سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

25‏/08‏/2011

ذكريات عالمة فيزياء شابة ( 2 _ 5 )

ذكريات عالمة فيزياء شابة ( 2 _ 5 )
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

يا نجمةً ترسم على صدري ألواحَ النُّحاس ، حيث الدجاج المصعوق يصير سجادةً للصقور . من دماء العصافير النيئة تولد أكثر أكواخي ضيقاً ، فأتسع رجفةً على شبابيك البرتقال . إنه الرحيل يا سراديبَ المنفى وبريدَ الحمار الوحشي . كأني زهرة متوحشة على غلاف السيول . وملاحمُ الرماد تزوَّجت نيرانَ القبائل ، وأظل راحلةً إلى وردة السم النهائية .

ألعق ضبابَ الوداع . ليت وجعي تفاحةٌ لأخدع البرتقالَ . فتجارُ المخدرات يتخذون ضريحي إسطبلاً للخشخاش . كأن ثلجاً أزرق على مدخنة رئتي ، ومساءاتُ الفراق هي اللقاء الحميم بين كريات دمي المتحجر. في أحزان ديناصورات الشوارع تبول الكلابُ البوليسية . ورؤوسُ أصابعي أسلاكٌ شائكة على سور معتقَل الذكريات. كأنني الموز بين أصابع لاعبي التنس أثناء جنازة تاريخ الشمس .

هناك ، قرب أدغال الشموع شركسيةٌ تربط حصانها عند مفترق القلوب الكسيرة في شرايين الأرض . كأنني أمارس هوايتي في تجارة الأسلحة ، وأقضي وقت فراغي في صناعة القنابل النووية . هؤلاء الأطفال المذبوحون من وريد التاريخ حتى تاريخ الدماء يقضون العطلة الصيفية في حَفْر القبور .

يا أدغال الجسد المهشَّم ، خذي قسطاً من التعب في استراحة المحارب العائد من نكاح المتعة ، حيث الجواري الفارسيات يتم بيعهن في أصفهان . ويظل النخاسُ يضع عمامةً سوداء في السوق السوداء المخصَّصة للرقيق الأبيض . وأجسادُ سيدات المجتمع المخملي نزهةُ الموتى في دمي الشَّبح .

أكثر من هاويةٍ ، وأقل من مسدس مائي. ذلك شمع حياتي المعلَّقة على جذوع النخل كالمقاصل المستورَدة. منذ نعومة حبل مشنقتي وأنا أكرهكَ يا جسدي خارج حدود تجسيدي . منقوعةٌ أنا في الخطيئة كما بابلو إسكوبار منقوع في الكوكايين . ضائعةٌ أنا ، ورموشي أعمدةُ كهرباء ساقطة في رمال متحركة . لغة خدودي تقتل حقيقةَ عيوني، فأصير مَجَازاً فوضوياً لأبجدية كل هذه المنافي .

جدائلُ معدتي سجاجيد على أرض المطار، ولا مطارٌ في أجفانِ السبايا ولا زرقة شطآن . وَرَّثَتْني انكسارَ آبارِ مجزرتها أُمِّي ، وغابتْ في حضور الورد المعدَّل وراثياً . كوني شقيقةَ جنوني يا سجوني ، فأنا أولد لأعرف أن الموجَ الذي يضع في حُلقومي بيوضَه هو موتُ أخشاب المراكب المنسية على سواحل رَحِمِي. لم أضرب موعداً مع ماري أنطوانيت عند الباب الخلفي لصالة الرقص لأن حجارة السماء تضرب أحلامي . لا تسأليني أيتها الموؤدة لماذا تخزِّن النيازكُ في قاع قلبي رمالَ المحيطات الخضراء ؟ . كأن مذكرات القائد الرمز في أعياد انتحار الوطن الرمز حقيبةٌ للبجع المخدَّر .

عَلِّمْ هذه الأجساد المرمية في شوارع الإيدز تعاليمَ الديمقراطية وفق فلسفة سيلين ديون . ربما تتجرد دماءُ ياقوت الدروب من مراعي الكوليرا لأن وجوه الأطفال في بلادي تصير جنازير دبابات. ودمائي في محركات سيارات المرسيدس . واسمي شكل حزن أمي في مرافئ الوأد ومقاصلِ الشوكولاتة . عرشٌ يقتل مَلِكاً يصير حجراً على رقعة شطرنج بين تاجر المخدرات وتاجر السلاح لدعم الوحدة الوطنية .

أغنياتي تُحتضر، ترابٌ يقتل حبي الأول، ويتزوج احتضاري الثاني . كلما تجولت الحشراتُ في أزقة دماغي قطعتْ ضفائرَ البناتِ نيازكُ الجمجمة المفصولة عن جسد الغابة. أُعطي للحزن عمودي الفقري فأساً أشج به رأسَ الموج المتواطئ مع الرمال المتحركة لاغتصاب ذاكرة رموشي . مَلِكٌ يبحث عن عرشٍ يقتله .

يا عُشَّاقي القاتلين ، سأهديكم جثتي الوطنية في عيد ميلادي . أترك أظافري على الرصيف ليجتاحها الزلزالُ عندما يأتي ولا آتي من مسائي . أحطاباً تصير ضلوعي يا دمعاً بطعم الشوكولاتة السويسرية حينما تبكي فتياتُ زيوريخ في بدايات الخريف المر . وكلُّ سفن الصيد تعود إلى رصيف الميناء ، وجماجمُ أبناء الرماد على أرصفة شراييني فابحثْ عن أدغال السيليكون في أضرحة الذباب الرخامي ، ولا تساعدني حينما أسقط على رخام صالة الرقص .

البحارةُ يرقصون في زوارق الجرح ، وجرحي برتقالةٌ يقطفها العمال أثناء سقوطهم وهم يحفرون قناة السويس . والنوارسُ في لحمي تحفر قنواتِ ري الذكريات هي الممات . اترك الألغامَ البحرية في شرياني الأبهر . صاعدون يا شموع المنفى إلى منفى الشموع . وفِّروا الدموعَ لحين هجرة حدائق الصدى إلى استراحة البحَّارة الإغريق . وقلبي الحريقُ الطازجُ الظلامُ الناصعُ مسحوقُ الغسيلِ الأسودُ في مخازن الرقيق الأبيض . معدتي غواصةٌ تؤخذ قسراً إلى أسطول القيصر في نشيد الدماء .

في جهات الحِبر والضفدعُ جالسٌ على مكتبه في قاع المحيط ، أشرب مع أسماك القرش الشاي البارد كدموعي الساخنة . وفي أضرحة آبائي صرخاتُ القش الضائعة . وفي أوردة المطر نخاعي الشوكي، لكن حياتي شوكُ الجنون . وجسدي علبةُ سردين يفتحها البحرُ لضيوفه ، ثم يرميها على الشاطئ الخجول من عمال النظافة .

شيء غريبٌ أن حزني المصلوب على إشارات المرور في طوكيو أعلى من رؤوس العائلة الإمبراطورية الحاكمة على ذكريات ياسوناري كواباتا . أين خارطة عشق غرف الفنادق على بلاط محطة القطارات لأعتنق شكلَ الصابون المخصَّص لأمراء الحرب . اترك المكياجَ للنعاج . وجهِّز للمشنوقات طعامَ الغداء برفقة أزواجهن المصلوبين على علكة انتحار المعنى . على رأس المشنوق تبني محاكمُ التفتيش أسفارها المقدَّسة ، هكذا يصير جثماني جرساً يقرعُ أدمغةَ خيول الضباب .

ألتهمُ عشقي في مجازر قلبي . ويلتهم الوثنيون آلههتهم بعد أن يجوعوا . دفنتُ حبي الأول في قبري الثاني ، وألقيتُ التحية على كل العشاق الفاشلين العاطلين عن العمل. ورأيتُ نوعيةَ قماش أكفاني في زجاج المجرة . دائماً أصل إلى محطة القطارات متأخرة . لم أتدارس سِفْرَ الرؤيا مع كهنة المعبد في جبال الأورال . وطني يُغمى عليه يُجري له الرعدُ تنفساً اصطناعياً .

كنتُ طوال حياتي رومانسيةً ، لكن هذا العالم المجنون الذي صلبني على كل شطآن الإسكندرية صار يهوذا الإسخريوطي ، وعَلَّمَني أن أَلُفَّ حول رومانسية أعضائي حبالَ المشانق المحلية والمستورَدة . يا حصاناً خشبياً يقلي في رأس دودة القز كرياتِ دمي المطاطية . وطني علبة سجائر في جيب القرصان العاشق . وحكومتي عَرَقُ حشرة عرجاء تحط على جدائل امرأة مغتصَبة ابتلع خدودَها نيزكٌ قديم غامض .

يا مَوْجاً ينحت في عكازة حفار القبور عدساتٍ لاصقة لعيون الصراخ ، أنتَ مَلِكُ حبي، وأنا ملكة حطامي. دعنا نتزوج لنهب هذه الكوكب المتخلف أطفالَ الملل الجنسي وانتحارِ الرومانسية وفشلِ مشاريع الآلهة الكاذبين . لم أستفد من دولة سماسرة الوحدة الوطنية غير الذبحة الصدرية . يكون الجنونُ دولتي ، والاكتئاب عرشي الذي لا يُخلَع . ضائعةٌ في الوطن ، وضائعةٌ في المنفى . هكذا تصير متاهاتي دستوراً مُجْمَعاً عليه بين قبائل الصدى. وَحْدَه الضياع من سيدل النوارسَ على أزمتي القلبية . وَوَحْدَه الألم من يعمل دليلاً سياحياً في فيضانات الظهيرة .

رومانسيةُ الأعمى ، فالتقطْ لي صورةً وأنا أنتظر احتضاراتِ أحصنة النزيف في محطة القطارات الباردة. والمطرُ العنيف يشرب الشاي في خيوط معطفي الذي يرفع الرايةَ البيضاء مرغماً أمام زرقة دماء الأرستقراطيات . لم أتذكر في ساعة انكسار البحيرات سوى وجهكَ ونباتاتِ الطوفان . اكتشفتُ صليباً لا يؤمن به الكرادلة . شبقُ انتظار الحافلة يحرقها ركوبُ الحافلة .

مقبرةٌ لا نهائية . فيا وردةَ الفيضان ، امنحيني شرفَ البكاء تحت شموس الصنوبر. صارت ألوانُ الشوارع التي تبلعها صورُ الحاكمة مثل دم الحيض لأميرات القمامة . نساءٌ مصهوراتٌ في شهواتهن الجنسية ، وأوطانٌ يحكمها فخامة الشيطان المعظم . أيها الوطنُ القاتِلُ الحلمُ المقتولُ، ذَبحتَ نبضاتي، قَتلتَ ذكرياتي، ولم تترك لي سوى مواكب الأكاسرة اللصوص . حكومتي قَتلت الرومانسيةَ في عظامي الحبيسة . قتلتُ المعنى في كلمات عمودي الفقري فلم أعد غير دماري .

بشر كالأحذية تُبَدَّل على مقاس تجار المخدرات الذين يحكمون البلاد . ليست بلاداً ، هذه أضرحة شعوب الأغنام . وطنٌ لكل المرتزقة . فيا شعباً يتعاطى المخدرات السياسية على أجنحة الحشرات الإمبراطورية . يا وطنَ اللصوص ، شكراً لأنكَ قتلتَ أحلامي ، فَخَدِّر الضفادعَ بحقن الوحدة الوطنية في الوطن المخصَّص لبنات الإقطاعيين الذين يبيعون الأندلس ليشتروا ملابس داخلية للكلاب البوليسية .

ملكٌ محترمٌ خسر زوجته في القمار فباع الوطن لكي يسترجعها . في الدمار قطيعٌ من الإسطبلات الراكضة في ذكريات عاهرة خجولة. راقصةُ الباليه تلقي محاضرةً في الشرف على قرود الغابة . جنوني وسادتي . أنا وماما الفاتيكان نعاني من قصص الحب الفاشلة . يتيمتان في هذا المدى المدمَّر . كالخرافة التي تَسرق البشرَ وتُطْعِم القططَ الضالة . ناجحةٌ في الفشل ، فاشلة في الحب. تائهة في السياسة ، أنيقة على منصة الإعدام . قلقةٌ أمام خطيبي الذي لا يأتي ، واثقة من حطام روحي . جاهلةٌ أمام فلسفة زنزانتي ، مثقفةٌ أمام زوجة سَجَّاني .

في كوب يانسون حامض دولةُ الساسة المهرِّجين حيث بناتُ القياصرةِ لاعباتُ سيركٍ عاملاتُ نظافةٍ في معسكرات الغزاة . كُنْ تواريخَ عابرة على زنزانة الضحية في هذا الوطن الدُّمية . وطنُ الإسطبلات التي تدوسها النيازكُ . الرمالُ تحقِّق أحلامَها ، وأنا أقتل أحلامي . كلابُ الإمبراطور المحترفةُ في ذكريات العاهرات المبتدئات . أيها الوطن المحمول على ظهور الكلاب البوليسية ، أنا وأنتَ قضينا العمرَ أمام الحواجز الأمنية ننتظر الصدقات .

هذا الدمارُ اسم عمودي الفقري . لم ينبتْ في جوارب الغُزاة سوى السلاطين . كونوا أجملَ الضائعين في بلاد الطوفان . لم أتعرض للتحرش الجنسي في حافلات القلوب الكسيرة لأن شواهد قبور الزرنيخ تتحرش بي . وحينما يتزوج الفشلُ العاطفي الفشلَ السياسي ستجد نهاياتُ الخريف لونَ الكستناء الذبيحة في رموش عرائس الكنيسة الغريقة .

اذكرْ جِسْرَ الجثامين المعلَّقة نسراً مغموساً في كوب شاي لا يطعنه كسرى وقيصر في شوارع القمامة المصعوقة حيث كرادلة محاكم التفتيش يتجولون كالباعة المتجولين يبيعون صكوك الغفران في توابيت الضحايا. كنائسُ الضجر سِفْرُ رؤيا أعمى كما الأم تيريزا تعيش وتموت ضائعةً في أرشيف هذا الضياع الرخامي الأنيق .

أكفاني تقطع الإشارةَ حمراء . والحافلاتُ تمر من أمامي ، وأنا كالنار الثلجية في زُرقة الطاعون الصافي . أعطني عنوانَ حفرة المجاري التي سيرمي فيها البطيخُ نعوشَ جبهتي. قطةٌ عرجاء في عَرَقِها أمراضٌ تصبح إشاراتِ مرورٍ تمنع أسماكَ القِرش من الاتحاد مع ضجري . وَحْدَها دروب الطاعون تصير كوليرا الذكريات المدهشة كضابط مخابراتٍ اكتشف أن زوجته تخونه مع شرطي سَيْر بصق على إشارة المرور . هي الأرضُ كرة ثلجٍ تتدحرج على جبهة ضباب قديم ، وأنا كُنيةُ الإسفلت زوَّجني أبي للعارِ فأنجبتُ الخديعة وأنا الصريعة . كما يذهب الذهابُ إلى ذهاب ضوء عيوني ، فلا تتركني يا جنوني في المرفأ الخشن عمياء أتوكأ على عكازة الشاطئ ، فكيف سيعود الشاطئ إلى زوجته نهاية الأسبوع وفي يده بطيخةُ الرحيل ؟ .

24‏/08‏/2011

معركة القصيدة

معركة القصيدة
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 23/8/2011

إن التأثير العام للشِّعر باعتباره صانعاً للتاريخ الشامل سوف يتواصل على شكل متواليات تكاثرية تهدم الدلالاتِ الوهمية للعلاقات الاجتماعية ، وتبني الأفكارَ المركزية التي تصقل المنحى الفلسفي في الجسد القصائدي. وهكذا تتركز أهمية النَّص من خلال منظور ( الهدم / البناء ) الذي يعيد الحيويةَ والحراك الاجتماعي لعوالم القصيدة ، وينقل الفردَ من حالة الفراغ إلى ماهية الإبداع . مما يؤسس لحالات ولادة مستمرة ومتشظية في أوصال المجتمع الكلماتي والإنساني . فالمجتمعُ الثقافي لا توجد فيه حالات عُقم نهائياً .

والولادات المستمرة في النص تعيد تعريفَ الزمان والمكان ، والألفاظِ والمعاني ، وطبيعةِ البنى الفَوْقية والتحتية في الذات الأبجدية. لذلك نجد أن القصيدة تخترع مجتمعها الخاص بها ، وتبتكر أبجديتها الذاتية التي يتم تعميمها في أنساق المجتمع البشري . وكل هذه العوامل تؤسس وعياً متحركاً في البنى الإنسانية والمجتمعية ، وتمنع تحولَ الجماعات البشرية إلى كيانات مغلقة وجُزر معزولة . ومن خلال هذا المنظور ندرك سبب حيوية المجتمع المثقَّف ، واستحالة تحوله إلى جثة هامدة . إذ إن ثوريةَ القصيدة تقود _ بالضرورة _ إلى تثوير المجتمع وحراسته من الجمود . فالجمودُ هو المسمارُ الأول في نعش المجتمع ، ومقبرةُ الحضارات .

ولا تقف أهمية النص الشعري عند تحريك الماء الراكد أو إجراء تنفس اصطناعي للجماعة البشرية . بل تتعدى ذلك إلى تحريك المستويات العاطفية للإنسان من أجل نقل المجتمع من هوس اللامبالاة إلى قلب الأحداث، والتعاملِ مع العناصر المحيطة بالذات الإنسانية دون خوف أو أفكار مسبقة ( حواجز نفسية ). فالإنسانُ الخائف هو كائن مشلول لا يقدر على صناعة الإبداع ، ومن هنا تصبح الكتابة ضد الخوف إحدى أركان القصيدة في معركتها الوجودية لتحرير الجزء والكل في الإطار الاجتماعي. وكما أن القصيدة تحرر المجتمعَ من الخوف ، فهي أيضاً تتحرر من القيود التي تفرضها السُّلطات الأبوية التي تعطي لنفسها حق الوصاية على الأفكار والناس . وبِقَدَر ما تؤثر الكتابة الشعرية في مجتمعها الإنساني بقَدَر ما تتأثر بالعناصر الإنسانية . وبالتالي فليس غريباً أن تصبح القصيدة كائناً حياً ذا لحم ودم .

واعتماداً على النزعة القصائدية المتمردة التي تسعى للصدام المباشِر مع أوهام الفرد وأمراضِ المجتمع ، يتم تأسيس الفكر الشِّعري الحقيقي الذي يخفف العبءَ عن كاهل الإنسان ، ولا يصبح عبئاً جديداً . فالفكرُ الشعري الحي والحر حربٌ مستمرة ضد العدم والفراغ . ومن خلال هذا البُعد الفلسفي العميق تتضح هوية الشِّعر باعتباره صراعاً من أجل الإنسان . وأدواتُ هذا الصراع هم البشر أنفسهم. فلا مفر من المواجهة الشاملة مع مشاريع تدجين الجماعة البشرية ، وإعلانِ الحرب على الخرافة نسقاً وفكراً ومرجعية .

23‏/08‏/2011

ذكريات عالمة فيزياء شابة ( 1 _ 5 )

ذكريات عالمة فيزياء شابة ( 1 _ 5 )
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

أنا الآنسة غير المنطقية العائشة في الكوارث المنطقية . وَحْدَها خيول جارنا المشلول من نجحت في الحب في هذا الجنون الرومانسي الهذيانِ الإمبراطوري . مذبحتي هي الحب الأول في حياتي يوم كانت لدي حياةٌ. ثائرةٌ أنا على جنونِ الشوارعِ المهووسة حتى انفصال الرأس عن الجسد .

سامحني يا عماد الفايد ، لا أقدر أن أُبدِّل عشاقي كالجوارب الشتائية لأعزز مسيرة الديمقراطية في الصداقات الرجالية. سامحيني يا أنجلينا جولي، لا أقدر أن أظهر عاريةً في أفلامي لأدعم حقوقَ المرأة . سامحني يا رئيس الجمهورية الذي يسرق الجمهورية، لا أقدر أن أصنع من جثامين الشعب كحلاً لأجفاني كما تفعل زوجتكَ الرقيقة . سامحيني أيتها الأميرة المطلَّقة ، لا أقدر أن أثق بزوجكِ الذي امتص رحيقكِ ثم بصقكِ في الشارع الأبيض لأن أهلكِ باعوكِ في السوق السوداء .

يزرعون الشعيرَ على كوكب عطارد ويستوردون القمحَ من الشيطان . اسْتَوْرِدوا الملحَ من دموعي ، واتركوا التطهير العِرقي لحديقةِ أوردتي . أنا حُبلى بالملل عاريةً من رايات قبائل بَيْعة الخليفة غير الشرعي . يذهب الرجال مع نسائهم ، وأذهب مع وسواسي القهري .

شجراتُ حديقتي طابورٌ خامس. وحواسي الخمس طابورٌ سادس . وهذا الأسمنتُ الذي يبتسم لي يسرقني . هذه الطريق التي تضحك في وجهي تخونُ وجهي. لم يعد في مرايا ضريحي سوى بساتين الخيانة . وسريري دائرةُ الخديعة في عروق الدجاج المسروق من حكومة الانقلابات العسكرية . كل بنات القياصرة يتكاثرن كالجوارب المخدوشة . يا ألقاب الفجر ، كل الليالي تمر دمعاً من قصدير إلا ظلمات عمودي الفقري تمر تفاحاً معتنِقاً البطيخ .

النشيد الوطني للبغايا . تقمَّص لصوصَ الإسطبلات وجهُ الدمار في شرايين موانئ الوقود . كيف نعود يا أمي إلى مدنٍ تقتلُ وجهَها ؟ . للصمتِ حُفرُ الدموع عصافيرُ الوداع المنهوبة في بلادي المنهوبة . كلما أعطيتُ للإعصار صدري شَربتْ رحيقَ مقصلتي نجماتُ الجرح . وترابي جروحٌ ملوكٌ خونةٌ . كأن العبيد موزَّعون بين دورات المياه وحبالِ الغسيل على سطوح القطارات البخارية . لم تزرني يا أبي في حُفرتي حينما وَأَدْتَني . ومن فرط ما أحببتُ وأحاطني اكتئاب الحقول بالحب لم أعد أشعر بالحب .

النبلاءُ المرابون ، والآلهةُ العابثة ، وقبيلةُ الجرح ، وانكسارُ أجنحة الفراشات . وأدركتُ جنوني واضحاً كتمساح يتيم على شفرات الماريجوانا. أثق بفئران الحقول كما يثق رئيس الجمهورية بمدير مخابرات دولة الحيتان السوداء . وَحْدَها قضبان زنزانتي هي التي تَلمع في مجدي حيث يصير لحدي . وأملاح عَرَقي تحرق جِلديَ المشقَّق. لأني أحب حياتي أرفضُ حياتي . توغلتُ في الرومانسية فقرفتُ من الرومانسية فكفرتُ بالرومانسية .

مساءُ الخير يا سَجَّاني . أيها الإمبراطور الذليل ، وقِّع على وثيقة الاستسلام ، ولا تتذكر صراخ اليابانيات المغتصَبات في القواعد الأمريكية . النقطةُ الحرجة في الذكريات أن تدخلَ الزنزانةَ الانفرادية بمعنوياتٍ تشبه معنويات ماري أنطوانيت حينما تدخل صالةَ الرقص ، وفجأةً تنكسر عندما تتذكر الشركسيةَ التي أَحْبَبْتَهَا .

وَحْدَكَ يا اسمي من ستحفر في حناجر الحمَام الزاجل ألوانَ الوحل المتساقط من أطراف ثوب الحاكمة. لو كنتُ صديقة جنيفر لوبيز لدافعت عني أكثر من قضاة محاكم التفتيش المرتشين . وكل المحاكم في وطني محاكم تفتيش . كيف أعيش ؟ . بلا جنسيةٍ دماءُ حذائي . لا وطنٌ ولا مواطنٌ . لستُ متشائمةً ، لكن التفاؤل عندي يبدأ من دمي الذي يفور في حُفر المجاري .

إن الحياةَ في بلادي كابوسٌ أخاف أن أستيقظ منه لئلا أدخل في كابوس آخر أكثر شراسة . اقتصادٌ مزدهرٌ مبني على أثداء الراقصات في الملاهي النهارية . موادُ الدستور متغيرة حسب مزاج عشيقات الخليفة . تحويل مجرى أنهار الإبادة حسب بوصلة دم الحيض للملكة العاقر . شرف المحارِبين القدامى المبني على تجارة المخدرات . تعزيز الانتماء الوطني عبر تعميق سرقة المواطن الذي لا يعرف أنه مواطن . تجذير الوحدة الوطنية بواسطة التمييز العنصري والظلم الطبقي. إنتاج الأغاني الوطنية المؤثرة لنسيان سرقة الوطن في فضاءات الفصول الأربعة .

سأنتخبُ الغباءَ السياسي رئيساً لجمهورية الفوضى ، فلا فرقَ بين فوضى وفوضى ، بين خمارة وخمارة ، بين زعيمٍ لص ولص زعيم . وَحْدَه الضياع الذي يتكرر في موت الشعب وأقنعةِ الحاكمين اللصوص على الجماجم المتفائلة .

أحزنُ على تلك الدُّمية لأنها قضت حياتها ممسحةً لحذاء زوجها . فقراتُ ظهري مخزن بارود . نشروا في تضاريس معدتي المقاصلَ كحبال الغسيل التي ينصبها المستنقعُ على ظهر الوطواط الأطرش . للزبد لمعان الموقدة . أضاء شموعَ الرعد ضبابُ أمسيات الرأس المفصولة عن الجسد . لا أحد سَيُحْضِرُ لَكَ جماجمَ التفاحات أثناء الاستجمام في الزنزانة الانفرادية ، لكن الدُّود ينفرد بوجهكَ الذاوي . كل أناشيد الإبادة قوسٌ يعتنق الرماحَ ، ولا رماحٌ حول وجنة البرقوق ولا حروقٌ . حطباً من الذَّهب المطلي بالجثامين كانت فضةُ انكسار المعنى في بساتين الأرق . أين قلقُ الحجارة ؟ . أُعَلِّمه أن لا يقلق على العائدين في قطارات الريح الصفراء. جسورٌ من رياح الخماسين تجلس عليها النساءُ الخارجات من مواعيد أعراس الحيض. أنتَ دماء الشفق السارية كالخيولِ في فوهة مسدس البحيرة ، تحمي احتضارَ التراب بتراب الاحتضار . كلما تزوجني الصخبُ طلقني الضجرُ . فكيف أعود إلى وقود لا يشتعل إلا على لوحات حيطان قفصي الصدري ؟!. خُذْ مفتاحَ باب الجرح ، ولا تتذكر الشلالاتِ الواقفة في طوابير الخبز أمام خمارة حكومة الوحدة الوطنية . كن عصيراً من ذكريات الديناصورات الداخلة في الانقراض ، الخارجةِ من الإضراب في محطات القطارات. الأناشيدُ تحمل في نزيف اسمي حافلاتِ الصدى، حيث يغدو الصوتُ شكلاً لفراشة عجوز غير مرغوب فيها في مكاتب المجزرة . وما الأرق في شرايين تلال الوطن المحتل إلا راعي غنمٍ يغتصب النعاجَ .

جمهورية الإسطبلات الإمبراطورية . ودولةُ الجرحِ إسطبلٌ . والإسطبلُ دولةٌ في أقاصي نزيف النباتات . أيها القائد الفاتح ، خذ خواتم خنازير الملل ، واستثمرها في تجارة المخدرات .خذ مركباتِ نقل جنوني إلى سجوني لزيادة الدخل القومي لشعبٍ يغرق . والرُّبانُ مشغول في حساب جدائل عشيقاته . من موتِ الأمواج تأتي أرثوذكسيةٌ تسبح إلى جانب سمكة قِرش كتفاً بكتف . والجنون ينام على أجنحتي ، فلا أطير نحو الطعنة العاشقة التي أفتقدها بكل شراسة .

كلابُ الحراسة ، والمعنى المتآكل كدودة القَز سيفٌ منقوع في عتمة الإبط المشقَّق . زواجُ عاطفي لابن تاجر المخدرات في مستودعات الميناء . أحجارُ صدور البحارة فأتعلم سباحةَ الفراشة على جناح بعوضة . دودةُ ظلال خاتم النسيان على خاصرة التقيؤ . لم أرحل عن دروبي الحبيسة يا صديقة المخبرِين ، فأنا أنتخب جارتنا الأرملة مديرةً للمخابرات لتعزيز حقوق المرأة . باعوا الوطن في السوق السوداء ، وأنشدوا أغاني الوحدة الوطنية على المسارح البيضاء .

لم أتدارس الفيزياء مع عشيقات آينشتاين . تركتُ دفاترَ الأعاصير على مكتب الفيضان ، واعتنقتُ كيمياء انكساري . كأني قد فصَّلتُ قُضبانَ سجني على مقاس جلادي كما يُفَصِّلُ خَيَّاطُ ملكة الغباء السياسي فساتينَ السهرة على مقاس الشحاذين الواقفين كرايات القبائل قرب إشارات المرور. وجدتُ قلبي على قارعة الطريق مرمياً تحت بساطير العسس ، وكانت عرباتُ العشب تنقل المحكومين بالإعدام إلى ضباب جبال الأنديز . وفي صباح المساء غسلتُ قلبي بالزرنيخ لكن زمن موت الحب تفجر من قضبان صدري . هل سيجد المخبِرون الرومانسيون الوقتَ لكي يمشوا في جنازة أدغال بؤبؤ عيني اليمنى . لم أعد أرى سواكَ ، يا قاتلي المتوحش الذي يكتب على قش تواريخ الإبادة دستوراً من الأسلاك الشائكة وأحلامِ المنسيين في شظايا الخوخ الملوَّث باليورانيوم الراكض إلى التخصيب على جسد غابةٍ عاقر .

عندما تتكاثر الملاهي الليلية لتعزيز الوحدة الوطنية ، أرهن عمودي الفقري عند الفيضان ، وأتبرع بأظافري لجمعية المحارِبين القدامى الذين قادوا المعارك في غرف نومهم . أتوكَّأ على عكازة أبي، وأصعد إلى منصة الإعدام واثقةً أن دولتي لن تدافع عني . وعكازتي تتكئ عليها الأنهارُ العرجاء . سألفُّ على جسدي كلَّ غابات النحاس ، فإذا قُتِلْتُ لن تظهر عَوْرتي . لم أنم يوم الأحد لأن دماءَ الراهبات تقرع أجراسَ الخريف . شركسياتٌ يمشين في جنازة قمرٍ غامض ، وأمازيغياتٌ يُطْعِمْنَ في طنجة أشلاءَ القرميد لطيور البحر ، ونساءُ موسكو ينتظرن أزواجهن البحَّارة الذين لن يخرجوا من الغواصات النووية .

سأقوم بتصفياتٍ جسديةٍ ضد لعابي لأزيد الدخلَ القومي لأسماك القِرش . مُهَرِّجو البلاط ، وجواري الخليفة ، وصالةُ الرقص المندمجة مع برلمان الإبادة. ودِّعي رموشي يا أنا ، واتركي زيتونةَ الرحيل عند السَّحر ، فأنا بائعة متجولة في طرقات كبدي ، مسافرةٌ على جناح بغلتي العرجاء المحمولة على حوافر الحمَام الزاجل . بوصلةٌ لعَرَق القُرصان نخلاتُ الوداع في مدن الأوجاع .

للوجع سراجُ نهاية الخريف . انتظرني يا صيفاً يزرع الأحجارَ الكريمة في الرمال اللئيمة . من الجسدُ المرمي تحت بساطير الأدغال الماشية في بلعوم حصاني ؟ . غاب مكاني عن زماني . فليذكرني الغرباءُ المارون في سَهر الكستناء . لم يأت وطني على شفرات سيوف حبال الغسيل ، لأن الخبز صار ذاكرة الغزاة . أناشيدي يرددها الآخرون في أديرة الطعنة . فلا سيفٌ حول خاصرتي يمزق غددَ الحوت الأزرق، ولا مذبحةٌ حول خيمتي تغني في آخر الليل السحيق كالعقيق. أوردتي الحريقُ. ناصبةً أشلائي في الرمال المتحركة على الكراسي المتحركة . ما لون قميص السجان الواضح كنوعية أثاث المنفى الاختياري في دماري ؟ . جثةٌ تتناول طعامَ الغداء مع كفنها في مطعم المذبحة .

إن العشق وردةُ الفقراء المخنوقة . نورسٌ يضرب في الوحل جذورَه ، ويغيب عند فجر حافلات التطهير العِرقي . أيها الصاعدون إلى تلال المجزرة واثقين من عودة طيور البحر إلى النهر ، خذوا علبةَ مكياجي شاهدةً على موت خارطة جلود الصقور المزروعة في البقع النفطية . لا بغداد سوى دمشق . والأمويون والعباسيون لن يذهبوا إلى مؤتمر السلام . وأعضائي تتساقط أمام بابِ الأحلام . إن أجراسَ الكنيسةِ موتُ النشيد . بلدٌ يدس لعلمائه السمَّ ، ويتخصص في علاج الراقصات . وعلى سطوح الموج الأخضر أزرع سنابلَ حنجرة النسر . إنني أطير في شتاءات المنسيِّين على أبواب جُباة الضرائب . فما اسمي غير لحمي المحروق على الصليب . بائع تذاكر الحافلات في قاع المحيط. والمجرات تعتنق موتها . إن الفراعنةَ آلهةُ المراحيض المصنوعة من انتحارات الشعوب .

22‏/08‏/2011

رسالة النهر إلى أرملته الشابة

رسالة النهر إلى أرملته الشابة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

جوارحي متقاعدة . كُلُّ عضوٍ في جسدي زنزانتي ضريحي لا يقوم بأي وظيفة سوى التجسس عليَّ . أتناول مع جثتي عَشاءً على ضوء الشموع ، حتى الشموع أخذوها . غامضةٌ أنا كمشاعر ضابط مخابراتٍ متقاعد . لكني أرى جثثَ المغتصَبات في حُفر المجاري . حبلُ الغسيل هو حبلُ مشنقتي . تعرفني طيورُ البحر في بكاء الصحاري . وتوابيتُ الحساسين تغسل بلاطَ سوق النخاسة.

وطني كالبطيخة يتقاسمها قطاعُ الطرق وسماسرةُ الديمقراطية فأصير سائقةَ شاحنةٍ في منحدرات طحالي. أيتها البغايا المثقفات اللواتي يطالعن روايات فوكنر في وقت الاستراحة . والشبابُ يذهبون إلى الحرب ليظل القادةُ الفاتحون الأصنامُ الحاكِمةُ لصوصُ الوحدةِ الوطنيةِ يتغزَّلون بالجواري . وفي دمي أكواخ للرجال المتوحِّشين . وفي نزيفي ممالك النساء المتوحِّشات . كأن الخيانة أضاءت شموعَ السُّل في قلاع البكاء .

أضعتُ الحبَّ العنيفَ فصرتُ العنفَ بلا حُب . فشكراً للرِّجال الذين يلبسون نساءهم كالملابس الداخلية المهترئة . يا حفاري القبور المتخصصين في دفن الأباطرة، لستُ ابنَ القَيْصر . لكنَّ اليخوت الراسية في سان بطرسبرغ تُقلِّم جفوني ، فأظل أعمى في لمعان أظافر أسماك القِرش لأن الحب أعمى.تزلجتُ على رمال البحر المتوسط لكن البراكين تتوسَّط أمعائي.

كلُّ ما فِيَّ يبكي ، حتى جواربي البيضاء تصب دموعَها في علب البيرة الأجنبية . كلما قَتَلْتَني يا وطني أكثر أحببتُكَ أكثر . أيها الناسُ سامحوني لأن عمودي الفقري يمتطي خيولَ العارِ رغماً عن أنف الشاطئ. بلادي التي كانت جميلةً صارت مزرعةً للإقطاعيين وبناتِ الأباطرة .

كلُّ الأسماك الميتة تشاركني فرحة عيد احتضاري . الطريق إلى خنادق الكنيسة مرصوفة بقضاة محاكم التفتيش . كيف أمرُّ إلى انتحاري يا من تحمل الماجستير في رومانسية الضجر ، وتُعطي أصدقاءكَ هواتف البجعات المشرَّدة ؟! .

أعزف موسيقى رفات أزمنة العشبِ ، وأرقص مع نفسي على الخشبة الجارحة . في مساءات الجسد أشباحُ العشبة الطازجة ، فَعِشْ لكي تعرف موتَ السنديان في أجفان امرأةٍ تنظر إلى دموع زوجها . هناك ، في زاوية الكوخ ، والمدخنةُ ثلجُ الرعد جسدي المقطَّر كألعاب الأطفال . كأن ريقي زجاجاتُ عصير للصبايا المستعدات لاقتحام سوق النخاسة .

هذا الدم فراشتان . أيها الصاعدون إلى خطوات النسور الذبيحة على قمصان النوم الشفافة ، لمن جسدُ الإسفلت يمشي في رئة ذبابة ؟ . إنني مناديل الوداع في محطة القطارات. تركتُ ظلالَ الصقور قرب أجنحة الغابات، وطرتُ أعلى من صراصير حُجرة النسيان أعلى من الدم المعلَّب كالسردين المستورَد .

كلُّهم تركوني يا أُمِّي في صرخة الثقوب الجِلدية . وطبيبُ العيون يَنْصب في ذاكرة رموشي خِيامَ العَمى . يا جدار الآلام ، مُدَّ يَدَ المساعدة للنهر المشلول . زنازينَ البنفسج ، قولي ما اسم قاتلي ليرحل من أرق الصمغ في دماغي رجالُ الاستخبارات العسكرية . كأن رأسي حجر النرد واللاعب يُحتضر . سأقول للنزيف تفاصيلَ بطاقتي الشخصية ، فلا تتدخل يا اسمي في شؤوني الشخصية . للنهار بنكرياس العُروش . ومياهُ كبدي خمرٌ يخمش نخاعَ الشوكولاتة .

اقتليني يا زوجتي لكي تَرِثِي عرشَ انتحاري . يقتلونَ الشعبَ الأبكم ويمشون في جنازته المنتعشة . هذا احتضارُ خشب السفن المحطَّمة ، حيث لصوص الميناء هم حاشية الخليفة. وطنٌ يصير سلاسلَ ذهبية في أعناق قطيع غنمٍ ، حيث الإمبراطورة في المرحاض تفكِّر في لمعان بلاط صالة الرقص .

أيها السلاطين الذين قادوا المعاركَ الإستراتيجية في غرف النوم، ويحملون أوسمةَ أغشية البكارة للجواري المستحمَّات بكاميرات التلفاز الحكومي . لماذا الرصيف يركض إلى أحضان الشجرة ؟. إننا الوهمُ الأسطوري ، فاعبر دماءَ بنات الطوفان لِيُرَكِّزَ الفُرْس في نكاح المتعة . فارسٌ يغرق في كوب اليانسون ، فلتمتْ أظافرُه مثل حكومة دم الحيض . أفترش الخناجرَ وأحتضن وقودَ سياراتِ المرسيدس . أيها الوسواسُ القَهْري ، يا قاتلي المأجور ، خُذْ أثاثَ الدار ، واتركْ لي جمجمةَ أبي .

احتراقاتُ الظلال فينا كي نرى فَكُوني مساءً للياسمين ، حيث بيروت ترمي أبناءها في البحر ، وتسأل بحيرةُ فكتوريا عن مصيرهم . أين أنتَ ذاهبٌ يا حزني ؟ ، فالطرقات سيوفٌ على خاصرة الليلك . جيوشُ العتمة المعسكِرة في بُلعومي وردةٌ تَذوي . فالخشب سفينة أطيافي . يا أنا ، كن أنتَ . أنثى تُباع لمن يدفع أكثر على قارعة الجنون ، فلا تقلقْ من أشكال نزيف الشعوب الغاطسة في موت الأزمنة، فالوطن كله يباع على عربات الفواكه . هكذا يستخدم ممثلو هوليود المواصلاتِ العامة ليرفعوا معنوياتِ بناتِ الشوارع الخلفية كما تذهب الملكاتُ إلى دورات المياه العامة. تاريخي مُعَدَّلٌ وراثياً . لم أعد أثق بكريات دمي ، فصرتُ ألعب كرة القدم في حارات دماغي . وضعتُ عقاربَ الساعة في حديقة الحيوانات . ومن أعماق القُمامة لا بد أن يُولَد عِطرٌ غامض .

إمبراطورٌ شجاعٌ يسرق الشعبَ في وضح النهار، ويضع أرصدته في سويسرا في وضح النهار ، ويضاجع عشيقاته في وضح النهار حتى في فترة الحيض . فقدتُ ثقتي في جواربي فشنقتُ حذائي بلا محاكمة . أنا سعيدة أنني لم أتسبب بقدوم أطفال إلى هذا الكوكب المتخلف . لم أصاحب اليونانياتِ في الإسكندرية لأن النيل كان يمص دمي الحجري كإشارات المرور في المجزرة . حُبِّي خطأ إستراتيجي ، لكن بلادي خطأ إستراتيجي. الحلمُ مصلوبٌ لكنه يظل أعلى. لم أقطف تفاحَ المجرات ولم أخطب امرأةً من زوجها .

هذي بلادي التي تحترم حقوقَ المرأة : (( شعبٌ يصير فئران تجارب . الحل أن تهرب من الحل. تراخيصُ للبغايا المتبدئات ذوات الخبرة المحدودة . جثثُ الفقيرات ملتصقة بأظافر الآلهة المخلوعين . يصيرُ ضريحي موقفَ سياراتٍ للأرستقراطيات . نسوةٌ مسحوقاتٌ خلف الستائر المعدنية وأبراجِ الرماد . راياتُ أمريكا السائرةِ على خطى ثمود . طفلةٌ ترضع من رفاتِ التماسيح الوطنية . أنثى عمياء يقضم تنورتها حُفرُ المجاري وشوارعُ النفايات النووية )) .

عروشٌ من الجماجم النيئة . وأجسادُ البشر تصير نعالاً لرجال البوليس السياسي . هل يقدر الشاطئُ أن يحتفظ بالعلكة في فمه أثناء سَيْره إلى المجزرة ؟ . هل تقدر المرأةُ أن تمارس الجنسَ مع جثة زوجها البحَّار ؟ . أخشى أن الأميرات لا يعرفنَ فنونَ الطبخ عندما يعملنَ في مطبخ بيتنا خادماتٍ . لستُ متزوجة لكن حياتي الزوجية مستقرة كصخرة في قيعان جناح ذبابة . أظل عاريةً رغم أني أَسْجِنُ دودةَ القَز في صدى مقصلتي الحريرية . ذهبت الزوجاتُ الخائنات فجاءت العاهرات المحترِفات . الجثثُ الاصطناعية في الشوارع النحاسية ، وجرذانُ الدماغ ترقص لأن خَفَرَ السواحل تزوَّجوا راقصاتِ الباليه .

قطارٌ يحمل جثامينَ الفراشاتِ فتصير أُذني مكبَّاً للنفايات النووية . هكذا يمرُّ احتضارُ أسماك القِرش على جدائل بناتِ روما . تقول لي إن ماريا شارابوفا تضع صليباً جديداً على صليبها الجديد، فأقول إن أنَّا كارنينا رسمت الصليبَ على صدرها المهشَّم، وأسلمتْ نفسها لسكة الحديد . لم يعد الصليب سوى انتحار الفاتنات . كأن شَعْري أخاديد من نخاع مضيق جبل طارق إلى بنات أصفهان وهنَّ يصرخنَ في سراديب نكاح المتعة .

أيها الناسُ ، إنني أنتحر في قلب موتِ الخيول البرية . ارحميني يا نقابة المومسات ، ارحميني يا أقسام الحوامل خارج نطاق الزَّوجية في المدارس الثانوية . ارحميني أيتها الحكومةُ المصابة بعمى الألوان التي تمتص دماءَ الشعوب المسحوقة في حلبات مصارعة الثيران . كلُّ احتضاراتِ الإناث هي عيوني . ماذا فعلتُ بحقِّكَ يا كلب الجيران ؟ . إنك تأكل اللحم أكثر من هذا الشعب المتسول في بلاط لصوص البلاد .

يا كنائس محاكم التفتيش ، لماذا تأخذين لمعانَ عيون البَط زجاجاً لغرفة الاعتراف ؟! . لم أكن مع جون لينون وهو يتعاطى المخدَّرات . لكن بابلو إسكوبار يشمُّ جواربَه في طريقه إلى وحل الحكومات السارقة . أيتها الحكومة التي تأمر الشبابَ أن يتعاطوا الكوكايين من أجل زيادة الدخل القومي لبنات القياصرة ، ماذا سأفعل في بلاط كسرى ؟ . هل أُقدِّم نصائح جنسية مجانية للمُقْبِلين على نكاح المتعة ؟ . هذا الموتُ مَوْتي إلا أن جماجمَ عائلة الموج رؤوسُ مانعاتِ الصواعق على أجراس كنائس القرون الوسطى .

ضفدعٌ مشنوقٌ في علبة سردين . يُخيَّل إلي أني أعيش في الملهى الليلي ، مع أن وطني ضريحٌ وليس ملهى ليلياً . عشقتُ تفاحةً تصير برتقالةً تصبح غابةً من الفضة لا يلمسها أمراءُ الحرب . إن ممرضتي تُنقِّي دمي من المبيدات الحشرية وتحقنني بالسيانيد . الهزيمةُ تسير في التيه كصاحب خمارةٍ في أقسام الدوائر الحكومية يطلب تصريحاً لبيت دعارة . أنا متأكدة أن رابعة العدوية لم تحلم بالملكة فكتوريا أثناء طريقها إلى صلاة العِشاء . أقضي في غرفة التعذيب آخر شهرِ عسلٍ لي رغم أني لا أملك عُمراً لأعيشه .

اتَّهَموا مشاعري بالإرهاب العاطفي ، لذلك جَفَّفوا منابعَ تمويل قلبي الممزَّق . أنا رومانسيةٌ وأعيش في قبر كليوبترا . سنبلةٌ زُفَّت في مأتمها . أُعلِّق براويزَ آبائي المقتولين على عربات قطار الضائعين . وأسمحُ للزبد أن يُعَلِّقَني على الوهم . ضائعةٌ في أدغال الكريستال المر . أخاف أن أَصِلَ إلى بيتي . أحبُّ المشي وأكرهُ الوصولَ . وفوق تلك التلة الفضية أبني ملحمةَ ضجري . متى أيتها الجارية سَتُحَدِّقين في عيون سيدتكِ ؟ .

سماسرةُ معاهدات السلام . نزيفُ الأمواج يدقُّ معدةَ روما الأمَة . ورُوما صقيعُ احتضاراتِ أدغال العمود الفقري. يأخذون مصفاةَ كبدي لتقطير الويسكي في عيد الملكاتِ الفاشلات . هكذا صارت عدساتي اللاصقة سائلَ تنظيف ليخوت القياصرة الراسية في معدتي . أُسابِقُ قضبانَ زنزانتي إليكَ يا عِشقي القاتل . جبهتي المقتولة في غموض أناشيد القمح . كُنْ مجزرةً بطَعْم النَّعنع لأتذكر الفِيَلةَ النائمة على مدخنة كوخي في أرياف الإبادة .

أغرق في المشي بين أشجار الجثامين غير الطاهرة ، وأخاف أن تصل شراييني إلى البئر . حَفْلُ زِفاف بنات آوى في كنيسة لِلْبِيض ترفض الزنوجَ . أجراسُ الأحد شهادةُ وفاة الحلم. صرتُ أشكُّ في حروف اسمي ، في لون طلاء أظافري ، في ألمنيوم الشبابيك ، في زخرفة السجاجيد المنتشرة كخشبات المذبح .

عندما تتحولُ أنثى المكان المنطفئ من رِجْل طاولةٍ في بيت والدها إلى قطعة أثاث في بيت زوجها ، أفقد سيطرتي على القطط الضالة ، وأصير أنا القطة الضالة في ممالك حفر المجاري المفتوحة من شريان مدريد إلى شريان شنغهاي . هكذا تصير أجسادُ الإوز على بلاط متحف اللوفر علكةً مُهيِّجة جِنْسياً. كأن رَجلاً يبصق على زوجته لكنه يحبُّها كدمية ملوَّنة في جَيْب سُترته أمام عدسات المصوِّرين .

يا أيها الجسدُ النحيلُ الموزَّع على صابون مراحيض الفنادق ، صار حبلُ مشنقتي أوتارَ البيانو، حيث يغدو الجسدُ الأنثوي الغض قيثارةً للغرباء يعزف عليها الظربان . راحلون عندما يتزوج إسفلتُ الموانئ راياتِ الضوء القرمزي . في دفاتر الجرح يصعد قلبُ بنفسجةٍ كأمسيات الذكريات القاتلة. في وجهي ممالك الشطآن المحروقة قلادةً على الصدر المكسور .

والليلُ صباحُ الخير في ذاكرة القش . لم يكن لخريفِ شراييني ضوءُ الحطب . اركضي إلي أيتها المدخنة فأنتظر قدوم اسمي . أتوا كأبجدية المروحيات على شوارع أجساد الفقيرات . كُنْ مشيئةَ النزيف لأدرك حدودَ حليب الزبرجد . في خدودي انسحابُ الخرائط الناعمة في الوجوه الخشنة .

أُمَّاه تبكين على عنوسة الفضة . فلا تقلقي من غياب الفلفل الحار في مطبخ الفيضان . فالظل ظلالُ ما ليس له ظِل . إنني أرى ما لا يراه الضبابُ البنفسجي في عروق زيتونة تُشنَق صقراً . أنساك أيها القتلُ الشهي كالدستور المنقوع في حُنجرة الشجرة الوحيدة ولا أنسى بكاءَ أُمِّي حينما وَأَدَني أبي في بئر الكهرمان . لماذا دماءُ إشارات المرور برتقالِيٌّ يا سيدة المذابح المتكررة كالأظافر الصناعية ؟ .

النيازكُ سنبلةُ النار . فلتحترقْ برلين بسعال بناتها . أتذكر عَرَقي خارج استحمام البحيرات بالشوكولاتة الأجنبية . إن حقلي احتضار صيَّادي دموع المراهِقات . أدركتُ خيولَ الأسمنت المسلَّح فصرتُ حصاناً خشبياً يا قلقي المستبد . أعزفُ على حبال الغسيل سمفونيةَ صابون جنود الإبادة . فاعترفْ في غرفة التحقيق برسائل الموج يا نهراً يَدخل في عَظمي ولا يَخرج . فابدأْ نَقِيَّاً يا رفاتي المكهرَب كالأسلاك الشائكة . فتاةٌ يهودية أصغرُ من خَاتِم القُرصان وأكبرُ من أكذوبة الهولوكوست .

أيها الشاطئُ المتقاعد ، اقْضِ شهرَ العسل في قميص السيول، وفَتِّشْ في المرأة عن كل الأشجار سوى الجنس . يجيئون والليلكُ اسمُ أدغال النحيبِ. كالوطن النائم على جناح تمساحٍ يطير شَوْكاً. كونوا مطراً يقضم فقراتِ ظهر الحزن لأتحرر من خصلات جفوني . لا عمودي الفقري شاحناتُ نقل الأفيون ولا رموشي إسطبلٌ لغرف الفنادق . لم تأتِ ظلالي لكي أنسى ملامح حفار قبري . وأنا قبري يوم يتكاثر اللوزُ كالمسدَّسات المائية في عيد انفصال وجهي عن دولة جراحاتي . مَن أنا لتزورني الحمَّى وهي خجولة ؟! .

كأن شهوات النباتات السامة فيلٌ يخبط في اكتئابِ مفتاح قفصي الصدري . كنتُ الظلَّ فالطرقاتُ شجرُ المنسيِّين . يُسَمِّيني حصاني الخشبي خشباً لطاولات أكواخ المشرَّدين . والموجُ محكمة القضاة المرتشِين. كُنْ زجاجةَ ماء الاعتذار ولا تَعتذرْ عن ولادة الغابات في شرايين السفينة . وأنا سفينةُ الشَّفق السابحة في النهر الجريح .

يا خَوْخُ ، إن تأخرتُ عن حفل زفاف أشباح البرقوق فلا تُقدِّم الاعتذارَ للجلاد . اتْرُكْني كما أنا قطةً تأكل عشاءَها حكوماتُ الدَّم المعتَّق ، حيث الشموعُ تصير نسيانَ الصخور العارية . وأنا عاريةٌ من أدغال الأظافر لكني الجريحةُ والفصلُ الأخير في قصة الجرح . وما وجودي في دماء الطوفان إلا فيضاناتٌ للذاكرة المتواطئة مع رجال الأمن . الرحيلُ إلى أعلام القبائل المتقاتلة على احتكار جنون الرصيف . يا قلباً يصير نحلةً يؤخذ عسلها ثم تُسحَق تحت أحذية رجال البحرية . ما رقمُ بطاقة موانئ احتضاري ؟ . ما اسمُ الزُّقاق الضارب في رمال كوكب السعال ؟ .

شكلُ زنزانة قصب السُّكَّر . أتوا كالخيول التي تجرُّ جثامينَ العصافير الواثقة من ألوان سجاجيد مكتبة النار . إنني أمواج الحبيسة . لكي أرى وجهي خلعتُ وجهي . فالقططُ التي تطير فوق مانعة الصواعق موجةٌ حمراء تغطس في ضفائر المدن الحزينة .

إنني أشرعةُ السَّجينة تتزوَّج ظلالَ قبور الكستناء . يفرشُ الليلُ ذكرياتِه على فضلات الطعام بين أسنان التماسيح . النزيفُ مِكواةُ البراعم اليابسة كخدود الحاكِم . يا خِرِّيجي جامعة هذياني ، بين أصابعي يتكلس ملحُ دموع زوجات البحَّارة . لكنَّ الكرسي المتحرك لجارنا طائرةٌ ورقية تقضمها نيرانُ الضَّجر .

قُرْبَ هلوسة دموع المستحيل صالةُ باليه للمتسوِّلات المهاجرات من إشارات المرور إلى مسرح العرائس . سنواتُ ضياعي مستودعات تخزين انكسار النساء في المرافئ القديمة . أين ذهب مكياج ابنة الحزن يا أُمِّي التي لم أرها منذ تزوَّج أبي شريعةَ وأد البنات ؟. قال الشارعُ الخلفي إن فلسفة الخيانة الزوجية في الكتب المحروقة بخيانة يهوذا الإسخريوطي هي الصدى .

يا تلالاً يتواطئ معها كل أحزان الصيادين العاطلين عن العمل . في أسماء حصير الألم تصعد بنادقُ العوسج في شظايا حضور الطوفان النقي . وجسدي تجسيدُ أعمدة الرخام في كراج السيارات . إنني أَزُورُ ذاكرةَ المحيطاتِ ، وأقدامي منقوعةٌ في أشلاء المهاجرين غير الشرعيين. وأنا لاشرعيةُ الاكتئاب خارج مقرات الدوائر الحكومية . السياجُ المحيط بالتفاح المقتول قرب الملهى الليلي الذي تزوره أحذيةٌ ثقيلة عندما يذوب الوحلُ في زجاجات الكنياك المستوردة ، وتصير حُفرُ المجاري راياتٍ لقبيلة الشوارع البائسة. أنا أنوثة النساء المصلوبات على إشارات المرور، لكن الناس لا يمرُّون . يضحك عليَّ العويلُ ، لأني أواصل تسلق الجبال مع يقيني بأني سأسقط .

سنبلةُ الجسد المقطَّع دهشةُ الموتى أثناء رحيل موتهم إلى الشموع . لستُ دموعَ العُقبان . اجرحني في ذاكرة المطر ، وكن حول قسمات وجه النار فراشةً حكومية عمياء . هندسةُ الألم ذاكرة جنون أزقة مجلس قيادة ثورة اللصوص على اللصوص . من ضوء النزيف يولد دمعُ البنادق . يا من تُحتَضَر هضاباً ، وتَختصر شوكَ النحيب في الحليب . صراخاً كان غيابُ الموج في خنصري ، وأنا من يرى أشكال السيارات المارة على الأجساد الغضة ، حيث تضع السيول أطفالها في مدرسة النشيد الوطني للمرتزقة .

إن كان جسدي مخازنَ أسلحة ، فاسمي عُقَابٌ يعتنق أبجديةَ الانطفاء الرسمي . شعوبٌ من البلاستيك . امتحانات الصدى . والرياضياتُ فيزياء صرخة الإناث . تعلمتُ أحزان أرصفة الكواكب المجاورة . كل الضفادع تتسلق حنجرتي في موسم البيات الشتوي ، لكن أيامي خناجر تلعب على رقبتي الشطرنج. وألقي التحيةَ على السجان وهو يشرب قهوة الصباح في ظلمات المجزرة . بلادي القاتلة المقتولة ، لا مكانٌ لزمان الضحكة المذبوحة في حدائق رعشتي، ولا زمانٌ لمكان الجنس في عروق البغايا الخجولات كالزوجة الخائنة المتقاعدة . هذا الوطنُ سيفٌ وغِمْدُه بلعومي .

انتشلْني من كومة شظايا المد . لا تكن مكتبئاً في مكتب الذبحة الصدرية ، فالقادة الفاتحون قادمون لإنقاذكَ بعد مضاجعة عشيقاتهم . يتخذون جمجمتي كرةَ قدمٍ ، وثيابَ أدغال الصخب ملعباً للعسس النائمين في بلادٍ تبصق على فراشات الفجر وتقدِّس ذبابَ عصير الضياع . تُصَفِّيني الأشجارُ جسدياً وأظل أحبها ، فهل سيحمل جثماني النخاسون المدجَّجون بالدستور الوطني الذي كتبه المرتزقة ؟! . هل رأيتَ ضريح الملكة فكتوريا مصبوغاً بفئران المكياج ؟ .

ابحثي عن نخَّاسٍ يشتريكِ بأموال أبيه ، وترثين ضفادعَ حُلقومه بعد موت الذباب في جفونه . كيف أُقْنع حبلَ غسيل جارتنا بالعودة إلى الحياة السياسية ؟ . الانتماء إلى وطنٍ ميت أقماراً راقصٍ على حبل جماجم برية. مملكة القلوب المكسورة. نباتاتُ الفراق. وذكرياتي خناجر مسمومة. حزينةٌ جواربي لأن قطط الحي تعاني من مشاكل عاطفية. نساء مثقفاتٌ لا يقرأن غير شهواتهن ويضعن فضلاتِ الطعام على صفحات الوَفَيات .

يا أيتها النسور الزجاجية التي تقضمُ حواجبي ، وتتجول على بلاط عمودي الفقري ، هل تملكين جواز سَفر حينما تذهبين إلى احتضار البجع المعدني ؟ . يقضون شهرَ العسل في غرف التحقيق. وشَعْرُ الزوجاتِ المقتولات في أعراس النخاسة يصير مكنسةً للوهم على أعتاب الهذيان . احفظ رقمَ سيارة حفار قبري ، وامنح للحمَام الزاجل خرائط أجداث عائلتي . لصوصٌ يرضعون النفطَ من أثداء زوجاتهم الدمى . إمبراطورةٌ تبصق على وصيفاتها ، ووصيفاتها يبصقن على حراس القصر ، وحراس القصر يبصقون على الشعب ، والحزنُ يبصق على الإمبراطورة . غابات رئتي هي اليانسون المعلَّب . بطيخةٌ تتقاسمها الخناجر المسمومة كالشوارع الخلفية في مسرحية تزوير الانتخابات. كل جسدٍ للدود البري شهوة الصقيع تحت أقدام المتزلجات الجديدات كقوانين الطوارئ .

أدخل في مدخنة الشطآن صافيةً كالدخان المثلج ، وساخنةً كدموع الصقر النازلة على جدائل بنات هامبورغ الذاهبات إلى الوأد واثقاتٍ من النِّصال. لا داعي أن أُطْلق قلمَ الرصاص على مسدسي فأقتل ظلماتِ رموشي ، لأن كلَّ يومٍ موتٌ في بلادي . طفلٌ يمشي تحت أشجار الأرق، ويُذوِّب جثةَ أُمِّه في كوب حليبٍ ملوَّث بالذكريات الصاعقة. سأطلب الطلاقَ من البحر المتوسط. بحيرةٌ مُطَلَّقة تَصْعد من حُفر المجاري ، فتسحق جدائلها عرباتُ نقل الجنود .

النشيد الوطني للسناجب أرملةٌ تبيع فقراتِ ظَهرها لتطعم أطفالها . لم أتبادل النكات مع كهنة المعبد الغريق . ولم أتبادل مع ضباط المخابرات سبلَ تعزيز الوحدة الوطنية . ولم أتنزه برفقة ماريا كيري في أسمنت أضرحة عشيقات القيصر . دفنتُ في صحراء نيفادا حلمَ اليمام الذي لا يعود ، وانتظرتُ استلام راتبي آخر الشهر برفقة الملكة فكتوريا في طابور سبايا الرومان الطامحاتٍ إلى نخَّاس يُقدِّر بياضَ اللحم المستهلَك . ها أنا ذا، أكتب يوميات أجنحة النار في الأرض الدمار ، فأشعر أن الملكة كاترين تمسح الصحونَ في مطبخ بيتي في خيام المجزرة . إن ما يحرق إوزةَ دمي الغارق في اليورانيوم هو أن البغايا يمتلكن جوازات سفر دبلوماسية ، وأنا مجردة من جنسيتي. يتبرع لي الحوتُ الأزرق ببعض المال . أقتات على مصائب البجع .

21‏/08‏/2011

عطر زوجة المهرج ( 6 _ 6 )

عطر زوجة المهرج ( 6 _ 6 )
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

أيها الصَّنم الرمزُ . يا من تهرول إلى المرحاض بعد حفلات امتصاص دم الشعب، وتُنَصِّب نفسكَ إلهَ الجماجم على جثامين البشر في حُفر المجاري ، انقرضْ مثل إناث الكلاب ، انقرضْ مثل ثقوب حذاء القُرصان ، وارحلْ عن السفينة التي ثَقَبْتَها لكي تظل نائماً بين أفخاذ النساء اللواتي باعهن أهلهن . وفي أحضان الجواري ، حيث الدستور سوق نخاسة ، والنشيد الوطني هو المذبح . وهذه الضفادع تنتظر في حفر المجاري عودةَ الجيش المكسور .

أشجارُ الإنفلونزا ومداخنُ التَّعب. يعشقني زنجبيلُ السكاكين عاريةً من خرائط البَط على جثامين الديناصورات المعاصرة . وكلامُ الريح مطرٌ يجتاح حِبر دفتر الفيزياء. يا مُعَلِّمتي خُذي قِسطاً من الأدغال قبل أن يضربكِ زوجُكِ في زرنيخ الضباب ، كأن نعوشَ الفستق محاضرةُ البجع في مدرسة حنجرة الطائر المشنوق . كلُّ الأجساد الآلية جسدي ، لكن أطرافي ذاكرةُ الوهم بين حشائش الكوليرا . أضعتُ خارطة عيوني ، فسألتُ بائع التذاكر في محطة قطارات الجماجم عن شكل أنهاري . لم يعد في وطني سوى نهر دموعي . أَضَعُ ذهني في أقصى جنون العشبِ .

هل يستطيع الزوجُ المصاب بعمى الألوان تمييز ألوان قمصان النوم لزوجته ؟ . هل يقدر الزوجُ المشلول أن ينظر في عيون أطفاله الجياع ؟ . وطننا ليس لنا . بلادي مزرعةُ الحثالة وإسطبلُ المرتزقة . في حنجرة الحصان الخشبي مقبرةُ أسماك القِرش . إذا سأل عني عماد الفايد فأنا مشغولة في متابعة بطولة التنس الأرضي للجواري . في ذكريات بعوضة يُولَد زجاجُ تعاليم الوهم المقدَّس .

يا كل اليخوت التي تقطع جدائلَ سان بطرسبرغ وترسو في ماء عيون الملوك المخلوعين . في فجوة الأسطورة تنام بناتُ القياصرة على أربطة الجروح . لا تبحث عن عرش الرماد لأن دستور حشائش الحلم خرافةٌ في دماء سيدات المجتمع المخملي . والدماءُ الزرقاء تؤول إلى الاختناق . تجرأ الذئبُ على الغنم لأن الراعي عدو الغنم . فاذكريني يا أحجار الشفق عربةً مصفَّحة عمياء تهرول في سيبيريا.والرُّبانُ ترك السفينةَ في سُعال ثمود، وصار يتغزل بجثامين الملكات المحترمات كاللصوص.

حضاراتٌ تضحك وتسير على خطى ثمود . لن أعود . فلا تجهِّزي يا أُمِّي غداء عمل للمرابِين في مداخن الشاحنات اليتيمة ، حيث الأرامل على سطوح القطارات يغزلنَ من أثدائهن طعاماً لحطب المدفأة. ما زال سريري في غرفة قلبي قرب الإعصار. والتوتُ البري بَوَّابٌ على نافذة رئتي. طموحي أن أصحوَ يوماً من غيبوبتي الأبدية .

أيها اللص الذي يسمي نفسَه أمير المؤمنين . أيها الكاردينال القاتل الذي يمارس الإبادة الجماعية باسم الرَّب . أيتها الراهبة التي تخاف أن تنطق باسم حبيبها . أيها العالَمُ المجنون الذاهب إلى الدمار ، حيث صرير الأسنان يغدو مملكةً ، واللصوصُ ملوكاً على نعوش المعنى . لماذا ترمي المرأة جمجمتها تحت أقدام عمال النظافة في صالة الرقص الفارغة ؟ . بلادي تعطيني دروساً خصوصية في قتل الأحلام . نحن أَجِنَّةٌ بلا أرحام . أختارُ لونَ طلاء أظافري وفق لون زنزانتي .

يا شعباً يعشق المشي في الجنازات . هل رأيتَ ضباباً يقرع الجرسَ قبل دخول المقبرة ؟ . منذ طفولة الرمل الساكن في كبدي وهم يُعلِّمونني قتلَ الحب بسكين الوهم . نملةٌ وقحةٌ لا تلقي التحيةَ على رفاتي . أستأصل من نخاعي الشوكي قشرَ البطيخ ، كما يستأصل المطرُ من عَرَق البعوضة نزيف الكستناء. أحمرُ شفاه للكلاب البوليسية، والحواجزُ الأمنية ذاكرةٌ صناعية لليانسون المحروق.

أُذوِّب عمودي الفقري في كوب الشاي ، وأشربُ القهوةَ برغوة الجماجم . ما فائدة أحمر الشفاه إذا كانت الشفتان محروقتَيْن ؟ . الأعرابُ ظلالُ أقدام الحمَام الزاجل ، لكن الرسائل لن تصل . دولةٌ شريفة تقتلَ البشر ، وتوفِّر الأفيونَ بأسعار رمزية للقطط الضالة . مثلما تركِّز حكومةُ الزبد في سرقة الشاطئ يركِّز الرملُ في سرقة اللزوجة بين غضاريف عظامي .

أنا أميرة جيش العَتمة وكلُّ امرأةٍ نسيتْ زوجَها في أرض المعركة وذهبتْ لكي تتزوج . كأني امرأةٌ أخرى، والفطرُ السام يتحدث باسمي . مَن أنا ليحلم بي الإسكندر المقدوني ؟!. مَن أنا لأطلب من القمر أن لا يترك الوردَ على سكة الحديد ؟! . لماذا تخليتَ عني يا حذائي في الزقاق الضَّيق ؟ . أبيعُ دمائي البيضاء في السوق السوداء . والقرميدُ يأخذ ثقوبَ كبدي مصفاةً لتقطير الويسكي . دمائي عَرْشي ، وَحَوْلي جثثُ الملوك . كأني الأم التي تحمل في بطنها جنيناً سيقتلها . فلا تلبس المطرَ الرخامي ، فأنا مدايَ خارج دساتير البرودة الجنسية . واسمي لا يدل على شاهد قبري ، انطفأتُ فالظلُّ اسمي ولا اسمَ حَوْلي لأفتح قفصي الصدري للديناصورات . يا وطناً تخبط في دماء اللوز أجنحتُه . والليلُ كُنيةُ النهار . إنني في ذاكرة السنابل أنوثةُ الكستناء ، فَاقْطُفْني وجهِّز قهوتي على سطوح القطارات .

قد تكتشف أجفاني إشاراتُ المرور ، وأظل في حُمرة البطيخ لا أَمُرُّ إلا على أكفان البجع ، وبلادي تَغرق في كوب الزنجبيل . اختاروا زخرفةً لشهادة وفاتي ، فأنا غَيْري دَمَاً يتكدس على الكراسي الكهربائية . أطفأني العشبُ فاشتعلتُ كالليمون المسجون في الجنون جسوراً للبلد المسروق في العروق . وبائعُ البطاطا يخزِّن في حقائب أبنائه خبزَ المساء وأحزانَ الإجازات الصيفية .

لكن شتائي صيفُ الينابيع المتكررة في الشرايين اليابسة. لي وطنُ المجازر وأعوادُ الثقاب النيئة، كأني اعتنقتُ دموعَ دجلة . وبحثتُ عن الفرات فلم أجد غير الفولغا . مزِّق تمثالَ الحرية بإزميل التراب ، وليكنْ وشمُ حذائكَ رايةً لرمال البحر . وكن تراباً وراءَ خارطة البارود ، حيث رئة الضجر تتزوج السيافَ ، والشفقُ يخترع أنواعاً جديدة من مضادات الاكتئاب . هو حزني يصير رايةً لقبائل تُولَد من وهج الدراهم . أيها الموتُ القادم إلى قدومي ، وَحْدَكَ ستكتب بطاقتي الشخصية .

وسألتُ عن براري البنكرياس فلم أجد سوى خدودي المفتوحة لنمل قريتي . قل إنكَ لم تبكِ على ضريح الزيتون لأُصدِّق تموُّجاتِ رموشكَ على منصة الإعدام. لا عروقي المنفية حمارٌ وحشي ، ولا وحشتي طرقات الديدان الوحيدة . إنكَ الجسد الغيمةُ الذهبية ، وأنا الحِبر الأخضر كلون الماء الملوَّث بقصص الحب الفاشلة . جسدي برتقالةٌ اعصرها أيها الوردُ البري لأن الأرانب البرية دليل سياحي للتائهين في دروب نزيفي .

شكلُ دمي يقودني إلى اسمي فأنهض ، فلا تقل إنكَ تحب الوهمَ أكثر من سكك الحديد البلاستيكية . لن أُصدِّقكَ مَرَّتَيْن يا احتضار الجدران العارية من الصدى . كأن الصوتَ حنجرة لبؤة تتدرب على رقصة التانغو في بلاد الفلامنغو ، والموتُ لا يقف على باب صالة الرقص .

سأضحي بحياتي من أجل العاهرات ، وهكذا أحقق الوحدة الوطنية في بلدٍ يحكمه اللصوص ، حيث بنات الإمبراطور أثداؤهن العمياء ملقاةٌ في عيون الصحفيين وعلبِ المشروبات الغازية . صديقتي تمارس سباحةَ الفراشة ، وأنا أمارس سباحة الذبابة . ارتطم حزني الأحولُ بالأمطار لأن جدران عيوني زجاجٌ باردٌ للعنب الأطرش كأحاسيس الرجال الآليين .

للتمر نخلةُ المشنوقين ، فلا تصرخ في وديان زرقة الشطآن ، فالريح اسْمُنا يوم تنسى أمهاتُنا طرقاتِ الأضرحة التي اكتشفنَ فيها أسماءنا. عارياً من عُريي ، يتبختر الصدى في حزنٍ يحكمه كهنةُ زجاج الكاتدرائيات الغميقة . يا أيها الدير المرتعش ، إن الانطفاء ذاكرةٌ ، فضع الرُّتبَ العسكرية على مشنقتي لأخترع وسائل إعدامٍ جديدة تليق بالوحدة الوطنية .

يا وطناً يُحلَب كشعبٍ من النعاج ويَدُرُّ عسلاً للآخرين . لستُ امتدادَ عظام الريح على طاولات القلب الممزَّق . كالحلم الضائع في وريد فتاة قضت عمرها تفتِّش عن عمرها بين أنقاض عمرها .

أيتها الأصنامُ التي تُصدِّر الوطنَ في علب السردين ، وتبيع الشعبَ في قزحيات الفخَّار . إن المطرَ الحمضي ينسخني فتتكرر صرخةُ الديناصور في الوادي السحيق : (( وطنٌ لكل اللصوص الشرفاء )) . سأُكَوِّنُ أُسرةً صالحةً للحياة في بلادٍ صالحةٍ للموت . يجيئون كشيخوخة الموجِ . من الظل تصعد فراشاتُ الحطب ، فيا كل السفن الراسية في مياه معدتي ، كوني حيث كان احتضار أدغال الضوءِ ، نقيَّةً كدستور تكتبه الصراصيرُ المثقفة . بلادٌ لم تعد لنا ، هي حفلة رجال الأعمال ، حيث أفخاذ النساء الدُّمى كأفخاذ الدجاجات الذاهبات إلى الصعق الكهربائي ضاحكاتٍ مثل أكذوبة الهولوكوست .

لم تر ذكرياتِ البحيرة تركض على جناح طائرة عسكرية تَظلُّ تَسقط في دماء الضحايا ، والطيارون مشتاقون إلى مكياج زوجاتهم. في الدفاتر المدرسية للمراهقات تتكرر ألوانُ خشبات المسالخ ، يتكرر ضوءٌ يجيء كالذهابِ . فضةٌ تعتنق احتراقَها قرب مجزرة الخيول المتقاعدة من مهنة المجازر العاطفية . كظلال نخلةٍ يئدُ التمرُ عناقيدَ خدودي .

وأدركتُ ساعي البريد يوزِّع إشاراتِ المرور على خفافيش المعنى المسروق في بحيراتٍ تغزل الرومانسيةَ أكواب شايٍ للعشَّاق المخلِصين كقوانين الطوارئ . لم أكن سوى ما تناثر من نخيل خارطة الحزن ، وجيشُ الظلمات يَقْلي في عُلب البيرة الأجنبية جمجمةَ الموز . والنهرُ جوازُ سَفرٍ للمشنوق . لي ما تبقى من بلاد أَنجبتْ سَيَّافاً يتغزل بشَعر الثيران ، حيث المصارِعُ في نُزهةٍ مع خطيبة الطوفان ، فيا وهماً يصير وطناً للتائهين ، ويا سجائر تُطفئ في حلمات البغايا . هذا عَرَقي محكمة تفتيش يدخلها الغبارُ بأية رِجْل لأن الأطراف الصناعية دولةٌ بوليسية ، والأحكامَ العُرفية كالرصاص تُولَد من خشب المراكب المنسية في قرية يسيطر على مجلس إدارتها أشباحُ التِّين .

18‏/08‏/2011

عطر زوجة المهرج ( 5 _ 6 )

عطر زوجة المهرج ( 5 _ 6 )
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

تنبت النخلةُ الحبلى باليورانيوم في أجفاني ، وأهتف في دم الأوحال . لم تعودي يا أُمِّي لتوزِّعي عصيرَ التوت على المشيِّعين في غرفة التشريح . دولةٌ تشنق الزيتونَ وتُرَبِّي الفطرَ السام ، حيث بساطير رجال الأمن على رقاب الفلاسفة ، وأحذيةُ راقصات الفلامنغو على رقاب رجال الأمن .

ظلالُ البغايا على أظافر السنجاب المسحوق . في هذا العالَم الأحول صارت المرأة مثل علبة المشروبات الغازية يتم امتصاصها حتى آخر قطرة، وذلك بعد التأكد من مدة صلاحيتها. عند فضة المنحدر الجبلي أبني عُشِّي كالدودة المجرَّدة من الجنسية ، وأموت فيه بعيداً عن عيون الرفات .

هُوَ دَمُ الحيض يسيل كالمجاري في حناجر شوارع الإبادة وممالكِ جلود أوثان العري. ما أصعب أن تبكيَ عارياً من أجساد الأنثى دون أن تضع رأسكَ على صدر امرأة ! . لماذا دولةُ الرماد تُنظِّم حفلاتِ الزفاف في غرفة التشريح ؟.لماذا غرفة الضيوف تحتوي على كراسي الإعدام الكهربائية ؟.

لا أقدر أن أحب رَجلاً أكثر من انقلاباتي العسكرية . هل رأيتَ عُرساً مُلَوَّناً في مقبرة الأكوان الرمادية وشواهدُ القبور تدور على الحضور تُوزِّع العصيرَ ؟ . لاعبٌ ينظر إلى الكرة وهي تضيع كامرأة تنظر إلى القطار الحاضن لقلبها وهو يرحل بلا رجعة . البلاد امرأة منزوعة الرَّحم . يعشقني احتضاري أكثر من عشق الجثامين للانقلاب العسكري .

رايةٌ ضائعة في الريح . تجسَّدتُ احتضاراتِ أرصفة الحلم . والليلُ يخلع الليْلَكَ عن عرش الكراسي الكهربائية ، لا تقل لي إن مطبخ القش غرفة الإعدام بالغاز ، لأن أنبوبة الغاز هي رئة الصراصير التي تَرِثُ عِظامي . في بلادي كل شيء يدخل في الروتين إلا ممارسة الروتين . أنا سعيدة لأني لم أتسبب في قدوم مخلوقات جديدة إلى هذا الكوكب المتخلِّف . لم أغادر طفولتي ، لكني أشعر أن عمري مليون سنة ، كأن أظافري تمتد من العصر الحجري حتى عصر الملابس الداخلية لبريتني سبيرز .

كلُّ شيء في هذه المقبرة الوطنية يذهب إلى الروتين ثم الانطفاء: (( مراسم جنازة الإمبراطور . قمصانُ النوم للنساء اللواتي تم بيعهن في صفقات الزواج . أرصدةُ لصوص البلاد في بنك الوحدة الوطنية . الطريق إلى كاتدرائية الإبادة في الخريف . المسابح المختلطة في أزقة عُروق الملوك . ذكرياتُ الأدباء المرتزقة )) .

مرايا غرفتي تخاف من ممارسة الجنس . أحمل دكتوراة فخرية في الفشل . لا أقدر أن أعيش بدون قرف حكومة أسماك القِرْش . عندما يُعدموني سيرتاح المخبِرون من ملاحقتي ، وأرتاح من رائحة جواربهم . لا تتعلَّق بمشنوقة مثلي فتكون مشروع أرمل . يتم احترام حقوق الإنسان حينما يُحوَّل إلى كلب ينبح على باب حاجب الخليفة . زرعت الرياحُ في عروقي إشارات المرور . أمشي في ظلام شراييني ، ومصابيحُ الجنازة ترشدني . حزني باتجاه عقارب الساعة ، وسعالي وفق توقيت غرينتش .

أحبُّ أن تُخدِّرني بالشِّعارات فاضحكْ عليَّ كما يضحكُ الساسةُ على الشعب . أضعتُ مشنقتي في الزحام . والأطفال خلف باب النيازك ينتظرون أباهم الذي لا يأتي . حزني قطةٌ عمياء تمشي في الزقاق وتخبطُ شهيقي . إن الدموع شيفرة التواصل بيننا . أصدم قلبي بنظرية صدام الحضارات لكي أنسى صدماتي العاطفية في مجتمع الصِّدام . صداعي ذاكرةُ الوَشَق . وأجنحةُ الديناصورات ترتطم بزجاج الكنائس .

عندما يدخل الجنسُ في الملل الجنسي ، ويدخل الشيءُ في اللاشيء ، سوف تجدني أدخل في انبهار المكانس . صاعدةً إلى خشبة ضَجري المعلَّقة على زجاج أحلامي. والشوارعُ بؤرة اللامعنى . يركضون هرباً من الحب في واجهات الظِّل ظِلاً لانعدام الظل ، فلا تسأل عامل النظافة عن لون رايات جنازتي ، إنني معنى النرجس في زمن احتضار الشجر ، وكلُّ فصولي خريفٌ . من دمي يبدأ انتحار كريات دمي ، ولا ملامح لدمي حينما أزفُّ الوحلَ إلى زوجة جلاده . عبوري في المطر الحمضي كالحريق ، أَدخلُ ساطعةً كالنزيف الخشبي. والصلبانُ نحاسيةٌ كالبلاستيك المر . وهذه جثثُ النوارس أُسرةٌ حاكمةٌ على الرمال ، منقوعةٌ في سعال الضحايا .

بشرٌ كالأحذية يمسحون أحذيةَ الأباطرة الذين يمسحون أحذية المحتلين الذين يمسحون أحذية عشيقاتهم اللواتي يمسحن أحذية الشيطان . لا تترك حزنكَ في الشارع دليلاً سياحياً للضفادع بين غضاريف عمودي الفقري لأن الاحتضار طريقي المستقيم . أَجِّلوا كتابةَ دستور الوحدة الوطنية حتى نسرق الوطنَ ، ونحوِّل أرصدتنا إلى الخارج . وطنٌ للضياع . لا أحدٌ يفهم في السياسة ، وكلُّ الشعب يظن نفسه ابنَ خلدون . كأني نسيتُ ديدان أظافري في حقول رقبتي .

الورق الذي أكتب عليه يجرحني . يا هذه العواصف المجروحة ، تعوَّدت أناملي على ملمس حبل المشنقة . لا أقدر أن أفرض شروطي على قطة جارتنا. لماذا أرى رعشةَ العوانس حول حلقات كوكب زُحَل ؟ . أنا الخاسرة في كل الانقلابات رغم أن الزنزانةَ ثمرةُ زواجي من الاكتئاب . غزالٌ يغطس تحت رمال المجرات . كما أَدمنتْ طالباتُ السوربون ممارسةَ الجنس خارج الزواج ، أدمنتُ اكتئابَ الشوارع الملوَّثة بِصُوَر كسرى . الدولةُ مزرعة الجراد . على ظهر ضفدعة أبني جنونَ أعمدة الكهرباء أنثى أنثى . أنا غريبة أكثر من أي وقت مضى . غرقتُ في عزلة المعنى نخلةً تُبدِّل أقنعتها في غرفة العناية المركزة . تاريخي ينقلب على تاريخي ، والموت معنى .

دَعْ قلبكَ يبكيني لئلا أنسى حبكَ طوال انكساري . مشكلتكَ أنكَ وصلتَ إلي بعد موت قلبي . كأن الغبار قد واسى الملوك المخلوعين وجعل البطاقاتِ المصرفية وسيلةَ شراء الأميرات السبايا في بورصة النخاس الوطنية .

أستثمر في الفراغ . عامل النظافة أكثر حريةً من الإمبراطور . الوطن المعدَّل وراثياً . أمضي إلى فراغي ، ويخزِّن أحلامي الآخرون في أكياس الطحين المستورَد . ملوكٌ يحملون خياناتِ زوجاتهم على ظهورهم ويقودون العَدَمَ إلى النصر على الرميم ، ويحتفلون بحلمي المصادَر رافعين ظلالَ احتضار الإسفلت على تاج القرصان . أقضي حياتي في الموت ، ويأخذ الآخرون حياتي ليحتفلوا باستئجار أحلامي خلف مستنقعات شراييني . حتى أحلامي ليست لي . اعتزلتُ الحياةَ السياسية وركزتُ في حياتي العاطفية فاكتشفتُ حياتي الاقتصادية فخسرتُ كل حيواتي .

لبؤةٌ تستلقي على ظهر صقر يتشمَّسان في سعال مدخنتي . عندما تصبح ليلةُ الدخلة بؤرةَ الاكتئاب أرمي عِظامي سِفْرَ خُروج البط من نخاع الشفق اللوزي . والدودُ يُعَسْكِرُ في فتحات شراييني. بلادٌ للمرتزقة والعاهرات ، كيف سَيَجِدُ الألَمُ مكانَه في دَيْرٍ يضيق كجدران علبة السردين ؟ .

يا كل الشعوب التي تقتل نبضَ المعنى وتركِّز في روتين الوظيفة ووظيفة الجنس . أعرابيةٌ تغرف المكياج بدلوٍ ترميه النارُ في بئر الهلوسة . في بلادي لا شيء يبعث على البهجة ، حتى ليلة الدخلة . تُشنَق السيجارة بين أصابع الضجر . يا احتضاراً يترنح بين أراجيح قوارب الجرح وأعمدةِ الكهرباء ، زَيِّنْ حقائبَ الملكات التافهات بخدود الملوك المخلوعين . تاريخٌ من الجثث المتحركة ، ودستورٌ من الرمال المتحركة، ومحكمةٌ من المقاصل المتحركة، ويظل الوطنُ على الكرسي المتحرك .

أنا سِجْني العاطفي والسجينةُ الذكية والسجانُ المتفائل . أدخل في اشتعالات الرمل عزلةً لليانسون أتوكَّأ على فراشات مجرَّدة من الجنسية وأحلامٍ منزوعة الدسم . إذا كان لعابي سُمَّاً فاغرس خنجركَ فيه يا وهجَ المطر ، واقتلْ ما تبقى من اسمي . إن الطحالب تقضم آخرَ شموس الغزاة. هل رأيتَ حفار قبور يفرش أحاسيسَه على خدود أرملته في نخاع خشب طاولة تحمل في احتضارها عَشاءً على ضوء براميل النفط ؟ . لا فرقَ بين المنافي إذا كان الوطن ضريحاً ضوئياً . حلمتُ أني أُقتل وأنا أرمي دمي ألواناً لزجاج الفيضانات. سأُزوِّج بابا الفاتيكان من ماما الفاتيكان وأعلن طلاقهما ، ويُطلِّق الرمادُ كنائسَ الانتحار. جسدي مقبرة القارات ، والصليبُ حفارُ قبور . لا أريد خلاصاً تمنحني إياه خشبة .

ضريحٌ يَسْبح في الأطلسي ويَسقط في الخليج . نُولَد في أحضان القبر ، ونلتقم ثديَ شاهد قبر النهر ونقضي طفولتنا في جمع حشائش المقبرة ونموت بين القبور فالموتُ ليس جديداً علينا . يا وطن الأباطرة المرتزقة ، انقرضْ يا ضوء الأوثانِ ، وسامحيني أيتها البغايا المنتميات للدستور الديمقراطي . والشبابُ العاطل عن العمل يتدرَّب على إلقاء قصائد رثائي أثناء جنازة خدودي . قلبي يُخطِّط للانقلاب عليَّ .

سأخرج من اكتئابي قليلاً لأعيد صَلْبَ يهوذا الإسخريوطي . إنه الرحيل الأبدي إلى المطر ، لا تتذكر العهدَ القديم والجديد، لأن قلبَ خريف الدمع عهدُكَ القديم يا توما الأكويني ، وخريفَ قلبكَ أيها الكاردينال الرمادي عهدُكَ الجديد . وكنائسُ الصدى تَشطب سِفْرَ الرؤيا في هلوسة النحيب ، وتجعل من لحم الكهرمان على صولجان السَّجان سِفْرَ الرؤيا .

يُعلِّقون جفونَ الغابة على الصليب لكي ينسى كرادلةُ التحرش الجنسي أشكالَ العهد القديم والجديد على رفوف محاكم التفتيش القديمة والجديدة . إن جنازةَ الرمال هي العهدُ القديم . والعهدُ الجديد يَنْصب في قلب صكوك الغفران خيمة الأسرى . ليس لي عهدٌ قديم ولا جديدٌ. وتاريخي يشنق تاريخي ، وَحْدَه تاريخ السراديب يحضنني ، وعمري يَذبح عمري . والعهدُ القديم يلغي العهدَ الجديد ، ووجهي يَشطبُ الاثنين معاً . لم أنم منذ احتضار فلسفة علماء اللاهوت ، فأنا الزائرة القديمة في هذه المجزرة ، ونزيفي هو الجديد كاسر روتين المشانق . وَحْدَها المقصلة الشيء اللامع في حياتي مثلما تلمع ضفائرُ القتيلات في ضوء شموع العَشاء .

حَلُمَ القمرُ بأنه يُقتَل في طريقه إلى صلاة الفجر، وحَلُمَت الأدغالُ الفاشلة بأنها تُقتَل في طريقها إلى الكنيسة المهجورة. لا تتذكر اللصوصَ القادمين لإلقاء خطابات تأبين الأصنام . ما أصعب أن يظل بريدك الإلكتروني فارغاً .

شعبٌ من الرجال الآليين ومكياجِ دمى مسرح العرائس. لم يعرفوني إلا من أشكال الرصاصات في جسدي . مدمنةٌ على اكتئاب الدولة . كأن الملكة فكتوريا مديرة أعمالي ، ودافنشي سائق التاكسي الذي يوصلني إلى حتفي .

صراصيرُ تَسبح في معدة العشب . أذهب إلى معركة البنفسج واثقةً أن لا رَجُل سيبكي عليَّ ، وأن لا شموعَ ستُضاء في حُجرة ذكرياتي . كأن المدَّ يَلْعق خِنجري المسموم . اكتئابي بياتٌ شتوي لأدغال الشمع تدخل فيه الديناصوراتُ المتقاعدة . وتلمُّ دمعاتِ البحيرات الاستوائية وجوهُ زوجات المخبِرين المتقاعدين . يدخل الضجرُ في الاحتضار النقي ملوَّثاً بتراتيل الكاتدرائية وتعاليمِ الدولة البوليسية . هكذا يغزل الحِمارُ الوحشي من خدود أرامل لندن سروالاً للملكة فكتوريا . فاسرقوا الشعبَ وركِّزوا في الوحدة الوطنية .

في عيونِ سلحفاة يتعمَّد الزبدُ بالضجر أمام كاهنة الرمال . وعلى جثة الصهيل يبني النزيفُ مَلَلَ رخام الكنائس كالخناجر المسمومة في بلعومي المشلول . كيف أنام يا أُمِّي ويداي ملطَّختان بدماء البطيخ ؟!. هل تفيدني نظرياتُ آينشتاين في التمييز بين قبر عالم الفيزياء وقبر بائع البطاطا ؟ .