سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/11‏/2010

الأنظمة الحاكمة اللصوصية

الأنظمة الحاكمة اللصوصية
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
إن أمريكا سجن على شكل جزيرة معزولة بين محيطين،فأمريكا بدأت تتآكل من الداخل دون روافد تغذِّيها بالطاقة، حيث إن هذه الحضارة الأمريكية الفاشية تشتمل على بذور زوالها في رحمها ، تماماً كالأم التي تحمل في رحمها قاتِلَها دون أن تعرف . وستدرك أمريكا أن العد التنازلي قد بدأ بوتيرة متسارعة لن تواكبها خطط الإنقاذ التي هي مضيعة للوقت ، ومحاولة لرسم عوالم الأحلام الكاذبة في ذهن المواطن الأمريكي الضائع ، طمعاً في كسب صوته في أية انتخابات قادمة . فلا يوجد سياسي عاقل سيقول عن بلده المنهار مخاطباً الجماهير إن بلادنا ضائعة وتُحتضَر ، بل سيقول إن الأمل قادم والمستقبل المشرق ينتظرنا، والأمور سوف تتحسن. وهذه مهنة السياسي الرئيسية في الغرب ، أي الكذب على الناس ، وتخديرهم ، ورميهم في عوالم الأحلام الجميلة، وكل ذلك من أجل الاستفادة من دعمهم وأصواتهم الانتخابية ، ومحاولة رسم مستقبله السياسي ضمن تحقيق مصالح شخصية قبل أن يفيق الشعب من نومه فيجد الكابوسَ يحاصره من كل الجهات بما لا يدع فرصة للهرب . وترتكز فلسفة الحكم في الغرب على قاعدة " الغاية تبرِّر الوسيلة " التي وضعها نقولا ميكافيللي ( 1469م _ 1527 م ) صاحب كتاب الأمير ، وهو ينصح الحكام والأمراء بأن يلجأوا إلى أية وسيلة للحفاظ على سُلطتهم ولو كانت هذه الوسيلةُ مؤذية وغير محمودة.وهذه هي القاعدة المعتمدة في الفلسفة السياسية الغربية، أما أيديولوجيات حقوق الإنسان والديمقراطية فهي شعارات للاستهلاك المحلي ، وتلميع صورة الدولة الاستبدادية داخلياً وخارجياً ، وابتزاز الدول الضعيفة ضمن محاولات حثيثة للتدخل في شؤونها الداخلية لتحقيق منافع شخصية ، ونفوذ على الأرض .
إن الأنظمة السياسية العميلة التي تتغطى بالإسلام أو الديمقراطية تنظر إلى المواطن على أنه صوت انتخابي،مجرد صوت في غابة من قطاع الطرق الذين يرتدون ربطات العنق . ووفق هذا المنظور تؤول القيم الإنسانية إلى مشاريع لبناء مستقبل سياسي مزعوم على أنقاض الكيانات البشرية ، وتذهب الفضاءات الفكرية إلى مصيدة استثمار أصوات الناس لتعزيز النفوذ غير الشرعي للسياسيين على حساب استنزاف المنحى الروحي للبلاد التي تؤول إلى دجاجة تبيض ذهباً ، أي تحوُّل الإنسانيات المعنوية إلى مشاريع تجارية احتكارية يدفع ثمنَها المواطن المسحوق المنتمي إلى وطن قاتل يدر أرباحاً على المجرمين ، ويفتح ذراعيه للسائحين ، ويقتل المواطنين . وكل الأنظمة السياسية القمعية تعمل ضمن إطار تحويل الوطن إلى منفى ، وتفعيل فكرة الإحلال ، أي تهجير العقول الشريفة الوطنية المعارِضة لسرقة البلاد من قبل النظام الحاكم ، واستقدام جوقة المرتزقة من الموالين للسلطة بالحق والباطل . فالهم الأساسي للنظام السياسي القمعي هو إطالة عمر حكمه كيفما اتفق ، ولو على حساب ضياع البلاد وتخلفها،وانكسارِ الشعب وفقره. ومن هنا يؤول الوطن إلى إفراز طبقي يحتضن القادرين على الدفع من رجال الأعمال الموالين للسلطة ضمن زواج الثروة بالسلطة ، ويحتضن كذلك السائحين الذين يساهمون في تدعيم القوة المالية للحاكم دون أية منفعة للشعب المسحوق . وفي نفس الوقت يُطرَد العلماء والمثقَّفون لأنهم يُشكِّلون خطراً على النظام الحاكم الفاسد عبر رفضهم للفساد ، وفتح عيون الناس على الحقيقة ، وهذا يتعارض جملةً وتفصيلاً مع المسار الفاسد للحاكم وحاشيته . ومن خلال هذه الفلسفة تتكرس فلسفة المشاريع السياسية في الدول المتاجرة بالإنسان ، والتي تبني مجدَها الزائل على امتصاص آخر قطرة من الذاكرة الوجودية للفرد المغلوب على أمره . والكيان الأمريكي غير الشرعي الذي قام بالأساس على سرقة أرض الهنود الحمر ، وقتلهم ، وصبغهم بالهمجية والإرهاب ، ضمن تأطيرات سياسة الأمر الواقع والأرض المحروقة وإبادة السكان الأصليين ، إنما هو كيان وضع فلسفةَ إرهاب الدولة في أوسع أنطقة معانيها ، وأعاد صياغة سوق النخاسة ، وكرَّس عبادة الإنسان للإنسان . وكل هذه التكريسات تهدف إلى حَيْوَنَة الإنسان ، ونقله من المستويات الشعورية المنطقية إلى شريعة الغاب ، حيث القوي يضع القوانين لابتزاز الضعفاء ، وحيث الشريعة الحاكمة لا تحكم إلا على الكائنات الصغيرة . وكلما توالت هذه التراكيب اكتشفنا أن العالَم تحكمه عصابة من قطاع الطرق ، ومافيا من رجال السياسة والاقتصاد والثقافة . وقد أضحى كوكبنا مكاناً خطراً للعيش فيه . فلا يوجد من يدافع عن الضعفاء الذين تتكاثر السكاكين على أجسادهم أمام عيون العالَم بلا مغيث . فالعالَم الإسلامي في خانة الضعفاءِ ، حقوقه مهدورة،وأراضيه منهوبة، وأنظمة حكمه متخاذلة. فمنظمة المؤتمر الإسلامي لا وزن لها، وجامعة الدول العربية لا دَوْر لها . وفي ظل هذا الوضع المتردي ينبغي على كل القوى الإسلامية المسلحة في العالَم أن تأخذ حقها بيدها عن طريق نقل المعركة إلى عواصم العالَم ، وعسكرةِ كوكب الأرض ، وملاحقةِ الغزاة في كل مكان وقتلهم . وهذا هو الحل الوحيد. فإن بقي العرب والمسلمون سائرين في طريق الخوف والذل فإن القِبْلة الثانية ستلاقي نفسَ مصير القِبْلة الأولى .
والمضحك المبكي في إشكالية البناء الإمبراطوري الأمريكي هو التماهي الغريب مع العقلية البدوية الحاكمة في الوطن العربي . فغطرسة القوة العمياء تصنع طفولةً سياسيةً متهورةً . وإن المراقِب ليعجب من دول تُسمِّي نفسها عظمى تملك من الموارد البشرية والمادية الشيء الكثير ، تراها تتصرف مثل قطاع الطرق ، والزعرانِ في الحاراتِ البائسة ، ومثل الأطفال الفاقدين لمستويات الوعي . وهذا كله مرجعه إلى أن القوة المتغطرسة تنحو منحىً هستيرياً يلغي دورَ العقلانية والسياسة والحساباتِ الإستراتيجية ، وهذه إحدى عوامل الهزيمة الداخلية النابعة من حماقة العدو التي تهدد وجودَه .
وهذا التماهي السلبي ينبع من تعيين المسؤولين حسب الولاء لا الكفاءة. وهذه الفلسفة قد يكون انتشارها مفهوماً في الدول العربية الفاشلة على كافة الأصعدة ، أما أن توجد في أمريكا المصبوغة بهالة التقدم المادي فأمر يدعو للدهشة . لكن التفسير العقلاني لانتشار هذه الظاهرة في بلاد العم سام هو حجم الضغط القادم من اللوبي اليهودي النازي الذي أَنتج مافيا أنيقة مختبئة وراء البدلات الفخمة، وربطاتِ العنق، لا هَمَّ لها سوى تقريب الموالين لبرنامجها المعتمد على تحقيق مكاسب شخصية، وإبعادِ أصحاب الكفاءات الذين يُعارِضون السيطرة اليهودية_ البروتستنتية المتصهيِنة على مقاليد الحكم في البيت الأبيض ، وبالتالي يهدِّدون المصالحَ الشخصية لعِلْية القوم . وكل السياسات التي تعمل تحت مظلة الضغط تُولَد مسخاً ، فهي غير قادرة على إيصال الشعب إلى بر الأمان ، لأن الذي يعمل تحت الضغط يمارس أعمالَه ضمن دائرة حصار الخوف ، والعقل الخائف لا يمكن أن يُبدِع ، فالخوف يشل القدرةَ الإنسانية على الإبداع والنقد والنقض . ومن مصلحة الجهات المتنفِّذة في العالَم أن يظل الخوف مسيطراً على الطبقات الواقعة تحت السيطرة لئلا تقدر على نقد الأوضاع السيئة ومن ثم السعي إلى التغيير . فالوصفة السحرية لاستمرار النظام الحاكم إلى الأبد ، وحمايته من أي إنقلاب ، هي أن يجد الحاكمُ قطيعاً من الأغنام ليحكمها . وهذه الفلسفة هي المتَّبعة في أنحاء العالَم ككل . ونحن نخلص إلى القول إن الأنظمة الدكتاتورية في العالَم العربي وباقي العالَم لا تحوي نظاماً حاكماً بالمعنى السياسي الفعلي ، بل فوضى حاكمة يحميها العسكرُ المنضوون تحت عباءة الطاغية لتحقيق منافع شخصية . ومن خلال هذا الفرز الحتمي المكوِّن لتقاطعات المصلحية الذاتية نتوصل إلى أن فلسفة رُعْيان الغنم الحاكمة في الوطن العربي تؤول إلى فلسفة رُعْيان البقر الحاكمة في البيت الأبيض . أي إن التخلف عابر للقارات ضمن مسارات تشابك مصالح شخصية. وعلاقة الغرب بالحاكم العربي يمكن أن نعتبرها _ مجازاً_ علاقة ابتزاز متبادل مع رجحان كفة الابتزاز للغرب ، ومع اختلاف مفهوم الابتزاز . فالابتزاز الغربيُّ نابع من قوة مادية هائلة وفرضِ شروط بحكم القوة والنفوذ وبحكم أن الدول العربية محمِيَّات غربية يحكمها السفير الأمريكي ، أما ابتزاز الحاكم العربي فنابع من تقديم تنازلات حاسمة مثل التآمر على فلسطين والعراق _ كما شاهدنا_ أو استقبال قواعد عسكرية غربية على الأرض العربية. وبالتالي يتم حصر الابتزاز في دائرة الحصول على أكبر ثمن لقاء بيع البلاد والشعوب . وهذا الثمن قد يكون اقتصادياً أو سياسياً ، والحاكم العربي مستعد أن يفعل أي شيء للحفاظ على الكرسي . وكل الأزمات التي ضَرَبَت العمودَ الفقري للغرب المنضوي تحت جناح أمريكا نتجت بفعل استلهام السياسات القمعية في الدول المتخلفة ، فصرنا نسمع عن أفراد في أعلى هرم السلطة الغربية متورِّطين في فضائح مالية لا مفر منها ، وعملياتِ تعذيب منهجية في سجون سرية ، وأشخاص مشبوهين لا يملكون الكفاءةَ يقودون بلادَ العم سام . وكأن عدوى الأنظمة العربية الاستبدادية قد انتقلت إلى البيت الأبيض . وكل هذه الإرهاصات تُعَرِّي الشعاراتِ الزائفة عن الحريةِ والديمقراطية وحقوق الإنسان ، ولم تكن هذه الشعارات إلا نسخةً مع بعض التعديل لشعارات الأنظمة العربية البائسة عن التنمية والتحرر والازدهار وانتخابات 9و99% النزيهة ! . وبالطبع فإن المنظِّرين المأجورين الذين يحملون على أكتافهم مهمة تلميع النظام الحاكم الفاسد يدركون أن أفضل وسيلة لقيادة الشعب كقطيع الغنم هي نشر الشعارات الجذابة التي تدغدغ العواطفَ ، والكذب ثم الكذب حتى يصبح حقيقةً ومسلَّمةً لا تقبل النقاش أو حتى التأويل . وفي هذا الخضم نخلص إلى القول إن الأنظمة التي تعمل لمصلحتها الشخصية دون النظر إلى مصالح شعوبها متشابهة ، وكلها تنتهج الكذبَ لاعتقادها بأنه أفضل وسيلة للوصول إلى قلوب الجماهير، وإدامة نظام الحكم أطول وقت ممكن. فالكذب وسيلة مجانية ذات فاعلية عالية في مجتمع جاهل أُمِّي عاطفي بلا عقلانية ، وكلما استمر النهجُ السياسي في شرعنة تغييب الوعي الذاتي بالمحيط الخارجي اتَّجهت التكوينات المفصلية في الدولة إلى منظومة القبيلة أو المجتمعِ البدوي البدائي، فالحاكم هو الدولة ، والدولة هي الحاكم . ومن هنا وجدنا الدولة الأموية والعباسية والأيوبية والعثمانية ، وغيرها. وهذه الدول نظامها السياسي الحاكم في هرم السلطة أشبه بأداء شيخ القبيلة والموالين له . في حين أن الخلافة الراشدة لم تكن دولةً بكرية أو عمرية ، ولم تحمل أسماء الخلفاء ، لأنها كانت دولةَ خلافة راشدة حقيقية مستمدة من الكتاب والسنة مرجعية المسلمين لا مرجعية شيخ القبيلة وحاشيته.
إن صور الأمِّية المنهجية تختلف باختلاف البيئة السياسية والجغرافية . فالأمية في العالَم العربي عالية جداً تقترب من ثلث عدد السكان، وهذا الثلث لا يتقن القراءةَ أو الكتابة . وهذا يعكس وجود خطة سياسية منهجية لتجهيل الشعب ليسهل حكمه كالأغنام ، فالنظام الحاكم العربي يخاف من استخدام الشعب لعقله ، لأن ذلك سيهدِّد مصيرَ حُكْمه ، لأن القاعدة المعتمدة في النظام السياسي العربي أن العقل المفكِّر يُشكِّل خطراً على نظام الحكم . أما الأمية في أمريكا فهي أمية سياسية ، لأن الأمريكي يعيش حياة استهلاكية باذخة ، فلا يهتم بالقضايا الخارجية ، لأن تفكيره محصور في شهواته اليومية المحسوسة ذات التماس المباشر مع حياته التي يبنيها في وعاء اللذة المجرَّدة من المسؤولية، فالحضارة الغربية محصورة بين البطن والفَرْج لا أكثر ولا أقل . مع أن الوضع بدأ يتغير بشكل دراماتيكي ، فالأزمة المالية العالمية التي ضَرَبَت العمودَ الفقري لأمريكا زادت نسبة الفقر والبطالة والمشاكل الاجتماعية ، ومع بدء انهيار المجتمع انهار مستوى الدخل للأفراد ، مما جعل حياةَ المواطن الأمريكي العادي جحيماً لا يطاق ، وصارت الاستهلاكية المفرطة ومستوى الإنفاق العالي جزءاً من الذكريات التي لا تعود. والأمية بكلا المفهومَيْن _ سواءٌ عند العرب أو الغرب _ نتاج سياسة حكومية منهجية لإبعاد الشعب عن السياسة ، ونفْيِه من دائرة صنع القرار أو على الأقل مناقشته ، وإشغالِ الفرد والمجتمع بالحياة الاستهلاكية الشهوانية لكي يَتَقَوْقَعُوا في دائرة ذاتية شخصانية ضيقة بعيداً عن فساد صُنَّاع القرار الذين حَوَّلوا الدولةَ إلى مرزعة شخصية لهم ولحاشيتهم ، ونهبوا ثرواتِ البلاد والشعب في ظل غرق الشعب في لهاثه اليومي وراء سراب المتعة الاستهلاكية وإشباعِ الرغبات الشخصية التي تجعل من الفرد عَبْداً للشهوات الذاتية غير مَعْنِيٍّ بالقضايا المصيرية على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي .

29‏/11‏/2010

نشر الجهاد العالمي

نشر الجهاد العالمي
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
إن الإسلام هو الثورة الانقلابية والفعل التحريري للمخلوقات . فالأنظمة الاستبدادية الفاسدة في العالَم العربي والإسلامي تعمل جاهدةً على تجريد الإسلام من المنحى الجهادي الثوري الانقلابي الشامل،والعمل على حصر الإسلام في المسجد وقراءة القرآن دون تطبيق ما جاء به القرآنُ الكريم . فهي تدعم ما تسميه الإسلام المعتدل،حيث التطبيل والتزمير للحاكم في كل الأحوال، ولَوْي أعناق النصوص الدينية لشرعنة الأنظمة الطاغوتية ، وغالباً ما يقوم بهذه المهمة علماء السلاطين . كما أن أمريكا نفسها تحاول تدجين الإسلام ، وجعله مجرد طقوس وشعائر محصورة في المسجد، ومنفصلة عن الحياة . وقد جنَّدت جيشاً من أزلامها في المنطقة العربية والإسلامية حكاماً ومحكومين لتقديم صورة ممسوخة عن الإسلام بأنه دين استسلام للاحتلال وخنوع وتخاذل تحت شعار التسامح والاعتدال والسلام وقبول الآخر . فالجهاد صار إرهاباً مذموماً ، وأصحاب اللحى صاروا متطرِّفين يُشكِّلون خطراً على ما يسمى بالعالَم الحر والديمقراطية المزدهرة في هذه الدول البوليسية . فمثلاً نجد الأزهر الشريف المؤسسة الدينية الأولى في العالَم الإسلامي تراجع مستواه بشكل مرعِب بسبب سيطرة الدولة على كل صغيرة وكبيرة فيه، فالعلماء غير قادرين على التعبير بحرية عن مسائل الجهاد ، والأمورِ السياسية ، والفساد المالي والأخلاقي ... إلخ . وهذا كله عائد إلى أن النظام المصري الإرهابي قد وضع يدَه على مؤسسة الأزهر، وقام بتدجينه عبر محاصرته مالياً ، وجعل العلماء خاضعين لراتب آخر الشهر من الحكومة ، مما جعل الفتوى تتأثر سلباً بالتيار السياسي . فالعالِم قبل أن يتكلم لقول كلمة الحق يحسب ألف حساب لراتب آخر الشهر الذي إذا قُطِع عنه فسيجد نفسه في الشارع هو وأسرته، وهذا يُشكِّل عامل ضغط كبيراً على حرية فكره، مما يضطره إلى الصمت أمام الأحداث الجسام ، أو اختراع فتوى متناسبة مع هوى السلطة الحاكمة .وينبغي علينا _ للخروج من حالة الموات _ اعتماد نظرية تصدير الجهاد العالمي ، أو الجهاد العابر للقارات الذي يُشكِّل خلاصاً للبشرية. والنواة الأساسية لهذه النظرية هي قتل العدو أينما وُجِد في هذا العالَم، والوصول إليه في أي مكان وأي زمان ، وهذا يستلزِم الوصولَ إلى الغزاة أينما وُجِدوا ، فكوكب الأرض هو أرض معركتنا الشرعية . ولكن ينبغي الابتعاد عن استهداف المدنيين والأبرياء ، والتركيز على المقاوَمة الشرعية ضد الاحتلال وأعوانه ، والجهاد ضد الأعداء المحارِبين .
وهنا تتكرس نظرية الانقسام العظيم . فقد دخل كوكبنا في نظرية الانقسام العظيم ، حيث انفصل الشرق الإسلامي عن الغرب الصليبي انفصالاً محتوياً على شرارة الحرب والصدام الحتمي المصيري الكَوْني الذي يستعيد زمنَ الحروب في بيت المقدس . فالانقسام الحتمي بين الشرق والغرب موجود على أرض الواقع وليس خيالاً ذهنياً تجريدياً . وينبغي تعميق هذا الانقسام والعمل على عسكرته لتحرير الغرب من الغرب كي يجد الخلاصَ الروحي والمادي معاً . ولا يمكن للشرق الإسلامي أن يفرض شروطَه على الغرب الإرهابي إلا عبر عسكرة العالَم ، ونقلِ الكفاح المسلَّح في عواصم كوكب الأرض. فالغرب النازي لا يفهم إلا لغةَ القوة، ويجب أن نتعامل معه وفق مبدأ الحديد والنار لكي نوقفه عند حده ، أما التعامل معه بالاستسلام ، وتقبيل الأيدي ، واستجداء المساعدات فلا فائدة منه . وقد وجدنا كيف أن شخصاً مثل عماد الفايد قد تعامل برومانسية بالغة مع الغرب ، وتعاطى مع إفرازاته الملوَّثة بالعشق والمتعة ، فكان مصيره القتل على يد هذا الغرب الذي يزعم الحريةَ والديمقراطية والحب والذكريات .
ونحن إذ نذكر نظرية الانقسام العظيم لا بد أن ندرس ملابسات التفاصيل الدقيقة لحالة الخيانة في الداخل العربي ، ونُعَرِّج على مسألة أنصاف المثقفين من أبناء جلدتنا الذين اعتنقوا التغريب منهجاً لهم بعد أن أداروا ظهرهم لهويتهم وتاريخهم وحضارتهم العربية الإسلامية ، فصاروا عملاء للقوى الإرهابية الإنجيلية والتوراتية في أمريكا وأوروبا والكيان الصهيوني ذلك الورم السرطاني الذي ينبغي اجتثاثه عن طريق حرب مفتوحة داخلياً وخارجياً .
إن نشاط الطابور الخامس في المجتمعات العربية الإسلامية ما كان ليظهر بقوةٍ لولا وجود أنظمة حاكمة عميلة هي أساس الطابور الخامس . فالأنظمة العربية الاستبدادية مستهلَكة حتى النخاع لا فائدة منها ، ووظيفتها هي تأدية خدمات للغرب القوي مادياً مقابل استمرار حكمهم في المنطقة العربية . ففي الوطن العربي توجد الجيوش لتثبيت العروش ، دون أدنى اعتبار للدفاع عن الوطن أو الشعب . ومن زاوية أخرى يحز في النفس أن نرى بعض مفكِّرينا وأدبائنا يعتنقون ثقافة الغرب، وينسخون المذاهبَ الغربية في شتى المجالات كالسياسة والأدب والفلسفة ، ظناً منهم أنهم يدخلون العصرَ الحديث بكل ثقة،ويتفوقون على أقرانهم،ويصلون إلى العالمية والشهرة والإبداع. وهذا كلام مغلوطٌ تماماً . فمثلاً الكُتاب العرب بعضهم ينسخ الواقعيةَ الاشتراكيةَ التي اخترعها الكاتب الروسي مكسيم جوركي ، وبعضهم يعتنق الماركسية التي صنعها كارل ماركس وشيعته ، وبعضهم يعتنق الوجودية المترنحة بين هايدغر وسارتر . وفي ظل هذه الخارطة المتهاوية نتوصل إلى أسباب عجز الكُتاب العرب عن الوصول إلى العالمية لأنهم ناسخون يسرقون المفكِّرين الغربيين دون أن يعتزوا بمنجزات الحضارة العربية الإسلامية ، ويحاولوا تطويرها وإيصالها للعالَم . فالعالَم يريد شيئاً جديداً عليه غير معهود بالنسبة إليه، أما أن يظل الكُتاب العرب ينسخون ثقافةَ الغرب، ففي هذه الحالة سوف يدير الغربُ ظهرَه ، لأنه ببساطة سيكون في هذه الحالة هو الأصل ، والآخرون هم التقليد . وحينما نقدِّم حضارتنا العربية الإسلامية في إطار توازن الأصالة والمعاصرة وضمن حداثة منهجية تحافظ على الثوابت ، وتجدِّد في الآليات والوسائل ، فعندئذ سيتوق الغربُ لسماع ما عندنا والذي لا يوجد عنده، فنصبح نحن الأصلَ، والغربُ هو التقليد .
إن محاربة الإسلام واللغة العربية على أشده، فأنت عندما تتجول في الدول العربية سوف تُصْعَق حينما ترى اللافتات مكتوبة بالإنجليزية أو الفرنسية مع أن الدساتير في البلاد العربية تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لهذه الدول، ولكن العمالة والارتهان للخارج وعقدة الخواجة وتقليد المغلوب للغالب ما زالت متواجدة بصورة جنونية . وإذا دخلتَ فندقاً في دولة عربية سوف تجد الكل يتحدث غير العربية كأننا في شيكاغو . حتى التدريس في جامعاتنا المتهاوية _ التي لا وزن لها عالمياً أو إقليمياً_ بالإنجليزية والفرنسية ظناً من هؤلاء المتغربين أنهم بذلك سوف يتقدمون ، وهذا غير صحيح . فالجامعات العربية متخلفة ذات أسوأ تصنيف على مستوى جامعات العالَم. وما من أُمَّة تركت لغتها الأم إلا انتكست وبقيت متخلفة، ومحال أن تلحق بركب الحضارة. ومن يخالفني في هذه النقطة أطلب منه أن يعطيَني مثلاً على أمة استخدمت لغة المحتل في مؤسساتها وجامعاتها وثقافتها ووصلت إلى القمة . وهذا المثل غير موجود مطلقاً مهما بحث الناس. وهذا التخلف الذي نحن فيه بسبب وجود حكام زرعهم الغرب آلهةً على جماجم الشعب والبلادِ الفاسدة . وللأسف فإن الحاكم العربي جزء من المشكلة لا الحل. وأيضاً بسبب وجود الشعوب المدجَّنة التي صارت أشباحاً راكضة وراء لقمة الخبز. وفي ظل هذا الانهيار الاجتماعي الشامل يجب أن تنطلق الحرب الكَوْنية من بؤرتين مُقَدَّستين : الأسلمة والتعريب على صعيد العالَم أجمع بدءاً من الوطن العربي الإسلامي، صعوداً إلى الشمال حيث أوروبا الصليبية ، وانطلاقاً إلى أمريكا ، ثم باقي دول العالَم ، مستخدمين كل طاقة الأمة الإسلامية ، وهكذا نضمن استمرارية الزخم، وهذه الحقيقة نابعة من كَوْن الإسلام هو الدِّين السماوي الوحيد . كما أن المسلمين هم شعب الله المختار وفق التأصيل الشرعي بعيداً عن الغرور وأيديولوجيات نقاء العِرْق، وتفوق العنصر البشري . لذلك فالمسلم هو الأنا المركزية ذات المسار العالمي، كائناً متكاملاً . أما الغرب النازي فلا وجود له إلا على خارطة الوهم المادي المجازي،وليس بين الشرق الإسلامي وبين الغرب الصليبي النازي إلا السَّيف.
إن كوكب الأرض المتخلف إنما هو بيئة مسحوقة تم تدميرها بشكل منهجي بفعل السياسات الطائشة الطفولية الأنانية للإدارات الأمريكية المتعاقبة . فالاحتباس الحراري، ورفض توقيع أمريكا على اتفاقية كيوتو ، وهلوسة المصانع الأمريكية التي تلوِّث البيئةَ لكي تجنيَ أكبر نسبة من الأرباح ، ما هو إلا مثال بسيط على عقلية الاستبداد الأناني الذي يتمركز حول الذات ومنافعها ، وليكن الطوفان من بعدها . وهذه العقلية الاحتكارية التي تبدأ من الفرد الذاتي انتهاءً بالكوكب كله ، إنما تُشكِّل انتكاسة الحلم البشري المتدفق ، وجنوحه نحو تياراتٍ أيديولوجية إرهابية ذات منحى صهيوني نازي ، وهذا هو الأساس الفكري لفلسفة أنظمة حكم البيت الأبيض . والبيت الأبيض هو منظمة إرهابية محظورة لأن العقلية الحاكمة فيه تعتمد على مبدأ الغاية تبرِّر الوسيلةَ ، فهي مستعدة لفعل أي شيء مقابل تجذير المصالح الشخصية دون النظر إلى معاناة الشعب الأمريكي. لكن العالَم لا يجرؤ على تصنيف الإدارة الأمريكية كمنظمة إرهابية لأن القوي فوق القانون يفرض شروطَه على الضعيف دون اعتراض . فمع دخول كوكب الأرض في شريعة الغاب صار الإنسان عبارة عن ورقة محترقة في مهب السياسات الابتزازية للدول الكبرى التي تخترع قوانين مصبوغة بشعارات الحرية وحقوق الإنسان لتطبيقها على الدول الضعيفة، وابتزازها، والضغط عليها، والتدخل في شؤونها الداخلية لتحقيق أكبر قَدْر من الامتيازات . وكما يُقال فإن القانون مثل بيت العنكبوت ، لا تقع فيه إلا الكائنات الصغيرة ، أما الكائنات الكبيرة فلا تملك إلا أن تمزِّقه.
وكلما ازداد الترابط بين سطوح الذاكرة الوجدانية للإرهاب البروتستنتي المصبوغ بالإرهاب اليهودي النازي تفاقمت السالبية الأحادية المبنية على علاقات إشكالية العِلَّة والمعلول . فالواضح أن الكيان الأمريكي هو العِلَّة( المصدر ) والكيان الصهيوني هو المعلول ( النتيجة )، وهذه العلاقة هي المشهورة والمعتمدة . لكنَّ نظرة خاطفة من الجانب الآخر قد تقودنا إلى نتيجة آنية مفادها أن الكيان الأمريكي هو موظَّف عند الكيان الصهيوني . وهذه النظرة حالة خاصة غير قابلة للتعميم . لكننا نطرحها لنكشف حقيقة أن الطفل المدلَّل ( الكيان اليهودي الصهيوني ) قد يحكم أُمَّهُ ( الكيان الأمريكي البروتستنتي الصهيوني )، ويتحكم في مسار حركاتها، ويجبرها على تغيير برنامج حياتها . وهذه النقطة الكارثية تُعتبَر مسماراً جديداً في نعش أمريكا ، يُعجِّل في موتها القادم لا محالة ، ويُسرِّع من عملية انطفاء حضارة الوهم الذهنية الفاقدة لشرعية الوجود الأخلاقي السَّامي والتواجد الحر العادل . وكل إشكاليات الانهيار الاجتماعي الأمريكي مرجعها إلى ضعف التركيبة الداخلية في إمبراطورية الشر الأمريكية التي تعيد إنتاجَ القيم بما يتناسب مع مسارها ومصالحها ، أو بالأحرى مصالح النخب الحاكمة في شتى المجالات ، لأن الخاسر سيكون الشعب الأمريكي الدائر في أفلاك مشاكله دون أن تلتفت إليه حكومته الغارقة في مشاريعها الشخصية بفعل جماعات الضغط المتنفذة. والإنسان الأمريكي يسير باتجاه مضاد لإنسانيته ، وذلك عائد إلى ثنائيات التشظي الصارمة في تقاطعات الكيانات المتصارعة في داخل العقل الجمعي الأمريكي .
فالدلالة المكسورة المبنية على امتدادات انحسار قدرة الوعي إنما جاءت من ضعف قبضة أمريكا ، واضمحلال النظم الفكرية المعادِلة لأكذوبة نشوة تفوقها.وقد أصبحت تصريحات الساسة مثل المخدرات التي يتعاطاها الفرد لكي ينسى مشاكله ، لكنه سيكتشف مع مرور الوقت أن مشاكله ازدادت بشكل مخيف يهدِّد وجودَه على هذه الأرض . وكلما استمر الانهيار الاقتصادي الأمريكي انزاحت قيم الاستقطاب باتجاه ضاغط على ذاتية الأفراد ، الأمر الذي يُحيل واقعيةَ النشوة العسكرية الكاذبة إلى تمزقات حقيقية في أعضاء العم سام. والأزمات التي تذبح أمريكا من الوريد إلى الوريد خطورتها تكمن في قدرتها الفائقة على إسقاط الأقنعة وإزالة المكياج ، فظهر الوجهُ القبيح الحقيقي لأمريكا .

24‏/11‏/2010

نقل المعركة إلى الغرب

نقل المعركة إلى الغرب
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
لن تقوم حركات الجهاد والمقاوَمة في العالَم العربي والإسلامي بأدائها على أحسن وجه إلا إذا نقلت المعركة خارج حدودها الضيقة ، أي نقل المعركة إلى عواصم العالَم ، وتأسيس منظمة تحاكي طريقةَ عمل الموساد ، أي استهداف كل مَن يُحارِب الإسلام والمسلمين في العالَم ، واستئصاله أينما وُجِدَ على ظهر هذا الكوكب . ومن شأن نقل المعركة إلى الخارج تخفيف الضغط عن الداخل ، وإعادة خلط الأوراق بالنسبة للأعداء، وإحداث ارتباك في السياسات العسكرية الإرهابية للكيان الصهيوني وحلف الناتو المتجمع بزعامة أمريكا ضد الإسلام . مما سيؤدي إلى نتائج باهرة وانتصارات حاسمة واضحة لحركات الجهاد والمقاوَمة والتحرر والتحرير. ومن أفضل الشعارات المرفوعة في سياق نقل المعركة إلى عواصم العالَم الشعارُ الذي رفعه وديع حداد القائد البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: "وراء العدو في كل مكان "، وهذا هو الشعار الذي يُعبِّر عن طموحات الأمة لتحقيق أحلامها في التحرر .
ومفهوم العدو ينبغي أن يتحدد ضمن سياقين : العدو الداخلي ( النظام السياسي العربي العميل ) والعدو الخارجي ( الكيان الصهيوني وأمريكا وأوروبا ). وللأسف فإن بعض الأنظمة العربية قد تحوَّلت إلى خنجر غدر حقيقي في ظهر الأمة العربية . أما بالنسبة للعدو الخارجي فينبغي تفعيل مبدأ الجهاد العالمي العابر للقارات ، وأفكار صدام الحضارات والحربِ بين الأديان ، لذلك فإن نظريتي الخصوصية في صدام الحضارات تتركز حول سبعة محاور رئيسية ذات تفريعات عديدة :
أ ) إلغاء الفاتيكان نهائياً بوصفه منظمةً إرهابية ودولةً تحمل تاريخاً دموياً في الإبادة والتطهير العِرْقي وارتكابِ جرائم الحرب، ويتمثل ذلك في الحروب الصليبية التي تم شنها على المسلمين في ديارهم سواءٌ في بيت المقدس أو الأندلس ، وأيضاً حروب الإبادة ضد الشمال الأوروبي البروتستنتي ، وتأسيسِ محاكم التفتيش .
ب) شطب الصليب من أعلام الدول الأوروبية .
ج ) منح المرأة حقها في الطلاق بكل سلاسة خصوصاً المرأة الكاثوليكية ، وإباحة تعدد الزوجات .
د) إسقاط الأنظمة الملكية في أوروبا ، خصوصاً النظام الملكي الإسباني كخطوة أساسية في مشروع تحرير الأندلس .
هـ) إرشاد أميرات أوروبا إلى ارتداء الحجاب .
و) إقامة صلاة الجمعة في البيت الأبيض .
ز ) إعادة فتح التحقيق في جريمة قتل عماد الفايد بوصفها مثالاً صارخاً على صدام الحضارات .
وقد يعتقد البعض أن الحرب ستشكِّل عبئاً اقتصادياً هائلاً على الدولة ، فأقول هذا صحيح، ولكن من قال لك إن الدولة بدون حرب في رخاء اقتصادي ؟. فمصر على سبيل المثال التي لم تخض أية حرب منذ عام 1973م، يفترض أن يكون اقتصادها في القمة بسبب غياب الحرب ، لكن هذا لم يحدث، فاقتصادها ميت . واتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني يفترض بها أن تجلب الرخاء الاقتصادي للمواطن، ولكن هذا لم يحصل، فالدول العربية تتحمل عبئاً اقتصادياً هائلاً سواءٌ حاربت أم لم تحارِب . لكن القاعدة الأساسية الثابتة أن اتفاقيات السَّلام أكثر كلفةً من الحرب . وأن وضعية الحرب بالنسبة للعالَم العربي ضد أعدائه مثل الكيان الصهيوني وأمريكا وأوروبا أفضل بكثير من اتفاقيات السلام.فالسلام يمنح أمناً مجانياً للأعداء، ويُلمِّع صورةَ الغزاة على حساب الأمة العربية ، مع ضياع ثروات البلاد العربية لصالح الغرب الإمبريالي وعملائه من الحكام العرب ، أما الحرب فهي تُثبِّت مركزيةَ الوطن العربي ، وتحمي ثرواتِه ، وتجعل منه طرفاً قادراً على فرض شروطه على الآخرين ، وهذا يعطيه دافعيةً قوية في السياسة الدولية ، ونفوذاً اقتصادياً مربِحاً في شتى المناطق . ومثال إيران ما زال أمام أعيننا .
والعجيب أن مصر _ باعتبارها الدولة المركزية الأولى عربياً _ كان وضعها الداخلي والخارجي أثناء حرب 1973م أفضل بكثير من وضعها بعد اتفاقية كامب ديفيد للسلام التي يفترض بها أنها جلبت الأمان الاجتماعي والرخاء والانتعاش الاقتصادي . فمصر كانت ذات وزن إقليمي وعالمي أثناء كل حروبها ، أما بعد اتفاقية السلام فصارت مجرد رقم من الأرقام ، بلا وزن في كل المحافل ، ولا أحد يعبأ بها أو حتى ينظر إليها ، فدولة صغيرة مثل قطر صارت تحل مشاكل المنطقة مثل لبنان والسودان وغيرهما ، أما مصر الدولة العربية الأولى ذات التاريخ فتعيش في عوالم الأحلام الهلامية في شرم الشيخ .
إن اتفاقيات السلام مَسَخَت الدورَ السياسي للدول العربية التي صارت صفراً على الشمال على الساحة الدولية والإقليمية، فاتفاقية السلام هي موت سياسي حقيقي للدولة التي تُوقِّعها . فياسر عرفات _مثلاً_ الذي وقَّع اتفاقيةَ السلام ، ونال جائزة نوبل مات مُحاصَراً في المقاطعة، بعد أن قُطِعَت عنه كل مقوِّمات الحياة . فماذا استفاد من تقبيل مادلين أولبرايت ؟، وماذا استفاد من اتفاقية السلام التي لم تُوفِّر له السلام فضلاً عن شعبه ؟ . ولنتذكر أن ياسر عرفات حينما كان في ساحة الحرب والمقاوَمة كان يُحسَب له ألف حساب ، وأن الغرب كان يتصل به راجياً التدخل هنا وهناك من أجل عدم المساس بالمصالح الغربية، مرةً للتدخل في حل مشكلة الطائرات التي اختطفتها الجبهة الشعبية، ومرةً لحماية مصالح أمريكا والغرب في لبنان . وقد كان شخصاً مُهاباً ذا وزن على الساحة العربية والعالمية، أما بعد اتفاقية أوسلو المشؤومة، فقد صار عرفات ورقةً محروقة ، مات محاصَراً لم يَسأل عنه حاكمٌ عربي أو أجنبي ، لأن العالَم يفهم لغة القوة فقط . فكل الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني حِبر على ورق لم تمنح عرفات موتاً محترماً ، فمات وحيداً محاصَراً منبوذاً من قبل إخوانه قبل أعدائه، والجنود الصهاينة يحاصِرون مبنى المقاطعة. والعجيب أن شارون عجز عن النيل من عرفات أثناء الحروب ، ونال منه أثناء السلام . وهذا يدلك على أن السلام مع العدو الصهيوني أكثر كلفة من الحرب . وإذا كان الصهاينة قد فعلوا هذا بمن وقَّع معهم السلام ، وتَبَادَلَ القبلات وأحاديث الود والصداقة ، فماذا تنتظر منهم أن يفعلوا بالمقاوَمة ؟ . لذا فإن الخيار الإستراتيجي الوحيد للتعامل مع الكيان الصهيوني هو( الجهاد في سبيل الله ضد الكفار) أي الكفاح المسلَّح فقط . فاتفاقية السلام ( الاستسلام ) وفَّرت الأمنَ للكيان الصهيوني دون الشعب الفلسطيني ، كما قامت بتلميع صورته أمام العالَم ليبدوَ الإرهاب اليهودي النازي في ثوب الأخلاق وقيم السلام البراقة. فالقدس تزداد تهويداً ، واحتلال الضفة الغربية يزداد عمقاً ، والحواجز الأمنية في ازدياد لدرجة أن رئيس سلطة أوسلو العميل محمود عباس لا يقدر أن يزيل الحواجز الأمنية أمام بيته ، ولا يقدر على الخروج من بيته إلى أي مكان في الداخل أو الخارج بدون تصريح وإذن مسبق من الكيان الصهيوني . وإن الشعب الفلسطيني لم يخض مسيرة النضال والثورة الطويلة من أجل أن يعيش ذليلاً وسائحاً في أرضه الشرعية.
ولا يفهم العدو إلا لغة القوة والقوة فقط . وما كان للكيان الصهيوني أن يثبت في فلسطين لولا وجود العملاء من أبناء جِلْدتنا حكاماً أو محكومين الذين قدَّموا التسهيلاتِ لاحتضان الكيان الصهيوني ، وتجذير وجوده على أرض فلسطين المحتلة لقاء بعض المنافع الشخصية .
وقد قام حكامنا بتسليم الشعوب رهينةً لأعداء الأمة نظير المحافظة على عروشهم وأنظمتهم الحاكمة دون إسناد شعبي ، وبالتالي على الشعوب أن تخوض مسيرة التحرر والتحرير بنفسها ضمن المنطق والعقلانية والموازنة بين المنافع والمضار بعيداً عن الفوضى والجعجعة والعواطف غير المنضبطة لأن هذه معركتها ، فالشعب هو القائد الحقيقي للوطن، إذ إن الحاكم يأتي ويذهب، ويظل الشعب. وقد رأينا بعد سقوط صدام حسين كيف أن الشعب هو الذي قاد مسيرة الجهاد والمقاوَمة والتحرير رغم دور الحكومة العراقية العميلة وجيشها المهزوم المتهالِك الذي هو ظل باهت لجيش جبار سابقاً، وقد رأينا دور العملاء المرتزقة في السلطة الحاكمة العراقية التي وضعها الاحتلالُ في التآمر على المقاوَمة وصبغها بالإرهاب والجريمة، من أجل أن يحافظوا على عروشهم، وتحقيق مكتسبات شخصية ، ونيلِ رضا سيدهم الأمريكي، في حين أن الشعب العراقي لا يجد ماءً نظيفاً أو كهرباء أو أمناً أو وظائف عمل أو مستقبلاً مشرقاً . وللأسف فقد دخل العراق في العصر الحجري بفعل أكاذيب الديمقراطية والحرية والمستقبل الرائع، فصار أكثر تخلفاً من الدول الإفريقية جنوب الصحراء .
وللأسف فإن اللوبي العربي المتحالف مع أمريكا المتصهيِنة يمارس دورَه في إسقاط الدول العربية واحدةً تلو الأخرى . فحرب العراق ، ثم حرب غزَّة المراد منها تصفية القضية الفلسطينية ، ثم أمر اعتقال الرئيس السوداني لتجزئة السودان ، والله وحده يعلم على من سيأتي الدور القادم .
إن عملية التحرير الشاملة ، وإعادة بناء الأمة العربية بناءً شمولياً يعيد أمجادَ الحضارة العربية الإسلامية تتطلب رفض الرقص على إيقاع الشيطان الأمريكي، وإعادة بلورة مشروع الفتح الإسلامي للعالَم بدءاً من أوروبا باعتبارها العدوة الأقرب ، وهذا المفهوم هو مفهوم تحريري مضاد لقتل المدنيين ، فالتركيز الجهادي في الداخل الأوروبي يبقى مسلَّطاً على الأعداء المحارِبِين .
إنه تحرير الإنسان من عبادة الإنسان وإنقاذ الضائعين من هذه الرأسمالية المتوحِّشة القاتلة التي حوَّلت الإنسانَ إلى سلعة للبيع والشراء ، وإلى مشروع استثماري يدر الربح على عِلْية القوم ، أما الفقراء والمهمَّشون فيظلون بائسين لا يجدون قوت يومهم ضمن رأسمالية سادية وحشية ، ومن الضروري إنهاء هذه العلمانية الرأسمالية التي قتلت المرأةَ باسم حقوق المرأة، وحوَّلتها إلى بضاعة رائجة في سوق الرقيق الأبيض ، وحصرت كيانَها البشري في أعضائها الجنسية ، فصارت المرأة مجرد شيء يباع ويُشتَرى بوصفها مركز المفعول به.
إن الغرب الإمبريالي بوصفه الإيقاع التجريدي المتمركز حول نواة الاستعباد الانتكاسي قام بتأسيس أكبر سوق نخاسة في التاريخ البشري،لكن هذه السوق مصبوغة بالشعارات البراقة الخادعة. فعلى سبيل المثال لا الحصر قد قام بالسماح للمومسات بالعمل وفق الدساتير ، وبيع أجسادهن لمن يدفع أكثر بما لا يتعارض مع القانون الوضعي ، وهذا تأسيس شمولي للاتجار بالبشر ، وشرعنة تجارة الرقيق الأبيض ، لكن غلَّف هذه الجريمةَ بغطاء الحرية الشخصية للأفراد . وهذه الرؤية تعكس حجم التضليل الانهياري في استعادة تجارة العبيد ، وزمنِ الجواري ، وأسواقِ النخاسة ، بشكل أسوأ من كل عصور الاستعباد ، وتحويل الفرد إلى سلعةٍ بيد أخيه ، واستعباد الناس بواسطة استخدام المال لابتزاز حرية الآخرين ، ومصادرتها دون وجه حق .

23‏/11‏/2010

الأنظمة العربية العميلة

الأنظمة العربية العميلة
كتبها : إبراهيم أبو عواد
في ضوء الأداء التحليلي لخارطة العالَم الجديد ينبغي بتر الغرب _ أمريكا وأوروبا / ثنائية المتبوع والتابع _ من الجسد الكوكبي لكي يستمر كوكب الأرض في الحياة الطيبة . فلا بد من عسكرة العالَم وتدمير غرور الغرب الصليبي ودفنه في أقرب وقتٍ ممكن، ضمن عوالم الاحتمالات المفتوحة حتى تحرير الكون نهائياً، وشطب الغرب من الخارطة العالمية ، وبناء عالَم حر حقيقي على أرض الواقع يسوده الحب والعدالة والأخوة البشرية. وخلاصة هذا التأسيس الفكري العابر لمراحل هزيمة المعنى هي أن البشرية قطار يسير ، والإمبراطورية الأمريكية الخيالية هي صخرة على السكة ، فلا بد من إزالة هذه الصخرة إذا أردنا تكوين سياقات معرفية حاسمة ضمن خطة إحياء كوكبنا المذبوح . ونحن نطلق لفظة "الإمبراطورية" على الكيان الأمريكي الصهيوني من باب المجاز ، فالوصف الدقيق لأمريكا أنها عبارة عن قاطع طريق قوي ومسلَّح جيداً ، وهو مسيطر على الحي الذي يعيش فيه ، ويفرض شروطَه على السكان ، ويأخذ منهم أموالاً دون وجه حق . فالعقلية الحاكمة في أمريكا هي عقلية قطاع الطرق الذين يسطون على القطاراتِ كما في أفلام الغرب الأمريكي . وهذه العقلية لا يمكنها قيادة البشرية نحو بر الأمان ، لأن المعالم الحضارية الراقية غائبة تماماً عن المبدأ التكويني الفلسفي الأمريكي ، لذلك فإن قيام الكيان الأمريكي الصهيوني على أسس عبثية غير راسخة من شأنه تقويض الدعائم الهلامية لهذا البناء المتداعي أصلاً . والتشكيلات الغربية المعادية الطامحة إلى تأسيس حضارات إمبراطورية على أنقاض العالَم الإسلامي هي بؤر سياسية تتلقى الدعمَ الكامل من بعض الأنظمة العربية المتواطئة ، فالحقيقة المرة هي أن الوطن العربي يحتوي على عدة كيانات صهيونية لا كيان صهيوني واحد . وهذه الكيانات الصهيونية العربية هي أكبر داعم للعدو الصهيوني ، بل هي التي تحتضنه وتحميه ، وتطيل في عمره المتآكل ، وذلك من أجل حسابات شخصية منها ضمان البقاء على كرسي الحكم لأطول وقت ممكن ، والوصول إلى قلب أمريكا بغية تلقي الدعم بكل أشكاله . فالدول العربية هي محميات أمريكية بامتياز وهي فاقدة السيادة تماماً ، كما أن الأنظمة العربية لا تستند إلى أساس شعبي انتخابي ، وإذا استندت إلى انتخاباتٍ فهي مزوَّرة قطعاً ، فهي قائمة بشكل منفصل عن الشعب ، أو بالأحرى موجودة ضد إرادة الشعب ، فالشعب يكرهها ولم ينتخبها . والحاكم والمحكوم يعرفان هذه الحقيقة ، لكنهما يدخلان في جدليات التطبيل والتزمير والولاء والانتماء وطاعة ولي الأمر العمياء لكي يحقق الطرفان مكاسب ذاتية بحتة بينما الوطن العربي يضيع تدريجياً .لكن هذه الأنظمة المنقطعة عن شعوبها المعادية لوطنها وأمتها تعتمد على أمريكا من أجل توفير الغطاء في الداخل والخارج . في الداخل عن طريق تثبيت نظام الحكم لأطول وقت ممكن عبر الرضوخ الكلي للإملاءات الأمريكية الصهيونية مقابل الإسناد والحماية ، وفي الخارج عن طريق تغطية الجرائم التي تقوم بها الأنظمة العربية الدكتاتورية ، وعدم إثارة قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ضدها في المحافل الدولية . ولن يزول الكيان الصهيوني اليهودي إلا إذا زالت الكيانات الصهيونية العربية التي تحرسه ليلاً نهاراً .والكارثة الأخرى في العالَم العربي هي غياب القيادات الحاكمة من الصف الأول . فمن يستعرض هذه المساحة الجغرافية الضخمة من الخليج إلى المحيط سوف يُصعَق حينما يرى الوطن العربي خالياً تماماً من الزعماء أصحاب الوزن السياسي على الساحة الدولية . فالساحة خالية تماماً من قيادات الصف الأول ، مفتوحة لأنصاف القادة ، وهذا جعل الوطن العربي دميةً بيد أعدائه، يتلقى الإهانات والشتائم والذبح والتشريد ليلاً نهاراً دون أن ينبس ببنت شفة . وإذا بقي أعرابُ النفاق يحكمون ، ويسيطرون على كل ثروات البلاد والعباد، فالوطن العربي ذاهب إلى مزابل التاريخ حتماً ، فلا داعي أن نضحك على أنفسنا ونضيع وقتنا باختراع شعارات التخطيط لنهضة وتطوير وتنمية وحقوق إنسان وعدالة اجتماعية وتحرر من الاحتلال . فالحاكم العربي جزءٌ من المشكلة لا الحل ، وهو مجرد أداة بيد الإمبريالية العالمية يُنَفِّذ تعليماتٍ خارجية محددة ، وإن لم يفعل ذلك فهو يُعَرِّض نظامَ حكمه لخطر الزوال . ولكن المشكلة الكبرى أننا محاصَرون بين الطغاة والغزاة، فصدام حسين على سبيل المثال كان مجرماً طاغية، ولكن البديل الاحتلال الأمريكي مع عملائه الشيعة أحفاد قتلة الحسين الذين أَعادوا العراقَ للعصر الحجري . وللأسف فالأمور بالغة التعقيد إلى حد صاعق ، فقد أضحى النظام السياسي العربي ظلاً باهتاً لتاريخ مجيد ، وصار الحاكم العربي موظفاً في الخارجية الأمريكية ، وأضحى المحكوم دجاجةً يأكل ويشرب وينام ويمارس الجنس تعويضاً عن الكبت السياسي والقهر الاجتماعي . إن الكيان الصهيوني قد نجح في تمزيق ثنائية الحرب بين العرب و " إسرائيل" ، وتقديم نفسه على أنه جزء أصيل من المنطقة وليس عنصراً شاذاً دخيلاً ، وما كان له أن ينال هذه الصورة لولا دعم بعض الأنظمة العربية المتصهيِنة . وللأسف فقد صارت الثنائية الجديدة هي الحرب بين محور " الاعتدال " ومحور الممانعة ، أو " المعتدلين " و" المتطرفين" . لكن الاعتدال الحقيقي هو المقاومة والكفاح المسلح كخيار وحيد . وقد دفع الذين وقَّعوا معاهدات السلام حياتهم ثمناً لهذه الخديعة ، فأنور السادات الذي تنازل في كامب ديفيد تم قتله ، وياسر عرفات الذي تنازل في أوسلو تم قتله ، وهذا يعكس خطورة معاهدات السلام وعدم جدواها . ومن المضحك أن نرى الدكتور صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير يؤلف كتاباً ذا عنوان مضحك " الحياة مفاوضات". فهذه المفاوضات العبثية صارت جوهرَ الحياة بالنسبة لسلطة أوسلو ، وهذا يعكس حجمَ المأزق الذي وقع فيه الفلسطينيون . فبدون مفاوضات سيصبح محمود عباس عاطلاً عن العمل، هو والقادة الفاتحون : سلام فياض ، وأحمد قريع، وياسر عبد ربه ، وصائب عريقات ، ومحمد دحلان . ومن هنا تنبع أهمية عملية السلام ( سلام الشجعان ) ! . أما القضية الفلسطينية فوصلت إلى مأزق وجودي خطير ، خصوصاً بعد استسلام حركة فتح في أوسلو ، ورفعها للراية البيضاء . فالذين يقودون حركة فتح بعد عرفات مجموعة مشبوهة لا تمتلك أهلية القيادة ، وإنما تعيش في الفلل الفخمة ، بعكس القادة الفلسطينيين المخلِصين من مختلف الفصائل ، فإسماعيل هنية يعيش في مخيَّم لاجئين، وقادة حماس في الداخل والخارج كان بإمكانهم أن يبيعوا القضيةَ ويشتروا قصوراً في موناكو أو لندن لكنهم رفضوا ذلك وانحازوا لشعبهم ، وأيضاً قادة فتح القدماء مثل ياسر عرفات وصلاح خلف وخليل الوزير كانوا قادةً مناضلين معجونين بالتضحيات والحياة القاسية، وكذلك كان جورج حبش ووديع حداد، أما الطبقة السياسية الفاسدة التي انبثقت عن سلطة أوسلو فيريدون العيش كملوك في القصور والفلل ، حيث سيارات المرسيدس والخدم على حساب تضحيات الشعب الفلسطيني . واتفاقية أوسلو ارتكزت على نقطة جوهرية وهي تحويل المقاتِل إلى مقاوِل، وتحويل الفدائي إلى موظف ينتظر الراتب ، وتحويل سلطة أوسلو إلى جيش لحد . وهكذا قضت على المستوى الثوري العمومي . فمن حق الناس أن يسألوا : أين أموال الشعب الفلسطيني الموضوعة في أرصدة منظمة التحرير ؟، ولماذا لا تذهب إلى الشعب هي والمساعدات الخارجية ؟. فالشعب الفلسطيني العظيم السائر في دربه وحيداً وكل المؤامرات تحاك ضده ليس شعباً من الهنود الحمر وليس قطيعَ غنم وليس وكالةً من غير بوَّاب . وإنني في هذا المقام أدعو النظامَ الحاكم في الأردن إلى منع حركة فتح من عقد اجتماعاتها في عَمَّان لأنها حركة تنازلت عن النضال واعتنقت الاستسلام كخيار إستراتيجي، ويقودها أناس مشبوهون. وقد رأينا تواطؤ بعض الأطراف الفلسطينية في الحرب على غزَّة نهاية 2008م لتصفية القضية الفلسطينية، وهذا يُشكِّل خطراً على استقرار الأردن عبر محاولة إحياء ما يسمى بالخيار الأردني أو الوطن البديل عن طريق إعطاء الضفة الغربية للأردن مما سيقضي على الدولة الفلسطينية، ويُدمِّر الدولةَ الأردنية. أضف إلى هذا أن حركة فتح حاولت قلب النظام الأردني في أيلول 1970م. وبالتالي فإن مستقبل السياسة الأردنية مع حركة حماس التي حمت فلسطين والأردن معاً بعد انتصارها في حرب غزة شتاء 2009م . والعرب منقسمون إلى قسمين : قسمٌ خاضع للإملاءات الأمريكية والصهيونية ظناً منه أنه يحافظ على نظامه الحاكم ويضمن استمراريته، وقسم يرفض الإملاءاتِ منحازاً إلى خيارات المقاومة والصمود كخيار إستراتيجي . وفي ظل هذا الاحتدام والصمود انتحر ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد ، وبقي اسم الوطن العربي رغم كل الأزمات ، وهذا إنجاز يفرض صمودَ العرب على أرضهم الشرعية التاريخية، ويعطيهم جرعة أمل حاسمة في التصدي للمشاريع التي تهدد هويتهم ، فالثبات على الأرض ، والتصدي لمحاولات الهيمنة ليس شعوذةً أو حلماً بعيد المنال ، بل هو واقع ملموس بحاجة إلى عمل جاد لتجذيره وديمومته ورعايته . والذين يعملون على تغييب مصطلح الوطن العربي وتجذير مصطلح الشرق الأوسط هم يمارسون عملاً من شأنه تهديد الهوية العربية لهذه المنطقة ، كما من شأنه إدخال الكيان الصهيوني قسراً في المنظومة الحضارية العربية الإسلامية المضادة للكيان الصهيوني في كل شيء، فالدِّين مختلف، واللغة مختلفة، والتاريخ مختلف، والحضارة مختلفة، والثقافة مختلفة. فالكيان الصهيوني هو عنصر دخيل بكل معنى الكلمة ، وهو جسم غريب في الجسد العربي ينبغي مقاومته لئلا يتفشى في الجسد فيقضي عليه مثل الورم السرطاني الخبيث . وما يقلق أن الكثيرين من العرب أنفسهم أداروا ظهرَهم لمصطلح الوطن العربي ، واعتنقوا مصطلح الشرق الأوسط. لكن انتصار غزة الذي صنعته حماس وفصائل المقاومة في شتاء 2009م أعاد تجذير مصطلح"الوطن العربي". وفي زحمة هذه الصدامات تتكشف الأنظمة المتواطئة في الساحة العربية ، ويظهر المقاوِمون الرافضون لسياسة التدجين . مما يدل على أن الوطن العربي يتمركز على مفترق طرق حاسم ، ولحظة تاريخية مفصلية أَحْدَثَتْ فرزاً بين المحاور . ومما لا شك فيه أن الحالة العربية تعيش مراحل الاستخراب _ ولا أقول الاستعمار_ كما كانت في القرن العشرين، وبالطبع فإن حركات التحرر ستنتصر حتماً لأنها تستند إلى نبض الشارع وإرادته، أما الأنظمة المتواطئة على شعوبها من أجل تثبيت أنظمة حكمها الفاسد لأطول وقت ممكن ، فلا بد أن تسقط لأنها لا تتمتع بشرعية شعبية. وكما كان يقول خليل الوزير_ أحد أبرز قادة فتح_: (( لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة )) . وبالطبع لا صوت يعلو فوق صوت المقاوَمة ، فالمقاوَمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية " حماس" ، لا الحركات التي رفعت الرايةَ البيضاء من أجل بعض الدراهم .

22‏/11‏/2010

خواطر سياسية ( كلام في الممنوع )

خواطر سياسية ( كلام في الممنوع )
الجزء التاسع
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
[1] الصهيونية الغربية والصهيونية العربية :
إذا استمر النظام الجدلي الأمريكي في اختراع السياسة الإرهابية فإنها سترتد عليه وبالاً ، وقد رأينا أولى مظاهر الانكسار الأمريكي في هجمات 11/9 التي نقلت المعركة إلى قلب هذه الإمبراطورية التي تظن نفسها وكأنها جزيرة طبيعية محصَّنة ضد الهجمات الخارجية . وقد اعتمد تنظيم القاعدة في تبرير هذا الفعل على السياسة الأمريكية المنحازة بالكامل للعدو الصهيوني _ القاعدة العسكرية المتقدمة الحافظة لمصالح الغرب في المنطقة _ الذي يبدو أنه صار عبئاً ثقيلاً على كاهل العم سام . والعلاقة الأمريكية الصهيونية سوف تتصدع تماماً حينما تشعر أمريكا أن الكيان الصهيوني هو عبء ثقيل عليها ، وحجر عثرة في طريق تقدمها ، والحفاظِ على مكانتها الدولية. لكن المقلق في الموضوع أن الذين يحكمون أمريكا يُقدِّمون مصلحة الكيان الصهيوني على مصلحة بلادهم ، وذلك للحصول على امتيازات شخصية بحتة ومنافع آنية ذاتية لا يستفيد منها المواطن الأمريكي العادي دافع الضرائب. فالنظام السياسي الأمريكي في هذه النقطة يتشابه تماماً مع النظام السياسي العربي ، حيث الحاكم العربي يُقدِّم مصلحةَ الغرب على مصلحة وطنه وشعبه في سبيل حفاظه على الكرسي، وتحقيق مكاسب شخصية له ولحاشيته، في حين أن الشعب يزداد فقراً . لكن فض الاشتباك وتمزيق الحبل السُّرِّي بين الكيان الأمريكي والكيان الصهيوني ليس مستحيلاً ، بل هو آخذ في التبلور بسرعة ، خصوصاً مع بدء العد التنازلي لانهيار الحضارة الأمريكية الشاذة عن المسار الإنساني . وإذا بدأ الشخص في الغرق فإن هدفه الأول سيكون إنقاذ نفسه دون النظر إلى من حوله، وهذا ما سيحصل في السياسة الدولية وتصدعاتِ محور الشر الأمريكي الأوروبي في القالب الصهيوني . وتظل مسألة الأنظمة العربية التي تعمل ضد مصالح أوطانها وشعوبها تدفعنا باتجاه بناء مجد الأمة بعيداً عن السياسات الرسمية المتواطئة مع المشاريع المعادية. فالحقيقة الخطيرة في الوطن العربي هي وجود أكثر من كيان صهيوني في داخله، وليس فقط في فلسطين المحتلة. فالصهيونية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الصهيونية اليهودية ومقرها في فلسطين المحتلة ، والصهيونية النصرانية ومقرها في أمريكا وأوروبا،والصهيونية الأعرابية ومقرها في العالَم العربي، وهي عبارة عن الأنظمة السياسية الحامية للوجود اليهودي الصهيوني ظناً منها أنها بذلك تحافظ على مصالحها ، وتضمن استمرارها في الحكم لأطول مدة ممكنة عبر نيل رضا أمريكا، فهذه الأنظمة المتواطئة مع الأعداء تعتقد أن أقصر طريق لقلب أمريكا هو نيل رضا الكيان الصهيوني، لذا تتحرك وفق هذه القاعدة للحصول على مكتسبات شخصية بحتة على حساب مصير الأوطان والشعوب العربية .
[2] الرؤساء الأمريكان هم خدم اليهود : لقد دخلت أمريكا في دهاليز التضحية بمجدها الزائف في سبيل الدفاع عن الكيان الصهيوني بفعل حكام البيت الأبيض الذين يُغَلِّبون مصالحهم الشخصية على مصالح شعبهم ، فيصبح نيل رضا اللوبي اليهودي هو الوسيلة الوحيدة للفوز بالانتخابات_ أية انتخابات_ ، ويصبح الإمضاءُ على كل قرارات دعم كيان الاحتلال الصهيوني المفتاحَ الرئيسي لصناعة مستقبل سياسي قائم على جثث الضحايا الفلسطينيين ، وأنقاضِ بلادهم المسروقة . وقد وجدنا كل الرؤساء الأمريكيين يُقَدِّمون الولاء الأعمى للكيان الصهيوني ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نرى كيف أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أول رئيس أمريكي أسود، ولستُ هنا في معرض تقديم ترجمة له أو سيرة ذاتية ، وإنما الوقوف على معالم فلسفته التي أوصلته إلى المركز الأول في أمريكا . فمن المعروف أن لون البشرة ذو حساسية كبيرة في أمريكا القائمة_بالأساس _ على العنصرية والتمييز العِرْقي. ولكن أوباما_ الشخص الغامض الجاهل صاحب التجربة الضحلة في السياسة، وعديم الإنجازات، والذي ليس له وزن أو خبرة في عوالم السياسة ودهاليزها _ ما كان ليصل إلى هذا المنصب الرسمي الحساس لولا وجود رئيس فاشل بكل المقاييس سبقه وهو جورج بوش الصغير الذي شطب أية فرصة للحزب الجمهوري أن يظهر ويسطع في سماء أمريكا ، ومع تفشي الكوارث التي اقترفها جورج بوش الصغير مثل القيام بجرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عِرْقي في العراق وأفغانستان،والهزائمِ العسكريةِ ، وانهيارِ الاقتصاد ، وجعل أمريكا أكثر عرضة للمخاطر، وتشويه صورتها المزيَّفة المصبوغة بحقوق الإنسان والديمقراطية خصوصاً في حروبها غير الشرعية ومعتقل غوانتانامو ...إلخ . كل هذه السياسات جعلت الشعب الأمريكي يصاب باليأس من الحزب الجمهوري كاملاً ، وراح المواطن الأمريكي يغرق شيئاً فشيئاً في الكوارث التي تلاحقه وتحاصره من كل الجهات، وبما أن الغريق يتعلق بقشة ولا يخشى البلل، كان الحزب الديمقراطي هو الخيار الوحيد للشعب الذي ينظر إليه على أنه المخلِّص من سياسة الجمهوريين التي أدخلت أمريكا في مأزق وجودي خطير . وبالطبع فأي مرشَّح ديمقراطي سيفوز سواءٌ كان أبيض أو أسود أو أحمر. ولم يفز أوباما لأنه عبقري أو أنه مالك الحلول السحرية لمشاكل أمريكا المتفاقمة ، بل لأن ملابسات فشل الجمهوريين وعلى رأسهم جورج بوش الصغير خدمته بشكل كبير، فمصائب قوم عند قوم فوائد. وما كان لرئيس أسود أن يفوز في الظروف العادية. فلو كان الجمهوريون يقومون بعمل رائع في إدارة البلاد لما نظر أحدٌ إلى أوباما. فالكثيرون يظهرون على أنهم عباقرة ، ليسوا لأنهم عباقرة فعلاً، بل لأن من حولهم أغبياء . والكثيرون يظهرون عمالقة، ليسوا لأنهم عمالقة في حقيقة الأمر بل لأن من حولهم أقزام . وهذا بالضبط ما قاد الرجل الأسود إلى البيت الأبيض في مجتمع محصور في التمييز العنصري ، حيث تصير لون البشرة إنجيلاً مقدَّساً لدى الأتباع . وأوباما دشَّن حملته الانتخابية بالذهاب إلى الكيان الصهيوني ووضع القبعة اليهودية على رأسه مع أنه نصراني ، فيُفترض _ وفق الميثولوجيا الإنجيلية والعقائدِ الواهمة _ أن اليهود صلبوا المسيحَ بعد أن عانى منهم . لكننا نجد حباً ظاهرياً غير منطقي لليهود ليس لأنهم قوم أطهار شرفاء ، فكل العالَم يعرف أفعالهم التي هي وصمة عار في تاريخ البشرية ، بل لأنهم قوم يملكون مفاتيح الدنيا بما لديهم من إمكانيات ونفوذ وسلطة. وكل الذين يريدون مستقبلاً دنيوياً باهراً _ كما يتوهمون _ ، ويعتقدون بأن الغاية تبرر الوسيلةَ فإنهم يحاولون جاهدين الاتصال باليهود وتقديم تنازلات شديدة في سبيل الحصول على مكاسب ذاتية دنيئة ، ولا يقتصر هذا الأمر على السياسة فحسب ، بل يمتد إلى الأدب خصوصاً جائزة نوبل التي تعتبر أهم جائزة في العالَم ، ولا يمكن لشخص ينتقد الكيانَ الصهيوني أن يحصل عليها مطلقاً،ويمتد كذلك إلى التمثيل خصوصاً في هوليود، وغير ذلك من المجالات الحياتية ذات القيمة التأثيرية في العالَم.
[3] أمريكا تسير إلى قبرها :
انحراف القطار الإمبراطوري الأمريكي عن السكة لا يعني أن أمريكا محكومة بالإعدام في الوقت الراهن ، بل يعني أنها ما زالت على قيد الحياة لكنها تغرق وتكافح الغرق ، ووظيفة البشرية هي إبعاد يد أمريكا عن طوق النجاة ، وحتى على فرض عودة أمريكا إلى السكة الصحيحة _ وهذا مستبعد_ فإن الجهد المبذول لإتمام عملية العودة سيؤثر سلباً على قوتها ، ويكون قد استنفد كميةً كبيرة من وقتها وجهدها . وهذا أيضاً يجعلها بعيدة عن الصدارة ، لأن عودتها إلى السكة _ على فرض التسليم بها_ سيجعل منها متأخرة عن كل القطارات العابرة التي سبقتها، ففي كلا الحالتين : العودة إلى السكة أو عدمها فإن أمريكا خاسرة ومتأخرة ومحصورة في جدلية العد التنازلي . ومع ازدياد الأزمات الخطيرة في الداخل الأمريكي ، لن يتمكن الأمريكان من التركيز في السياسة الخارجية . وهذه نظرية قد تبدو سهلة المأخذ للوهلة الأولى لكن تطبيقها صعب جداً لا مستحيل ، ولن تنفع إلا إذا تم تأسيس خطة شاملة وجذرية لإشغال أمريكا بمشاكلها الداخلية ، وإقامة الحواجز بين عقل أمريكا وقلبها مما يؤدي إلى التشتت والارتباك في اتخاذ القرارات الحاسمة ، الأمر الذي يجعل من العقلية الجدلية للحطام الروحي طريقاً ملتصقاً بكل الإدارات الأمريكية المتعاقبة . ومنهجية التعاقب في الإدارات الأمريكية منهجية وهمية ومضيعة للوقت ، وابتزاز لأصوات الناخبين الذين يُقدَّمون كقرابين على خشبة المذبح السياسي ،فاللوبي اليهودي الصهيوني هو الذي يحكم أو على أقل تقدير يُوجِّه مسارَ الحكم لصالحه بغض النظر عن وجود الحزب الجمهوري أو الديمقراطي في سدة الحكم . وحريٌّ بنا الانتباه إلى أن الهوة تتسع في المجتمع الأمريكي المضطرب المقدِم على تناحرات عِرْقية ، ومشاكلِ طبقية صادمة قد تعيده إلى أجواء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب . ولم تكن أمريكا في يوم من الأيام مجتمعاً متجانساً وحضارة راسخة الجذور والأبعاد والملامح ، فهي ليست بأكثر من مؤسسة استثمارية وشركة مساهمة محدودة ، وقد ظلَّت الحرب بين تقاطعات المجتمع هي الأساس الفكري ، لكن الحرب قد تكون ظاهرة أو مستترة ، وقد تأخذ أشكالاً متعددة بما فيها الناحية العسكرية . وقيمة النزاع بين تشكيلات الاجتماعيات المبعثرة تظل ناراً تحت الرماد، فالمجتمع الأمريكي من خلال عقليته الثقافية مجتمع مُعَسْكَر ، وما أدَّى إلى هذه الثقافة العنيفة هو التاريخ السوداوي العنيف بين البيض والسود منذ نشأة الكيان الأمريكي غير الشرعي. لكن الأرباح المادية قد أخفت هذه النزاعاتِ نسبياً وبشكل مؤقت ، وبما أن زمن الازدهار الاقتصادي بدأ يغادر ضمن دورته المعهودة في التنقلات، فإن بوادر نزاعات حقيقية بدأت تظهر ، وسوف تتعمق في المستقبل القريب المنظور ، لأن كرة الثلج أثناء تدحرجها سوف تكبر شيئاً فشيئاً، وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً . أما تصريحات الساسة الأمريكيين حول خطط الإنقاذ فتظل كلاماً في الهواء هدفها دغدغة العواطف، وعدم التفريط بأصوات الناخبين في أي حملة ممكنة .
[4] أكذوبة الإنجيل وخرافة التوراة :
الطبيعة الأيديولوجية للتوراة والإنجيل هي طبيعة أسطورية بشرية تتماهى مع منهجية الحكايات الشعبية والألغاز ، وليست التوراة والإنجيل إلا صفقة استثمارية لتحقيق أرباح مادية شخصية بحتة وكسب تعاطف من يؤمنون بهذين الكتابَيْن . فالإنجيل مثلاً يحدثنا عن معاناة المسيح على يد اليهود ، ومع هذا نجد أمريكا وأوروبا تقدِّسان اليهودَ والصهاينة ، فأين اتِّباع الإنجيل والعمل به ؟. وكثيرٌ من أقطاب الحركة الصهيونية كانوا ملاحدة فأين تعاليم التوراة وأين الالتزام بشريعة موسى ؟ . وهذا يعكس أن ما يسمى بالكتاب المقدَّس ليس سوى أداة ضغط على أتباعه لابتزازهم وتحقيق مكاسب ذاتية عن طريق المتاجرة بالدِّين والشعارات الأيديولوجية . تماماً كما كان يحدث في أوروبا عصر الظلام وكنائسِ القرون الوسطى . فمثلاً الإمبراطور شارل الخامس كان يقوم بدور حامي الكنيسة الكاثوليكية لكسب تعاطف الشعب ، وتثبيتِ أركان نظامه السياسة عن طريق ربط السياسة بالدِّين بشكل مغرِض ذي أهداف ذاتية ، ولا تتعلق بإيمانه الصادق بمرجعية الكنيسة في السياسة، لا سيما أن المبدأ الإنجيلي الشهير أعطِ ما لله لله ، وما لقيصر لقيصر ، قد كرَّس مبدأ الفصل بين الكنيسة ومؤسسة الحكم السياسي ، ومع هذا نجد أن الحاكم السياسي قد أخذ لقبَ " حامي الكنيسة "، وبالطبع هذا يدل على استغلال الدِّين لأغراض سياسية هدفها تثبيت الحكم السياسي لأطول فترة ممكنة عن طريق دغدغة عواطف الناسِ الذي يعتقدون واهمين أن الكنيسة طريقهم إلى الجنة، فأراد رأس النظام السياسي تثبيت جنته الأرضية عن طريق المتاجرة بشعارات متعلقة بالجنة في الآخرة . وإنها لعبة مكشوفة ومتكررة عبر الأزمان. وها هي ملكة بريطانيا رأسُ الكنيسة في ربط متطرف بين السلطتين الدينية والسياسية .
[5] شطب أمريكا من الخارطة :
إن التوظيف الإمبراطوري الذي يستعيد أساطير الاستخراب الذي كرَّسته بريطانيا وفرنسا قبل سقوطهما ما هو إلا مرحلة زمنية آنية مضمحلة ، أما الآن فأوروبا بشكل كامل هي ذيل لأمريكا وظل باهت لها. لكن المشكلة الحقيقية هي أن الإمبراطورية الأمريكية الورقية لم تتعلم الدرسَ جيداً . فالورطة الشاملة التي وقعت فيها من خلال احتلال العراق وأفغانستان تعكس تأسيساً انتكاسياً لملامح الحضارة الزائفة . وهذه الورطة تعكس بدون شك ضعف الفلسفة السياسية الأمريكية في امتصاص الصدمات، وتدل كذلك على قصر نظر أمريكا ، وعدم قدرتها على استيعاب الحدث ثم السيطرة عليه . وكل ذلك راجع إلى المراهقة السياسية التي تجعل من أفعال الإدارة الأمريكية ردود أفعال سريعة ، وزلات لسان ، وحركات عبثية غاضبة نتيجة غياب القدرة على السيطرة على المشاعر . وهذه الإمبراطورية الزائفة تتشابه في هذا السياق مع أفعال الأطفال أو المراهقين التي تأتي كرد فعل غير عقلاني، سريع ومتعجل، ويفتقد إلى الأحكام العقلانية المنطقية . ولم تعد الديمقراطية المزعومة إلا بطاطا مقلية في مطاعم الوجبات السريعة . وفي خضم كل توغلات أمريكا في الخارج، وقتلها للمدنيين بصواريخ الطائرات وقذائفِ المدافع ، اكتشفتْ بشكل متأخر جداً أن زجاج بيتها الشخصي يتساقط دون أن تنتبه لذلك ، وهذا مسمارٌ عميق في نعش ما يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية، وصار الاتحاد مفهوماً ملتبساً منهاراً ، خصوصاً مع ظهور حواجز شديدة بين الولايات الغنية والفقيرة ، أو ذات الحظ الوافر وذات الحظ المتعثر ، أو المعتمدة على الصناعة والتكنولوجيا الفائقة وبين الولايات المعتمدة على الزراعة والصناعات البدائية . وكل هذه الفروق في مجتمع غير متجانس ولا رابط بين أفراده إلا الربح المادي ، ستتكرس أكثر فأكثر ، مما ينذر بأن ذروة المأساة لم تظهر بعد ، وأن الأسوأ قادم ، ولم يظهر سوى خيط دخان من نار تتأجج تحت الرماد . ولستُ أبالغ إذا قلتُ إن أمريكا هي أغبى إمبراطورية قامت في التاريخ لأنها لا تملك تاريخاً وهويةً وجذوراً حضارية قادرة على حمل الدلالة الشعبية، والانطلاق بها نحو آفاق أكثر رحابة وسيطرة عالمية. كما أنها تؤسس للوهم على أرضية الأساطير ، ثم تنطلق ظناً منها أنها تستند إلى أرضية صلبة . فالكائن قد يكذب على الآخرين من أجل مصلحة ما، أما أن يكذب على نفسه ثم يُصدِّق الكذبةَ، فتلك كارثة مدوية سقط فيها النظامُ الأمريكي العبثي.ومن هنا ندرك أن ما يسمى بروح الانتماء السياسي والاجتماعي لم تكن إلا انتماءً للدولار مهما اتَّجهت بوصلته ، وبما أن الاقتصاد الرأسمالي _ الذي هو إنجيل أمريكا الرسمي_ قد بدأ يترنح فإن غالبية الشعب ستكفر بهذه الحضارة الزائفة التي تنفق المبالغ الهائلة على سباق التسلح والتسليح وغزو الفضاء في حين أن المواطن الأمريكي عاطل عن العمل ، ويفتش في سلال القمامة عن الطعام ، وينام على مقاعد الحدائق العامة في مجتمع قاتل مقتول . والأداء الإستراتيجي العالمي يحتِّم على العنصر البشري أن يعمل بأقصى طاقته لشطب أمريكا من الخارطة في أسرع وقت ممكن ، وعدم الاكتفاء بالتعويل على أزماتها الداخلية والخارجية التي تدق المساميرَ في نعشها ، بل يجب على كل التشكيلات الثورية العالمية دق المسامير في نعش أمريكا حتى دفنها، سواءٌ في الداخل الأمريكي أو الخارج . فليس بين الإسلام والغرب إلا السيف حتى السيطرة الشمولية على العالَم ، ضمن منهجية انتصار الهلال على الصليب . فالعالَم لا يتسع للهلال والصليب معاً ، ولا يتسع للشرق والغرب معاً ، ولا يتسع للإسلام وأمريكا معاً . ولا يوجد منتصران في الحرب ، بل منتصر واحد وخاسر واحد . وكلما كرَّسنا مبادئ تطبيقات الجهاد العالمي العابر للقارات غدا العالَم أكثر إشعاعاً وحرية ، فالمشروع الغربي قد فشل فشلاً كارثياً في قيادة السفينة البشرية إلى بر الأمان ، وهذا واضح للعيان ، فكوكبنا يسير إلى الأسوأ ، وهذه السفينة الكونية تغذ الخطى نحو الارتطام بالصخور . ولا يوجد حل عملي فعال إلا بسحب البساط من تحت أقدام الغرب ، والْحَجْر عليه باعتباره سفيهاً لا يملك أهلية التصرف . ومن ثم قيادة الإسلام للعالَم باعتباره الدِّين السماوي الوحيد . وهذا يتطلب إعادة بناء الجهاد الكوني الشامل ، ونقل المعركة إلى الداخل الأمريكي والداخل الأوروبي ضمن أطر عسكرة الكوكب ، ونقل المعارك في عواصم العالَم بهدف تعزيز مسيرة السلام والحرية والعدالة بشكل حقيقي لا صوري زائف ، فالغرب هو القاتل المأجور، ولا يوجد قاتل يملك القدرة على التنظير في قيم العدالة والإخوة الإنسانية، والقاتل لا بد من قتله حتى يعم الخير باقي الأرجاء،تماماً كبتر العضو الفاسد المسموم الملوَّث في الجسم الإنساني خوفاً من سريان السم إلى باقي أعضاء الجسد ، وهذا البتر يضمن استمرار باقي أعضاء الجسم في مواصلة عملها لضمان ديمومة الحياة الجميلة .

21‏/11‏/2010

خواطر سياسية ( كلام في الممنوع )

خواطر سياسية/ كلام في الممنوع
الجزء الثامن
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
[1] انكسار الكيان الصهيوني أمام المقاومة :
إن القوى الإمبريالية العالمية أضعف بكثير مما كانت عليه في السابق . فعلى سبيل المثال كان العدو الصهيوني يرتكب المجازرَ بحق الفلسطينيين أصحابِ الأرض، ثم يذهب إلى الاحتفال دون أدنى شعور بالتهديد ، أما الآن فالصواريخ تهبط عليه في كل الأوقات كما تفعل المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، ويهرب اليهودُ إلى الملاجئ ، ويتم إجلاؤهم، ويتركون بيوتهم المبنية من عظام شهداء فلسطين . وهذا التوازن في ميزان الرعب قام بتعرية المؤسسة العسكرية الصهيونية التي كانت تزعم أنها الجيش الذي لا يُهزَم . وقد كان فعلاً كذلك في الماضي حينما كانت الجيوش العربية تقاتل بلا عقيدة حقيقية ، أما الآن فقد ولى زمن الهزائم وبدأ وقت الفتوحات رغم الفارق الهائل في العتاد . ومع هذا فليس الجيش الصهيوني ضعيفاً ، إلا أنه صار في بؤرة الهزيمة التي يصعب الخروج منها خصوصاً مع ضعف قواته البرية ، إذ إنه يعتمد على سلاح الجو ، لكن الجيش الصهيوني عموماً قد دخل في مأزق وجودي خطير بعد هزائمه المتكررة في مطلع القرن الحادي والعشرين ، ودخل كذلك في خانة توازن الرعب المضاد الذي انعكس على أدائه سلباً . وبالطبع فلن يكون أقوى من الجيش الأمريكي الذي هُزِم في العراق وأفغانستان ، ولا أقوى من الجيش السوفييتي الأحمر الذي رفع الرايةَ البيضاء في أفغانستان في ثمانينات القرن العشرين ، ولا أقوى من الجيش الألماني النازي الذي صال وجال ثم انتحر ، وعبر على جثته العالَمُ ، وضحك عليه الناسُ . صحيحٌ أن صواريخ المقاومة الفلسطينية محلية الصنع وبدائية ، إلا أنها استطاعت تجذير حالة توازن الرعب ، فصواريخ القسام هجَّرت عشرات الآلاف من مساكنهم المغتصَبة ، ودمَّرت حياتهم ، وأجبرتهم على الهروب نحو الملاجئ والمدن الأبعد ، حتى هاجر البعض إلى دول أخرى أكثر أمناً. واستطاعت المقاومةُ إدخال 800 ألف يهودي تحت مرمى الصواريخ . كما أن الهجرة اليهودية إلى فلسطين قد ضعفت بشكل كبير جداً إن لم تكن قد توقفت فعلاً بفعل المقاوَمة . هذا بالإضافة إلى أن المجتمع الصهيوني غير المتجانس يعاني من مشاكل ديمغرافية صادمة للغاية طاردة وليست جاذبة ، فالبطالة في ازدياد ، كما أن غياب الآباء المؤسِّسين للمشروع الصهيوني قد جعل الساحة السياسية مجرد تجمع للمراهِقين سياسياً في ظل اضمحلال الرموز الكبيرة التي حملت على أكتافها بناء الدولة الصهيونية المحتلة . ومن الناحية الاجتماعية العسكرية فإن الجنود اليهود هم من الفقراء والطبقات المتدنية المنبوذة الذين يُدفَع بهم إلى الموت في المعارك لكي يحقِّق الساسةُ العائشون في فنادق الخمس نجوم انتصاراتٍ انتخابية خيالية ، والأغنياء فالطبع لا يرسلون أبناءهم إلى الجيش لكي يُقتَلوا ، بل يرسلونهم إلى أكبر جامعات أمريكا وأوروبا حتى يتلقوا تعليماً أكاديمياً عالي المستوى ، بينما يموت أبناء جِلْدتهم في حروب لا يستفيد منها غير تجار الحروب وسماسرة صناديق الاقتراع .
[2] أمريكا هي أزعر يتجول في الشارع :
إن الذات الأمريكية تنتقل من طور الحضارة المصطنعة المزيَّفة إلى طور الزَّعْرنة السياسية الدولية . والشيء المؤسف أن أمريكا تتصرف بمنطق الزعران وقطاع الطريق البدائيين غير المثقَّفين على الرغم من وجود تقدم تكنولوجي مادي وجامعات عالمية وعقول خارقة تزعم أنها تنشر الثقافة والإشعاع الحضاري وحقوق الإنسان والمدنية المنيرة . ولكن يبدو أن عقلية رعاة البقر في الغرب الأمريكي ما زالت تسيطر على سادة البيت الأبيض الذين لم تمنعهم ربطات عنقهم وثيابهم الفاخرة من التصرف بالعقلية البربرية المغولية المتخلفة. وهذا يعكس مبدأ غطرسة القوة ومنطق الآلة العسكرية المفروض على قوة المنطق التي يبدو أنها غير موجودة إلا في الكتب الجامعية.
[3]زواج الثروة بالسلطة :
انكسار الذاكرة الوجدانية الحالمة نابع من افتراضات " زواج الثروة بالسلطة " الذي يعني بناء النظام السياسي للدولة وفق مصالح رجال الأعمال ، وهذا يُحوِّل الدولةَ من الكيان السياسي المحترم الحاضن لأحلام الأمَّة إلى مرزعة شخصية للحاكم وعصابته الذين ينهبون البلاد باسم الوحدة الوطنية ، ويمارسون دورهم في استنزاف موارد الوطن حتى اللحظة الأخيرة مدعومين بنظام أمني قمعي فاسد يحرسهم، ويحرس أبراجهم العالية التي يختبئون فيها بعيداً عن معاناة الشعب المغلوب على أمره . وظاهرة زواج الثروة بالسلطة تبرز بشكل أساسي في الأنظمة التي تقامر بمستقبل شعوبها ، وتمسك البلاد بقبضة أمنية حديدية تعيد تشكيلَ ملامح الدولة البوليسية وفق تكوينات النظام السياسي للدولة الكرتونية الذي هو في الحقيقة شركة مساهمة ، أو مزرعة شخصية للحاكم وعصابته ، أو إسطبل للخليفة وعائلته المقدَّسة والحاشية المخلِصة لأرصدتها البنكية .
[4]الحروب الغربية سمسرة تجارية :
الغرب الصليبي هو قاطعَ طريق ينشر الفساد في الأرض ، ويحاول صبغ ذاته بالتقدم والمدنية وحقوق الإنسان مستغلاً آلته الإعلامية الشرسة . والنظرية الأساسية في عقلية الغرب العسكرية هي إرسال الفقراء لكي يموتوا من أجل تحقيق الساسة المتنفِّذين والأغنياء المتحالفين معهم مكاسب على الأرض ، وتكوين سلطة نفوذ قوية قائمة على نعوش الجنود القتلى . فعلى سبيل المثال لا الحصر فلا أحد يذهب من أبناء الأسرة الحاكمة في بريطانيا إلى الحرب علماً بأن بريطانيا بوصفها تابعاً لواشنطن ذهبت إلى العراق وأفغانستان . فلماذا لم يرسل الأمير تشارلز أحد ولديه للقتال في المعارك للدفاع عن شرف بريطانيا الضائع ومكانتها _ حسب زعمهم_؟. وهذه القاعدة يمكن تعميمها على كل جيوش العالَم بما فيها العربية التي لا تحارِب أصلاً . وفي ظل حالة التخبط الشديد في الأداء العسكري المعتمد على الفروقات الطبقية ندرك أن مفهوم " الوطن" في الغرب ليس بأكثر من شركة مساهمة محدودة خالية من الشرف العسكري والمعاني السامية للدفاع عن الشعب والعمل على ازدهار الأمَّة بين الأمم . وبالتالي تظهر فرصة ذهبية لنقل المعركة إلى الداخل الأمريكي ضمن إطار حروب مكافحة الإرهاب البروتستنتي الذي يستمد عقيدته المتهاوية من الإرهاب اليهودي النازي . فالحروب الاستباقية لنشر السلام العالمي ينبغي أن تُبنَى على عالَم بلا أمريكا ، أي الاعتماد على عملية جراحية لاستئصال هذا الورم السرطاني ( أمريكا) من جسد كوكب الأرض بكل الطرق المتاحة السلمية والعسكرية ، وغير ذلك فإن كوكب الأرض ذاهب إلى الموت البطيء لا محالة ، بسبب تفشي سم الحضارة الأمريكية في جسد كوكبنا ، فالعضو المسموم في الجسد ينبغي قطعُه لئلا يتسرب السمُّ إلى باقي الجسد . وقد رأينا غرق الأمريكان في التساؤل: (( لماذا يكرهوننا ؟ ماذا فعلنا لهم ؟)) ، وهذا ما حصل في تفجيرات 11/9، والتي جاءت نتيجة الإرهاب البروتستنتي المتصهيِن الداعم للنازيين الجدد المحتلين لفلسطين . فالتطرف لا يُقابَل إلا بتطرف أشد قسوة . فعلى أمريكا أن تنتخب قياداتٍ عاقلة يحكمونها بالعدالة ، وينشرون قيم التسامح والعدالة ومكافحة الظلم لا قيادات متواطئة مع الجلاد تبصم بالأصابع العشرة على مجازر الاحتلال اليهودي بحق الفلسطينيين المدنيين للحصول على تأييد اللوبي اليهودي في أمريكا الذي سيحشر أمريكا في الزاوية. إن أمريكا قطار همجي انحرف عن السكة يعمل ضد مصلحته ، ويقامر بمصيره من أجل دعم الكيان الصهيوني النازي المحتل لفلسطين ، وهذه خطورة هائلة تعكس هوية الذين يقودون سفينة السياسة الأمريكية المثقوبة.فعلى سبيل المثال هجمات 11/9 كانت بفعل السياسة الأمريكية المنحازة للعدو الصهيوني ، والسير وراءه بلا بصيرة ، فجاءت الصفعة الشديدة لتوقظ أمريكا من سباتها ، ولكن للأسف فإن حضارة العم سام لا تتعلم نهائياً من أخطائها ، وهذا عائد إلى غطرسة القوة التي تبث في نفسها إحساساً واهماً بأنها فوق كل قانون، وفوق كل شريعة سماوية أو أرضية. وهذا المسار أدَّى إلى وقوع أمريكا في الفخ الاقتصادي والعسكري... إلخ . فالذي يعتمد على غروره الناتج عن القوة والعنجهية دون تطبيق حسابات على الأرض ، لا بد أن يقع في فخاخ كثيرة تكلِّفه غالياً ، فبدلاً من أن تكتسب أمريكا العِبَر من هجمات 11/ 9 ، نراها تمادت في دعم الإرهاب اليهودي في فلسطين ، وتورَّطت بحروب خاسرة مدمِّرة في العراق وأفغانستان، وهذا الذي جعلها محاصرة بين درجات سُلَّم العد التنازلي المتسارع وصولاً إلى لحظة الانطفاء الشامل، والتماهي مع مصير ثمود . وهكذا تفقد رحم أمريكا النازية الهتلرية الجديدة قدرتها على إفراز بويضة الجيل الجديد المنتمي للحضارة الإمبراطورية الأمريكية الجديدة . وعدمُ الانتماء لهذا الكيان غير الأخلاقي أدَّى إلى هزائم متكررة في الجيوش الأمريكية ، وتبعثر قوتها في القواعد العسكرية في أصقاع العالَم . فالجندي حينما يفقد ولاءه للراية التي ينضوي تحتها ، تصبح القيم الوطنية محصورة في راتب آخر الشهر فقط دون التفكير في بناء مستقبل مشرق لبلاده التي يحارب من أجلها ، ويظن نفسه بطلاً كلما قتل المدنيين ، وأحال العمران إلى أنقاض . وهذه الفوضى الأخلاقية الحربية ارتدت بشكل كبير على الداخل الأمريكي مما يُنذِر بازدياد حدة التسارع في العد التنازلي للأمركة ، وحدوث ارتداد انطوائي يعزل أمريكا عن القطبية الوحيدة في العالَم . ومفهوم العزلة الارتدادية المحاصِرة للإيقاع السياسي الأمريكي ينبثق من وحدة توحش السياسة الأمريكية حيث تغدو صدىً لتيارات دينية كنسية متطرفة دون الاستناد إلى العَلمانية الشعاراتية التي ترفعها أمريكا لذر الرماد في العيون . وكلما انتشرت الذهنية الميكانيكية في تطبيقات الشعارات الدينية والسياسية تركَّز وعي اقتصاديات الدِّين في اتجاهات عسكرية متطرفة ، فأمريكا التي تُقدِّم نفسَها على أنها أكبر نظام عَلماني في العالَم هي في الواقع كنيسة داخل الكنيسة ، لأن الخيارات العسكرية الأمريكية المتطرفة مزروعة في قلب تيارات المحافِظين الجدد سواءٌ كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين ، ولكن نسبة التطرف متفاوتة إلى درجة تجعل من هامش المناورة السياسية فرصةً لمواصلة تطبيقات إرهاب الدولة الأمريكية .
[5] الجهاد في سبيل الله وتدمير مفاعل ديمونة :
لا أرى أن مفاعل ديمونة الصهيوني نقطة قوة ، بل على العكس فإنه نقطة ضعف ، وإذا تم استخدامه فإن هذا يعني نهاية الكيان الصهيوني رغم حصول دمار بالغ في الدول المحيطة. فالأسلحة النووية تُدعَى بأسلحة الردع ، إذ إنه يتم إنشاؤها بهدف الردع والتخويف لا بهدف الاستعمال ، لأن الاستعمال سيكون وبالاً على المعتدي والمعتدى عليه . فلو قام الكيان الصهيوني بضرب الدول العربية_ مثلاً_ بالأسلحة النووية ، فإن الدول العربية تُحشَر في الزاوية ، وحينئذ تصبح لا تملك شيئاً تخاف عليه، فتحرك طائراتها وتقصف مفاعل ديمونة، وتدمِّر الكيانَ الصهيوني تماماً وتقضي على وجوده أو أي أمل بعودته قوياً ، أما ما يحصل في العالَم العربي من دمار فسيتم تجاوزه بفعل القوة البشرية الهائلة ، فمهما ذهب من شهداء ، يظل الوطنُ العربي قادراً على الوقوف على رجليه لأنه يملك عدد سكان كبيراً بعكس الكيان الصهيوني . ونظل نقول إن الفقير المعدَم لن يخاف على سرقة نقوده ، بل الغني هو الذي يخاف على أرصدته وممتلكاته ، فمن لا يملك شيئاً سيظل متحرراً من ثقل العناية بالأشياء ، ومن ليس لديه شيء فلا يمكن سرقته ، فعلى ماذا يخاف ؟. وهذه هي نقطة قوة المقاومة الفلسطينية في كل مراحلها ، فاللاجئ لن يخسر غير خيمته، أما الذي يعيش في قصر أو ناطحة سحاب في " تل أبيب" مثلاً فهذا الذي لديه ما يخسره ويخاف عليه. ووفق هذا الأساس ندرك أن الجهاد والكفاح المسلح هو الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني إذا أراد استعادة بلاده المحتلة ، ولن يخسر الفلسطينيون سوى قيودهم لأنهم لا يملكون غيرها ، وليس لديهم دولة أو مطارات أو ناطحات سحاب أو اقتصاد صناعي جبار أو مفاعلات نووية أو مرافق حيوية عالية التجهيز من أجل الخوف على مقدَّرات الدولة ، وممارسةِ الاستسلام السياسي حفاظاً على الإنجازات الهائلة في الدولة العظيمة ! . فالذي لا يملك دولةً يكون في وضع ثوري وحالةٍ نضالية أقوى بكثير ممن يملك دولةً . فالأسير لن يخسر غير قيوده ، والمشرَّد لن يخسر سوى منفاه .

13‏/11‏/2010

انتحار الديمقراطية في الأردن

انتحار الديمقراطية في الأردن
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 13/11/2010م .
إن الطبخة السياسية التي قامت بها الحكومة الأردنية لإنتاج مجلس نيابي موالٍ لها ، يبصم على قراراتها بالأصابع العشرة دون أن يقرأها قد ظهرت للعلن في مسرحية انتخابات 2010م . فعلى الرغم من الإخراج السيئ لهذه اللعبة السياسية المكشوفة للجميع ، إلا أننا نجد الحكومة تتصنع عبقرية التنظيم وتواصل مدح نفسها أمام وسائل الإعلام بأنها نجحت في إقامة هذا " العُرس الديمقراطي " مع أنه كان مأتماً بكل المقاييس ، حيث قضى على إنجازات الأجيال المتعاقبة في التاريخ السياسي الأردني ، وأعاد الدولة إلى العصر الحجري ، وحوَّل البرلمان إلى مجلس عشائري شكلي لا علم له بأصول السياسة وتطبيقاتها الاجتماعية والاقتصادية . وما يثير الاستغراب حرص الحكومة على الزج بالعشائر في مجلس النواب ، مع أن البنية العشائرية هي بنية اجتماعية وعلاقات إنسانية لا بنية سياسية ذات برامج فكرية وأهداف تطبيقية. وإذا كانت الحكومة تريد تمرير قراراتها دون معارضة ، فكان بإمكانها أن تفعل ذلك وفق أساليب التزوير المعتادة وتفصيل القوانين على مقاسها ومصادرة صوت الناخب والالتفاف على الدستور واللف والدوران ، ولا حاجة لتدمير البنية الاجتماعية الأردنية، وبث العصبية القبلية، وإشاعة الفتن بين أبناء العشيرة الواحدة. لكن الحكومة تنتهج سياسة " فَرِّقْ تَسُد " ، وهذا اللعب بالنار من شأنه تفتيت أوصال المجتمع ، وبث الكراهية بين أبنائه ، وانهيار منظومة الولاء والانتماء . وهذه الخطايا الكارثية التي تقترفها الحكومة عن سبق الإصرار والترصد غير مستغربة ، فالحكومةُ ذات مستوى ضحل في السياسة ، ولا توجد لها أية إنجازات اجتماعية أو اقتصادية . فهي عاجزة عن علاج أية أزمة مجتمعية ، ولا يوجد أي ملف نجحت في إدارته ، ومن يعارض هذا الكلام عليه أن يُعطيَنا اسم ملف أدارته الحكومة ببراعة . وبالطبع لن يجد ذلك مهما بحث . وهذه المسرحية الانتخابية الميتة في مهدها أزاحت القناع عن وجه الحكومة ، وأظهرت عجزها التام عن إدارة القضايا الساخنة والباردة على السواء. وهذا التخبط الحكومي أساء إلى سمعة الأردن ، وشوَّه صورتها في وسائل الإعلام الإقليمية والدولية ، حيث قدَّمها على أنها كيان عشائري بدائي محصور في منظومة شيوخ القبائل والأتباع الموالين لهم دون وجود أفكار سياسية ، وبرامج تنفيذية على أرض الواقع . وهذه الفوضى الحكومية عرَّضت الأردن لانتقادات واسعة من منظمات دولية مثل منظمة " هيومن رايتس ووتش " . وصدق المثل القائل : (( لا يذهب بعيداً من لا يعرف إلى أين هو ذاهب )) . وهذا ينطبق على الحكومة العاجزة اللاهثة وراء الأحداث دون الوصول إليها، والتي تثبت الشيء وتنفيه في الوقت نفسه ضمن فوضى سياسية شاملة . وبسبب فشل هذه الانتخابات الصورية على كافة الأصعدة راحت الحكومة تخترع نجاحاتٍ وهمية ، فزعمت أن نسبة المشاركة 53 % ، وهذا الرقم من بنات أفكار الساسة ولا علاقة له بالواقع، فنسبةُ المشاركة أقل من ذلك بكثير لكن الحكومة تخجل من ذكرها لئلا توصف بالفشل. فمثلاً ، مدينتا عمان والزرقاء _ اللتان تشتملان على أكثر من نصف سكان الأردن _ قاطعتا الانتخابات بشكل كثيف للغاية عن سبق الإصرار والترصد لعلمهما بأنها تحصيل حاصل ، وأن أسماء الفائزين في الانتخابات معروفة مسبقاً ، ومحسومة سلفاً ، ولكن تبقى ضرورة إخراج المسرحية لخداع الرأي العام الداخلي والخارجي . أما تخصيص مقاعد نيابية للمرأة / الكوتا النسائية ( 12 مقعداً ) ، فيأتي ضمن موضة حقوق المرأة ، وتقديم المرأة على أنها تتمتع بحقوقها السياسية ، وأنها شاركت رغم كل الصعوبات ... إلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة التي ترددها حكومات العالم الثالث لنيل رضا الغرب. والأمرُ يشبه ما يحدث في الحالة الأفغانية ، وذلك بإحضار عدة نساء إلى المجلس لإقناع الغرب أن المرأة الأفغانية تحررت بعد سقوط حكم طالبان ! . والجميعُ يعرف أن المجتمعات العربية ذكورية بامتياز، فالمرأة العربية تُصوِّت ضد المرأة. وفي تاريخ الأردن كله لا أعتقد أن امرأة نجحت في تنافس حر سوى السيدة توجان فيصل ، والنساءُ اللواتي جِئْنَ بعدها يحاولن تقليدها بشكل أو بآخر . لذلك كان قرارُ المقاطعة حلاً جذرياً ممتازاً ذا تأثير بالغ لكي تعرف الحكومةُ حجمَ الكوارث التي ترتكبها، وخطورة المستنقع الذي دخلتْ فيه. وعلى أية حال، فالانتخابات الأردنية 2010م فقدت شرعيتها قبل أن تبدأ ، وبعد انتهائها تكرس فقدانها للشرعية . فقد فشلت بامتياز ، وهذا غير مفاجئ، فلم يتوقع أحد نجاحها ، ولو حتى الذين فصَّلوها على مقاسهم . وسيكون المجلس القادم عبئاً على نفسه والشعب والحكومة. ولا يُنتظر منه أية إنجازات. وكما قال الشاعر : (( فما في النار للظمآن ماءُ )) .

04‏/11‏/2010

خواطر سياسية ( كلام في الممنوع )

خواطر سياسية ( كلام في الممنوع )
الجزء السابع
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
[1] لا توجد دولة في العالم العربي :
إن الحقيقة المرة هي أن العالَم العربي لم يؤسس دولةً منذ سقوط الخلافة العثمانية. فالوطن العربي لا توجد فيه دول تتمتع بالسيادة ، فالسفير الأمريكي هو الحاكم الفعلي . وبالتالي فإن التشكيلات الوجودية الخاصة بإطار إنتاج الدول في هذه البقعة الجغرافية الشاسعة ما زالت ضمن إطار المحميات الخارجية التابعة للدول الكبرى ، وما يعزز هذه النظرة غياب القيادات الكاريزمية القادرة على التطوير والتحديث وصناعة النقلات النوعية والطفراتِ عالية المستوى . ومن خلال هذا الأداء الانتكاسي فإن الشعوب تتحمل الدور كاملاً في صناعة الغد المشرق للأمة، لأن الحاكم العربي جزء من المشكلة لا الحل . فالوطن العربي ليس أكثر من دويلات ومحميات تابعة لأمريكا وبريطانيا وفرنسا، فالهم الأساسي في حياة الحكام العرب الطواغيت أن يظلوا أطول وقت ممكن في السلطة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة دون النظر إلى مشاريع التنمية أو التحديث أو التحرر أو حقوق الإنسان .
[2] نهاية الكيان الأمريكي وانتحار الكيان الصهيوني :
إن الدولة الأمريكية هي مجاز سياسي لا حقيقة لها ، فما يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية عبارة عن شركة استثمارية مساهمة ، تعطي أرباحاً للمساهِمين فيها . وهذه الفلسفة تعكس حالة ظهور الدول كشركات لا حضارات. وما نراه الآن على خارطة المشهد السياسي العالمي مثل ما يسمى بالاتحاد الأوروبي إنما هو نادٍ للصليبيين في إطار شركة استثمارية بعيدة كل البعد عن المستوى الحضاري المتجذر ، والهويةِ الثقافية الأصيلة . وإذا كان القاسم المشترك للمستويات السياسية ذات الطبيعة التَّكتلية التي تُسمِّي نفسها حضارية هو المال ، فشيء طبيعي أن تكون هذه الحضارات الزائفة على سُلَّم العد التنازلي، وهذا ما نشاهد ملامحه في الأزمة المالية العالمية التي أدخلت أمريكا في الطريق المسدودة ، حيث لا ضوءٌ ولا نفق. وهذا بالطبع لن يخدم الكيانَ الصهيوني الذي يعتمد اعتماداً كلياً على الإمداد الخارجي من حراس حضارة إبادة الهنود الحمر التي تملك خبرةً في التطهير العِرْقي والإبادة الجماعية وتهجير السكان الأصليين ، وتجربةً سابقة على تجربة الكيان الصهيوني في ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين أصحاب فلسطين الحقيقيين. وهذا الكيان اليهودي التلمودي ما زال رضيعاً يحصل على الغذاء من أُمِّه ( أمريكا) لكن الأم حينما تصاب بسرطان الثدي فإن الرضيع سينقطع تماماً عن أمه ، فتخور قواه ، ويصبح فاقداً للبنية الجسمانية القوية ، وضعيفاً أمام المؤثرات الخارجية بفعل غياب جهاز المناعة ، وهذا هو الحاصل الآن في صميم العلاقة بين الأم ( الكيان الأمريكي ) والرضيع ( الكيان الصهيوني ).ولنكن واقعيين ، فأمريكا الآن أضعف بكثير عما كانت عليه سابقاً ، فالأزمة الاقتصادية الخانقة، وهزائم عسكرية في العراق وأفغانستان. ففي واقع الأمر فقد أسدى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الصغير خدمةً ذهبية لتنظيم القاعدة وإيران ولكل أعداء أمريكا، فبدلاً من بناء إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، سرَّع في غياب الشمس عن بلاده عبر سياسات لا تخدم إلا المتربصين بأمريكا ، والذين ينتظرون انهيارها على أحر من الجمر . فجورج بوش الصغير _ باعتباره مجرمَ حرب ساذجاً غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة من تلقاء نفسه وخاضعاً لاتجاهات مستشاريه _ لم يقدر على تحييد العناصر في حربه من أجل السيطرة على النفط ، وزيادة النفوذ ، وإزالة أنظمة دول الممانَعة وحركاتِ المقاوَمة،فإيران وسوريا وكوريا الشمالية بقيت وذهب بوش الصغير_ هذا بالنسبة للدول_ ، أما الحركات فهي تحقق إنجازاتٍ واضحة على الأرض، فحركة طالبان تسيطر على ثلاثة أرباع أفغانستان رغم وجود الناتو ، وأيضاً المقاومة اللبنانية ما زالت موجودة ، وكذلك حركة حماس .ولو كانت إدارة الرئيس السابق بوش الصغير تتمتع بالذكاء الاحتلالي لقامت بخطوة على أصعدة محاور حروبه تشابه ما قام به العدو الصهيوني حينما قام بتحييد دور مصر في كامب ديفيد، لعلمه أن مصر هي الأخت الكبرى للعرب ومركز الأمة العربية وقلبها النابض ، فأغرى النظامَ المصري بمساعدات مادية على صعيد المال والتمثيل الدولي تتعهد بها أمريكا مقابل أن تدير مصر ظهرَها للقضايا العربية والإسلامية ، وهذه هي فلسفة معاهدة كامب ديفيد . وفي ظل موت الوطن العربي، وانتحارِ جامعة الدول العربية ، واندثار منظمة التحرير الفلسطينية نتوصل إلى القاعدة الأساسية في منهجية التحرير ، وهي وجوب البحث عن داعمين للقضية الفلسطينية مثل تركيا وإيران وفنزويلا ، وإدخالهم في منظومتنا الإقليمية لإعطاء قضية فلسطين الزَّخم العالمي المطلوب .
[3] الحاكم العربي أكبر إرهابي في المنطقة :
لعبة التلويح بالمال والعصا لعبة قديمة جديدة ، فالدول العربية التي أقامت علاقات مع الكيان الصهيوني ليست ساذجةً أو جاهلة في السياسة الدولية ، بل هي انخرطت في تجارة " اتفاقيات السلام" لتحقيق مكاسب مادية بحتة ، وتعزيز مكانة دولها على خارطة المشهد العالمي ، لكننا نجد أن العكس هو الذي تحقق ، فالوطن العربي منهار تماماً ، فلا وزن له خارجياً ولا داخلياً ، والمشاكل في ازدياد كارثي متسارع. فارتفاع نسبة البطالة والعنوسة، وانهيار التعليم ، والفساد المالي والإداري، وازدياد فقر الشعب ، وكل هذه العوامل تعكس وجودَ مشكلة جوهرية في التركيب السياسي للأداء الفكري ، وعلاقة غير صحية بين مكوِّنات هرم السلطة المجتمعية ، وتفسخ الرابطة بين الحاكم والمحكوم . مما يقودنا إلى اعتبار أن الأنظمة الحاكمة جزء من المشكلة لا الحل. فالحاكم اخْتَطَفَ الوطنَ العربي ، ونهب ثرواتِه ، وجعل الدولةَ إسطبلاً ومزرعةً شخصية له ولعائلته وحاشيته . وصار عبداً للكرسي . وكما هو معلوم فإن الطغاة جاؤوا في انتخابات مزوَّرة ، وهم مفروضون على المنطقة من قبل الغرب لكي يُنفِّذوا أوامر سادتهم الغزاة مقابل أن يسمح الغربُ باستمرار أنظمة حكمهم ، ويسكت على جرائمهم بحق الشعب الذي صار قطيع غنم لا حول له ولا قوة .
[4]سقوط الشيطان الأمريكي وانكسار الصليب :
النخبة الحاكمة في واشنطن عبارة عن أناس دخلاء على المجتمع الأمريكي المتصوَّر يمتلكون أجندةً خفية لتنفيذ مصالحهم الشخصية ضد مصلحة وطنهم وأبناء شعبهم . والمفارقة العجيبة أن هذا التماهي يتشابه مع النظام السياسي العربي الذي يخدم مصلحة ديمومة حكمه ضد مسار شعبه ، ومستقبلِ وطنه. ونجد أن أمريكا تتصرف كما لو كانت المسيح الذي سيأتي في آخر الزمن، وهي بذلك وكأنها تحاول إنشاء " مملكة الرَّب على الأرض " في انتظار الخلاص السماوي . وفي واقع الأمر فإن الدول الكبرى أو التي كانت كبرى طالما كانت تلجأ إلى الشعارات البراقة ذات الصبغة الكَوْنية ، خصوصاً في زمن انحطاطها الروحي والمادي. فالحروب الصليبية التي قادها الإرهابي بابا الفاتيكان في مراحل زمنية مختلفة ، ووفَّر لها غطاءً دينياً إنما كانت تهدف في أحد جوانبها إلى إعادة الاعتبار لهذه المؤسسة الكنسية المتهاوية في ظل انحسار دورها ، وانحطاط مستواها الفاعل على خارطة الأحداث الأوروبية ، وإعادة رسم خارطة الداخل الأوروبي بما يضمن وجودها في قلب المشهد السياسي التشريعي لكي تضمن نسبةً أعلى من ابتزاز الآخرين ، وإعادة نشر فلسفة صكوك الغفران، ومحاكمِ التفتيش. أي إن الحرب تأخذ منحىً شخصياً لتحقيق مكاسب ذاتية في الجبهة الداخلية، ومنحىً خارجياً لفرض وجهة النظر على الآخرين وإخضاعهم بالقوة .
[5] المتاجرة بالتوراة والتلمود :
من الأمثلة الواضحة على دور الحروب في تحقيق منافع شخصية تلك الحروب العبثية التي يشنها الكيان الصهيوني من أجل فوز الساسة في الانتخابات الداخلية. فكلما قتل الساسةُ عدداً أكبر من الفلسطينيين المدنيين حصلوا على مقاعد أكثر في الكنيست. أما فكرة الإيمان بالمشروع اليهودي الصهيوني التوراتي فهي نواة شعاراتية مهترئة ، وكثير من الصهاينة لا يؤمنون بها . فالعديد من الذين قام على أكتافهم الفكر الصهيوني تنظيراً وتطبيقاً وتأسيساً لدولة " إسرائيل" المحتلة لفلسطين هم ملاحدة لا يؤمنون بالتوراة ولا بموسى صلى الله عليه وسلم ، وإنما اتخذوا الشعارات الدينية للحصول على شرعية ومكاسب ذاتية على الأرض .
[6] عصابة البيت الأبيض ومافيا الإدارة الأمريكية :
لم يكن البيت الأبيض في كل أطوار وجوده أكثر من حفنة من القتلة المأجورين يديرون أعمالاً مشبوهة ذاتية المنافع ، وخالية من أية مستويات انتماء لما يسمى بالأُمَّة الأمريكية . فما يقوم به حكام البيت الأبيض أشبه بتعاطي الماريجوانا لطالبات جامعة هارفارد أو شيكاغو ، إذ إن الفتاة تمر بأزمة عاطفية فتتعاطى المخدِّرَ لكي تنسى فشلها الوجداني ، وتخدع نفسها بأنها تجاوزت مشكلتها، وها هي تعيش في عوالم الأحلام ، لكنها حين تفيق تدرك أنها أمام معضلة أكثر شراسة ، فلا هي قادرة على التقدم ولا التأخر . حتى إن فكرة إنقاذ ما يمكن إنقاذه تغدو ضرباً من المستحيل ، وهذه هي بؤرة الدمار الحتمية ، والشرنقة الخانقة التي تحاصر أمريكا ، وتلاحقها على شكل كوابيس في فلسطين والعراق وأفغانستان وهيروشيما وفيتنام.فكل الإخفاقات العسكرية والهزائمِ المتوالية في القاموس التاريخي السيادي الأمريكي تُحال _ مع مرور الزمن_ إلى صيرورة فلسفية تقضم بقايا المعنى الإنساني للحضارة الأمريكية الفاشية ، وهذا قطعاً يُسرِّع في إسقاط هذا الوهم الكبير ( حضارة العم سام ) ، والبالونِ المنتفخ ( دعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان ) ، وفقاعةِ الصابون ( العولمة_ الأمركة ). وفي ظل الزخم التحشيدي للمناخات الانهيارية يبدأ العد التنازلي لسقوط إمبراطورية الشيطان الأمريكي ، وظهور عالَم متعدد الأقطاب . والتعدد القطبي _في واقع الأمر_ يعني عالَماً بلا أمريكا ، لأن غياب أمريكا عن الصدارة الطليعية( المركز الأول ) يحشرها بين درجات سُلَّم العد التنازلي ، وفلسفة العد التنازلي تتضمن استمرارية الانهيار حتى الوصول إلى القاع، خصوصاً أن القوى الصاعدة حينما تتكرس كأقطاب ستعيش فترة شبابها الإمبراطوري على حساب شيخوخة الإمبراطورية الأمريكية المتآكلة ، تماماً كما وَرِثَت أمريكا بريطانيا . فنظرية تداول الحضارات لا بد أن تضرب من جديد ضمن حقب زمنية معلومة ، لأن الشاب لا يظل شاباً طول العمر . ومن ناحية أخرى فإن الإمبراطورية الأمريكية المتساقطة صهرت مراحلَ انهيارها مبكراً ، ووصلت إلى الشيخوخة بسرعة كبيرة جداً ، وذلك عائد إلى أن الشباب الإمبراطوري الأمريكي حوصر لفترة طويلة في المراهقة السياسية التي نقلت الكيانَ الأمريكي _ بوصفه منظمةً إرهابية لا تجرؤ أية دولة على وضعها في قائمة الإرهاب_ من طور الاستمتاع بالمنجزات الحضارية العالمية المشرقة إلى مواعيد دفع الضرائب الباهظة لآلة الحرب( الصهيونية_الأمريكية)،وتبعاتِها الشرسة. وينبغي تذكر الضغط الشعبي الهائل جراء عودة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم في النعوش الملفوفة بالعلم. فالخسائر الفادحة في العراق وأفغانستان جعلت من انهيار إمبراطورية العم سام تياراً ذاتياً يفرض أجندته على الأداء الفكري العمومي .