سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/11‏/2019

النظام الاجتماعي بين الفردية والإنسانية

النظام الاجتماعي بين الفردية والإنسانية

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

............

     تُشكِّل السياقاتُ المعرفية في النظام الاجتماعي صياغةً مُتجددة لعلاقة الفرد مع نفْسه ، ضمن مُحيطه الإنساني وبيئته الوجودية. وكُل نظام اجتماعي لا يمكن أن يستمر إلا إذا تركَّزَ عُنصرُ التَّجَدُّد في نواته المركزية ، لأن التَّجَدُّد هو الضمانة الأكيدة لمنع الجمود والانغلاق ، وبالتالي ضمان جريان الماء تحت جُسور المعرفة ، ولا شَك أن سُكون الماء يَجعله آسِنًا . والحَلُّ الوحيد يتجلَّى في الحركة المُستمرة في الاتجاه الصحيح ، ولا فائدة مِن سُرعة القِطار إذا كان سائرًا في الطريق الخاطئ ، كما أن التَّجَدُّد هو العامل الثقافي القادر على إحداث توازن بين سُلطة المعرفة وسياسة الحداثة، التي تقوم على الإبداع الذاتي ، وليس تقليد الآخرين ، واستيراد النظريات مِنهُم . وكُل حداثة لا تنبع من الذات ، ستسقط لا مَحَالة ، لأن مصير الأقنعة السُّقوط ، وسوفَ يَنكشف الوجهُ الحقيقي في يوم مِن الأيام. لذلك، ينبغي أن يكون التَّعويلُ على تَجميل المجتمع بالإنجازات الحقيقية على أرض الواقع ، وليس باستخدام عمليات التجميل ، أو انتهاج أسلوب التَّرقيع ، ودفنِ النار تحت الرماد. وكما أن جَمال الشجرة الحقيقي ينبع من جَودة ثمرها ، وليس شكلها الخارجي، كذلك جَمال المجتمع الحقيقي يَنبع من إبداع أفراده ، وليس أشكالهم وملابسهم .
2
     إن تكوين علاقة منطقية بين قُدرة الأفراد على الإبداع، وبين قِيَمِ المجتمع الإنساني ، يُمثِّل تَحَدِّيًا حقيقيًّا، وامتحانًا لضمير المجتمع. ففي كُل مجتمع أعداء للنجاح،وفي كُل بيئة سياسية قوى شَد عَكسي ، تُحارب الإبداع والحداثة والتجديد ، حِفاظًا على مصالحها الشخصية وامتيازاتها الذاتية. وإذا أردنا أن يسير قِطارُ المجتمع على السِّكة بأمن وأمان، فينبغي إزالة العقبات مِن طريقه، وحَمْل جميع الرُّكاب في القِطار، لئلا يَشعر أحدُهم أنه مَنبوذ أو مُهمَّش أو مرفوض.وإذا شَعَرَ الرُّكابُ أن القِطار يُحقِّق مصالحهم جميعًا، ويُوصلهم إلى أهدافهم، فسوفَ يُدافعونه عنه، ويَعتبرونه جُزْءًا مِن نسيج حياتهم وأفكارهم وحاضرهم ومُستقبلهم،لا يُمكن الاستغناء عنه،ولا الاعتداء عليه. وهذا يدل على أهمية الحاضنة الشعبية في تبنِّي الأفكار ، وتطبيقها بشكل صحيح. وتحقيقُ هذا الحُلم لا يتأتَّى إلا باختيار القرار الصحيح في التَّوقيت الصحيح ، ولا أحد يستطيع أن يتجاوز طبيعة الزمن ، أو يَقفز على عُنصر الوقت ، لأن الفرد يتحرَّك في قالب محصور ، وصيغة زمنية محدودة ذات خصائص مُعيَّنة ، يجب أخذها في الاعتبار ، لحماية الفرد مِن السقوط في الفراغ ، ومنعِ المجتمع من القفز في المجهول .
3
    
     كُلُّ الإنجازات المادية في طبيعة النظام الاجتماعي ، هي انعكاس للمشاعر الإنسانية الفردية ، وإفراز للأحاسيس البشرية الجماعية . والعواطفُ الوجدانية لَيست خيالات هُلامية ، أو جُزءًا من الرفاهية الرومانسية الحالمة . إن هذه العواطف تُجسِّد شرعيةَ الوجود الإنساني في الإطار المكاني والحيِّز الزماني ، وهي سُلطة معرفية اعتبارية ، تَمنح الفردَ مشروعيته الوجودية ، وتَصنع التحولات الاجتماعية . وكما أن القَلْب مَلِك الجوارح وزعيم الأعضاء ، وليس مُجرَّد كلمة في أغنية عاطفية ، كذلك العواطف الوجدانية ، هي مَلِكة الحَراك الاجتماعي ، وزعيمة السُّلطة الشُّعورية المركزية الفردية ، ذات الامتدادات في تفاصيل بُنية المجتمع ، وقواعدِ السُّلوك الفردي .
4
     الفردُ لَيس كُتلة أسمنتية ، ولا آلة بيولوجية للأكل والشُّرب والتكاثر . إن الفرد كيان اجتماعي سياسي قائم بذاته ، وهو صانع سياسات ذهنية وواقعية ، بغض النظر عن مُستواه العِلمي والثقافي. وكُل فرد في الحياة له سياسته الخاصة ، التي تنعكس على سُلوك وتعامله مع الناس وعناصرِ الطبيعة ، وهذا لا يَعني أنه صار سياسيًّا . وكُل فرد في الوجود له فلسفته الخاصة ، التي تنعكس على تصوُّراته الفكرية وقناعاته الحياتية ، وهذا لا يعني أنه صار فَيلسوفًا . وهناك فرق واضح بين السياسة كإجراء واقعي لَحْظي ومُمارسة يومية ، وبين السياسات كتخطيط للحاضر والمستقبل . وهناك فرق جوهري بين الفلسفة كنظام تفكيري عقلاني تجريدي ، وبين الفلسفات كقواعد للسلوك الإنساني ومبادئ للتعامل مع  الآخرين .
5
     إن سَعْي الفرد الدؤوب نحو صناعة حُلمه الشخصي ، والمُساهمةِ في تحقيق آمال المجتمع وطُموحاته، يُؤدِّي _ مع مرور الوقت _ إلى تحوُّل حُلم الفرد إلى مشروع لخلاص المجتمع ، وانتشاله مِن مأزقه الوجودي ، وكُل جُزء إذا وُضِع في مكانه الصحيح ، سَيَتَحَوَّل إلى منظومة جماعية مركزية لا غِنى عَنها . وقيمةُ الأشياء لا تتحدَّد حَسَب حَجمها ، وإنما تتحدَّد حَسَب السياق الذي وَردت فِيه. والكلمةُ لا تملك تأثيرًا فعليًّا إلا ضِمن الجُملة اللغوية والسياق العام للكلام . ولا يمكن معرفة قيمة البُرغي إلا مِن خلال مَوقعه ودَوره في الآلة الميكانيكية . والكُلُّ يَمنح الشرعيةَ والأهميةَ للجُزء ، والجُزء يَمنح الإضافة النَّوعية اللازمة للكُل . وهذه المنظومة الفلسفية ( الجُزء / الكُل ) القائمة على المنفعة المتبادلة ، لتحقيق المصلحة المشتركة العُليا ، تنقل الفردَ مِن فَرْديته إلى إنسانيته. أي إن الفرد مِن خلال بحثه عن معنى وجوده وجَدوى حياته ، وإسهامه في نهضة مجتمعه ، وصناعة حاضره ومستقبله ، والنهوض بالحضارة الإنسانية والمدنية العالمية ، يُصبح إنسانًا ذا موقع مركزي على خارطة الإبداع ، وذا بصمة مؤثِّرة في تاريخ الحضارة والمدنية . وهذا يُشير إلى أن الفَرْدية خُطوة في طريق الوصول إلى الإنسانية ، كما أن المَحَلِّية خُطوة في طريق الوصول إلى العالمية . وبعبارة أُخرى ، كُل إنسان فرد ، وليس كُل فرد إنسانًا . وكُل عَالَمِيٍّ مَحَلِّيٌّ ، وليس كُل مَحَلِّيٍّ عالميًّا .

23‏/11‏/2019

البنى الاجتماعية والسيطرة على عنصر المفاجأة

البنى الاجتماعية والسيطرة على عنصر المفاجأة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...............

1

     إن تحليل النُّظم الرمزية في البُنى الاجتماعية ضروري من أجل فهم التغيرات النفسية للأفراد، واستيعابِ السلوكيات المُتقلِّبة للمُجتمعات الإنسانية. ولا يُمكن فهم حركة الأفكار والمشاعر في النَّسق الاجتماعي العام،إلا بفهم الأساس الفكري لهذا النسق . وإذا أردنا فهم الطبيعة النفسية للإنسان، لا بُد من العودة إلى طُفولته وتحليلها . وإذا أردنا معرفة طبيعة الشجرة ، لا بُد من العودة إلى جُذورها ودراستها . وهذا يدل على الترابط الحَتمي بين الماضي والحاضر ، باعتبارهما كيانًا واحدًا مُتَّصِلًا ، وصيغةً رمزية فلسفية ، وكُتلةً اجتماعية مُترابطة ومُتشابكة ، وليس مرحلتَيْن مُنفصلتَيْن زمانًا ومكانًا .
2
     الماضي لا يَمضي . هذه حقيقة فلسفية لها تطبيقات على أرض الواقع ، تتعلَّق بعودة الإنسان إلى مَاضيه وجُذوره ، من أجل فهم حاضره . وكُل شخص وَصل إلى البَيت ، ينبغي ألا يَحصر تفكيره بين جُدران البَيت ، لأن هذا يدل على قِصَر النظر ، وعدم رؤية الأشياء مِن كل الزوايا. والواجب عليه أن يَنشغل بالطريق المُوصل إلى البيت، ويُفكِّر في طبيعة المسار الذي أوصله إلى هدفه ، والعلاقة بين الوسيلة والغاية ، والسبب والنتيجة . والبيتُ مكان الراحة والهدوء والاستقرار، في حين أن الطريق مكان التعب والمَشَقَّة والحركة . والإنسانُ الواعي يَقضي وقته لإيجاد حُلول للمشكلات ، وعلاج الأزمات ، ومُواجهة التحديات ، ولا يَقضي وقته في تحصيل الحاصل ، والتفكيرِ بالأشياء المضمونة الجاهزة . وبعبارة أُخرى ، إن الوعي الإنساني والجُهد العقلي يجب أن يتم تركيزهما على الأشياء المطلوبة لا الأشياء المضمونة .
3
     الطالبُ الناجح يَحصر تفكيره في الإجابة عن أسئلة الامتحان بشكل صحيح ، ولا يُضيِّع وقته في التفكير بالنتيجة وما بعد الامتحان . والقائدُ العسكري الناجح يَسعى إلى الانتصار في المعركة، ولا يُفكِّر في الأوسمة العسكرية وأكاليل الغار . والأديبُ المُبْدِع يُفكِّر في صناعة نَص لُغوي باهر ومُدْهِش، ولا يُفكِّر في الجوائز الأدبية وقيمتها المالية . والصَّيادُ الماهرُ يَنظر إلى الفريسة البعيدة عنه ، ولا يُفكِّر بالفريسة الواقعة في يده .
4
     المشكلةُ المنتشرة في المجتمعات الإنسانية ، هي استعجال الأشياء قبل أوانها ، لأن الإنسان كائن محدود القُدرات ، قصير النظر ، يَمَلُّ بسُرعة ، ولا يَملك نَفَسًا طويلة ، ولا يُتقِن الطبخَ على نار هادئة ، ولا يُريد التخطيط على المدى البعيد. والتَّسَرُّعُ والعَجَلَةُ صِفتان لازمتان للإنسان. إنه يُريد كُلَّ شيء بضربة واحدة ، وَيَنسى أن الحياة سباق مسافات طويلة ، وينبغي توزيع الجُهد الروحي والطاقة الجسدية على المسافة كُلِّها ، ومَن يَضحك أخيرًا يَضحك كثيرًا. والمُباراة تنتهي معَ صَفَّارة الحَكَم. وكَم مِن فريق افتتحَ التسجيلَ في المُباراة، وفرح اللاعبون ، ثُمَّ خسروا المُباراة . وكَم مِن شَخص ضَحِكَ في البداية ، وبَكى في النهاية . وكَم مِن قائد انتصرَ في معركة ، وخَسِرَ الحربَ . وهذه التحديات التي تمتاز بالتغيُّرات والتقلُّبات ، يُمكن السَّيطرة عليها إذا تَمَّت السيطرة على عُنصر المفاجأة القاتل ، وهذا لا يتأتَّى إلا بحساب احتمالات الربح والخسارة معًا ، ووضع خُطَط عملية للتعامل معَ حالة الانتصار وحالة الهزيمة . وعندئذ ، لا يُصاب الإنسان بخَيبة الأمل ، ولا تنزل الأحداثُ على رأسه كالصاعقة، ولا يُباغته عُنصرُ المُفاجأة الذي قَد يَقضي عَلَيه، ويُحطِّمه، ويُسبِّب له الانهيار . والوعيُ الإنساني الفعَّال ، لا يَترك شيئًا للمُصادَفة أو المُفاجأة ، فكل شيء مَحسوب ومدروس ومُسَيْطَر عَلَيه، وهناك خُطَّة أساسية، وخُطَّة بديلة لحالات الطوارئ ، وهناك تشكيلة أساسية ، وتشكيلة احتياط ، للتعامل مع كافة المواقف وجميع الحالات . والعاقلُ يُقَاتِل مِن أجل كُل شيء ، ولا يتوقَّع أيَّ شيء .

إدغار رايس بوروس وشخصية طرزان

إدغار رايس بوروس وشخصية طرزان

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........

     وُلد الكاتب إدغار رايس بوروس ( 1875 _ 1950 ) في شيكاغو ، إلينوي . درس في عدد من المدارس المحلية ، ثم انتسب إلى أكاديمية فيليبس في أندوفر ، ماساتشوستس . وبعدها تخرَّج في أكاديمية ميتشيغان العسكرية في عام 1895، ثم أصبح عضوًا في فوج الخيَّالة السابع، لكن حياته العسكرية انتهت عندما اكتشف الأطباء مشكلةً في قلبه ، فتمَّ تسريحه من الخدمة العسكرية .
     انتقلَ من مهنة لأخرى حتى عمل بائعًا للقرطاسية.في أحد الأيام ، وعندما كان بانتظار صاحب متجر ليبيعه بعض من منتوجات الشركة التي كان يُمثِّلها ، وقع نظره على مجلة قصص مُصوَّرة ، وبدأ يطَّلع عليها. ويقول في مذكراته إنه بدأ يُفكِّر بصوت عالٍ قائلاً: (( إذا كان الكُتَّاب يقبضون ثمنًا لكتابة مثل هذه الخزعبلات ، فإن بإمكاني كتابة خزعبلات احسن من هذه )) .
     كانت أول قصصه بعنوان" أميرة المريخ " ( 1912 )، وفي ذات العام في شهر تشرين الأول/ أكتوبر ، كتب أولى قصص طرزان وحملت عنوان " طرزان الرَّجل القرد " .
     بعدها بعامين أصدر كتابًا كاملاً من قصص طرزان ، ليتم تحويل قصة طرزان إلى السينما في عام 1918 . وقد أدَّى دور طرزان الممثل إلمو لينكولن ، إلا أن الممثل جوني ويزمول ، والذي أدى الدور لاحقًا ، هو الذي اشْتُهِر بدور طرزان .
     تُوُفِّيَ بوروس بعد أن كتب 91 رواية ، 26 منها حول شخصية طرزان . وقد باعت كتبه ملايين النسخ ، وتُرجِمت إلى نحو 30 لغة . وقد كتب في مذكراته :  (( أنا أكتب لأهرب ... لأهرب من الفقر )) .
     بوروس هو مُبتكر شخصية " طرزان رَجل الغابة " . ويعتبر البعض شخصية طرزان واحدة من أشهر الشخصيات الخيالية ، حيث ظهر طرزان بعد نشر الرواية في أفلام وكتب الأطفال وبرامج تلفزيونية وإذاعية ودعايات للبنزين ولُعب الأطفال والملابس الداخلية والأحذية الرياضية . وتَمَّ إنتاج 88 فيلمًا عن هذه الشخصية ، خلال الفترة ( 1918 _ 1999 ) .
     ذاع صِيت هذه الشخصية الروائية لدرجة أن البعض كان مقتنعًا أن طرزان هو شخصية حقيقية. وحسب رواية " طرزان القردة " ، فإن طرزان واسمه الحقيقي هو جون كلايتون، هو ابن أحد النبلاء الإنجليز ، وكان والداه على متن سفينة بالقرب من سواحل أفريقيا، وقد ثار البَحَّارة على قبطان السفينة، واندلعت أعمال شغب وفوضى انتهت بانجراف واستقرار السفينة على الساحل الأفريقي. وبعدها يموت والدا جون كلايتون وهو رضيع، ويقوم قرد ضخم الحجم من نوع مانجاني برعايته ، ويتم إطلاق اسم طرزان عليه ، والذي يعني ذو البشرة البيضاء في لغة القردة . والقردة التي تقوم برعاية طرزان هي فصيلة خيالية خاصة، لا وجود لها في التصنيفات العلمية . وعندما يبلغ طرزان مرحلة الشباب يقع في حب فتاة أمريكية اسمها جين، وعندما تغادر جين الجزيرة يقوم طرزان بالبحث عنها وينتهي البحث بنهاية سعيدة بزواج طرزان من جين ، ويُرزَقان بابن اسمه كوراك ، ويعيشان لفترة في لندن، ولكنهما يُقرِّران العودة إلى نقاء الطبيعة، بعيدًا عن ازدواجية ونفاق المدينة ، فيعودان إلى الجزيرة ، وتنتهي الرواية بتحولهما إلى شخصين خالدَيْن ، حيث لا يزالان على قيد الحياة، حسب رواية " طرزان القردة " .
     تجري أحداث الرواية ، التي هي مليئة بالمعارك التي يخوضها طرزان مع الحيوانات وسُكان الجزيرة الأصليين ، في سنوات قريبة من عام 1908 . ويُصوِّر الكاتب بوروس طرزان بشكل إنسان يُشبه إلى حد ما تمثالاً يونانيًّا قديمًا. ولون عينيه رمادي،يقص شعره بين حين وآخر مستعملاً سكينًا قديمة ، تركها له والده قبل أن يموت وهو رضيع ، وشخصيته متوحشة وعنيفة .
     وبالرغم من النجاح الساحق الذي حققته الروايات الأولى والأفلام الأولى في سلسلة طرزان ، إلا أن مستوى الأعمال اللاحقة لَم ترتقِ إلى مستوى البدايات . وفي نهاية الستينيات وبداية السبعينيات ، اعتبر البعض قصة طرزان من الأساس قائمة على مبدأ عنصري بسبب ما اعتبره البعض اسم طرزان الذي يعني باللغة الخيالية للقردة " ذو البشرة البيضاء وتصوير القصة حسب اعتقاد البعض لفوقية البيض على الأفريقيين الذين تم تصويرهم كمتوحشين وبربريين ، بينما انتقد البعض من أنصار حركات حقوق المرأة شخصية طرزان لأنها تُمثِّل فكرة تفوُّق الرَّجل على المرأة.

22‏/11‏/2019

إدغار آلان بو وحياة التشرد

إدغار آلان بو وحياة التشرد

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

............

     وُلِد الأديب الأمريكي إدغار آلان بو ( 1809_ 1849) في بوسطن . وكان الطفل الثاني لِمُمَثِّلَيْن . هجر والده الأسرة في عام 1810 ، وتُوُفِّيَت والدته في العام التالي ، فأصبحَ يتيمًا . وقامت إحدى الأُسَر برعايته والاعتناء به ، رغم عدم تَبَنِّيه رسميًّا . وكان هناك مشكلات بين بو والأسرة الحاضنة ، وفي النهاية انفصلَ عنها .
     فازَ بو في مسابقة أدبية ، حيث كتب قصة قصيرة في سن الرابعة والعشرين ، وأصبح بالتالي ناقدًا أدبيًّا لمجلة ( رسول الأدب الجنوبي ) . وفي سن السابعة والعشرين ، تزوَّج ابنةَ عَمِّه التي كانت تبلغ من العُمر في ذلك الوقت ثلاثة عشر عامًا .
     أصبحَ بو مشهورًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة حين نشر قصيدته "الغراب" ( 1845). لكن حياته انهارت بسبب إدمانه الشديد على الخمر، وصارت سُمعته سيئة للغاية في مجتمع القرن التاسع عشر المحافظ.
     بعد وفاة زوجته في عام 1847، انهارَ بو عاطفيًّا ، وتُوُفِّيَ بعد ذلك بعامين ، في سن الأربعين، في أحد شوارع مدينة بالتيمور . وقد هاجمه النُّقاد بشدة بسبب مُعاقَرة الخمر ، واتَّهموه بأنه مدمن على المخدِّرات. وقال البعضُ إنه يجب أن لا يُترَك الجمهور معَ رَجل مِثله ، غير مستقر نفسيًّا وعقليًّا، يجلس في غرفة معتمة، مع غراب على بابه، وزجاجة على طاولته، وأنبوب مليء بالأفيون.  كان بو واحدًا من أفضل الكُتَّاب في تاريخ الأدب الأمريكي . وكان يُؤثِر الوَحدة في حياته ، ويُعبِّر عنها ببلاغة في قصائده الشِّعرية . وكتاباته تجعل القارئ يتفاعل معه عاطفيًّا .
     في كُل ما كَتب بو مِن قصص وقصائد ، تبرز نقاط توتره وكآبته وقلقه ومواهبه الخارقة التي شَكَّلت شخصيته الإبداعية المغايرة ، التي لَم يُفلِح الدارسون حتى اليوم في تفكيك كل ألغازها ، وفي دخول كُل سراديبها . فكتابات بو غاية في الصعوبة والجمالية .
     كان بو في نظر أبناء جيله رمز الشاعر الملعون ، ورمز الشاعر المتسكع المعاكس للتيار ، المشاغب في الكتابة الشعرية، المخرِّب في النثر، المتمرد على كل المدارس الأدبية والشعرية السابقة له، المدمن والمغامر والمتفلِّت مِن كل القوانين، الثائر على التقليد، الحزين حتى الموت، الكئيب حتى الثمالة ، والمتألم والمحِب والعاشق حتى الجنون . وقد أكَّدت إحدى الدراسات على أنه بو لَم يستفد مِن كُتبه كُلِّها على مدار حياته سِوى ثلاثمئة دولار فقط لا غَير .
     في كل مراحل حياته ، لَم يُفلِح بو في تأمين عمل يساعده على سَد نفقات معيشته ودُيونه المتراكمة ، الأمر الذي ساهمَ في عودته الدائمة إلى الإدمان. ومع أنه عمل صحفيًّا في أكثر مِن مجلة إلا أن ذلك لَم يُساعده سِوى على نشر بعض أعماله الأدبية فيها ، فنشرَ أولى مجموعاته القصصية في مجلة "برتون جنتلمان " عام 1840، ثم انتقل ليصبح رئيس تحرير مجلة أخرى نشر فيها روايته البوليسية "جريمة قتل في المشرحة" التي سُرعان ما تُرجمت إلى الفرنسية وتناولتها الصحف بمقالات نقدية إيجابية . إلا أن الخطوة الأولى نحو النجاح كانت مع نيله جائزة "جريدة فيلادلفيا" وكانت تبلغ يومذاك مئة دولار عن قصة "الحشرة الذهبية" ، ثم عمل في مجلة "غراهام" ليتركها بعد عام ويعود إلى نيويورك لينشر قصيدته "الغراب" التي بدأت معها شهرته في الأوساط الأدبية من دون أن يساعده ذلك على النهوض مِن غَرَقه في الدُّيون الهائلة .
     تتكرر معظم موضوعاته حول مسائل الموت ، بما في ذلك علاماته الجسدية وآثار التحلل ، والمخاوف من الدفن السابق لأوانه ، أو " القتل الرحيم " ، والإنعاش من الموت، والحِدَاد .
     وتُعتبَر كثير من أعماله جُزءًا مِن هذا النوع مِن الرومانسية السوداء،وهي رَدَّة فِعل أدبية للفلسفة المتعالية التي كرهها بو بشدة .
     في مرحلة ما بعد الرُّعب ، اتَّجَهَ بو نحو الأسلوب الساخر والحكايات الفكاهية والخدع . ولإضفاء طابع كوميدي ، استخدم السُّخرية ببذخ في كثير من الأحيان في محاولة منه لتحرير القارئ من المطابقة الثقافية . كما أعاد بو ابتكار الخيال العِلمي في استجابة  للتكنولوجيا التي ظهرت في ذلك الوقت مِثل مَناطيد الهواء .
     مِن أشهر أعماله : حُلم داخل حُلم (1827) . الدُّودة الفاتحة (1837) . بعض كلمات مع مُومياء ( 1845) . أنابيل لي ( 1849) .

سأعيش سرًّا غامضًا / قصيدة

سأعيش سرًّا غامضًا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

     سَأعيشُ سِرَّاً غَامِضاً/ والموْتُ يَفُكُّ شِيفرةَ ذِكْرياتي / ذَهَبَت الذِّكرياتُ إلى الاحتضارِ / وفِرَاشُ الموْتِ على الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ/ وألعابُ الأطفالِ تَحْتَ أنقاضِ البُيوتِ/وجُثماني هُوَ بَيْتُ العَنكبوتِ/
     أنا الحاجِزُ العَسكريُّ بَيْنَ الرُّومانسيةِ والكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ/ أنا الرَّصاصةُ الْمَنْسِيَّةُ بَيْنَ شُيوخِ القَبائلِ ومُلوكِ الطوائفِ / أنا النَّشيدُ الوَطنيُّ بَيْنَ الفَراغِ العاطفيِّ والفَراغِ السِّياسيِّ /
     كَسَرَتْ أحزانُ الطفولةِ أجنحةَ الذبابِ / والأمطارُ تَعيشُ في دَمِي النُّحاسيِّ أشجاراً / ونَحْنُ اليتامى / بِعْنا دِمَاءَ آبائِنا في السُّوقِ السَّوداءِ / وانكَسَرَتْ جَدائلُ أُمَّهاتِنا في صَوْتِ الرَّصاصِ / ونَصْعَدُ إلى هَاويةِ اللازَوَرْدِ حَبْلَ غَسيلٍ أوْ حَبْلَ مِشْنقةٍ /
     وُلِدَ قَلبي في الخريفِ / وماتَ في الشِّتاءِ / لَكِنِّي مُحَاصَرٌ بأزهارِ المقبرةِ / ولا أعْرِفُ مِن أيْنَ سَيَأتي الموْتُ / وأوراقُ الخريفِ لا تَعْرِفُ مِن أيْنَ سَيَأتي الشِّتاءُ / انكسرَ جَسَدُ المرأةِ / وضَاعَت الْجُغرافيا / وانكَسَرَت الدَّولةُ / وضاعَ التاريخُ / لا امرأةٌ ولا دَولةٌ / لا جُغرافيا ولا تاريخ /
     أيُّها البَحَّارةُ/ كُونوا رُومانسِيِّينَ كَمَنَادِيلِ الوَداعِ/ إِنَّ السَّفينةَ تَغْرَقُ/ اعْشَقُوا نَوَارِسَ الغروبِ / ارْمُوا جُثةَ الرُّبَّانِ في البَحْرِ / ارْفَعُوا أعلامَ القَبائلِ على جُلودِ فِئرانِ السَّفينةِ / وَدِّعُوا بَعْضَكُم / إنَّهُ فِرَاقٌ لا لِقَاءَ بَعْدَهُ/ أكَلَ الإعصارُ الذِّكرياتِ/ والنِّساءُ وَاقفاتٌ على رَصيفِ المِيناءِ/ يَنْتَظِرْنَ ثِيَابَ الحِدَادِ والجِنازةَ العَسكرِيَّةَ والأغاني الوَطنيةَ / ونَسِيَ العُشَّاقُ عَصيرَ البُرتقالِ عَلى طَاوِلاتِ المطاعمِ/ وذَهَبُوا إلى الموْتِ / والعَناكبُ تَتساقطُ في عَصيرِ البُرتقالِ / أكَلَ البَقُّ خَشَبَ الطاولات / وأكَلَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ صُدورَ البَنات / ماتت الذِّكريات / وَكُلُّ شَيْءٍ مات /
     لماذا تَكْرَهُوني يا مُلوكَ الطوائفِ ؟ / النُّعوشُ مُرَتَّبَةٌ تَحْتَ رَاياتِ القَبائلِ الْمُنَكَّسَةِ / وجَدائلُ النِّساءِ مَصْفُوفةٌ كالتَّوابيتِ على سُطوحِ القِطَاراتِ / أخذتُ الجِزْيةَ مِن مُلوكِ أُورُوبَّا / وتَصَدَّقْتُ على البَدْوِ الرُّحَّلِ / الذينَ سَكَبُوا السَّائِلَ الْمَنَوِيَّ في آبارِ النِّفْطِ / والعصافيرُ تَقِفُ على صَفَّاراتِ الإنذارِ في مَملكةِ السُّلِّ / وتَرْمي الفَتَيَاتُ مَناديلَ الوَدَاعِ في صَفيرِ القِطَارات / وَكُلُّ شَيْءٍ مَات /
     أنا دَليلٌ سِيَاحِيٌّ في مَقابرِ الملوكِ / أنا بَائعٌ مُتَجَوِّلٌ في مَوَانِئِ الرَّحيلِ / جُثماني مَعروضٌ للبَيْعِ في السُّوقِ السَّوداءِ/ وأشلائي تُزَيِّنُ حِيطانَ المتاحفِ / وعُكَّازةُ أبي تُباعُ في الْمَزَادِ العَلَنِيِّ / وأنا المنبوذُ/ أبيعُ النَّعناعَ أمامَ المحاكمِ العَسكرِيَّةِ / وتَضْحَكُ الغَجَرِيَّاتُ أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ / ويَرْحَلْنَ إلى نَشيدِ الغروبِ / مَاتت الدَّولةُ / وماتت الأُغْنِيَات / وَكُلُّ شَيْءٍ مات .

21‏/11‏/2019

الريح تتبرع بدمها للبحر الجريح / قصيدة

الريح تتبرع بدمها للبحر الجريح / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     سَامِحْني أيُّها النَّهْرُ / سَأترُكُ جُثمانَكَ تَحْتَ الأمطارِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ / نُولَدُ في غُرَفِ الفَنادقِ الرَّخيصةِ/ وَيَأتي الأغرابُ كَي يَمْدَحُونا بَعْدَ اغتيالِنا/ صَادقتُ قَاطِعَ الطريقِ/وَمَا زِلْتُ أبْحَثُ عَن الطريقِ /
     سَأدْعَمُ حُقوقَ المرأةِ بَعْدَ انتحارِ المرأةِ / وأعشقُ الوَطَنَ بَعْدَ ضَياعِ الوَطَنِ / لأنَّ دُستورَ الوَحدةِ الوَطنيةِ كَتَبَهُ رُعيانُ الغَنَمِ / أعْتَقْتُ الملِكَاتِ السَّبايا / وَعُدْتُ إلى الرِّمالِ الْمُتَحَرِّكَةِ / كَي أزرعَ النَّخيلَ في آبارِ النِّفطِ / سَيُصْبِحُ تاجرُ الْمُخَدِّرَاتِ شَاعِراً / وَيُصْبِحُ تاجرُ الأسلحةِ فَيْلَسُوفاً / فلا تَخَفْ عَلى الوَطَنِ / لَم يَعُدْ هُناكَ وَطَنٌ كَي نَخَافَ عَلَيْهِ /
     سَتَنْمُو عِظامُ القَتلى في الغَيْمِ الأزرقِ / وَيَنْمُو النَّعناعُ في خَشَبِ التَّوابيتِ / لَسْتُ رُومانسياً في بَراري الدَّمْعِ / وَلَن أتزوَّجَ البُحَيرةَ / أنامُ وَمُسَدَّسي مَحْشُوٌّ بالذخيرةِ تَحْتَ وِسادتي / والخيولُ تَجُرُّ عَرَبَاتِ الموتى تَحْتَ نافذتي / وَصَوْتُ المطرِ يَأكلُ صَوْتَ الكَمَانِ في الليلِ الطويلِ /
     جَماجمُ العُشَّاقِ مَنقوعةٌ في عَصيرِ الليمونِ / أغلقَ الجرادُ المطعمَ بالشَّمْعِ الأحمرِ / لا طَريقٌ للذِّكرياتِ / ولا أرشيفٌ للعَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / مَاذا تُريدينَ مِنِّي أيَّتُها السُّنبلةُ المحترِقةُ بِدُموعِ عَاشِقِها ؟ / مَاذا تُريدينَ مِنِّي ؟ / دَمُ الْحَيْضِ على النَّظارةِ السَّوداءِ / وَالعَرَقُ على فُرشاةِ الأسنانِ / والصَّليبُ يَتأرجَحُ بَيْنَ الثَّدْيَيْن / سَيَأكُلُ البَقُّ الصَّليبَ / وَيَأكُلُ السَّرطانُ الثَّدْيَيْن /
     لا تَقْلَقْ يَا حُطامَ الذِّكرياتِ / إِذا لَم نَجِد الْخَلاصَ في أجنحةِ الفَراشاتِ / سَنَجِدُهُ في أوراقِ الخريفِ/ الأعلامُ الْمُنَكَّسَةُ في طَريقِ البَحْرِ / والرَّاياتُ البَيضاءُ عَلى سُورِ المقبرةِ/ والغبارُ انتصرَ عَلى شَوَاهِدِ القُبورِ / عَادَ التُّرابُ إلى التُّرابِ / والبَحْرُ وَهْمٌ اخْتَرَعْنَاهُ وصَدَّقْنَاهُ / كُلَّما عِشْتُ ابتعدتُ عَن ذَاتي / والموْتُ سَفَرٌ إلى ذَاتي / أنا الرُّومانسيُّ الأخيرُ في أرشيفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / أبراجُ الْحَمَامِ مِن عِظَامِ الضَّحايا/ وَالْجُسُورُ في المدُنِ الخرساءِ مِن جماجمِ النِّساءِ المغتَصَبَاتِ/ضَاعَ الشاطئُ بَيْنَ القُصورِ الرَّمليةِ وَمَحاكمِ التَّفتيشِ/ لكنَّ السَّلاحِفَ تَدْفِنُ بُيُوضَهَا في رَمْلِ الشَّاطئِ/ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ المكسورةِ / انكسرَ صَوْتُ البيانو في مُوسيقى الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ / تَكْتُبُ الأسماكُ النُّحاسيةُ قَصائدَ الْحُزْنِ/ لأنَّ البَحْرَ مُصَابٌ بانفصامِ الشَّخصيةِ/ يُزَيِّنُ حَفَّارُ القُبورِ أشجارَ المقابرِ بالذِّكرياتِ/ لكنَّ أشجارَ المقابرِ مُصَابةٌ بالوَسْواسِ القَهْرِيِّ / كَانت أشلاؤُنا فَراشاتٍ في مَلْجَأ الأيتامِ / يَبني الأيتامُ القُصورَ الرَّمليةَ وَيَهْدِمُونها/ وَيَتَسَاقَطُونَ عَلى جُثةِ البَحْرِ ذُباباً / كَانتْ جَدائلُ أُمَّهَاتِنا سَرَاباً .

البحر صومعة الجثث / قصيدة

البحر صومعة الجثث / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

     مَاتَ البَحَّارُ عَلى ظَهْرِ السَّفينةِ / رَمَيْنا جُثتهُ في البَحْرِ / والرُّبَّانُ المشلولُ يَتَذَكَّرُ الْحُبَّ الأوَّلَ وأحلامَ الطفولةِ / والسفينةُ تَغْرَقُ كَالقُلوبِ المكسورةِ / مَذْبُوحةٌ أنتِ يَا شُموعَ الغاباتِ / مَجْرُوحةٌ أنتِ يا جَدَائِلَ البُحَيراتِ/والعناكبُ الْمُلَوَّنةُ تُزَيِّنُ حِيطانَ غُرفتي/والطحالبُ تُضِيءُ أوعيتي الدَّمويةَ/
     سَيَعُودُ رَجُلُ الثلجِ إلى مَوْقَدَةِ الخريفِ في قَلْبِ الليلِ / والقَطِطُ الْمُشَرَّدَةُ تنامُ عَلى الأثاثِ الملفوفِ بالأكفانِ البَيضاءِ / سَتَأكُلُ فِئرانُ السَّفينةِ جُثمانَ الرُّبَّان / أشلاؤُنا هِيَ أعلامُ القَراصنةِ / وَشَوَاهِدُ القُبورِ بُوصَلَةٌ تُرْشِدُ طُيورَ البَحْرِ إلى دُموعِ الأيتامِ/ حِينَ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ وَيَهْدِمُونها/
     أركضُ إلى البَحْرِ في الليلةِ الباردةِ كَي أسْمَعَ نَبضاتِ قَلبي/ أجنحةُ العَصافيرِ هِيَ خَشَبَةُ المذْبَحِ/ لَكِنَّ الرَّاهبةَ العَمْيَاءَ تَسْكُبُ دُمُوعَها / في مَزْهرياتِ غُرفةِ الاعترافِ / وَالقَنَّاصُ يَصطادُ أشجارَ المقبرةِ فَراشةً فَراشةً / كُلَّمَا سَأَلْتُ البَحْرَ عَن الذِّكرياتِ أخْبَرَني أنَّها مَاتتْ / أشِعَّةُ القَمرِ تَتساقطُ على أجسادِ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ / وأسرارُ البَنَفْسَجِ تُولَدُ في خُدودِ الأنهارِ /
     البَحْرُ هَادِئٌ كأعصابِ القَتلى / وَجَدائلُ النِّساءِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / قَلْبي دَليلٌ سِيَاحِيٌّ في المقابرِ الكريستالِيَّةِ / وأنا بَائِعٌ مُتَجَوِّلٌ أمامَ المحاكمِ العَسكرِيَّةِ / أبيعُ أشلاءَ النَّهْرِ للغرباءِ والجرادِ/ والرِّيحُ تُحَنِّطُ أشلائي في مَتْحَفِ أحلامِ الطفولةِ / وُلِدْتُ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعترِ / لَكِنِّي مِتُّ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو / كُلَّما قُتِلْتُ بَيْنَ طُفولةِ السَّنابلِ وأسرارِ الزَّنابقِ / عَرَفْتُ أنَّ مَوْتي سَفَرٌ إلى قَلْبي/
     أهْرُبُ مِن ذَاتي لأكتشِفَ ذَاتي / كُلَّما اقتربتُ مِن أوردةِ الزَّوابعِ / اقتربتُ مِن أكفانِ الخريفِ الزُّمُرُّدِيِّ / والنَّعناعُ يَصْعَدُ مِن فِرَاشِ الموْتِ / والضَّبابُ يَكْسِرُ الْحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ / والرَّصاصُ الْحَيُّ يَغْسِلُ خُدودَ البُوسنِيَّاتِ / لَم يَعُدْ هُناكَ فَراشاتٌ كَي نَكْسِرَ أجنحتها / لَم يَعُدْ هُناكَ ذِكرياتٌ كَي نَبكيَ عَلَيها / لا فَراشاتٌ ولا ذِكريات / كُلُّ شَيْءٍ مَات /   
     احْرِقْ خَشَبَ البَراويزِ بِدُمُوعِكَ / واكْسِر المِلْحَ في دُموعِ أُمِّكَ / وَابْحَثْ عَن صُورَتِكَ في مَرايا الموْتِ/ أنا شَاهِدُ قَبْرِكَ/ فَلا تَخَفْ مِنِّي / أنا رايةُ المعركةِ / فاقْتُلْ أحزانَ الطفولةِ في الأغاني الوَطنيةِ/ يَمشي القَتلى تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / والأراملُ يَنْثُرْنَ أكاليلَ الغارِ عَلى الجنودِ / الذينَ هَرَبُوا مِنَ المعركةِ/ فَلا تَهْرُبْ مِنِّي/ أنا طَيْفُ الأمواتِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / أنا ظِلالُ القَتلى عَلى نوافذِ الخريفِ/ قَد أَمُوتُ في لَيلةٍ مَاطرةٍ / يَكْسِرُ المطَرُ مَساميرَ نَعْشي / وَيَأكلُ البَقُّ أخشابَ تابوتي/ وَقَد أذهبُ إلى صَلاةِ الفَجْرِ / وأموتُ في صَباحٍ مَاطِرٍ / وَسَوْفَ يَظَلُّ البَحْرُ شَابَّاً / لأنَّهُ مَاتَ شَابَّاً .

الحمام الزاجل يوصل الرسائل للمحكوم بالإعدام / قصيدة

الحمام الزاجل يوصل الرسائل للمحكوم بالإعدام / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     افْرَحْ أيُّها المحكومُ بالإِعدامِ/ سَيَأكُلُ البَقُّ خَشَبَةَ الإِعدامِ/ أنتَ وَحْدَكَ الحيُّ في الأرضِ الخرابِ/ أنتَ حَبَّةُ الكَرَزِ اليَتيمةُ في الحقلِ المحروقِ / الرِّيحُ تَنْشُرُ أجنحةَ الفَراشاتِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَبَنَاتُ آوَى تَأكُلُ حَبْلَ مِشْنَقتي / فَأَصِيرُ رُومانسِيَّاً كالجرادِ / انسَ اسْمِي في أرشيفِ الضَّحايا / وَاحْفَظْ رَقْمَ زِنزانتي / أسماءُ السُّجَنَاءِ هِيَ أرقامٌ / والمرأةُ الغامضةُ تَحُلُّ مُعَادَلاتِ الرِّياضياتِ في لَيالي الشِّتاءِ / وَدُمُوعُ اليَتيماتِ أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ / تَزِيدُ مَنْسُوبَ المِلْحِ في شَراييني النُّحاسِيَّةِ / وَأشِعَّةُ القَمَرِ تَبكي بَيْنَ أرقامِ الزَّنازينِ وأرقامِ القُبورِ / مَقْبَرةٌ قَديمةٌ بِلا بَوَّابةٍ / لَكِنَّ البَحْرَ هُوَ البَوَّابُ / الذي يَحْرُسُ مَوْتَ السَّنابلِ في أوردةِ الغَيْمِ /
     بُقَعُ النِّفْطِ عَلى جُلودِ السَّبايا / والأكفانُ نظيفةٌ بَيْنَ عُلَبِ السَّرْدِينِ وَعُلَبِ المِكياجِ / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموتِ / وَبَقِيَتْ ضِحْكَتُهَا في الْمَمَرَّاتِ البَاردةِ / نَكْتُبُ أرقامَ الضَّحايا عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ/ والرِّيحُ تَكْتُبُ وَصَايَا الأشجارِ عَلى حِيطانِ الزَّنازين / نَذْبَحُ الذِّكرياتِ بالخناجرِ / وَنَطْعَنُ ظِلالَ القَتلى بأحلامِ الطفولةِ / تَزَوَّجَ النَّهْرُ بَنَاتِ أفكاري / وأنا العَانِسُ الأخيرُ في مُدُنِ الكُوليرا / يُغَسِّلُ الليلُ جُثةَ البُحَيرةِ بِدُمُوعِهِ / جَسَدُ الزَّوابعِ كَالغِرْبَالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ / والأطفالُ يَجْمَعُونَ الرَّصاصاتِ كَطَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادرةِ / والفَراشةُ تَغْسِلُ مَسَامِيرَ نَعْشي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا /
     قَلْبي حَاكِمٌ عَسكريٌّ عَلى القِطَطِ الشَّريدةِ في قُرى الملاريا / وَجُثتي هِيَ مَحكمةُ أَمْنِ الدَّولةِ / لَكِنَّ الدَّولةَ مَاتتْ / وَاكْتَشَفْنَا جُثمانَ الوَطَنِ في الأغاني الوطنيةِ / أنا الْمَنْفِيُّ في شَراييني المعدنيةِ /   لا دَوْلَةٌ وَرائي / وَلا رَايةٌ أمامي / والتَّوابيتُ الضَّوئيةُ تَتساقطُ كالذبابِ البلاستيكيِّ / فَكُنْ يَا حَفَّارَ قَبْرِي شَاهِدَاً عَلى مَوْتِ أُغْنِيَاتي/ كُوني يَا أشجارَ المقبرةِ حَاجِزَاً عَسكرِيَّاً / بَيْنَ الرُّومانسيةِ والكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ / الْجُثَثُ مُتَنَاثِرَةٌ في الشَّوارعِ / وعُمَّالُ النَّظافةِ يَسْحَبُونَ جُثتي مِن حُفَرِ المجاري / وَتَمْشي الرَّاقصاتُ في الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ /
     القَنَّاصُ في بُرْجِ الكَنيسةِ / والأسماكُ تَسْبَحُ في دِمَاءِ الرَّاهباتِ / كَسَرَ الإعصارُ قَارورةَ الحِبْرِ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموْتِ / لكنَّ ضَفَائِرَها تَتَوَهَّجُ في مَمَرَّاتِ الصَّقيعِ / ذَهَبَ أبي إلى الموْتِ / لَكِنِّي أشُمُّ رَائحةَ عِطْرِهِ في أرشيفِ الضَّحايا /
     أيُّها الحِصَانُ الجامحُ في بَراري الدَّمِ / سَيَقْتُلُكَ ضَوْءُ القَمَرِ في ليالي الخريفِ / حَفَّارُ القُبورِ مَشغولٌ بِحَفْرِ قُبورِ الغرباءِ / ولا يَعْرِفُ مَن سَيَحْفِرُ قَبْرَهُ عِندَما يَمُوتُ .

20‏/11‏/2019

فارسية في موسم الحج / قصيدة

فارسية في موسم الحج / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

     رَاحِلَةٌ أنتِ إلى الضَّوْءِ/ لا طَرِيقَ إلا الطريقُ / فَاعْرِفي طَرِيقَكِ قَبْلَ أن يَعْرِفَ الاحتضارُ طَرِيقَهُ إِلَيْكِ / عَرَفْتُ طَرِيقي/ وَمَشَيْتُ إلى البَحْرِ في الليلةِ الحزينةِ / وَكَانَ دَمْعي حَاجِزَاً عَسكرِيَّاً بَيْنَ الشَّرْكَسِيَّاتِ والفَارِسِيَّاتِ/ تَسْتَثْمِرِينَ في الجسَدِ / وأسْتَثْمِرُ في التَّاريخِ / ولا تاريخَ لِي سِوى دُموعِ اليَمامِ /
     جَسَدِي الحرامُ في المسجدِ الحرامِ / أمشي إلى النُّورِ / وتَلْمَعُ أظافري على شَاطَئِ الأمطارِ / وأشِعَّةُ القَمَرِ عَلى الرُّخامِ / سَيَغْسِلُ ضَوْءُ الشُّموعِ ذاكرةَ المساءِ / والذِّكرياتُ مَغْسُولةٌ بِمِلْحِ الدُّموعِ / وَقَلبي شَاطِئٌ لِطُيورِ البَحْرِ / التي عَادَتْ إلى ذَاكرةِ الأمواجِ في الليلِ الْمُضِيءِ /
     أكفاني مَغسولةٌ بِمَاءِ زَمْزَم/والمصابيحُ تُنيرُ عِظَامي في الطريقِ الطويلِ/وَحْدي أنا مَعَ الذِّكرياتِ/ هَجَمَ المساءُ على الهياكلِ العَظْمِيَّةِ للعَاشِقِين / أموتُ في الحياةِ لأحيا / والخلودُ قَريبٌ مِنِّي / وحَبَّاتُ الكَرَزِ تَصْعَدُ مِن ثُقوبِ جِلْدي /
     العَباءةُ السَّوداءُ في الليلةِ الْمُقْمِرَةِ / مَطَرٌ يَغْسِلُ أعصابي / وأسيرُ وَحْدي إلى أرواحِ الغرباءِ / وأنا الغريبُ في دَمْعِ الْحَمَامِ / رأيتُ دَمي يَتَوَهَّجُ تَحْتَ صَوْتِ الرَّعْدِ / أمشي إلى الضَّوْءِ في آخِرِ النَّفَقِ / أنا السَّائرُ في الطريقِ/ أنا السَّائرُ والطريقُ/ كُلَّمَا مَشَيْتُ إلى ذَاكرةِ الأنهارِ مَشَيْتُ إلى ذَاتِي / أبتعِدُ عَن قَلبي فَأجِدُ قَلْبي / أُسَافِرُ بِاتِّجاهِ رُموشي / لأرى وَجهي في مَرايا الغروبِ / لا أعْرِفُ هُوِيَّةَ الحاصِدِ ولا مَوْعِدَ الحصادِ / لَكِنِّي أعْرِفُ مَوْعِدَ الشُّروقِ / تَغِيبُ الشَّمْسُ / لَكِنَّ شَمْسَ قَلْبي لا تَغِيبُ /
     دَمِي يَلْمَعُ في ضَوْءِ القَمَرِ / سَيَأتي الغُرباءُ كَي يُكَفِّنُوا طُيورَ البَحْرِ بأوراقِ الخريفِ / فَلا تَسْألي عَن مَوْتي أيَّتُها التِّلالُ / أنا حَفَّارُ القُبورِ وَشَاهِدُ القَبْرِ / ومَقْبَرتي في كُلِّ القُلوبِ / حُزْني مَنْبَعُ النَّهْرِ / وأشلائي هِيَ الرَّوَافِدُ / وَدَمْعي يَنْبُعُ مِن ذِكرياتِ الرَّعْدِ / وَيَصُبُّ في أغصانِ المساءِ .