجيل إلا أن الشريعةَ الإسلامية تَنظر إليهم كأهل كتابٍ ، وفي رُتبة خاصة متميزة عن الوثنيين وأتباعِ الديانات الأخرى . فقد خلطوا الحق بالباطل ، وما زال لديهم بقايا من تعاليم السماء التي جاء بها أنبياؤهم _ عليهم الصلاة والسلام _ .
     وفي تفسير ابن كثير ( 2/ 28) : (( وهذا أمرٌ مُجمَع عليه بين العلماء ، أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ، ولايَذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله ، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو مُنَزه عنه _ تعالى وتقدّس _ )) اهـ .
     وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ : أن امرأةً يهودية دَعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاباً له على شاة مَصْلِية _ أي مشوية _ ، فلما قَعدوا يأكلون أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لقمةً فوضعها ، ثم قال لهم  : (( أمسِكوا ، إن هذه الشاة مسمومة )) ، فقال لليهودية  :  (( وَيْلَكِ ، لأي شيء سَممْتِني ؟ )) ، قالت : أردتُ أن أعلم إن كنت نبياً ، فإنه لا يضرك ، وإن كان غير ذلك أن أريح الناس منك ،  وأكل منها بشر بن البراء فمات ، فقتلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 3/ 242) برقم ( 4967) وصححه ، وسكت عنه الذهبي . }.
     ووجهُ الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لَبوا دعوةَ اليهودية بلا حرج ، وراحوا يتناولون الشاةَ المشوية . وهذا دليلٌ باهر على أن ذبائح اليهود مباحة شرعاً ، وليست حراماً على المسلمين .
     وقال اللهُ تعالى : (( أُحِل لكم صَيْدُ البحر وطعامُه مَتاعاً لكم وللسيارة )) [ المائدة : 96] .
     هذا حُكمٌ إلهي بتحليل صيد البحر على الإطلاق ، وفي كل الحالات ( سواءٌ في الإحرام أو غيره ) . وأيضاً تحليل طعامه ، وهو كل ما قَذفه البحر ، منفعةً للمقيم والمسافر يأكلون منه أو يتاجرون به . وصيدُ البحر ما اصْطيد ، وطعامُه ما قَذف به . 
     وفي زاد المسير ( 2/ 427 و428 ) : (( قال أحمد : يُؤْكَل كل ما في البحر إلا الضفدع والتمساح ، لأن التمساح يأكل الناس ، يعني أنه يفرس . وقال أبو حنيفة والثوري : لا يُباح منه إلا السمك ، وقال ابن أبي ليلى ومالك : يباح كل ما فيه من ضفدع وغيره )) اهـ .
     ومن الأحاديث في هذا السياق حديث جابر في الحوت الذي يُقال له العنبر ، وقَذفه البحر . ففي صحيح مسلم ( 3/ 1535) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنه : (( هُوَ رِزقٌ أخرجه اللهُ لكم ، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟ )) .
     وهذا دليلٌ على إباحة طعام البحر ، أي ما رَمى به . فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتبره رزقاً أخرجه اللهُ تعالى من البحر لكي يأكل الناس ، وأيضاً فقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم تناولَ هذا الطعام ( لحم الحوت ) غير المعهود في البيئة العربية الصحراوية .
ج _ الوفاء بالعهد :
     قال اللهُ تعالى : (( والموفون بعهدهم إذا عَاهَدوا )) [ البقرة : 177] .
     إن الوفاء بالعهد من أبرز صفات المؤمنين . فهو يدل على شخصية أخلاقية متوازنة تُمثِّل لبنةً أساسية في بناء المجتمع الإنساني الذي يَعرف حقوقَه وواجباته .
     فيجب الوفاء بالعهد الإلهي ، أي حفظ العلاقة بين المخلوق والخالق . وأيضاً الوفاء بعهود الناس ومواثيقهم . فالوفاءُ بعهد الله تعالى هو الدافع للوفاء بعهود الناس . ومن خان عهدَ الله ، فهو _ حتماً _ سوف يخون عهودَ الناس . فإذا لم يَردع الدِّينُ الإنسانَ ، فلن يَردعه شيء .
     فالمسلمُ إذا عاهَدَ أوفى ، وإذا قال صَدَق ، وإذا حَلف لم يَحنث بيمينه ، وإذا وَعد لم يُخلِف ، وإذا ائتمن لم يَخن .
     وفي الدر المنثور ( 1/ 417 ) عن أبي العالية قال : (( فَمَن أعطى عهدَ الله ثم نقضه ، فالله ينتقم منه ، ومَن أعطى ذِمةَ النبي صلى الله عليه وسلم ثم غدر بها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة )) اهـ .
     إذن ، قضية "العهود " ليست لعبةً أو لغواً جارياً على الألسنة . إنها قضية حساسة يتوقف عليها مصير الإنسان . فالعهدُ الإلهي والذمةُ النبوية لهما مكانتان ساميتان . فلا ينبغي تعريضهما للمزاح أو اللغو أو الخيانة . فلا بد من الحذر الشديد في التعامل مع المقدّسات لئلا يَهلك الإنسانُ في الهاوية السحيقة ، وعندئذ لا يَنفع الندم .
     وعن عبد الله بن مسعود  _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :  (( مَن حَلف على يمين صَبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان )) . فأنزل الله تصديق ذلك : [ إن الذين يَشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ] [ آل عمران : 77].
{ متفق عليه . البخاري ( 6/ 2458) برقم ( 6299) ، ومسلم ( 1/ 122) برقم ( 138) . وقال الحافظ في الفتح( 11/ 559):(( ويمين الصبر هي التي تُلزِم ويُجبَر عليها حالفها )) اهـ.}.
     فالمسلمُ يُقدِّس عهدَ الله تعالى ولا يشتري به ثمناً قليلاً ، ولا يَبيع دِينه بِعَرَض من الدنيا زائل . وهنا تبرز أيضاً ضرورة حفظ الأيمان ، وعدم إقحام اسم الله العظيم في سياق الخيانة أو الكذب . فالحلفُ بالله لا يكون إلا في الأمور الجليلة لا التافهة .
     وفي تاريخ دمشق( 51/ 395) أن الشافعي قال: (( ما حلفتُ بالله صادقاً ولا كاذباً ))اهـ .
     وهذا يدل على تعظيم اسم الله تعالى . فالحلفُ بالله قضية كُبرى . فعلى المرء ألا ينخدع بكثرة الحلف _ على الصغيرة والكبيرة _ من قِبَل العوام ، فهذا جهلٌ وعدم توقير لاسم الله تعالى . والجاهلُ عدو نفسه .
     وللأسف فإن الحلف ينتشر بصورة كارثية في الأسواق ، فنرى الكثيرين يتخذون من الأيمان  _ الصادقة أو الكاذبة _ وسيلةً لترويج السِّلع ، وتحقيق أرباح مادية عبر إقناع الزبائن بجودة البضائع . وهُم يُقحِمون اسم الله تعالى في معاملاتهم التجارية لكي يُصدِّقهم الناسُ ، وبالتالي تباع البضائعُ ، ويجنون المكاسب .
     وفي صحيح مسلم ( 1/ 102) عن أبي ذر _ رضي الله عنه _ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ثلاثة  لا يُكلمهم اللهُ يوم القيامة ))، وذَكَر منهم : (( والمنفِق سِلْعته بالحلف الفاجر _ أي الكاذب_ )) .
د _ الوفاء بالنذر :
     قال اللهُ تعالى : (( وَلْيُوفوا نذورَهم )) [ الحج : 29] .
     إن المسلم الذي ألزم نفسَه بالنذر يتوجب عليه أن يَفِيَ به . ولا مجال للهروب أو التحايل . فالوفاءُ بالنذر واجبٌ شرعي يأثم تاركُه .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 12/ 40) : (( يدل على وجوب إخراج النذر ، إن كان دماً أو هدياً أو غيره ، ويدل ذلك على أن النذر لا يجوز أن يأكل منه وفاء بالنذر )) اهـ .
     وعن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال : (( أمر اللهُ بوفاء النذْر )) .
{ متفق عليه. البخاري ( 2/ 702) برقم ( 1892) ، ومسلم ( 2/ 800) برقم ( 1139) .}.
     إن إخراج النذر إشارة واضحة على تقوى العبد وتعظيمه لحقوق الله تعالى . فإذا ألزم العبدُ نفسه بأداء قُربةٍ إلى الله تعالى وَجب الوفاء بها ، لأن حق الله أوْلى بالوفاء والأداء على النحو الأكمل بلا نقصان . ومن رحمة الله بالعباد أنه لم يَفرض عليهم النذور ، ولكن العبد حينما يُقرِّر التقربَ إلى خالقه فعليه أن يكون ملتزماً بكلامه ، لأن العبادات ليست لغواً أو حالةً مزاجية عابرة. إنها موقف لا يمكن التساهل به ، وينبغي أداء هذا الحق الإلهي بلا تفريط أو تهرب .
هـ _ الكبائر :
     قال اللهُ تعالى : (( إن تجتنبوا كبائرَ ما تُنْهَوْن عنه نُكَفرْ عنكم سَيئاتكم )) [ النساء : 31] .
     لا يخفى أن اقتراف الكبائر سقوط مريع في الهاوية السحيقة ، هاوية الإثم والخضوع للغريزة والشهوات المحرمة . لكن ذلك ليس نهاية المطاف . فالتوبةُ متاحة للجميع . والرجوعُ إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل .
     والأشخاصُ حينما يبتعدون عن الكبائر ، ولا يَسقطون في هذه المصيدة القاتلة ، فهُم على خير عظيم ، لأنهم أَغلقوا هذا البابَ . وبالتالي فإن مستواهم الإيماني سيكون عالياً جداً رغم بعض الثغرات التي لا يَخلو منها إنسان بسبب انعدام العِصمة .
     واجتنابُ الكبائر طريقٌ لغفران الصغائر ومحوها . وهذا لا يعني التساهل في الذنوب ، والغرق في الصغائر بحُجة أنها مغفورة . فالعاقلُ لا يَنظر إلى حجم المعصية ، بل يَنظر إلى مَن عَصى . ولا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار .
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 178) : (( واخْتُلِف في الكبائر . والأقرب أن الكبيرة كل ذَنْب رَتّب الشارعُ عليه حَدّاً ، أو صَرّح بالوعيد فيه . وقيل : ما عُلم حُرْمته بقاطع )) اهـ .
     ولا يخفى أن أكبر الكبائر هي الشِّرك بالله تعالى . وهذه الكبيرةُ لا ينفع معها طاعة ، وهي غير مغفورة قطعاً . والمشرك خالدٌ في النار لا فرصة له بالنجاة إطلاقاً .
     وعن عبد الله بن مسعود _ رضي الله عنه _ قال : (( الكبائر من أول سورة النساء إلى [ إن تجتنبوا كبائرَ ما تُنْهَوْن عنه ] ، من أول السورة ثلاثين آية )) .
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 1/ 127) برقم ( 196) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
     واللهُ تعالى قادر على أن يَخلق البشر كالملائكة . إي إنهم معصومون ، لا يَعصون اللهَ البتة ، ويَعبدونه بلا انقطاع أو تعب . لكن اللهَ تعالى قد رَكّب الشهواتِ في البشر، ولم يجعلهم معصومين. فهم يتحركون بين الطاعات والمعاصي ، وبين الحسنات والسيئات . وهنا تتجلى الحِكمةُ الإلهية ، والإرادة الربانية العُليا .
     وفي صحيح مسلم ( 4/ 2105) : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لولا أنكم تُذنِبون لخلقَ اللهُ خَلقاً يُذنِبون يَغفر لهم )) .
     وهذه _ بالطبع _ ليست دعوةً للإثم وارتكاب الذنوب . بل هي تثبيت للمسلّمة بأن البشر كائنات غير معصومة ، ترتكب الذنوبَ ، ويُفترَض بها أن تستغفر وترجع إلى خالقها تعالى . فاللهُ تعالى يريد من عباده أن يعودوا إليه رحمةً بهم . وهنا تبرز أهمية الاستغفار ، وأن الرحمة الإلهية أعظم من الذنوب _ مهما بَلغت _ . والخالقُ _ سبحانه _ لا تضره المعصية ولا تَنفعه الطاعة. ولو أراد اللهُ لأجبر الناسَ على الطاعة وعصمهم من الآثام. وعندئذ يَبطل الأجر والعقاب، وتصبح الجنة والنار بلا معنى . والله تعالى خلق الإنسانَ ، ومنحه القدرةَ على الاختيار بين الخير والشر ، ووفق هذا الاختيار يتحدد المصير البشري . فالإنسانُ مكتسب لفعل الخير أو الشر غير خالقٍ له ، كما أنه يتحرك في هذا العالَم بين التسيير والتخيير. فمثلاً ، إن الله لا يقول للعبد يومَ القيامة : لِمَ مرضتَ ؟، بل يقول له: لِمَ عصيتَ ؟. ووفق هذا المعنى تتحدد مسؤولية الإنسان ، وحدود طاقته .
     وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَا مِن عبد يأتي الصلوات الخمس ، و يصوم رمضان ، ويجتنب الكبائر السبع ، إلا فُتحت له أبواب الجنة يوم القيامة )) . ثم تلا [ إن تجتنبوا كبائرَ ما تُنْهَوْن عنه نُكَفرْ عنكم سَيئاتكم ] .
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 1/ 316 ) برقم (719 ) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
     وهذا يدل على أن العبادات وترك الكبائر تُكفِّر الذنوبَ ، وتفتح الطريقَ أمام الإنسان نحو الجنة . لذلك لا يمكن الاستهانة بأثر العبادات في الدنيا والآخرة . كما أن اجتناب الكبائر يُسقِط الصغائر . وهذا من رحمة الله بعباده .
     أمّا الكبائر السبع ، فقد وضّحها حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم . وهي أمهات الذنوب ، أي إنها أُسس الخطيئة الجالبة للغضب الإلهي ، ويلزم التوبة منها عاجلاً غير آجِل .
     فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله ، وما هُن ؟ ، قال : (( الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حَرم اللهُ إلا بالحق ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات )).
{ متفق عليه . البخاري ( 3/ 1017) برقم ( 2615) ، ومسلم ( 1/ 92) برقم ( 89) .}.
     والناظرُ في هذه الذنوب الكبيرة يجد أنها كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى . فهي تقضي على حياة الفرد ، وتجعل من المجتمع ريشةً في مهب الريح . وذلك لما لها من آثار مُدمِّرة في الدنيا والآخرة . والمبتعِد عنها يكون قد أَغلق هذا الباب ، واستراح من أمهات الشرور ، وجَنّب نفسه التهلكة والدمار الحتمي .
2_ الجزاء :
أ _ القِصَاص :
     قال اللهُ تعالى : (( ولكم في القِصَاص حياةٌ يا أُولي الألباب لعلكم تتقون )) [ البقرة : 179].
     إن تشريع القِصاص له حكمة بالغة . فقتلُ القاتل يؤدي إلى تطهير المجتمع من الجرائم وثقافة الحقد والثأر . كما أن هذه العقوبة الحاسمة سَتَرْدع الذين يُفكِّرون في قتل الآخرين خوفاً من أن يُقتَلوا . وبالتالي فإن الحياة البشرية على الأرض ستتألق وتستمر بلا خوف أو اضطراب . فكان القِصاصُ حياةً، أي إنه حفظ حياة الآخرين ، وصانها من عبث العابثين ، وحمى المجتمعَ من الأزمات الخطيرة ، وانتشارِ الجرائم ، وثقافةِ الانتقام ، والتي تُهدِّد الوجودَ الاجتماعي وتَعصف به .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 2/ 252): (( وكانت العربُ إذا قَتل الرجلُ الآخرَ حَمِيَ قبيلاهما وتقاتلوا ، وكان ذلك داعياً إلى قتل العدد الكثير ، فلما شَرع اللهُ القِصاصَ قنع الكل به ، وتركوا الاقتتالَ ، فلهم في ذلك حياة )) اهـ .
     وهذا يدل على الحمية الجاهلية وثقافة الثأر السائدة في البيئة العربية . فكان القتلُ في البيئة الجاهلية عبثياً ومجانياً وبلا ضوابط . فهو محكوم بشريعة الغاب والعنجهية القَبَلية . فكل قبيلة تريد إثبات أنها الأقوى والأكثر نفوذاً ، وأن كلمتها هي العليا بين القبائل . ومن هنا كان الاحتكام للسيف والغزو والقتل العبثي . فقد كانوا يَقتلون غيرَ القاتل ، والجماعة بالواحد ، مما يؤدي إلى إزهاق أرواح الأبرياء ، وانتشار الأحقاد والفوضى الجارفة . أمّا في حالة القِصاص فلا يُقتَل إلا القاتل ، وبالتالي ينجو الآخرون من القتل ، وتزول الضغائن وحب الانتقام ، وهكذا تتكرس الحياة البشرية بلا تهديد ، ويَأمن الناسُ على حياتهم وممتلكاتهم . فالقتلُ أنفى للقتل ، أي إن قتل القاتل سبب حياة الآخرين .
     كما أن تطبيق القِصاص لا يكون إلا بأمر الحاكم ( الحكومة ) ، أو المسؤول الذي عَيّنه الحاكمُ لهذا الشأن. ولا يجوز للناس أن يَقتصوا من بعضهم البعض ، لأن هذا يؤدي إشاعة الظلم والفوضى في المجتمع ، وتحوّل النسق الإنساني إلى مجتمع الغاب. فليس للناس أن يَأخذوا حَقّهم بأيديهم ، فهذا الأمرُ له آثار وخيمة تقضي على وجود الفرد والجماعة معاً .
ب _ جزاء الكافرين :
     قال اللهُ تعالى : (( واقتلوهم حيثُ ثقفتموهم وأخرِجوهم مِن حيثُ أخرجوكم )) [ البقرة : 191] .
     إننا لنجد أعداء الحق _ في كل زمان ومكان _ يحاولون جاهدين تشويه صورة الإسلام وصبغه بالإرهاب والقتل والإبادة. وهذه الأسطوانة المشروخة لم تعد تنطلي على أحد بسبب انكشافها وانهيار مَن يَقفون وراءها . وهؤلاء القومُ يَضعون النصوصَ الدينية الخاصة بالقتل والقتال في غير موضعها، ويخرجونها من سياقها الديني والتاريخي، ويُؤَوِّلونها حسب أهوائهم ومصالحهم ، ويُوظِّفونها من أجل دعم أفكارهم الخبيثة التي تفتقد إلى المنهج العِلمي . وأيّ نَص في هذا العالَم _ سواءٌ كان دينياً أو غير ديني _ يمكن تأويله بشكل داعم للعنف والإرهاب . لكن الإنصاف يقتضي الوقوف على الآيات القرآنية الخاصة بالقتل والقتال ، ومعرفة تفسيرها ، وسياقها ، ودلالتها ، دون إقحام الأهواء الشخصية ، والأفكارِ المغرِضة ، والمصالح الذاتية الضيقة .
     قال الطبري ( 2/ 191 ) في تفسيره : (( واقتلوا أيها المؤمنون الذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مقاتلهم، وأمكنكم قتلهم ... وأما قوله : [ وَأَخْرِجُوهُم منْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ] فإنه يعني بذلك المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكة ، فقال لهم تعالى ذِكْره : أَخْرِجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم _ وقد أخرجوكم من دياركم _ من مساكنكم وديارهم كما أخرجوكم منها )) اهـ .
     ومن الواضح أن الآية الشريفة [ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم منْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ] تتحدث عن المشركين الذين عذّبوا المسلمين . وقد أمر الله تعالى بقتلهم لأنهم كفار محارِبون لم يتخلصوا من حرب الإسلام والمسلمين ، لذلك فهؤلاء فقدوا عصمةَ الدم لأنهم لم يلتزموا بالقواعد التي تحفظ لهم دماءهم ، فجاء الأمر صريحاً بقتلهم ، وأيضاً القيام بإخراجهم من منازل المسلمين في مكة التي وقعت تحت احتلال المشركين ، لذلك فقتلُ المشركين هو ضمن سياسة المقاومة المشروعة للاحتلال، والمكفولة في كل الدساتير السماوية والوضعية .
     وانظر إلى الدستور الإسلامي في التعامل الحربي _ بلا إفراط أو تفريط _ ، وتأمّل هذه القواعد الشرعية الإنسانية الراقية . ففي صحيح مسلم ( 3/ 1357) : عن بُرَيْدة _ رضي الله عنه _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سَرِية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال : (( اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتِلوا مَن كفر بالله، اغزوا ، ولا تَغُلوا ، ولا تغدروا ، ولا تُمَثلوا ، ولا تقتلوا وليداً . وإذا لقيتَ عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكُف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حُكمُ الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أَبَوا فَسَلْهم الجِزية ، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتِلهم . وإذا حاصرتَ أهلَ حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله ، وإذا حاصرتَ أهلَ حصن فأرادوك أن تُنْزِلهم على حُكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أَنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا )) .
     إن هذا الحديث الجامع يُمثِّل منهجيةَ الحرب في الإسلام ، منهجيةً منضبطة بالشريعة السماوية لا الأهواء البشرية .  
     فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً لم يتركه لهواه أو اجتهاده الشخصي ، بل يُوضِّح له الأُسس التي يقوم عليه أمر القتال . فالقتالُ في الإسلام ليس عبثياً أو نزوةً عابرة أو عصبيةً قَبَلية . إنه منهج متكامل له حكمة جليلة لحفظ أمن الفرد والمجتمع ، والحفاظِ على سَيْر الحياة البشرية بلا عوائق ، وذلك عبر التخلص من العناصر الفاسدة . تماماً كالطبيب الذي يَقطع عضواً فاسداً في الجسم البشري للحفاظ على حياة الإنسان .
     فالوصيةُ الأساسية تتجلى في تقوى الله تعالى والاعتناء بالمسلمين الخاضعين لقيادة الأمير . كما أن الغزو إنما يكون باسم الله لا باسم الأشخاص ، وفي سبيل الله لا سبيل الغنيمة أو الانتقام . وينبغي الابتعاد عن الغلول والغدر والتمثيل بجثث القتلى وقتل الأطفال . فهذه القضايا تتصادم تماماً مع منهج الإسلام وشخصية المسلم المتّزنة .  
     والقتالُ من منظور الشريعة الإسلامية ليس مقصوداً لذاته، ولا يَنطلق بدافع الثأر أو الكراهية، بل هو وسيلة لمعاقبة المجرِم ، وردع الذين يُفكِّرون في ارتكاب الجرائم . وهنا تتجلى إنسانية الحرب عن المسلمين .
     وبما أن مسيرة الدعوة لا تتوقف _ مهما كانت الظروف _ ، كان من الطبيعي أن تَسبق الدعوةُ القتالَ ، ولا يُبادَر إلى القتال مباشرةً . فأولاً : ينبغي دعوة الكافرين إلى الإسلام ، فإن أجابوا فقد عَصموا دماءهم ، ثم الدعوة إلى التحول إلى دار المهاجرين ، فإن فعلوا ذلك فهُم كالمهاجرين سواءً بسواء . فإن رَفضوا التحول فلهم أن يكونوا كأعراب المسلمين ، ليس لهم نصيب من الغنيمة والفيء إلا إذا جاهدوا مع المسلمين . وإذا رَفضوا فيجب عليهم دفع الجِزية ، وإذا رَفضوا فعندئذ يكون القتالُ. وكما يقال : آخر الدواء الكَي. وهذا يَدحض افتراءاتِ الخصوم الذين يربطون الإسلام بالتعطش للدماء ، والهمجية ، وعشق القتل .
     وتبرز هنا توجيهاتٌ نبوية جليلة في موضوع "الحِصار" . فإذا حاصر المسلمون الأعداءَ، فينبغي على الأمير ألا يُقحِم ذِمةَ الله ولا ذمة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر. بل يجعل للأعداء _ إن طلبوا ذلك _ ذِمته وذِمة أصحابه. إذ إن ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مُقدّستان ، ويجب إبعادهما عن التقلبات أو المفاوضات. وإذا أراد الأعداءُ إنزالهم على حُكم الله ، فعلى الأمير أن يُنْزِلهم على حُكمه الشخصي لأنه لا يَعرف هل يصيب حُكمَ الله فيهم أم لا .  
ج _ جزاء القاتل :
     قال اللهُ تعالى : (( وما كان لمؤمن أن يَقتل مؤمناً إلا خطأً ومَن قَتل مؤمناً خطأً فتحريرُ رقبة مؤمنة ودِيَةٌ مُسلمة إلى أهله إلا أن يَصدقوا فإن كان مِن قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان مِن قوم بينكم وبينهم ميثاق فَدِيَةٌ مُسلمة إلى أهله وتحريرُ رقبة مؤمنة فَمَن لم يجد فصيامُ شهرين متتابعين توبة من الله وكان اللهُ عليماً حكيماً )) [ النساء : 92] .
     فلا ينبغي للمؤمن أن يَقتل مؤمناً لأن إيمانه يَردعه عن إتيان هذا الفعل الكارثي ، لكن قتل الخطأ وارد بسبب انعدام عِصمة البشر ، وإمكانية ارتكابهم للأخطاء . ولا يمكن تصور أن يَقتل المؤمنُ مؤمناً متعمِّداً ، لأن هذا الفعل الشنيع يُعَدّ كبيرةً تقود صاحبها إلى هاوية الخطيئة ، وتضعه على طريق جهنم ، لما لها من آثار مُدمِّرة على سَيْر الحياة الدنيا ، ومصيرِ الإنسان في الآخرة .
     وفي الدر المنثور للسيوطي ( 2/ 616 ) : (( أخرج ابن المنذر والبيهقي في سُننه من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه : أن الحارث بن زيد كان شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء وهو يريد الإسلام وعياش لا يشعر ، فلقيه عياش بن أبي ربيعة فحمل عليه فقتله ، فأنزل الله : [ وما كان لمؤمن أن يَقتل مؤمناً إلا خطأً ] )) اهـ .
     ومن قَتل مؤمناً على وجه الخطأ فيترتب عليه أمران واجبان : الأول _ الكفارة ، وهي تحرير رقبة مؤمنة ، إذ إن إعتاق العبد كإحيائه وإعادته إلى الوجود ، والثاني _ دفع الدية إلى أهل المقتول إلا إذا تنازلوا عنها . وهذا تعويض عن فقدانهم لابنهم .
     أما مقدار الدية ، ففي مسند أحمد ( 2/ 183) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى مَن قُتل خطأ ، فَدِيته مائة من الإبل .
     فإن كان المقتول مؤمناً لكنه من قومٍ كافرين محارِبِين ، فلا دِية لهم لئلا يَستعينوا بها على محاربة الإسلام والمسلمين . وعلى القاتل تحرير رقبة فقط . 
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 710) : (( فإن كان القتيلُ أولياؤه أهل ذِمة أو هدنة ، فلهم دِية قتيلهم، فإن كان مؤمناً فدية كاملة، وكذا إن كان كافراً أيضاً عند طائفة من العلماء )) اهـ . ويجب على القاتل أيضاً تحرير رقبة مؤمنة .
     فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين ، أي صومهما بشكل متواصل لا إفطار فيه . ومن أفطر بغير عُذر فيجب البدءُ من جديد . وهذه هي توبةُ القاتل خطأ . فقضيةُ القتل ليست سهلةً إطلاقاً . وإذا كانت هذه التشريعات التفصيلية خاصة بالقاتل خطأ ، فما بالك بالقاتل عمداً ؟! .
     قال اللهُ تعالى : (( وَمَن يَقتل مؤمناً مُتعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اللهُ عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً )) [ النساء : 93] .
     والقتلُ العمد من أفظع الذنوب على الإطلاق ، ومن أمهات الكبائر . وهو مقرونٌ بالشِّرك بالله تعالى . مما يدل على خطورة هذا الإثم ، وتأثيره الشديد على الفرد والجماعة والوجود الإنساني برمّته . والآيةُ تحمل تهديداً شديداً ووعيداً واضحاً لمقترِف هذه الكبيرة أو الذي يُفكِّر في اقترافها للردع والزجر .  
     وقال الحافظ في الفتح ( 8/ 258) : (( يُقال : نزلت في مقيس بن ضبابة ، وكان أسلم هو وأخوه هشام . فقتل هشاماً رَجلٌ من الأنصار غيلة فلم يعرف، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم رَجلاً يأمرهم أن يدفعوا إلى مقيس دِية أخيه ففعلوا ، فأخذ الديةَ ، وقَتل الرسولَ ، ولحق بمكة مرتداً فنزلت فيه.  وهو ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دَمَه يوم الفتح . أخرجه بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير )) اهـ .
     والآيةُ محمولة على من استحل القتلَ ، أي اعتبره حلالاً . فعندئذ يَخرج من الإسلام ، ويُعتبَر كافراً مستحقاً للخلود في جهنم ، ونيلِ غضب الله ولعنته . والقاتلُ المتعمد تلزمه التوبة الصادقة لكي يعود إلى حظيرة الإيمان . فإذا مات على غير توبة فهو على خطرٍ عظيم .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 5/ 312) : (( واختلف العلماء في صفة المتعمد في القتل ، فقال عطاء والنخعي وغيرهما : هو من قَتل بحديدة كالسيف والخنجر وسنان الرمح ، ونحو ذلك من المشحوذ المعد للقطع ، أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقال الحجارة ونحوها . وقالت فِرقةٌ : المتعمد كل من قَتل بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بغير ذلك ، وهذا قول الجمهور )) اهـ .
     وعن ابن جبير قال : آية اختلف فيها أهل الكوفة ، فرحلتُ فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال : (( نزلت هذه الآية : [ وَمَن يَقتل مؤمناً مُتعمداً فجزاؤه جهنم ]. هي آخر ما نزل ، وما نسخها شيء )).
{متفق عليه.البخاري ( 4/ 1676)برقم ( 4314) ، ومسلم ( 4/ 2317) برقم ( 3023) .}
     وهذا يدل على الثقافة العلمية التي كانت سائدةً في الوسط الاجتماعي . فالجماعةُ البشرية كانت حريصةً على التعلم والتعليم . فالسفرُ من أجل معرفة تفسير آية قرآنية كان أمراً عادياً وليس تشدداً أو مضيعةً للوقت . وهذه البيئة المعتمدة على المنهج العلمي قادرة على بناء منظومة شرعية متكاملة مستندة إلى الكتاب والسنة وأقوال العلماء الراسخين القادرين على تفسيرهما .
     وعن عبد الله بن مسعود _ رضي الله عنه _ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أول ما يُقضَى بين الناس في الدماء )) .
{متفق عليه.البخاري( 6/ 2517)برقم ( 6471)،ومسلم ( 3/ 1304) برقم ( 1678) . }.
     وفيه تغليظ موضوع " الدماء " والتشديد عليه . وهو أول ما يُقضَى فيه بين الناس يوم القيامة بسبب خطورته الكبرى ، وتأثيره العميق . فالدمُ البشري معصوم ، والحياة الآدمية لها احترامها ومكانتها التي لا يجوز الاعتداء عليها . لذلك كانت "الدماء" أمراً بالغ الأهمية يَستحق أن يكون بدايةَ القضاء والمحاسبة يوم القيامة . فهذا الكيانُ البشري ( الإنسان ) الذي خلقه اللهُ تعالى وكَرمه وصانه ، ليس لأحد أن يزيله أو يعتديَ عليه . فالحياةُ التي منحها اللهُ لعباده مقدّسة لا يملك أي شخص _ مهما بلغت رُتبته _ أن يهدمها .
     وعن عبد الله بن عمرو : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لزوال الدنيا أَهْون على الله من قتل رَجل مسلم )) .
{ رواه الترمذي في سُننه ( 4/ 16) برقم ( 1395) . وقال الحافظ في الفتح ( 12/ 189) :   (( قال الترمذي : حديث حسن )) . }.
     فالدنيا أحقرُ وأقل شأناً من دم المسلم . وقتلُه أعظم عند الله تعالى من الدنيا . وهذا التكريمُ الإلهي للمسلم يشير إلى منزلته الجليلة . فكيانُ الإنسان المسلم  أكثر شرفاً ورِفعةً من الكيان الدنيوي بكل زينته . ولا يخفى أن المسلم هو الذي يَحمل الرسالةَ الإلهية على الأرض ، ويسعى جاهداً لتطبيقها في الواقع . ومَن حاول قتل حامل الرسالة ( المسلم ) فقد حاول إزالةَ الدنيا .
     وفي فتح الباري ( 12/ 189) : (( قال ابن العربي : ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك ، فكيف بقتل الآدمي ؟!، فكيف بالمسلم ؟! ، فكيف بالتقي الصالح ؟! )) اهـ .
     وعن أبي الدرداء _ رضي الله عنه _ أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كل ذَنْبٍ عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً ، أو مَن قَتل مؤمناً مُتعمداً )).
{ رواه ابن حبان في صحيحه ( 13/ 318) برقم ( 5980) . }.
     فنحن نجد قتلَ المؤمن عن عمد مقروناً بالشرك . مما يدل على خطورة هذا الذنب ، وأن مرتكبه قد أَهلك نفسه ، ووضعها في مأزق حرج ، فعليه التوبة فوراً بلا تسويف قبل أن يهويَ في جهنم ، وعندئذ لا تنفعُ التوبة ولا الندم .
     وفي مسند أحمد ( 2/ 217 ) : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَن قَتل مؤمناً متعمداً فإنه يُدفَع إلى أولياء القتيل ، فإن شاؤوا قَتلوا ، وإن شاؤوا أخذوا الدية )) .
     ومن خلال هذه النصوص يتضح لنا أن قضية "القتل" شديدة الأهمية ، ويترتب عليها تبعات كثيرة تتعلق بالفرد والجماعة. فعلى المرء أن يبتعد عن الدم الحرام المعصوم. فالعاقلُ من اتعظ بغيره، والجاهلُ من اتعظ بنفسه . والبقاءُ على بَر الأمان أفضل من الخوض في بحر متلاطم الأمواج يُغرِق الداخلَ فيه ، ولا يَسمح له بالخروج أبداً .
     وقال اللهُ تعالى : (( مِن أجل ذلك كَتبنا على بني إسرائيل أنه مَن قَتل نَفْساً بغير نَفْس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قَتل الناسَ جميعاً )) [ المائدة : 32] .
     فمن أجل قتل ابن آدم أخاه ظلماً ، كُتب على بني إسرائيل أنه مَن قَتل النفس البريئة أو فساد في الأرض ( مثل الشرك أو قطع الطريق ) فكأنما قَتل الناسَ جميعاً ، لأنه لا فرق بين نَفْسٍ ونفس . وهذا التشريعُ السامي يدل على أن الاعتداء على النفس الإنسانية عدواناً وظلماً هو اعتداء على جميع النفوس ، فالكيانُ الآدمي كُل لا يتجزأ ، ووحدة واحدة لا انفصال فيها . كما أن قتلَ الفرد هو تكريسٌ لقتل الجماعة ، وهدم للمنجزات الحضارية ، وفتح الباب أمام الأحقاد الاجتماعية وثقافة الانتقام والقتل والإبادة . وإذا زال الجزءُ زال الكل .
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 319) : (( [ فكأنما قَتل الناسَ جميعاً ] من حيث إنه هَتكَ حُرمةَ الدماء ، وسَن القتلَ ، وجَرأ الناسَ عليه . أو من حيث إن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استجلاب غضب الله _ سبحانه وتعالى _ ، والعذاب العظيم )) اهـ .
     وفي الدر المنثور للسيوطي ( 3/ 64 ) : (( عن أبي هريرة قال : دخلتُ على عثمان يوم الدار فقلتُ : جئتُ لأنصرك ، فقال : يا أبا هريرة ، أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم ؟ ، قلتُ : لا ، قال : فإنك إن قَتلتَ رَجلاً واحداً فكأنما قَتلتَ الناسَ جميعاً ، فانصرِفْ )) اهـ .
     وهذا يدل على خطورة القتل ، وأن الكيان الإنساني له احترامه في المنظور الإسلامي ، ولا فرق بين الفرد والجماعة من حيث المكانة الاعتبارية . فقتلُ الفرد هو قتلٌ للجماعة . وهذه النظرة الشرعية تقود إلى تدعيم الوحدة الاجتماعية ، وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع ، وإحاطة الكيان البشري بسورٍ واقٍ مضاد لعبث العابثين . فالدمُ الإنساني معصوم لا يُراق إلا بأحكام الشريعة . وهذه الحصانة الإلهية الممنوحة للإنسان تشير إلى مركزيته على الأرض، ودوره المحوري في إعمارها، وأنه كائن راقٍ شريف ومُكرّم .
     وقال اللهُ تعالى : (( ولا تَقتلوا النفسَ التي حَرم اللهُ إلا بالحق ومَن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لِوَلِيه سُلطاناً فلا يُسرِف في القتل إنه كان منصوراً )) [ الإسراء : 33] .
     لا يجوز قتل النفس المعصومة التي جعل اللهُ دمها حراماً مُصاناً إلا بالحق. أي إلا بأحد الأسباب التي تَسلب الإنسانَ عِصمةَ الدم وتجعله مباحاً ، كالردة ، والزنا من المحصَن ، وكالقِصاص من القاتل عمداً .
     ومَن قُتل مظلوماً ، أي بلا سبب موجب لقتله ، فإن وَلِي المقتول ( الوارث الذي يلي أمرَه بعد وفاته ) يملك سُلطةً على القاتل ، إن شاء قَتل ، وإن شاء عفا ، وإن شاء أخذ الديةَ .
     ويجب عدم الإسراف في القتل. فلا يجوز أخذ البريء بجريمة القاتل . فلا يُقتَل بالمقتول ظلماً إلا قاتله ، ولا أحد غير القاتل .
     وقال الطبري في تفسيره ( 8/ 74) : (( وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك، إذا قتل رَجل رَجلاً عمد ولي القتيل إلى الشريف من قبيلة القاتل فقتله بِوَلِيه ، وترك القاتلَ ، فنهى اللهُ    _ عز وجل _ عن ذلك عباده )) اهـ .
     كما أنه لا يجوز التمثيل بجثة القتيل أو الاعتداء عليها. وأيضاً لا يَقتل الشخصُ بدل وَلِيه اثنين، كما كانت تفعل العربُ في الجاهلية . فهذا منتهى الظلم النابع من الاحتكام لعقلية الثأر والتشفِّي لا إقامة العدل . فالبيئة الجاهلية كانت تتقاذفها الأهواءُ الشخصية بلا رؤية واضحة ، وتتحكم فيها ثقافة الانتقام وشهوة السلطة والسيادة على القبائل لا قيمة العدل والمساواة .
     وفي صحيح مسلم ( 3/ 1333) : عن عبادة بن الصامت _ رضي الله عنه _ قال : كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال : (( تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا ، ولا تقتلوا النفْسَ التي حَرم اللهُ إلا بالحق )) .
     وهذه الوصايا النبوية الشاملة تؤسس منهجاً شرعياً وتربوياً واجتماعياً في المحيط الإنساني ، فَتَفتح البابَ أمام الخير ، وتغلق البابَ أمام الشر . مما يؤدي إلى صناعة المجتمع المتماسك المتقدم العصي على الانقسام والتناحر . 
     وقوله تعالى : [ إنه كان منصوراً ] . فإمّا أن يكون الضمير عائداً على المقتول ، فإنه منصور في الدنيا بثبات حقِّه والقِصاص من قاتله ، وفي الآخرة ينال الأجرَ . وإمّا أن يكون عائداً على ولي المقتول فإن الله تعالى نصره ، إذ أعطاه سلطاناً على القاتل ، ومنحه حق القِصاص ، وأمر الحكامَ بمساعدته حتى ينال حقه .
3_ الحدود :
أ _ حَد الزنى :
     قال اللهُ تعالى : (( الزانيةُ والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جَلدة )) [ النور : 2] .
     إن الزاني إذا كان مُحصَناً فعليه الرجم. أمّا إن كان بِكراً لم يتزوج فيُجلَد مائة جَلدة ، ويُغرّب عن بلده لمدة عام. فالجَلدُ عقوبةٌ حِسِّية، والتغريب عقوبة معنوية. وذلك لكي يدرك حجمَ جريمته ، ويرتدع الآخرون عن الإتيان بفِعلته القبيحة .
     وفي صحيح البخاري ( 2/ 937 ) : عن زيد بن خالد_ رضي الله عنه_: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر فيمن زنى ولم يُحصَن بجلد مائة ، وتغريب عام .
     وقد قَدّم اللهُ تعالى ذِكر الزانية على الزاني ، لأن المرأة هي منبع الفتنة الجنسية ، ومصدر الجذب، وهي _غالباً_ صاحبة المبادرة في المشكلات الجنسية لما تملكه من إغراء وعوامل استدراج.
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 172) : (( وإنما قَدّم [ الزانيةُ ] لأن الزنا في الأغلب يكون بتعرضها للرجل ، وعرض نفسها عليه ، ولأن مفسدته تتحقق بالإضافة إليها )) اهـ .
ب_ حَد زنى الإماء :
     قال اللهُ تعالى: )) فإذا أُحْصِن فإن أتَيْنَ بفاحشةٍ فعليهن نصفُ ما على المحصَنات من العذاب )) [ النساء : 25] .
     فالأَمَةُ إن زَنت فإنها تُجلَد نصف جَلد الحرة ( 50 جلدة ) . وإحصانُ الأمَة تزويجها ، وقيل : إسلامها .
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 172) : (( وهو يدل على أن حَد العبد نصف حَد الحر ، وأن لا يُرجَم لأن الرجم لا ينتصف )) اهـ .
ج _ حد القذف :
     قال اللهُ تعالى : (( والذين يَرْمون المحصَناتِ ثم لم يأتوا بأربعة شُهداء فاجلدوهم ثمانين جَلدة ولا تَقبلوا لهم شَهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون )) [ النور : 4] .
     فالذين يتهمون حرائر المسلمين بالزنا ، ولم يأتوا بأربعة يَشهدون على ارتكاب هذا الفعل ، فعندئذ يُطبّق عليهم حد القذف ، وهو الجلد ثمانين جَلدة ، ولا تُقبَل لهم شهادة أبداً ، إذ إنهم قد فَقدوا عدالتهم وسُمعتهم ، فلا يستحقون أن تُسمَع شهادتهم . فالمجتمع فقد الثقة بهم ، لذلك لا يمكن التعويل على كلامهم ، أو الاعتماد على شهادتهم المتعلقة بمصير الآخرين .
     واللهُ تعالى حَكمَ على القاذف الذي لم يأتِ ببرهان على كلامه بثلاثة أمور : 1) الجلد ثمانين جلدة ، 2) عدم قبول شهادته أبداً ، 3) إسقاط عدالته عند الله تعالى وعند الناس .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 12/ 154) : (( للقذف شروط عند العلماء تسعة : شرطان في القاذف ، وهما : العقل والبلوغ ، لأنهما أصلا التكليف ، إذ التكليف ساقط دونهما . وشرطان في الشيء المقذوف به، وهو أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد وهو الزنى...، وخمسة في المقذوف وهي : العقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عن الفاحشة التي رُمي بها )) اهـ .
     فالقذفُ قضيةٌ بالغة الخطورة وشديدة الحساسية لأنها تمس أعراضَ الناس وسُمعتهم . وإذا انتشر قذفُ المحصَنات في المجتمع فإن التماسك الاجتماعي سيتفكك ، ويؤول شرفُ الناس إلى ألعوبة ، وأحاديث للتسلية تنتقل في المجالس . وهذا يقضي على الوجود الاجتماعي برمّته ، ويُفقِد الناس ثقتهم بأنفسهم ومجتمعاتهم ، ويؤدي إلى البغضاء والخصومات والقتال بين الناس . وعندئذ يزول معنى الأسرة والقيم المجتمعية بأسرها ، وتصبح البلاد والعباد في مهب الريح . وهذه هي النهاية الكارثية الأكيدة .
د _ حد المحاربة :
     قال اللهُ تعالى : (( إنما جزاءُ الذين يُحارِبون اللهَ ورسولَه ويَسْعَوْن في الأرض فساداً أن يُقَتلوا أو يُصَلبوا أو تُقَطع أيديهم وأرجلهم مِن خِلاف أو يُنفَوْا من الأرض )) [ المائدة : 33] .
     فجزاءُ الذين يُحارِبون الشريعةَ الإلهية والمسلمين ، وينشرون الفساد وسفك الدماء في الأرض أن يُقتَلوا عقوبةً لهم ، أو يُصلَبوا ، أو تُقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى ، أو يُنفوا من بلدٍ إلى بلد .
     وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 11/ 153) : (( واختلف العلماء في المراد بهذه الآية الكريمة . فقال مالك : هي على التخيير ، فيخير الإمام بين هذه الأمور إلا أن يكون المحارِب قد قَتل فيتحتم قتله . وقال أبو حنيفة وأبو مصعب المالكي : الإمام بالخيار وإن قَتلوا،وقال الشافعي وآخرون : هي على التقسيم ، فإن قَتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ، وإن قَتلوا وأخذوا المالَ قُتلوا وصُلبوا ، فإن أَخذوا المالَ ولم يَقتلوا قُطعت أيديهم وأرجلهم من خِلاف ، فإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئاً ولم يَقتلوا طُلبوا حتى يُعزروا ، وهو المراد بالنفي عندنا )) اهـ .
     وبما أن ضرر هذه الجرائم مختلف ، وتأثيرها متفاوت ، فقد كانت عقوباتها مختلفة ، لكي تتناسب العقوبة مع الجريمة دون إفراط أو تفريط .
     والناظرُ في حَد المحاربة قد يظن _ للوهلة الأولى _ أنه قاسٍ وعنيف . ولكنْ ينبغي النظر إلى الأمر من كل زواياه إذا أردنا تكوين صورة صحيحة . فالحِرابةُ _ قطع الطريق _ هي تمرّد مسلح لإرباك المجتمع ، وإشاعة الفوضى والقتل ، وانتهاك الأعراض ، وانتزاع الأموال من أصحابها دون وجه حق . وهذه الجريمةُ الكبرى لا بد من التصدي لها بحزم حفاظاً على أرواح الناس وممتلكاتهم ومجرى الحياة دون عوائق. وسوى ذلك ستنتشر الفوضى في المجتمع ، ويعم القتل والسلب والنهب بكل أريحية ، ودون رادع .
     والحدودُ شُرعت من أجل ردع الناس ، وإحاطة المجتمع بسياجٍ واق ضد الجريمة والمجرمين والذي يُفكِّرون في ارتكاب الجرائم ، وليس من أجل تحويل الأفراد إلى مشلولين ومُعاقين . فالحدودُ هي عقوباتٌ حازمة تجعل الأفراد يُفكِّرون ألف مرة في عاقبة ارتكاب الجرائم ، وبالتالي يَطردون فكرة الجريمة من أذهانهم خوفاً من العقوبة الحاسمة. ودرهمُ وقاية خير من قنطار علاج. أمّا التساهل في العقوبة سيؤدي إلى جرأة الناس على ارتكاب الجرائم ، لعلمهم أن الطريق مفتوح بسهولة ، والعقوبةُ بسيطة لا تستحق أن يُخاف منها . وكما قيل : مَن أَمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدب .
     وعن أنس _ رضي الله عنه_: أن نفراً من عكل _اسم قبيلة_ ثمانية قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعوه على الإسلام ، فاستوخموا الأرض ، وسقمت أجسامهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها ؟ )) ، فقالوا : بلى ، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا ، فقتلوا الراعي ، وطردوا الإبلَ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم ، فأُدرِكوا فجيء بهم ، فأمر بهم فَقُطعت أيديهم وأرجلهم ، وسمر أعينهم ، ثم نُبذوا في الشمس حتى ماتوا  .
{ متفق عليه. مسلم ( 3/ 1296) برقم ( 1671)،والبخاري ( 6/ 2528) برقم ( 6503) .
"فاستوخموا الأرض " : استثقلوها ، ولم يوافق هواؤها أبدانهم .
" سمر أعينهم " : أحمى لهم مسامير الحديد ثم كَحّلهم بها .   }.
     فهؤلاء النّفر قابلوا الإحسان بالإساءة ، وقابلوا المساعدةَ النبوية بالخيانة . فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد إنقاذهم من مأزقهم ، وإخراجهم من أزمتهم ، وإنهاء معاناتهم . فَعَرض عليهم الخروج مع راعي الإبل للتزود من أبوالها وألبانها من أجل أن يستعيدوا عافيتهم ، وحالتهم المعنوية والجسمانية . وقد خرجوا مع الراعي وشربوا من أبوال الإبل وألبانها ، فلمّا عادت إليهم الصِّحة ما كان منهم إلا أن قَتلوا الراعي ، وطَردوا الإبلَ . وإنهم بهذا الفعل يُعلِنون الحربَ على الله ورسوله ، لذلك فقد استحقوا العقوبة الحازمة التي توقفهم عند حَدِّهم ، وتَردع الآخرين .
     وقال السيوطي في شرحه لسُنن النسائي ( 7/ 93): (( وإنما فعل بهم ذلك لأنهم فعلوا بالرعاة وقتلوهم فجازاهم على صنيعهم بمثلة . وقيل : إن هذا كان قبل أن تنزل الحدود ، فلمّا نزلت نهى عن المثلة )) اهـ .