سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

28‏/05‏/2022

التحليل الفلسفي للروابط الإنسانية في المجتمع

 

التحليل الفلسفي للروابط الإنسانية في المجتمع

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

...................... 

1

     التحليلُ الفلسفي للروابط الإنسانية في المجتمع يُمثِّل اختبارًا وجوديًّا للعلاقات الاجتماعية ، وتفكيكًا لعناصر الموضوعات الفكرية التي تُسيطر على ماهيَّة الوَعْي الإنساني، وتشريحًا لِجُزَيئات العقل الجَمْعي الذي يُسيطر على المفاهيم السائدة في حياة الفرد ومسار الجماعة . وإذا كانَ التحليلُ الفلسفي صِفَةً مُمَيِّزَةً للمجتمعات الحَيَّة والحُرَّة ، فإنَّ الوَعْي الإنساني صِفَة مُمَيِّزَة للوجود الفردي والجماعي ضِمن الظواهر اللغوية والأنماط الثقافية. وثنائيةُ ( التحليل الفلسفي / الوَعْي الإنساني ) لَيست كُتلةً معنويةً جامدةً أوْ نَسَقًا نظريًّا بعيدًا عن التطبيقات الواقعية ، إنَّ هذه الثنائية تيَّار فكري قائم على تحقيقِ التوازن الاجتماعي بين المعايير الأخلاقية ومصادر المعرفة ، وتحقيقِ المُوازنة الثقافية بين الظواهر اللغوية والظواهر النَّفْسِيَّة . وهذا يُؤَدِّي إلى كشفِ دَور البُنية اللغوية في تكوين الجانب النَّفْسِيِّ للفرد ، وكشفِ دَور البناء النَّفْسِيِّ في تشكيل دَلالات اللغة وطاقتها الرمزية . ويقوم التحليلُ الفلسفي على فَحْص الماهيَّات الاجتماعية التي تتحكَّم بالسلوك ، وتُؤَوِّل الأحداثَ اليومية ، مِمَّا يَقُود إلى تجزئة المفاهيم اللغوية والبُنى الوظيفية ، وُصولًا إلى أنويتها الداخلية وعناصرها الأوَّلية ، بهدف تكوين فهم دقيق لحرية الإرادة ، وإيجاد تفسير عقلاني للمسؤولية الأخلاقية . والغايةُ من التحليل الفلسفي هي الوصول إلى كَينونة الوَعْي الإنساني ، وتحقيقه واقعًا ملموسًا ، وتفعيله معنويًّا في صَيرورةِ التاريخ ، وحتميةِ انبثاق المعنى الوجودي من الظواهر الثقافية ، مِن أجل تكوين رؤية حاضنة لأحلام الفرد وطُموحات الجماعة ، وقادرة على تكوين تقنيات إبداعية للنهوض بالمجتمع ، وحمايته مِن الأوهام اللذيذة التي تصير مُسلَّمات افتراضية بِحُكْم سياسة الأمر الواقع ، وحمايته أيضًا من العلاقاتِ الاجتماعية الاصطناعيَّة التي تَقُوم على المصلحة الآنِيَّة والمنفعة الزائلة ، بعيدًا عن الوَعْي بالماضي والشُّعور بالحاضر وإدراك المُستقبل .

2

     الخطرُ الحقيقي الذي يُهدِّد الجَوْهَرَ المعرفي للمجتمع،هو قيام الأدوات الاستهلاكية بفصل الإرادة الحُرَّة عن السُّلوك الإنساني . وهذا الفصلُ يعني تحويلَ الأحداث اليومية إلى أفعال اجتماعية عبثية بلا قَصْد ولا تخطيط، واعتبارَ الكِيَان الإنساني مُجرَّد انعكاس للواقع الميكانيكي الآلي ، الذي يتمُّ تفريغه مِن الوَعْي والشُّعور والإدراك . لذلك ، يجب بناء العلاقات الاجتماعية على قاعدة المُزَاوَجَة بين الإرادة الحُرَّة والسُّلوك الإنساني ، وجَعْل عملية دَمْجهما حتميةً تاريخيةً ضِمن تَشَكُّلاتِ هُوِيَّة الفرد ، وامتداداتِ مصير الجماعة . ولا شَكَّ أنَّ الهُوِيَّة الفردية والمصير الجماعي رُكنان أسَاسِيَّان في بناء الحقائق الاجتماعية على أرض الواقع ، وهذا يَستلزم توليدَ شروط لاستقلال رمزية اللغة عن التعبيرات اللفظية، لأن الرَّمْزَ اللغوي حاملٌ للوَعْي الحقيقي ، وكاشفٌ عن الشعور الداخلي ، في حِين أن التعبير اللفظي يُشير في أحيان كثيرة إلى وَعْي زائف وشُعور اصطناعي ، لأن الفرد يُطوِّر بُنيته اللغوية بما يَضمن مصلحته الشخصية ، لذلك تُصبح اللغةُ وسيلةً للمُجَامَلَة واستثمار الوَهْم لصناعة واقع افتراضي. والمفروضُ أنَّ اللغة وسيلة لكشف المعنى الحقيقي في الأشياء ، وتوصيله إلى الآخرين. وابتعادُ اللغة عن وظيفتها الحيوية ، والتَّخَلِّي عن دَورها الوجودي المِحْوَري في عَالَم الأسباب والمُسَبِّبَات ، يُؤَدِّيَان إلى فصل الوقائع التاريخية عن السِّياقات الثقافية ، لذلك يَعجَز الفردُ الغارق في النظام الاستهلاكي عن إيجاد البُنية الثقافية التي تختبئ وراء الحدث التاريخي ، لذلك يُضيِّع الفردُ وَقْتَه في مُلاحقة الروافد ، لأنَّه غير قادر على الوصول إلى المنبع .

3

     لَن يُصبح التحليلُ الفلسفي للروابط الإنسانية في المجتمع خلاصًا للفرد من المأزق الحياتي ، وتَخليصًا للجماعة من التهديد الوجودي ، إلا بدمجِ الإرادة الحُرَّة معَ السُّلوك الإنساني ، ودمجِ الوقائع التاريخية معَ السِّياقات الثقافية ، وهاتان العمليتان ينبغي أن تَسِيرا جَنْبًا إلى جَنْب ، وتَحْدُثا معًا مِن خلال نظام اجتماعي تزامني لا تعاقبي ، لأنَّ الطائر يطير بِجَنَاحَيْه في نَفْس اللحظة ، ولا يَطير بالجناح الأوَّل ثُمَّ الثاني . وكُلُّ تحليلٍ فلسفي للروابط الإنسانية هو بالضرورة تَشييدٌ لِهُوِيَّة الفرد ، وبناءٌ لشرعية المجتمع ، وتكوينٌ لمصادر المعرفة التي تشتمل على التَّصَوُّرات الوجودية والقضايا اللغوية والظواهر الثقافية ، وكيفية تفكيكها وإعادة تركيبها . والتفكيكُ والتركيبُ نَشَاطَان عقليَّان يَكشفان عن النَّوَاة الجوهرية المُكوِّنة لشرعية المجتمع، ويُبْرِزان تأثيرَ اللغة في صِياغة الفِكر والثقافة ، ويُظْهِران دَوْرَ الزمان والمكان في تحديد دَلالة الألفاظ على المعاني ، ودَلالة المعاني على التجارب الوجدانية العميقة والمُعطيات المادية الواقعية .

21‏/05‏/2022

الطاقة الرمزية في اللغة وتغيير المجتمع

 

الطاقة الرمزية في اللغة وتغيير المجتمع

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

........................

1

     الطاقةُ الرمزية في اللغة تكشف الجوانبَ المتعددة للظواهر الثقافية في مُحيطها الفكري وبيئتها الاجتماعية، وكشفُ هذه الجوانب لَيس مقصودًا لذاته ، ولا يُشكِّل غايةً قائمة بِنَفْسِها ، وإنَّما هو وسيلة لنقل الأفكار من المعايير الأخلاقية إلى البُنى الوظيفية للسلوك الإنساني في إطار الأحداث اليوميَّة والوقائع التاريخيَّة . وعمليةُ نقل الأفكار لا تَحْدُث في الفراغ ، وإنَّما تَحْدُث في المجال الحيوي للعلاقات الاجتماعية ، الذي يَستطيع تَشييدَ كِيَانات معرفية ذات قيمة وجودية، وصناعةَ تصوُّرات عملية عن ماهيَّة الفِعل الاجتماعي،الذي يعتمد على حقيقةِ الأحداث في الواقع ، وطبيعةِ الأشياء في الذهن ، وكَيْفِيَّةِ الربط بينهما ضِمن مصادر المعرفة التي يَحْصُل عليها الفردُ مِن خِبراته الحياتيَّة ، وضِمن التجارب المُعاشة التي يكتسبها الفردُ مِن رُوحِ الحياة وجسدِ التاريخ . وإذا تَمَّ تحويلُ مصادرِ المعرفةِ والتجاربِ المُعاشةِ إلى منظومة سُلوكية قائمة على الأفكار الإبداعية ، فإنَّ شخصية الفرد وسُلطة المجتمع سَوْفَ تَتَشَكَّلان وَفْقَ هذه المنظومة السُّلوكية . والعلاقاتُ الاجتماعية ما هي إلا نظام شُعوري ومنظومة سُلوكية ، يتحكَّمان في طريقة تفكير الفرد ، ويُحدِّدان الفرقَ الوجودي بين الخِبرةِ المُستقاة مِن انعكاس الوَعْي على الواقع ، والخِبرةِ المُستقاة مِن دَوْر الواقع في صياغة الوَعْي . وإظهارُ الفرق الوجودي بين هَاتَيْن الخِبْرَتَيْن ضروري مِن أجل توظيفِ الظواهر الثقافية في بُنية المجتمع العقلانية ، وإبرازِ الجانب الرمزي للثقافة في إطارها اللغوي ومُحيطها الاجتماعي .

2

     الطاقةُ الرمزية في اللغة تُوضِّح طبيعةَ الاختلاف بين الأفكار السلوكية والأفكار النَّفْسِيَّة، وهذا يُسَاعِد الفردَ على التَّحَكُّم في مدى تأثير الظواهر الثقافية في حياته ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى ترسيخ الثقافة في حقائق البناء الاجتماعي، باعتبار أنَّ الثقافة هي الحقيقة المركزية الواقعية في المجتمع . ولَيست الثقافةُ بيئةً مِن الكِيَانات الافتراضية ، وإنَّما هي بيئة مِن عناصر الوَعْي الوجودي بتفاصيل الحياة، وهذا العناصرُ مُتَّحِدَة في الغاية، ومُختلفة في المسار. وغايةُ الثفافة هي إعادة بناء المجتمع على أُسُس عقلانية صحيحة وقواعد منطقية سليمة ، وذلك بفحصِ المُسَلَّمَات الفكرية التي يَتَبَنَّاهَا الأفرادُ ، وتمحيصِ المفاهيم المعرفية التي يَستمد مِنها المجتمعُ شرعيته الوجودية ومشروعيته الأخلاقية . والثقافةُ لَيست كُتلةً مِن الطُّقُوس المُقدَّسة أو التقاليد الشعائرية الجماعيَّة ، وإنَّما هي تجربة فكرية مُستمرة في رُوح الحياة ، وتتوالد في جسد التاريخ ، وتخضع للمُسَاءَلَة والنقد والنقض . وهذا النشاطُ الاجتماعي في التعامل معَ الثقافة ، هو الذي يَجعل الثقافةَ قادرةً على تحليلِ فلسفة صَيرورة التاريخ ، وحمايةِ أنساق الوجود لُغويًّا واجتماعيًّا مِن المَوت في الحياة .

3

الطاقةُ الرمزية في اللغة تُعبِّر عن الإبداع الثقافي ، وتُعيد بناءَ تاريخ السلوك الإنساني على قاعدة الثَّورة المعرفية ذات الأبعاد الاجتماعية . والسلوكُ الإنساني تَرَاكُمٌ تدريجي للمهارات الحياتيَّة ، والوَعْي بها ، وإدراك أبعادها . ويجب أن يُحيط الوَعْيُ والإدراكُ بالإفرازات اللغوية المُتجانسة كي يَستطيعا تحديدَ مسار السلوك الإنساني ، من أجل صياغة حداثة ثقافية قادرة على احتضانِ التغيُّرات النَّفْسِيَّة في كِيَان الفرد ، واستيعابِ التقلُّبات الوجودية في كَينونة المجتمع . وهكذا ، تُسَاهِم الثقافةُ في تَحَرُّر الفرد ، مِمَّا يَجعله يَقوم بِمُهمته في تحرير الأنساق الاجتماعية مِن القُيود المُنهجية التي تَصنعها سياسةُ الأمر الواقع . وكُلُّ عملية تَحَرُّر فردية هي بالضرورة عملية تَحرير جَمَاعِيَّة ، وكُلُّ ثقافة هي حَلْقَة مِن حَلَقَات التاريخ ، الذي لا يُمكن تحليل مساره إلا باستحضار قُوَّة اللغة رمزيًّا ومعرفيًّا وواقعيًّا في المُجتمع ، والمجتمعُ _ أوَّلًا وأخيرًا _ هو فضاء من الرموز ، التي تَلِدُ نَفْسَها بِنَفْسِها ، وتتكاثر باستمرار ، وتصنع فلسفتها الخَاصَّةَ من أجل تكوين تصوُّراتها للذاتِ والآخَرِ والعَالَمِ . وإذا كانت الثقافةُ جسدًا للمُجتمع ، فإنَّ اللغة رُوح هذا الجسد ، في كُلِّ تحوُّلاته وانبعاثاته . وإذا أرادَ الفردُ تحقيقَ معنى الخُلود، فيجب عليه أن يَزرع أحلامَه في داخل اللغة ، لأنَّها الحاملةُ للدَّلالات الاجتماعية ، والعابرةُ للأجناس الفكرية المُتداخلة ، والمُسيطرةُ على صراع الرغبات والدوافع ، والمُتَجَاوِزَةُ للزمان والمكان .

14‏/05‏/2022

التفاعل الرمزي وتصور الفرد عن ذاته ومحيطه

 

التفاعل الرمزي وتصور الفرد عن ذاته ومحيطه

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

1

     التفاعلُ الرمزي بين التنظيم العقلاني للعلاقات الاجتماعية والترتيب المعرفي للظواهر الثقافية ، يُمثِّل نَسَقًا وجوديًّا في أعماق البيئة الحياتيَّة للفرد والجماعة، وهذا النَّسَقُ الوجودي يَستمد شرعيته وقُدرته على الاستمرارية مِن تصوُّر الفرد عن إنسانيته،وذَاتِه الفاعلة في مُكوَّنات المُحيط الاجتماعي، وذَاتِه المُتفاعلة معَ عناصر الطبيعة. وكُلُّ تَصَوُّر سَيُنتج حُكْمًا بالسَّلْب أو الإيجاب ، وكُلُّ حُكْم سَيُوَلِّد تَصَوُّرًا عميقًا ومُتَجَانِسًا معَ تفاصيل الحياة اليومية، التي تُمثِّل شبكةً مُعقَّدةً مِن العلاقاتِ بين مركزية الوجود ومصادر المعرفة، والتفاعلاتِ بين كَينونة اللغة والأفكار الإبداعية ، والروابطِ بين المعايير الأخلاقية والأفعال الاجتماعية . وَتَصَوُّرُ الفرد عن كِيَانه والكِيَانات المُحيطة به هو الأساسُ المنهجي للوَعْي الذهني والسلوكِ الوظيفي، والطريقُ الفكري إلى ماهيَّة المعاني الظاهرية والباطنية التي يُسقِطها الفِعْلُ الاجتماعي على طبيعة الوعي والسُّلوكِ في المجتمع الإنساني. وإذا كانت مُهِمَّةُ الفِكْر هي إزالة التناقض بين النسق الثقافي المُضْمَر والسِّياق الاجتماعي المَكشوف ، فإنَّ مُهِمَّةَ البُنية الثقافية الاجتماعية هي تحليلُ العوامل المُؤثِّرة في تَكوينِ الذات وصِياغةِ المَوضوع ، وربطُ الدَّلالات العقلانية النابعة من رمزية اللغة بالعلاقات الاجتماعية كَمًّا ونَوْعًا ، مِن أجل الفَصْل بين العُمْقِ النَّفْسِيِّ للفردِ والعُمْقِ الاجتماعي للظاهرة الثقافية، وهذا الفَصْل ضروري لإنشاءِ نظام ثقافي مُتكامل، وحاضن للتفاعل الرمزي المُستمر في علاقة الفرد باللغة ، والمُتَغَيِّرِ في علاقة الوَعْي بالسُّلوك .

2

     إذا كان الحُكْمُ على الشَّيء فَرْعًا عَن تَصَوُّره ، فإنَّ التواصلَ الاجتماعي فَرْعٌ عن طبيعة إدراك المعنى اللغوي رمزيًّا وثقافيًّا. وإذا كان الحُكْمُ يَدُور معَ عِلَّته وُجودًا وعَدَمًا ، فإنَّ الوَعْي يَدُور معَ قُدرة الفرد نَفْيًا وإثباتًا. وهذا التشابك المعرفي يُسَاعِد على صِياغة منهج اجتماعي على تَمَاس مُباشر بالأحداث اليومية ، يُسَاهِم في تحليل الدَّور الوظيفي للفرد في تشكيلِ الفِعْل الاجتماعي، وتحليلِ مَسَاره ، وتفسيرِ نتائجه . ويجب التفريق بين المُحيط الاجتماعي المادي الذي يعيش فيه الفرد، ويَنفعل به ، ويتفاعل معه ، وبين المُحيط الاجتماعي الذهني الذي يعتمد على تأويل الفرد ونظرته إلى نَفْسِه وتَصَوُّره عن الحياة . والواقعُ يَختلف عن عملية تأويله ، والأحداث اليومية تَختلف عن مراحل تفسيرها . وإذا استطاعَ التفاعلُ الرمزي في المجتمع إقامةَ حَد فاصل بين الشَّيء وتفسيره ، وبعبارة أُخرى، الفَصْل بين الطريق والطريقة ، فإنَّ الظواهر الثقافية في البُنية الاجتماعية سَوْفَ تَتَحَرَّر مِن الافتراضات التقليدية . وعندئذ ، تُصبح الأفعالُ الاجتماعية نظريات وُجودية ديناميكية قادرة على تحويل أنساق المعاني إلى مضامين معرفية في الإطارِ النَّفْسي للفرد ، والبناءِ الحضاري للمُجتمع .

3

     العلاقاتُ الاجتماعية هي صُوَر ظاهرية تتحرَّك في صَيرورة التاريخِ الجُزئي ( الأحداث اليومية) والتاريخِ الكُلِّي (الوقائع الوجودية ). وينبغي البحث عن جُذور هذه الصُّوَر ، وأُسُسها المعرفية ، مِن أجل كشف أبعاد ماهيَّة التفاعل الرمزي في فلسفة الفِعل الاجتماعي ، التي تُوَازِن بين العامل الوِجداني الذي يُعبِّر عَن شخصية الفرد وهُويته وكَينونته ، وبين العامل اللغوي الذي يُعبِّر عن وسائل التفاهم وأدوات المعرفة وخُصوصية البناء الاجتماعي . وعمليةُ التوازن بين العامل الوِجداني والعامل اللغوي لا يُمكن أن تتكرَّس كَنَسَق فردي وسِياق جماعي ، إلا إذا اعتمدَ السُّلُوكُ على الوَعْي ، واعتمدَ الوَعْي على الخِبرة ، التي تتعلَّق بِتَصَوُّرِ الفرد عن ذاته ومُحيطه ، والتبادلِ الثقافي بين الأفراد . وبذلك ، يجد الفردُ إنسانيته ، ويُصبح ذَاتًا فاعلة تَملِك الجُرأةَ على مُساءلة معايير المجتمع وأنساق الثقافة وأنماط الظروف المعيشية .

07‏/05‏/2022

تحول الأنماط الثقافية في المجتمع

 

تحول الأنماط الثقافية في المجتمع

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

......................... 

1

     الأنماطُ الثقافية في المجتمع تَحكُم على سلوك الإنسان إيجابًا أوْ سلبًا ، وتتحكَّم بأنساق الشعور في داخل الإنسان ، وتُنظِّم العناصرَ الاجتماعية في سِياقات فكرية مُتكاملة ومعايير أخلاقية مُتماسكة ، مِمَّا يُولِّد تيَّاراتٍ وجودية تُعيد بناءَ مصادر المعرفة فرديًّا وجماعيًّا ، ويُنتج تفاعلاتٍ لغوية تُعيد بناءَ جَوهر المَعنى رُوحيًّا وماديًّا ، فتنشأ علاقات إنسانية مصيرية ذات تماس مُباشر معَ مسار الثقافة في المضامين النفسيَّة والأحداث اليوميَّة. والتكاملُ الثقافي لا يتكرَّس في المجتمع إلا في ظِل روابط وجدانية مُتبادلة بين الفرد والجماعة ، تصنع واقعًا جديدًا قادرًا على احتضان الفِكر والسلوك ، وتحقيق أحلام الفرد الكامنة في أعماقه ، التي تَظهر آثارُها في خصائص المجتمع وهُويته المُمَيَّزَة . وإذا كانت خصائص المجتمع تُعبِّر عن المضامين النفسيَّة ، فإنَّ هُوية المُجتمع تُعبِّر عن الأحداث اليوميَّة ، وهذا يُؤَسِّس وَعْيًا حقيقيًّا بأهمية تتبُّع أحلام الفرد في كِيان المُجتمع ، ويُجذِّر إدراكًا معرفيًّا لطموحات المجتمع في كَينونة الفرد .

2

     إذا صارت الأنماطُ الثقافية ماهيَّات اجتماعية ومعايير سلوكية ، فإنَّ هذه الأنماط ستصير ظواهر واقعية ، يعيش الإنسانُ فيها حُلْمًا قابلًا للتحقيق ، ويعيش معها تاريخًا قابلًا للتطبيق . وثنائيةُ ( الحُلْم / التاريخ ) تَمنح الفِعْلَ الاجتماعي القُدرةَ على بناء الشعور والإدراك ، وتكوينِ الوَعْي بهما ، مِن أجل تحليل الاتجاه العام للعلاقات الاجتماعية ، والبُنى الوظيفية للمجتمع ، والأدوار المركزية للفرد في واقعه المُعَاش ومُحيطه المعرفي ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تحليل شخصية الفرد وسُلطة المجتمع ، في ضَوء الحقائق الاجتماعية التي تَقُوم على البناء العقلاني والوظيفة الحياتية ، وضرورة تفسيرهما كَمًّا ونَوْعًا ضِمن منهج التحليل النَّفسي الاجتماعي ، لأنَّ الفرد لا يَستطيع التَّحَرُّرَ مِن نَفْسِه ، ولا يَقْدِر على الإفلات مِن تأثير مُحيطه .

3

     عمليةُ تَحَوُّل الأنماط الثقافية إلى ظواهر ثقافية تُمثِّل فِعلًا اجتماعيًّا مُرَكَّبًا، يَؤُول إلى نسق وجودي مُترابط ضِمن صَيرورة التاريخ ، الذي يصير وَحدةً معرفية مُتكاملة ، مِن شأنها تفعيل الحراك الاجتماعي الإيجابي ، وضبط التغيُّرات السريعة في المصالح الشخصية الجُزئية والمنافع الجماعية العامَّة ، ومنع التعارض بينهما ، للحفاظ على الترابط بين الفرد والمجتمع . وعِندما يَؤُول الفِعْل الاجتماعي إلى نَسَق وجودي ، فلا بُد أن يَظهر التأويلُ كنظام لغوي لفهم هُوية الفرد وشخصيته اللتَيْن تُشكِّلهما العلاقاتُ الاجتماعية . وهذا التأويلُ _ في حقيقته _ تفاعلٌ لُغوي بين اللغة والفرد والمجتمع. والتفاعلُ اللغوي لا يَصير تفاعلًا اجتماعيًّا إلا باندماج الطاقة الرمزية اللغوية معَ أحلام الفرد، وامتزاج أحلام الفرد بطموحات المجتمع . وهكذا تنشأ فلسفة إنسانية مُتماسكة وجوديًّا ومعرفيًّا ، وقائمة على أساس الوعي بالذات والآخَر معًا . وشرعيةُ هذه الفلسفة الإنسانية مُستمدة مِن وظيفةِ الفرد في تَكوين سُلطة المجتمع، ودَورِ المُجتمع في تشكيل شخصية الفرد . وهذه الشرعيةُ تشتمل على القِيَم المعرفية للحوار العقلاني ، والمعايير الأخلاقية للحرية الشخصية ، والجذور التاريخية للوَعْي الاجتماعي ، والعناصر الوجودية للمنفعة العامَّة.وهذه المُكوَّنات هي التي تُشكِّل مَادَّةَ النسيج الاجتماعي الفردي والجماعي، وتُوظِّفها في تفاصيل الحياة لاستعادة القِيَم الإبداعية المنسية في المجتمع . وكُلُّ مجتمع يشتمل على عناصر نهضته في داخله، ولكن ينبغي التنقيب عنها ، وبَعْثها مِن جديد ، للاستفادة مِن إمكانياتها وأبعادها وطاقتها الخلاقة . كما أنَّ كُل فرد يشتمل على بُنية رمزية غامضة في وَعْيه وشُعوره ، ولكن ينبغي استخراجها وتوضيح دَلالاتها في المفاهيم اللغوية التي تتقاطع مع هُوية المجتمع وتاريخ أفراده . وهذا الأمر ضروري لتحقيق التوازن بين الحرية الشخصية للفرد والصالح العام . وبعبارة أُخرى ، تحويل الأنماط الثقافية إلى علاقات اجتماعية بين الحقوق والواجبات .