سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

26‏/02‏/2018

الحب في مدن السراب

الحب في مدن السراب

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 26/2/2018

...............

 (1)
     يَتحدَّثون عن الرُّومانسيةِ ، وهُم واقعون تحت ضغط الغريزة. يَتحدَّثون عن العلاقات الغرامية في مجتمع تَحْتَلُّه العوانس. يُفكِّرون في العَشَاء على ضَوء الشموع ، وهُم لا يَجِدُون رَغيف الخبز . يَدْعَمُون حقوق المرأة في وَطَنٍ تَحَوَّلَ إلى سُوق نِخاسة . مَهزومون في المعاركِ والحروبِ ، لَكِنَّهم يُشَيِّدُون أقواسَ النَّصر على أجساد الفقراء. يَكتبون الأغاني الوَطنيةَ،ويَحتفلون بأعيادِ الاستقلالِ، ويَفتخرون بالسِّيادة الوَطنية، وهُم يَمسحون أحذيةَ الغُزاة، وبلادُهم واقعة تحت الاحتلال الأجنبيِّ وغَير الأجنبيِّ . وَطَنُ الأكاذيبِ ماتَ ، والدُّوَلُ تتساقطُ كحجارة الدُّومينو ، وسَوْفَ يُولَدُ وطنٌ جديد مِن عظام الضحايا .
(2)
     تَعَلَّمْنا كَيْفَ نُحِبُّ ، لَكِنَّنا لَم نَتَعَلَّمْ كَيْفَ نُدافِع عَن حُبِّنا. الكلامُ سَهْلٌ.لَكِنَّ العِبْرةَ بالأفعال. نَتحدَّثُ عَن الْحُبِّ ، ونَخترع النظرياتِ الفلسفية في العِشْق والغرام . وَجَدْنا المرأةَ ، لَكِنَّنا قَتَلْنا الأُنوثةَ. وَجَدْنا الذكورةَ، لَكِنَّنا قَتَلْنا الرُّجولةَ. لقد صَارت المتاجَرةُ بِجَسد المرأةِ فلسفةً اقتصاديةً ، وصارَ الحبُّ وَسيلةً للاستعراضِ . والرُّومانسيةُ الوهميةُ تُبْنَى على جُثة المرأة .
(3)
      الكاتبُ العظيمُ يُشْعِرُ القُرَّاءَ أنَّهم عُظَماء. يُفَجِّرُ طاقاتِ القُرَّاء الإبداعية. يَأخذ بأيديهم نَحْوَ اكتشاف مواهبهم، ونِقاط قُوَّتهم. لا يَضحك عَلَيهم، ولا يَرسم الأوهامَ في طَريقهم، ولا يُخدِّرهم بالكلمات الرَّنانة. بَل يَصعقهم لِيَعرفوا أنهم أقوياء يَقْدِرُون على التَّغيير، ولَيسوا حجارة على رُقعة الشِّطْرَنج ، يَلعب بِهم الطغاةُ والغزاةُ .
(4)
     الثورةُ الحقيقيةُ هي مشروع أخلاقي مُضاد للفوضى والعَبث . لكنَّ أصحاب المصالح لَن يتركوا الثورةَ وشأنها . سَوْفَ يُحَوِّلُون الثورة إلى كابوس ، كَي تَأكل الثورةُ أبناءَها ، ويَتسلَّق اللصوصُ على الثورة كَي يَصلوا إلى المناصب الحسَّاسة .
(5)
     نَحْنُ نَزرعُ ، ولا نَعرف هُوِيَّةَ الحاصدين ولا مَوعد الحصاد . قد يَبدأ الإنسانُ مِن النهاية ، كما يُولَد الصباحُ مِن نِهاية الليل . قَد يَكون الغيابُ أكثرَ حُضورًا مِنَ الْحُضورِ . وقد يَكون الغيابُ هُوَ الحضورَ في أبْهَى صُوَرِه . ورُبَّما يَزداد تأثير الشخص أثناء غِيابه .
(6)
     إذا غَطَّيْتَ وَجْهَك بالأقنعة فأنتَ مُخادِع. وإذا كَشَفْتَ وَجْهَك في عالَم الأقنعة سيعتبرونك خائنًا . ما الحل ؟. شُعوبٌ تأكلُ الأكاذيبَ، وتَعيشُ في الأوهام. عِندَما تُصارِحُها بالحقائق تُصْبِحُ ضَحِيَّةً لها. وعِندَما تَصدم الناسَ بالحقيقة الْمُرَّة ، تُصبح عَميلاً ومُنْدَسًّا ومُنْشَقًّا . والناسُ يَعْشَقُونَ الشخص الذي يَضحك عَلَيهم ، والشعبُ يُحِبُّ الحاكمَ الذي يَكذب عَلَيه. ما الفرق بين شخص يَسرق جَسَدَك وشخص يَسرق قَلْبَك ؟ . ما الفرق بين لص بدون ربطة عُنُق ولص بِرَبطة عُنُق ؟ .
(7)
     الناسُ يَتساقطون كأوراقِ الخريفِ . الشوارعُ مقابرُ حقيقية تَحتضن وُجوهَ الناسِ الميْتةَ . نَحْسِبُ عَدَدَ الأمواتِ في المقابرِ ، لَكِنَّنا لا نَحْسِبُ عدد الأموات الذين يمشون على أقدامهم . الشخصُ لا يَقْدِرُ أن يَرى وَجْهَه بدون مِرْآة . وهذا سببُ خَوفنا مِنَ المرايا . لَقد كَسَرْنا المرايا لِنَرتاح من عذاب الضَّمير . وَضَعْنا الأقنعةَ لِنَعيش في الأحلامِ الوَردية بَعيدًا عن الحقيقة الجارحة . نَحْنُ مُدْمِنُونَ على الوَهْمِ ، ولا فرق بين الوهم الروحيِّ والوهم الجسديِّ . بِعْنا أرواحَنا مِن أجل رغيف الخبز ، لَكِنَّنا نَموتُ في المجاعات . الجسدُ جائعٌ ، والقلبُ عَطشان ، والرُّوح مُنهارة .
(8)
     الدَّمُ في الشوارع . فلماذا تَمشي مَعصوبَ العَيْنَيْن ؟ . جُثتك على الرَّصيفِ . فلماذا تَمُرُّ مِن جانبها وتخاف أن تَنظر إلَيها ؟. الحِيَادُ هو الموتُ في الحياةِ . أنتَ تَغرق في المستنقع ، فلا بُدَّ مِن مُقاوَمة الغرق . أصابعُك تحترق ، فينبغي أن يَتدخَّل قَلْبُك لإطفاء الحريقِ . الحِيَادُ يَعني تَحَوُّل الإنسان إلى رَجُلٍ آلِيٍّ بلا مَشاعر ولا ذِكريات . الْمُفَكِّرُ والفِكْرةُ كَيَانٌ وَاحدٌ ، وكُلٌّ لا يَتجزَّأ . وكُلُّ إنسان هُوَ مُفكِّر مَعَ اختلافِ نِسْبَة التَّفكير مِن إنسان إلى آخَر . وهذا يَستلزم بالضرورة أن يُدْلِيَ الإنسانُ بِرَأيه في القضايا المختلفة حَسَبَ قُدراته . والفِكْرُ هُوَ شَرَفُ الإنسانية . والإنسانُ إذا أعْطَى عَقْلَه إجازةً ، فَإنَّهُ لا يَستحق شَرَفَ أن يَكون إنسانًا . والإنسانُ أمامَ خِيَارَيْن لا ثالث لهما : إمَّا أن يَكون إنسانًا أو يَكون كَلْبَ حِرَاسةٍ للآخرين . لا يُوجَد حَل وَسَط بين الإنسانية والوَحشية. لا تُوجَد منطقة وُسطى بين المعنَى وانتحارِ المعنَى .
(9)
     كُلَّمَا تَوَغَّلْتُ في حَياتي اقتربتُ مِن مَمَاتي . الإنسانُ يَسير إلى الهاوية بِرِجْلَيْهِ . حياتُه دائرة مُغلَقة ، لا يَستطيع الهروبَ مِنها . إنَّهُ مُحَاصَرٌ ، ولا يُمْكِنُه مُغادَرة الْمَدَار . يَمضي في حياته سعيدًا، ولا يَعرف أنه يمضي إلى النهاية. يَحتفِل بِعِيد ميلاده، ولا يُدْرِك أنَّهُ يَحتفِل بذهاب عُمُرِه . يَسعى جاهدًا للنَّجاةِ ، ولا يَعرف أنَّ الهلاك قد يَظهر في مَظَنَّةِ النجاةِ . ومِن مَأمنه يُؤتَى الْحَذِرُ . يَتحدَّث الإنسانُ عَن أهمية البَصيرةِ في الحياة ، وَهُوَ مُجَرَّد أعمى يُكرِّر أخطاءَهُ وخَطاياه . يَحفظ التاريخَ جَيِّدًا ، لَكِنَّه لا يَستفيد شَيئًا مِنَ التاريخ . الإنسانُ هُوَ الضَّحيةُ والقاتلُ في آنٍ مَعًا ، لأنَّ الغرورَ أعْمَاه ، والجاهل عَدُوُّ نَفْسِه . 
(10)
     السِّيرةُ الذاتيةُ الصادقةُ تُدَمِّرُ صُورةَ الأديبِ في نُفوسِ القُرَّاءِ . حياةُ الأديبِ تَنطوي على أسرار ونقاط ضعف كأيِّ إنسان آخَر. وعِندَما يَكشفها الأديبُ للقارئِ، ستنهار صورة الأديب ، وتتحطم صورته البَرَّاقة ، لأنَّ القارئَ يَعتبره أُسطورةً عاليةً ، وأيقونةً لا تُكْسَر . وعلى الأديبِ ألا يَهْدِمَ نَفْسَه بِنَفْسِه ، ويَشطبَ تاريخَه بِجَرَّة قلم . يَجب أن تَموت الأسرارُ مَعَ صاحبها. والمقابرُ هِيَ أرشيفُ الأسرارِ ومُسْتَوْدَعُ الذكرياتِ . والشخصُ الوَحيدُ الذي لا يُعاني مِن هذه الأزمة هو الرِّوائيُّ ، لأنَّ رواياته كُلَّها هِيَ سِيرته الذاتية ، ولا داعي أن يَكتب سِيرته الذاتية . إنَّ الروائيَّ يَنْثُرُ حَيَاتَه وأسرارَه في شخصيات الرواية ، ويَخرج مِنَ الموضوع كالشَّعرة مِنَ العجين . 
(11)
     مَن يَعْرِفْ هَدَفَهُ لا يَلتفِتْ أثناءَ سَيْرِه . حَدِّدْ هَدَفَكَ وامْشِ في طَريقِك بلا تَرَدُّد ولا خَوف . أفضلُ طريقةٍ لكسر الخوفِ أن تَقتحمه . دَعْكَ مِن كلام الناس ، سَوْفَ يَسخرون مِنكَ أثناء سَيْرِك ، وعِندَما تصل إلى القمة ، سيمدحونك ويَلهثون وَراءَك .
(12)
     التَّاريخُ يَنْزِلُ كالمِطْرَقةِ على رُؤوسِ الذينَ لَيْسَ لَهُم تاريخ . التاريخُ هو المجدُ والشَّرفُ . والذينَ لَيْسَ لهم تاريخٌ مُصابون بِعُقدة الشعور بالنَّقص . انكسارُهم لا يَزول، لأنَّه انكسار مُتجذِّر في قلوبهم ومشاعرهم . وهذا الانكسارُ الداخليُّ يَقُودُهم إلى اختراع تاريخ وهميٍّ، كما يَخترع القادةُ المهزومون تاريخَ انتصاراتهم الوهمية في المعارك. وأيضًا، يَقُودُهم إلى السُّخرية من تاريخ الآخرين في محاولةٍ يائسة لتحطيمه . واللصُّ يتمنَّى لو كان الناسُ لُصوصًا ، لِكَيْلا يَشعر أنَّهُ شاذ أو مَنبوذ .

14‏/02‏/2018

البحث عن الحياة في عالم يموت

البحث عن الحياة في عالم يموت

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

......................

(1)
     الكتابةُ هي امتدادُ النُّفوذ عَبْرَ الأزمنة والأمكنة . جسدُ الكاتبِ تَحْتَ التراب ، وتظلُّ الكلمةُ إلى الأبد . والمشكلةُ الحقيقيةُ إذا كانَ قَلْبُ الكاتبِ أعْمَى ، فعندئذٍ يَكون مِثْلَ القَنَّاصِ الأعمى الذي يُطْلِقُ الرصاص بشكلٍ عَشوائِيٍّ . الكلمةُ رَصاصةٌ إذا خَرجتْ لا يُمْكِن إرجاعُها ، ولا بُدَّ أن تُصيبَ شَيئًا ما .
     إِنَّ الأساسَ الفلسفيَّ لفِعل الكتابة مَنقوعٌ في ماء الرفض والتحدي والانتصار ، فنحن لا نُمارِس طَقْسًا خُرافيًّا أوْ تاريخًا مِنَ الشَّعوذة والطلاسم وإضاعة الوقت ، بل نُمارِس تَحَدِّيًا مِن نوع جديد، لَم يَتعوَّد عليه المجتمعُ الغارق في المسلَّمات الافتراضية وأوهامِ النخبة الحاكمة المحصورة في سياسة الفوضى الخلاقة .
     والإشكالية العُظمى في مسار الوعي الاجتماعي هي تجذير مجتمع الكراهية ، والخلاصِ الفردي ، بحيث يسعى كُلُّ فرد إلى النجاة بنفْسه في بيئة خانقة ، تحمي الذين لا يحتاجون للحماية ، وتسحق المحتاجين للحماية .
     والكتابةُ لا تَهْدِف إلى نَسْخِ المجتمع الإنسانِيِّ على الورق واختزالِ المشاعر البشرية في جزيئات الحِبر . الكتابةُ انقلابٌ على الواقع المظلم ، والعقلُ الكتابِيُّ لا يَتكرَّس كَوَعْيٍ منطقيٍّ إلا في المجتمع النَّظيف لا الملوَّث . وللأسف ، نحن نعيش في مجتمعات مُتخلِّفة تُغَرِّب الأفرادَ رَغْمًا عنهم ، وتَدفعهم إلى هاوية التطرف الفكري والتَّشظِّي الروحيِّ واللانتماء .
     وَكُلُّ مَشاريع الكِتابة تَهْدِف إلى تَرتيب موعد دائم بين الإنسان وإنسانيته ، بين الْحُلْم والواقع ، بين الحِبر والدم ، بين العَرَق والبارود . والإشكالية المجتمعية التي نتعرَّض لها وتُداهمنا هِيَ أن الطغاة المنتشرين على مساحات الجماجم الإنسانية يأخذون مجتمعاتهم رهينةً ، ويَضْرِبُون حول ذاتية المجتمع حصارًا عنيفًا ليستمر وجودُهم ، ويَضْمَنوا استمراريةَ أجهزتهم القمعية ، ودَيمومةَ دُوَلِهِم المخابراتية . وهذا كُلُّه يُؤدِّي إلى مُضاعَفة المسؤولية الْمُلقاة على كاهل الكتابة . ولا بُدَّ مِن تَحَوُّل الكتابة مِن نسقٍ فكريٍّ إلى انقلابٍ اجتماعيٍّ . وهذا هو الحل السِّحري الذي يَشتمل على تَخليصِ المجتمعِ وخَلاصِه .
     إن الخضوع ذُو صِفةٍ انسحابيةٍ . والانكسارُ السياسيُّ يَتغلغل في المشاعر والسلوك الاجتماعيِّ . يُفكِّر الناسُ في الخبز والتكاثر ، ولا أحدَ يُفكِّر في الجِياع والفقراء والأيتام . السياسةُ لُعبةُ الأغنياءِ . ومَن يَملك يَفرض شروطَه على مَن لا يَملك . وفي أحيانٍ كثيرة ، صار الذل هو الطريق الوحيد لتحقيق الأحلام ، والحصول على رغيف الخبز. والخفافيشُ تَتحرَّكُ في الظلامِ ، لأنَّ نُورَ الشمسِ خَطَرٌ عَلَيها. والإنسانُ صارَ خائفًا مِنَ الحرِّية بِفِعْلِ عمليات التَّدجين وغسيلِ الدماغ ، ولا يَتخيَّل يَدَيه بِدُون قُيود . والإنسانُ الذي قَضَى حَيَاتَه داخل قَبْوٍ مُظْلِم ، لَن يَجْرُؤ على الخروج ورؤية الشمس ، لأنَّ الشمسَ سَتَقْضي عَلَيه ، وتُسبِّب له العَمَى .
     صارَ الشعبُ عَدُوًّا لِحُرِّيته ، لأنَّ حُرِّيته قَد تَحْرِمُه مِنَ الخبز. الشعبُ يَخاف مِن شمس الحقيقة ، لأنَّه تَعَوَّدَ على تقديس الوهم ، والخضوع للطغاة ، والتفتيشِ عن الخبز ، وانتظار الراتب الشهري .
     لا بُدَّ مِن الخيانة ، ما دَامَ الحاكمُ يَلعبُ بالعصا والجزَرةِ . لا بُدَّ مِنَ الْخِزْيِ والعارِ ما دامَ النظامُ السياسيُّ قائمٌ على الصَّوْلجان والمالِ. كُلُّ خائنٍ له سِعْرٌ. والإنسانُ الْمُعادي لإنسانيته يَعتبرُ إنسانيته صَفقةً تجاريةً ، وبعد أن تَسْقُط إنسانيته ، يَشعر أنَّهُ حُرٌّ طَليق ، وهذا هُوَ الوَهْمُ الْمُخادِع .
(2)
     الأدب قَادِرٌ عَلى تَفسيرِ السِّياسةِ ، لَكِنَّ السِّياسةَ عاجزةٌ عَن تَفسيرِ الأدبِ . والأدبُ هُوَ خُلاصةُ التجاربِ الإنسانية ( الروحية والمادية ) . إنَّهُ القوةُ الوجوديةُ التي تَمنح الأشياءَ معناها وشرعيتها . أمَّا السياسةُ فهي لُعبةُ الأغنياء ، ومُقامَرة بأحلام الشعوب . والسَّوادُ الأعظمُ مِنَ السَّاسةِ يُفكِّرون في استخدام الجماهير ولَيْس خِدمتها، لأنهم يَعتبرون الجماهيرَ كالرَّجل السَّفيه الذي يُحْجَرُ عَلَيه، لأنَّهُ عاجزٌ عَن رِعاية مصالحه بنفْسه. والشعوبُ في الدُّوَل الفاشلة هي فِئرانُ تجارب تَسْعَى جاهدةً لِتَحسين ظُروف الْمُخْتَبَر الذي تَخْضَع فِيه للتجاربِ . والعَبيدُ الذينَ يُفكِّرون في تَنظيف قُيودهم ، ولا يُفكِّرون في خَلْعِها ، لا مكانَ لهم تحت الشمس .
(3)
     الأديبُ يَحْمِلُ شَعْبَهُ عَلى ظَهْرِه وَيَسيرُ ، أمَّا السياسيُّ فَيَرتمي عَلى ظَهْرِ الشَّعْبِ كي يَحْمِلُوه . والأديبُ هُوَ رَسولُ اللغةِ إلى المعنى الاجتماعيِّ ، يَحْمِلُ رِسالةَ الحق والإبداع إلى الوجود البشريِّ . بنى مَملكته على الوَعْيِ مِن أجل إنقاذ الإنسان من أزماته الروحية ، وتخليصِ المجتمع مِنَ الحِقد والكراهية . أمَّا رسالةُ السياسيِّ فهي التلاعبُ بمشاعر الناس ، ودَغْدغة عواطفهم ، واستغلال أحاسيسهم من أجل تثبيت سُلطته ، وتَرسيخ نفوذه .
(4)
الذينَ يَضَعُونَ القَوَانين ، لا يَقْبَلُونَ إِلا أن يَكُونوا فَوْقَها . يَضعون القوانين على الفقراء والعبيد كَي يُثبِّتوا وُجودَهم كَسَادةٍ وزُعَماء . واضعُ القانونِ هو أوَّل مَن يَكْسِرُه . والقانونُ مِثْل شِباك العنكبوت ، لا تَقَع فِيه إلا الكائنات الصغيرة ، أمَّا الكائنات الكبيرة فَتُمَزِّقه . والذينَ يَكْتُبون الدُّستورَ إنَّما يَكتبونه للعوام. أمَّا هُم فَيُحَطِّمُونه ، ولا يَعترِفون بِه .
(5)
     يُنْفِقُونَ الملايين عَلى تَرميمِ الآثارِ ، ولا يُفكِّرون في تَرميم أجسادِ الفُقراءِ . نَعيشُ في عالَمٍ مَلِيء بالأكاذيب والنفاق والأقنعة . يَتشدَّق بشعارات الحضارة والمدنية وحقوق الإنسان. يُنفِقون الأموالَ على تَرميم الحجارة الخرساء والتماثيل العارية والمعابد الموحِشة، ولا يُفكِّرون في إنقاذ حياة الفقراء وإيجاد مساكن كريمة لهم ، وإطعام الجائعين ، وإيواء المشرَّدين . لَم نَجِئْ إلى الأرضِ لبناء القصور . جِئنا كَي نبنيَ العُقولَ . لَم نَجِئْ لترميم الآثار . جِئنا للاعتناء بالأجسادِ. ماذا استفادت البشريةُ مِن غَزْوِ الفضاء ؟ . إنَّ الأموالَ التي أُنفقت على برامج الفضاء وصناعة الأسلحة النووية ، كانت كافيةً لتحويل كوكب الأرض إلى جَنَّةٍ بلا مُشكِلات. ولكنَّ الذِّئبَ الساكنَ في الإنسانِ أَبَى إلا أن يُدَمِّر هذا الكوكب ويقضيَ على الإنسان .
(6)
     نُقِلَت الحربُ مِنَ الْجُغرافيا والتاريخ إلى أحاسيس البشر وذِكرياتهم . الإنسانُ هو الذِّئبُ الذي يُراقب أخاه الإنسان، مُنتظِرًا لحظة الانقضاض . الصَّيادُ هو الفريسةُ، والفريسةُ هي الصَّياد . الناسُ يَدْرُسون التاريخَ ، ولا أحدَ يَأخذ العِبَرَ من التاريخ . سُقوطُ الحضاراتِ مستمر . والإنسانُ يُلْدَغ مِن نَفْسِ الْجُحْرِ آلاف المرات . السلامُ لا يُطْعِمُ خُبزًا . وَحْدَها الحربُ هي التي تُطْعِمُ الخبزَ . حيث يَستثمر السَّادةُ في دماء العَبيد . يَموت العبيدُ ، ويَذهبون إلى النسيان ، والانتصارُ يُسَجَّل بِاسْمِ السَّادة . والتاريخُ يَكتبه المنتصِرون . وجُغرافيا البحر يَصنعها القراصنة . ورَاياتُ القبائل يَخيطها مُلوكُ الطوائف وأُمَراء الحروب . وذكريات الناس يَصنعها الطغاةُ .

القويُّ يَفْرِضُ شُروطَه على الضَّعيف . حُقوقُ الإنسانِ كالأكفان يُفَصِّلُها حَفَّارُ القُبور عَلى مَقاسِ الأمواتِ . لا يمكن للعبد أن يُحَدِّق في عيون سَيِّده . الأخلاقُ كلامٌ في الكتب . ونحن نعيش في عالَم بلا أخلاق . السَّيفُ يَكسرُ القلمَ ، ويَكتب تاريخَ الدَّم. وحُدودُ الدُّوَل ترسمها الدَّبَّابات . والإخوةُ الإنسانيةُ شِعاراتٌ في الأمم المتَّحدة التي يُسيطر عليها الأقوياء .

05‏/02‏/2018

لا تلهث وراء الحب

لا تلهث وراء الحب

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد 

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 5/2/2018

............

 [1] لا تَلْهَثْ وَراءَ الْحُبِّ . اتْرُك الْحُبَّ يُفَتِّشْ عَنكَ .
     كُن طَبيعيًّا وتِلقائيًّا . لا تَحْصُرْ تفكيرَك في الحبِّ ، ولا تُفكِّر في كَيفية العُثور عَلَيه . عِشْ حياتَك بشكل طبيعيٍّ . سَيَظهر لَكَ الحبُّ بشكل غَير مُتوقَّع في المكان والزمان الغَرِيبَيْن ، كما يَظهر الضَّوءُ في غابةٍ كثيفة الأشجار . كما يَظهر لَكَ صَديقٌ قديمٌ انقطعتْ أخبارُه مُنذُ مُدَّةٍ بَعيدة. فَتِّشْ عَن الحبِّ في داخلك ، ولا تُفَتِّشْ عَن الحب في الخارج . الحبُّ في دَاخلك يحتاج إلى تَنقيب مستمر وبحث دائم ، أمَّا الحبُّ الخارجيُّ فَسَوْفَ تَحْمِلُه لَكَ الأيامُ عَاجِلاً أو آجِلاً . اشتغِلْ بالعَمَلِ، ولا تُفكِّر بالنتيجة .
[2] مَنْ يُؤلِّف الكُتبَ كَي يُصبحَ مَشهورًا ، سَيَبْقَى مَغمورًا .
     لا مَعْنَى للركض وراء الشُّهرة . الشُّهرةُ مَجْدٌ زَائلٌ . اهْرُبْ مِنَ المجدِ يَتْبَعْكَ المجدُ . لَوْ خَطَّطَ الإنسانُ للشُّهرةِ بالوَرقةِ والقَلَمِ ، فَلَن يَحْصُلَ عَلَيها ، لأنَّها أمرٌ خارجٌ عَن إرادته . وظيفةُ الإنسانِ أن يَمشيَ في الطريقِ، ولَيْسَتْ وظيفته أن يَصِلَ. مُطَالَبٌ أنتَ بالعملِ الدَّؤوبِ،ولَسْتَ مُطَالَبًا بالنتيجة.
[3] جَرَّبْتُ كُلَّ الْمَنَافي الأرضيةِ فَأُصِبْتُ بالْمَلَلِ . أُرِيدُ مَنْفًى في كَوْكَبٍ آخَر .
     كَيْفَ يَهربُ المحكومُ بالإعدامِ وَهُوَ مُحاصَرٌ بِقُضبان الزِّنزانة ؟. كَيْفَ يَهربُ الإنسانُ مِنَ الموتِ والموتُ يَطْلُبُهُ ؟ . الأنا هُوَ الآخَر ، والآخَرُ هُوَ الأنا . الوطنُ هُوَ المنفَى ، والمنفَى هُوَ الوَطنُ . والإنسانُ وُلد غريبًا ، وسيظلُّ غريبًا .
[4] الْخُطوةُ الأُولَى في طَريقِ الإبداعِ أن تُؤْمِنَ أنَّكَ مُخْتَلِفٌ .
     أنتَ مُمَيَّزٌ . لَيْسَ بِمَعنى أنَّكَ أفضلُ مِنَ الآخرين ، ولكنْ بِمَعنى أنَّ لَدَيْكَ شيئًا لا يَمْلِكُه الآخرون، وهو بَصمتك الشخصية . كُن نَفْسَكَ ، ولا تُقَلِّد الآخرين . ارْفُض الذَّوَبان في الآخرين. أقصرُ طَريق للعبقرية أن تَكون نَفْسَكَ ، ولا شَيْءَ آخَر . لَن يَحترمَك الناسُ إذا كُنتَ الصَّدى . كُنْ أنتَ الصَّوْتَ لِتَفْرِضَ احترامَكَ على الناسِ. حَتَّى لَوْ كُنتَ صَوتًا مَبحوحًا. إنَّ الصَّوت المبحوح أفضلُ مِنَ الصَّدى النقيِّ . لا مُقَارَنة بين الأصل والنُّسخة المزوَّرة . لا تَتْرُك الآخرين يُفكِّرون نِيابةً عَنْكَ، اصْنَعْ حَيَاتَكَ بِنَفْسِكَ، وضَعْ بَصْمَتَكَ الشخصيةَ. إِنْ بَقِيتَ ساكتًا، فإِنَّ الآخرين سَيَتَحَدَّثون باسْمِكَ ، ويَسرقون حَياتكَ مِنْكَ .
[5] عَدُوِّي الموجودُ في دَاخِلي أكثرُ خُطورةً مِن عَدُوِّي الخارجيِّ .
     مَن الذي سَيَأكلُ الغَنَمَ : الرَّاعي أَم الذِّئبُ ؟. عَدُوِّي الكامنُ في دَمي أكثرُ خُطورةً لأنَّهُ يَعيشُ في شَراييني ، ويَرى أحلامي ، ويُشاهِدُ ذِكرياتي ، ويَطَّلِعُ عَلى مشاعري . إنَّهُ مُطَّلِعٌ على نقاط قُوَّتي ونقاط ضَعْفي . سَأُغْلِقُ بابَ بَيتي أمامَ عَدُوِّي الخارجي ، أمَّا عَدُوِّي الداخلي فيعيشُ مَعي .
[6] مُشكلةُ بَعْضِ الأُدَباءِ أنَّهم أكبرُ مِن بِلادِهم .
     يَصِلُ بعضُ الأدباء إلى رُتبةٍ سَامِيَةٍ مِنَ الفِكْر والإبداع والتأثير العالميِّ . والْمُفارَقةُ تَبْرُز إذا كانوا يَنتمون إلى دُوَلٍ فاشلةٍ لا تأثير لها على الساحة الدَّولية . وعندئذٍ ، يُصبح هذا الأديبُ أكبرَ مِن وَطنه . وهذا أمرٌ غَريبٌ يُشَكِّلُ أزمةً رُوحيةً عميقةً في النَّفْسِ البشرية .
[7] سَتَصِيرُ حَيَاتُكَ بَالغةَ الصُّعوبةِ عِندَما تَكُونُ ذَكِيًّا بَيْنَ الأغبياءِ .
     عِندَما تَكونُ بَصيرًا بَيْنَ العُميانِ ، مِنَ الطبيعيِّ ألا يُصَدِّقُوا أنَّكَ بَصيرٌ . البَصيرُ بَيْنَ العُميانِ كالأعمى بَيْنَ الْمُبْصِرِين . والعَالِمُ بَيْنَ الْجُهَّالِ كالجاهلِ بَيْنَ العُلَماء . لا يَعْرِفُون قَدْرَهُ ، وسَوْفَ يَقْضُون على مُستقبله . ومَهْمَا كانَ الإنسانُ عَبقريًّا، ويَمتلك قُدراتٍ خارقة ، فهو مَحصورٌ في الزمان والمكانِ ، ومُحَاطٌ بالناسِ ، سَوَاءٌ أحَبَّهم أَم كَرِهَهُم . لَن يَتحرَّرَ مِنَ الناسِ ، حتَّى لَوْ عَاشَ في مَغارةٍ مُنعزِلة عَن العالَم. والذكاءُ الحقيقيُّ هُوَ التَّكَيُّفُ مَعَ المحيطِ الاجتماعيِّ تَأثُّرًا وتأثيرًا . والذكاءُ الاجتماعيُّ لَيْسَ نِفاقًا أو مُجَامَلةً ، وإنما هُوَ تَحويلُ الشَّخصِ الفاشلِ إلى ناجحٍ ، وتَحويلُ الناجحِ إلى أُسطورة .
[8] شَيْءٌ مُؤْسِفٌ أن تَهْزِمَ أعداءَكَ الحقيقيين وَتَنهزمَ أمامَ عَدُوٍّ وَهْمِيٍّ اخترَعَهُ خَيَالُكَ المريضُ .
     الوَهْمُ هُوَ العَدُوُّ الأكثرُ شَراسةً ، إِنَّهُ نِهايةُ الإنسانِ ، وانتهاءُ الحضارةِ . نَحْنُ مَرْضَى بالوَهْمِ . حَياتُنا تَنظيرٌ وصُراخٌ وبَحْثٌ مستمر عن المجدِ الضَّائع . لأنَّنا فاشلونَ في الحاضر ، نَهربُ إلى أمجادِ الماضي التي صَنَعَها أجدادُنا . نَحْنُ عِظَامِيُّونَ لا عِصَامِيُّون . نَبني أمجادَنا الشَّخصيةَ الوهميةَ على عِظام آبائنا . نُحَوِّلُ هَزائمَنا في المعاركِ إلى انتصاراتٍ في الأغاني الوَطنية على شَاشةِ التلفاز . وإذا هَزَمْنا أعداءَنا على أرضِ الواقع، فإنَّنا نَجْلِدُ ذَواتنا، ونُشكِّك في قُدراتنا، ونَخترع أوهامًا تَغتالُ أحلامَنا ، وتَكسر أقواسَ النَّصرِ . إنَّ حياتَنا هي الوَهْمُ الْمُعَلَّبُ في عُروقنا . ولَن نستطيع الهربَ مِن دِمائنا .
[9] عَدَمُ كَسْرِ الأبوابِ والنوافذِ لَيْسَ دَليلاً عَلى انعدامِ السَّرقةِ .
     هُناك لُصوصٌ شَعْبِيُّون أصحاب ثِيابٍ رَثَّة، مُوَزَّعُون في الحافلات والأسواق الْمُزْدَحِمَة. وَهُناك لُصوصٌ يَرْتَدُون رَبطاتِ العُنُقِ ، يَظهرون على التِّلفاز ، ويُنَظِّرُون في العدالةِ الاجتماعية والوَحْدةِ الوطنية ومُحارَبةِ الفساد . نَبْحَثُ عَن اللصِّ ذِي الثِّيابِ الرَّثةِ . ولا نَبحثُ عَن اللصِّ صاحب رَبطة العُنُقِ الأنيقة . اللصوصُ يَسْرِقُون الملايين ، وهُم جالسون وَراءَ مكاتبهم التي تُزَيِّنُها الأعلامُ الوَطنيةُ وصُوَرُ القادةِ والزُّعَماء . الوطنُ صَفقةٌ تجارية . والشُّعوبُ فِئران تجارب . يُلقي لُصوصُ الوَحدةِ الوطنيةِ أحاديثَ الشرفِ والمجد عَلى الجماهير الْمُخَدَّرَةِ اللاهثةِ وراء رغيف الخبز ، ثُمَّ يَسْرِقُونها بِاسْمِ الوطن والمستقبَل الْمُزدهِر .
[10] اللغةُ هِيَ خَطُّ الدِّفاعِ الأوَّلُ عَن الْهُوِيَّةِ والحضارةِ .

     سِرُّ اللغةِ كامنٌ في طاقتها الرَّمزية . وهذه الطاقةُ هي الحاملةُ لشرعيةِ الإنسانِ ، ومشروعيةِ الجماعةِ ، ومَشروعِ الحياة بِكُلِّ تفاصيلها . والرَّمْزُ هُوَ العُنصرُ القادرُ على مُواجَهة الخرافاتِ المتوحِّشةِ والأساطيرِ الْمُوحِشة . اللغةُ هِيَ الجسدُ ، والأبجديةُ هِيَ شَمْسُ الرُّوحِ . اللغةُ وَمضةٌ ضَوئيةٌ أوْ شَرارةٌ ناريةٌ في غاباتِ الْحُلْمِ .  تُصْبِحُ الأبجديةُ مَعشوقةً تُداوي جُروحَ القلب. ونحفر خنادق أحزاننا في رياح اللغة لننتزع الفرحَ من عيون الفقراء والأيتام والضَّحايا . كُلُّ وَمْضٍ جَسَدٌ . والْحُلْمُ يُولَد مِن احتضار الزَّمَكَان . والزَّمانُ والمكانُ شَبَحَان يُخيِّمان على تفاعلات الأنساق البشرية .