سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/03‏/2011

اشتعالات النص الشعري

اشتعالات النص الشعري
إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية ( 31/3/2011م ).
إن لغويات الحلم المتأصل في الجسد القصائدي إحدى السمات الرئيسة لتكريس الذات كانعكاس للصور المجتمعية ، لأن الإنسان ابن بيئته ، والقصيدة ابنة بيئتها . وكما أن النص الشعري نابع من الإطار الاجتماعي فهو أيضاً يصنع إطاره الاجتماعي الخاص المتمرد على نفوذ اللامنطق وأبعادِ السُّلطة القمعية ، ويصنع كذلك منطقه الفلسفي الذاتي تماماً كما يحفر النهرُ مجراه الخاص المتفرد . وهذه الخصوصية الثورية _ لفظاً ومعنى _ تقودنا إلى وضع سياسة جديدة للمنظور الفلسفي للأدب غير الخاضع لأبجديات السلطة السياسية . لذلك فإن القصيدة تبتكر أدباً متفرداً ضد الأدب المدجَّن . وكلما اكتشفنا ثوريةَ العناصر الاجتماعية الواعية في النص الشعري ، اكتشفنا حتميةَ الإنتاجيات اللغوية القائمة بالأساس على مواجهة سُلطة الموروث السلبي الذي تم تأطيره كمسلَّمات بفعل التبني الاجتماعي له ، وليس بفعل مصداقيته وقوة منطقه . وهذا الصدام المصيري بين أبعاد المنظومات السُّلطوية نابع من طبيعة طبقات النَّص الأدبي ، فهذه الطبقات القصائدية هي أشكال للرموز المعرفية على الصعيدَيْن الاجتماعي والسياسي . وقوةُ الرمز في القصيدة تتكرس كقوة رفض لهيمنة المعطيات السلبية الجاهزة ، وقوالبِ التنميط والتلميع اللغوي المسلوخ عن الدلالة المعرفية الحقيقية . ومما لا شك فيه أن هذا الحراك الفكري في بنية الطبيعة اللغوية سيؤدي إلى التعامل مع اللغة الشعرية من منظور اجتماعي سياسي ، الأمر الذي يُعمِّق الروحَ السياسية داخل اقتصاديات القصيدة . وهكذا تتولد معالم إبداعية جديدة على طريق التحولات الجيوسياسية لاجتماعيات النظام الثوري في اللغة المتجددة . والقصيدةُ ليست نظاماً لغوياً صوتياً فحسب ، بل هي نظام اجتماعي تثويري متكامل نتيجة حجم التفاعلات المعرفية الهادرة التي تحدث في الإطار الشعري لبنية النص . أضف إلى هذا أن التفاعل المزروع في أقاصي اللغة الحية قادر على الولوج في تعابير المراحل الوجودية للإنسان كافةً ، والتعبير عن كل المشاعر الجياشة داخل النفس البشرية . وبالتالي فاللغة هي الثورة العظمى التي تقوم بثورتها دون انتظار قدوم الثائرين .

28‏/03‏/2011

القصيدة والموازنة بين الغموض والوضوح

القصيدة والموازنة بين الغموض والوضوح
جريدة العرب اللندنية
للكاتب/ ابراهيم ابو عواد .
إن اللغة تُمَثِّل عاطفةً يوميةً مُعاشة تنبثق من تجارب المنظور الفكري للتحدي الإنساني ضد أيديولوجيات الوهم وثقافة الأساطير وصناعة الأصنام البشرية . وهذا التحدي لا يمكن أن يتكرس إلا بحدوث صدام بين الإنسان وذاته ، لأن هذا الصِّدام طَوْرٌ مهم لتشكيل حالات الاندلاع الشعوري للفكرة ، وترجمة الأحاسيس الاجتماعية إلى لغة مرئية تفهمها الروح والعقل والجسد. وهذه التكاملية التاريخية المتعلقة بمراحل تفسير دلالات المحاولات الشِّعرية لتثوير المجتمع تُشَكِّل جغرافيةَ الصراع الحتمي بين القصيدة ومؤسسات القمع ، مما يؤدي إلى توليد حالة انسجام لغوية مع توجهات المنظور المنطقي للطبيعة القصائدية ، وهكذا تتكرس خصائص الإشارات الرمزية في خانة التفاعل بين المفردات والمعاني ، وهذا يصنع الأشكال الجَمالية للنص الشعري عبر إيجاد تكوينات حتمية لمجتمع الفضيلة التثويرية . ولا يمكن تثوير الإيقاع اللغوي في البنية الشعرية إلا بتحرير الأبجدية من سطوة الصور الفنية المستهلَكة ، فالمضامينُ الواعية لا بد أن ترتكز إلى رمزية التراكيب الفكرية المتوالدة التي تتخذ من فاعلية الصور الإبداعية طوراً تكوينياً للفنون اللغوية . ومن أجل تفادي تحول القصيدة إلى ساحة جدال بين السبب والنتيجة ينبغي تأسيس المصادر المعرفية الخيالية على الرمزية المغرِقة في الواقع الملموس . فالرمزية الشعرية في النص اللغوي المتدفق عليها أن تكون مثل شعرة معاوية ، أي إنها تدخل في الغموض دون الوصول إلى الطلاسم ، وتدخل في الوضوح دون الوصول إلى الابتذال ، وهذا التوازن كفيل بإحالة الفكر القصائدي إلى بنية متراصة تؤثر في أكبر قاعدة جماهيرية ولا تنحصر في نخبة النخبة . والأداءُ الفلسفي المتوازن في ديناميكية القصيدة يضمن ملامسة الشعور الإنساني في الأفق اللغوي دون تحويل النص الإبداعي إلى موعظة دينية أو خطاب سياسي ، إذ إن عملية حشد المعاني الشعرية الكبرى في زاوية لغوية ضيقة ووضع أبجدية الشعر في غير نصابها ستؤدي إلى قتل الأحاسيس الإنسانية وإحالة الكائن الحي إلى قطعة رخام جامدة وغارقة في لعبة تزويق الكلام. وهذا يتعارض _ جملةً وتفصيلاً _ مع ماهية الشرعية القصائدية ، فالقصيدة الحقيقية هي كائن حي لا يموت . وإذا اختلت الموازين اللغوية في القصيدة فسوف تغرق ، وعندئذ سوف تسقط اللغة الشعرية تحت حكم الموت اللغوي الذي يجعل النص الشعري لعبةً كلماتية مُزوَّقة أو لغواً يتقمص الشكل الإبداعي .

27‏/03‏/2011

دور القصيدة في نهضة المجتمع

دور القصيدة في نهضة المجتمع
جريدة العرب اللندنية
للكاتب/ ابراهيم ابو عواد .
إن تكثيف الدلالات الصاعقة في معمارية طبقات القصيدة يقودنا إلى إنتاج اقتصاديات جديدة في الوعي الشعري ، وهذه الاقتصاديات لا تمت لمبدأ الربح والخسارة بصلة ، لكنها تعني وضع المعنى في أقصى مداه ، ووضع اللفظ في البنية الفكرية الملائمة . فالشِّعر ليس بورصة أو سلعة في موضع البيع والشراء ، وإنما هو مجتمع مكثَّف له جانب اقتصادي تُشَكِّله الانفعالاتُ المعنوية . وإذا تكرس الفكر القصائدي كمجتمع إنساني وسياسي واقتصادي فإن المنظور السيكولوجي للوجهة الكلامية المترابطة سيصل إلى حالة من الوعي المعرفي الماورائي الذي يستشرف مستقبل البشرية ضمن منظومة من التوقعات الشَّاعرية اللفظية . وهذا يشير إلى عمل القصيدة الدؤوب من أجل توليد نقد متواصل للصيغ الأدبية والقوالب الاجتماعية، فالقيمة اللغوية في النص الشعري لا تؤمن بوجود قالب نهائي وحاسم في الرؤية الأدبية أو المجتمع الإنساني ، فالأدب يُغَيِّر جِلْدَه باستمرار عن طريق تنويع الولادات الوجدانية . وماهيةُ تغيير الجِلد لا تعني الانسلاخ من قيم الهوية وتبديل المواقف بشكل انتهازي، بل تعني القدرة على التجدد والانبعاث والخروج من حصار القيم المجتمعية الضاغطة على الفرد والجماعة . إن الكلمة اختصارُ جهاتٍ متدفقة في أحلام الناس كالإعصار . ومن خلال هذا التعريف ندرك أبعاد إشارات التاريخ الأدبي وتحولات جغرافيا النص الشعري ، حيث تتولد أبجديات مخيالية جديدة طالعة من الأبجدية الأم . وهذه الأبجديات المخيالية تستمد قوتها من قدرتها على التكاثر والتوالد من أجل ترسيخ الرموز الشعرية كأشكال عابرة للتجنيس ، وكاسرة للقوالب الأدبية الجاهزة التي تُعيق تدفق الكلام ، وتحيل القصيدة إلى روتين وظيفي مفرغ من قيمة التفجر . وهذا الاتجاه المعرفي يتكئ على قوة المفاهيم واندلاعها في إعادة رسم خارطة اللغة لتسهيل ولادة الجنين الشِّعري . وفي هذا السياق تظهر أهمية اللغة بوصفها كائناً حياً في قلب الفلسفة الاجتماعية رافضاً للأشكال الاجتماعية التي يتم أدلجتُها بصورة قامعة لحرية الإبداع . وعليه فإن القصيدة تجد نفسها في مواجهة العقل الخرافي للأشكال الاجتماعية السُّلطوية القمعية. وهذه المواجهة الشَّاملة نتاج للعقلانية الراشدة في مواجهة أيديولوجية الشهوة المجنونة ، مما يؤدي إلى تصحيح القيمة المعنوية للبناء الكلامي لإعادة فض الاشتباك بين المستويات اللغوية لعالمية الرسالة الأدبية . ولا يمكن بلوغ المستوى المخيالي الواقعي للفكر الإنساني إلا عن طريق رسم سياسات انتخاب المعنى وتثوير اللفظ ، حيث تتحول العواطفُ إلى قصائد ، والقصائد إلى أنظمة اجتماعية تكبح التوحش البشري . فتبنِّي القصيدة كمنظومة حياتية ليس ترفاً اجتماعياً أو هوايةً لملء وقت الفراغ . فالقصيدةُ هي الضمانة الأكيدة لأنسنة التيارات الاجتماعية ، والاستثمار الفعال في الذات البشرية ، وتنمية المناحي المجتمعية ، وإتاحة الفرصة للإنسان كي يلتقيَ بإنسانيته في مجتمع إنساني يسوده العدل لا قانون الغاب . فالتنميةُ الشاملة يقودها البشر لا الوحوش المختبئون خلف أقنعة البشر . وهذه هي فلسفة القصيدة روحياً ومادياً .

23‏/03‏/2011

صدمة القصيدة طريق الحرية

صدمة القصيدة طريق الحرية
جريدة العرب اللندنية
للكاتب/ ابراهيم ابو عواد .
إن المضامين الاجتماعية هي وجوه الحياة المتعددة داخل النسغ القصائدي المنظَّم . واستناداً إلى الإيقاع المعرفي في عنفوان القصيدة فإن حالةً إنسانية صادمة تولد في البيئة الشعرية، وهذا الأفق الصادم ليس مقصوداً لذاته، وغير معني بإحداث صدمة من أجل الصدمة ، وإنما من أجل إعادة الحياة في مجتمع اللفظ والمعنى الذي يرفض الاعتراف بمشكلاته . وتقاس طبيعةُ الصدمة في الحلم الشعري بمدى قدرتها على ضخ دم جديد في جسد النَّص الذي أنهكه التنظيرُ العَدمي فيما لا طائل منه . وانعكاسات الحالة الإنسانية على مرآة الكلام تقودنا إلى التفتيش بحماس عن القيم الاجتماعية الصاعقة المعبِّرة عن الحداثة الثورية وتفريعاتها ، أي حداثة التجديد في الأسلوب اللغوي وابتكارِ الصور الفنية الجديدة لا حداثة نسخ المشروع الغربي وتقليد الآخر خضوعاً لعُقدة الخواجة . وكلما ازدادت سيطرةُ اللغة على الأفق الشعري الصادم اندلعت حركة الرؤية الفنية في المجتمع الإنساني والمجتمع الكلامي على السواء ، لأن أي ثورة لغوية لا يمكن عزلها عن النشاط الاجتماعي . وعلينا _ لتحقيق مستوى عال من أنسنة البناءات الكلامية _ تدوين الشعور الإنساني كلغة حية في قلب المعرفة السياسية للمجتمع اعتماداً على الحقيقة الثابتة التي مفادها أن الإنسان كائن شِعري، وأن الشِّعرية هي اللبنة الأولى في البناء الإنساني، فكل إنسان يمارس فعلاً حياتياً ذا معنى ، هو _ في الحقيقة _ يكتب قصيدةً كاملة الملامح ، لأن القصيدة هي مشروع الحياة ولا يمكن حصرها في نظم أبيات ، أو تنسيق كلمات . ولا يمكن أن تقوم العلاقة التكاملية بين شِعرية الحياة وحياة الشِّعر إلا من خلال تعميق الثقافة الإيجابية في المجتمع الإنساني المضطرب . وللتحرر من ثقل الهواجس الضاغطة على المسار الإنساني ينبغي تأسيس قصيدة كَوْنية تصهر الأضداد المجتمعية لتجعل منها سبيكة متكاملة متوحدة على هدف واحد ، ألا وهو تأريخ حالة الوعي القامع للقمع . وإذا شَخَّصْنا الحالة الثورية للمنحى الشِّعري الاجتماعي وجدنا أن المأزق الوجودي للفرد والجماعة لا يمكن تجاوزه إلا بتثوير الأدب ، وسلخه عن الاستهلاكية السلبية ليصير جزءاً من وجود الإنسان ، ومُعادِلاً لكينونته البشرية . إن الشِّعر صدمةُ المعرفة غير المدجَّنة ، وصدامٌ يتفشى في كل أنماط التكاثر الطبيعي للأفكار المنتخَبة الناضجة . وهذا يعني أن الثبات المرحلي في جغرافية القصيدة ليس سوى تاريخ مؤقت لأحلام قادمة من دماء الحياة . فالثورةُ الفكرية في النص تحول دون تفشي الروتين الكلامي في الأفق القصائدي . والجدير بالذكر أن القصيدة هي السد المنيع الذي يمنع تشظي الكبت السياسي في المجتمعات القمعية ، وهذا يحافظ على توازن الفرد في بيئة مضطربة . وهكذا تتحدد الوظيفة الفلسفية للقصيدة في كسر الحواجز النفسية والعُقد المعرفية في الجسد الإنساني من أجل تحريره من ثقل المسؤولية الاجتماعية المتفاقمة . فالحرية الفكرية لا يمكن أن تتجذر في مجتمع العبيد . وبدلاً من تعليم العبد أناشيد الحرية ، ينبغي تعليمه كيفية كسر قيوده أولاً ، وهذه إحدى أهم أهداف الشِّعر بعيدة المدى .

22‏/03‏/2011

زواج الخيال والواقع في القصيدة

زواج الخيال والواقع في القصيدة
جريدة العرب اللندنية
للكاتب/ ابراهيم ابو عواد .
إن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه في عوالم القصيدة : أيها سابق على الآخر ، الخيال أم الواقع ؟ . وقبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي فهم أبعاد مدلولات نظام القصيدة، والاستناد إلى حقيقة أن القصيدة نص ثوري يعمل على عسكرة الكلام من منظور أدبي مع تجذير روحانية المعنى الشعري . ولو عدنا إلى السؤال السابق لوجدنا أن الجواب ينبع من كَوْن الخيال والواقع متكاملَيْن ، وكلاهما يؤثر في الآخر بصورة تبادلية غير عابثة . وهذا التأثير المتبادل يدفع منظومةَ القهر المتشظية في أنساق المجتمع الإنساني إلى التكسر على أمواج القصيدة الجارفة . وهكذا نصل إلى حالة شعرية متفرعة عن حرية المعنى ، تحترم كينونةَ الإنسان وخياله الواقعي . والتزاوج بين الخيال والواقع يُحوِّل العناصرَ الاجتماعية الكبرى إلى مواد مصهورة في القصيدة الحاضنة للأحداث ذات العناصر الجمالية المدهِشة، وهذا لا ينفي دور عناصر الجَمال المختبئة في زوايا الأشياء البسيطة الهامشية . فالقصيدةُ هي القوة الشعورية الدافعة التي تجعل من الهامشي محوراً حياتياً رئيسياً ، فكل إنجاز فكري عظيم مرجعه إلى خاطرة صغيرة . وهذه الحقيقة تتجلى في أفق القصيدة باعتبارها مصنعاً للأحلام. واستناداً إلى حتمية انصهار الأنظمة الاجتماعية في الجسد القصائدي ، فإننا نكتشف ذواتنا في الجنين الشِّعْري غير الملوَّث بالقيم المادية الاستهلاكية المغلقة . وهكذا تغدو الكتابة الشعرية تصحيحاً لمسار القطار الاجتماعي، ويتكرس الأدب بكل أشكاله كأسلوب حياة لا وسيلة للتسلية والإمتاع المجرَّد وملء وقت الفراغ . فالفعلُ الكتابي مُعادِلٌ للوجود الإنساني الحر في عالَم غارِق في عبودية الإنسان للإنسان . وكلما تكرست الثقافة الشعرية كحلم حياتي معاش، تعمَّقت أنظمة المعنى الفكري في الوجود الإنساني ، مما يؤدي إلى تحويل التوهجات المعنوية إلى معادَلات سيكولوجية كلامية نكتشف من خلالها حتمية الصدام بين طبقات النص الشعري والعناصرِ الاجتماعية المدجَّنة . فالقصيدة هي المعركة الذهنية الخيالية الواقعية النهائية . وكلما أنعمنا النظر في تكريسات القهر والكبت ومتوالياتِ الانهيارات الإنسانية المتكررة ، وجدنا أن القصيدة هي القلعة الأخيرة وشرعية المعنى التي تعطي الأنساق الحياتية أبعادها ، وهذا غير مستغرب لأن الأفق الشعري هو وحدة الوجود الإنساني الذهني العاصف التي توصلنا إلى السلام الداخلي، ومصالحةِ الإنسان مع نفسه . وهذا السلام المنتشر في الذات الإنسانية ينقل الومضة الشِّعرية من ردة الفعل إلى الفعل ، وهذا من شأنه نسف ثقافات الخوف التي كَرَّستها سلطةُ الموروث الاجتماعي عبر تراكم الأزمنة . ومن هنا ندرك أبعاد القصيدة كمُرشِد اجتماعي يُسَجِّل مواقفَ فاعلة في وجه الهيمنة السُّلطوية في مجتمعات الكراهية .

21‏/03‏/2011

الأطوار الفكرية لتاريخ النص الشعري

الأطوار الفكرية لتاريخ النص الشعري
جريدة العرب اللندنية
للكاتب / ابراهيم ابو عواد
إن القصيدة حِزْبٌ قائم بذاته ، وهذا الحزب يعمل جاهداً لصناعة مجتمع حي خالٍ من حالات الموات انطلاقاً من مراكز صنع الرؤية الشعرية في الأفق القصائدي . وهذه الصناعة الثورية لمجتمع الفضيلة توازن بين ميكانيكا الصور الأدبية وروحانية الأبعاد الوظيفية لمهمة الشاعر. مما يؤدي إلى تعميق الأبجدية الوجدانية ككتلة جغرافية تاريخية تبعث الحياة في خريطة النص الشعري عبر تثويره وجعله مناوئاً للروتين الكلماتي . إنه تطهير وجودي شامل بُغية تنسيق الفعاليات الثقافية التي تعمل على أنسنة الطبيعة المادية ، وإضفاء صفات الكائن الحي عليها ، لأن الطبيعة هي الوجه الآخر للإنسان . وبما أن الشَّاعر هو إنسانية الإنسان كان الأجدر بحمل عبء أنسنة العناصر واستنطاق قيم الجَمال المتفجرة . وفي ضوء هذه الولادات الفكرية المتوالية تتجذر الظواهر الاجتماعية في قلب النظام الحركي للنص الشعري . وهذا يدفعنا دفعاً إلى تحليل السلوكيات الإنسانية الشعرية باعتبارها تشكيلاً وظيفياً قائماً على نفي التعارض بين الدلالات المتجذرة في الجسد القصائدي . إلا أن الدرب إلى اجتماعية التحليل الشَّبكي للنظام الكلامي المتآلف ليس سهلاً البتة، فهو يعتمد بالدرجة الأولى على كسر أيديولوجيات الرعب الذي يمع العقل من التفكير والإبداع . ومن هنا نفهم حتمية التقاء الإنتاج السياسي مع البنية الاجتماعية من أجل توليد الصورة الأدبية المبتكَرة . فالصورة هي التغيير السياسي الحر ، والصراع الأبجدي داخل تاريخ الشِّعر الكاسر للقَوْلبة التقليدية ضمن متاهة استدعاء صور فنية تقليدية ومكررة . ومن خلال تحليل سُلطة المعنى القصائدي على الألفاظ اللغوية نجد أن الأدب علم اقتصاد جديد ، اقتصاد من نوع مختلف يتضمن كامل التنويعات العابرة لتجنيس الأنساق اللغوية التي فقدت لونها نتيجة كثرة الاستعمال. وليس كل تنويع قائم على تأريخ روح الفلسفة المنتشية باللغة الشَّاعرية يلائم نمو تاريخ القصيدة الطبيعي ، لأن التأريخ يختلف عن التاريخ . فتأريخُ الحالة الشعرية هو رصد تحولاتها ، أما التاريخ الشعري فهو المسار الذي تسلكه القصيدة أثناء أطوار نموها المختلفة . ومهما يكن من أمر فإن فلسفة الشِّعر ستظل هي الابن الشرعي والوحيد للحالة الوجدانية العارمة المتدفقة في القلب والروح معاً . وعلى الرغم من أهمية الشِّعر كقوة محركة للاستعداد البشري، إلا أنه من الخطأ المريع رؤية العالَم من خلال ثقب إبرة الشِّعر ، لأن المجتمع القصائدي هو الخيال الواقعي بينما المجتمع الإنساني المحسوس فهو واقعية موغلة في تكريس العناصر المادية كحالة دُنيوية مُعاشة . والخيالُ الواقعي لا أهمية له إذا لم يتم نقله إلى المجتمع البشري نقلاً متواصلاً من أجل ضمان انفتاح الوعي الفكري على الإسهامات النقدية للنظام الشِّعري المغلَق . إن فهم الأنساق السياسية للمدى الوجداني المندفع يجب أن يتم من خلال اعتبار المنهج الشِّعري ظاهرة مستقلة تتمتع بقيمة الرفض لكل المناحي السلبية في الواقع المعاش . وتعميق سيكولوجيا المجتمع يمر عبر جمعنة الأدوار السلوكية للمعنى المرن . فالاستقرار الوظيفي ليس بأكثر من حالة مؤقتة ، تُترَك عندما تَفقد القدرةَ على الإدهاش ، وعندئذ يُصار إلى معنى جديد مُدهِش . ومبادئ القيم الجَمالية ليست عبئاً على كاهل المنظومة الثقافية النَّصية ، لأن قيمة الجَمال تمتلك في داخلها بذور الاستمرارية والتألق التي تحمل كُلَّ الأولويات في جهاز دولة القصيدة . أما هيمنة قطاعات لغوية تقليدية على وُجهة النص الأدبي فسيقود إلى وأد الجنين الشَّاعري . وهذه التراكمات القاتلة تؤسس للانتحار التدريجي في الجسم الثقافي . لكن مهارة المزج بين الأطر الوجدانية واقتصاديات السياسة الأبجدية سوف يُخرج المجتمع الكلماتي من هاجس الموت إلى جغرافية حية عابرة للخرائط اللغوية المعلَّبة في قوالب الجمود والتقليد العبثي . وكل نفي للجمود هو إثبات للانفجار المنظَّم في كتلة اللغويات الوجدانية . ومن أجل طرح تساؤلات تتحلى بالزخم الفكري غير المأزوم ينبغي توظيف الأنظمة السياسية في صميم النظام الشَّاعري الكلامي لكي تنتج عن الأبعاد الوجدانية للتجربة الشعرية أشكالٌ جديدة تفكك الجوهرَ ، ولا تكتفي بالضرب على السطح ، بل تغوص في أعماق علم الاجتماع القصائدي الذي هو تشريح المضامين الوجودية للحياة البشرية المفعمة بالمفارقات والتناقضات الفجة . فاللغة الاجتماعية هي الصيغة الأكثر حداثة للتعبير عن سياسة الشِّعر. والهدف الاستشرافي لشاعرية الخصائص الإنسانية العليا يتمحور حول إيجاد انتماءات مجتمعية لها قدرةٌ كشفية ثاقبة تستطيع الوصول إلى أقاصي نقاط الإحساس البشري بعناصر الطبيعة الداخلية والخارجية . ونحن في أمس الحاجة إلى صناعة قصيدة منتمية إلى إنسانية الكائن الحي تناقش مشاكل الفرد بعيداً عن الأنا العليا الوعظية المترفعة ، وتتعرض لمشكلات كل الكائنات الحية باعتبارها تشكيلات بصرية وسمعية في نظام طبيعي متنوع . وبالطبع فإن إنتاجات القوى الاقتصادية الأبجدية ترتكز إلى مقدار الثروة الموضوعة داخل الكلمة ، وهذا لا يلزم تحويل الكلام إلى بورصة أو سوق يطرح خيارَي العَرض والطلب . بل على العكس فإن الكلام الشِّعري لا يدخل في نطاق التَّسلع ( تحويل العواطف إلى سِلَع ) . فالشِّعر هو المتحدث الرسمي باسم التاريخ الإنساني ، والتاريخُ لا يُباع ولا يُشترى .

20‏/03‏/2011

جسد اللغة هو ذاكرة القصيدة

جسد اللغة هو ذاكرة القصيدة
جريدة العرب اللندنية
إبراهيم أبو عواد .
إن الحفريات في جسد اللغة هي الإشارة الواضحة في طريق النص الشعري الذي ينقلب على ذاته لكي يجد ذاته . وهذا الانقلاب الداخلي في اللغة الشعرية نتيجة طبيعية للقصيدة التي تولد من موت الشاعر فيصير موتُه أحدَ أشكال الحياة . وبالانطلاق إلى سياسات الأبنية الشِّعرية نكتشف أسلوباً مُقارَناً يحقق معادلة الأبعاد الرمزية للتجمع الكلامي في المجتمع البشري المتدفق خارج زنازين الوهم. فالقصيدة هي المجتمع الوحيد الذي لا يخضع لسُلطة المكياج الاجتماعي وارتداءِ الأقنعة . إن الثقافة المعرفية في التكوين الأدبي تتصل بعملية عسكرة الكلام ، مُولِّدة عناصر جديدة ترفض قوالب الصور الفنية المستهلَكة التي يبست من كثرة التكرار . فالبنية الأدبية تركض باتجاه طرح أسئلة وجودية لازمة، وهذه الأسئلة تتكاثر ليصبح لدينا مجتمع كلماتي واع لمصيره ومساره. فالشك المنهجي في الأساليب الشِّعرية هو عملية تحليلية غير عدمية . ويجب أن تكون أدوات التحليل نابعة من الشكل العام للسُّمو الأخلاقي . أما هيمنة الصور الفنية التقليدية على امتدادات المشروع الأدبي فهي شكل يُنْبِئ عن وجود لغة شِعرية خاضعة للاضطهاد . وهذه عملية شديدة الخطورة لأن اضطهاد الشَّاعر لقصيدته من شأنه أن يقهر القصيدة ويغرقها في استياء متآكل ، وهكذا تفقد الصورة مفرداتها الواعية وصولاً إلى هالة منتفخة تصير ورماً سرطانياً في جسد الكلمة،ومن هنا يسيل موت القصيدة الذي قد يأخذ شكلاً حياتياً مُقَنَّعاً لا ينمو إلا في ظل سُلطة معرفية وهمية. وتبرز نمذجة المشروع الشِّعري القصائدي كحالة نفسية تحليلية مستندة إلى تنويعات سياسية جمعية . وبالمقابل فإن تداول القيم الاجتماعية في مخرجات النظام الأدبي بكفاءة عالية يقودنا إلى اجتماعية التوازن الخلاق بين الثقافة الشعبية والثقافة النخبوية . وفضلاً عن ذلك فإن تحميل الدلالات طاقة عاطفية متراصة يُبنى على أساسات الحفريات الدائمة في جسد اللغة الحرة غير القابلة للتدجين . وتنجم أهمية التوظيف التنويري لسياسة التحليل النَّصي داخل الجسم الأدبي من حرارة التجربة . فكلما ارتفعت حرارة التعبير ذابت الفروقات بين النثر والشِّعر. فالحلم الشِّعري الذي يتحد فيه الشِّعرُ والنثر في جسد واحد هو نتاج حرارة التعبير الصاعق مثلما يتحد الأكسجين والهيدروجين في الماء . ومن غير المقبول أن تكون الأوزان الشِّعرية هي الحكم الذي يقرر الشِّعري من النثري . فمن غير اللائق أن ندفن الصور الفنية المبتكَرة الخارجة عن الوزن ، فقط لأنها غير موزونة . فالوزن الحقيقي هو وزن الصورة الخلاقة غير التقليدية ، لا سيما وأن القصيدة تصنع علمَ عَروض خصوصي قائم على المزاوَجة بين المتخيَّل التجريدي للتعبيرات المبتكَرة ، وبين الدلالة اللغوية التي تعيد اكتشافَ اللغة . والقصيدة يجب أن تتحلى بصور فنية مدهشة وعنيفة ، وهذه الصور تعطي القصيدةَ وزنها الخاص والموسيقى الذاتية الهائلة وجرعة الثورة المتدفقة . فالصورة هي من تعطي الوزنَ وجوده وشرعيته ، أما الوزن فلا يعطي الصور الناقصة أية وجود أو مشروعية . ولقد أعطت الحفريات الشاملة في منجم اللغة كاملَ امتدادها على شكل أعاصير أبجدية متشبثة في أطراف المشروع الوجداني الكلامي . وإذا أردنا أن نتجاوز الواقع الخيالي إلى مناطق الإحساس المتدفق فيلزمنا طرح أسئلة إضافية على اتجاه البصيرة العاطفية الكامنة في لهب الشِّعر . وللإجابة على التساؤلات الوجودية التي تحفر في عنفوان المدى الجماعي علينا صناعة مجتمع جديد ينتسب إلى جِدال منطقي بَنَّاء . والشِّعر يفقد معناه إذا خرج من القيمة الإنسانية للإنسان، وصار يحفر في محيطات الزَّبد والعَدمية ؟! . ومن هنا نستنتج أن الحل الأكثر نجاعةً لإعادة الشِّعر إلى حياة العامة وليس النخبة فقط هو تسييس القيم الجمالية في النَّص ، وتحويل الكلمات إلى جيوش جرارة تدافع عن إنسانية الإنسان من منظور كَوْني شامل ، وتوجيه دفة الكلمة ، أية كلمة ، باتجاه مناقشة قضايا الإنسان التي تمس وجوده . وبالتالي نحصل على سبيكة لغوية متينة تلمس جروح الكائنات الحية عموماً، والإنسان خصوصاً . وإذا لم نفعل ذلك فسوف يظل الشِّعر خاصة والأدب عموماً في واد، والإنسان في واد .

17‏/03‏/2011

كيف صار الأردن دولة بوليسية ؟

كيف صار الأردن دولة بوليسية ؟
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 16/3/2011م .
إن تخبط النظام السياسي الأردني وفشله في تحقيق الإنجازات طوال العقود الماضية أدى إلى إنتاج كوابيس سياسية تحاصر الحياة الاجتماعية بكل فروعها . ومن أخطر هذه الكوابيس التي تقض مضجع الشعب هو إعادة صناعة الأردن كدولة بوليسية خاضعة لإدارة فاسدة محصورة في العقلية البوليسية القمعية . وهذه الحالة الموبوءة لها مظاهر متعددة واضحة للعيان . فاختيار رئيس الوزراء الحالي الدكتور معروف البخيت ذي الخلفية العسكرية والذي يفتقد سجله إلى أية إنجازات عسكرية أو مدنية ، يشير بلا ريب إلى خطة مسبقة لدى صناع القرار إلى عسكرة الحياة الاجتماعية عبر الضغط عليها وتحجيمها وقمعها بشتى الوسائل . فالدكتور البخيت سبق أن تولى رئاسة الوزراء في الفترة ما بين ( 24/ 11/ 2005م _ 22/11/ 2007م ) ، ولم يحقق أي نجاح ، فقد شهدت فترة رئاسته للوزراء صداماً عنيفاً مع الحركة الإسلامية ومحاولة إقصائها وتهميشها ، وهذا غير مستغرب ، فقد كان سفيراً في الكيان الصهيوني ( 2005م ) ، وهذه وصمة عار بحد ذاتها في تاريخه المهني . كما أن فترته شهدت تزويراً للانتخابات ، ومحاولات منهجية لإقصاء الأردنيين من أصل فلسطيني . لذا فإن عودته إلى رئاسة الوزراء هي من باب " تجريب المجرَّب " وإعادة صناعة العجلة ، والبدء من الصفر . والمثير للضحك في النظام السياسي الأردني الفوضوي أن مجلس النواب غير الشرعي ، والذي جاء بفعل التزوير الذي شهد به القريب والبعيد على السواء ، قد منح الثقة لرئيس الوزراء ، أي إن فاقد الشرعية صار يمنح الشرعية ، وهذه المهزلة من إبداعات السياسة الأردنية . فمجلسُ النواب غير شرعي وما يصدر عنه لا يتمتع بأية شرعية ، فما بُنِيَ على باطل فهو باطل ، كما أن فاقد الشيء لا يُعطيه . ومن مظاهر عسكرة المجتمع ما يحدث في المظاهرات ، حيث يقوم رجال الأمن بارتداء زي مدني ، والاعتداء على المتظاهرين أو تنظيم مظاهرات مضادة ، وهذه الألاعيب الصبيانية عفى عليها الزمن ، وصارت مكشوفة من كثرة تكرارها في المحيط السياسي العربي الذي وظَّف قاعدة " الحاجة أم الاختراع " في سبيل تكريس القمع ، ونشر الفساد ، وحماية المفسدين المتحصنين خلف الكراسي الحكومية . ولم تقف الإجراءات البوليسية القمعية في المحيط الاجتماعي المكشوف ، بل امتدت إلى السجون ، حيث التعذيب المنهجي للقوى المعارضة يزداد ويتفشى دون رقيب . وهذا عرَّض الأردن لانتقادات منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية . فنحن نرى الاعتقال التعسفي لأعضاء التنظيمات الإسلامية ( مثل السلفية الجهادية وغيرها ) ، وتعذيبهم ، واحتجازهم بدون محاكمة ضمن ظروف وحشية . ولم تفكر الحكومات المتعاقبة في عقد مراجعات فكرية أو حلقات إرشاد ومناصحة ودعوة العلماء لمعالجة الفكر المنحرف إن وُجد ، ومقارعة الحجَّة بالحجة ، وإرشاد الشباب إلى الطريق المستقيم. فالفكرُ لا يمكن مواجهته بالتعذيب والقمع والأساليب اللاإنسانية ، وإنما يُواجَه بالفكر والتحليل العقلاني والمناقشة الواعية للوصول إلى بر الأمان . وللأسف فهذا غائب تماماً عن المؤسسة الأمنية القمعية في الأردن . ومن إبداعات الحكومات الأردنية المارقة _ التي تقتل القتيل وتمشي في جنازته _ تلك التهديدات التي يتم توجيهها لقادة الإصلاح في البلاد وتجييش الرأي العام ضدهم ، ووصفهم بأصحاب أجندات خارجية ، وذلك للتضييق عليهم وتخويفهم من أجل أن يبتعدوا عن مسيرة الإصلاح وتنظيم المظاهرات المطالبة بالحقوق المشروعة. وهذا ما رأيناه أخيراً في التهديدات الموجهة ضد الشيخ حمزة منصور الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي . وبالطبع فهذه لعبة حكومية مكشوفة لردع المعارضة . وللأسف الشديد فإن الحياة السياسية في الأردن صارت كابوساً مفتوحاً على كل الاحتمالات ، ولكن _ برغم كل شيء _ ينبغي عدم التخلي عن المطالبات المشروعة لإصلاح النظام السياسي في محاولة لتحويل الكوابيس إلى أحلام وردية . وهذا يتطلب وجود مدة زمنية محددة لبدء الإصلاحات على الأرض التي تشمل تحقيق الملكية الدستورية كاملة غير منقوصة ، ومحاربة الفساد واقعاً ملموساً لا شعاراً ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وتوزيع الدخل القومي بكل عدالة ، وعلاج مشكلة البطالة . فطريقُ الألف ميل يبدأ بخطوة ، ولا بد من تجذير هذه الخطوة ضمن مدة زمنية واضحة وسريعة. وعدا ذلك ينبغي البحث عن وسائل احتجاج فعالة مثل العصيان المدني والكفاح السلمي لإيصال كلمة الشعب للذين لا يعترفون بوجود الشعب .

16‏/03‏/2011

القصيدة بين سياسة البناء الشعري والحضور الثقافي

القصيدة بين سياسة البناء الشعري والحضور الثقافي
جريدة العرب اللندنية
للكاتب / ابراهيم ابو عواد .
إن المضامين السياسية للنظام الشعري تؤسس علم اجتماع خاصاً بالحياة اللغوية في النسق القصائدي . فالسياسة-اجتماعياً وأبجدياً- تتولد في القصيدة كتعبير رمزي للحضور الثقافي العارم . وهذا يمنع تحول القصيدة إلى روتين وظيفي مفرغ من معناه . فكلما تكرس النشاطُ المجتمعي في النص الأدبي الرمزي، انتشر الوعي الإنساني في الوظيفة الاجتماعية للشاعر، والتي تتجلى في تحريك الساكن، وطرح الأسئلة على الألفاظ والمعاني، ورفض تصنيم الذوات . فالشعرُ هو السؤال الدائم، أي النقد الدائم ضمن متوالية هدم السالب وبناء الموجب. وتستطيع وحدةُ الشعور الهادرة في إيقاع سياسة القصيدة أن تعيد تكوين النمو السوسيولوجي لعسكرة الكلمة بمساعدة التأطير الذهني للطبيعة الفلسفية الأخلاقية.مما يؤدي إلى تصاعد نمو حركة الأفكار أفقياً وعمودياً داخل البنية الرمزية للمجتمع الإنساني . وهكذا تتجذر أهمية الفكر الشعري في فك شيفرة التجمعات الإنسانية عبر استنطاق البنى الصامتة في حركة الجماهير "النخبة والعامة". وكل مجتمع بشري حي سوف تنتشر فيه قيم المعنى بفعل التوليد المستمر لحركة الأفكار والأفراد، وهذا يؤسس قيمةَ النص الشعري كقيمة معادِلة للوجود الحياتي الذي لم يتم تدجينه . ولو درسنا تفاصيل الهيمنة الشِّعرية على مسار النمو العاطفي للمجتمع لاكتشفنا أن النص الشعري صار مجتمعاً بحد ذاته في مقابل المجتمع البشري. لكن الهيمنة الشعرية في سياقات حياة الأفراد والجماعات لا توصل دائماً إلى مجتمع متماسك، لأن البناء الاجتماعي الثقافي يستلزم وجود تناسق تام بين الإنسان حامل الفكرة" وأبجدية المعنى "المحمول". وأكبر إشكالية تواجه النص الشعري هي أن يصبح كالجوهرة في يد فحَّام. وعندئذ يصبح الشعرُ معولَ هدم في الذاكرة المجتمعي ، فالسلاحُ في يد إنسان أعمى سوف يكون وبالاً على الجميع بلا تمييز. وإذا وُضعت القصيدة في نصابها الصحيح مثلما يتمركز السهمُ في القوس سنجد أن شرعية الذاكرة المجتمعية تحولت إلى منحى عقلاني يتخذ أشكالاً جديدة لتمرد الظواهر الفنية على الصيغ المجتمعية السلبية . وذلك عائد إلى قدرة الذاكرة على اقتحام عوالم النص الشعري، وتأسيس منظومة إعمار الخيال، أي حقنه بالفاعلية التطبيقية والقدرة على الانتقال من الذهن إلى الواقع. وهذه المنظومة الموزَّعة على مشروعية العمل الثقافي تؤلف قِيَماً إنسانية تساهم بشكل كبير في الحِراك الاجتماعي ذي الشرعية القصائدية . وبما أن الشَّاعر كيان سياسي قائم بذاته، ومستقل عن الطبيعة الاستبدادية لثقافة السلطات القمعية، كان لزاماً تنظيم مواقع التكيف الاجتماعي التي تؤدي إلى صناعة تطبيقات واعية للعقل الثقافي الجمعي الفذ. مما يسمح لنا بإعادة رسم خارطة النص الشعري كدلالة حياتية متفرعة عن حتمية تلاحم الخيال والواقع.

15‏/03‏/2011

الأسئلة والأجوبة في الفكر القصائدي

الأسئلة والأجوبة في الفكر القصائدي
جريدة العرب اللندنية
للكاتب/ ابراهيم ابو عواد .
إن قوة القصيدة نابعة من قدرتها على التساؤل وطرح التحديات المصيرية. ومن أهم الأسئلة الشعرية : كيف يمكن صناعة مخيال وظيفي قائم على امتداد رؤية الشاعر ؟ . وهذا السؤال المركَّب ليس سهلاً على الإطلاق ، فالشاعر رؤيةٌ. وهنا يظهر سؤال وليد غاية في الأهمية :كيف يمكن للرؤية الشِّعرية أن تصدر عن الشاعر الرؤية؟. فنقول باختصار إن التحولات التي تضيء للشاعر طريقه الأدبي المتفرد هي ذاتها التي توفر له مناخاتٍ من العمل الدؤوب بغية تكوين نماذج المعطى الواعي لحالات ماوراء الشعور . وهكذا نصل إلى مرحلة تدقيق الترابط المقصود بين الحياة الذهنية والخيال الواقعي المتكاثف على شكل رؤى تحفر جغرافيةَ القصيدة في صوت الزمكان ( الزمان _المكان ) . وفي مقابل التحولات الجذرية تظهر تضاريس جديدة للحالة الشِّعرية بعيدة عن التنميط والأدلجة التي تحقن النص بفلسفات وافدة ومناهج دخيلة مرفوضة أقل ما يقال عنها إنها منحرفة ، وهي لا تعيق النمو الطبيعي للمشروع الأدبي البؤري فحسب بل تُسرطنه تمهيداً لوأده التدريجي المأساوي . وقد تنبثق من خلال المداولات السابقة حالة معرفية أكثر أهمية ، وهي زوال الغبش العدمي في مسار الكلام كخطوة أولى لنقض علم اجتماع الرعب والضجر ، هذه الثنائية القائمة على سيادة طبقة ذهنية منكمشة على ذاتها، وتتحكم في انتشار الضرورة الحتمية للتثوير النصي الأفقي والعمودي . والتثوير الأفقي هو البنية التحتية للقصيدة ( الحلم والمعنى ) ، أما التثوير العمودي فهو البنية الفوقية ( تنقية أنظمة الحكم الاجتماعية من الوهم ). وهاتان البُنيتان إنما تَكونان داخل المنظور السيكولوجي للأداء الكلامي الصاعق من أجل تمييز المعايير الاجتماعية في مجموعات التغيير الحتمي بتكوينات نظامية تزاوج بين المدلول ( الهدف ) والدلالة ( الوسيلة ) . والثقافة القائمة على تدعيم كينونة المعنى يجب أن تتحلى بليونة صارمة تزاوج بين نظرية المشروعية من جهة وبين تحليل المعنى الشعري التغييري من جهة أخرى. والقدرة على تحويل النص إلى حياة خارج نطاق الحياة الواقعية لا تتأتى إلا بتكوين خطاب واضح المعالم والخصائص عن الحالة الذهنية المعاشة في القصيدة . ونحن لا نريد الانصياع لمسَّلمات افتراضية لا توجد إلا في الأذهان المرتبكة . فالحالة الطبيعية المؤسَّسة على ىشرعنة احتلال الكلمة للكلمة هالة رخامية ينبغي صقلها بالغضب الثوري والحزن الموصل إلى الفرح ، لأن الحزن المنهجي جزء من سعادة المنحى الثوري في سوسيولوجيا النظرة الأدبية . وإذا لم نحاول تجذيرالمشهد الذي يسرد بؤرةَ الثقافة المكوَّنة من إنتاجية الدلالة وتوجيهِ المدلول ، فلن نحصل على ظروف ملائمة لولادة تشكيل بصري سمعي هادر يهز المجتمع الإنسان هزاً يلائم بين الرفق والعنف . إننا نبحث عن استدلالات تحيل الكَم إلى أنواع متشظية ، وتتعامل مع النوع ككتلة كمية تستشرف المستقبل بكل أبعاده ، ليس بوصفه سلعة ، وإنما بوصفه شكلاً لشرعية الاستمرارية خارج هيمنة الأنساق السلبية التي تعمل على تحويل الإنسانية إلى صيغة كمية سلعية ضمن عملية تدجين منهجي . وسوف تتكرس الفلسفة اللغوية لدعم النظام الشرعي في دولة القصيدة من أجل ترسيخ معطيات الوعي ذي الامتدادات المعرفية المتفجرة . ومن غير السهل إنضاج المعرفة المكانية بدون الاستناد إلى معرفة زمانية وثابة. فالطرائق الجديدة المستعملة في صياغة سياسة الشِّعر هي ذاتها المستعملة في قياس تشكيلات ممارسة الثقافة الهادفة إلى تأسيس الكلام كانقلاب ضد الخديعة. فالشعر هو ممارسة كتابة قصيدة عن القصيدة ، تلك المملكة المتنافس عليها ، والتي تظل محتفظةً بنفوذها رغم غياب فرسانها . تلك الخصوبة التي تسكن في الأبجدية . فالكتابة محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .كما أن السياق اللغوي لأبجدية النص الشعري يقتلع الجسد الإنساني الكلماتي من قبره . فالإنسانُ كائن حي ، والقصيدة كائنٌ حي . وهذه الحياة المتبادلة تعطي امتداداً جغرافياً لتاريخ الفكر القصائدي . ففي الجنين الشِّعري حلمُ ولاداتٍ متكررة ، وحيواتٌ متعانقةٌ تزودنا بالأحاسيس اللازمة لاستقبال ما بين سطور النص الشعري . وهذه الأحاسيس مؤشر واضح على أن القصائد كتل بشرية مملوءة بالأعصاب . فالكلماتُ تشعر مع بعضها وتتكاثف في وِحْدَةٍ فريدةٍ .فالإحساس هو القصيدة الأولية الخام والقاعدة الحاضنة للفعل ورد الفعل ، فإن لم تشعر بالطريق كيف ستمشي فيه ؟ ، وإن لم يلمس ضوءَ الشمسِ جلدُكَ فكيف ستنال الحرارة ؟ . وثنائية (الفعل / رد الفعل ) تعمل على تشريح المستوى التاريخي للشاعر الرؤية . ففي الطفولة تكون كلمات الشعراءُ ردةَ فعلٍ لشخوصهم ، وفي حالة تقدمهم تصير الشخوصُ صدىً لصوتِ الكلام . مما يدل على نفوذ الكلمةِ التي تنتشر في الفضاءاتِ وصاحبها جالسٌ في مكانه .وهذه النقطة مركزية في فهم أهمية الكلمة كأساس نظري للفعل ، بل هي الفعل عينه. وهذه الإرهاصات قادت إلى إنهاء زمن استخدامِ الألفاظِ الجزلة والفخمة في المستويات الشعرية . ففي السابقِ كانت السطوة لاندفاع اللفظةِ، والآن غدت الصورة أبلغ. والصورة تركيبٌ يحتضن الكلمات في منظومة تجميعية. وهكذا تكاثفت الألفاظُ ودعمت الواحدة الأخرى لمصلحة الصورة الشِّعرية ، فحصلنا على ما يشبه فريق عمل ليست البطولة فيه للبعضِ ( المفردة ) بل للكل ( الصورة ) .

14‏/03‏/2011

السياسة الشعرية والسياسة الاجتماعية

السياسة الشعرية والسياسة الاجتماعية
جريدة العرب اللندنية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
إن الأدوار الاجتماعية الفكرية المساهمة في صناعة بُنى شعرية هي سمات حقيقية لثقافة تنقلب على الأحكام المسبقة الجاهزة ، وهذا الرفض للقوالب الجاهزة هو الذي يُذَوِّب الفروقاتِ بين الشِّعر والنثر . ففي بركان الحرارة العاطفية الجياشة تغيب الفروقات بين المدلول الشِّعري والدلالة النثرية ضمن ثنائية واعية وليست عَدمية . هكذا يفرض إعصار القصيدة شروطه على المتلقي كما تفرض الذاكرة شروطها على النِّسيان .ويتأجج الدعم الذي تقدمه الصورةُ الشعرية لعناصر الشرعية البؤرية في سياق الكلام . إذ إن تلك العناصر تساهم في خلق متوالية تكاثرية تصنع قانونها الخاص بها ، انطلاقاً من حركات معرفية دائمة البحث عن معنى . والشَّاعر هو مَلِكٌ لا ينفك يبحث عن عرشه ، وهذا هو القَلَق اللذيذ . إنه قَلَقٌ ينقل الأبجدية الشعرية من نمذجة المصطلح الجاهز إلى صناعة مصطلحات دائمة الاكتشاف والتحول .فصانع النَّص الإبداعي يكتشف ذاته في مشروعه الأدبي من أجل أن يكتشفَ هذا المشروعُ ملامحَ وجه الشَّاعر واتجاهاته . فمن الممكن اكتشاف الذات عن طريق اكتشاف ذوات الآخرين، لأن الكلمة تخرج من ذات الشاعر لكنها قد تعيش في كيان آخر ، وهكذا نفهم القول إن الشَّاعر ما هو إلا المتلقِّي ، وهنا تتعدد الأنا الواحدة لتشمل ذوات الآخرين . فالشِّعر صوتٌ والمجتمع الكلامي صدى لهذا الصوت الصاعق . ولو اتجهنا إلى علاقات النصوص المتقابلة داخل النَّص الرسمي للتكثيف البنائي الفذ لوجدنا حتميةَ الصدام بين مكونات القصيدة ، وهذا الصدام ينقل الرؤية التعبيرية من دائرة الموازاة مع الذات إلى دائرة معادلة الذات ، فالكلام هو الذي يُقولنا ولا نَقوله. فالشِّعر لا يعطيك إحدى مفرداته إلا إذا أعطيتَه كُلَّك. وبالتأكيد فهذا لا يعني أن يتقوقع الشَّاعر على نفسه ، ويبتعد عن باقي العلوم والمعارف ، لكن المقصود هو أن يهب الشاعرُ نفسَه للشِّعر في لحظة التقاء عيونه بجيش الحروف الذي يزور بدون استئذان . وتُشبه الحروفُ في هذا السياق الثوري نوابض مغناطيسية جاذبة للأفق الشعري . ويجب أن نلاحظ الأدوار التعبيرية التي تجسد طموحات سياسة الشِّعر في تكوين جيل ثائر ضد الخرافة لأن الأبجدية الثقافية لا تنفصل عن الثورة بأية حال من الأحوال. فدخول الأفق السياسي في الأسلوب الشعري لا يستلزم بالضرورة تقييد حرية حركة الصور الفنية والتعابير الرمزية ، لأن القضية الحقيقية تُحضِر معها أبجدية خيالها أفقياً وعمودياً، مما يؤدي إلى إدراك حتمية التحويل الجغرافي في بنائية تاريخية الشِّعر باعتبار القصيدة تاريخاً جديداً وجزءاً من رواية عجائبية لا تعتمد على السرد ، بل على التقاط اللحظة وتثويرها وإحاطتها بهالة رمزية ذات هدف غير عبثي . ويمكن أن نُفكِّك القيمَ المتحولة في إطار النظريات الاجتماعية الهادفة إلى قلب نظام حكم القصيدة ، وتكوينِ نظام جديد نابع من صيرورة المتحوِّلات البنائية العامة والخاصة . وهنا يحدث تمازج بين الأدب والسياسة لأنهما عاملان أساسيان في تحريك المجتمع روحياً ومادياً .ولكنْ علينا أدبنة السياسة ( حقنها بالأدب الجامح لكي يكبح تهورها )، وتسييس الأدب بالمعنى الإيجابي للكلمة ( جعله سياسياً بالقَدَر الذي يسمح بتأجيج عنف اللغة ذهنياً ) . وتأتي النماذج الاجتماعية المسيطرة على النسق الشِّعري كخطوة لا مناص منها إذا أردنا إعادة تشكيل الوعي الموجب وتعبئته ضد سالبية الوعي السلطوي المفروض على النَّص من خارج النَّص. ولا أقصد بعبارة الطبيعية الفلسفية التي تدخل عناصرُها في النَّسغ الكلامي ، وإنما أعني أن لا تخضع القصيدة لابتزاز خارجي متمثل في الأنظمة الأبوية التي تصيغ الثقافةَ والحياةَ من منظور أحادي استبدادي.

13‏/03‏/2011

سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنص الأدبي

سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنص الأدبي
جريدة العرب اللندنية
للكاتب/ ابراهيم ابو عواد .
إن لغويات الثورة السارية في تراكمات المنظور الشِّعري مستمرة بفعل قوة نفوذ الأبجدية الفكرية التي تبرز أهمية تعميق جذور خصوبة المشروع المستقبلي في الجسد القصائدي. حيث يتم تأصيل استشراف الحلم القادم من وراء الكلمة الملتزمة بالقضايا المقدَّسة. وهذه الماورائية بُنية متحركة مندمجة بالكامل مع سياسة الرؤية ، وخاضعة للعقل الهادم الباني ، حيث يهدم الأنساقَ العشوائية الضبابية غير الثورية ، ويبني الرؤى الماديةَ والمعنوية التي تمهد لمرحلة الانفجار الشامل في تفاصيل اللغة الهادرة. وهكذا نجد أن الشِّعر يؤرخ لمرحلة جديدة تستلهم تاريخاً جديداً ينبثق من قوة المنطق لا منطق القوة. والشعريةُ الثورية هي سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنَّص . إنها سياسة نقية تعيد صناعة مجتمعات الكراهية وفق منظور إنساني يقتل الشر في الإنسان ولا يقتل الإنسان. وهنا يتلاحم البناء الكمي بالسلوك النوعي فيَنتج ما يمكن تسميته بالجمعنة القصائدية " تجميع أبعاد المجتمع الشعري لتوحيد المجتمع البشري "، حيث يذوب الجزء في الكل ، وتحل أبجدية حلم الخلاص الجماعي مكان الخلاص الفردي الأناني. وهكذا نجد أن المحتوى الذهني للامتداد الطبيعي للأفق الشاعري يأخذ شكلاً بنائياً مميزاً . وهذا الشكل ما هو إلا انعكاس خلاق للطبيعة الكلامية المفتوحة على كل احتمالات التجريب في إطار سياقات اللغة الأدبية. فالأدب سوسيولوجيا رمزية لتاريخ اقتصادي كلامي يبحث في الخيال الواقعي. ومع هذا فالأدب ليس تأريخاً للأحداث بقدر ما هو تأريخ للخيال القادم كالطوفان إلى أرض الواقع . وإذا فهمنا أشكالَ العلاقات الذهنية في وظيفة الرؤى المتمردة استنتجنا حتميةَ الصدام بين الثنائيات المشكِّلة للقصيدة، ونستنتج كذلك أن الثنائيات تؤول إلى صراع طبقي من نوع جديد في البنية الشِّعرية، صراع لا دخل للفقراء والأغنياء فيه. إنه صراع طبقات اللغة بين مستويات الكتابة الإبداعية ، ينقسم إلى صراع داخلي وصراع خارجي، الداخلي يقوم بالتجريد والتعرية المستدامة للانهيار الحضاري الذي أصاب الإنسان المادي، والخارجي يقوم بالتجرد من تبعات هيمنة إسهامات البشر المحتشدة في اللغة . فالتراكمات البشرية اللغوية ليست هي اللغة ، لأن اللغة أوسع وأعمق وأكثر شاعرية من طينية الإنسان وروحه. فالشاعر الذي يكتب قصيدة لا تخدم قضية مقدَّسة إنما هو يكتب ضد الكتابة ، فيصبح عبئاً على لغته . فتقف القصيدةُ رغماً عنها في مواجهة القصيدة ، وهذه هي حالة التلاشي التدريجي التي تقتل روح النص. ومن جهة أخرى ينبغي توجيه الانتباه إلى الاستعارات الوظيفية المقابلة لحالات توهج المعلومة المدهشة ، فالشِّعر عقل الدهشة وقلبها النابض ، وهو يوصل معلوماتٍ محددة موغلة في الرمزية والتوهج والدهشة ، وبالتالي فهو يختلف عن الكتابة الصحفية أو كتابة الدراسات المنهجية. إن اختزال البنى السياسية الشعرية في نص مكثَّف عملية غاية في الصعوبة ، لأنك تُعبِّر عما يعتمل في نفسك من محيطات ذهنية وواقعية مترامية الأطراف بكلمات معدودة على الأصابع ، وهذا بحد ذاته أداء نسقي يطحن روابطَ إنتاجيةِ التجمعات البدائية داخل الاشتعال العاطفي المتراص. ولسنا بحاجة إلى دمج الحدود الفاصلة بين طبقات القصيدة فحسب ، بل تكسيرها أيضاً وإقامة مملكة مفتوحة على كل تشكيلات الوعي المطلق بقضايا الإنسان وباقي الكائنات الحية والجَمال والطبيعة. وهكذا تزداد عناصر الحالة الماورائية التي تحدد مسار التأصيل المعرفي للموروث الشعري الملتزم بالرؤية الكونية الشاملة والقضايا الكبرى والنظر للإنسان كإنسان، مع ضرورة البدء من الذات الشاعرة . فمن الجنون أن يصلح الإنسانُ بابَ جاره، وينسى أن بابه مخلوع . فالانقلاب الشعري الحقيقي يكسر القوالبَ ليظل محلقاً في فضاءات أكثر رحابة وأكثر ثورية.

06‏/03‏/2011

سقوط الحضارة الأمريكية

سقوط الحضارة الأمريكية
للكاتب/ ابراهيم ابو عواد .
إن تحليل إشكاليات البنى الحضارية يرمي إلى إلقاء الضوء على خارطة المشهد السياسي العالمي بكل تناقضاته، وتثبيت الوجود الفكري الفاعل عبر دراسة الأزمات المصيرية التي تهدد مستقبلَ أمريكا باعتبارها حضارةً مبنية على هوس الاستهلاك، والغلو في تبديد الطاقة. فالاقتصاد مبني على أسس غير سليمة تكرِّس الشططَ الطبقي، وثنائيةَ السادة والعبيد، وإجهاضَ الروح والجسد، والتمييز العنصري بين البيض والسود. وهذا الاضمحلال الحضاري الشامل ناتج عن انحرافات جذرية في الفكر الإمبراطوري الذي يبتعد عن التوجه الإنساني المستقيم. وكل هذه العوامل لا بد أن تؤثر سلباً على مسار الحضارة الأمريكية ومصيرها. ونحن إذ نحلل بنية الفكر الإمبراطوري، فإننا لا ندغدغ عواطفَ الناس، أو نعمل على زراعتهم في عوالم الخيال والوهم من أجل تخديرهم لكي يشربوا الأوهامَ، ويرددوها إلى درجة التصديق. فالأزمة الأمريكية في بنية اللفظ والمعنى متداولة- بشكل أو بآخر- في الأوساط الحكومية الأمريكية، والجامعات العريقة، ومراكز الأبحاث. بل إن كثيراً من المفكرن الغربيين- الذين ليس لهم علاقة بالإسلام والعروبة وعلى رأسهم نعوم تشومسكي- يتحدثون بصراحة عن غطرسة "العم سام" الخادعة، والسرابِ الجاثم على عقول الأمريكيين الذين يعتقدون أن دولتهم مستمرة حتى نهاية التاريخ، ويضعون النظريات الفكرية بشأن انتهاء الإمبراطورية الأمريكية، والمؤشراتِ حول انكسار الحلم المستبد المؤدلَج عسكرياً، وغرورِ القوة، والتموضعِ في بؤرة القوة الظاهرية. وهذا كلام الكثيرين من علماء الغرب الذين يعرفون بنية الحضارة الغربية من الألف إلى الياء، وليس كلامَ ابن لادن أو أعداء أمريكا. ولا بد لكل دراسة جادة أن تشتمل على تطبيقات أنسنة المشاعر، وتأصيلِ التيارات الإنسانية في قدرة المعنى على التكريس والانطلاق. فالصورةُ الدموية لوأد الإنسانية المنتشرة في كل أنحاء العالم تنبع من غبش الصورة الذهنية حول الأنا والآخر. وبما أن الحضارة الأمريكية تنظر إلى نفسها على أنها المركز الفكري العالمي، ومن حولها أطراف هامشيون، فإن ردود فعل كثيرة نشأت باتجاهات مضادة للمشاريع الغربية مثل العولمة "الأمركة"، لأن كل ثقافة صارت ترمي إلى حماية نفسها. وللأسف فإن الغرب لا يرى وجوداً حقيقياً خارج أنطقة وجوده. وهذا أدى إلى تهميش الحضارة العربية الإسلامية، والصينية، والإفريقية، واللاتينية في أمريكا الجنوبية. فظهرت عمليات تقسيم منهجية للبشر كدرجة أولى وثانية وثالثة. وهذا غير منطقي في مجتمع الخير المنشود. والإشكاليةُ الكبرى في هذا السياق أن أدبيات الأنظمة السياسية الإمبراطورية صاحبة المكانة الدولية على مدار التاريخ تنتهج سياسة تثبيت الذوات كسادة. حيث يتم إقصاء الآخرين، وتجريدهم من قيم الحضارة والمعاني الإنسانية الراقية، وهذا يتنافى مع مجتمع الأخوة البشرية. فالانكسار الحضاري العالمي المتقوقع على شكل فقاعة صابون أو بالون منتفخ، سوف يزداد تشظياً إذا لم يتم حل المشكلات جذرياً ضمن عالم متعدد الأقطاب والثقافات. فكل حضارة على مدار التاريخ تظن نفسَها سيدة الأرض المطلقة ما هي إلا تشكيل خيالي وهمي يشتمل على بذور انهياره في أنويته الداخلية. وواجب البشرية جمعاء أن تعمل بكل نشاط لتفعيل العقل الجمعي الكَوْني لإعمار الأرض، وإسقاطِ العناصر الشاذة عن المسار الحضاري. وذلك عبر الانتقال من طور الدفاع الاختزالي التراجعي أمام العناصر السلبية إلى طور الهجوم الفاعل ضد الأساطير التي تتقمص شكلَ الحضارات. إذ إن انتهاج الأسلوب الضاغط في التعامل مع محورية التوازي السياسي الوهمي هو الذي يُنَمِّي بذور الانهيار في داخل أنوية العناصر الوهمية، وبالتالي فإن السقوط الحتمي لمجتمعات الكراهية سوف يتكرس بكل دينامية، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي. والسقوط المعرفي الذي تعاني منه حضارات انكسار الحلم، واضمحلال المعنى لصالح عقيدة الأخذ المتكرر، هو السقوط الشامل للاستهلاك الجنوني لمتع الجسد على حساب متع الروح. وهذه نقطة مهمة تتجلى من خلال التأسيس الذهني السياسي لحالة الحراك الاجتماعي داخل بنية المجتمع الأمريكي. فهذا المجتمع الأمي من ناحية الثقافة السياسية لا يهتم بالسياسة الخارجية، وإنما كل تفكيره منصب حول نظامه الاستهلاكي الصارم، ومدى قدرته على تطويع الأداء الكلي لخدمة الفردية الأنانية السائرة باتجاه مضاد للروح الإنسانية والبيئة بكل تجلياتها المعنوية والمادية. وإن أية منهجية تتناول المستوى المعرفي للتشريح الدلالي في بنية التراكيب الاجتماعية للأداء السياسي الأمريكي ينبغي أن تعتمد منهجيةَ الوصول إلى بنية فكرية حاسمة ودقيقة من أجل إعادة قطار كوكب الأرض إلى السكة الصحيحة. وكما أن انحسار صيغة التفكير المنطقي في عالم مجنون وجامح سائر نحو الهاوية، صار منطقاً رسمياً للكثيرين، فإن قدرة الفرد علي مواجهة مشاريع استئصال إنسانيته صارت تياراً مقاوِماً رامياً إلى بعث الإنسان من قبره العالمي من جديد، وإحياء المعاني الميتة في النفوس بشكل متفجر. ولا يخفى أن الانتكاسات المتكررة في أداء اجتماعيات السياسة على الصعيد العالمي ساهم- إلى حد بعيد- في تجذير أنطقة التخلف الاجتماعي وفق صور إنسانية أكثر أنانية، وأكثر توغلاً في هوس الأخذ المتواصل. وللأسف فقد تحول الفردُ الذي يُفترَض به أن يعمر الأرض إلى معول هدم في هذه الأرض، وهذا نابع من الاختلاط المريع في مفهوم الإنسان كوحدة وجودية راقية. كما أنه نتاج طبيعي لحالة الاحتقان الفكري المأزقي العمومي التي كرَّسها النظامُ الاستهلاكي المتوحش الذي أحال الفرد من صيغته الطبيعية إلى كومة شهوات متضاربة موغلة في الشهوانية الفجة. وهذا التحول في المنهجية الإنسانية متزامن مع التحول الجدلي في الفكر السياسي العالمي الذي صار يضع المدفع أمام الكلمة وليس العكس. وكل هذه العوامل قادت إلى الانهيار المرعب في تقاطعات المنحى الإنساني التجريدي، فصار الإنسان سائراً باتجاه مضاد لإنسانيته، حتى إنه أضحى مستعداً لسحق ذاته في سبيل نيل مكتسبات وقتية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي صار للعالَم قطب واحد وهو أمريكا، وهذه المعلومة الواضحة صارت مفروغاً منها من فرط تكرارها. وعلى الرغم من صحة المعلومة السابقة جزئياً إلا أن مفهوم القطب يحمل عدة طبقات من صياغات المفاهيم. فأمريكا هي حجر الرَّحى الذي يدور حوله النظام السياسي العالمي ضمن واحدية الاستقطاب المنهجي النَّفعي. ومع هذا فإن التصدعات العميقة في وجه أمريكا ككيان داخلي متواصل مع الظواهر الخارجية تمتاز بالانسحابية اللامنطقية. أي تحول انكسار المعنى من التموضع حول نقطة بؤرية مركزية محدَّدة إلى تيار انسحابي شامل يغطي كافةَ تضاريس المعرفة الفكرية على صعيد تطبيقات عسكرة السياسة التي تقودها الرصاصة بدلاً من الكلمة. ومهما يكن من أمر فإن التوغل في بنائية الرمز التكويني لحالة القطب الواحد لا بد أن يصل إلى لحظة زمنية فارقة تمنعه من مواصلة التقدم، أي إن استمرارية الحفر في متوازيات العمق ستتوقف لا محالة، ولن تستمر إلى ما لا نهاية، لأن الطاقة المرافقة للعَرَض "الحالة الظاهرية الناتجة عن النواة الأصلية" سوف تنتهي لا محالة بسبب استنفاد الطاقة في قيمة الجوهر الأصلي "البيئة الأساسية لمنبع النواة البدائية الأولى". فالشمس- على سبيل المثال- لن تستمر في بعث الطاقة إلى ما لا نهاية، لأن حجم الانفجارات والطاقة الموجودة على سطحها سيصل إلى نقطة التلاشي بسبب انعدام الإمداد، وحينها تسقط الشمس كشمس، وتصبح لا قيمة لها. وأمريكا هي مركزية البؤر الأيديولوجية السياسية. لكن الإشكالية الصارمة تكمن في انقطاع التواصل بين الجوهر الأصلي الأولي "وحدة النواة المركزية المنبع"، والظواهر العَرَضية للأشكال المرئية. كما أن البنية الاجتماعية عبارة عن تيار مغلق على الروح، مفتوح على الاستهلاك المادي. وهذا يؤثر سلباً في مسار القوة ومصيرها. وكلما تكونت الأفكار في سياق المواجهة مع قيم النَّفي السالبية التي تتكرس وكأنها قيم إثبات عالمية الدلالة والتثبيت، نشأت قيم المقاومة للمشروع الانتكاسي الذي من شأنه إحالة المعنى إلى لفظ مشوَّش، وزراعة الكائن الحي في طور الشهوانية، واللهاثِ وراء نزواته الآنية، وحصرِ تفكيره في دوائر الاستهلاكية المفعمة بسحق ذاتية الفرد والمجتمعِ، لصالح إنشاء تيارات سياسية ناتجة عن زواج الثروة بالسلطة. وتأتي هذه الصور الفكرية كتشريح رمزي واقعي واضح يستشرف المستقبلَ، ويضعه في إطار المعنى الرسمي لأزمة الإمبراطورية الأمريكية الجوهرية. وقد برزت بنية الأزمات الحضارية العالمية على مسرح الأحداث الدولي بشكل صاعق. لأن التآكل في الفكر المعرفي أدى إلى تآكل في المعنى الوجودي للكائنات الحية. وعلى الرغم من اعتقاد كثير من الباحثين أن الحضارة الأمريكية بدأت العد التنازلي، فإننا نؤكد أن الأمر ليس بالسهولة التي قد يتخيلها البعض. فالأنظمة التداخلية في الولايات المتحدة شكلياً أنظمة مفتوحة تمتاز بحرية الاختيار. وهذا يعني أنها قادرة علي إجراء تصحيح ذاتي لمسارها في كل أزمة، إلا أن التأخر في العلاج أدى إلى عدم فاعلية الدواء. وهذا ما نشاهده على أرض الواقع. إن نظرة سريعة على خارطة المشهد السياسي العالمي تشير إلى الاضمحلال المتسارع للحضارة الأمريكية، حيث الاقتصاد مبني على أسس غير سليمة، والحالة الاجتماعية مبنية على إجهاض الروح والجسد، واضطهاد الأقليات، والتمييز العنصري المتجذر في الثقافة المجتمعية، والمستوى الثقافي متمركز في دائرة الاستهلاك والشهوات، والوعي السياسي عاجز عن اختراع دور حقيقي لشرطي العالم العاطل عن العمل. والنظر إلى العالم بدون سيطرة القطب الواحد ليس لعبة خيالية لزراعة الوهم، وتسويق الخديعة في أوساط الناس. بل هي نتيجة طبيعية لنظرية تداول الحضارات وانهيارها، وقد بدت آثار هذه الانهيار على أرض الواقع. لكن العجب، كل العجب، أن تجد بعض المثقفين يعتقدون أن الإمبراطورية الأمريكية مستمرة حتى نهاية التاريخ، وهذا السراب الخادع الجاثم على عقول البعض جاء بسبب الحملة الإعلامية الشرسة التي تحرص على تصوير أمريكا بوصفها الحضارة النهائية الحاسمة على سطح الأرض. وفي زحمة اندلاع الوهم لا تجد الجامعات الأمريكية العريقة، أو مراكز الأبحاث تتحدث عن انتهاء حلم خلود الإمبراطورية الأمريكية بشكل واضح ومباشر. مع أن الدلائل الظاهرية واضحة للعيان، والمؤشرات حول انكسار حلم التوسع والسيطرة في ذهن "العم سام" باتت تُلمَح في الأفق. لكن منطق القوة، وسياسة الأمر الواقع، والتموضع في بؤرة المجد الوهمي، والآلة الإعلامية الجبارة، وغيرها من العوامل، ساهمت في اختراع صورة أسطورية للحضارة الأمريكية، تماماً كما تفعل هوليوود مع الممثلين عبر اختراع هالة خرافية لهم بواسطة المكياج والأقنعة والمؤثرات البصرية والصوتية. وكلها عوامل سرعان ما تذوب مع ظهور شمس الصباح خارج الأستدويوهات. وهذه الأفكار إنما هي تدقيق فلسفي تأصيلي ينحو منحىً سياسياً استشرافياً لنهاية أحلام هذه الكتلة الجغرافية الجبارة التي تقمصت خدعة "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". وبما أن الحضارة الأمريكية قامت وفق قاعدة إبادة السكان الأصليين "الهنود الحمر"، فهي لا ترى وجوداً حقيقياً خارج نطاق وجودها، فمن الطبيعي أن تنظر إلى الآخر على أنه بشر درجة ثانية أو ثالثة، لأن أدبيات الأنظمة السياسية الأمريكية على مدار التاريخ تنتهج سياسة الأنانية، والتمركز حول الذات، وإقصاء الآخر بكل وحشية، وتجريده من قيم الحضارة والمعاني الإنسانية الراقية. فالانكسار الحضاري المتقوقع على شكل فقاعة صابون أو بالون منتفخ يُسَمَّى القطب السياسي الأوحد ما هو إلا تشكيل خيالي وهمي يشتمل على بذور انهياره في أنويته الداخلية، لكن الذي يطيل عمر الجثة الهامدة هو الأجهزة الصناعية المحيطة بسرير الميت، وهذا بالضبط ما يحصل في حالة الإمبراطورية الأمريكية. وبالتالي فإن السقوط الحتمي لهذه الإمبراطورية سوف يتكرس بكل دينامية، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي. وما الأزمة المالية الخانقة إلا عملية قرع جرس الإنذار. والسقوط المعرفي الذي تعاني منه حضارة انكسار الحلم، واضمحلال المعنى لصالح عقيدة الأخذ المتكرر، هو السقوط الشامل للاستهلاك الجنوني لمتع الجسد على حساب متع الروح. وهذه نقطة ضعف حرجة نابعة من التأسيس الذهني السياسي لحالة الحراك الاجتماعي داخل الأنساق البشرية. وإن أية دراسة معرفية في بنية التراكيب الاجتماعية للأداء السياسي الأمريكي ينبغي أن تعتمد منهجية اعتبار السياسة الأمريكية جزءاً من المشكلة، لأن الدولة التي تعتبر أكبر ملوث للبيئة في العالم، وأكبر مصدِّر للسلاح، وأكثر دولة استخدمت الفيتو لصالح الجلاد على حساب الضحية، لن تكون جزءاً من الحل. إن الأداء السياسي الأمريكي مرتبك للغاية. فمفهوم الأنساق السياسية قد تحول من القيمة الفكرية السامية إلى قيم انكسار المعنى. وهذا المبدأ الانسحابي الخطير إنما يهدف إلى إعادة تشكيل عقلية الوعي الذاتي للأنساق الإنسانية بما يكفل استمرار تأزيم العلاقة بين الإنسان وذاته، والإنسانِ وبيئته، والإنسانِ والآخر. وكما أن عقلانية الانتكاسات الفوضوية هي اللب الفلسفي الأولي لتعريف السياسة العالمية المعاصر، فإن الخدع البصرية التي تتقمص الأشكالَ الإنسانية هي التجريد التطبيقي على أرض الواقع النابع من الصورة المتخيَّلة للعالَم في ذهن صناع القرار على الصعيد العالمي. فاللعبة المتكونة من الفعل ورد الفعل، أو من النتيجة الحتمية للمعنى وأرضيةِ الواقع المصنوع الحاضن لحزمة النتائج بصورة غير تلقائية، إنما هي لعبة ترمي إلى إعادة صناعة الكائنات الحية وفق منظور التدجين. ووفق اندلاع الغبش الفكري في نخاع الأنظمة المعرفية تبزغ طبيعة الانهيارات التي تشكِّل الصورةَ النمطية للإمبراطورية الأمريكية الخارجة على قانون الإنسان، والمضادة لإشارة المعاني الحاسمة. فالوهم في تداخلات الغبش الأيديولوجي الأمريكي يغدو تياراً نسقياً تحطيمياً لهالة المعنى الوجودي في الذات الكيانية الإنسانية. والمؤسف أن مسار الإنسان المضاد لكينونة إنسانيته صار هو المسار الفاعل لعلاقات الترابط بين بؤر المعرفة السياسية، وتطبيقاتِها على أرض الواقع في أُطر الاستغلال، والتبعيةِ، واضطهادِ الحلم الإنساني، وطردِ المعنى من الطبيعة الفكرية إلى التشكيل العسكري الأمريكي المتَّجه نحو ديمقراطية الدبابة، وحريةِ صوت الرصاص. ولا يخفى أن المضمون المأزوم لتقاطعات الانكسار المجتمعي الذي تكرَّس على شكل كتل سياسية متنافرة هو في الحقيقة بؤرة التفكك الاستقطابي المبعثر في اختلال وجوديات حلم الإمبراطورية الأمريكية المتبخر. ومن خلال التجريد المعنوي للتداعي في تشوهات صورة النظام الرأسمالي الأمريكي، تتجذر هالة الانقسام الشرسة في إفرازات أزمة المنطق. فالاعتماد على عسكرة السياسة عبر تأصيل منطق القوة يُعرِّي المعنى من حركات الحوار البشري المتناغم، ويؤدي- في نفس الوقت- إلى تعميق التفتيت المتواصل في البيئة الأمريكية المتأثرة بضعف البنية الأخلاقية الداخلية. فأمريكا تتألف من ولايات متضادة في مبادئ المعنى الفكري لحقوق الإنسان. وهذا يعكس إشكالية التلاقي القسري ضمن أطر جغرافية مُحالة إلى تيارات سياسية. فالمبدأ الظاهري يوهم بوجود وحدة مجتمعية ما، إلا أن التأصيل الدينامي لحالة الحراك الاجتماعي في المجتمعات الأمريكية المتناحرة التي تُصوَّر على أنها وحدة مجتمعية واحدة يعكس بدقة صورة القشة الرابطة بين تقاطعات الولايات المختلفة، وطبيعةَ الصمغ الضعيف المتآكل الذي يربط بين غضاريف الوحدات المتباعدة في تداخلات قيم الخريطة المعنوية للإمبراطورية الأمريكية التي تعاني من تبعثر مستويات الطاقة، والضغطِ بين المركز والأطراف. أي تشتت طاقة الانبعاث الحضاري الخارج من النواة المركزية باتجاه أنوية جانبية ضحلة. كما أن الشطط الطبقي بين الولايات الغنية التي تعتمد على التكنولوجيا والصناعات المتطورة، والولاياتِ الفقيرة العائشة على زراعة القطن وبعض المحاصيل، يعيد إلى الأذهان شبحَ الحرب الأهلية الدامية بين الشمال والجنوب، وهذه الحرب قد تتخذ أشكالاً متعددة، بما فيها الشكل العسكري القتالي. فالنارُ الكامنة تحت الرماد في مجتمع يفتقد إلى الترابط الفكري الواضح تلغي مفهومَ الأمة المتماسكة، وتُبرِز وحداتٍ مجتمعية مخادِعة. كما أن نواة طبائع النماذج الرأسمالية تتمحور حول تحويل الفرد إلى كيان استهلاكي مادي عبر تفريغ العقلانية من المحتوى العاطفي للوجود الآدمي، ثم إحالتها إلى كينونة سِلَعِيَّة محضة تمتص قدرةَ الفرد على التواصل مع ذاته والآخر، لتجعل منه مجتمعاً شخصانياً مكبوتاً طارداً للعاطفة، متقوقعاً حول العمود الفقري للاستهلاك المتوحش المناوئ للإنتاج النافع. فأمريكا هي بيئة ناتجة عن استئصال السكان الأصليين "الهنود الحمر"، والعمل بشكل منهجي على مصادرة ثقافتهم، وتقديم صورتهم في كل وسائل الإعلام كهمج وبدائيين وبشر من الدرجة الثانية، حتى تتم إعادة صناعة التاريخ فوق ميثولوجيا الرَّجل الأبيض المنتصر والمتحضر ظاهرياً. وهذا المنهج التكريسي يستند إلى آلة إعلامية جبارة قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة وفق أحدث الأساليب الدعائية المدعومة برؤية التخطيط الإستراتيجي بعيد المدى. والمشكلةُ الأساسية هي غياب الصوت الآخر الذي يُعارِض ويَدْحَض ويكشف عن نفسه، لذلك يتكرس الصوتُ الأوحد كصوت الحق والحقيقة دون معارضة. وحتى لو وُجدت المعارضة فستكون ذات تأثير ضعيف منكمش، لأنها يتم إقصاؤها ضمن خطة منهجية شرسة. ومن العوامل الهامة التي ساهمت في تجذير هذا المنطق اللامنطقي، ضعفُ البنية الثقافية في البيئة الأمريكية الشعبية، مما ينعكس سلباً على مجتمع الحصيلة السياسية، والحصيلةِ المعرفية العامة القادرة على غربلة الأفكار، وانتهاجِ متوالية النقد والنقض. فعلى الرغم من أن الشعب الأمريكي تكاد تكون نسبة الأمية "عدم القدرة على القراءة أو الكتابة" فيه معدومة، إلا أنه يعاني من الأمية الثقافية المعرفية. فهو ضعيف إلى حد الغثيان في السياسة الخارجية. وكل تفكيره محصور في محيطاته ذات التماس المباشر بحياته الشخصانية، مثل الضرائب المفروضة عليه، والراتبِ الشهري، والمسكن والسيارة، والعلاقاتِ العاطفية. وهذا نتاج متوقع للقيمة الاستهلاكية الصادمة في مجتمع يملك معدلاً عالياً في استهلاك الطاقة. وكل هذه التحديات ساهمت في إخراج القطار الأمريكي عن السكة، فلم يعد المراقبون لهذه الفوضى الإمبراطورية العارمة يملكون إلا أن يتوقعوا لحظة الاصطدام، وانتهاء الحلم الأمريكي، فأمريكا تأكل نفسها، وهذه نقطة النهاية. وتبقى الإرهاصات في الفكر السياسي الأمريكي تياراً تكوينياً لسياسات شخصية نفعية متضاربة. إذ إن تكرار المتواليات البؤرية في محيطات هندسة الأسطورة يحيل الفردَ المؤدلَج في سراديب الأمركة الداخلية أو الخارجية إلى جسم ذي قطبَيْن "قامع- مقموع". فالعائش في الجحور سوف يصعقه الضوء ويدمر حياته، لذا فهو يتأقلم تدريجياً مع الظلام حتى يصير الوهمُ المعتم جزءاً إنسانياً أصيلاً في الذات الكيانية للأفراد. ومن ثم تنعكس هذه الصيغة الشخصية لتصل إلى مستويات مجتمعية عمومية، الأمر الذي يقلب الموازين، فيتحول الفردُ إلى رافض لذاته، وعدوٍّ لخلاصه. وفي ظل هذا الغبش المتداعي في مجالات توارث أنسنة الخديعة فإن المخيال المتصوَّر يغدو واقعاً هامشياً لسياسة إمبراطورية تشبه الإمبراطورية الرومانية القديمة من حيث تقسيم الناس إلى سادة وعبيد. وللأسف فإن أزمة القرن الحادي والعشرين بكل ما تحمله من انتكاساتٍ على جميع الأصعدة تتمحور حول فلسفة السادة والعبيد في التعاملات بين أجزاء النظام السياسي العالمي، مما يُشكِّل عائقاً حقيقياً أمام نهوض الإنسان وحريته. ومن خلال كسر أدلجة التحولات الإدارية في هندسة الخراب الشامل نستطيع إيقاف آلة القتل في المجال الروحي. فوأد الروح هو الدرب الأقصر نحو التحطيم الشامل للمنجزات الإنسانية في مجالات الحياة الفاضلة، لكن قيمة الحياة الفاضلة كتيار فكري نظامي يتعارض مع الفوضى الخلاقة التي تنتهجها كثير من الأنظمة السياسية الكَوْنية من أجل تفكيك العالَم، وتقسيمه على أسس الصراعات الدينية والعِرقية، وإعادة تركيبه بما يضمن بسط سيادة الأوهام على كل تقاطعات الحياة المفصلية للأنا والآخر والذات الشخصانية والذات المقابِلة والمجتمعات في شتى صور حياتها. إن تقوقع السُّلطوية المركزية في أية حضارة تقوم على استنزاف الضحايا حتى الرمق الأخير، سيحصر الدلالاتِ في زوايا الظلام الدامس، فصارت الشمس جزءاً لا يتجزأ من منظومة العتمة. وهذا الانعكاس ذو المنحى التأسيسي في متواليات هندسة الانكسار أخذ بعداً إنسانياً في صميم المشروع التكويني للفرد فصار الفردُ قامعاً آلياً لذاته بفعل الضغط الهستيري الخارجي المكثَّف من كل الجهات، الأمر الذي أَنتج ضغطاً تلقائياً نابعاً من إفرازات التداعي الانسحابي في الذات الإنسانية، فأضحت العلاقة بين الإنسان والمجتمع العالمي علاقة نفعية مادية مع تبادل فظيع للأدوار بصورة ميكانيكية دامية. والانهيار التكريسي في صيغه العنيفة هذه إنما هو حصيلة توحش المجتمعات المادية ضد ذاتها الفلسفية والواقعية. وما التمزق الاجتماعي والتفكك الأسري في محيطات العناصر المنسية الدالة على تفتيت القيم الإنسانية إلا حالة شَعْبَوِيَّة في نطاق التداعي اللامنطقي لانتكاسة الروح في أكثر صور التحطيم الفردي على مستوى الجماعة شراسةً. لكن المجتمع المادي الاستهلاكي بوصفه تجمعاً هجيناً من كيانات إنسانية شتى لا رابط بينها سوى المنفعة المتبادلة سائر إلى الاضمحلال، لأن البناءات في ذاتية انكسار الحلم هي التشكيل المضاد للعقلانية، مدعوماً بخلفية دينية مشوَّشة، لأن التوظيف الأيديولوجي هو صيغ بشرية للتبادل المادي النَّفعي المغرِض. والإشكالية القاسية في السياقات السابقة هي أن سياسة أدلجة التراث الديني هي مأزق المعنى السياسي الغربي. وهكذا يتضح أن العلمانية مجرد شعار لا وزن له عند التمحيص، وغربلة الأفكار. فالأداء العلماني هو صيغ خفية للأداء الديني. فوحدة الانتقال السياسي الفوضوي من غبش الأمية السياسية إلى جدلية الآلة العسكرية تتكرس أكثر فأكثر كوحدة وجودية تحل مكان التنظيم العقلاني للقيم الإنسانية. فذهنية الأنساق كلما ابتعدتْ عن مركزية القوة المادية لشريعة الرصاصة اقتربتْ من التفكير الحالم الدائر في أفلاك الكلمة. لكن الأدلجة في محيطات عسكرة كوكب الأرض عن طريق انتهاج فلسفة القطب الأوحد، ستؤدي إلى تكريس الشرخ بين الشرق والغرب. فالمشكلة الفلسفية في صميم نواة المركزية الفكرية للسياسات المأزومة هي عدم فهم ثنائية التفريغ والإحلال. فالنظام العالمي الجديد المتشكل من القطب الواحد الأوحد يعاني من أزمة التلاشي المتسارع، لأن أمريكا متأثرة بالفراغ في جوفها، أو مركزية منبع سطوتها، بفعل التآكل في النظام الاجتماعي الهش الضاغط على أنظمة مالية منكسرة. وفي زحمة هذا التسارع المتداعي في التفريغ ستجد الحضارة الأمريكية نفسها قناعاً بلا وجه، فتدخل في سباق مرعب مع الزمن الطائر بلا انتظار، وعندها تختلط الأوراق فيبدأ نظام الدولة الأمريكية بمحاولة إحلال قيم المنطق في قوالب اللامنطق داخل أدق تفاصيل التقاطعات المجتمعية، أي إنه يحاول ضخ القيم الفكرية والمالية والعسكرية في بؤر مركزية مثقوبة من كل الجهات، وهذه الصدمة ستزيد من حجم المأزق الوجودي الأمريكي. وهناك رواية للكاتب الأمريكي الحائز على جائزة نوبل، وليم فوكنر بعنوان "حينما أرقد محتضراً". وهذا العنوان نتاج الإفرازات الاجتماعية المأزومة في ملابسات المجتمع الأمريكي الذي يعاني من انكسار القيم. وإننا نقرأ في رواياته انهيارَ المجتمع الأمريكي المنتكس في المجال الوجداني، وانهيارَ الإنسان في معاناته اليومية في مجتمع عنصري رافض له. وكل هذه الإشكاليات الشرسة أسَّست لمفهوم اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والتفرقة العنصرية، وخرافاتِ نقاء العِرْق المدعومة بنظام أيديولوجي يستند إلى لون البشرة كمبدأ إستراتيجي وهمي. فالاحتضار الجمعي الذي يختزله المجتمعُ في دوائر عزلة الفردية الرهيبة، ويختزله الفردُ في إشكاليات المجتمع المتشنج الموغل في التضييق على أبنائه، هو احتضار المأزق الوجودي الشرس المنتفخ في متواليات المشاعر الإنسانية بصورة يصعب معها علاجه. وعلى الرغم من ضخامة هذا البالون الأمريكي المتعاظم ظاهرياً، والذي منظره قد يُفزِع من يراه، إلا أنه سيظل في مهب الريح تتحكم فيه كيفما تشاء، ومصيره في يد دبوس صغير يقضي على الحلم المتمرد على شريعة الأنسنة الأخلاقية. وكل قوة في التاريخ البشري تفتقد إلى الغطاء الأخلاقي الشَّرعي، تؤسس منطقاً سياسياً جديداً وهو اللامنطق. إذ إن دخول السياسة المعبَّأة بالأيديولوجية المتطرفة ضمن إطار حياتي منفعي، من شأنه دعم وجهة نظر المحافظين الجدد، "سواء كانوا أصحاب بشرة بيضاء أو سوداء"، والذين يقودون الغرب "وعلى رأسه أمريكا" إلى بؤرة الصدام مع نفسه. وهذا يتنافى مع قيمة حوار الحضارات، والأخوةِ البشرية بغض النظر عن الدين أو العِرق. فلا يجوز السماح للمتطرفين من أتباع الديانات أن يعيدوا تشكيل الدِّين من وجهة نظرهم، ومصالحهم الشخصية. فالانكماش الحضاري هو صورة المتوازِيات المتطرفة، والعدميةُ المجازية الموغلة في هلامية الأكذوبة الحضارية. فغيابُ الأخلاق عن المسار البشري العالمي من شأنه نفي قيم الحقيقة عن الكيانات السياسية، فتصبح الحضارة كقيمة تاريخية لا تملك وجوداً حقيقياً على أرض الواقع، بسبب تحولها إلى كيان مصطنَع، وقطارٍ منحرف عن السكة. إن نفي الخديعة المرتدية قناع الحضارة هو أساس فكري إنساني ضروري من أجل تفتيت المتمركِزات الوجودية لهالة الانبعاث الحضاري الوهمي المكرَّس. ونحن إذ ندعو إلى خارطة جديدة للأرض متعددة الأقطاب، فإننا نهدف إلى إعادة أنسنة الإنسان، وانتشاله من قاع التوحش والسادية الذي دخلت فيه الحواس البشرية بفعل حجم الاستهلاك الضاغط على حياة الكائن الحي المدجَّن الذي كرَّسته الأمركة "العولمة" كمرحلة وجودية مستمرة حتى نهاية التاريخ المحاصَر في قبضة القوة العمياء. وهذا الوهم المتراكِب الذي يفترض استمرارية الفوضى الرأسمالية التوسعية حتى نهاية التاريخ، ما هو إلا حِراك انتكاسي لصيغ متوازيات انكسار الوعي العلمي، وانتحارِ المنهجية المعرفية الشاملة. وبالقطع فمثل هذا الوهم قد نتج بفعل غياب القراءة الواعية لأنساق الحِراك التاريخي، وطبيعةِ التحرك الأفقي والعمودي للحضارات "الولادة، الشباب، الشيخوخة، الموت". والإشكالية الحقيقية في عقول المفكرين الداعمين لمشاريع المحافظين الجدد الأيديولوجية الفكرية ذات الخلفية النفطية هي التموضع في ذروة النشوة الإمبراطورية الوقتية، والتخندق في بؤرة اللذة الآنية، ونسيان النار الكامنة تحت الرماد نتيجة عدم إيجاد حلول جذرية للقضايا الإنسانية، وعدم التفكير في تموضعات المسؤولية المترتبة على إشكالية اللذة. فغياب تشريح نسقية "الهدوء الذي يسبق العاصفة"، والاكتفاء بالتموضع في ذاتية الهدوء المرحلي المؤقَّت قاد الإمبراطورية الأمريكية إلى أزمات وجودية حرجة. وهذا يظهر جلياً في انعدام الاستعداد للأزمات الشرسة بمختلف مستوياتها، فصارت ثنائية الروح- المادة هي إشكالية الأضداد والتمزق والفراغ الموحش. فالكيان الأمريكي الإمبراطوري تنعدم فيه المرونة شيئاً فشيئاً من خلال أبعاده السوسيولوجية المتضاربة، لذا تتوالى الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل صادم ذي تأثير قاتل للروح والمادة، لكن النسق الاجتماعي قد يحيا- بعد الأزمات- في فترة حلاوة الروح، لكن هذه الحياة تكون مضطربة، وسائرة نحو الطريق المسدود. ونحن نعلم أن النظام السياسي الأمريكي- رغم كل السلبيات- نظام مفتوح قادر على إعادة تصحيح مساره- نظرياً على الورق-، لكن الواقع ضاغط في مركزية الصميم، لذلك فإن القطار انحرف عن السكة، مما أدى إلى ضعف قبضة أمريكا بدليل وجود دول متمردة على الإرادة الأمريكية مثل تركيا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا. وهذا تهديد مباشر للفكر الأمريكي الرامي إلى بسط نفوذه على العالم. ومن خلال التنظير الفلسفي للسياق التاريخي، نجد أن غياب الوعي الإنساني حصر مشاريعَ الاحتلال الأمريكي في خانة ردة الفعل لا الفعل. وبما أن تأسيس متواليات المعرفة الجزئية في بنائية التجريد الانسحابي يتماهى مع الفوضى الخلاقة التي صنعتها الآلةُ العسكرية الأمريكية، فإن نتائج السياسة التوسعية تتماهى مع تكثيف الخرافة السياسية. وبالتالي فإن التجسيد الدلالي لمدى تطابق معارف السياسة الإمبراطورية مع أنسنة المعاني المجتمعية قد أُصيب بانتكاسة شرسة تتمثل في تعرية أمريكا أمام نفسها والآخرين. وهكذا فقدت الغطاءَ الذي كانت تتخذه لشَرْعنة أفعالها غير القانونية. فمع تزايد الأزمات العاصفة بالكيان الأمريكي، تكرس مأزق الوجود التأسيسي المقنَّع. فالعم سام تشظى إلى أعمام قبيل تقاعده، فلم يعد النظام الحياتي الأمريكي سوى مركزية استهلاكية، لأنه قائم على استنزاف الموارد، ومصادرِ الطاقة، وتأطيرِ الآلة الإعلامية القوية في دغدغة مشاعر الناس. فالإعلام- كأيديولوجية- يعمل على إحالة المعنى التأصيلي إلى مستويات معيشة هلامية في عوالم الأحلام والخيال والحب والثراء والمجد. وهذا التأطير الوهمي نتاج طبيعي لتكثيف اللامنطق كنسق حياتي. ومن خلال مفاهيم انكسار الحاجات المرحلية لوجودية التمركز العاطفي حول المعنى، صارت الأنساق المجتمعية في الأطر الجغرافية السياسية تنتج كائناً مسخاً، وهو المجتمع المتشكل على صورة إقطاعيات، ولا يستند إلى النماء والانتماء. لكن المسألة لم تقف عند حدود تجذير الإقطاعيات في المجتمع المسيَّس المبني على متواليات الفراغ العدمي وفق أشكال المستوى المادي الرأسمالي فحسب، بل تكرَّست الإقطاعيات في عوالم الأنسنة المعرفية. فصار هناك بشر درجة ثانية وثالثة وعاشرة ضمن إطار كياناتٍ جسدية منبوذة لا تاريخ لها. فلم يعد الأمر مسألة من يملك ومن لا يملك، بل وصل الأمر إلى مقاومة أنسنة الإنسان بصورة تعكس اضمحلال التفكير الإنساني الراشد. وهذا زرع في قلب المجتمع تاريخاً من الانكسار والتمييز العنصري بدءاً من لون البشرة حتى الشطط الطبقي.

02‏/03‏/2011

سنذهب إلى المعركة مبتسمين / ممنوعة

سنذهب إلى المعركة مبتسمين / ممنوعة .
للشاعر/ ابراهيم ابو عواد .
كَسُعَالِ العاطلين عن العمل في بلاد العَمِّ سَام
كَرَجْفَةِ النِّساء اللواتي يَرْقُبْنَ عُيُونَ المغتصِبين
ولم تتقدم الجيوشُ العاطلة عن العمل دفاعاً عَنْهُنَّ
كُلُّ جُثَثِ فِئْرَانِ التَّوْراةِ هِيَ أَرْضِي مَجَالُ نُفُوذِي
هذا حِذَائِي الجديدُ هُوَ العَلَمُ الأمريكيُّ الجديدُ
وهذا الكفاحُ المسلَّحُ هو الشرقُ الأوسطُ الجديدُ
إن البنتاغون حديقةُ حيواناتٍ غَيْرِ أَليفةٍ .
ضَحِكْنا على أَنفسنا بسلام الشُّجعان
ولا سَلامٌ ولا شُجْعان
يا مَمَالِكَ إِبْليسَ الدِّيمقراطيةَ
نَمْحُو سُعَالَكِ السَّام من الخارطة
سندفنكِ في رمال صحارينا
نضع على نعوش الجنود الأمريكيين رمالَ أفغانستان
تذكاراً لكل ممثلاتِ هوليود الرقيقات
فَخُذِي مجدَكِ_ يا مملكةَ قتل الهنود الحمر _ في إبادةِ الشعوب
قبلَ ذهابك إلى مصير ثمود
خُذِي إِلَهَكِ بِرميلَ النِّفط إلى مستنقع الضفادع المتحضِّرة
مُضَادَّاتُ اكتئابي هي انتحارُ الطغاة
يُدَافِعُون عن الكلابِ ويقتلون الشُّعوبَ
أخَزِّنُ القنابلَ في دموع قِطَطِ الشَّوارع .
كما تذهبُ مونيكا إلى أحضان كلينتون
تذهب الزوجةُ المخدوعة هيلاري _التي انتهت مدةُ صلاحية أنوثتها منذ
مدة طويلة_
إلى أحضان مكياجِها وذكرياتِ نظاراتها السميكة في السبعينات
طَلِّقْ هيلاري يا كلينتون وَتَزَوَّجْ مُونيكا
فَلا فَرْقَ بَيْنَ فأرةٍ وضفدعةٍ إذا كُنْتَ مهووساً بالجِنْس
أَيُّها السَّاجِدون على خَشَبَةِ المذبحِ اليهودي كالجِرْذان
التي تقفزُ في الغباء السياسيِّ على سُعالِ الفقراء والمشرَّدين في
نيويورك
حَيْثُ حُفَرُ المجارِي تصيرُ تاريخاً شَرِيفاً لأمريكا المومسِ الشَّريفةِ
وجيوشُ الإبادةِ مُصَابَةٌ بجنون البَقَر
يَا مَنْ تُسَمُّون أَنْفُسَكُمْ مَسِيحِيِّين وَخُنْتُمْ وَجْهَ المسيحِ
وَقَدَّسْتُمْ وَحشيةَ اليهودِ الذين يَرْمُونَ مَرْيمَ بِالزِّنا
مُوتُوا قَبْلَ أَن تَمُوتُوا
وَلا تَرْمُوا جَمَاجِمَكم تحتَ نِعَالِ اللوبي اليهودي
كُونُوا أكثرَ شَرَفَاً من الماريجوانا وقَرَاصنةِ البِنْتاغون
وَالتَّطْهيرِ العِرْقي ومحاكمِ التَّفتيش
وبُكاءِ الهنود الحمر وانتخاباتِ الإبادة
شُكْراً لَكَ أَيُّها النَّبِيُّ العَرَبِيُّ
لأَنَّكَ طَرَدْتَ شعبَ الشيطانِ من خَيْبر
نَحْنُ الثَّوْرَةُ والثُّوار
نحن الانتفاضةُ الأولى والعاشرة والبارودُ والصواريخُ
نحن النَّصرُ القريبُ والنصرُ البعيد
مَتَى يَا نَسْرَ المجاعاتِ والمخيَّماتِ
سَتشظب "إسرائيل " من الوجود ؟
كُلُّ المرتزقة الذين أَتَوْا من بلادِ العالَمِ كالجِرْذان
إِلى المحرقةِ الكَوْنِيَّةِ الفلسطينية
يُذبَحون على خَشَبَةِ المجدِ الكَوْكَبِيِّ
فمهما ضحكت الذِّئبةُ غولدا مائير
لا بُدَّ أن تذهب إلى مزابل التاريخ
اللوبي اليهوديُّ حَشَرَاتٌ على مكاتبِ البيت الأبيض
سَنَصُبُّ عليها المبيداتِ الحشريةَ مِثْلَ عصيرِ البرتقال
فليكن البيتُ الأبيضُ مَنْجَمَ فَحْمٍ أَسْوَدَ
واحْرِق الرَّايةَ البيضاءَ
لا أريد اللونَ الأبيضَ في رَايَاتِ الشَّفق
خُذْ دَمَ شَعْبِ الشَّيطان وَرْدَةَ الدَّمارِ النِّهائيةَ
وَرْدَةَ المعنى النِّهائيِّ في احمرارِ الدِّماء
وَلا تَمُر على وَصْفِ أَثداءِ الزَّانياتِ في التَّوراة
ولا تُصَدِّق الفرعون حسني مبارك
الذي باع فلسطينَ في عيدِ شَمِّ النَّسيم
ستمرُّ الأهراماتُ على تماسيحِ النِّيل
وسَيَخْرُجُ مِنْ أعماقِ الرَّصاص مَنْ يُزيل "إسرائيل"
وسيأتي أطفالُ غَزَّةَ حَامِلِين في أقلامِ الرَّصاص صَوَارِيخَ القَسَّام
فَخَزِّنوا الدَّمْعَ للمحرقةِ الحقيقيةِ
إِنَّ هِتْلَرَ بَرِيءٌ مِنْ دَمِكُمْ
لأنَّ أَجفانَ بحر غزة هي المحرقةُ الحقيقية
وَفِّرُوا ثَمَنَ الخشبِ يا مخترعي " معاداةِ السَّامية "
سندفعُ ثمنَ نعوشكم حينما نبيعُ مُلُوكَ الخديعةِ في سوق النِّخاسة
أو قد نصنعُ من خشبِ مقاعدِ الكنيست توابيتَ أبنائكم المهزومين
فَنُوَفِّرُ سِعْرَ الخشب على الجميع
يا عَبِيدَ ذَهَبِ المجازرِ وفِضَّةِ الإِبادة
أَحْرَقْتُمْ قَلْبَ هِتْلرَ ثم زَعَمْتُمْ أنه أَحْرَقَكُمْ
وهو ضَحِيَّةٌ من ضَحَايَاكُمْ
أيها النَّازِيُّون الجددُ الدائرون حَوْلَ العِجْلِ المقدَّسِ
لا تَبْنُوا مِنْ جَثَامِين الضَّحايا نَاطِحاتِ سَحَابٍ للتحرش الجنسيِّ
ولا تجلسوا مع المرتزقة على طاولة مفاوضات مجدولةٍ
من سعال الأرامل والأطفالِ وصبايا المخيَّمات وباعةِ الخضراوات
جهَادِيُّون إلى الأبدِ اسْتِشْهَادِيُّون حَتَّى يَوْمِ القيامة
نَحْنُ وأمواجُ البحر ما زِلْنا نواصلُ الكفاحَ المسلَّحَ
وُلِدْنا مَعَاً ونموتُ مَعَاً
قَدْ هَزَمْنا هتلرَ مَعَاً
وَأَخَذْنَا نساءَ أوروبا سَبايا معاً
وَرَفَعْنَا الأَذانَ فوق أَبراجِ الفاتيكان معاً
وأَرْجَعْنَا الأندلسَ معاً
وَأَعْلَنَّا استقلالَ مملكةِ الله _ فلسطين التاريخية خارطةً للعالَم معاً
وانْتَصَرْنَا على شارون وغولدا مائير ودَيَّان معاً
وَرَفَعْنَا عَلَمَ فلسطينَ على جثامين جنودهم المهزومين معاً
وأَحْرَقْنَا الرَّايةَ البيضاء معاً
وَمَسَحْنَا وِزَاراتِ الحرب معاً
وَجَلَّلْنَا البيتَ الأبيض بالسَّوادِ معاً
وَدَرَّبْنَا قِطَطَ الشَّوارع على حَمْلِ السِّلاح معاً
وانْتَصَرْنَا في معاركِ كوكب المريخ معاً
وَنَقَلْنا الكفاحَ المسلَّحَ إِلى كوكب القمر معاً
الآنَ أُعْلِنُ بِدْءَ القيامةِ _ قيامتنا الخصوصية _
ولتكن المعركةُ حَتَّى القيامةِ
هَزَمْنَا الجيشَ الذي لا يُهزَم
وصِرْنَا الجيشَ الذي لا يُهزَم
وللآخرين راياتُ الهزيمةِ المنقوعةِ
في نبيذِ ديمقراطية البيتِ الأبيض القاتِل
نُحَوِّلُ اللاجئينَ إلى مُقاتِلِين
والخِيَامَ إِلى قنابل
ودموعَ الأراملِ إلى مُسَدَّسَاتٍ
وأكياسَ الطَّحينِ إلى أَحزمةٍ نَاسِفَةٍ
سَنُكَرِّرُ خَيْبَرَ أكثرَ مِنْ مَرَّةٍ
ليأخذ مجدُ المجاهِدين مَدَاهُ الحيَوِيَّ
صَاعِدَاً إلى ضَوْءِ استقلالِ دَوْلَتِنَا
أَقِمْ دَوْلَةَ فلسطينَ على الأرض المقدَّسةِ
ثم أَقِمْهَا على أجسادِنا المنثورةِ قَنَابِلَ وَبَرَاكِين
أَلغيتُ اتفاقيةَ أُوسلو وأَعْلَنْتُ أُوسلو مدينةً إِسْلاميةً
فَلا تَتَآمَرُوا على فلسطين أَمَامَ الكاميرات
تَآمَرُوا عليها تَحْتَ الطَّاوِلاتِ
كُنَّا سماسرة محترِفِين في بيع بلاد الأنبياء
دِمَاءُ السُّنونو سِجَّادٌ أحمرُ لعودةِ الجيش المهزوم
فَلْتَحْتَرِقُوا بِنِفْطِنا المسفوحِ تَحْتَ أَقْدَامِ الرَّاقِصاتِ
فِلِسْطِينُ مملكةُ الله
والفلسطينِيُّون شَعْبُ الله
فلم نستفد من الحكوماتِ العربية اللصوصِيَّةِ
غَيْرَ زِيادةِ نسبة العنوسةِ وسرقةِ الشَّعب
فَاشْرَبُوا أنخابَ المجزرة ولا تَعُودوا إِلَيْنا
أَعْطُونا راقصاتِ الفلامنغو الرومانسياتِ لقيادةِ مسيرة التنمية
وشكراً للفنادق التي يحتفل فيها اليهودُ برأس السنة
في مستنقعِ الدَّم في شلالاتِ جثث الأطفال الفقراء
في نعوشِ أصحاب عَرَبَاتِ الفواكه
أيها العالَم الحرُّ _ كالكلاب البوليسية _
إِنَّ حِذَاءَ " منتظر الزيدي" مُوجزٌ لتاريخ جنونكم
ولن تصبحَ فلسطينُ الأندلسَ الثانيةَ
سَنَنْقُلُ مجلسَ قيادةِ الثورة في عواصم العالَم
سنلاحقُ كُلَّ مجرمي الحرب في شوارع العالَم
شَطَبْنَا مهزلةَ محكمةِ العدل الدَّوْلية
وصِرْنا نحن محكمةَ العدل الدولية
قَدْ أنقلُ مَقَرَّ قيادة عملياتي الاستشهاديةِ إلى كوكب القمر
وأعْلِنُ واشنطنَ مَقَرَّ الخلافةِ الإسلامية
وَسَنُعَبِّدُ شوارعَ عواصمِ الغرب بدماءِ الغزاةِ
فَلَنْ تَحْكُمَنا أمريكا ولا الاتحادُ الأوروبي
فلا حَاكِمٌ ولا حكومةٌ
نحن الحاكِمُ والحكومةُ .

01‏/03‏/2011

إصلاح مؤسسة العرش في الأردن

إصلاح مؤسسة العرش في الأردن
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 24/2/2011م .
إن المتأمل في الثورات العربية التي بدأت من تونس وانتقلت إلى باقي البلاد سيدرك أنها نابعة من الإقصاء المنهجي للشعب وتكريس المواطنين كأرقام لا وزن لها ، مما جعل الشعب يأخذ على عاتقه تغيير واقعه البائس والتحرك في سبيل استعادة حريته ودوره المفقود. فحينما يشعر الأفراد أن وجودهم كعدمه فهذا يعني أن الثورة على الأبواب ، لأن الشعب ليس صفحة تُطوى أو نزوة عابرة ، إنه الركيزة الأساسية في كل النظم السياسية ، ولا يمكن تهميشه أو بناء الدولة بدونه . ومن خلال هذا المنظور ندرك أهمية مشاركة الشعب في صنع القرار السياسي ، وضرورة أن يشعر بأن كلمته مسموعة سواءٌ قال نعم أم لا ، وأنه يملك سُلطة فعالة على أرض الواقع لا سلطة شعاراتية أو حبراً على ورق دستور لا يقرأه أحد . فلا يوجد شعب حي يقبل أن يلعب دور المتفرج على الأحداث أو الكومبارس في صناعة القرارات . وهكذا تتضح أهمية إصلاح مؤسسة العرش الأردنية عبر تطهيرها من المتسلقين عليها والمختئبين وراءها مثل رؤساء الحكومات المتعاقبة الذين يحرسون فشلهم عن طريق الاختباء في عباءة الملك والاحتماء بمؤسسة القصر . فينبغي أن يتحملوا مسؤولية الكوارث التي قاموا بها بحق البلاد والعباد ، وهذا لا يتأتى إلا برفع يد الملك عنهم لكي يقفوا أمام الشعب لمحاسبتهم على الخطايا والأخطاء المتراكمة . ومن أجل تحقيق هذا الهدف ينبغي القيام بخطوات منطقية متسلسلة على الأرض مثل حل مجلس النواب غير الشرعي الذي نتج عن تزوير الانتخابات والتلاعب بالقوانين ومصادرة أصوات المواطنين ، وتعديل الدستور ، وإجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة ، وبعدها يقوم رئيس الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة . فمن المهم أن يتخلى الملك عن اختيار رئيس الوزراء ويترك هذه المهمة للشعب ، فهذه هي المشاركة الحقيقية في صنع القرار . والشعب حينما يطالب بتقليص صلاحيات الملك فهو لا يرتكب إثماً ، ولا يتطاول على رأس النظام الحاكم . وهذه ليست وقاحة تستدعي الاعتذار أو الأسف ، بل هي حق شرعي للشعب ، لأن الملك هو خادم للشعب. وهذا ليس كلامي . بل كلام الملك الراحل حسين بن طلال ( 1935م _ 1999م ) الذي قال : (( فلنبنِ هذا البلد ولنخدم هذه الأمة )) . فقد سمَّى نفسه خادماً للأمة ، وهذه وظيفة أي نظام حاكم . لكن بعض المرتزقة يحاولون أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك ، فيعملون على توسيع الفجوة بين الحاكم والمحكوم لتحقيق مصالحهم الشخصية ، وهؤلاء هم فئران السفينة الذين يهربون منها عند الأزمات ، لأن ولاءهم _ في واقع الأمر _ لأرصدتهم البنكية ، وليس للوطن أو الملك ، وإن هتفوا وصنعوا الشعارات البراقة وعبارات الولاء والانتماء . والمخلصون _ حقيقةً_ هم الذين يريدون إصلاح النظام من الرأس حتى القاعدة ، لأن صديقك من صَدَقك لا من صدَّقك . وقد كان بإمكان الشرفاء أن يُطبِّلوا ويُزمِّروا للنظام والحكومة مثلما يفعل الكثيرون ، لكن هذا النفاق بالغ الخطورة لأنه يُخفي الأخطاء ولا يعالجها ، مما يؤدي إلى تفجر الأوضاع . وهنا تبرز أهمية وضع الأصبع على الجرح ومعالجته قبل أن يتفشى في الجسد كله فيقضي عليه . وعندئذ لا ينفع الندم .