سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

28‏/04‏/2011

الرحيل إلى شرايين المطر وذاكرة لدم أخضر

الرحيل إلى شرايين المطر وذاكرة لدم أخضر ( شعر )

للشاعر / ابراهيم ابو عواد .

بالأمسِ

رأى الصباحُ زهورَ الظهيرة تشتريتذكرةً للسَّفر في الزوابع المخملية

رَحلتْ بهدوء

بدون تذكارات الدمع الملحي الممزوج بانهيار الشموع البطيء

إنه السَّفرُ المتكرر قرب رماح الذكرى

يا مطرَنا الموسمي

لا تبكِ عليَّ عندما ترحل أعضائي إلى جسدي

لماذا يُغْمِدُ المرجانُ الباكي عَويله في أوردتي ؟

ضجيجُ ملابس يعاسيب النحل يملأ مُدني وأظافري

ولكنَّ مُدني واقفةٌ وحَوْلَها ركامٌ أبيضُ

وحَزانى تائهون في أصوات عمال الإنقاذ الساكتة

لم تهضمْني الأحزانُ المعصورةُ في صوتِ الأقمارِ

وداعاً لأشيائي المحاصَرة التي أَنكرتْ معرفتي

وشكراً لصهيل مطعونٍ صَلَبَهُ دُخانُ الحافلات على المزهرية

تلك الحضاراتُ التي تضع مكياجَ الإبادة على الأقنعة

ولا تغتسل بماءِ عيون الفراشات

أُستاذاً يرحلُ الغَمامُ من رأسي إلى الشفقِ القريبِ من أكفاني

فهل سيرجع الرَّاحلون مع السككِ الخضراءِ في الظَّلامِ الذي لم يعد

يذكرني ؟

غداً أم بعدَ غدٍ

سآتي ممتطياً دمائي وأموتُ على نداءاتِ حجارةِ أرضي

لكن راياتِ الغبارِ صلبت بلوطَ الألمِ على كاهلِ الطُّوفان

احملوا عودَ مشنقتي وسيروا إلى الشمسِ مُكَبِّرِينَ

سنبلةٌ ملفوفةٌ حَوْلَ جرحي الحارقِ الماحي /

لو معي عَرَقي لما أبصرتُ شظايايَ تشع في بيوتِ البطاطا البلاستيكية

لو معي سِحْنتي لَمَا ارتقيتُ على درجات السلالم في الشَّفق البنفسجي

لو معي قصيدتي الأولى لَمَا بَكَتْني الشموسُ وَحَضَنَتْني أقفالُ المحال

التجارية

لو معي مسقطُ رأسي لَمَا نَهبتْ مزهريةُ الجيرانِ لَوْني

لو معي ترنيمةُ النخلاتِ لَمَا انتظرني الباص في صباح مقتلي

لو معي سطوحُ داري لما استهزأتْ بي عذراواتُ الغيابِ /

السماءُ بعيدة عن جدائلِ خالتي الزَّوبعةِ

لا ألمسُ قلبَ العشب لأن نهاية الكواكب تجيء مفاجِئةً

واستقالةُ الصخور على ممحاةِ الريح

وأولادُ الشوارع يتبخرون في حلقات زُحل

تحرق الحضارةُ نساءها المغتصَبات في المزهريات كل صيفٍ

أين ستختفي السنابلُ في الأقحوان المشتعل ؟

مَارَّاً بأطلالِ ذكريات النسيان

أحملُ في حقيبتي شَعْرَ المدنِ القتيلةِ /

حين تهتُ في ترانيمِ البلحِ أرشدني الضياعُ إلى صدأ سريري

على سكة حديدٍ تصل مشنقتي بمقصلتي

مَوْتي خميرةُ أجيالٍ ثائرةٍ تُطبَخُ في المجراتِ وتُقَدَّمُ على إعدامي

عبيرُ الصُّوانِ طريقُ الآخرين

لكن مَوْتي طريقي

أُصيبت الأنهارُ بالإحراجِ حين رأت جسدي المقطَّع في الغسقِ عارياً

يكاد يملؤني صياحُ البساتين

هناك جيشُ المنافي غبارُ الموائدِ

وشوارعُ الغثيان مشانقُ /

سَتُطَهِّرُ البروقُ سُعالي من احتلال الإسفلت

حبيبتي تلك الخوخة المصلوبةُ

نسيتُ جبينها في زحمةِ التلالِ

قارورةُ الحِبرِ الصَّريعةُ هي غمامةٌ

وشعاعُ القناديل الميتةِ يأسرني في رقصةِ الفَخَّارِ

فإن شَنَقَتْني الثلوجُ فاحملي حفيدةَ الشفقِ ديوانَ شِعري إلى مسقطِ رأسِ

الشمسِ

لكنَّ لَيْلِي أقصرُ من الأسلاك الشَّائكة في سُعالي

رشفةٌ من شاي السكاكين العقيمِ

ومهرجانُ اعتزال الذئب على النصلِ اللامعِ

وبعد أن قتلوني وأَسَّسوا في بُلعومي جسوراً لنقل الجنود المهزومين

اعتذروا لي قائلين : (( نحن آسفون فأنتَ الضحيةُ الخطأ ))

كان يبكي مستخدماً أجفانَ أُمِّه

لأن السُّعالَ قلعَ عَيْنيه الصغيرتين

قَشتالةُ تبدأ من نزيفي

سَعَلَتْ أهدابي كواكبَ دماءٍ

من كواليس مقصلتي اللازورديةِ قَدِمَتْ عينُ ذئبٍ حُبلى بالسِّياط

مدنٌ ليست لوجوهنا لأننا مطرٌ بدون ذكريات العائلة

وقلبي عائلتي التي مَرَّتْ على حدودِ الوجه الحزين

لأن الوطنَ الذي أنجبَ الغزلان اصطادها

أرى وجهَ أبي في العَتمةِ

والقناديلُ تشربُ نظراتي زُجاجاً لا ينكسرُ

إنها بشرتي السمراءُ تصبغُ النيلَ وتتمزقُ فُراتاً جديداً

أنا النجمُ المحترقُ في مداراتي /

يا صَبِيَّةُ

عُودي من أثوابِ الينابيعِ إلى إجازةِ الصيفِ في النيازك

ولا صيف فيَّ كي أمدحَ هواجسَ الرملِ المستيقظ مني

صارت أكبادُ قلبي جنازير دباباتٍ تأتي من حقائبنا

فلا تتركْ مِقعدَ الريح

وإِنْ صعدتْ مقابرُ التِّين على الدرج الكهربائي في الأعراسِ

ما الذي جاء بكِ يا غروزني إلى أعلامِ تمزيقي ؟

عيناكِ البريئتان بيارقُ لا تحتملُ منظرَ الأمطارِ

وهي تُحَنِّطُ أفكارَ البراكين التي تأخذ حِمَمَها من رَجْفتي

والضبابُ يعيدُ تشكيلَ خنجري كما تريدُ البروقُ /

كأن إسبانيةً أحبت فتىً عربياً

لا الحبُّ انتصر ولا الأندلسُ عادت

مرثيةٌ ليتيماتٍ يَحْمِلْنَ أكفاني في الإسكندرية باتجاه ذكريات الدلافين

شَيْءٌ ما في حُزني يحرثُ النارَ

اجمعْ وطناً للكستناء شمالَ طاولات تشريحي

وهذا المكانُ برقوقٌ خَدَشَني

بِطْريقٌ تُوُفِّيتْ زوجته وما زال مُحتفظاً بوشاحها في أهدابه

يا مشنوقةً أَحبَّتْ ظِلَّها أكثر من مرآتها وماتت في رنين السنابل

أين تسكنين حتى أُعَزِّيَ أَهْلَكِ الرَّاجعين من المذابح والسلاسل ؟ .

ذاكرة لدم أخضر

قُيودي هي ثلوجٌ صَاغها

ضَوْءُ الموقدة في كُوخِيَ المهجور

يومَ دخلتُ المطرَ لأول مرةٍ

شعرتُ أن شراييني تزوَّجت إسفلتَ الذاكرة

تنبثقُ شموسي من ضلوعِ الحيطان التي تقتربُ شيئاً فشيئاً

لتطبق على أنفاسِ الأُقحوان الجبلي

هنا تأتي أَمطارٌ موسميةٌ تحملُ إشراقاتٍ غامضة كأقفاص من قصدير

أُصافحُ أَيامي بيدٍ واحدة

واليدُ الأُخرى أُغَطِّي بها جراحاتي

وإذ أكتبُ نزيفي اللامعَ على ضوء القمر

أتذكر الفقراءَ الواقفين أمام قَبْري ينتظرون

إنني أعيش الربيعَ في قلب الخريف /

الزنازين والبعوض والمخبِرون يتسابقون إِلى دمي

اتركوا دمي مصباحاً للأرامل الصاعدات من عِظام الفجر

سلامٌ على شجرةٍ تنتظر زوجاً

كي يبكيا في ليلِ المنافي والملاجئ

والنجماتُ المتشحات بالسَّواد خيمةُ الذاكرة

قمحةٌ تضع على أُذُن تابوتها مغارةً للذباب العاشق

والمطرُ يقتفي آثارَ النخل في عُطاسي

تبحث الشجيراتُ عن راية تكون فيها الدماءُ خطوطاً هندسية

لقد تَزَعَّمَ بنكرياسي مجلسَ قيادةِ اليمام /

وكانوا يركضون في أفلاك الموج

إن قلبَ العاصفةِ مثلُ الموتى

يذهب الغُزاةُ إلى انتحاراتهم كلَّ يومٍ

وعندما مات الشفقُ في المعركة

حضنتُ أبناءه بعد أن تزوَّجت أرملتُه غضبَ المجرَّات

مِتُّ مثلما تُولَد الذكريات

مِتُّ في الحياةِ ومِتُّ في الموتِ /

الليلُ يحضن موتانا

اكْتَشِفْني أَكتشفْ جرحاً مرمياً كأطلال مجهولة

لا يُشرِّفني أن أكون دماً للمرعى

لأن جسدي مكانٌ

والأمكنةُ ظِلُّها الرمادُ شاهدُ قبر مطموسٌ

شَاهِدْني وأنا أُحتضَر

مُدَّ يديكَ إلى أُفقي

أفقتُ وما زال موتي عائشاً

سلامٌ على الأموات الذين يسكنونني

أين سَنَبْكي أيها الدمارُ الملتصق بحواسنا

في خرائط لم تعد تَذْكر مجازرَنا ؟

مقالةٌ قصيرة في رثاء القمر

تُوزِّع الأمطارُ الثورةَ على مفاصلي

وينتظر الزقاقُ المتشعِّب في كُلْيتي وجهاً للمغيب

كما ينتظر الفقراءُ استلامَ الخبز في طابور الضياع

يستثمرُ الغروبُ بكل إمكانياته في غضاريفي

أنا الموتى والصحاري الذبيحة التي سقاها الأنبياءُ فاخضرَّت

وعادت إلى الحياة .

26‏/04‏/2011

هل حيدر محمود شاعر أم تاجر ؟

هل حيدر محمود شاعر أم تاجر ؟
تأليف : إبراهيم أبو عواد .
لا يخفى أن حيدر محمود يمتلك موهبة شعرية ونحن لا نناقش في هذا ، وإن كانت هذه الموهبة محدودة وتقليدية ومحصورة في صور فنية عادية غير مبتكرة . ولكنه _ إجمالاً _ يملك إحساساً شعرياً ولمسات فلسفية تشير إلى موهبة أدبية . ونحن في هذا الصدد لا نرمي إلى تقديم دراسة نقدية لأعمال حيدر محمود الشعرية ، ولكننا نسعى إلى تسليط الضوء بشكل موجز على كيفية توظيفه لشِعره لتحقيق مكاسب شخصية والحصول على مناصب رفيعة ( مثل وزير الثقافة ، سفير الأردن في تونس). وهذا العملية _ بالطبع _ لا تتم إلا باعتبار الكلمة سلعة وتقديمها للقادرين على الدفع ، تماماً كما كان يفعل المتنبي الملقى على أبواب الخلفاء يمدحهم لقاء بعض الأعطيات والجلوس مع عِلية القوم . وحيدر محمود لم ينتشر شِعره بفعل القوة الذاتية لكلماته ، بل بفضل تبني السلطة له واحتضانها لأعماله وفتح أبواب وسائل الإعلام الحكومية لنشر أعماله وتلميعه والترويج له لقاء منافع متبادلة بينه وبين السلطة الحاكمة . وهذا النوع من الأدباء موجود في كل زمان ومكان، لكنه سيذوب في صفحات التاريخ، ولن يملك الخلود . فالتاريخ لا يرحم المتاجرين بالكلمة . وكل شعراء البلاط الذين ظهروا عبر المراحل الزمنية المختلفة يُنظر إليهم بوصفهم خارجين على قيم الإبداع الحقيقي ، ولن يوضع اسمهم مع قائمة الشعراء الحقيقيين الذين يحترمون الكلمة .
وكما قال الجرجاني _ رحمه الله تعالى _ :
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظَّموه في النفوس لعُظِّمـــا
ولكن أهانوه فهانوا ودنَّســـوا
محيَّاه بالأطماع حتى تجهَّمـــــا

25‏/04‏/2011

الكتابة الشعرية والبحث عن الأصل

الكتابة الشعرية والبحث عن الأصل
إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب الدولية
لندن ، 25/4/2011م .
إن الموروث القمعي المتغلغل في الأنساق الاجتماعية ليس نشاطاً يقينياً ، وإنما افتراضات وحشية تقتل نزعةَ الأنسنة في جسد العملية الإبداعية . وفي هذا الجو الكئيب تتضح أهمية الكتابة الشعرية كوصفة علاجية لمشكلات المجتمع ، فحيثما يظهر الداءُ يظهر الدواء . فالعوالم الشعرية هي عملية استئصالية لميراث القمع الاجتماعي ، تعمل على إعادة القطار الإنساني المنحرف إلى السِّكة الصحيحة . وعندما ينبثق المسار المتجانس للولادة الشعرية من رحم الفوضى المجتمعية، فسنحصل _ بالتأكيد_ على عناصر أساسية تعيد اكتشاف الكائن الإنساني الحي داخل مستويات اللغة الحية. الأمر الذي يدفع باتجاه تنقية المجتمع من عُقده وأمراضه وحياته الروتينية القاتلة . ولا يمكن الحصول على نقاء اجتماعي متكامل إلا عن طريق تأصيل العملية الشعرية الإبداعية في نخاع الحياة البشرية . فالبنيةُ القصائدية هي عملية جراحية تستأصل الورم الفاسد في الوجود الحياتي ، وفعلٌ انقلابي لا يستبدل القمع بالقمع ، بل يؤدي إلى تصالح الإنسان مع ذاته ، ومع مجتمعه ، وإعادة اكتشاف الأحلام الضائعة بشكل متمرد على سياقات الملل الوظيفي المتفشي في حياة البشر . فقيمةُ الاكتشاف الحقيقية تتمثل في إعادة رؤية الأشياء والوقوف على أسرارها ولمعانها، والخروج من دائرة الاعتيادية. فالفردُ حينما يعتاد على الشيء يعجز عن رؤيته ببصيرته ، وإنما يراه بعيون ميتة خالية من التألق والانبهار . وهنا تبرز أهمية البصيرة الشِّعرية في فتح العيون لرؤية عوالم " الماوراء " . وهذا يتطلب التفتيش عن الإنسان المختفي خلف القناع ، والبحث عن المرأة وراء المكياج ، والتنقيب عن القصيدة الكامنة خلف القصيدة ، واكتشاف المجتمع البشري المختفي وراء المجاملات والدبلوماسية المصطنَعة . فالحقيقةُ _ على الدوام _ متمركزة في القلب لا المظاهر الشكلية . وبالتالي فإن القصيدة الحقيقية هي التي تُميِّز بين التلقائية والتكلف ، بين القلب والهيكل الطيني ، بين الصورة والبرواز ، بين المحتوى والشكل ، بين الإنسان والمكياج . وهذا الوجودُ الشعري المعتمد على فصل المكوِّنات وتمييزها لا يرمي إلى تفتيت المجتمع وإغراقه في الشظايا الروحية والمادية ، وإنما يهدف إلى تشكيل الوجود الإنساني كحقيقة ثابتة ، وتكوين النص الشعري كوجود مركزي أصيل ، وليس طارئاً على اللغة أو دخيلاً عليها .

20‏/04‏/2011

إسقاط النظام الملكي في بريطانيا

إسقاط النظام الملكي في بريطانيا
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
أيتها العجوز الشمطاء الملكة إليزابيث
أيتها العائلة الحاكمة على الجماجم
وجثثِ النساء المغتصبات
لماذا قتلتم عماد الفايد ؟
لماذا قتلتم الأميرة ديانا ؟
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟
الصليب المكسور والتاج المكسور
تعيشون في قصور فارهة
والشعب يفتش عن الطعام في سلال القمامة
والطلاب لا يقدرون على دفع أقساط الجامعات
أيها المرتزقة العائشون كالذباب
تمتصون دماء الشعوب باسم الحضارة
سيظل كابوس ماري أنطوانيت يطاردكم
ستظل ذكرى عماد الفايد تقتلكم
سنعيد ذكريات الفتوحات الإسلامية
نتخذ من لندن عاصمة الخلافة الإسلامية .

19‏/04‏/2011

بوصلة النص الشعري

بوصلة النص الشعري
إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية ( 18/4/2011م ).
إن القوة الحقيقية في النسغ الشعري تتمثل في اكتشاف تفسيرات تاريخية للعلاقات الإنسانية في إطارها الروحي والمادي . وهذا الأفق التفسيري نابع من كَوْن النص الشعري تاريخاً جديداً للوجود بكل تراكيبه . فالنص الشعري _ بما يملكه من سِحر ونفوذ وسُلطة _ قادر على تأريخ المشاعر الإنسانية وعلاقاتها بالواقع تمهيداً لصناعة نهضة بشرية منطقية لا تسقط ضحية صراع الأضداد الفكرية والأنساق المتضاربة للثقافة التلقينية المدجَّنة ( ثقافة الببغاوات ) التي تقول ما يُقال دون تمحيص . ومن خلال هذا المنظور التمحيصي الذي يعتمده النص الشعري ، تتحول العلاقات الروتينية الوظيفية في المجتمع الميت إلى قفزات حضارية إبداعية تعيد الحياة إلى المجتمع. وهذه الممارسة المنطقية تشير إلى الدور المركزي الوجودي للثقافة الإبداعية ، وهو تحويل التجمعات البشرية المتآكلة إلى خلية نحل دؤوب . وبما أن النص الشعري يحمل صفاتٍ ثورية مركزية فهو يتشكل في قلب الحياة الإنسانية لا الهامش ، وهذا يدفع باتجاه فهم حقيقي لطبيعة اللغة القصائدية وتحركاتها الأفقية والعمودية في المجتمع ، وتحريك الساكن عبر إلقاء الحجارة في البحيرة الراكدة ، وكشف المسكوت عنه ، وإشاعة ثقافة السؤال والبحث والنقد والنقض . وكلما التصقت القصيدة بنخاع المجتمع البشري ، اتضحت مكانتها المحورية في تحريك الرأي العام وقيادة الجماهير فعلياً لا شعاراتياً . الأمر الذي يعيد للنص الإبداعي تألقه وأهميته في بناء العقل النقدي المنفتح عبر مواجهة العقل الميكانيكي المحصور . وبالتركيز على الحقائق الثقافية للأبجدية المناوئة لأيديولوجية البنى الاجتماعية المنحرِفة ، نكتشف مزيداً من العوالم الذهنية التي تعمل جاهدةً على إعادة تشكيل العالَم وفق رؤية متحررة من سطوة تعاليم الخوف وسُلطةِ المعنى المحتضر . ولا يتأتى للقصيدة أن تحرر المجتمعَ إلا إذا تحررت من جمودها وعزلتها ، لذلك عليها أن تُغيِّر جِلدها باستمرار ، أي أن تخترع آليات معرفية غير معهودة وتجدِّد في طبيعة الأفكار وأسلوب عرضها . وهذا التغيير لا يعني التخلي عن المبادئ والمتاجرة بالكلمة . ولا يمكن الإحساس بجدوى فعل الكتابة الشعرية إلا إذا تكرس تاريخ القصيدة كتاريخ للحياة الإنسانية بكل تشابكاتها . وهذه الضرورة ليست فعلاً ترفيهياً أو ممارسةً روتينية زائدة عن الحاجة ، بل هي ضمانة حتمية لاستمرار الفلسفة الشعرية في تأدية دورها الحضاري وأنسنة القيم المتوحشة المتشظية في الذات البشرية . فالقصيدةُ ينبغي أن تواصل الحركة لكي تحافظ على توازنها وتوازن العناصر الاجتماعية من حولها. فالأبجديةُ الشعرية مثل الدراجة ( إذا توقفت وقعت ).وهي أيضاً مثل النار ( إذا لم تجد ما تأكله ستأكل نفسَها). ومن خلال هذين المنظورين تتضح أهمية إمداد النص الشعري بالوقود اللازم للاستمرارية وحرق المراحل وصهرها وصولاً إلى آفاق جديدة للمجتمعات العاجزة عن تحديد وُجهتها ، والتي تسير في النفق بلا ضوء نحو الجدار . ولا يمكن فتح الطريق المسدود واكتشاف الأفق الجديد إلا إذا حصلنا على بوصلة النص الشعري السحرية .

17‏/04‏/2011

المعتوه بشار الأسد ابن الإرهابي حافظ الأسد

المعتوه بشار الأسد ابن الإرهابي حافظ الأسد
تأليف : إبراهيم أبو عواد .
سنعلِّق المشانق على بوابات دمشق
سنقلب نظام الحكم في سوريا
إذا كنتم اشتراكيين فلماذا يجوع الناس ؟
إذا كنتم بعثيين فلماذا تخدمون الفُرس ؟
أيتها المافيا التي تحتل دمشق
سوف ننهي حكم حزب البعث المارق
يا بشار اللص
اخرج من بلادنا أيها المحتل
ليس حافظ الأسد بل حافظ الكلب
تتاجرون بفلسطين
فلماذا لا تطلقون رصاصة في الجولان ؟
سنخرج بالملايين
ونزيل حكم تجار الطوائف
الشعب يريد إسقاط النظام
وسيتم إسقاطه .

14‏/04‏/2011

القصيدة والتحولات الاجتماعية

القصيدة والتحولات الاجتماعية
إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية ( 13/4/2011م ) .
إن الشاعر يعيد اكتشاف ذاته عبر القصيدة ، فهو يتنفس من خلالها ، ويعيش ويموت فيها ، وهذا العالم الجديد الذي يتشكل بواسطة النص الشعري يتيح للإنسان أن يلتقيَ بإنسانيته خارج نفوذ العزلة الاجتماعية التي تفرضها التكنولوجيا المعاصرة . ومن أجل تكريس المنظومة الشعرية كأفق جديد يكتشفنا ونكتشفه لا بد من تجذير التشخيص المبكِّر للحالة الفلسفية الخاصة بالدلالة اللغوية وربطها بالتأثير المعرفي الرمزي. فهذا من شأنه تفجير طاقات النص الشعري الذي يدفع المجتمعَ إلى توليد أبجديات اجتماعية جديدة نابعة من البعد الثقافي العميق لا السطحي، مما يؤدي إلى إنتاج حالة شِعرية عمومية تصبح ظاهرةً تاريخية منحوتة على جسد الأبجدية كوشم لا يمكن نزعه. وكلما انتشرت الحالة الثقافية في تفاصيل النسغ الاجتماعي وصولاً إلى نخاع المجتمع، تكاثفت الأسئلة المحورية المطروحة على القصيدة ودورها في بلورة حياة إنسانية متمردة على الأنماط الاستهلاكية الخانقة. وهذا يؤدي _ بالضرورة _ إلى صناعة عقل جمعي قادر على تحرير الفرد من ذاته ، وتحرير الجماعة من هيمنة ميراث القمع بكافة أشكاله . ومن خلال هذه الصورة التحررية يؤول الشكل العام للقصيدة إلى نسيج لغوي متماسك يحفر في الخيال من أجل تغيير الواقع ، ولا ينحصر في عوالم ذهنية هلامية . فالقصيدةُ تتحدى ظلال اللغة بجوهر اللغة ، وتعيد تشكيل أبجدياتنا الخاصة وفق إشارات اجتماعية وثيقة الصلة بالاتجاهات الثورية الأخلاقية للأدب غير المسيطَر عليه من قبل مثقفي السُّلطة الاستبدادية . وعلاوة على ذلك ينبغي تعميم المنظور الفلسفي للنص القصائدي وإدماجه بالمسار العام للتاريخ الذي يُعاد اكتشافه من جديد . وهذه القراءة التثويرية لأنساق الحياة ، ثقافةً وتاريخاً ، ما هي إلا أداة تشريحية تبحث عن مصادر الخيال الوظيفي في اللغة الواقعية. الأمر الذي يقود إلى توليد نظام ثقافي متجانس يتعامل مع الأفق الشعري كلغة رمزية تهدم ثقافةَ التلقين ( عملية اختراع المسلَّمات الوهمية ) وتبني ثقافةَ الأسئلة ( مساءلة الأنساق الاجتماعية ووضع الفرد والجماعة أمام التحديات المصيرية ) . والأثرُ المترتب على عملية صناعة الوعي بقطبَيْها ( الهدم / البناء ) لا يمكن حصره في إطار إيجاد قواعد ثقافية تفسيرية للإشارات الاجتماعية الثابتة، لأن كل فرد هو مجتمعٌ متحرك قائم بذاته، كامل الملامح والخصائص، ومفعم بالتحولات العميقة نفياً وإثباتاً. فالمجتمع الفردي يعيش في قلب المجتمع العام ، وهذا التعايش النشيط ذو الفاعلية الفلسفية يُعيد بناء جغرافيا الأسئلة والتغيرات الجذرية . ومن هنا تتكرس عملية صناعة الوعي كمبدأ شمولي ملتصق بالفرد للكشف عن أبعاد التحولات الثقافية، أفقياً وعمودياً، زمنياً ومكانياً ، ذهنياً وواقعياً. وهذه التحولات هي التي تمنح الفرد صفة الكائن الحي، وتُكسب المجتمع إحساسه الوجودي. كما أن تحركات البعد الثقافي في إطاره الزمكاني ( زواج الزمان والمكان ) تجعل القصيدة كائناً حياً مركزياً يصنع الأحداث ، وليس كياناً هامشياً يتفرج على الأحداث .

13‏/04‏/2011

خدعة الإصلاح في الأردن

خدعة الإصلاح في الأردن
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 13/4/2011م .
إن هستيريا الإصلاح الزائف الذي يتفشى في الأردن يشبه إلى حد بعيد موضة الأزياء التي تسبب ضجة وقتية ثم تذهب أدراج الرياح بلا تأثير حقيقي ، لأن كلام الليل يمحوه النهار ، وما تأتي به الرياح تأخذه الزوابع . والمشكلة الجذرية في النظام السياسي الأردني أن القرارات الحساسة تأتي كردود أفعال وإجراءات ارتجالية بدون تخطيط . وهذه أزمة عربية بامتياز . فالفكر السياسي عند الأنظمة العربية المتهاوية يعتمد على أسلوب الفزعة العشائرية والجعجعة بلا طحن، وهذا يجعل الإصلاح شعاراً براقاً للاستهلاك المحلي وتلميع صورة النظام ، وامتصاص السخط الشعبي ، والقفز فوق ثورات المنطقة الضاغطة على بنية النظام السياسي . والدلائل المشيرة إلى عدم جدية النظام السياسي في قضية الإصلاح تتجلى في أمور متعددة من أبرزها : اختيار رئيس وزراء ذي خلفية عسكرية ( الدكتور معروف البخيت ) ، ولا يتمتع بأية كفاءة في الإدارة التنموية ، ولم يُعرَف عنه بأنه مفكر سياسي أو واضع سياسات إستراتيجية ، ولا تاريخ له على المستوى العسكري أو المدني . وهذا أدى إلى فوضى عارمة في أركان الحكومة وتخبط في وضع السياسات والعجز عن تطبيقها . كما أن القبضة الأمنية البوليسية عادت لتضرب من جديد ( وعادت حليمة إلى عادتها القديمة ) ، فلم يقف الأمر عند مجزرة ميدان جمال عبد الناصر ، بل تعداها لتقديم شباب ( 24 آذار ) إلى المحاكمة . وهذا يشير إلى غياب ثقافة الحوار ، وتغلغل الأداء البوليسي القمعي في أوصال الدولة الأردنية . ومن أخطر القضايا التي تنسف فكرة الإصلاح من أساسها هي عدم إعادة النظر في الدستور . فالدستورُ الحالي يُركِّز الصلاحيات في يد الملك ويجعل الشعب مجرد متفرج على الأحداث ، لذلك يشعر المواطنون بأن وجودهم كعدمه ، وأنهم أحجار شطرنج على رقعة دولة لا تعترف بهم ، وهكذا تكرسَ المنفى في قلب الوطن ، فصار المواطن غريباً ورقماً هامشياً بلا وزن . ولا يخفى أن التنمية الحقيقية تدور رحاها حول الإنسان ، وإذا مات الإنسان أثناء حياته ، وفقد ثقته بنفسه ، وحُشر في الزاوية نتيجة إجراءات الدولة البوليسية ، فعندئذ يختفي الولاء والانتماء ، ويصبح المجتمع كالشقة المفروشة ، يتم قضاء بعض الوقت فيها ، ثم يأتي الرحيل بلا أدنى إحساس بالانتماء . وفي هذا المنحى تبرز إشكالية من نوع خاص ، وهي غياب رأس الهرم السياسي . فالملكُ صار جزءاً من نظام وليس رأس النظام . وهذه العملية لها تداعيات خطيرة تؤدي إلى تحكم الحاشية بمسار الأمور ، وتوريط الملك في إرهاب الحكومة البوليسية التي تختبئ خلف مؤسسة العرش . فالحكوماتُ الأردنية المتعاقبة التي تفتعل الأزمات ، وتخترع الحركات الصبيانية المتهورة إنما تشطب صورة الأردن ، وتجعل من الملك ظلاً للأزمات ، وذا موقف مهزوز ضعيف . وأركانُ النظام السياسي الفاسد يسعون للمحافظة على مصالحهم الشخصية وتثبيت وجودهم ونفوذهم على حساب بلادهم وشعبهم ، وبالتالي فهم أكثر المتضررين من عمليات التغيير والإصلاح ، الأمر الذي يدفعهم إلى محاربة كل الخطوات الإصلاحية . كما أنهم لا يتمتعون بالأفق الفكري والسياسي لإحداث نهضة مجتمعية ، وفاقد الشيء لا يعطيه . وإذا كان النظام السياسي الأردني طيلة تسعين سنة ( منذ تأسيس إمارة شرق الأردن 1921م ) لم يشهد نهضة إصلاحية حقيقية ، وإنما كانت المشكلات تُعالج بدفنها وترحيلها إلى القادمين الجدد ، فهل ستأتي المعجزة في هذا الوقت في ظل الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ؟! .

03‏/04‏/2011

الطغاة في الداخل والغزاة في الخارج

الطغاة في الداخل والغزاة في الخارج
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 1/4/2011م .
إن شرعية الثورات العربية مستمدة من كونها صناعة محلية بامتياز ، فهي لم تجيء على ظهور الدبابات الأجنبية أو تستقوي بالخارج . فالشعبُ هو الذي صنع بدمائه ثورته المجيدة ولم يفتح الباب لتدخلات الآخرين في شؤونه ، وهذا ما رأيناه في ثورَتَي تونس ومصر . لكننا رأينا وضعاً مختلفاً في ثورة ليبيا ، حيث فُتح الباب على مصراعيه أمام القوى الغربية للإدلاء بدلوها ، وتم تدويل المسألة في المحافل الدولية . وهذا يثير مجموعة كبيرة من القضايا حول مسار الثورات العربية وشرعية وجودها وحاضرها الأخلاقي ومستقبلها السياسي . ولو قمنا بدراسة فلسفة الثورة كمسار حياتي ، لوجدنا أن الشعب العربي له الحق الكامل في مقاومة الظلم والثورة ضد الحاكم العربي المستبد . ولكن ينبغي الانتباه إلى أهمية نقاء هذه الحركة من الأيادي الأجنبية لئلا تؤول الأمور إلى نوع جديد من الاحتلال وفقدان السيادة والخضوع لرحمة الغرب وشروطه ، ويصبح الشعب كالمستجير من الرمضاء بالنار . وفي تاريخنا المعاصر حدثٌ بالغ الأهمية يشير إلى هذا القضية ، وهو الثورة العربية الكبرى ، حيث استعان الشريف حسين بن علي بالإنجليز ضد الأتراك ، فكانت النتيجة أن العرب خرجوا " من المولد بلا حمص " ، وأضحت ثورتهم وبالاً عليهم بعد أن ضُحك عليهم في وضح النهار ، ووجدوا أنفسهم خارج سياق الحياة . فالقوى الغربية لا تقدم شيئاً مجانياً من أجل سواد عيون الشعوب وعشقاً لها واحتراماً لهويتها ، فكل دولار تدفعه الآلة العسكرية الغربية سيتم تعويضه أضعافاً مضاعفة على شكل أماكن نفوذ ومحميات والحصول على عقود استثمارية هائلة . والغربُ يحاول تصوير نفسه كمنقذ للبشرية ومدافع عن حقوق الإنسان . ووفق هذه الخدعة فسَّر تدخله في البوسنة ( سابقاً ) وليبيا ( حالياً ). ولو كان حريصاً _ كما يزعم _ على دماء الأبرياء وحياة المدنيين لتدخل في البوسنة قبل وقوع المجازر وعمليات التطهير العِرقي والاغتصاب التي استمرت مدة طويلة ، وتناقلتها كاميرات وسائل الإعلام في مختلف العالم . ولو كان الغربُ صادقاً في دعواه لأنقذ الليبيين الذين تعرَّضوا للإبادة طيلة شهر كامل أمام عيون العالم دون تدخل غربي . فهل كان الغرب ناسياً حقوق الإنسان أثناء هذا الشهر العصيب وتذكرها بعد انتهاء الشهر ووصول كتائب القذافي على مشارف بنغازي ؟! . إن الغرب يعمل وفق خطة منهجية لضمان مصالحه لا حياة الآخرين . فأسلوبُ عمله يشبه شخصاً يمسك بطائرة ورقية ويتركها تطير إلى أبعد مدى ، وحينما يشعر أن الخيط سيفلت من يده يتشبث به ويلجم هذه الطائرة. وهذه العملية ترمي إلى استشكاف أكبر مساحة ممكنة لتحقيق المصالح الشخصية وزيادة رقعة النفوذ. كما أن الغرب صار يعمل جاهداً على استثمار الثورات العربية لصالحه وركوب الموجة لكي يصل إلى أبعد نقطة . وقد تعلمت فرنسا درساً قاسياً من ثورة تونس ، حيث إن تأخرها في اتخاذ رد فعل مناسب وسريع جعلها خارج الصورة ، وهذا أثَّر سلباً على مكانتها ومصالحها ، لذلك تحاول تعويض الأمر في ليبيا ، وكلٌّ يُغنِّي على ليلاه . وهذه المسألة الحساسة تضاعف مسؤولية صناع الثورة ، إذ إنهم مُطالَبون بحمايتها من سماسرة الثورات داخلياً وخارجياً . لذلك وجدنا أن شباب ثورة ميدان التحرير في مصر قد رفضوا لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ، وهذا يشير إلى مستوى الوعي المرتفع ، والانتباه إلى المصائد الغربية . والدعوةُ إلى اعتماد الشعوب على نفسها في الثورات ليست دعوة للموت المجاني، واستسلام الشعوب لآلة القتل الخاصة بالحاكم العربي وعصابته . ولكن ينبغي على هذه الشعوب أن تقلع شَوْكها بيدها ، وترسم خطةَ عمل واقعية للتحرر من العبودية عبر دراسة كل الاحتمالات الممكنة للحفاظ على النقاء الثوري ، أي عدم تلوث دماء الشعب العربي بدماء الغزاة القادمين من وراء البحار. فالثوراتُ ليست رحلات ترفيهية أو عملاً فوضوياً بلا مسار ، إنها منهجية متكاملة متفجرة في وجه أنظمة إرهابية بوليسية حكمت بالحديد والنار طوال فترة تاريخية طويلة . وهذه المنهجيةُ تتطلب الكثير من التضحيات والصبر ، فهي مثل لعبة العض على الأصابع ، الذي يصبر ويوزِّع طاقته عبر أجزاء المرحلة سوف ينجح . وعلى الرغم من مراهنة الأنظمة على القتل العشوائي واغتيال المتظاهرين سلمياً كما حدث في تونس ومصر وصولاً إلى سوريا والأردن ، إلا أن الشعب قادر على إيجاد الحلول الفعالة النابعة من ذاته وإمكانياته دون فتح الباب للدول الغربية صاحبة الأجندات الدنيئة . وكل رصاصة تُطلَق على المتظاهرين العُزَّل ستكون مسماراً في نعش الدول العربية البوليسية المحكومة من قبل الميليشيات الأمنية القمعية . فالقوةُ العسكرية لا تبني دولاً حقيقية ، فقد انهار الاتحاد السوفييتي رغم امتلاكه كل أنواع الأسلحة بدءاً من الرصاص الحي حتى الرؤوس النووية . وهذا الدرس ينبغي أن تفهمه الأنظمة وعصاباتها ، وتفهم _كذلك _ أن شباب الثورة اخترعوا طريقهم الخاص ، وكوَّنوا نظريتهم الخاصة في السياسة. وهذا الأفق الجديد لا مكان فيه لطغاة الداخل ولا غزاة الخارج . وهذه هي الشرعية الثورية الحقيقية.