سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/10‏/2013

تأثير السياسات العسكرية على المجتمع الأمريكي

تأثير السياسات العسكرية على المجتمع الأمريكي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

     في ضوء تفريغ الحراك الاجتماعي من قيم الوعي السياسي تصير النماذج البشرية تحت رحمة الآلة الإعلامية الشرسة التي تقلب الليل نهاراً والعكس . فمبدأ التدجين ما برح يفترض تفكيراً إجمالياً سطحياً يستند إلى لغويات الشعور المكسور ، ويعيد إنتاجَ المتلقي على أساس تفريغه تماماً من الخلفية المعرفية الثابتة ، وإحلال التلقين الممنهَج في أمكنة الشعور المتذبذب .
     ومع مرور الوقت يتحول الفرد إلى ببغاء تم تلقينه بعض الكلمات ليرددها دون وجود قدرات ذاتية على الولوج إلى عوالم التفاعل التخاطبي، أو وجود حصيلة استشرافية تتيح له فرصة الاطلاع على الآخر ، والحكم بنفسه إيجاباً أو سلباً .
     فالفرد الغربي هو نتاج الانكماش المحوري المنهجي ضمن المجتمع الخاضع للإعلام الموجَّه تماماً كما يحصل في دولة الحزب الواحد ، فالغرب هو فلسفة الحزب الواحد رغم وجود التعددية السياسية الوهمي .
     ولن يستطيع الغربيُّ فكَّ الحصار المفروض عليه من قبل أجهزة الإعلام المغرِضة إلا من خلال كسر رؤية عيون الآخرين ، واعتماد كل فرد على عينيه ليرى بهما ، لا أن يجلس ليرى بعيون الآخرين ، فيقول ما يُقال ، ويُردِّد ما يسمع دون التفكير العميق في الحالة المعرفية السائدة ، والاعتماد على التوازن في الطرح ، ومن ثم إصدار حكم منصف يعكس خبرة فعلية ذات تماس مباشر بالحدث .
     أما أن تظل وسائل الإعلام الخاضعة لرأس المال المشبوه تتلاعب بعقول المشاهِدين، وتغسل أدمغتهم وفق أيديولوجيتها ، فهذا لن ينتج إلا فرداً فاقد الأهلية الثقافية .                              
     وتتركز التعابير المخيالية في العزلة المفروضة على تكوينات التفسخ السياسي الحاد، فالأداء السلوكي لإمبراطوريات الهيمنة هو الذاكرة الجزئية لافتراضات المعنى الدينامي المنهار بفعل تسييس دماء الضحايا لصالح طبقات متنفذة تنحو منحىً متآكلاً ومفضوحاً من الناحية الأخلاقية. لكن الإشكالية هي أن غطرسة القوة تتخذ من تكوينات محددة معنىً خاصاً لعلم أخلاق جديد يولد من فوهات المدافع لا القيم الإنسانية الفاضلة .
     لكن إحلال المعنى العسكري في قلب الأنسنة الجزئية والكلية من شأنه إحالة انهيار الحضارات إلى شظايا المراهقة السياسية في إطار نظرية شمولية تقضم النظامَ الاجتماعي الأمريكي دون إعطائه فرصة للعودة من أجل بناء الذاكرة العالمية على أساس دبلوماسية العسكرة . وهذا سوف يدخل الأطرَ الحضارية في جدلية الفعل ورد الفعل ( مبدأ الارتداد ) [1] .
     إن مبدأ الارتداد واضح التراكيب في إشكالية التداخل التعبيري المتوازي مع حالة انكسار الحلم . فمثلاً، كل الحروب الشرسة التي خاضتها إمبراطوريات الهيمنة انعكست سلباً على الأطر الداخلية ، وانقلب السحر على الساحر ، لأن العالَم مكانٌ مغلق لأزمنة تموت .
     أي إن ما يحدث للضحية من معاناة بسبب المجرم ، سينعكس على المجرم لا محالة في التو واللحظة، وعلى المدى البعيد ، ليس لأن ضمير المجرم قد استيقظ، بل لأن العالَم مغلق ومحصور تماماً كملعب الإسكواش، فأي كرة تضربها باتجاه الجدار سوف ترتد إليك ، أو على الأقل ترتد في نفس الجهة التي تتواجد فيها .
     فكل الحرائقِ في العالَم يبدو أن دخانها قد صعد إلى الفضاء وتبدَّد، لكن المفاجأة غير السارة هي أن الدخان يعود مرة أخرى إلى الأرض ليؤثر على الحياة سلباً، لأن كوكب الأرض محاط بغلاف مثل الشرنقة لا يسمح بالنفاذ، وهذا ما يجعل كوكب الأرض زنزانة كبيرة، تظهر على أنها أفق رحب مفتوح ، لكنه عكس ذلك تماماً . لذلك فكل السموم التي تنفثها مصانع الدول الكبرى تعود إلى الأرض على شكل أزماتٍ بيئية شديدة تهدِّد مصيرَ هذا الكوكب الضائع .   
     وعلى الرغم من كل ما يحصل في النظام البشري الاجتماعي والتضاد الحاد في إشكالية القاتل والضحية المنتشرة على الأرض إلا أن العالَم أجمع في سفينة واحدة ، والكارثة الحقيقية المحدقة بالجميع هي أن هناك فئاتٍ تحترف الإفساد، وتعمل جاهدةً على إحداث ثقوب في السفينة مما يعرض حياة الجميع للخطر بلا استثناء .
     وهذا المثال الواقعي يُوضِّح المصيرَ المشترك العمومي للحياة على هذا الكوكب. وقد وجدنا أن ظاهرة الاحتباس الحراري مثلاً أو ارتفاع حرارة الأرض أو مشاكل الأوزون ، كلها تهدِّد الحياةَ البشرية بغض النظر عن التوجهات البشرية الدينية والسياسية .
     ومن جهة أخرى فإن الأسلحة النووية التي تفتخر بها الدول كرمز للقوة والسيادة والمكانة الدولية هي نقطة قوة وضعف في آن معاً ، وقد تُشكِّل تهديداً حقيقياً على الدول النووية ذاتها ، لأن المفاعل النووي إذا ضُرِب أو حدث له خلل فإن الدولة التي تسيطر عليه ستفقد السيطرة عليه ، ويصبح لعنةً تقضي على مصير أبنائها ومستقبل وجودها البيئي وكيانها السياسي الاجتماعي. وأظن أن العالَم لم ينس ما حصل في تشيرنوبل إبان حكم الاتحاد السوفييتي .
     ومن جهة أخرى نجد أن أمريكا تنفق مبالغ هستيرية على أبحاث الفضاء وغزو العالَم الخارجي والوصول إلى القمر ومن ثم المريخ ، في حين أنها لا تفكر في حل مشاكل الإيدز والجوع والفقر والبطالة والموت الإنساني البطيء . فلو تم إنفاق هذه الأموال على إصلاح كوكب الأرض وتنميته وإنقاذ البشر لصار كوكبُ الأرض جنةً خالية من المشكلات .
     فالتداعيات الأيديولوجية ذات الأطر السياسية والاقتصادية تنسحب بشكل كارثي على الصيغ الفلسفية للفرد الأمريكي الذي يترنح تحت وطأة مجتمع رأسمالي قدَّم بعضَ المنافع المادية لفترة زمنية معيَّنة ، ثم حصلت الانتكاسة الشرسة التي من شأنها تعرية المنظور الاجتماعي تماماً ، وإدخال المجتمع في حالة من عدم التوازن أو الاضطراب الاجتماعي الحاد بسبب طبيعة الأدلجة في المستويات الاجتماعية الملتصقة بالأداء السياسي المرتبك.
     ومع تنامي حدة الرمزية المعنوية في تشكيلات الكيانات الإنسانية تُحال وجودية العقلانية الذاتية إلى إطاراتٍ من هوس الاستهلاك التجريدي ، فتغدو الحضارة المتصوَّرة شكلاً من أشكال الترف الزائد عن حاجة الأنسنة المستهلَكة .
     وفي ظل هذا الزحام التكويني لثقافة الفراغ وإحلال الذاكرة الشخصانية الآنية في محل الكل الجمعي سوف يتخلص الفردُ الأمريكي من ثقل الهاجس الحضاري الواهم في سبيل الحفاظ على قدرته الاستهلاكية ، وهذا الذي يجعل القيمة الأسطورية للحضارة المادية _ بوصفها عبئاً ثقيلاً على كاهل القدرة الاستهلاكية للشعب المخيالي _ مجرد مرحلة استهلاكية عابرة انتهجها الفردُ لتحقيق مكاسب مادية نفعية شخصية ، وحينما عجزتْ عن فعل ذلك تخلَّص منها لكي ينجوَ بنفسه محافظاً على التنميط الشخصاني في الإطار النفعي الذاتي . أي إن الفرد المادي الذي يرى انهيار مجتمعه أمام عينيه ، سوف يخلعه ليخف عنه الحِمْل أثناء غرقه ظناً منه أن ذلك طريقه إلى النجاة . فالغريق لن يفكر في إنقاذ باقي الغرقى ، وإنما سيركِّز كل جهوده لإنقاذ نفسه ، وليكن من بعده الطوفان . وهذا يعكس زيف البناء الأسطوري للإمبراطوريات المتعاقبة عبر تكثيف الإرهاصات التاريخية . إذ إن صورة الوهم المتطابق تأخذ أشكالاً مختلفة بحسب الضغط الاجتماعي والتدخلات السياسية من أصحاب النفوذ ، وهكذا نجد أن تحولات الوهم إلى علم اجتماع سياسي ذي تطبيقات تمس حياة الأفراد والجماعات سوف تَقتل بقايا المستقبل . وفي كل المآزق الحضارية الوجودية تبزغ فلسفة ثابتة في متطابِقات اضطراب العلاقة بين الأنا والآخر الداخلي فضلاً عن الآخر الخارجي.فالمجتمع المادي الإشكالي هو هلامية التعبير المجتمعي لا حقيقة البناء الجذري الفعال . ومن هنا فإن التكوينات السياسية تفرز بيئةً أنانية تتمحور حول مركزية الفرد باعتباره المحور والركيزة في العمل الاجتماعي وهذا يتشابه مع الفلسفة الوجودية التي تجعل العناصرَ تدور حول الإنسان"المرْكَز"،حيث يصبح كلُّ ما حول الفرد المركزي المغرور أطرافاً.
...........................................

[1] هذا المبدأ مبني وفق الذات الكيانية والذات المقابِلة باعتبارها ذات تماس مباشر بالذات الكيانية بسبب وجود الفعل ورد الفعل ضمن نطاق ضيق مغلق محصور، فالقاتل والضحية سيشعران بالمعاناة من جانبين مختلفين، وهذا بالطبع لا يعفي القاتلَ من المسؤولية ، ولكننا نوضح هذه الرؤيةَ من خلال المثل العربي " كاد المريب أن يقول خذوني " ، أي إن حجم الضغط والشك وانعدام الثقة في ذاتية الإنسان ستكون وبالاً عليه تقوده إلى حتفه ، وكذلك المجرم . فدم الضحية سيظل لعنةً تطارده وهاجساً يملأ حياته بغض النظر عن ضميره . ومن يُقدِم على اغتصاب امرأة، سيظل شاعراً بالمعاناة الباطنية المنعكسة على ظاهره مهما كان سفاحاً أو متخندقاً في مظهر اللامبالاة وانعدام الشعور. فالضحية هي كابوس القاتل مهما كان محترفاً، ويبدو أنه ميت القلب.  

26‏/10‏/2013

بوصلة غامضة لشموع النزيف / قصيدة

بوصلة غامضة لشموع النزيف / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

جريدة الزمان اللندنية 26/10/2013

ذَوِّبيني في شَمْعِ الاحتضارِ
لأُضِيءَ الشَّوارعَ أمامَ أجسادِ الفقراء
تنامُ شمسُ الأبجدية وراءَ صنوبر المقابر
فازرعِ الأضرحة الشمسية
على سطح كوخي
الذكرياتُ المحروقة
والراتبُ التقاعدي لحفار القبور
والبعوضُ يلتصقُ بطلاء أظافر عازفة البيانو
وشركسيةٌ تحل معادلةً في الرياضيات
وظلالُ الأسرى على نوافذ الشتاء
يُبدِّل عصيرُ البرتقال تجاعيدَه
حَسْبَ توقيت اكتئابي
ويرتطمُ الماعزُ بدماء الرَّاعي
فاغفر لي يا وطناً تائهاً
بين السِّياطِ وصَفَّاراتِ الإنذار
سندفنُ في رقعةِ الشطرنج النوارسَ الجريحةَ
ونبكي مع الأقمار المخدوشة
ويظلُّ الأيتامُ يبيعون العلكةَ
على إشاراتِ المرور
هذا أنا أعيش في جثمانِ نسرٍ
تاريخاً للقيثارة التي كسرها الهديلُ
في ليلةٍ ماطرة
فاتركي البيانو تحت المطر
أنا أتنفسُ الشظايا
فشكراً للغزلانِ التي تُولَد في رمل البحر
وتموتُ في قوس قزح
وعندما أموتُ سيحزنُ عليَّ الجرادُ
ويَغتصب فُرشاةَ أسناني البَقُّ
فانسحبي من حياتي
لأنسحب من حياةِ البنادق
ذَهبت الراهباتُ إلى الاحتضارِ
وبَقِيت الجواربُ البيضاء عند الموقدة
لو صار الضحايا أقماراً
لَمَا اكتشفوا غريزةَ القاتل
سيصبحُ القاتلُ ضحيةً والصيادُ فريسةً
وتركضُ الأسماكُ إلى أنقاضِ برلين
وتبني الطحالبُ دَوْلتها في خدودي
لأني نشيدٌ بلا دَولةٍ
والدُّولُ تَتساقط في كوب النسكافيه
فمن المرأةُ التي تَزور قبري عند السَّحَر ؟  
كن واضحاً مثلَ راتب السَّياف
ولا تقلق على نزيفِ الغيوم
سيرحلُ الحزن بعد بناءِ عشِّه على الأمواج
والأراملُ يرسمنَ وجوههنَّ
على جدران شراييني
احبسني أيها الشتاءُ في قميصكَ
خائفٌ أنا من الربيع
أمشي في زفيري
والبحرُ يوحِّد أمواجَه ضِدَّ نَفْسِه
سيظل سعالُ الفتياتِ في مناديل المرفأ
فليودِّعني المساءُ في ضبابِ الكوليرا
إنني أودِّع وجهي شمالَ المرايا المخدوشة
وأقرأُ الفاتحةَ على رُوحِي
أصطادُ السمكَ من بحيرةِ دموعي
والمدنُ حَوْلي تتساقطُ في الرفاتِ الضوئي
أيتها الغيماتُ العطشى
اشربي قصصَ الحب الفاشلة
سيمضغ الجوعى حواجبهم في بنادق القشعريرة
فاتركْ جماجمَ الأسرى في المتحف
سيجرفُ المساءُ مشاعرَ الجنود
ولن يعترف بدموعنا غير التفاح
المدفون في الغيوم
يا سَجَّاني العاطفيَّ
يا مُسدَّسَ جدِّي الواقعَ في غرام السنابل
ستذهب السنابلُ إلى حفل الزِّفاف
ويَسهر الغزاةُ في حقول الحِبر .
https://www.facebook.com/abuawwad1982

22‏/10‏/2013

معالم السياسة الأمريكية المتشعبة

معالم السياسة الأمريكية المتشعبة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

     إن الأداء السياسي الأمريكي مرتبك للغاية . فمفهوم الأنساق السياسية قد تحول من القيمة الفكرية السامية إلى قيم انكسار المعنى . وهذا المبدأ الانسحابي الخطير إنما يهدف إلى إعادة تشكيل عقلية التَّوْعَوِيَّة الذاتية للأنساق الإنسانية بما يكفل استمرار تأزيم العلاقة بين الإنسان وذاته، والإنسانِ وبيئته، والإنسانِ والآخر.
     وكما أن عقلانية الانتكاسات الفوضوية هي اللب الفلسفي الأولي لتعريف السياسة العالمية المعاصر ، فإن الخدع البصرية التي تتقمص الأشكالَ الإنسانية هي التجريد التطبيقي على أرض الواقع النابع من الصورة المتخيَّلة للعالَم في ذهن صناع القرار على الصعيد العالمي .
     فاللعبة المتكونة من الفعل ورد الفعل ، أو من النتيجة الحتمية للمعنى وأرضيةِ الواقع المصنوع الحاضن لحزمة النتائج بصورة غير تلقائية ، إنما هي لعبة ترمي إلى إعادة صناعة الكائنات الحية وفق منظور التدجين .
     ووفق اندلاع الغبش الفكري في نخاع الأنظمة المعرفية تبزغ طبيعة المتوازِيات المفكَّكة التي تشكِّل الصورةَ النمطية للإمبراطورية الخارجة على قانون الإنسان ، والمضادة لإشارة المعاني الحاسمة . فالوهم في تداخلات الغبش الأيديولوجي يغدو تياراً نسقياً تحطيمياً لهالة المعنى الوجودي في الذات الكيانية الإنسانية .
     والمؤسف أن مسار الإنسان المضاد لكينونة إنسانيته صار هو المسار الفاعل لعلاقات الترابط بين بؤر المتمركِزات المعرفية الفلسفية ، وتطبيقاتِها على أرض الواقع المخيالي في أُطر الاستغلال ، والتبعيةِ ، واضطهادِ الحلم الإنساني ، وطردِ المعنى من الطبيعة الفكرية إلى التشكيل العسكري المتَّجه نحو ديمقراطية الدبابة ، وحريةِ صوت الرصاص .
     ولا يخفى أن المضمون المأزوم لتقاطعات الانكسار المجتمعي الذي تكرَّس على شكل كتل سياسية متنافرة هو في الحقيقة بؤرة التفكك الاستقطابي المبعثر في اختلال أنطقة وجوديات الحلم المتبخر ، ومجالاتِ انكسار طاقة الضوء الوهمي الذي يمد الأنويةَ الجانبية بشرعية الديمومة المستمدة من سحق الفرد للحصول على الطاقة المحرِّكة للمادة المتفشية في روحانية المعاني .
     ومن خلال التجريد المعنوي للتداعي في تشوهات صورة النظام الرأسمالي الأمريكي [1] ، تتجذر هالة الانقسام الشرسة في إفرازات التدرج في أزمة المنطق. فالاعتماد على عسكرة السياسة عبر تأصيل منطق القوة ، يُعرِّي المعنى من حركات الحوار البشري المتناغم ، ويؤدي _ في نفس الوقت _ إلى تعميق التفتيت المتواصل في البيئة الأمريكية المتأثرة بضعف البنية الأخلاقية الداخلية .
     فأمريكا هي بيئة ناتجة عن استئصال السكان الأصليين ( الهنود الحمر)، والعمل بشكل منهجي على مصادرة ثقافتهم، وتقديم صورتهم في كل وسائل الإعلام كهمج وبدائيين وبشر من الدرجة الثانية ، حتى يتم إعادة صناعة التاريخ فوق ميثولوجيا الرَّجل الأبيض المنتصر .
     وهذا المنهج التكريسي يستند إلى آلة إعلامية جبارة قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة وفق أحدث الأساليب الدعائية المدعومة برؤية التخطيط الإستراتيجي بعيد المدى . والمشكلةُ الأساسية هي غياب الصوت الآخر الذي يُعارِض ويَدْحَض ويكشف عن نفسه ، لذلك يتكرس الصوتُ الأوحد كصوت الحق والحقيقة دون معارضة .
     ومن العوامل الهامة التي ساهمت في تجذير هذا المنطق اللامنطقي ، ضعفُ البنية الثقافية في البيئة الأمريكية الشعبية ، مما ينعكس سلباً على مجتمع الحصيلة السياسية، والحصيلةِ المعرفية العامة القادرة على غربلة الأفكار، وانتهاجِ متوالية النقد والنقض.
     فعلى الرغم من أن الشعب الأمريكي تكاد تكون نسبة الأمية ( عدم القدرة على القراءة أو الكتابة ) فيه معدومة ، إلا أنه يعاني من الأمية الثقافية المعرفية . فهو ضعيف إلى حد الغثيان في السياسة الخارجية . وكل تفكيره محصور في محيطاته ذات التماس المباشر بحياته الشخصانية ، مثل الضرائب المفروضة عليه ، والراتبِ الشهري ، والمسكن والسيارة ، والعلاقاتِ العاطفية . وهذا نتاج متوقع للقيمة الاستهلاكية الصادمة في مجتمع يملك معدلاً عالياً في استهلاك الطاقة . وهذا الاستهلاك له عواقب وخيمة في الحاضر والمستقبل ، لأنه يفتقد إلى الحس العقلاني ، والتنظيم الاجتماعي ، ولا ينتبه إلى أهمية التوازن بين الرخاء والشدة .
     والمجتمع الأمريكي يملك نسبة كارثية من السُّمنة [2]. وهذا يدل بلا شك على شراسة النظام الاستهلاكي الذي يستنزف المواردَ والطاقة والبيئة بلا رحمة . 
     ولأن التكريس البنائي في مجتمع متفكك يتوالى متخذاً شكلانية العلاقات الإنسانية الضعيفة ، كان من المستحيل أن يقوم العقلُ الاستهلاكي بتأسيس منظومة حضارية كَوْنية، لأن العلاقة بين العقل الإبداعي والعقلِ المادي الجدلي علاقة أضداد، تمتاز بثنائية الاضطراب الدلالي ( العِلَّة والمعلول ) .
     فالعقل الإبداعي هو مصدر الفعل الحضاري العالمي ( العِلَّة الأساسية في تقاطعات محورية الإشراق ) ، أما العقل المادي فهو النتيجة الحتمية لانكسار الذات الإنسانية ، وغرقها في التوحش وانعدام حقوق الإنسان       ( المعلول الانهياري ) .
................................................
[1]تتألف أمريكا من ولايات متضادة في مبادئ المعنى الفكري لحقوق الإنسان . وهذا يعكس إشكالية التلاقي القسري ضمن أطر جغرافية مُحالة إلى تيارات سياسية . فالمبدأ الظواهري يوهم بوجود وحدة مجتمعية ما ، إلا أن التأصيل الدينامي لحالة الحراك الاجتماعي في المجتمعات الأمريكية التي تُصوَّر على أنها وحدة مجتمعية واحدة يعكس بدقة صورة القشة الرابطة بين تقاطعات الولايات المختلفة ، وطبيعةَ الصمغ الضعيف المتآكل الذي يربط بين غضاريف الوحدات المتباعدة في تداخلات قيم الخريطة المعنوية للإمبراطورية الأمريكية التي تعاني من تبعثر مستويات الطاقة ، والضغطِ بين المركز والأطراف . أي تشتت طاقة الانبعاث الحضاري الخارج من النواة المركزية باتجاه أنوية جانبية ضحلة. كما أن الشطط الطبقي بين الولايات الغنية التي تعتمد على التكنولوجيا والصناعات المتطورة ، والولاياتِ الفقيرة العائشة على زراعة القطن وبعض المحاصيل ، يعيد إلى الأذهان شبحَ الحرب الأهلية الدامية بين الشمال والجنوب ، وهذه الحرب قد تتخذ أشكالاً متعددة ، بما فيها الشكل العسكري القتالي . فالنارُ الكامنة تحت الرماد في مجتمع يفتقد إلى الترابط الفكري الواضح ، تلغي مفهومَ الأمة المتماسكة، وتُبرِز وحداتٍ مجتمعية مخادِعة . كما أن نواة طبائع النمذجة الرأسمالية تتمحور حول تحويل الفرد إلى كيان استهلاكي مادي عبر تفريغ العقلانية من المحتوى العاطفي للوجود الآدمي، ثم إحالتها إلى كينونة سِلَعِيَّة محضة تمتص قدرةَ الفرد على التواصل مع ذاته والآخر، لتجعل منه مجتمعاً شخصانياً مكبوتاً طارداً للعاطفة ، متقوقعاً حول العمود الفقري للاستهلاك المتوحش المناوئ للإنتاج النافع .

[2] إن انتشار مرض السُّمنة في المجتمع الأمريكي بشكل كبير أدى إلى خلخلة المستويات المجتمعية . فتشير إحدى الدراسات الغربية أن هناك غيرةً قاتلة لدى الأمريكيات من الفرنسيات لأنهن رشيقات ، ويمتلكن قواماً جذاباً متناسقاً في مراحل حياتهن المختلفة بعكس الأمريكيات اللواتي يعانين من انتهاجِ سياسات غذائية خاطئة أدَّت إلى الترهل والسمنة وفقدان القوام المتناسق والمنظر الجذاب . وهذا الأمر قد يبدو غير ذي أهمية عند معشر الرجال ، ولكنه عند النساء يعتبر ضياعاً للمستقبل والحلم والجاذبية . لذلك فإن عدد الأمريكيات المترددات على عيادات الطب النفسي والمتعاطيات لمضادات الاكتئاب أو المخدرات يعطينا مؤشراً خطيراً للغاية على حجم المأزق والتعاسة في حياة المرأة الأمريكية التي تفقد ثقتها بنفسها ، واستمتاعها بالحياة ، نتيجة فقدانها للقدرة على الإغراء والجذب والتمركز في بيئة الجاذبية ، وبؤرةِ أنظار المعجبين . وهذا يقودنا إلى إعطاء لمحة موجزة حول وضع المرأة الأمريكية ، فقد نشرت مجلة التايم الأمريكية الشهيرة بتاريخ5/9/ 1983م تقريراً مؤلماً يعكس الانهيار الأنثوي في مجتمع متطرف في ذكوريته أفاد : (( أن عدد النساء اللواتي يضربهن أزواجهن في أمريكا بين مليونين إلى ستة ملايين امرأة ، وأن ألفين إلى أربعة آلاف يمتن من الضرب المبرح، مما جعل ثلث وقت رجال الأمن ينصرف إلى معالجة العنف البيتي . وقد نشرت وكالة المخابرات الفدرالية F.B.I أن 40% من النساء اللواتي قُتلن إنما قُتلن من قبل الأزواج أو العشاق )) اهـ . والجدير بالذكر أن المذهب البروتستنتي _ وهو السائد في أمريكا _ يحرِّم الطلاقَ إلا في حالات محدودة منها الخيانة الزوجية. لكنه يحرِّم على الرَّجل والمرأة أن يتزوجا بعد ذلك . وهذا يجعل نسبَ العلاقات خارج إطار الزواج عالية جداً . كما أن البروتستنت لا يؤمنون بسر الزيجة ( وهو أحد أسرار الكنيسة السبعة ). وهذا أدى إلى إعراض الكثيرين عن الزواج ، والاكتفاءِ بأبناء خارج المؤسسة الشرعية تحت ضغط جدلية الزواج والطلاق . والمرأة الغربية هي فلسفة التأطير الجنسي الصارم ، والدخولِ في أنطقة السلعة ، فهي مجرد دمية ملوَّنة في أيدي الرِّجال يلعبون بها ثم يلقونها بحثاً عن لعبة أكثر جمالاً . وهذا يتنافى مع حقوق المرأة في الطبيعة الإنسانية . وحتى الحقوق الأساسية لا تُمنَح للمرأة من أجل حياة كريمة . وقد قال الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه المرأة في الإسلام ( ص 21و22) : (( ولتوكيد هذا القصور المدني المفروض على المرأة الغربية المتزوجة ، تقرر قوانين الأمم الغربية ويقتضي عرفها أن المرأة بمجرد زواجها تفقد اسمها واسم أسرتها ، فلا تعود تسمى فلانة بنت فلان ، بل تحمل اسم زوجها وأسرته . أو تُتْبِع اسمها الصغير باسم زوجها وأسرته ، بدلاً من أن تتبعه باسم أبيها وأسرته كما هو النظام الإسلامي، وفقدان المرأة المتزوجة لاسمها وحملها اسم زوجها، كل ذلك يرمز إلى فقدان الشخصية المدنية للمرأة الغربية واندماجها في شخصية زوجها . على حين أنه بحسب النظام الإسلامي تحتفظ المرأة بعد زواجها باسمها واسم أبيها وأسرتها ولا تحمل اسمَ زوجها مهما كانت مكانته . فزوجاتُ الرسول _ عليه السلام _ أنفسهن كن يسميهم بأسمائهن وأسماء آبائهن وأسراتهن ، فكان يقال: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر. وما كن يحملن اسم زوجهن مع أنهن كنَّ زوجات لخير خلق الله. واحتفاظ المرأة في الإسلام باسمها واسم أسرتها دليل على احتفاظها لشخصيتها وعدم ذوبانها في شخصية الزوج . ومن الغريب أن بعض سيداتنا المسلمات في بعض البلاد العربية وغيرها يحاولن أن يتشبهن بالغربيات حتى في هذا النظام الجائر ، ويرتضين لأنفسهن هذه المنزلة الوضيعة . فتسمي الواحدة منهن نفسها باسم زوجها ، أو تُتبع اسمها باسم زوجها وأسرته، بدلاً من تتبعه باسم أبيها وأسرتها كما هو النظام الإسلامي.وهذا هو أقصى ما يمكن أن تصل إليه المحاكاة العمياء. وأغرب من هذا كله أن اللائي يحاكين هذه المحاكات يتألف معظمهن من المطالبات بحقوق النساء ومساواتهن بالرجال، ولا يدرين أنهن بتصرفهن هذا يفرِّطن في أهم ناحية من نواحي المساواة التي يطالبن بها ، وفي أهم حق منحه الإسلام لهن ورفع به شأنهن وسواهن فيه بالرجال )) اهـ . 

18‏/10‏/2013

الرمز الشعري والسيطرة على حركة القصيدة

الرمز الشعري والسيطرة على حركة القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

     لا بد من استنباط حركة جديدة تُفسِّر القدرات الذهنية للحراك الشعري الأبجدي. وهذا الاستنباط لا يعني إخضاع قوانين الحركة العاطفية لطبيعة خصائص المسار اللغوي. وإنما يعني نحت قيم السلوك القصائدي في البنية الاجتماعية ، وذلك من أجل الوصول إلى ثورة لغوية تُعبِّر عن المدلول الشَّاعري للكينونة الرمزية الخاصة بنواة الأبجدية .
     وكلما سَلَّطْنا بؤرةَ الشِّعر على المحيطاتِ الفكرية ، اكتشفنا أشكالاً جديدة لأبجديات تُولَد من توهجات النَّص المركزية. وهذا الفتحُ اللغوي يجب أن يتماهى مع توليد لغات مخيالية جديدة موازِية للحلم المجتمعي المقموع ، بُغية حماية الرمز الشعري من هواجس الاختراق ، والإبهامِ السلبي ، والإيهام المراوِغ . ولا بد من حماية الرمز الشعري إذا أردنا بناء منظومة قصائدية اجتماعية متماسكة . فالرمزُ الشعري هو البوصلة المسيطرة على الحركات المتشعبة للقصيدة ، خصوصاً أن القصيدة تتحرك في عوالم شديدة الاضطراب، وبالغة التعقيد . ومتشابكة إلى حد التماهي . كما أن القصيدة تستمد قوتها من امتزاج التاريخ بالجغرافيا، وهذا الامتزاجُ يتَّصف بالعنف لأنه يعتمد على حركة التيارات الاجتماعية المعقَّدة ، والتي تولِّد حركتُها زلزالاً فكرياً هائلاً يؤثر في كل طبقات المجتمع الشعري والمجتمع البشري . لذلك ليس غريباً أن تنبثق القصيدة من احتضار الزمكان ، وتَكُون القوةُ الشعرية نابعةً من إشكاليات الانطفاء ( الموت ) والانبعاث ( الحياة ) .

     ولا يمكن أن تتجذر القصيدةُ كنسق إنساني خَلاصي ، إلا إذا أحاطت الكَيْنونةَ المعرفية بأحاسيس الضمير الاجتماعي الجمعي . وإذا كانت هذه الأحاسيسُ ذات بنية رمزية صلبة ، فإن الدلالة اللفظية على وَحدة المعنى الشعوري ستصل إلى أنوية المعرفة ، وتساهم في بناء الصلابة الذهنية للنظام الشِّعري المتشابك مع الأنساق الاجتماعية ، وربطه بلحظة ولادة اللغة الشِّعرية المتفرِّدة . وبالتالي ، يمتد الشعور الرمزي إلى أبنية ماورائية القصيدة ، فتصبح الظواهرُ السلوكية الشعرية سلوكاً بشرياً حقيقياً لا صورياً. وهكذا يصير الإنسانُ والقصيدةُ جسمَيْن يدوران في مدار التوهج اللغوي المتحرر من جاذبية الأضداد .

11‏/10‏/2013

رسالة من النمر إلى اللبؤة / قصيدة

رسالة من النمر إلى اللبؤة/ قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد 

صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 11/10/2013

أتمنى لكِ حياةً خارجَ الحياةِ
أنتِ مغرورةٌ
لا أعتبر رفضكِ هزيمةً لي
فالذهبُ لا يبكي عادةً
إلا عند وفاةِ النارِ
أرحلُ بصمتٍ عالي الصوتِ قليلاً  
أعودُ لأُكمل ما بدأتُه من انقلاباتٍ
على قلبي الوحيد
لكِ قلادةٌ من العاجِ
كم فيلاً قَتَلَتْهُ أُسْرَتُكِ لئلا تتضايقي
وأنت تنامين في أوصالِ شعوبِ الغابِ ؟
لكِ خَدَمٌ من الثعالبِ الخائنةِ
هل فكَّرتِ بالليلِ يغسلُ دمعَ البلحِ ؟
احتضاراتُ الصقيعِ أقامت مصنعاً لتكرير الملحِ
على ضفةِ دموعي
إنْ أَخُنْ قلبي أَخسرْ وجهي
إنْ أَعشقِ الرَّصاصاتِ
أفقدْ لافتاتِ المجاعةِ
فعودي إلى أسنانكِ
ونظِّفيها بِسَعف النخيلِ
فالأرضُ شمعةُ الغرباءِ
إذا انطفأتْ أشعلتُها بذكرياتي
في الممالكِ المنسيةِ  
لحنٌ خافتٌ يطلعُ من الشوكِ
والشوكُ لم تلمسه أنثى منذ مصرعِ أُمِّهِ
ولا أذكرُ أن أنثى لَمَسَتْني إلا البحيرة
كُنْ يا غُبَارِي عند حُسن ظَنِّ الميناءِ المحطَّمِ بكَ
بَحَّارٌ صُداعُ التَلِّ الحافي
والطاعونُ يحتل ذاكرةَ القش
يسيلُ دمُ الولادةِ
إنني أموتُ
وقد يأتي عمالُ مناجمِ الفحمِ إلى مغارتي
ويتناولونَ خُبْزِي
ويسخرونَ من تاريخِ عائلتي في الأدغالِ
وربما ينظرون إلى قَبري باستهزاء
فهل ستبكين عليَّ ؟
هل ستقولين إن نمراً أحبني يوماً ما
إن نمراً مَرَّ من هنا
وكانت عيناه تدمعان حنيناً ؟
أيتها اللبؤةُ
عيونكِ تنقشُ فِيَّ رحلةَ اللاعودةِ
أريدُ منكِ حين تصطادين السَّوسنَ المجروحَ
أن تتذكري أحاسيسَ جذوره
لكي تتذكري ملامحي
أنا المنسيُّ في قائمةِ عشاقكِ الكثيرين
أصبحتِ مَرَضاً في عروقي
أنتِ هَوَسِي
صارت الفئرانُ والحمائم تضحك عليَّ
أنا الأب الروحي للباديةِ
أنا مثارُ سخريةٍ في الغابةِ
صرتُ نَبَاتِيَّاً
ماذا سأقول لأبي
وأنا أرجعُ كُلَّ ليلةٍ بدون فريسةٍ ؟
وما زادَ لحمي ظلالاً أني استقلتُ من السِّيركِ
واعتزلتُ الحياةَ السياسيةَ
ما كنتُ أظن أن أنثى ستفعل بي هذا
ولكنني سأقفُ ضِدَّ حُبِّكِ
ما دام حُبُّكِ حَربةً تُشرِّحني
ما زال في تفاصيلي ضوءُ تمردٍ
ورفضٌ لسَيَّافي الأرضِ
رياحاً تأتي أعضائي المسعورةُ
أتذكرين لقاءنا الأول في المقبرةِ
والعناكبُ تقفز سعيدةً بوجودنا ؟
شعرتُ أنه حبٌّ من الرصاصةِ الأولى
فكرتُ يومها أن أُقَبِّلَ تاريخاً حافلاً
بالمرايا المشروخةِ في الرماد
كدتُ أقولُ لكِ خَبِّئيني في يَدَيْكِ
من الصَّيادين وعلماءِ الأحياء
لكنني أدركتُ أنني حيوانٌ
وأن الحيواناتِ ألعوبةٌ
تستمتع بها الأرستقراطياتُ
أغارُ من شوكةٍ تلمسكِ
أصبحت الحيواناتُ تفاحةً بائسة
تُؤَجِّرُ رَحِمَها للريحِ
ما عساكِ أن تفعلي في هذا العَالَم ؟
تعالَيْ أتزوجك فتنجبين أنصافَ نمورٍ وأنصافَ أُسودٍ
ثم نُشعلُ الانقلاباتِ على أناشيد الغابة
نحن خاسرون إن لم نُرسِلْ قاتلينا
إلى أرشيفِ الهياكلِ العظمية
فلنبدأ مِن دمكِ ودمي
مِن مَوْتي وموتكِ
يغمرني المكانُ فأصحو
ينتحرُ الطغاةُ على بوابات اكتئابي
ألفُ مستنقعٍ يَغفو في أعمدةِ انهياري
ناسفةَ حُطامي عشيقةَ ذُبولي
مَن الخاسرُ فينا ؟
لا أُصَدِّقُ أنَّا جَرَحْنا أحزانَ الغصون
وتبادلنا الدموعَ بدل الهدايا
ولم ننتبه إلى أننا قتلنا الفرحَ في معاطفنا
وبذرنا الكراهيةَ في طرودٍٍ ملغومةٍ تتأرجح فينا
وفجأةً أصبحت قصتنا طُرفةً
على ألسنةِ القُرودِ ودببةِ الباندا
إنها الأمطارُ فيذهبُ الجميع إلى مخبئه
وأظل هائماً مُبَلَّلاً بلا مأوى
أنالَ عطفاً مؤقتاً من مُخرجِ أفلامٍ وثائقيةٍ
يجني الملايين والتصفيق
ثم يرميني في الشَّارعِ
رجولةُ الزَّوْرقِ
وامرأةٌ تُذبَحُ في الستائرِ الرماديةِ كُلَّ ليلةٍ
أنا حيوانٌ
ولكنْ لديَّ شعورٌ
أحتاجُ إلى أنثى تشاركني مسيرةَ التوحشِ
وجنونَ الاندفاع الشرس
ليكن الحبُّ بَيْنَنَا حَرْبَاً تتعانقُ فيها بقايانا
لن أخرجَ من جِلدي
لكني سأُجَهِّزُ على شطآنه مَقعداً
يَتَّسعُ لجثةٍ نتقاسمها وتتقاسمنا
ونضمُّ أجسادَ موتانا ونموتُ
أَعْطَيْتِني دمَ الفريسةِ تذكاراً
تَذَوَّقْتُه فَوَجَدْتُه مُرَّ المذاقِ
كمساميرِ نعشي المهترئةِ
أنا وأنتِ قاتلان
كلانا سَرَقَ براءةَ الغزلان
فلا تلبسي الأنوثة .
...........................
مَلِك الغابة غير المنتخَب 
النمر 

10‏/10‏/2013

النظام الشعري وثورية اللغة

النظام الشعري وثورية اللغة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

كلُّ لغةٍ اجتماعيةٍ هي نظام شِعري غامض يتضح أثناء عملية التنقيب في منجم الرموز الإنسانية . ولا تقف عمليةُ التنقيب عند الظواهر المعرفية ، وإنما تمتد إلى اكتشاف كَيْنونة الشعور ، وأطوارِ الفكر الثقافي . الأمرُ الذي يُمهِّد الطريقَ أمام لغويات الأداء الاجتماعي كي تنتشر في الجسد الشعري ، وتَكسر الحصارَ المفروض على التفسير الزمكاني للأبجدية الوجدانية . مما يَمنحنا فرصةً حقيقية لبناء تصور جديد لثورية اللغة ، وتكوين مفاهيم ذاتية للكُمون الشعوري في وجدانية النص .
     إن النص الشعري هو التشابك المعرفي للنصوص. وكلُّ صوتٍ هو _بالضرورة_ صدى قديم ، وكلُّ حركة هي تلبية لنداء قديم يَنبعث فينا على شكل إشراقاتٍ لغوية عابرة للزمكان. والكتابةُ الإبداعية هي تجسيد لغوي مُقْتَبَس من كَيْنونة الرائي ، واندلاعِ الرؤية الجوانية المتمردة على انهيارات العقل السُّلْطوي الذي تمثله المجتمعات المقموعة القامعة .
     وعلى الرغم من كَوْن النص عملاً جماعياً يشترك كل الناس في كتابته، وما على الشَّاعر الرائي إلا تدوينه، إلا أن الشَّخْصنة _ باعتبارها أحاديةَ المدلول وسياسةً للتكوُّن العقلاني للأبجدية _ لها وزنها الذي لا يمكن تهميشه ، وذلك راجع إلى عدم إمكانية تجاوز الفردية الشِّعرية في مشروع بناء الكل. فالجزءُ _ مهما كان صغيراً _ لا نستطيع تجاوزه ، لأن صرح المعقولات الزمكانية الوجدانية الكلية لا يقوم إلا على الجزء باعتباره النواة المركزية ، والمنبع الحقيقي للأمواج الفكرية .

     وإذا تضافر الجزءُ والكل ضمن منظومة تكاملية متآلفة ، فإن عقلَ القصيدة الرائي سينجح في تشييد التلاحم الوظيفي للأبجدية المتكوِّنة من شظايا روحِ النص ، والمبنيةِ على تطبيقات المنحى الرمزي التصاعدي ، مما يؤدي إلى إحداث انقلاب جذري في المضامين اللغوية . وبالطبع ، فهذا الانقلاب يَحمل في جَوْفه تجديداً لجغرافية النص الحتمي ، وبوصلةً وجودية تشير إلى اتجاهات الأنسنة التثويرية .

05‏/10‏/2013

في وداع أبي الروحي / الشيخ حماد أبو عواد

في وداع أبي الروحي / الشيخ حماد أبو عواد 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

أستاذي العلامة ،،،
لم تَرحل
ولن تَرحل
فأنتَ حيٌّ في قلوبنا
كلُّ الذين عرفوكَ
لم يَمْلكوا إلا أن يُحبوكَ
كانت أخلاقُكَ الرفيعة تسيطر عليهم
كان الضوءُ في عينيكَ يدل الغرباءَ إلى وطنهم
سرتَ على أشواك الحياة مبتسماً
أعرفُ أنكَ عانيتَ كثيراً
وأعرفُ أنكَ كنتَ صخرةً في وجه الرياح
أخذتَ بأيدي الناس إلى خالقهم
كنتَ حنوناً عليهم
لم تتكبر على أحد
كنتَ عالِماً متواضعاً
اخترتَ الخفاءَ للوصول إلى طهارة الروح
ولو أردتَ الدنيا مثل الكثيرين
لركبتَ أجملَ السيارات
وسَكنتَ في أفخم القصور
لكنكَ لم تُحَوِّل عِلْمَكَ إلى مشروع تجاري
ولم تجعل الدِّينَ وسيلةً لابتلاع الدنيا
سَيِّدي الشيخ ،،،
هذا الكلامُ ليس مجاملةً
ولو قلتُه لكَ في حياتكَ لَرَفَضْتَه
ولكني أقوله وأنتَ تحت التراب
هذه شهادتي فيكَ
وأنا أشهدُ بما علمتُ
سلامٌ عليكَ يومَ وُلدتَ ويومَ مِتَّ ويومَ تُبعَث من الموت حياً
(( لا أنساكَ ما هبّت الصبا
بكاءً وحُزناً محضري ومسيري ))
..................................

تلميذُكَ الصغير/ إبراهيم أبو عواد .