سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/11‏/2021

ماكس فيبر والأخلاق البروتستانتية

 

ماكس فيبر والأخلاق البروتستانتية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلد عالِم الاجتماع الألماني ماكس فيبر ( 1864 _ 1920 )في مدينة إرفورت في ألمانيا ، في وسط عائلي بروتستانتي من الطبقة الثرية . عائلته كانت كبيرة وتحوي صناعيين مختصين بالنسيج ، بالإضافة إلى موظفين كبار وأساتذة جامعيين . وكان والده أحد الأعضاء المهمين في الحزب القومي الليبرالي ، وهو حزب المثقفين والطبقة البرجوازية .

     نشأ فيبر في بيت عِلم وسياسة وفكر. ومنذ شبابه الباكر راحَ يقرأ كبار الفلاسفة من أمثال ماركس، ونيتشه، وهيغل، وكانت . كان قارئًا نهمًا يحب المطالعة كثيرًا . أحبَّ التاريخ، والفلسفة، وعِلم اللاهوت، والجماليات. ثُمَّ واصلَ دروسه في كلية الحقوق والاقتصاد، وراحَ يُحضِّر أطروحة

جامعية عن المجتمعات التجارية في القرون الوسطى . وبعد أن ناقش هذه الأطروحة أمام كبار الأساتذة ، وبحضور حشد من الطلاب، منحوه شهادة الدكتوراة بدرجة الشرف الأولى. وبَدْءًا من ذلك الوقت راحوا ينظرون إليه على أنه أحد كبار علماء الاجتماع. ثم عيَّنوه أستاذًا في جامعة فرايبورغ أولاً ( 1894)،وجامعة هايدلبرغ ثانيًا ( 1896)، حيث درَّس علم الاقتصاد السياسي.

     عانى من انهيار نفسي في عام 1898 ، أدى إلى انسحابه من التدريس الأكاديمي ، إلا أن ذلك الانسحاب لَم يُؤثِّر على تدفق كتاباته ، وغزارة إنتاجه الفكري .

     الفكرة الموحَّدة لديه كانت التركيز على العلاقة المتبادلة بين التشكيلات القانونية والسياسية والثقافيه في جانب، والنشاط الاقتصادي في الجانب الآخر. وفي عام 1904 أسَّس مجلةً سيكون لها دور في تطوير نظريات علم الاجتماع لاحقًا ، وكان عنوانها " أرشيفات العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية " . ثُمَّ شارك عام 1910 في تأسيس الرابطة الألمانية لعلم الاجتماع . وبعدئذٍ ، انخرطَ في العمل السياسي المحض ، وأصبح مُعارضًا سياسيًّا للإمبراطور غليوم الثاني ، وعُضْوًا فاعلاً في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني . شارك بعد الحرب العالمية الأولى كعضو في الوفد الألماني إلى مؤتمر السلام الذي انعقد في فرساي عام 1919. وقد طلبت منه السُّلطات بعدئذٍ بَلْوَرة دستور جديد للجمهورية الألمانية . ثُمَّ قدَّموا له كرسي عِلم الاجتماع في جامعة ميونخ عام 1918. ولكنه مات بشكل مفاجئ عام 1920 .

     لَم يحترف فيبر علم الاجتماع إلا قبل وفاته بعامين، وقد تُوُفِّيَ قبل أن يُتم كتابه الأساسي الذي يدخل في ميدان النظرية الاجتماعية ، وهو " الاقتصاد والمجتمع " ، لذلك كانت إحدى المهام الصعبة في عام 1922 ، هي جمع شتات هذا المؤلف بعد أن تركها فيبر في صورتها المبدئية . وهكذا لَم يصل إلى السِّتين مِن العُمر ، ولكنه ترك بصماته الكبرى على علم الاجتماع، وأصبح أحد كبار الثلاثة المؤسِّسين له ، أي : كارل ماركس ، إميل دوركايم ، ماكس فيبر .

     كانت دراسات فيبر الأولى عن شركات التجارة في العصور الوسطى ، والمجتمعات الزراعية لروما وأوروبا الغربية، وعن سوق الأوراق المالية في ألمانيا. لكن اهتمامه بالدين قاده إلى إجراء دراسات مُعمَّقة في الديانات البوذية، والكونفوشية، والهندوسية، والتاوية، واليهودية القديمة، فقارنَ قيم هذه الديانات بالمسيحية الأوروبية، ولاحظ أن البروتستانتية وخاصة الكالفنية تُشجِّع المبادرات الفردية واكتناز رأس المال ، وبذلك يَقتنع الفرد أنه بتحقيق النجاح الاقتصادي يحظى بحب اللَّه . كوَّنت هذه الفكرة أساس كتابه الشهير"الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية " ( 1905). وقد أشار فيه إلى أن الدين عامل غير حصري في تطوُّر الثقافة في المجتمعات الغربية والشرقية ، وكيف أن الأخلاق البروتستانتية ساعدت في تكوين الرأسمالية الجديدة ، وأن البروتستانت أغنى من الكاثوليك. وفي عمله الشهير أيضًا "السياسة كمهنة" عَرَّفَ الدولة على أنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوة الطبيعية . وأصبح هذا التعريف محوريًّا في دراسة عِلم السياسة. مَيَّزَ فيبر بين ثلاثة نماذج مثالية للسُّلطة ، تعتمد على تصوُّرات مختلفة للشرعية، هي : السُّلطة الْمُلْهَمَة ( الكاريزما ) ، والسُّلطة التقليدية ، والسلطة القانونية . اشْتُهِر فيبر بأنه أحد المفكرين الذين انهمكوا في تحليل ظاهرة الحداثة وكيفية نشوئها وتشكلها وسيطرتها على المجتمعات الصناعية المتقدمة. ولذلك فإن أي مثقف معاصر يريد أن يتحدث عن الحداثة ، مُضطر للعودة إلى ما كتبه فيبر عنها من تنظيرات وأطروحات . والسؤال الذي كان يطرحه فيبر هو: لماذا ظهرت الحداثة العلمية والتكنولوجية والبيروقراطية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية فقط ؟. بمعنى آخر:لماذا تطوَّرت العقلانية في هذه المنطقة من العالَم أكثر مِمَّا حصل في سواها ؟ . والحداثة تعني عَقْلنة العالَم ، أي دراسته بشكل عِلمي، موضوعي، عقلاني ، لا بشكل غَيْبي . وهنا يكمن الفرق بين مجتمعات الحداثة والمجتمعات التقليدية. فهذه الأخيرة تُسيطر عليها الرُّؤيا القديمة المليئة بالخرافات والأساطير.ثم جاءت الحداثة فتبخَّرت كل هذه الأساطير والخرافات.

     ووَفْقًا لمنظور فيبر وتعريفه للفِعل الاجتماعي ، لا بُد من فهم السلوك الاجتماعي أو الظواهر الاجتماعية على مستويين،المستوى الأول أن نفهم الفعل الاجتماعي على مستوى الأفراد أنفسهم، أمَّا المستوى الثاني فهو أن نفهم هذا الفعل الاجتماعي على المستوى الجمعي بين الجماعات .

29‏/11‏/2021

ماكس شيلر وفكرة السلام الأبدي

 

ماكس شيلر وفكرة السلام الأبدي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     وُلد الفيلسوف الألماني ماكس شيلر ( 1874 _ 1928 ) في ميونخ بألمانيا . كان والده لوثريًّا ، ووالدته أرثوذكسية يهودية ، وكمراهق ، انعطف إلى الكاثوليكية ، ربما بسبب مفهومها عن الحب . حوالي عام 1921 أصبح _ على نحو متزايد _ حياديًّا .

     درس شيلر الطب في ميونخ وبرلين كما درس الفلسفة وعلم الاجتماع في عام 1895 . حصل على الدكتوراة في عام 1897، وعمل كأستاذ مساعد ( تأهيل الأطروحة ) عام 1899 في جامعة يينا . كان مُشرفه رودلف أُوكن ( الحائز على جائزة نوبل للآداب 1908 ) . وطوال حياته، أبدى شيلر اهتمامًا قويًّا بالفلسفة البراغماتية الأمريكية .

     في عام 1902 ، التقى الفيلسوف الفينومينولوجي إدموند هوسِّرل . لكنه لَم يكن طالبًا أو تلميذًا لدى هوسِّرل . وعمومًا ، استمرَّت علاقتهما متوترة .

     كان شيلر حاسمًا في رسالة الماجستير تحت عنوان " التحقيقات المنطقية"( 1900_ 1901). وقال إنه أيَّد تحفظات هايدغر في " الوجود والزمان " الذي التقاه أيضًا في أوقات مختلفة. ومع ذلك بعد وفاة شيلر، لاحظَ هايدغر"أن جميع فلاسفة القرن الآخرين مَدينون لشيلر"، ورأى الكثيرون في موت شيلر المفاجئ " خسارة لا تُعوَّض للفكر الأوروبي .

     في الفترة ( 1907 _ 1910 ) درَّس في جامعة ميونخ . وانضمَّ إلى دائرة علم الظواهر، وأُلْقِيَ القبض عليه بطريقة ظالمة بسبب أمور شخصية بين الجامعة الكاثوليكية ووسائل الاعلام المحلية الاشتراكية ، مِمَّا أدى إلى فقدان منصبه في التدريس في ميونخ عام 1910 .

     في الفترة ( 1910 _ 1911 ) حاضرَ شيلر في الجمعية الفلسفية في غوتنغن، حيث أدلى بآخر أفكاره وأحدث معارفه هناك . وعن غير قصد أثَّرَ شيلر في الأوساط الكاثوليكية حتى يومنا هذا ، بما في ذلك تلميذته إديث شتاين والبابا يوحنا بولس الثاني الذي كتب أطروحته الافتتاحية ومقالات عديدة عن فلسفة شيلر .

     انتهى زواج شيلر الأول بالطلاق ، فتزوَّجَ للمرة الثانية في عام 1912 . وخلال الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918 ) ، كان مُجَنَّدًا ، ولكنه أُعْفِيَ من التجنيد بسبب مرض في عينيه. وفي عام 1919 ، أصبح أستاذًا للفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة كولونيا . ومكث هناك حتى عام 1928 . وفي مطلع ذلك العام ، قَبِلَ وظيفة جديدة في جامعة فرانكفورت .

     في عام 1927، في مؤتمر في دارمشتات قُرب فرانكفورت ، ألقى شيلر محاضرةً مُطوَّلة ، نُشرت لاحقًا في شكل مختصر بعنوان " مكانة الإنسان في الكون". وكان معروفًا بأسلوب الخطابة، وكانت رسائله تأسر جمهوره لمدة أربع ساعات ! .

     قُرب نهاية حياته ، وُجِّهت له عدة دعوات ، من الصين والهند واليابان وروسيا والولايات المتحدة . ومع ذلك ، بناءً على نصيحة من طبيبه ، اضْطُر إلى إلغائها .

     ركَّز شيلر بصورة متزايدة على التنمية السياسية . وكان الباحث الوحيد بين المثقفين الألمان الذين حَذَّروا في وقت مبكر ، وفي خُطب عامة ، من مخاطر تنامي الحركة النازية والماركسية .

     كانت مواضيع الخطابات التي ألقاها في برلين عام 1927 ، تتحدث عن السياسة والأخلاق، وفكرة السلام الأبدي ومبدأ السلام . وتحليلاته عن الرأسمالية كشفت_ وَفْقَ حساباته _ أنها توجُّه عقلي للنمو على الصعيد العالمي بدلاً مِن كَونها نظامًا اقتصاديًّا . ومع ذلك ، تظهر جذورها في العصر الحديث في اللاوَعْي ، حيث القلق واللهفة التي يُعبَّر عنها في الاحتياجات المتزايدة للمال، والحماية والضمانات الشخصية ، فضلاً عن الإدارة الرشيدة للوجود . ومع ذلك ، فإن تبعية قيمة الفرد لهذا الاتجاه العقلي كان سببًا كافيًا لشيلر ، لشجبها والتنبؤ بحقبة جديدة من الثقافة والقيم ، وهو ما يُسمَّى بـ " العصر العالمي للتَّكَيُّف " .

     دعا شيلر أيضًا إلى قيام جامعة دولية تنشأ في سويسرا . وفي ذلك الوقت كان يدعم برامج مثل "التعليم المستدام" ، وعلى ما يبدو أنه أول من دعا إلى " الولايات المتحدة الأوروبية". وأعربَ عن أسفه للفجوة الموجودة بين القوة والعقل في ألمانيا ، واعتبر أن الفجوة قد تكون مصدرًا لدكتاتورية وشيكة ، وأكبر عقبة لإرساء الديمقراطية الألمانية . وبعد خمس سنوات من وفاته، طَمست النازيةُ الدكتاتوريةُ ( 1933 _ 1945 ) عملَ شيلر .

     مِن أبرز أعماله: الحرب والبناء (1916). أسباب الكراهية الألمانية (1917). طبيعة وأشكال التعاطف  ( 1923). كتابات في علم الاجتماع وفلسفة العالَم"ثلاثة مجلدات"( 1923_ 1924 ) .

28‏/11‏/2021

ماريو فارغاس يوسا والليبرالية اليمينية

 

ماريو فارغاس يوسا والليبرالية اليمينية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

....................

وُلد الروائي والسياسي البيروفي _ الإسباني ماريو فارغاس يوسا ( 1936_ ... ) لأسرة من الطبقة المتوسطة ، في مدينة أريكويبا في جنوب البيرو .

في عام 1953، التحق يوسا بجامعة ليما الوطنية لدراسة القانون والأدب . وبدأ مسيرته الأدبية بجدية عام 1957، مع نشر أول قصصه القصيرة " الزعماء " . وبعد تخرُّجه من الجامعة عام 1958، حصل على منحة للدراسة في جامعة كومبلوتنس في مدريد .

برز في عالَم الأدب بعد نشر روايته الأولى " المدينة والكلاب " التي نال عليها جوائز عديدة منها : جائزة "ببليوتيكا بريفي" ( 1963) ، وجائزة " النقد " ( 1998) . وقد تُرجمت إلى أكثر مِن عشرين لغة. وتتالت أعماله الروائية، وتعددت الجوائز التي حصل عليها، وقد كان من أشهرها حصوله على جائزة ثيربانتس للآداب (1994)، والتي تُعَدُّ أهم جائزة للآداب الناطقة بالإسبانية. وهو أول روائي مِن البيرو ينال شُهرة عالمية .

يتناول يوسا غالبًا قضايا العنف والفساد السياسي في المجتمع البيروفي ، ويستخدم أساليب تجريبية تتضمن خطوطًا بيانية متمازجة ، وأُطُرًا تُحرِّك الوقت ، ووجهات نظر عديدة ، لِيُعبِّر عن موضوعاته، وتكشف الكثير من رواياته عن مهاراته قَصَّاصًا . وقد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 2010، " لرسمه خرائط بُنى السُّلطة ولتصويراته المتعمِّقة لمقاومة الفرد وثورته وانهزامه " .

تكشف أُولى روايات يوسا " عصر البطل " ( 1963) موضوع الظلم من خلال حكاية سرقة وجريمة اغتيال في أكاديمية عسكرية . وتفحص رواية " البيت الأخضر " ( 1966) الصراعات بين طبقات البيرو الاقتصادية ، وجماعاتها العِرقية والإقليمية .

وفي " محادثة في الكاتدرائية " ( 1969) ، يكشف يوسا عن النفاق والفساد في السياسة والأعمال البيروفية . و"حرب نهاية العالَم" ( 1981) رواية تاريخية حول الثورة في البرازيل .

يُعتبَر يوسا واحدًا من أكثر الكُتَّاب تأثيرًا وأهميةً في أمريكا اللاتينية . وهو يَكتب بكثافة عبر مجموعة من الأنواع الأدبية ، بما في ذلك النقد الأدبي والصحافة . وتشمل رواياته الكوميديا ، وأسرار القتل ، والروايات التاريخية ، والإثارة السياسية . في مقالاته ، قَدَّمَ يوسا انتقادات كثيرة للقَومية في أجزاء مختلفة من العالَم . وكان التغيير الحقيقي في حياته المهنية ، انتقاله مِن الأسلوب والنهج المرتبط بالحداثة الأدبية ، إلى ما بعد الحداثة.

ومِثل العديد مِن الكُتَّاب في أمريكا اللاتينية ، كان يوسا ناشطًا سياسيًّا طوال حياته . وانتقل تدريجيًّا من اليسار السياسي نحو الليبرالية اليمينية .

وفي البداية دعم الحكومة الثورية الكوبية بقيادة فيدل كاسترو، وكان قد درس الماركسية بِعُمق كطالب جامعي ، واقتنع بالْمُثُل الشيوعية بعد نجاح الثورة الكوبية . وفي وقت لاحق ، أصبح يوسا رافضًا لسياسات كاسترو ، واعتبر أن الاشتراكية لا تتَّفق مع الحريات العامة .

ترشَّح يوسا للرئاسة البيروفية عام 1990، مع ائتلاف جبهة الديمقراطية اليمينية الوسطى، داعيًا إلى الاصلاحات الليبرالية الكلاسيكية، لكنه خسر الانتخابات أمام ألبرتو فوجيموري.

يشتمل أسلوب يوسا على المواد التاريخية وتجاربه الشخصية . وكثيرًا ما يستخدم كتاباته لتحدي أوجه القُصور في المجتمع ، مِثل الإحباط ، واضطهاد السُّلطة السياسية للذين يتَّحدونها ، وأيضًا ، يبرز موضوع نضال الفرد من أجل الحرية ضمن واقع قمعي ، وضرورة احترام الحقوق الأساسية للفرد والجماعة .

بحث يوسا عن هياكل السرد الجديدة، والتقنيات الحديثة، من أجل رسم تجربة أكثر عصرية ، مُتعدِّدة الأوجه من البيرو . كما بحث عن أسلوب يختلف عن الأوصاف التقليدية للأرض والحياة الريفية .

إن يوسا يَعتبر الروائي الأمريكي وليام فوكنر هو الروائي المفضَّل بالنسبة إليه ، والأكثر تأثيرًا في مسيرته في الكتابة ، والكاتب الذي أتقن أساليب الرواية الحديثة . حيث إِن كتاباته تشتمل على تغييرات مُعقَّدة في الوقت والسرد .

27‏/11‏/2021

الحقيقة والمعاني المعرفية في المجتمع


 الحقيقة والمعاني المعرفية في المجتمع

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

................... 

1

     شُعورُ الإنسان بالحقيقة في البُنى الاجتماعية يُمثِّل الخُطوةَ الأُولَى في طريق تحرير المعاني المعرفية من العلاقات المصلحية في المجتمع، التي تُؤَسِّس فلسفتها على أساس تفريغ الإنسان مِن إنسانيته ، وتحويله إلى كِيانٍ هَش يَدُور في فَلَك المَنفعة الماديَّة الفَجَّة ، وشيءٍ هامشي ضِمن ثنائية العَرْض والطَّلَب . والعلاقاتُ المصلحية تُؤَدِّي إلى توليد تفسيرات جديدة للعناصر الوجودية في المُحيط الإنساني، فيُصبح من الصعب التعبير عنها في إطار فلسفة اللغة،لأن التفسيرات الجديدة التي لا تقوم على قاعدة فكرية متينة ، تَجعل الأشياءَ عاجزةً عَن حَمْل المعاني ، وتَدفع العناصرَ إلى الغرق في فَوضى المُصطلحات . وإذا انفصل الدال ( المَظهَر ) عن المَدلول ( الجَوهَر ) ، برزت ظواهر اجتماعية تَحْمِل بِذرةَ انهيارها في داخلها ، لأنَّ الحياة قائمة على التوازن بين السَّطْح الظاهري والعُمْق الباطني ، وكُل خَلَل في هذا التوازن سَيُؤَدِّي إلى الانهيار . ولا يُمكن لفُروع الشجرة أن تنطلق في السماء ( كُل ما عَلاكَ سماء ) ، إلا إذا كانت جُذورها راسخة في أعماق الأرض .

2

     إذا تكرَّست الحقيقةُ في فِكْر الإنسان وحياةِ المُجتمع ، وَصَلا إلى تفاصيل القواعد الثقافية العميقة التي تَحمل المعاني المعرفية ، وهذا يعني إعادة النظر في العلاقات بين الأضداد والروابط بين التناقضات . ففي كثير مِن الأحيان تَحْمِل الأشياءُ رُموزًا تدلُّ على أشياء أُخرى ، ويُشير الضِّدُّ إلى ضِدِّه ، ويُحيل النقيضُ إلى نقيضه . فمثلًا ، قد يَصِل الكاتبُ إلى العالميَّة عن طريق الإغراق في المَحَلِّية ، وقد يصل السياسيُّ إلى السُّلطة عن طريق أحزاب المُعَارَضَة ، وقد يصل الطبيبُ إلى الدواء عن طريق تشخيص الداء . وهذه الانتقالاتُ عَبر الأضداد والتناقضات تُنتج وَعْيًا اجتماعيًّا قادرًا على الربط بين الأشياء المُتنافرة ، وتَبتكر فلسفةً عابرةً للظواهر السطحية، وُصولًا إلى الصوت الداخلي في أعماق الإنسان ، وجُذورِ الأحداث اليوميَّة والوقائع التاريخية . وهذا يُشير إلى أنَّ الأفكار الحقيقية هي التي تتَّجه إلى العُمْق ، ولا تَكتفي بمُلامسة السَّطْح ، وأنَّ معنى الإنسان كامن في داخله السحيق ، وأن اللغة المعرفية الفَعَّالة تتمركز خَلْفَ اللغة ، وما بين السُّطور أهَم مِن السُّطور .

3

يُمثِّل المُجتمعُ الإنسانيُّ منظومةً مِن الكلمات والدَّلالات والأفكار والعقائد . وهذا يُولِّد تَحَدِّيَاتٍ اجتماعية جسيمة أمام الظواهر الثقافية ، لأنَّ كُل منظومة معرفية تُنتج أنظمةً تفسيريةً مُرتبطة بها ، مِمَّا يُؤَدِّي ازدياد الإنتاج المعرفي، وتكاثر التفاسير الظاهريَّة والباطنيَّة. ولا يُمكن السَّيطرة على عملية التكاثر العقليَّة المُتكوِّنة مِن المعرفة وتفسيرها ، إلا إذا قامَ الفكرُ الإبداعي بإنتاج معايير أخلاقية تُعيد معنى الحياة إلى وجود الإنسان ، وتتعامل مع المُجتمع كَنَص حَيَاتي عابر لمركزية الزمان في الوَعْي ، ومركزيةِ المكان في الشُّعور . وبالتالي ، فإنَّ فلسفة اللغة الرمزية ستعتبر المُجتمعَ نَصًّا مَفتوحًا على الوُجود ، وتتعامل معَ رُوح النَّص ، ولَيس جسد النَّص . وبعبارة أُخرى، إنَّ الرموز الحاملة لطاقة اللغة وقُدرتها التعبيرية ستكشف رُوحَ المُجتمع( الشُّعور المَكبوت، والذكريات المنسيَّة، والتاريخ المُهمَّش ، والأحلام المَقمومة ، والأسئلة المَدفونة )، ولَن تَغرِق في جسد المُجتمع ( الضجيج اليومي، والنظام الاستهلاكي ، والعلاقات المصلحية ، وإشباع الغرائز ، والشعارات الرَّنانة ) . وهكذا ، يُعاد النظر في علاقة اللغة بالمُجتمع ، ويُولَد تاريخ جديد لعلاقة المُجتمع بالفِكْر . وكُلَّمَا غاصت اللغةُ _ برموزها الفلسفية وأبعادها الوجودية وانفجاراتها الشعورية _ في الأحداث اليوميَّة ، اكتشفت العناصرَ الغامضة في الإنسان ، وأعادت الأشياءَ التي ماتت فيه إلى الحياة . وتفسيرُ الوضوح الاجتماعي هو الطريق إلى اكتشاف الغُموض الإنساني ، وهذا يُعيدنا إلى موضوع الضِّد الذي يُشير إلى ضِدِّه ، والنقيض الذي يُحيل إلى نقيضه . وهذا الموضوع لا يُمكن الهُروب مِنه، لأنَّه مُتجذِّر في تفاصيل الحياة الشخصيَّة ، وراسخ في تشعُّبات الحياة العمليَّة، لكنَّ الكشف عن طبيعته ومدى تأثيره يحتاج إلى آلِيَّات معرفية تبحث في تاريخ القِيَم والمعايير ، وأدوات منهجية تَحفِر في جُغرافيا الوَعْي والشُّعورِ . والتاريخُ الفكريُّ لَيس تَجميعًا للأشياء القديمة ، وإنَّما طَرْح الأسئلة الجديدة على الأشياء القديمة ، وانتزاع الذكريات من الحكايات . والجُغرافيا المعنويَّةُ لَيست تَجميعًا للأبعاد المكانيَّة، وإنَّما تَحويل اللغة إلى فضاء قادر على تحريرِ الذاكرة مِن النِّسيان، واستعادةِ الوجود من قبضة الزمن .

26‏/11‏/2021

ماري شيلي ورواية فرانكنشتاين

 

ماري شيلي ورواية فرانكنشتاين

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

......................

وُلِدت الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي ( 1797 _ 1851 ) في لندن لعائلة مثقفة . كان والدها الكاتب والمفكر وليام غودوين،ووالدتها الكاتبة ماري وولستونكرافت التي كانت من أُولى المدافعات عن حقوق المرأة، وتُوُفِّيَت إثر ولادة ابنتها التي نشأت في جو من الحرية والثقافة العالية . وعلى الرغم مِن أن شيلي تَلَقَّت القليل من التعليم النظامي ، إلا أن والدها تولى تعليمها الكثير من المواد الدراسية المختلفة . فكان دائمًا يأخذ أبناءه في رحلات تعليمية ، بل وأتاحَ لهم فرصة الاطِّلاع على مكتبته ، ومقابلة الكثير من أصدقائه المفكرين . وقدَّم لابنته تعليمًا مُتَمَيِّزًا ومُتَقَدِّمًا ، وكان لها معلمة ومُربِّية خاصة . وبالإضافه إلى ذلك ، قرأت ماري الكثير من كتب والدها عن التاريخ الروماني واليوناني . ومعَ أن شيلي كاتبة مبدعة ، إلا أنها عاشت في ظل زوجها الشاعر الشهير بيرسي شيلي.وتُوُفِّيت في لندن بعد أن قامت بجمع وتحقيق وتقديم ونشر مؤلفاته مع شروحاتها عليها . في بداية علاقتهما ، رأى فيها الشاعرُ مَن يَفهمه ويُجاريه في الفلسفة والشِّعر فَتَحَابَّا، مَعَ كَوْنه متزوجًا هارييت وستبروك ، التي كانت من طبقة اجتماعية أدنى ، وهربا مَعًا إلى فرنسا ثم إيطاليا حيث أقاما ما تبقى من حياة زوجها ، خلا زيارات متقطعة لإنجلترا. تزوَّجت مِنه بعد انتحار زوجته الأولى عام 1818، وأنجبا عِدَّة أطفال لَم يبق منهم على قيد الحياة سوى واحد. تعرَّفت عائلة شيلي ( بيرسي وماري ) على الشاعر اللورد بايرون على ضفاف بحيرة ليمان في سويسرا ، ونشأت بينهم صداقة وتفاهم متبادل وحوار أدبي وفلسفي . وبتشجيع من بايرون وزوجها ، بدأت ماري شيلي كتابة أُولى رواياتها وأهمها " فرانكنشتاين" ( 1818 ) . ومعَ أن الرواية تنتمي إلى نوع الرواية القوطية التي تُعالج الكاتبةُ فيها موضوعات الغرائبية وماوراء الطبيعة في عالَم الأحلام والأشباح والأرواح، إلا أنها على علاقة وطيدة أيضًا بأُسس الحركة الإبداعية الرومانسية التي كانت الكاتبة مُخلِصة لها ، مثلما كان زوجها في مسرحيته " بروميثيوس طليقًا "، وبايرون في قصيدته الدرامية " مانفرد "، وكولردج في قصيدته" البَحَّار العجوز"، التي بَحثت كُلها في الوضع (الشرط ) الإنساني . يرتبط اسم " فرانكنشتاين " خطأً بالوحش المسخ، إلا أن الرواية التي تحمل هذا الاسم تحكي في الواقع قصة العالِم السويسري فرانكنشتاين الذي يصنع شخصًا من أشلاء مُتفرِّقة ، ويكون الناتج في منتهى البشاعة ، إلا أنه يتمتع بصفات الإنسان كافة ، بل ويتجاوزها إلى حد الكراهية لصانعه مِمَّا يقودهما إلى التهلكة في النهاية .

وحكاية الوحش المسخ هذه ليست قصة رعب للتسلية، بل تتضمَّن مدلولات رمزية عميقة الجذور ، إذ يمكن النظر إلى هذا المخلوق الغريب على أنه إبليس وبروميثيوس والمتمرد عمومًا .

إنها نقيض أسطورة بِجماليون الذي يعشق تمثال المرأة الذي ينحته . وهي تبحث أيضًا في موضوعات أصل الشر والإرادة الحرة ، وخروج المخلوق عن طاعة الخالق .

ولا تزال هذه الرواية التي تتميز أيضًا بالعديد من خصائص أدب الخيال العلمي ، مِن أكثر الروايات رواجًا، ونُقِلت إلى شاشة السينما أكثر مِن مَرَّة .

وقد دار جدل كبير حول رواية " فرانكنشتاين " مُنذ نشرها عام 1818 ، حيث بَحَثَ النُّقاد والقُرَّاء حول مصدرها الحقيقي ، وحول إسهامات ماري وزَوجها الشاعر شيلي فيها . فقد وُجِدت اختلافات ما بين نُسَخ 1818 ، 1823 ، 1831. ولذلك أكَّدت ماري شيلي أن مُقدِّمة النُّسخة الأولى كانت مِن إسهامات زوجها.

ومعَ أن شُهرة ماري شيلي تقوم على روايتها "فرانكنشتاين " إلا أنها كتبت روايات أخرى ، لا تقل عنها من حيث قيمتها الأدبية ، منها الرواية التاريخية " فالبِرغا " ( 1823) ، و " الرَّجل الأخير " ( 1826). واعتمدت في العديد من هذه الروايات على خبرتها ومعرفتها بِكُتَّاب وشعراء عصرها . كتبت أيضًا في أدب الرحلات " تاريخ جولة من ستة أسابيع " ( 1817 ) بالتعاون مع زوجها ، ووصفت هروبهما والتجوال في قارة أوروبا قبل الاستقرار في إيطاليا . ونُشِرَت رسائلها الكثيرة عام 1944 ، ويومياتها عام 1947 .

عاشت ماري شيلي حياة أدبية . شَجَّعها والدها على تعلم الكتابة وتأليف الرسائل . وكانت هوايتها المفضَّلة عندما كانت طفلة كتابة القصص. وقد ضاعت آثار صِباها عندما هربت مع شيلي في عام 1814 . ولَم يتم العثور على أيَّة مخطوطات لها مُؤرَّخة قبل ذلك العام .

لقد شجَّع الشاعر شيلي بحماس كتابات زوجته ماري ، حيث تقول : (( كان زوجي، مُنذ البداية، قلقًا جِدًّا بشأن أنني يجب أن أثبت جدارتي بِنَسَبي وأصلي ، وأضع نفْسي على صفحة الشهرة . وكان دائمًا يُشجِّعني على الحصول على سُمعة أدبي )) .

كان يُنظَر لماري شيلي باعتبارها مؤلفة نَجحت بسبب عمل واحد ، وليست كاتبة محترفة . حتى إن أعمالها لَم تنتشر بشكل كبير ، وهذا أدَّى إلى تجاهل الكثير من إنجازاتها .

ويَعتبر النُّقاد ماري شيلي واحدة مِن أهم الكُتَّاب الرومانسيين ، لِمَا قدَّمته من إنجازات ، وإعطائها صوتًا سياسيًّا للمرأة المتحررة .

25‏/11‏/2021

مارك توين والسخرية اللاذعة

 

مارك توين والسخرية اللاذعة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...................

     وُلد الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين ( 1835_ 1910) في قرية تُسمَّى " فلوريدا " بولاية ميسوري. اسمه الحقيقي " صمويل لانغهورن كليمنس " .

     في سنة 1848 التحق توين بالعمل كصبي بمطبعة ، ثم بدأ في سنة 1851 العمل في صف الحروف بالإنجليزية . وبدأ يكتب المقالات ، والخواطر الساخرة لجريدة هانيبال ، التي كان يملكها شقيقه أوريون . وفي الثامنة عشرة من عمره ، تركَ الجريدة ، وعمل في الطباعة في مدينة نيويورك. وبدأ في تعليم نفسه بنفسه في المكتبات العامة في الفترة المسائية ، مُكتشفًا منهلاً للمعرفة أوسع من ذلك الذي كان سيجده إذا كان قد التحق بمدرسة تقليدية .

     في إحدى رحلات توين في نهر المسيسيبي إلى نيو أورليانز ، أوحى له هوراس بيكسبي ، قائد السفينة البخارية بالعمل كقائد سفينة بخارية، وهو عمل كان يُدِرُّ على صاحبه دَخلاً مُجزيًا . ونظرًا لأن هذه المهنة كانت تتطلب معرفة وافية بكل تفاصيل النهر التي تتغير باستمرار، فقد استغرق توين عامين في دراسة ألفَي ميل (3200 كيلو مترًا ) من نهر المسيسيبي بتعمق ، قبل أن يحصل على ترخيص بالعمل كقائد سفينة بخارية سنة 1859 .

    وأثناء تدريبه، استطاع توين إقناع شقيقه الأصغر هنري بالعمل معه، وقد لقي هنري مصرعه في 21 يونيو 1858 إثر انفجار السفينة البخارية "بنسلفانيا" التي كان يعمل عليها. ويقول توين في سيرته الذاتية إنه رأى في أثناء نومه تفاصيل مصرع أخيه قبل شهر من وقوعه ، وهو ما دفعه إلى دراسة الباراسيكولوجيا (عِلم ما وراء النفس)، وكان من أوائل أعضاء جمعية الدراسات الروحانية.

وقد حمل توين إحساسه بالذنب والمسؤولية عن مصرع أخيه طوال حياته. وظلَّ يعمل في النهر كملاح نهري حتى اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية سنة1861وتوقفت الملاحة في نهر المسيسيبي.

     حَقَّق توين أول نجاحاته الأدبية عندما نشر قصته الطويلة "الضفدعة النطاطة المحتفى بها القادمة من مقاطعة كالافيراس " في جريدة "نيويورك ساترداي برس " في 18 نوفمبر 1865، وهي القصة التي لفتت الأنظار إلى مارك توين.وفي العام التالي، سافر توين إلى جزر ساندويتش ( هاواي الحالية ) للعمل مُراسلاً لجريدة "ساكرامنتو يونيون"، وقد حظيت القصص التي كتبها عن تلك الرحلات بشعبية كبيرة . وفي سنة 1867 ، سافرَ توين إلى البحر المتوسط بتمويل من إحدى الصحف المحلية، وأثناء رحلته إلى أوروبا والشرق الأوسط كتب توين مجموعة من رسائل السفر التي حظيت بانتشار كبير وجمعت فيما بعد في كتاب "الأبرياء في الخارج" سنة  1869 ، وفي هذه الرحلة تعرَّف توين إلى تشارلز لانغدون شقيق زوجته المستقبلية .

     يقول توين إنه عندما أراه تشارلز لانغدون صورة شقيقته أوليفيا ، أحَبَّها من أول نظرة . وقد التقى توين وأوليفيا سنة 1868 ، وأعلنا خطبتهما في العام التالي، ثم تزوَّجا في فبراير 1870.

     كانت أوليفيا تنتمي إلى عائلة ثرية ولكنها متحررة ، وقد أتاحت له التعرف إلى بعض أفراد النخبة المفكرة، ومنهم معارضو العبودية ، والاشتراكيون ، واللادينيون، وناشطات حقوق المرأة ، وناشطو المساواة الاجتماعية .

     كان توين مُغرَمًا بالعِلم والبحث العلمي، وقد تصادق مع العالِم " نيكولا تسلا " ، وكان يقضي الكثير من الوقت في معمل تسلا . وقد حصل توين نفسه على ثلاث براءات اختراع . وفي سنة 1909 ، قام توماس إديسون بزيارة توين في منزله ، وقام بتصويره سينمائِيًّا .

     في سنة 1896 ، أصيب توين باكتئاب شديد إثر وفاة ابنته سوزي بالالتهاب السحائي، وقد عمَّق أحزانه وفاة زوجته أوليفيا سنة 1904 ،وكذلك الوفاة المفاجئة لصديقه هنري روجرز في 20 مايو 1909 .

     وفي سنة 1906 ،بدأ توين ينشر سيرته الذاتية في جريدة " نورث أمريكان ريفيو " ، وفي سنة 1907 ، منحته جامعة أكسفورد درجة الدكتوراة الفخرية في الآداب .

     وقد ذُكِر أن توين قال ذات يوم : (( لقد جِئتُ إلى هذا العالَم مع مُذنَّب هالي سنة 1835 ، وها هو قادم ثانيةً العام القادم، وأنا أتوقع أن أذهب معه )). وقد صدقت نبوءته ، إذ تُوُفِّيَ توين بأزمة قلبية في ريدنغ بولاية كونيكتيكت في الثاني من أبريل 1910 ، بعد يوم واحد فقط من اقتراب المذنَّب من الأرض ، فرثاه الرئيس الأمريكي وليام هوارد تافت، وشُيِّعَت جنازته من إحدى الكنائس التابعة للطائفة المشيخية في نيويورك ، ثُمَّ دُفِن في مدافن أسرة زوجته في مقبرة وودلون بمدينة إلميرا في نيويورك . نُقِلت عنه الكثير من الأقوال المأثورة والساخرة ، وكان صديقًا للعديد من الرؤساء والفنانين ورجال الصناعة وأفراد الأسر المالكة الأوروبية ، ووُصِف بعد وفاته بأنه " أعظم الساخرين الأمريكيين في عصره " . كما لَقَّبه وليام فوكنر بـ " أب الأدب الأمريكي " .

     مِن أبرز أعماله الروائية: مغامرات توم سوير ( 1876). مغامرات هكلبيري فين ( 1884) التي وُصِفت بأنها " الرواية الأمريكية العظيمة " .

24‏/11‏/2021

مارغريت ميتشل وذهب مع الريح

 

مارغريت ميتشل وذهب مع الريح

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..................

     وُلدت الروائية الأمريكية مارغريت ميتشل( 1900 _ 1949) بمدينة أتلانتا بالولايات المتحدة الأمريكية.

     كانت والدتها من أصول أيرلندية كاثوليكية ، ووالدها رَجل قانون من أصول أسكتلندية . وكانت العائلة تضمُّ العديد من الجنود السابقين الذين قاتلوا في الحرب الأهلية . وكانت ميتشل في طفولتها منبهرة بقصص الحرب التي كان يَقُصُّها عليها أقرباؤها ، وقد ترعرعت بين أقارب عايشوا بصورة مباشرة أحداث الحرب الأهلية الأمريكية ( 1861 _ 1865). صادفت ميتشل مشاكل في المدرسة في المرحلة الابتدائية، بسبب كُرهها لمادة الرياضيات التي وجدتها مادة مُعقدة ، وجعلتها تكره الذهاب إلى المدرسة، وكانت والدتها تُجبرها وتقودها إلى المدرسة رغمًا عنها . تَمَّت خطوبتها على أحد شباب مدينتها، وقد التحق بالجيش الأمريكي في الحرب العالمية الأولى ، ولقي مصرعه في إحدى المعارك في فرنسا عام 1918 . بعد عام من مقتل خطيبها تُوُفِّيَت والدتها أثناء وباء الإنفلونزا عام 1919، وأصبحت ميتشل ربَّة البيت ، والمسؤولة عن رعاية والدها .

     بلغت ميتشل بروايتها الوحيدة " ذهب مع الريح " ( 1936 ) شهرةً لَم تصل إليها كاتبة روائية أخرى من قبلها، وقد بدأت حياتها العملية في عام 1921 كصحفية في جريدة أتلانتا .

     في عام 1922 ، كان هناك رَجلان في حياة ميتشل يتنافسان على كَسْب وُدِّها، أحدهما كان لاعب كرة قدم سابق وصاحب مشاكل عديدة مع القانون واسمه بيرين أبشو. والثاني كان صحفيًّا مُتَّزِنًا واسمه جون مارش. اختارت ميتشل صاحب السوابق أبشو، ولكن أبشو لَم يكن من النوع الملتزم ، وكان ينتقل من وظيفة إلى أخرى، ولَم يكن له مصدر دخل ثابت .

     اضْطُرَّت ميتشل إلى الاعتماد على نفسها.ومن المفارقات في حياتها أن الرَّجل الثاني جون مارش الصحفي الذي رفضته ميتشل في السابق وفَّر لها عملاً في صحيفته براتب 25 دولارًا في الأسبوع . انتهى زواج ميتشل من أبشو بالطلاق عام 1924 . وفي عام 1925 تزوَّجت من مارش واعتزلت الصحافة.بعد زواج فاشل، بدأت بالاعتماد على نفسها من خلال الكتابة لصحيفة محلية في أتلانتا ، واعتزلت العمل في مجال الصحافة في منتصف العشرينيات ، وتفرَّغت لكتابة روايتها المشهورة " ذهب مع الريح ". رفضت ميتشل عروضًا عديدة ومُغرية لكتابة جزء ثانٍ من تلك الرواية ، ولكن في عام 1980 قام أحفادها بإعطاء الرخصة للكاتبة ألكساندرا ريبلي بأن تكتب الجزء الثاني من الرواية،وتم طبعها عام 1991 ، وتم تحويلها إلى سلسلة تلفزيونية ولكن الكتاب والعمل التفزيوني لَم يلقيا نجاحًا وتجاوبًا من القُرَّاء والمشاهدين.

     أُصِيبت ميتشل بمرض جعلها تلزم البيت في معظم الأوقات، فأخذت تُسرِّي عن نفْسها بتنفيذ مشروع روائي ضخم يُصوِّر أحداث الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب . وقد استدعى ذلك منها قراءة مستفيضة جدًّا في المراجع التاريخية والاجتماعية، ووجدت في ذلك الجو العاصف من الوقائع والعواطف مهربًا من حياة الركود والملل وآلام المرض وأوجاعه .

     قضت ميتشل الفترة (1930_ 1936) في كتابة فصول الرواية، وكانت تُتابع الشخصيات وتكتب الأحداث على غير نظام متسلسل،فتكتب فصلاً ثم فصلاً آخر،ثم تعود فتُعدِّل في الفصول، لتحافظ على التسلسل في النهاية . ولَم تكن تحلم بنشر هذا العمل الضخم، ولكن الرواية ما إن نُشِرت حتى اعْتُبِرت حدثًا أدبيًّا مهمًّا،وبِيع منها أكثر من مليون نسخة في ستة أشهر. ومُنِحت جوائز عِدَّة أدبية ، ومنها جائزة بوليتزر عام 1937 . وتَمَّ إخراجها للسينما بفيلم يحمل نفس اسم الرواية " ذهب مع الريح " . وحقَّق الفيلم أعلى ربح في تاريخ هوليوود ، وأحرز الرقم القياسي بفوزه بالكثير من الجوائز، وتُرجِمت الرواية إلى معظم لغات العالَم . واعتبرها الأمريكيون أشهر رواية في أدبهم في القرن العشرين في وقتها. وحَظِيَت بإعجاب جميع الأمم لطابعها الإنساني. في الحرب العالمية الثانية تطوَّعت ميتشل للعمل مع منظمة الصليب الأحمر الأمريكية، وركَّزت نشاطها في إيصال الإمدادات الغذائية والطبية لبلدة فيموتييه في فرنسا ، وحصلت نتيجة لجهودها على لقب المواطنة الفخرية لتلك البلدة الفرنسية في عام 1949 .

     وفي 16 أغسطس 1949 ، تعرَّضت ميتشل لحادث سيارة عندما كانت تعبر الشارع ، وتُوُفِّيَت في المستشفى بعد خمسة أيام متأثرة بإصابتها . قِيل إن سائق السيارة كان في حالة سُكْر، وأُدِين بالقتل غير العمد، وتلقى حُكْمًا بالسجن لأربعين عامًا مع الأعمال الشاقة . ذكر السائق أن ميتشل عبرت الشارع دون أن تلتفت إلى السيارات العابرة .

     دُفِنت ميتشل في مقبرة أوكلند في أتلانتا . وفي 16 مايو 1997 ، تَمَّ تحويل المنزل الذي كتبت فيه ميتشل رواية " ذهب مع الريح " إلى متحف . يقع هذا المنزل في وسط أتلانتا ، ويحتوي على وثائق وشرائط أصلية لرواية وفيلم "ذهب مع الريح" مع مقتنيات شخصية لميتشل. وهذا المتحف مفتوح على مدار الأسبوع ، وتكلفة دخوله تبلغ 12 دولارًا .