سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

29‏/04‏/2016

جسد اللغة هو ذاكرة القصيدة

جسد اللغة هو ذاكرة القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

   إِن الحفريات في جسد اللغة هي الإشارة الواضحة في طريق النص الشعري ، الذي ينقلب على ذاته لكي يجد ذاته . وهذا الانقلاب الداخلي في اللغة الشعرية نتيجة طبيعية للقصيدة التي تُولَد من موت الشاعر ، فيصير موتُه أحدَ أشكال الحياة . وبالانطلاق إلى سياسات الأبنية الشِّعرية، نكتشف  أسلوباً مُقارَناً يُحقِّق معادلةَ الأبعاد الرمزية للتجمع الكلامي ، في المجتمع البشري المتدفق خارج زنازين الوهم . والقصيدةُ هي المجتمع الوحيد الذي لا يَخضع لِسُلطة المكياج الاجتماعي وارتداءِ الأقنعة .
     والثقافة المعرفية في التكوين الشِّعري تتصل بعملية عسكرة الكلام ، مُولِّدةً عناصر جديدة  ترفض قوالبَ الصور الفنية المستهلَكة التي يبست من كثرة التكرار. والبنية الشِّعرية تركض  باتجاه  طرح أسئلة وجودية لازمة. وهذه الأسئلة تتكاثر ليصبح لدينا مجتمع كلماتي واعٍ لمساره ومصيره .
     والشَّك المنهجي في الأساليب الشِّعرية هو عملية تحليلية غير عدمية. ويجب أن تكون أدواتُ  التحليل نابعة من الشكل العام للسُّمو الأخلاقي . أمَّا هيمنة الصور الفنية التقليدية على امتدادات المشروع الشِّعري ، فهي شكل يُنْبِئ عن وجود لغة شِعرية خاضعة للاضطهاد . وهذه عملية شديدة الخطورة لأن اضطهاد الشَّاعر لقصيدته من شأنه أن يَقهر القصيدةَ ، ويُغرقها في استياء متآكل ،  وهكذا تفقد الصورةُ مفرداتها الواعية ، وصولاً إلى هالة منتفخة ، تصير ورماً سرطانياً في جسد الكلمة، ومن هنا يسيل موتُ القصيدة الذي قد يأخذ شكلاً حياتياً مُقَنَّعاً، لا ينمو إلا في ظل سُلطة معرفية وهمية .
     وتبرز نمذجةُ المشروع الشِّعري القصائدي كحالة نفْسية تحليلية ، تستند إلى تنويعات سياسية جمعية . وبالمقابل فإن تداول القيم الاجتماعية في مُخرَجات النظام الشِّعري بكفاءة عالية ، يَقودنا إلى اجتماعية التوازن الخلاق بين الثقافة الشعبية والثقافة النخبوية . وأيضاً ، إِن تحميل الدلالات طاقة عاطفية متراصة ، يُبنى على أساسات الحفريات الدائمة ، في جسد اللغة الحرة غير القابلة للتدجين.
     وتنبع أهميةُ التوظيف التنويري لسياسة التحليل النَّصي داخل الجسم الشِّعري من حرارة التجربة. وكلما ارتفعت حرارةُ التعبير ، ذابت الفروقاتُ بين الشِّعر والنثر. والحلمُ الشِّعري الذي  يتَّحد فيه الشِّعرُ والنثرُ في جسد واحد ، هو نتاج حرارة التعبير الصاعق ، مثلما يتَّحد الأكسجين والهيدروجين في الماء . ومن غير المقبول أن تكون الأوزانُ الشِّعرية هي الْحَكم الذي يُقَرِّر الشِّعري  مِن النثري . ومن غير اللائق أن ندفن الصورَ الفنية المبتكَرة الخارجة عن الوزن ، فقط لأنها غير موزونة . فالوزن الحقيقي هو وزن الصورة الشِّعرية المدهِشة . وبالإضافة إلى هذا ، فإِن القصيدة تصنع عِلْمَ عَروض خصوصياً قائماً على المزاوَجة بين المتخيَّل التجريدي للتعبيرات المبتكَرة ، وبين  الدلالة اللغوية العجائبية التي تعيد اكتشافَ اللغةِ والعالَمِ .
     والقصيدةُ  يجب أن  تتحلى بصور فنية مُدهِشة وعنيفة ، وهذه الصورُ تعطي القصيدةَ وزنها الخاص ، والموسيقى الذاتية الهائلة ، وجرعة الثورة المتدفقة . فالصورةُ هي التي تعطي الوزنَ وجوده وشرعيته ، أمَّا الوزنُ فلا يعطي الصورَ الناقصة أيَّ وجودٍ أو مشروعيةٍ .
     وقد أعطت الحفرياتُ الشاملةُ في مَنجم اللغة كاملَ امتدادها ، على شكل أعاصير أبجدية متشبثة بالمشروع الوجداني الكلامي . وإذا أردنا أن نتجاوز الواقعَ الخيالي إلى مناطق الإحساس المتدفق ، لا بُدَّ مِن طرح أسئلة إضافية على اتجاه البصيرة العاطفية الكامنة في لهب الشِّعر. وللإجابة على التساؤلات الوجودية التي تتكاثر في عنفوان المدى الجماعي،يَنبغي صناعة مجتمع جديد ينتسب إلى جِدال منطقي بَنَّاء .

     والشِّعرُ يَفقد مَعناه إذا خَرَجَ من القيمة الإنسانية للإنسان ، وصار يَحفر في محيطات الزَّبد والعَدمية . ومن هنا نستنتج أن الحل الأكثر نجاعةً لإعادة الشِّعر إلى حياة الجماهير ، هو تسييسُ القيم الجمالية في النَّص ، وتحويلُ الكلمات إلى جيوش جرارة تدافع عن إنسانية الإنسان من منظور كَوْني شامل، وتوجيهُ دَفة الكلمة باتجاه مناقشة قضايا الإنسان التي تمسُّ وجودَه . وبالتالي نحصل على سبيكة لغوية متينة تَلمس جروحَ الكائنات الحية عموماً ، والإنسان خصوصاً . وإذا لم نفعل ذلك ، فَسَوْفَ يظل الشِّعرُ خاصةً _ والأدب عموماً _ في وادٍ ، والإنسان في وادٍ .

27‏/04‏/2016

بيورنسون وعشق المسرح

بيورنسون وعشق المسرح

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم الإلكترونية

لندن ، 26/4/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

................

   يمكن اعتبار الكاتب النرويجي بيورنسون ( 1832_ 1910) ركيزةً أساسية من ركائز الأدب النرويجي ، وأحد العُظَماء الأربعة بين الأدباء النرويجيين ، معَ هِنريك إبسن ، ويوناس لي ، وألكسندر كيلاند .
     لقد عَشِقَ المسرحَ مُنذ نعومة أظفاره . وهذا العشقُ سيطرَ عليه ، فسخَّر حياتَه كاملةً للأدب المسرحي ، وإدارة المسارح. وفي عام 1857 أصبحَ مديراً لمسرح برجن . وهذا مَكَّنه من الاطِّلاع على أسرار عالَم المسرح عن قُرب ، والتعامل مع الممثلين والمخرجين والفَنِّيين . ولا شَكَّ أن هذا الأمر أكسبه خِبرةً واسعة في مجال المسرح ، فصارَ مُلِمَّاً بأدق تفاصيل صناعة المسرحية بَدءاً مِنَ الورق ، وانتهاءً بخشبة المسرح .
     انتقلَ إلى مدينة كريستيانيا ، وهي ما تُعرَف اليوم بأوسلو ، عام 1850 . وبدأ دراسته في جامعة فريدريك الملكية عام 1852 . وفي عام 1855 ، دخلَ إلى الحياة الأدبية ، وصارَ جُزءاً من منظومة العمل الأدبي ، فعملَ ناقداً مسرحياً وأديباً ومُحرِّراً في كُبريات الصُّحف النرويجية . وأخذَ يَعرض في مقالاته الصحفية أفكارَه حول الإصلاح السياسي والاجتماعي، داعياً للقيم الليبرالية والْمُثُل الوطنية . وقد تولَّى إدارةَ المسرح الوطني في بيرغن عام 1857 خَلَفاً للكاتب المسرحي الشهير هِنريك إبسن . وبسبب علاقاته الوثيقة معَ الوسط الفني المسرحي ، قرَّرَ اختيار ممثلة لتكون شريكة حياته ، فتزوَّج الممثلةَ كارولين ريمرز في عام 1858 . وتعلَّقَ بعالَم المسرح أكثر فأكثر ، فأدارَ مسرح كريستيانيا في الفترة الممتدة بين عامَي 1865_ 1867 ، ثم أدارَ مسرحَه الخاص بين عامَي 1870_ 1872 .
     حصل بيورنسون على الإشباع الرُّوحي بسبب غرقه في كواليس المسارح ، ووصلَ إلى قناعة شخصية بأنَّه قدَّم كُلَّ ما عِندَه في مجال إدارة المسارح ، ولم يَبْقَ لَدَيه شيء يُقدِّمه . ولأنَّه لا يُريد تكرارَ أفكاره في الإدارة ، آثرَ البحث عن عالَم آخَر . وكان الحل يكمن في السَّفَر . وقد أمضى جُزءاً كبيراً مِن حياته خارج وطنه النرويج ، مُتنقِّلاً بين الدنمارك وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة ، وتُوُفِّيَ في باريس عن عُمر يُناهز الثامنة والسبعين .
     استلهمَ من نشأته الريفية أعمالَه الأدبية الْمُبكِّرة ، وقد طَرَحَ فِيها قِيَمَ الوعظ والإرشاد الممزوجة بالمعاني الوطنية . وهو بذلك كان يهدف إلى تكريس الشعور بالفخر والكبرياء بتاريخ النرويج وإنجازاتها الفكرية وإسهاماتها الحضارية، وإيقاظ الروح الوطنية، ورفع معنويات أبناء بلده ، والتأكيد على الروابط المصيرية التي تَجمع النرويج في أيَّامه بنرويج الماضي . وبعبارة أخرى ، التشديد على مبدأ الأصالة والمعاصَرة .
     كانت باكورة أعماله الأدبية مسرحية تاريخية مِن فصل واحد، بعنوان"بين المعارك" ( 1856). وهي مُستوحاة من القصص التاريخية الإسكندنافية . ثُمَّ أصدرَ مجموعة من القصص حول الحياة الريفية عام 1857 . ثُمَّ كتب مجموعة من القصص الطويلة مِنها " الولد السعيد " ( 1860) ، التي اعتبرها النُّقاد أبرز الكتابات الإبداعية الرومانسية المتعلقة بالوطنية النرويجية. ثُمَّ كتب مسرحيتَيْن في فترة متقاربة ، " الْمُحَرِّر " ( 1874) ، عرض فيها مشكلات مهنة الصحافة ، و" الْمُفْلِس " ( 1875) ، وقد هاجمَ فيها الخداع في المعاملات التجارية . وهاتان المسرحيتان حَقَّقتا له شُهرة عالمية ، وجَعلتاه كاتباً مُؤثِّراً في الأدب الأوروبي . وهذا النجاحُ العالميُّ يَعود إلى انسجام الأفكار الواردة في المسرحيتين مع النَّزعة الفكرية السائدة حينئذٍ ، والتي تُنادي بضرورة مُعالَجة الأدب للقضايا المعاصِرة ذات التأثير المباشر في حياة الإنسان والمجتمع . وكذلك فَعلت المسرحيتان اللتان كتبهما بعد ذلك . " الْمَلِك " ( 1877) ، و" النظام الجديد " ( 1879) .
     وقد عالَجَ في أعماله المسرحية والروائية مشكلةَ عدم التسامح السياسي ، وضرورة حدوث التغيير الاجتماعي ، مُشيراً إلى أن هذا التغيير يجب أن يبدأ من المدرسة .
     والجديرُ بالذِّكر أن هذا الكاتب لَم تنحصر أعمالُه الأدبية في مجال المسرح والرواية ، بَل أيضاً خاضَ غِمار الشِّعر . وتجربتُه الشِّعرية أنتجت مجموعةً من القصائد جُمع أغلبُها في دِيوان " قصائد وأغانٍ " ( 1870 ) . وهذا الديوان يَحتوي على أشهر قصيدة له على الإطلاق ، وهي " نعم نُحِبُّ هذه الأرض إلى الأبد " ، والتي تَمَّ اختيارُها _ فِيما بعد_ لِتَكون النشيد الوطني النرويجي . وبالتالي ، اشْتُهِرَ بيورنسون بأنه كاتب النشيد الوطني لبلاده . وهذا شَرَفٌ عظيمٌ لأيِّ شاعر .

     قضى بيورنسون المرحلة الأخيرة من حياته في عمل دؤوب وترحال دائم ، يَتحدَّث ويَكتب بلا تعبٍ ولا مَلَل عن السلام والتفاهم الدولي . وكان لمسرحياته أثر كبير في تأسيس ما عُرف بالواقعية الاشتراكية . وقد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1903، تقديراً لإسهاماته الهامة في مجال الأدب عُموماً ، والمسرح خصوصاً . ولَم تقف إنجازاتُه عند هذا الحد ، بَل كانَ له دَور بارز في مجال السياسة الدولية ، إِذ إِنَّه ساهمَ في إنهاء النِّزاع السويدي النرويجي ، وحَلِّ الاتحاد الذي كان قائماً بين الدولتين بشكل سِلمي في عام 1905 .   

26‏/04‏/2016

القصيدة بين سياسة البناء الشعري والحضور الثقافي

القصيدة بين سياسة البناء الشعري والحضور الثقافي

للكاتب / إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.........................

  إِن المضامين السِّياسية للنظام الشِّعري تؤسس عِلم اجتماع خاصاً بالحياة اللغوية في النسق القصائدي . والسياسةُ _ اجتماعياً وأبجدياً _  تتولد في القصيدة كتعبير رمزي للحضور الثقافي العارم. وهذا يمنع تحولَ القصيدة إلى روتين وظيفي مفرغ من معناه. وكلما تكرَّسَ النشاطُ المجتمعي في النَّص الرمزي ، انتشرَ الوعي الإنساني في الوظيفة الاجتماعية للشاعر، والتي تتجلى في تحريك الساكن، وطرحِ الأسئلة على الألفاظ والمعاني ،  ورفضِ تصنيم الذوات . فالشِّعرُ هو السؤال الوجودي الدائم ، أي النقد الدائم ضمن متوالية هدم السالب وبناء الموجب .
     وتستطيع وَحدةُ الشُّعور الهادر في إيقاع سياسة القصيدة، أن تعيد تكوينَ النمو السوسيولوجي لعسكرة الكلمة بمساعدة التأطير الذهني للطبيعة الفلسفية الأخلاقية . مما يؤدي إلى تصاعد نمو حركة الأفكار أفقياً وعمودياً داخل البنية الرمزية للمجتمع الإنساني . وهكذا تتجذر أهميةُ الفكر الشِّعري في فك شيفرة التجمعات الإنسانية، عبر استنطاق البنى الصامتة في حركة الجماهير "النخبة والعامة " .
     وكل مجتمع بشري حي سوف تنتشر فيه قيم المعنى ، بفِعل التوليد المستمر لحركة الأفكار والأفراد ، وهذا يؤسس قيمةَ النص الشعري كقيمة مُعادِلة للوجود الحياتي الذي لم يتم تدجينه . ولو درسنا تفاصيلَ الهيمنة الشِّعرية على مسار النمو العاطفي للمجتمع ، لاكتشفنا أن النص الشعري صار مجتمعاً بحد ذاته في مقابل المجتمع البشري . لكنَّ الهيمنة الشِّعرية في سياقات حياة الأفراد والجماعات لا تُوصِل دائماً إلى مجتمع متماسك، لأن البناء الاجتماعي الثقافي يستلزم وجود تناسق تام بين الإنسان " حامل الفكرة " وأبجديةِ المعنى "المحمول " .
     وأكبر إشكالية تُواجِه النَّصَّ الشِّعري ، هي أن يصبح كالجوهرة في يد فحَّام . وعندئذ يصبح الشِّعرُ مِعْولَ هَدْمٍ في الذاكرة المجتمعية. فالسلاحُ في يد إنسان أعمى سوف يكون وبالاً على الجميع بلا تمييز  .وإذا وُضعت القصيدة في نِصابها الصحيح مِثلما يتمركز السهمُ في القوس ، سنجد أن شرعية الذاكرة المجتمعية تحوَّلت إلى منحى عقلاني ، يُؤسِّس أشكالاً جديدة لتمرد الظواهر الفنية على الصيغ المجتمعية السلبية . وهذا عائد إلى قدرة الذاكرة على اقتحام عوالم النَّص الشِّعري ، وتأسيسِ منظومة إعمار الخيال ، أي حَقنه بالفاعلية التطبيقية ، والقدرةِ على الانتقال من الذهن إلى الواقع.

     وهذه المنظومة الموزَّعة على مشروعية العمل الثقافي ، تؤلف قِيَماً إنسانية  تساهم بشكل كبير في الحِراك الاجتماعي ذي الشرعية القصائدية . وبما أن الشَّاعر كيان سياسي قائم بذاته، ومستقل عن الطبيعة الاستبدادية لثقافة السُّلطات القمعية ، كان لزاماً تنظيم مواقع التكيُّف الاجتماعي التي تؤدي إلى صناعة تطبيقات واعية للعقل الثقافي الجمعي الفذ . مِمَّا يَسمح لنا بإعادة رسم خارطة النص الشعري كدلالة حياتية متفرعة عن حتمية تلاحم الخيال والواقع .

23‏/04‏/2016

سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنص

سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنص

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.....................

  إن  لغويات  الثورة السارية في تراكمات المنظور الشِّعري مستمرة بفِعل قوة نفوذ الأبجدية  الفكرية ، التي تُبرِز أهميةَ تعميق جذور المشروع المستقبلي في الجسد القصائدي . حيث يتمُّ تأصيل استشراف الحلم القادم من وراء الكلمة الملتزمة بالقضايا المقدَّسة  .
     وهذه الماورائية بُنيةٌ مُتحرِّكةٌ مندمجة بالكامل مع سياسة الرؤية ، وخاضعةٌ للعقل الهادم الباني ، حيث يَهدم الأنساقَ العشوائية الضبابية غير الثورية ، ويبني الرؤى الماديةَ والمعنوية التي تمهد لمرحلة الانفجار الشامل في تفاصيل اللغة الهادرة. وهكذا نجد أن الشِّعر يُؤرِّخ لمرحلة جديدة ، تستلهم تاريخاً جديداً ينبثق من قوة المنطق لا منطق القوة .
     والشِّعريةُ الثورية هي سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنص ، وأيضاً هي سياسة نقية تعيد صناعةَ مجتمعات الكراهية وفق منظور إنساني يَقتل الشرَّ في الإنسان ولا يَقتل الإنسان . وهنا يَلتصق البناءُ الكَمِّي بالسلوك النَّوعي ، فيَنتج ما يمكن تسميته بالجمعنة القصائدية ( تجميع أبعاد المجتمع الشِّعري لتوحيد المجتمع البشري ) ، حيث يَذوب الجزءُ في الكُل ، وتحلُّ أبجديةُ حُلم الخلاص الجماعي مكان الخلاص الفردي الأناني .
     إِن المحتوى الذهني لامتدادات الأفق الشِّعري يَأخذ شَكلاً بِنائياً مُميَّزاً . وهذا الشكل ما هو إلا انعكاس خلاق للطبيعة الكلامية المفتوحة على كل احتمالات التجريب ، في إطار سياقات اللغة  الأدبية . والأدبُ هو سوسيولوجيا رمزية لتاريخ اقتصادي كلامي يَبحث في الخيال الواقعي  .ومعَ هذا فالأدب ليس تأريخاً للأحداث بقَدْر ما هو تأريخ للخيال القادم كالطوفان إلى أرض الواقع . وإذا فهمنا أشكالَ العلاقات الذهنية في وظيفة الرؤى المتمردة، أدركْنا حتميةَ الصدام بين الثنائيات المشكِّلة للقصيدة . وأدركْنا كذلك أن الثنائيات تَؤول إلى صراع طبقي من نوع جديد في البنية الشِّعرية ، صراع لا علاقة للفقراء والأغنياء به .
     إنه صراع طبقات اللغة بين مستويات الكتابة الإبداعية ، وينقسم إلى صراع داخلي وصراع خارجي . الصراع الداخلي يَقوم بالتجريد والتعرية المستدامة للانهيار الحضاري ، الذي أصاب الإنسانَ المادي . والصراعُ الخارجي يَقوم بالتجرد من تبعات هيمنة إسهامات البشر المحتشِدة في اللغة . والتراكماتُ البشرية اللغوية ليست هي اللغة ، لأن اللغة أوسع وأعمق وأكثر شاعرية من طينية الإنسان .
     والشاعرُ الذي يَكتب قصيدةً خاليةً من القضايا المقدَّسة ، إِنما هو يكتب ضد الكتابة ، فيصبح عبئاً على لغته، فتقف القصيدةُ رغماً عنها في مواجهة القصيدة، وهذه هي حالة التلاشي( الانتحار) التدريجي التي تَقتل رُوحَ النَّص .
     ومن جهة أخرى ، ينبغي توجيه الانتباه إلى الاستعارات الوظيفية المقابِلة لحالات توهج المعلومة المدهِشة. والشِّعرُ هو عَقْلُ الدَّهشة وقلبُها النابض، وهو يُوصل معلوماتٍ مُحدَّدة موغلة في الرمزية والتوهج والدهشة ، وبالتالي فهو يختلف عن كل أنواع الكتابة .
     إِن اختزالَ البُنى السِّياسية الشِّعرية في نص مُكثَّف عمليةٌ غاية في الصعوبة ، لأنك تُعبِّر عمَّا يعتمل في نفْسك من محيطات ذهنية وواقعية مترامية الأطراف بكلمات معدودة على الأصابع، وهذا بحد ذاته أداء نسقي، يَطحن روابطَ إنتاجيةِ التجمعات البدائية ، داخل الاشتعال العاطفي المتراص  . 
     ولَسْنا بحاجة إلى دمج الحدود الفاصلة بين طبقات القصيدة فَحَسْب ، بل تكسيرها أيضاً ، وإقامة مملكة مفتوحة على كل تشكيلات الوعي المطْلق بقضايا الإنسان، والكائناتِ الحية، وعناصرِ الطبيعة. وهكذا تزداد عناصرُ الحالة الماورائية التي تُحدِّد مسارَ التأصيل المعرفي للموروث الشِّعري الملتزم بالرؤية الكَوْنية الشاملة ، وقضايا الإنسانِ المصيريةِ . وفي هذا السياق ، لا بُدَّ أن تكون نقطة البداية هي الذات الشاعرة ، وأن تنطلق عمليةُ التغيير من الكيان الإنساني الشَّخصاني. فمن الجنون أن يُصلح الإنسانُ بابَ جاره، وينسى أن بابه مخلوع.

     والانقلابُ الشِّعري الحقيقي يَكسر القوالبَ ، ليظلَّ مُحلِّقاً في فضاءات أكثر رحابةً ، وأكثر ثَورية . وسيظل الشِّعرُ هو الشرارة التي تنقدح في الذِّهن بدون موعد مسبق، وتَحرق الفضاءَ بصورة دراماتيكية عنيفة.

21‏/04‏/2016

السياسة الشعرية والسياسة الاجتماعية

السياسة الشعرية والسياسة الاجتماعية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

   إِن الأدوار الاجتماعية الفكرية المساهِمة في صناعة بُنى شِعرية ، هي سِمات حقيقية لثقافة تنقلب على الأحكام المسْبقة الجاهزة . وهذا الرفض للقوالب الجاهزة هو الذي يُذَوِّب الفروقاتِ بين الشِّعر والنثر . ففي بركان الحرارة العاطفية الجياشة ، تغيب الفروقات بين المدلول الشِّعري والدلالة النثرية ضمن ثنائية واعية وليست عَدمية .     
     وهكذا يَفرض إعصارُ القصيدةِ شُروطَه على المتلقي ، كما تفرض الذاكرةُ شُروطَها على النِّسيان. ويتأجج الدعم الذي تقدمه الصورةُ الشعرية لعناصر الشرعية البؤرية في سياق الكلام . إذ إن تلك العناصر تساهم في خلق متوالية تكاثرية تصنع قانونها الخاص بها ، انطلاقاً من حركات معرفية دائمة البحث عن معنى .
     والشَّاعر هو مَلِكٌ دائم البحث عن عرشه . وهذا هو القَلَق اللذيذ . إنه قَلَقٌ ينقل الأبجديةَ الشِّعرية من نمذجة المصطلَح الجاهز ، إلى صناعة مُصطلَحات دائمة الاكتشاف والتحول . والشاعرُ يَكتشف ذاته في مشروعه الوجودي ، من أجل أن يكتشفَ هذا المشروعُ الرؤيةَ الكَوْنية للشاعر . ومن الممكن اكتشاف الذات عن طريق اكتشاف ذوات الآخرين ، لأن الكلمة تخرج من ذات الشاعر ، وتعيش في كيانات أخرى ( روحية ومادية ) . وهكذا يمكن القول إِن الشاعر ما هو إلا المتلقِّي ، وهنا تتعدد الأنا الواحدة لتشمل ذوات الآخرين  .
     والشِّعرُ صوتٌ صاعق ، والمجتمعُ صَدى لهذا الصوت الصاعق . وإذا اتَّجهنا إلى علاقات النصوص المتقابِلة داخل رؤية التكثيف الشِّعري ، سَنُدرِك حتميةَ الصِّدام بين مُكوِّنات القصيدة  . وهذا الصِّدام يَنقل الرؤيةَ التعبيرية من دائرة التوازي معَ الذات إلى دائرة مُعادَلة الذات . وعندئذٍ، يُصبح الشاعرُ هو القصيدةَ ، والقصيدةُ هي الشاعر . وبعبارة أخرى ، يتَّحد الصانعُ والمصنوعُ .
     والكلامُ هو الذي يُقولنا ولا نَقوله . والشِّعرُ لا يُعطيكَ بَعْضَهُ ، إِلا إذا أعطيتَه كُلَّكَ . وهذا لا يعني أن يَتَقَوْقَع الشَّاعرُ على نفْسه، ويبتعد عن العلوم والمعارف. لكن المقصود هو أن يَهَبَ الشاعرُ نفْسَه للشِّعر في لحظة التقاء عُيونه بجيش الحروف ، الذي يَغزو رُوحَ الشاعر بدون تحذير مُسْبَق .
     وتُشْبِهُ الحروفُ في هذا السِّياق الثوري نوابضَ مغناطيسية جاذبة للأفق الشعري . ويجب أن نلاحظ الأدوار التعبيرية التي تُجسِّد طموحاتِ سياسة الشِّعر في تكوين جيل ثائر ضد الخرافة . والأبجديةُ الشِّعرية الثقافية لا تنفصل عن الثورة بأي حال من الأحوال .
     ودخولُ الأفق السياسي في الأسلوب الشِّعري ، لا يَستلزم بالضرورة تقييد حرية حركة الصور الفنية والتعابيرِ الرمزية . فالقضايا الوجوديةُ تُحضِر معها أبجدية خيالها أفقياً وعمودياً ، مِمَّا يؤدي إلى إدراك حتمية التحويل الجغرافي في بنائية تاريخ الشِّعر ، باعتبار القصيدة تاريخاً جديداً وجزءاً من رواية عجائبية لا تعتمد على السَّرْد ، بل تعتمد على التقاط اللحظة وتثويرها وإحاطتها بهالة رمزية ذات هدف غير عبثي .
     ويمكن أن نُفكِّك القيمَ المتحوِّلة في إطار النظريات الاجتماعية الهادفة إلى قلب نظام حُكم القصيدة ، وتكوينِ نظام جديد نابع من صيرورة المتحوِّلات البنائية العامة والخاصة . وهنا يَحدث تمازج بين الأدب والسياسة ، لأنهما عاملان أساسيان في تحريك المجتمع روحياً ومادياً  .ولكنْ علينا أدْبَنةُ السياسة ( حَقْنها بالأدب الجامح لكي يَكبح تهورها )، وتسييسُ الأدب بالمعنى الإيجابي للكلمة ( جعله سياسياً بالقَدْر الذي يَسمح بتأجيج عُنف اللغة ذهنياً ) .

     وتتكرس النماذجُ الاجتماعية المسيطِرة على النسق الشِّعري كواقع عملي لا مَهْرب منه . وهذا الأمرُ يؤدي إلى إعادة تشكيل الوعي الموجب ، وتعبئته ضد سالبية الوعي السُّلطوي المفروض على النَّص من خارج النَّص. ويجب ألا تخضعَ القصيدةُ للابتزاز الخارجي المتمثِّل في الأنظمة الأبوية، التي تَصيغ الثقافةَ والحياةَ من منظور أحادي استبدادي .