سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

27‏/08‏/2022

التحولات التاريخية في البنى الاجتماعية

 

التحولات التاريخية في البنى الاجتماعية

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

..................... 

1

     التحولاتُ التاريخية في البُنى الاجتماعية لا تنفصل عن التغيُّرات في السلوك الإنساني ، الذي يتداخل معَ الأحداثِ اليومية ، والظواهرِ الثقافية . وهذا التداخلُ يُؤَسِّس رُؤيةً فلسفيةً تَكشِف مصادرَ المعرفة داخل طبيعة اللغة التي تنعكس على علاقة الفرد بالجماعة ، وتَكشِف أبعادَ السُّلطة الحياتية في تاريخ المجتمع ، باعتباره وَعْيًا يتجسَّد في سياسة البناء الحضاري . وإذا كانت السِّياساتُ تُولَد مِن رَحِم السُّلطة ، فإنَّ العلاقات تُولَد مِن رَحِم اللغة . والوجودُ الإنساني هو القادر على دَمْجِ السُّلطة باللغة ، وإنتاجِ الأفكار التي تَعمل على توليدِ السِّياسات والعلاقات بشكل مُستمر ، وتحديدِ المسار الفاصل بين جَوهر الذات وماهيَّة الصِّفَات ، أي : بَين الكِيَان الإنساني وحالاته المُختلفة في الوَعْي والشُّعور والإدراك ، وهذا يعني أنَّ الكِيَان الإنساني لَيس شيئًا ثابتًا لا يتغيَّر ولا يتبدَّل ، وإنَّما هو كِيَانات مُتَعَدِّدَة تشتمل على هُوِيَّات اجتماعية مُتَنَوِّعَة . وكُلُّ فِكرةٍ تُنتِج هُوِيَّتَها الوجودية الخاصَّة بها ، وكُلُّ حالةٍ تَصنع إطارَها المعرفي المُتَعَلِّق بها . وينبغي أن يكون الحُكْمُ على الفرد والمجتمع قائمًا على اللحظة الزمنية الآنِيَّة ، والشرطِ التاريخي الحالي . فلا يُحكَم على الماضي بمقاييس الحاضر ، ولا يُحكَم على الحاضر بمعايير المُستقبل . والفردُ ابنُ وقته وبيئته ( الطبيعة الزمنية والمكانية ) ، والمُجتمعُ نَتَاجُ تاريخه ( الطبيعة الوجودية والشرعية ) .

2

     لا يُمكن تحليل السياسات المُتَحَكِّمَة بمصير المُجتمع إلا بفصل الفكر الإنساني عَن النَّزْعَة المثالية الخيالية ، ولا يُمكن تفكيك العلاقات المُسيطرة على مصلحة الفرد إلا بفصل حاجات الجسد عن حاجات الروح . وهذه الثنائيةُ ( تحليل السياسات / تفكيك العلاقات ) هي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها المنهجُ الاجتماعي في النَّقْد والنَّقْض ، ومِن شأنها أن تَستحضر الصَّيرورةَ التاريخية في الخِطَاب والمُمَارَسَة ، وتُؤكِّد على الرابطة الوثيقة بين العَقْلِ الجَمْعي والعناصرِ المَكبوتة فيه . ووظيفةُ الظواهر الثقافية هي رَصْدُ آثار الكَبْت المعنوي في فلسفة المجتمع ، باعتبارها طريقًا للخَلاص الواقعي ، وطريقةً للتأويل اللغوي ، وتحريرُ هذه الآثار مِن سُلطة العلاقات الاجتماعية ، كي يُعبِّر الفردُ عن أفكاره ومشاعره بِكُلِّ حُرِّية وتلقائية . وبالتالي، يَظهر الوَعْيُ الحقيقي بلا تراكيب زائفة ، ويَبْرُز الإدراكُ العقلاني بلا عناصر مَكبوتة ، وتتَّضح مصادرُ المعرفة بلا مُكَوِّنات مَسكوت عنها . والوَعْيُ له سُلطته ، والمعرفةُ لها تاريخُها ، ومَن لا وَعْي له ، لا تاريخَ له .

3

     لَن يستطيع الفردُ تحليلَ طبيعة المجتمع ، إلا إذا استوعبَ كيفيةَ دُخول الظواهر الثقافية إلى الأحداث اليومية ، وأدركَ آلِيَّةَ تحرير الفِكر الإنساني مِن ضَغْط المصلحة الشخصية، بوصفها أداة للسيطرةِ على السِّيَاق الحياتي، والسِّيَادَةِ على النَّسَق التاريخي ، يتم توظيفها اجتماعيًّا ضِمن إفرازات سُلطة المعرفة . وهذه الإفرازاتُ لَيْسَتْ أرشيفًا لأحلام الفرد، أوْ واقعًا ماديًّا مُنْغَلِقًا على ذاته، وإنَّما هي نظام أخلاقي مُتَجَسِّد في الوَعْي الفردي، والعقلِ الجَمْعي ، يعمل على تأكيدِ الوجود الحَي والحُر ، وإعادةِ إنتاج البُنية التاريخية التي تُحيط بالأنساق الفكرية . وكما أنَّ الحياة والحرية لا تنفصلان في وجود الفرد ، كذلك الزمن والمكان لا ينفصلان في البناء الاجتماعي . وهذا يُؤَدِّي إلى فَهْم دَوْرِ الفرد في تفسير التاريخ ، ودَوْرِ التاريخ في تشكيل أبعاد سُلطة المعرفة . وأينما وُجِدَت المعرفةُ وُجِدَ التاريخ .

4

     الإشكاليةُ في بُنية المجتمع الفكرية تتمثَّل في الانشغال بتعريف سُلطة المعرفة ، معَ أنَّ المطلوب هو تحديد الآلِيَّات التي تقوم عليها هذه السُّلطة ، وتعيين عناصرها ، وكشف أدواتها . لذلك ، ينبغي الانتقال من المَاهِيَّة إلى الوظيفة ، ومِن إطار النَّفْس الإنسانية إلى فضاء الوَعْي بالذات والآخَر ، ومِن الولاء للعلاقات الاجتماعية إلى الولاء للبناء الاجتماعي . وإذا كان منطقُ القُوَّة يُوجَد حَيث تُوجَد المصالحُ الشخصية ، فإنَّ قُوَّة المنطق تُوجَد حَيث يُوجَد المَصِيرُ الجَمَاعي في التاريخ الثقافي الأخلاقي المُشْتَرَك ، بِوَصْفِه طريقًا إلى حقيقة البناء الاجتماعي، وجَوهرًا للتأويل اللغوي الذي يَجْمَع زوايا الرؤية في المجتمع، ويُوظِّفها بشكل إنساني لفهم الذات، والانطلاق مِنها لفهم العناصر المُحيطة بها . وإذا كان الفردُ لا يستطيع فَهْمَ حَاضِره إلا إذا فَهِمَ ذَاتَه ، فإنَّ المجتمع لا يستطيع فَهْمَ تاريخه إلا إذا فَهِمَ سُلطةَ المعرفة ، التي تُساهم في التوفيق بين التَّصَوُّرات الذهنية عن الزمن والمكان ، وبين الحاجات الأساسية للرُّوح والجسد .

20‏/08‏/2022

العلاقات الاجتماعية بين النظام الحياتي والمنظومة الحضارية

 

العلاقات الاجتماعية بين النظام الحياتي والمنظومة الحضارية

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

........................ 

1

     العلاقاتُ الاجتماعية التي تقوم على تحليلِ مصادر المعرفة ، وتفسيرِ التفاعلات الرمزية في السلوك واللغة، تَحْمي الروابطَ الإنسانية مِن الهَشَاشة ، وتُبعِد الأفرادَ والجماعات عن القلق الوجودي . وفي ظِل النظام الاستهلاكي المادي المُوغِلِ في عُزلة الأفراد الروحية ، والمُتداخلِ معَ انكماش المُجتمع على ذاته وتاريخه ، صارت القضيةُ المركزية لَيست كيفيةَ الدُّخُول في العلاقات الاجتماعية والروابط الإنسانية ، وإنَّما كيفية الخُروج مِنها بأقل الخسائر ، وذلك لأنَّ الشُّعورَ صارَ نَسَقًا نفعيًّا مُؤَقَّتًا ، والوَعْي صارَ مُحاولةً للسَّيطرةِ على الطرف الآخَر والهَيمنةِ على مساره الحياتي . لذلك ، يَهرُب كثيرٌ مِن الناس إلى الماضي باعتباره الزمنَ الجميل ، ويَغرقون في التُّراث باعتباره شرعيةَ الفِرْدَوْس المَفقود. والتاريخُ لا يُبنَى على فِكرة الهُروب، لأنَّ الهُروب ضَعْف، وإنَّما يُبنَى عَلى مُواجهةِ التحديات الراهنة ، واقتحامِ الخَوف مِن المُستقبل . وإذا كان الحاضرُ في ذِهن الفَرْد مُجرَّد مَنفى ، فإنَّ الفردَ لَن يجد تاريخًا لأمكنة الجسد ، ولا جُغرافيا لأزمنة الرُّوح . ولا بُدَّ مِن تكوين آلِيَّة فلسفية قائمة على قواعد المنهج الاجتماعي مِن أجل دراسة الأفكار وتمحيصها ، فهذه هي الضَّمانة الأكيدة لإنقاذ الفرد والمجتمع مِن المأزق الوجودي . وعندما يعيش الفردُ في عَالَم الأفكار بهدف اختيارِ الأصلح مِنها لظروف الواقع المُعاش ، فإنَّ النظام الحياتي سَيَغدو خريطةَ طريقٍ للخَلاص . وعِندما يَعيش المجتمعُ في ثقافة الحُلُول الإبداعية للمُشكلات ، فإنَّ المنظومة الحضارية سَتَغدو خُطَّةً عملية للنهضة .

2

     إذا اعتبرَ الفردُ حياتَه تحصيل حاصل ، ونَظَرَ إلى إفرازات حياته كَمُسلَّمات غير قابلة للنقاش، فإنَّه سَيَدخل في صِدَام معَ مُكوِّنات المُجتمع ، وصِرَاع معَ عناصر الطبيعة ، لأنَّه يَعتقد أنَّه مَالِكٌ للحقيقة المُطْلَقَة ، ووصيًّا على المُجتمع ، وسَيِّدًا على الطبيعة. ويجب على الفرد أن يُدْرِك أنَّه مَحكوم بأعراف المُجتمع وقوانين الطبيعة ، ولَيس حاكمًا مُطْلَقًا عليهما . وهذا يستلزم إعادةَ تشكيل مصادرِ المعرفة ومعاييرِ السُّلوك وكِيَاناتِ اللغة ، مِن أجل تحقيقِ الاتزان في البُنى الوظيفية في المجتمع ، وإزالةِ الحواجز الفكرية بين الرائي والرؤية ، وإلغاءِ التناقضات الجوهرية بين الطريق والطريقة . وهذا أمرٌ ضروري وأساسي لإصدارِ أحكام صحيحة على العلاقات الاجتماعية،ورَبْطِها معَ الوَعْي الفردي والعقل الجَمْعي. والعلاقاتُ الاجتماعية لَيْسَتْ شيئًا يَعْثُر عليه الفردُ في حياته ، وإنَّما يَصنعه ، ويُضْفي عليه الخصائصَ الوجودية والهُويةَ المعرفية . لكنَّ الإشكالية هي تحوُّل الظاهرة الثقافية إلى حقيقية اجتماعية اعتمادًا على مبدأ هَيمنة المجتمع على الأفراد ، وتأثيراتِ سُلطته الاعتبارية ، بعيدًا عن طرح الفرضيات واختبارها بأسلوب عقلاني. وكُلُّ مُجتمع يَعجَز عن إيجاد الحُلول لمُشكلاته، سوف يتهرَّب مِن الأسئلة الحاسمة ، لأنها بحاجة إلى إجابات منطقية . والمنطقُ يُسبِّب إحراجًا بالغًا للذين يَعيشون حياتهم بشكل عبثي وفَوضوي ، والتاريخُ يُشكِّل كابوسًا للذينَ لا يَملكونه . وفي كثير مِن الأحيان ، تَكُون الحقيقةُ مُرَّةً ومُؤلمةً وصادمةً، ويَكُون الوَهْمُ لذيذًا ومُنْعِشًا ومُريحًا،وهذا هو الفَخ القاتل الذي وَقَعَتْ فيه الحضارةُ الإنسانية.

3

     عِندما يُصبح الأفرادُ آلاتٍ ميكانيكية في هُوِيَّة التاريخ المركزية في الزمان والمكان ، فإنَّ الوَعْي لَن يَقْدِر على تفسير الشُّعور الذي يُساهم في تفعيل سُلطة المعايير الأخلاقية ، والشعور لَن يَقْدِر على إنشاء روابط إنسانية تُساهم في تكريس سِيادة المعنى اللغوي . وإذا اختفت الأخلاقُ واللغةُ فإنَّ النظام الحياتي سَيَغرق في الأوهام . وعندما تُصبح الظواهرُ الثقافيةُ أدواتٍ نفعية في ماهيَّة الواقع الاجتماعية في الظاهر والباطن ، فإنَّ المعرفة لَن تَقْدِر على تحليل البُنية التي تَعمل على تجذير شرعية الرموز اللغوية ، والبُنية لَن تَقْدِر على توليد أفكار إبداعية تَعمل على تكوين هَيكلية الأسئلة الوجودية. وإذا اختفت الرمزيةُ والأسئلةُ فإنَّ المنظومة الحضارية سَتَسقط في الفراغ . لذلك ، لا بُدَّ مِن صِياغة العلاقات الاجتماعية روحيًّا وماديًّا بشكل مُستمر في البُنى الوظيفية المُتَحَكِّمَة بمسار المجتمع ، وكشفِ العناصر المنبوذة والأفكار الهامشية في تفاصيل الجسد الاجتماعي ، لتحديد التيارات الفكرية التي تمَّ تأسيسها للسَّيطرة على تشابكات النظام الحياتي والمنظومة الحضارية في أعراف المجتمع وقوانين الطبيعة . ولا شَكَّ أنَّ الهوامش تدلُّ على المتن ، والأطراف تدلُّ على المركز ، وبِضِدِّها تتبيَّن الأشياء .

13‏/08‏/2022

اللغة والفعل الاجتماعي والنظام الأخلاقي

 

اللغة والفعل الاجتماعي والنظام الأخلاقي

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

1

لَيْسَ الهدفُ مِن الفِعْل الاجتماعي تحويلَ أحلامِ الفرد إلى رُموز لغوية هُلامية ، أوْ معايير ثقافية سطحية ، أوْ نظريات فلسفية مُجرَّدة ، بَلْ تحويل السُّلوك اليومي إلى وَعْي مُتَجَدِّد باستمرار ، وتفسير تاريخ المُجتمع باعتباره جُغرافيا حاضنة للمَدَارِك العقلية ومصادرِ المعرفة ، وتَوسيع زوايا الرؤية مِن أجل تَكوين أفكار إبداعية نَقْدِيَّة قادرة على جَعْلِ سياسة البناء الاجتماعي آلِيَّةً لتحليل المفاهيم الفكرية في ضَوء الروابط المجتمعية ، وهذا مِن شأنه تحرير الفرد مِن المُسلَّمات المُتَصَوَّرَة والتأويلات المُتَخَيَّلَة ، وجَعْله قادرًا على تطوير علاقاته ومصالحه بعيدًا عن الاستثمار في الصِّدَام بَين العقل الفَرْدي والعقل الجَمْعي ، وبعيدًا عن الخَوف مِن ضَياع الهُوِيَّة وانكسارِ الماهيَّة . وهُوِيَّةُ الفرد الحقيقية لَيْسَتْ جِينات وراثية ، وإنَّما فلسفته في الحياة على الصعيدَيْن العِلْمي والعَمَلي . والفردُ الواعي لا يَهرُب إلى أعماق الماضي لإيجاد هُويته في الحاضر ، لأنَّ الهُرُوب هاوية لا هُوِيَّة ، وإنَّما يُكوِّن الوَعْيَ بالماضي لصناعة الحاضر، وتحويله إلى زَمَنٍ مُنْفَتِحٍ يَجعل الفِعْلَ الاجتماعي منظورًا أخلاقيًّا،وتحويل الزمن إلى مكانٍ مَفتوحٍ للبُنى الوظيفية وتركيبها، والأبنيةِ اللغوية وتفسيرها،يَجعل الواقعَ المُعَاش سِيَاقًا للتفاعل بين الأفراد مِن خِلال اللغة باعتبارها وسيلةً للتصالح معَ الذات والآخرين، ولَيْسَتْ أداةً هُجوميةً لتحطيم المُنْجَزَات الفردية والجماعية ، أوْ لُعبةً تأويليةً لفصل النظرية عن التطبيق في مسار المُجتمع ومصيره .

2

اللغةُ والفِعْلُ الاجتماعي يُمثِّلان نشاطًا تواصليًّا ، ويُفْرِزَان حَرَاكًا ثقافيًّا . ودَوْرُ اللغة هو حماية الفِعل الاجتماعي مِن القوالب الجاهزة ، ودَوْرُ الفِعْل الاجتماعي هو حماية اللغة مِن التَّحَوُّل إلى أداة استهلاكية لإنتاج الوَعْي الزائف. وكُلُّ وَعْي زائف سيتم توظيفه لخداع الرأي العام، والتلاعب بشعور الأفراد، وركوب المَوجة بما يضمن تغيير أولويات المجتمع، واحتكار مَسَاره ، وتهديد مصيره . وفلسفةُ اللغةِ قائمة على التفاهم لا الخِدَاع، وفلسفةُ الفِعْل الاجتماعي قائمة على الحقيقة لا الزَّيْف، وهذا يَعْني أنَّ اللغة كَينونة وُجودية مُتداخلة مَعَ الشُّعور والوَعْي والإدراك ، وقادرة على التفاعل معَ الواقع ، سواءٌ كان سابحًا في الذهن والخَيَال ، أوْ مَحصورًا في إطار الزمن والمكان ، كما يَعْني أنَّ الفِعْل الاجتماعي كِيَان جَوهري مُرتبط بالألم واللذة والأخلاق ، وقادر على مَنْع الوَهْمِ مِن تحطيم شخصية الفرد الإنسانية ، ومَنْعِ العِلْمِ مِن تدمير عناصر الطبيعة لتحقيق مصالح شخصية . والعِلْمُ بلا منظومة أخلاقية سَيَصير وحشًا هائجًا ، يتعامل مع التقنية كأداة استغلال، ولَيست مشروعًا للخَلاص . ولا بُدَّ أن تَصِير اللغةُ تجسيدًا للحُلْمِ الإنساني ، وفضاءً للفِعْل الاجتماعي ، مِن أجل بناء علاقة مُتَّزِنَة ومُتَوَازِنَة بين المعرفة والمصلحة ، بحيث لا يُصبح الفردُ مِسمارًا في نَعْش المُجتمع ، ولا يُصبح المُجتمعُ كابوسًا يُطَارِد الفردَ.ولن يتحرَّر المجتمعُ مِن ثنائية (الصَّياد/الفريسة) إلا إذا تَحَرَّرَتْ شخصيةُ الفرد الإنسانية مِن سُلطة الوَهْم.

3

الفردُ يُطوِّر علاقاته الاجتماعية لتحقيق مَصْلحته ، ويُطوِّر مَصْلحته لبناء شرعية وُجوده على قاعدة إنسانية رُبَاعية الأبعاد : المُتعة ، والقُوَّة ، والمعرفة ، والمسؤولية . وهذا التطويرُ مُرتبط بفلسفة الواقع المُعَاش ، التي تُوجد في رمزية اللغة القادرة على إنشاء نظام أخلاقي حاضن للجميع،لا يَستبعد الأنساقَ الاجتماعية المُسَيَّسَة، وإنَّما يُؤَنْسِنُها، أي: يَجعلها إنسانيةً خاليةً مِن قِيَم التَّوَحُّش والاستغلال ، ولا يَستثني الظواهرَ الثقافية الفَوضوية، وإنَّما يُعَقْلِنُها، أي: يَجعلها عقلانيةً خاليةً مِن قِيَم العبث والعدمية . وهذا النظامُ الأخلاقي لا بُدَّ أن يتجسَّد في البُنية الحضارية الفاصلة بين النَّسَقِ المادي لإفرازات الفِعْل الاجتماعي ، والنَّسَقِ الرمزي لأحلام الفاعل الاجتماعي. وهذا التَّجَسُّدُ سَيُؤَدِّي إلى تَجسيد الحقائق التاريخية في الخِبرات الحياتية ، فَيُصبح الصراعُ داخلَ المُجتمع سِيَاقًا ثقافيًّا خاليًا مِن العُنف ، وقائمًا على الوَعْي بالتاريخ المُشْتَرَك ، ومُتَوَافِقًا معَ تحوُّلات الهُوِيَّة المعرفية زمنيًّا ومكانيًّا. وبما أنَّ فلسفة المُجتمع لا تَمتلك الحقيقةَ المُطْلَقَةَ، فلا بُدَّ مِن ظُهور تفسيرات مُتعددة لطبيعة الصراع داخل المُجتمع . ولا يَنبغي الغرق في هذه التفسيرات ، وإنَّما تجاوزها بتأسيس نظام عقلاني نَقْدِي يَمنع تحويلَ شخصية الفرد الإنسانية إلى سِلعة ، أوْ ورقة للمُسَاوَمَة ضِمن شُروط الرِّبْح والخسارة . وإذا صارتْ حياةُ الفرد نظامًا للمُقَايَضَة، فلا بُدَّ أن يُصبح ورقةً مَحروقةً . وعندئذ ، تتمزَّق الهُوِيَّةُ المعرفية ، وتتشظَّى العلاقاتُ الاجتماعية ، ويتفكَّك المُجتمع من الداخل . لذلك ، يجب تحريرُ الوَعْي الاجتماعي من المصالح الشخصية الضَّيقة ، والمحافظة على وجود الفرد كَنَسَق أخلاقي حُر ، ولَيس أداة خاضعة للهَيمنة والابتزاز . وهذه هي الضَّمانة الأكيدة لإعادة المجتمع إلى إنسانيته ضِمن السِّيَاق الحضاري ، الذي يَزرع القِيَمَ الجَمَالِيَّة والأبعادَ الأخلاقية في الفرد ، كَي يَكتشف عناصرَ الطبيعة ، ويتفاعل معها لغويًّا ومعرفيًّا ، ولا يُحوِّل الطبيعةَ إلى عَقْل مادي مُهيمن على حياة الفرد ، ولا يَجعل التقنيةَ سَيْفًا مُسَلَّطًا على رقبة المُجتمع . والهدفُ الأساسي من المعرفة هو تحقيق التواصل بين أفراد المُجتمع ، ونشر فِكرة الحِوار والتسامح والنَّقْد البَنَّاء ، وتعميق رُوح الانتماء للحق ، والولاء للحقيقة . وإذا صارت المعرفةُ أُسلوبًا للتَّحَكُّمِ بالفرد ، والسَّيطرةِ على المُجتمع ، واستنزافِ الطبيعة ، فَسَوْفَ تَسقط الحضارةُ الإنسانيةُ في العَدَم ، وتَصير فِكْرًا مُتَوَحِّشًا ، وفَرَاغًا مُوحِشًا .

06‏/08‏/2022

تأثير السلطة المعرفية على الفرد والمجتمع

 

تأثير السلطة المعرفية على الفرد والمجتمع

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

1

     التحليلُ المنطقي للظواهر الثقافية مُرتبط بطبيعةِ السُّلوك الاجتماعي، وبُنيةِ السُّلطة المعرفية . وإذا كان السُّلُوكُ يَكشِف الفِعْلَ الإرادي للفرد ، فإنَّ السُّلطة تَكشِف الجانبَ الفكري للجماعة . وهذا الكَشْفُ المُزْدَوَجُ يُؤَسِّس مَجَالًا اجتماعيًّا حيويًّا ، يَشتمل على البُنى الوظيفية المُسيطرة على الأحداث اليومية ، ويُؤَدِّي إلى إيجاد روابط منطقية بَين الوَعْي كَنَسَقٍ حاكم، والواقعِ كَنَسَقٍ مَحكوم . وإذا كانت مُعطياتُ الواقع المادي تَدفع الأفرادَ إلى الخُضُوع للعقل الجَمْعي ، بِوَصْفِه القُوَّة المُنظِّمة للأعراف والعادات والتقاليد ، فإنَّ إفرازات الوَعْي تدفع الظواهرَ الثقافية إلى الالتزام بقوانين السُّلطة المعرفية ، بِوَصْفِها القُوَّة المُنظِّمة للمعايير الأخلاقية والعوامل العاطفية . وعندما تَقترن ماهيَّةُ القُوَّة بمنظومة الحقوق والواجبات ، تتكرَّس هُوِيَّةُ المُجتمع كمسؤولية مُشتركة وغاية وجودية . والسُّلطةُ والمسؤوليةُ مُتلازمتان ومُتكاملتان ، وتُوجَدان معًا ، وتغيبان معًا. والمُجتمعُ في صَيرورة تاريخية مُستمرة ودائمة، مِن أجل توليد أنماط معرفية مُستندةٍ إلى شرعية الكِيَان الإنساني ، ومُعتمدةٍ على قواعد البناء الاجتماعي ، وهذا يَدفع باتجاه تَوثيق العلاقة بين السُّلطة والمسؤولية كَهَمٍّ وُجودي غَير قابل للانفصال عن الواقع . وكما أنَّ الفرد لَن يَجِدَ نَفْسَه إلا بالتخلُّص مِن العُقَد النفسية المتجذرة في داخله ، كذلك المُجتمع لَن يَجِدَ نَفْسَه إلا بالتَّحَرُّر مِن العُقَد التاريخية الساكنة في أعماقه .

2

     مفهومُ السِّيادة في بُنية السُّلطة المعرفية لا يَمنع الفردَ مِن مُمارسة الفِعل الاجتماعي بشكل حُر ، ولكنَّه يَمنع الفردَ مِن تحويل مصالحه الشخصية المُتضاربة إلى مَنظومة نفعية استغلالية تصير تاريخًا للمُجتمع . والتاريخُ الحقيقي للمُجتمع لَيس الوقائع والأحداث، وإنَّما هو النظام العقلاني الذي يُسيطر على المُجتمع في رحلة البحث عن مَعنى. وهذا مِن شأنه إلغاء التَّصَوُّرَات الذهنية المُسْتَهْلَكَة ، واستخراج تفاصيل جديدة لحياة المُجتمع أفرادًا وجماعات ، بين الزمنِ الذي يَنبعث مِن أعماق الوَعْي ، والزمنِ الذي يُحَاصِر حُلْمَ المُجتمع في التَّحَرُّرِ مِن الوَهْم وتَغييرِ الواقع . وهذان الزَّمَنَان يُحَوِّلان تاريخَ المُجتمع مِن جَسَد للمكان إلى تجسيد للمعرفة. والرابطةُ بين الزمن والمكان لا معنى لها بدون المعرفة. ووجودُ الفرد في الواقع المُعَاش لا يَعني أنَّه يَملِك معرفةً عنه ، لأنَّ المعرفة تأتي مِن التحليل المنطقي للظواهر الثقافية ، ولا تأتي مِن انحصار الفرد في الزمن والمكان . وأيضًا ، إدراكُ الفرد لوجوده المعنوي والمادي لا يَعني أنَّه يَعرِف تفاصيلَ التاريخ الكامن في أعماقه ، لأنَّ وجود الفرد لا معنى له بدون الوَعْي . والوَعْيُ والمعرفة لا يَصِيران نظامًا إنسانيًّا يَعيش الفردُ به وفيه ، إلا بامتلاك أدواتِ التحليل المنطقي ، وآلِيَّاتِ التأويل اللغوي . وكما أنَّ الفرد لَن يَستفيد مِن مَنجم الذهب إلا إذا امتلكَ خريطةَ الموقع وأدوات التنقيب ، كذلك لَن يستفيد مِن حياته إلا إذا امتلكَ الوعي والمعرفة واللغة . وأصعبُ شيء في حياة الفرد أن يَرى كَنْزًا أمامه ، ولا يَستطيع الوصولَ إليه . وأصعبُ شيء في حياة المُجتمع أن يَجِدَ نظامًا لُغَويًّا مُسيطرًا على العلاقات الاجتماعية ، ولا يَستطيع فَكَّ شِيفرته .

3

     تحديدُ مصادر المعرفة يتطلَّب تحديد الثغرات الموجودة في تاريخ المُجتمع ، لأن الثغرات تكشف مواضع الانفصال والتَّشَظِّي في علاقة الفرد بِنَفْسِه ، وعلاقته معَ الآخرين ، وهذا يُؤَدِّي إلى تحليل طبيعةِ مركزية الذات الإنسانية في الظروف البيئية ، وَدَوْرِ هذه الظروف في إنتاج نظام عقلاني قادر على نَقْد المعرفة، وذلك بتوضيح كيفية نشأتها ، وشُروط استعمالها، وطُرُق توظيفها. والمجتمعُ لَيس انعكاسًا تلقائيًّا لمراحل الانقطاع في العقل التاريخي ، ولكنَّه سُلطة معرفية تتشكَّل باستمرار ، ومنظومة أخلاقية يتم إنتاجُها لإيجادِ العُمق الفكري للفرد ، والمُحافظةِ على توازنه النَّفْسِي في ظِل مأساةِ الحضارة وأزمةِ الوجود . ولَن يستطيع الفردُ الوصولَ إلى جَوهر البناء الاجتماعي ، إلا إذا حوَّل البُنى اللغوية القائمة على تأويل المعنى وتجاوُز التاريخ ، إلى خصائص نَفْسِيَّة قادرة على التمثيلِ المادي للأفكار.واللغةُ هي فلسفة السُّلطة المعرفية،وكُلَّمَا عاد الفردُ إلى اللغة وُلِدَ مِن جديد. والفلسفةُ أُسلوبُ حياةٍ لإدراك حقيقة الأشياء ، ومنظومةٌ تجميعيةٌ للأسئلة الدائمة ، ولَيْسَتْ بحثًا عن النظريات والخَيَالات والمُسَلَّمَات .