غزوة بدر ( 17 رمضان / 2 هجرية )
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
......................................
قال الله تعالى : } وإذ
يَعِدُكم اللهُ إحدى الطائفتَيْن أنها لَكُم وتودُّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم
ويريد اللهُ أن يُحِق الحقَّ بكلماته ويقطعَ دابرَ الكافرين {[
الأنفال : 7] .
وهذه الآية نزلت في قصة بَدْر. والطائفتان
هما العِير ( مع أبي سفيان ) والنفير ( مع أبي جهل). فاللهُ تعالى وعد المؤمنين
إحدى الطائفتين أنها ستكون لهم . والمؤمنون أحبُّوا أن تكون لهم العِير تجنباً
للقتال وإهدار الدماء ، فأرادوا نصراً سهلاً دون خوض حرب ، لكن الله تعالى يريد
إعلاءَ كلمته ، وتثبيت دعائم دِينه المقدَّس ، واستئصال الكافرين، فأمرَ المؤمنين
بقتال قُرَيْش . والخِيرةُ فيما اختاره اللهُ تعالى لأنه أعلم بالنفوس من أصحابها
.
والإرهاصاتُ التي سبقت غزوةَ بدر تتمثل في
وجود عِير لقُريش قادمة من الشام ، على رأسها أبو سفيان ، فخرج النبيُّ صلى الله
عليه وسلم في جماعة من أصحابه يريد الاستيلاء على العِير لتعويض ما تركه المهاجرون
للكفار بمكة. فعلم أبو سفيان بالأمر ، فأرسل من يُخبِر قُريشاً بذلك ، فخرج
المشركون بأسلحتهم للدفاع عن تجارتهم ، وعلموا بنجاة القافلة ، لكنهم أصرُّوا على
قتال المسلمين . فالتقى الطرفان في بَدْر . وكان عدد أصحاب بَدْر ثلاثمائة وثلاثة
عشر رَجلاً، أما المشركون فقُرابة الألف.
وقد روى الترمذي في سُننه ( 4/ 152) وصححه: عن
البراء_ رضي الله عنه _ قال : (( كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر كَعِدَّة أصحاب
طالوت ، ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجلاً )) .
وقبل خروج المسلمين للقتال شاوَرَهم النبي
صلى الله عليه وسلم في الأمر ، فهم لم يكونوا مستعدين للحرب.
فعن أبي أيوب الأنصاري _ رضي الله عنه _ قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة : (( إني أُخبرت عن عير أبي سفيان
أنها مُقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذا العير ؟، لعل الله يغنمناها )) ، فقلنا : نعم
، فخرج وخرجنا ، فلما سِرْنا يوماً أو يومين قال لنا : (( ما ترون في القوم فإنهم قد
أُخبروا بمخرجكم ؟ ))، فقلنا : لا والله ، ما لنا طاقة بقتال العدو ، ولكن أردنا العير
. ثم قال : (( ما ترون في قتال القوم ؟ ))
، فقلنا مثل ذلك . فقال المقداد بن عمرو : إذن لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم
موسى لموسى } فاذهبْ أنتَ
وربُّكَ فقاتلا إنَّا هَهُنا قاعدون {
[المائدة : 24] . قال: فتمنَّيْنا معشر الأنصار لو أنا قلنا كما قال المقداد أحب إلينا
من أن يكون لنا مال عظيم {(1)}.
ونرى
الإصرارَ الكبير من الصحابة على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم والقتالِ معه
وعدم التخلي عنه ، على الرغم من رغبتهم في العِير وتجنب النفير ( القتال ) في
بداية الأمر . لكنَّ الحق أحقُّ أن يُتَّبع .
وفي صحيح مسلم ( 3/ 1403) : (( عن أنس : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم شَاوَر حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال : فتكلم أبو بكر
، فأعرض عنه. ثم تكلم عمر، فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة، فقال : إيانا تريد ؟، يا
رسول الله ، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها _ يعني الخيل_، ولو
أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد_اسم مكان _ لفعلنا )).
وهذا هو الصدقُ التطبيقي في أحلك الظروف لا
الصدق الشعاراتي والأناشيد الوطنية المفرغة من المعنى الواقعي . لذلك جاءت أهلَ
بدر البشارةُ بسبب إيمانهم وصبرهم ورباطة جأشهم وثباتهم عند تطاير الرؤوس في أرض
المعركة . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لعل الله_ عز وجل _ اطَّلعَ على أهل
بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم )){(2)}.
ومعناه أن لهم الغُفرانَ في الآخرة والكرامة
والنعيم المقيم جزاء صبرهم وثباتهم في الموقف الصعب ( يوم بَدْر)، أمَّا إذا ترتب
على أحدهم حَد أو غيره أُقيم عليه في الدنيا .
وفي شرح النووي على صحيح مسلم ( 16/ 56 ) :
(( ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد )) .
ولو عُدنا إلى مقدمات المعركة لوَجدنا أن
النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جرعةً معنوية عالية للمؤمنين بأن بشَّرهم بمصارع
المشركين .
ففي سيرة ابن هشام ( 3/ 162) أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : (( والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم )) .
ويتجلى الأخذ بمشورة الصحابة يوم بدر . فمضى
النبي صلى الله عليه وسلم [ يُبادر قريشاً إلى الماء حتى إذا جاء أدنى من ماء بدر نزل
به ، فقال حباب بن المنذر بن الجموح أحد بني سلمة : يا رسول الله ! ، أرأيتَ هذا المنزل
؟ أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة
؟ ، قال : (( بل هو الحرب والرأي والمكيدة ))، قال : فإن هذا ليس لك بمنزل، فانهض حتى
نأتيَ أدنى قليب القوم فننزله ، ثم نُغوِّر ما سواه من القلب ، ثم نبني حوضاً فنملأه
، ثم نُقاتِل القومَ فنشرب ولا يشربون ]{(3)}.
فهذا الصحابي الجليل قدَّم خبرته في سبيل
الدعوة الإسلامية ، ولم يكتم المشورةَ الصادقة ، بل أعطى رأيَه مدعوماً بالحجَّة
والبرهان من أجل صناعة انتصار المسلمين على المشركين . وقد كان ذكياً حينما سأل عن
اختيار الموقع قبل إبداء النصيحة ، هل هو أمرٌ إلهي معصوم أم اجتهاد بشري وفق ظروف
الحرب ؟ . فهذا السؤال له أبعاد دقيقة . فالأمرُ الإلهي لا يأتيه الباطلُ من بين
يديه ولا من خلفه ، ولا يمكن رفضه أو الاعتراض عليه ، أما الاجتهاد البشري فيمكن
تغييره إذا ظهر رأي راجح .
وقد كانت معركةً قوية ، وأمدَّ اللهُ
المؤمنين بالملائكة ، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين الباهر على الرغم من تفوق
المشركين عددياً . وقُتل من المشركين سبعون ، وأُسر سبعون . وارتفعت معنويات
المسلمين وعلا صوتُهم بعد هذا النصر الإلهي .
وعن ابن مسعود قال : أدركتُ أبا جهل يوم بدر
صريعاً ، فقلتُ : أي عدو الله ، قد أخزاك الله ، قال : وبما أخزاني الله من رَجل قتلتموه
. ومعي سيف لي فجعلتُ أضربه ولا يحيك فيه ، ومعه سيف له جيد فضربتُ يدَه فوقع السيف
من يده فأخذتُه ثم كشفتُ المغفر عن رأسه فضربتُ عنقه ثم أتيتُ رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبرتُه فقال : (( الله الذي لا إله إلا هو ؟ )) ، قلتُ : الله الذي لا
إله إلا هو ، قال : (( انطلق فاستثبت )) ، فانطلقتُ فأنا أسعى مثل الطائر ، ثم رجعتُ
وأنا أسعى مثل الطائر أضحك فأخبرتُه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
فانطلقْ فأرني )) ، فانطلقتُ معه فأريته ، فلمَّا وقف عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : (( هذا فِرْعَوْن هذه الأمة )){(4)} .
فأبو جهل ( رأس الشِّرك ) قضى حياته كافراً
مُحارِباً لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مُعانِداً للحق ، حتى وهو على حافة
الموت ما زال العنادُ مسيطراً عليه.وهذا يدل على التكبر والصفاتِ الجاهلية
المغروسة فيه . وما قتلُه إلا إنجازٌ كبير في سبيل نشر الدعوة ، فهذا الفرعونُ
الهالك رفض البرهانَ الساطع ، ولم يكتفِ بكفره ، بل حارب الإسلامَ بكل ما يملك ،
فكانت هذه عاقبته المخزية .
.........................................
{(1)} رواه الطبراني ( 4/ 174 ). وحسَّنه الهيثمي في المجمع ( 6/ 94 ) برقم (
9950 ) .
{(2)} متفق عليه. البخاري ( 4/1855) برقم ( 4608) ، ومسلم ( 4/ 1941) برقم
( 2494) .
{(3)} السيرة لابن حبان ( 1/ 157 ).وانظر تاريخ الطبري( 2/ 29 )،وسيرة ابن
هشام( 3/ 167 ).