سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] الديانات في القرآن الكريم [16] بحوث في الفكر الإسلامي [17] التناقض في التوراة والإنجيل [18] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [19] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [20] عقائد العرب في الجاهلية[21]فلسفة المعلقات العشر[22] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [23] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [24] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [25]مشكلات الحضارة الأمريكية [26]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[27] سيناميس (الساكنة في عيوني)[28] خواطر في زمن السراب [29] فلسفة المتنبي الشعرية [30] أشباح الميناء المهجور (رواية)[31]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

23‏/04‏/2025

مواطن عاطل عن الوطن

 

مواطن عاطل عن الوطن

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     أنا الجُنديُّ المَهزومُ / قَتَلَنِي الصَّدَأُ في الأوسمةِ العَسكريةِ / والصَّدى يَمشي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ في المُدُنِ المهجورةِ / تَرْكُضُ أشلاءُ رُوحِي وشَظَايا قَلْبي في أزِقَّةِ المِيناءِ / كَفِئرانِ السَّفينةِ الخائفةِ مِن أشِعَّةِ القَمَرِ / والجَرَادُ يَأكُلُ خُدُودَ العَرَائِسِ بَيْنَ ذَاكِرَةِ المَسْلَخِ وَبَلاطِ المَطْبَخِ /

     خَانتني مَناديلُ الوَدَاعِ في مَرَافِئِ الكَهْرَمان / والرُّتَبُ العَسكريةُ تُزَيِّنُ جُثَثَ الجُنودِ المجهولةَ / والحَرْبُ الأهْلِيَّةُ بَيْنَ نَبَضَاتِ قَلْبي / تَمْنَعُنِي مِنَ النَّوْمِ في لَيالي الصَّقيعِ / وَصَوْتُ المطرِ يَرْمي أظافري في حَنجرةِ النَّهْرِ/ أركضُ إلى أحزانِ الطُّفولةِ/ كَي أُضِيءَ الشُّموعَ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَحْدَهُ الاحتضارُ هُوَ الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ / وصُنْدُوقُ بَرِيدي كَبَوَّابَةِ المقبرةِ / كِلاهُمَا يَمْشِي إلى الصَّدَأ والصَّدى / وَكُلَّمَا دَخَلْتُ إلى مَقبرةٍ قَرَأتُ اسْمِي على شَوَاهِدِ القُبورِ / قَبْرِي مِن زُجاجٍ / وَدِمَائي مِطْرَقَةٌ / أيُّهَا المَلِكُ المَخلوعُ/ ضَاعَت المَمْلَكَةُ الذهبيةُ / فَلا تَبْحَثْ عَن الأغاني الوطنيةِ / مَاتت الدَّوْلَةُ / فَلا تَبْحَثْ عَن مَحكمةِ أَمْنِ الدَّوْلَةِ / انكَسَرَت الذِّكرياتُ / فَلا تَبْحَث عَن المُخَابَرَاتِ / انتَهَت الحِكَايَاتُ / فَلا تَبْحَثْ عَن المَسْبِيَّاتِ /

     كَسَرَ الرَّاعي مِزْمَارَهُ / وَمَاتَ بَيْنَ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ وَعِطْرِ اليَاسَمِين / وَقَطيعُ الأغنامِ يَسِيرُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / وَمِيضُ البَرْقِ يَنْعَكِسُ عَلى الهاويةِ الفِضِّيةِ/ رَمَيْنَا جَثَامِينَ الجُنودِ في حُفَرِ المَجَاري / رَمَيْنَا الأوسمةَ العسكريةَ في حَاوِيَةِ القُمامةِ / والفُقَرَاءُ يَبْحَثُونَ عَن الخُبْزِ في المَزَابِلِ / وَيَأكُلُونَ نُهُودَ نِسَائِهِم / بَيْنَ سِحْرِ الحَضَارَةِ المُقَدَّسِ وَدُسْتُورِ بَرَامِيلِ النِّفْطِ / والعَوَانِسُ يَنْتَظِرْنَ الجُنودَ الذينَ لَن يَعُودُوا مِن المعركةِ / والدُّوَيْلاتُ اللقيطةُ يَحْكُمُهَا البَدْوُ الرُّحَّلُ ورُعْيَانُ الغَنَمِ /

     دَمِي المَنثورُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / يَحْمِيهَا مِنَ العَفَنِ والصَّدى / حَوَاسِّي مُتَوَحِّشَةٌ في المساءِ الحزينِ/وفي دَاخِلِي عَالَمٌ مُوحِشٌ/مَا الفَرْقُ بَيْنَ ضَرِيحٍ مِنَ السِّيراميكِ وضَرِيحٍ مِنَ الرُّخامِ ؟/ يَغسِلُ الأغرابُ جُثماني في نَهْرِ الدُّموعِ / وضَوْءُ القَمَرِ غَسَلَ يَدَيْهِ مِن النِّساءِ الصاعداتِ إلى بَرِيقِ المِقصلةِ / النَّازلاتِ إلى رَائحةِ أعشابِ المَدَافِنِ /

     كُنْ رُومَانسِيًّا واعْشَقْ ذِكْرَيَاتِكَ / قَبْلَ أن تَزُورَكَ القاتلةُ الغامضةُ في قَلْبِ الليلِ / أنا الطِّفْلُ اليتيمُ/ أبيعُ كُرَيَاتِ دَمِي على إشاراتِ المُرورِ/ كَي أشتريَ أكفانًا لأبي الذي تَفَرَّقَ دَمُهُ بَيْنَ القَبائلِ/ عِشْتُ كَي أحْسُبَ عَدَدَ الضَّحَايا / لا تاريخَ للقطيعِ إلا الكُوليرا / تَحَطَّمَتْ أُنوثةُ السنابلِ بَيْنَ المِكْيَاجِ والنِّعَاجِ / والعَبِيدُ يَزْرَعُونَ أظافِرَهُم في لُحُومِ الأمِيرَاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ .

22‏/04‏/2025

أغنية من زمن الرصاص

 

أغنية من زمن الرصاص

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     بَنَى السَّرابُ عَرْشًا مِن زُجاجِ القِطَارَاتِ / وأنا المَلِكُ المَخلوعُ / أجْلِسُ عَلى مَقْعَدٍ خَشَبِيٍّ في مَحطةِ القِطَارَاتِ الجليديةِ / لا أنتظرُ أحَدًا / ولا أحَدٌ يَنْتَظِرُني /

     أنا الجُنديُّ المَجهولُ بِلا أوسمةٍ ولا مُعْجَبَاتٍ / أنا الجُنديُّ المقتولُ بِلا أضرحةٍ ولا ذِكرياتٍ / جُثَثُ الأُمَّهَاتِ في ثَلاجةِ المَطْبَخِ / وَدَمُ الحَيْضِ السَّاخِنُ على البَلاطِ البَارِدِ / وأشلاءُ الأطفالِ في صُحُونِ المَطْبَخِ / قَصَفَت الطائراتُ زُجَاجَ النَّوافِذِ / وعُمَّالُ الإنقاذِ يَبْحَثُونَ عَن الضَّحايا تَحْتَ أنقاضِ حَنْجَرَتي / أَحْمِلُ أوتادَ خَيْمَتي / وأرْحَلُ مِن شَظَايا رِئتي إلى خُدُودِ المَوْجِ المكسورةِ / آثارُ خُطُوَاتِ النَّوارِسِ على ثَلْجِ الدِّمَاءِ المُخْمَلِيَّةِ/ والزَّوابعُ تَبني مُسْتَقْبَلَهَا في أعشابِ المَدَافِنِ / وقُطَّاعُ الطُّرُقِ سَرَقُوا أسنانَ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ/وأنا الغريبُ/مُتُّ قَبْلَ مِيلادي / وُلِدْتُ بَعْدَ مَوْتي /

     صَوْتُ المطرِ يَتَدَاخَلُ مَعَ صَوْتِ الكَمَانِ في المساءِ الحزينِ/ وَصَوْتُ الرَّصاصِ يُمَزِّقُ قَلْبَ الليلِ/ لا أبناءَ لي أُوَرِّثُهُم فَيْرُوسَ الحضارةِ القاتلَ/ لا أبناءَ لي أُوَرِّثُهُم جُرْثُومةَ الوَطَنِ القاتلةَ /  فَكُنْ رُومَانسِيًّا يا حَارِسَ المَقبرةِ/ حِينَ يَتَزَوَّجُ الخريفُ أشجارَ المقبرةِ / كُنْ عَاطِفِيًّا يا حَفَّارَ القُبورِ / حِينَ يَغتَصِبُ الصَّدَأُ بَوَّابَةَ المقبرةِ / البَحْرُ سَجَّاني وشَقِيقُ حُزني في المساءِ الغريقِ / وأنا أَسْبَحُ في دِمَائي بِلا طَوْقِ نَجَاةٍ/وأركضُ في الليلِ تَحْتَ الأمطارِ الأخيرةِ كَي أُؤرِّخَ للمَوْتِ/انكَسَرَتْ عُرُوشُ السَّرابِ/ والحَمَامُ الزَّاجِلُ يُفَتِّشُ عَن الرَّسائلِ الغَرَامِيَّةِ / التي كَتَبَهَا الخُلَفَاءُ المَهْزُومُونَ للجَوَاري تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / وَفَوْقَ خَشَبَةِ الإعدامِ /

     ضَاعَ وَطَني في مَرْفَأ جَثامينِ البَحَّارةِ / فصارتْ لُغَةُ العصافيرِ وَطَني / انكَسَرَ قَلْبي بَيْنَ فِئرانِ السَّفينةِ وشُيوخِ القبائلِ/ فصارتْ أبجديةُ الرَّحيلِ قَلبي/ضَاعَتْ بلادي/واقْتَلَعَت الرِّياحُ أوتادَ خَيْمتي/ فَصَارَت القصيدةُ بِلادي / التي أعيشُ فِيها / وأمُوتُ فِيها / عِشْ في لُغَتِكَ أيُّها الذِّئبُ المَنْفِيُّ / لَن تَأتِيَ لَيْلَى/ والزَّوابعُ نَكَّسَتْ أعلامَ القبائلِ/ فَلْتَكُنْ أشلاؤُكَ أثاثًا لأحلامِ الطُّفولةِ في قَاعِ المُسْتَنْقَعِ/ الذي تَحْرُثُهُ أشِعَّةُ القَمَرِ / أنا حارسُ المقبرةِ / أدْهَنُ بَوَّابَةَ المقبرةِ بِدَمِي الطازَجِ / كَي أحْمِيَهَا مِنَ الصَّدَأ / سَنَظَلُّ رُومانسِيِّين / ونُوَاصِلُ استخراجَ الجُثَثِ مِن تَحْتِ أنقاضِ قُلُوبِنا / سَنَظَلُّ صادقين / ونَكْذِبُ عَلى حَفَّارِي قُبورِنا / نُعُوشُنا مُزَرْكَشَةٌ / وشَوَاهِدُ قُبُورِنا مُزَخْرَفَةٌ / وجَدائلُ أُمَّهاتِنا تَحْتَ أنقاضِ بُيُوتِنا/ أنامُ على سَطْحِ بَيْتي في نَزِيفِ الطُّفولةِ البَعيدِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الأخيرةِ / وأزرعُ أظافري في جِلْدِ الذِّكرياتِ/ وأُمِّي نَسِيَتْ حَبْلَ الغسيلِ بَيْنَ قَلْبي وقَبْري / وذَهَبَتْ إلى المَوْتِ .

21‏/04‏/2025

النساء كثيرات لكن قلبي واحد

 

النساء كثيرات لكن قلبي واحد

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     لَمْ أتَطَهَّرْ مِن ضَجِيجِ نَبَضَاتِ قَلْبي في لَيْلِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / تَبْني النُّسورُ أعشاشَها في أنقاضِ قَلْبي / وَتَخُونُني جِيَفُ الخُيُولِ الخَشَبِيَّةِ عَلى قَشِّ الإسْطَبْلاتِ/ وَدُمُوعُ اللبُؤَاتِ خَانَتْ مِلْحَ البَحْرِ/ لا مُسْتَقْبَلَ للطحالبِ إلا المُسْتَنْقَع / نُهُودُ جَوَاري القُصُورِ مِنَ أسْمَنْتِ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ/ لَكِنَّ المَوْجَ هَدَمَ القُصورَ الرَّمليةَ / ومَاتَ الأطفالُ على شُطآنِ الغُروبِ / بَرِيقُ نَصْلِ المِقْصَلَةِ في لَيالي الشِّتاءِ / وحَبْلُ المِشْنَقَةِ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُهَا المَلِكَةُ البَاكِيَةُ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ /

     سَلامًا أيَّتُها الذِّئبةُ الغريبةُ التي تَمُرُّ بِجَانِبِ تابوتي المَنْسِيِّ عَلى الرَّصيفِ/ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ الأُرْجُوَانِيَّةِ / أركضُ في أزِقَّةِ المِيناءِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الأخيرةِ / كَي أُصَفِّيَ حِسَابَاتي مَعَ البَحْرِ والذِّكرياتِ ومَناديلِ الوَدَاعِ / والإعصارُ يَبْحَثُ في حُطَامِ سَفِينتي عَنِ الفِئرانِ التي أَكَلَتْ خُدُودَ النِّسَاءِ / وتتناثرُ القلوبُ المكسورةُ في الحِكَايَاتِ / كَمَا تتناثرُ حَبَّاتُ الرُّمَّانِ في الأمطارِ /

     صَوْتُ المطرِ يُحْرِقُ المِلْحَ في دُمُوعي / مَاتَ الرِّجالُ / زَرَعْنَاهُم في المَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ / وشَوارعُ الطاعونِ خاليةٌ إلا مِنَ الرِّياحِ / والقَنَّاصُ يُطْلِقُ الرَّصاصَ على الحَشَرَاتِ بَعْدَ مَوْتِ البَشَرِ / أنا النَّاجي الوحيدُ مِنَ المَذبحةِ/ نَجَوْتُ كَي أكتبَ قصائدَ الرِّثاءِ للغُرَبَاءِ / وأخترعَ تاريخَ الضَّحايا المَنْسِيِّين / وَأَرْسُمَ جُغرافيا أحْزَانِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ/ وأحْصُلَ على الأوسمةِ الصَّدِئَةِ/ وأعيشَ مُؤرِّخًا للأرضِ المَحروقةِ والجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ / أنا مُؤرِّخُ الخَرَابِ / مَهْزُومٌ أنا لَكِنِّي أمشي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / لا نِسَاءٌ يُلْقِينَ عَلَيَّ أكاليلَ الغَارِ / ولا رِجَالٌ يُؤَدُّونَ التَّحِيَّةَ العَسكريةَ لِنَعْشِي /

     أبْحَثُ عَن السَّبايا كَي نَبكيَ في مَملكةِ الذِّكرياتِ/وسَوْفَ يَنمو الكَرَزُ بَيْنَ أعشابِ الأضرحةِ/ أنا الرَّعْدُ الأخيرُ في مَرْفأ الأكْفَانِ / أقْضِي وَقْتَ الفَرَاغِ في تَزيينِ أشجارِ المَقبرةِ وَزَخْرَفَةِ النُّعوشِ / وكانَ عَلَيَّ أنَّ أعْرِفَ أنَّ القَنَّاصَةَ مُنْتَشِرُونَ في أبراجِ الكَنائِسِ / وأنَّ جَدَائِلَ الرَّاهباتِ مُعَلَّقَةٌ على حِيطانِ غُرفةِ الاعترافِ / كالبَراويزِ الخشبيةِ التي يَأكُلُهَا البَقُّ / ضَاعَت الرَّسائلُ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ يَبِيضُ في كُرَيَاتِ دَمِي / التي تأخذُ لَوْنَها مِن وَمِيضِ البَرْقِ / فَوْقَ تِلالِ وَطَنِي الضَّائعِ / كأرملةٍ مَنْسِيَّةٍ كالصَّقيعِ في مَحطةِ القِطَاراتِ / تَذهبُ القِطاراتُ ولا تَعُودُ / وَمَدِينةُ الخَوْفِ تُولَدُ بَيْنَ صَفِيرِ القِطاراتِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ / ولا وَقْتَ أمامَ السَّرابِ كَي يَغتَصِبَ الصَّحراءَ / جَماجمُ العبيدِ في نَشِيدِ الرِّمَالِ / وحَليبُ السَّبايا في بَراميلِ النِّفْطِ / وأنا النَجَّارُ الأخيرُ في الموانئِ الغارقةِ / صَنَعْتُ التَّوابيتَ / وكَسَرْتُ الصُّلْبَانَ .

20‏/04‏/2025

تفاحة على الصليب

 

تفاحة على الصليب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

     البَحْرُ عَاجِزٌ جِنْسِيًّا/ لَكِنَّهُ أَنْجَبَ الذِّكرياتِ في مُدُنِ الرَّمَادِ / والأمواجُ تَخُونُ البَحْرَ مَعَ جُثمانِ الإعصارِ / أيُّها البَحَّارُ المشلولُ / لَمْ يَعُدْ في السَّفينةِ غَيْرُ الفِئرانِ / فَكَيْفَ تَهْرُبُ مِن جِلْدِكَ ؟ / كَيْفَ تُهَرِّبُ أحْزَانَكَ ؟ / إنَّ الغريقَ لا يُنقِذُ الغريقَ / أنا والسَّرابُ يَتيمان/ لأنَّ أُمَّنَا الصَّحراءَ ماتت في دِمائي المُتَحَرِّكَةِ كالرِّمَالِ المُتَحَرِّكَةِ / وَلَمَعَانُ أظَافِرِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى يُضِيءُ أزِقَّةَ المِيناءِ أمامَ فِئرانِ السَّفينةِ/جُثَثُ الجُنودِ مَجهولةٌ/والأوسمةُ العَسكريةُ تُزَيِّنُ نُهُودَ الرَّاقِصَاتِ في مَلْهَى الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ /

     دُمُوعُ الأراملِ تَنْهَمِرُ في الشَّايِ بالنَّعناعِ / الذي يَشْرَبُهُ حَفَّارُو القُبورِ / أثناءَ حَفْرِ القُبورِ تَحْتَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ / بَيْنَ شِتَاءِ الأحزانِ البَعِيدِ وأحلامِ الطُّفولةِ المَيْتَةِ / والجَرَادُ يَأكلُ أكفانَ الصَّبايا / الطاهراتِ كَحَبْلِ المِشنقةِ / اللامعاتِ كَنَصْلِ المِقصلةِ /

     أيُّهَا البَحْرُ المقتولُ في حُطَامِ القُلوبِ أوْ حُطَامِ السُّفُنِ / ماتَ الذينَ سَيَأخُذُونَ بِثَأرِكَ / وَصَدَأُ بَوَّابَةِ المقبرةِ يَتَزَوَّجُ دِمَائي / أُفَتِّشُ عَن ضَرِيحِ الفَراشةِ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ / وأُشَرِّحُ جُثمانَ البُحَيرةِ في عِيدِ الحُبِّ / حَيْثُ مَاتَ العُشَّاقُ / وَسَالَ حِبْرُ الرَّسائلِ الغَرَامِيَّةِ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ وَرَغْوَةِ القَهْوَةِ /

     العَبِيدُ يُضَاجِعُونَ السَّبايا تَحْتَ المَطَرِ / قُرْبَ أعلامِ القَبائلِ المُنْقَرِضَةِ / وَطُيُورُ البَحْرِ هَاجَرَتْ مِن هَيْكلي العَظْمِيِّ / كَيْفَ أتَنَفَّسُ الذِّكرياتِ والإعصارُ يَصُبُّ رَمْلَ البَحْرِ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ ؟ / سَتَكُونُ جُثتي غَنِيمةَ حَرْبٍ تَحْتَ رَايَاتِ النِّفْطِ المُنَكَّسَةِ / يا بِلادَ السَّرابِ المَنذورةَ لحالةِ الطوارئِ/ يا وَطَنَ الخديعةِ المَتروكَ للأحكامِ العُرفيةِ/ مَتَى تَخْرُجُ الرِّمَالُ الزَّرْقَاءُ مِن شَهيقِ السَّنابلِ الأخْضَرِ ؟/  مَتَى تَخْرُجُ أضرحةُ السِّيراميكِ مِن كُرَيَاتِ دَمِي ؟ / مَتَى يَخْرُجُ التُّفَّاحُ مِن شَوَاهِدِ القُبورِ ؟ /

     أُمِّي زَرَعَت النَّخيلَ في أشلائي / وماتتْ في الغَيْمِ الأحمرِ / وأكْفَاني صَارَتْ حَديقةً للأيتامِ / ويَبْحَثُ ضَوْءُ القَمَرِ عَنِّي بِوَابِلٍ مِنَ الرَّصاصِ/ والشَّركسياتُ يَبْحَثْنَ عَن مَساميرِ نَعْشي بالشُّموعِ /

     جَسَدي للصَّحراءِ / وقَلبي للسَّرابِ / وَدِمَائي هِيَ الوَاحَةُ التي يَجْلِسُ فِيهَا مُلُوكُ الطوائفِ وأُمَرَاءُ الحُرُوبِ / دَمْعي هُوَ الصَّوْلَجَانُ المكسورُ / وتابوتي هُوَ العَرْشُ الضَّائعُ / فَابْحَثْ عَنِّي تَحْتَ أنقاضِ قَلبي / لَمْ يَعُدْ لَدَيَّ بَيْتٌ كَي أُفَتِّشَ تَحْتَ أنقاضِهِ عَن جَدَائِلِ أُمِّي /

     أنا وَرِيثُ الجُرْحِ الذي لا يَلْتَئِمُ/ أنا النَّزِيفُ المسكوبُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / أُحَاوِلُ الخُرُوجَ مِن حِصَارِ الصَّدى لأشلائي / أُحَاوِلُ الهُرُوبَ مِن مُرَاقَبَةِ الصَّدَأ لِرُفَاتي/ والمِلْحُ في دُمُوعي يُصَفِّي حِسَابَاتِهِ مَعَ المَاضِي الذي لا يَمْضِي / وَالحُزْنُ حَاضِرٌ في الغِيَابِ الذي لا يَغِيبُ .

19‏/04‏/2025

ما فائدة الرومانسية إذا كان قلبي ميتًا ؟

 

ما فائدة الرومانسية إذا كان قلبي ميتًا ؟

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     رَنينُ أسوارِ المقابرِ مِثْلُ رَنِينِ أساورِ الفَتَيَاتِ / الصَّدَأُ يأكلُ بَوَّابةَ المقبرةِ / والصَّدى يَلْتَهِمُ قَفَصِي الصَّدْرِيَّ/ أنا صَدى مَناديلِ الوَدَاعِ/ التي تُلْقِيها النِّساءُ عَلى جُثَثِ البَحَّارةِ / وَصَوْتُ المَوْتِ في أعماقي / لأنَّ البَحْرَ يُنادي عَلَيَّ في المساءِ الدَّامي/ وَعُشْبُ الأضرحةِ يَنمو بَيْنَ الأسنانِ الذهبيةِ للنِّساءِ المُغتَصَبَاتِ/ أنا الجائعُ/ أَكَلْتُ جُثمانَ الزَّوبعةِ/ أنا العَطْشَانُ / شَرِبْتُ دَمَ الرِّياحِ /

     الطريقُ إلى البَحْرِ مُغلَقٌ بالحواجزِ العسكريةِ والتَّوابيتِ المُزَخْرَفَةِ / فَكُنْ شُطآنَ الرَّحيلِ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / أحلامُ الطُّفولةِ رِمَالٌ مَمْزُوجَةٌ بِدَمِي/والسَّلاحفُ نَسِيَتْ بُيُوضَها في أوعيتي الدَّمويةِ / والأيتامُ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ بَيْنَ الأظافرِ الفِضِّيةِ والأضرحةِ الرُّخاميةِ / ابتلعَ البَحْرُ الأيتامَ/ وَهَدَمَ المَوْجُ القُصورَ الرَّمليةَ/ والضَّحِيَّةُ تَتَقَمَّصُ جَلَّادَهَا / والبُحَيرةُ مُعْجَبَةٌ بالحُزْنِ الذي اغْتَصَبَهَا / وأنا البَحَّارُ المَنبوذُ / لا أخافُ مِنَ العاصفةِ / أخافُ مِنَ الهُدُوءِ الذي يَسْبِقُ العاصفةَ / 

     أرى الجُنودَ وَهُم يَسْحَبُونَ الجُثَثَ مِن تَحْتَ أنقاضِ البُيُوتِ / أرى الجَرَادَ وَهُوَ يَسْحَبُ جُثماني مِن أحلامِ الطُّفولةِ / أُمِّي تُطَارِدُ أحزانَهَا بَيْنَ أنقاضِ الحُلْمِ وأنقاضِ قَلْبي / والعصافيرُ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ حِبَالِ المشانقِ وحِبَالِ الغسيلِ/والنَّهْرُ غَسَلَ يَدَيْهِ مِنَ الظِّبَاءِ لِكَيْلا تَأتِيَهُ الطَّعْنَةُ في الظَّهْرِ/ يُهَاجِمُ طَيْفُ الشَّركسياتِ قَلبي المكسورَ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ وأوراقِ الخريفِ / دَمِي حَرْفٌ مَجهولٌ في أبجديةِ الأنقاضِ / وأُنوثةُ حِبَالِ المَشَانِقِ تَتَمَزَّقُ بَيْنَ أعْقَابِ البَنَادِقِ وأعْقَابِ السَّجَائِرِ /  وَالرَّاعِي حَطَّمَ مِزْمَارَهُ / وَقَادَ القَطِيعَ إلى الهاويةِ اللازَوَرْدِيَّةِ /

     صَوْتُ المطرِ يُفَجِّرُ كُرَيَاتِ دَمِي / وأشجارُ المقابرِ تَصْعَدُ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي / صَوْتُ الرَّصاصِ لَمْ يَهْدَأ في قَلْبِ الليلِ/ احترقَ قَمِيصُ النَّوْمِ بالدُّموعِ المالحةِ / وَصَارَ الأرَقُ تاريخًا لِمَن لا تاريخَ لَهُ / وَبَرِيقُ المقاصلِ يَنْكَسِرُ بَيْنَ أحلامِ الطُّفولةِ وأحلامِ اليَقَظَةِ /

     الزَّوابعُ الفِضِّيةُ تَجْمَعُ عِظَامَ الأمْوَاتِ كَطَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادِرَةِ / وَشَوَاهِدُ القُبُورِ البَازِلْتِيَّةُ صَارَتْ لَوْحَاتٍ زَيْتِيَّةً في مُتْحَفِ الحَرْبِ الأهْلِيَّةِ / والتَّوابيتُ الشَّمعيةُ في مُدُنِ السَّرابِ / والجُثَثُ المَعْدِنِيَّةُ مَصْفُوفةٌ على رَصيفِ المِيناءِ كَصَنَادِيقِ الخُضَارِ/ والإعصارُ فَتَحَ لِطُيُورِ البَحْرِ بَابَ قَفَصِي الصَّدْرِيِّ /

     خَانَتْ قَلْبي الرِّمالُ المُتَحَرِّكَةُ / وَخَذَلَتْنِي فَرَاشَاتُ الرَّحيلِ / دَمُ العَصافيرِ المُلَوَّنةِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وأنا غُربةُ المِلْحِ في دَمْعِ الزَّوابعِ / لَكِنِّي لَمْ أَخُن المِلْحَ في خُبْزِ أُمِّي / فلا تَكْرَهِيني يا تِلالَ بِلادي الضَّائعةِ .

18‏/04‏/2025

متحف المقابر الجماعية

 

متحف المقابر الجماعية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     المَطَرُ القِرْمِزِيُّ يَسْقِي مَقَابِرَ الغُرَبَاءِ / فَيَنْمُو النَّعناعُ في ثُقوبِ شَوَاهِدِ القُبورِ / أَنقِذْنِي يا ضَوْءَ القَمَرِ مِن أشلائي الكريستالِيَّةِ / شَراييني مُوحِشَةٌ / وَدَمِي مُتَوَحِّشٌ / والخَنَاجِرُ التي تتكاثرُ في شَهيقي وَزَفيري / تَرْسُمُ وُجُوهَ الأمواتِ على زُجاجِ نافذتي / والزَّوابعُ تَرْسُمُ دُمُوعَ العَصَافِيرِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ/والضجيجُ الذي تُلْقِيهِ نَبَضَاتُ قَلْبِي عَلى وِسَادتي يَمْنَعُنِي مِنَ النَّوْمِ/ذَهَبَ أبي إلى المَوْتِ/وَبَقِيَ مُسَدَّسُهُ تَحْتَ الوِسَادَةِ/ذَهَبَتْ أُمِّي إلى المَوْتِ/ وَبَقِيَتْ أَسَاوِرُهَا في صُحُونِ المَطْبَخِ/

     في لَيْلِ الانقلاباتِ العسكريةِ / لَمْ يُفَرِّق الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلكةَ على إشاراتِ المُرُورِ / بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ وَصَوْتِ الرَّصَاصِ / كُلَّمَا سَمِعْتُ صَوْتَ المَطَرِ تَفَجَّرَتْ أصواتُ المَوْتَى في جِلْدِي/ وَرَأيْتُ في لَمَعَانِ أظافري خُدُودَهُم التي سَيَأكُلُهَا الدُّودُ / لا أبكي على المَوْتَى / أبكي على نَفْسِي / تَنَاثَرَتْ كُرَيَاتُ دَمِي في مَرفأ الجِرذان / كَمَا تَنَاثَرَتْ حَبَّاتُ الرُّمَّانِ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ الوَهَّاجَةِ / والذِّئبةُ تنتظرُ نُمُوَّ ثَدْيَيْهَا كَي تَفْتَخِرَ بِهِمَا في سُوقِ النِّخَاسَةِ / وَتُتَاجِرُ بِهِمَا في بُورصةِ الرَّقيقِ الأبيضِ/ ويَجُرُّ الأطفالُ نُعُوشَ أُمَّهَاتِهِم في طُرُقَاتِ الطاعون/ وضَفَائِرُ الغَزَالاتِ تتطايرُ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ التي يُلَمِّعُهَا ضَوْءُ القَمَرِ / وَبَيْنَ أعمدةِ الكَهْرَبَاءِ التي حَطَّمَهَا الإعصارُ /

     قُتِلَ النَّهْرُ في اشتباكٍ مُسَلَّحٍ مَعَ الذِّكرياتِ / قَتَلْنَاهُ وَمَشَيْنَا في جِنَازَتِهِ / أنا المَنْفَى في أوراقِ الخريفِ / أنا المَنْفِيُّ في قَطَرَاتِ المَطَرِ / أركضُ في شَراييني النُّحاسيةِ / وأتدرَّبُ على كِتابةِ قَصائدِ الرِّثاءِ / وأَزُورُ أطلالَ قَلْبي في عِيدِ السَّرابِ / حِينَ تَرْحَلُ أحلامُ الطُّفولةِ مِن قَمْحِ الغُزاةِ إلى سَنابلِ الغُروبِ / وأُحَنِّطُ أشلائي في لَوْحَاتِ المَتَاحِفِ / حِينَ تُهَاجِرُ الشَّركَسِيَّاتُ مِن أُغْنِيَاتِ الرَّحِيلِ إلى غَابَاتِ الشَّفَقِ /

     الأُمَّهاتُ واقفاتٌ في طَوابيرَ أمامَ الحاجزِ العسكريِّ لاستلامِ جَثامينِ أبنائِهِنَّ / والعبيدُ واقفونَ في طَوابيرَ أمَامَ قَصْرِ المَلِكِ المَخلوعِ لاستلامِ بَراميلِ النِّفْطِ/ وأنا النَجَّارُ الأخيرُ في مَدينةِ السَّرابِ/ جِئْتُ كَي أصْنَعَ نُعُوشَكُم/ فلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ / أنا الحَدَّادُ الأخيرُ في مَدينةِ الوَهْمِ / جِئْتُ كَي أصْنَعَ مَسَامِيرَ نُعُوشِكُم / فَلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الشُّطآنُ الغارقةُ /

     طَيْفُ الأُنوثةِ المُستحيلةِ يُنِيرُ أوْرِدَتي الحَجَرِيَّةَ في ليالي الشِّتاءِ السِّحريةِ / ويَغسِلُ ألواحَ تابوتي بِمِلْحِ الدُّموعِ السِّرِّيةِ / يا زَائِرَتِي الغامضةَ في السَّحَرِ/ اقْتُلِيني في ليالي الصَّيفِ البَعيدِ / لأنَّ أمطارَ الشِّتاءِ تُحَطِّمُ شَاهِدَ قَبْري.

17‏/04‏/2025

النساء صاحبات الوجوه الأسمنتية

 

النساء صاحبات الوجوه الأسمنتية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     خُدُودُ النِّسَاءِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / والأجفانُ مِنَ النُّحَاسِ / أَكْرَهُكِ يا مَدِينةَ الأوهامِ / أكْرَهُكِ يا أوهامَ المدينةِ / فَلا تُحْرِقِي رِئتي بالمطرِ الأزرقِ / إنَّ دَمِي لَيْسَ أزرق /

     الصَّحراءُ مَجروحةٌ عَاطِفِيًّا / بَعْدَ اكتشافِ خِيانةِ الرَّمْلِ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَطُفُولةُ البَحْرِ تَكْبَرُ تَحْتَ الحِصَارِ كأشجارِ المقابرِ / والعناكبُ تُضِيءُ البَرَاوِيزَ في غُرفتي الباردةِ / أَجْلِسُ عَلى صُخورِ الشَّاطئِ عِندَ الغُروبِ / وأنتظِرُ القَراصنةَ كَي يَهْدِمُوا قَصْري الرَّمْلِيَّ / والعُشَّاقُ رَحَلُوا مِن شُطآنِ الدَّمْعِ إلى أزِقَّةِ الجِرْذَانِ /

     افْرَحْ أيُّها المشنوقُ الرُّومَانسِيُّ / سَيَكُونُ حَبْلُ مِشْنَقَتِكَ مِنَ الحريرِ / وَاحْزَنْ يَا حَارِسَ المقبرةِ/ لأنَّ دُودةَ القَزِّ مَاتَتْ في مَناديلِ الوَدَاعِ / سَيَأكُلُ الدُّودُ جُثماني الطازَجَ بَيْنَ أضرحةِ السِّيراميك / رَقَبَةُ المَلِكَةِ المَلْسَاءُ تَحْتَ صَخَبِ المِقْصَلَةِ/ وَقُمصانُ النَّوْمِ على حِبَالِ المشانقِ أَوْ حِبَالِ الغسيلِ/ وَجَاءَ مَوْعِدُ الأرَقِ قَبْلَ تنفيذِ حُكْمِ الإعدامِ في الفَجْرِ الكَاذِبِ / الزَّوابعُ أَغْلَقَت السِّيركَ بالشَّمْعِ الأحمرِ / سَقَطَتْ لاعبةُ السِّيركِ عَن حَبْلِ الذِّكرياتِ المُخْمَلِيِّ / وَعَادَ المُهَرِّجُ إلى أطفالِهِ بَاكِيًا في آخِرِ الليلِ / والصَّقيعُ أَغْلَقَ المَلْهَى الليلِيَّ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والرَّاقصةُ المشلولةُ نَسِيَتْ مَوْعِدَ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / والكوليرا تَفْتَرِسُ خُدُودُ الأطفالِ تَحْتَ ضَوْءِ أعمدةِ الكَهْرَبَاءِ / في شَوَارِعِ الرَّصَاصِ الحَيِّ / سَيَظَلُّ جُثماني شَوْكَةً في حَلْقِ البُحَيْرَةِ / وأَركضُ في طُرُقَاتِ المساءِ اللازَوَرْدِيِّ وَحِيدًا / كَي أَهْرُبَ مِن جِلْدي الخائنِ الذي يَكْشِفُ أسراري لأشِعَّةِ القَمَرِ المَعْدِنِيَّةِ /

     أَبْنِي مَملكةَ الوَهْمِ بَيْنَ مِلْحِ الدَّمْعِ وَمِلْحِ البَحْرِ / وَفِئرانُ التَّجَارُبِ نَسِيَت الأوسمةَ العسكريةَ في مَعركةِ السَّرابِ / أركضُ في أزِقَّةِ المَرْفَأ الغارقِ كالفأر المذعورِ / أبحثُ عَن بُوصلةِ احتضاري / وأُنَقِّبُ في جِلْدِي عَن خَارطةِ قَبْري / والذِّئبُ الوَحيدُ يُحَاوِلُ إخراجَ الرَّصاصةِ مِن جَسَدِهِ /

     ألْعَبُ بِكُرَيَاتِ دَمِي في الوَقْتِ الضَّائِعِ/ وأبيعُ أشلائي على إشاراتِ المُرُورِ/ كَي أشتريَ نَهْرًا أدْفِنُ فِيهِ أبي / وأقْضِي وَقْتَ الفَرَاغِ في تَشريحِ جُثتي/ كَي أَعْرِفَ هَلْ أنا القاتلُ أَمِ المَقتولُ / والأيتامُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيْفِيَّةَ في حَفْرِ القُبُورِ لأُمَّهَاتِهِم / وَذَهَبَت الفَتَيَاتُ إلى بَرِيقِ الاحتضارِ / وَبَقِيَ لَمَعَانُ أظَافِرِهِنَّ عَلى البيانو / تَمُوتُ الذِّكرياتُ في مَعركةِ الوَهْمِ / واللبُؤَاتُ المَجروحاتُ عَاطِفِيًّا تَتَقَاسَمُ كَبْسُولَةَ السِّيَانَيْدِ / كَمَا يَتَقَاسَمُ الفُقَرَاءُ رَغِيفَ الخُبْزِ/ حَبْلُ المِشْنَقَةِ الزُّمُرُّدِيُّ / وأظافرُ السَّجَّانِ مِنَ الكَهْرَمَانِ / وَتَنفيذُ حُكْمِ الإعدامِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ.

16‏/04‏/2025

حظر تجول في هيكلي العظمي

 

حظر تجول في هيكلي العظمي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     أنا الجُثْمَانُ المُحَنَّطُ في مَتَاحِفِ الغُزاةِ/ أَحْرُثُ جَسَدَ المطرِ بَحْثًا عَن أحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ / والرِّيَاحُ تَحْرُثُ جَدَائِلَ أُمِّي بَحْثًا عَن نَهْرِ الوَدَاعِ/ وَلَمْ أَسْتَفِدْ مِن أعلامِ القَبائلِ المُنَكَّسَةِ إلا الطَّعْنَ في الظَّهْرِ / وَسَرِقَةَ المِلْحِ مِن خُبْزِ أُمِّي / دِفْءُ فِرَاشِ المَوْتِ في ليالي الخريفِ الباردةِ / والمَوْجُ يَنْكِحُ بَوَّابَةَ المَقبرةِ / والأطفالُ القَتلى يَغرَقُونَ في دِمَائِهِم وَضَفَائِرِ أُمَّهَاتِهِم /

     سَقَطَ تَارِيخُنا عِندَما سَقَطَت الأوسمةُ العسكريةُ في آبارِ النِّفْطِ / وَسَقَطَت الحضارةُ عِندَما سَارَ قَطِيعُ الغَنَمِ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / وانكَسَرَ مِزْمَارُ الرَّاعي تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ / ومَاتَ الرَّاعي والرَّعِيَّةُ /

     كَيْفَ عَرَفَ حَارِسُ المقبرةِ خَارِطَةَ ضَرِيحي بِلا دَلِيلٍ سِيَاحِيٍّ ؟/ كَيْفَ عَرَفَ حَفَّارُ القُبورِ عَنَاوِينَ القَتلى ؟ / كَيْفَ عَرَفَتْ أشجارُ الكَرَزِ رَقْمَ صُندوقِ بَريدي ؟ / تَمُوتُ الرِّمالُ المُتَحَرِّكَةُ في مَعركةِ السَّرابِ / والعناكبُ تأكلُ حَلَمَاتِ النِّساءِ القَتيلاتِ /

     كُنْتُ سَأصِيرُ رُومَانسِيًّا / لَوْ لَمْ يَتَجَسَّد الشَّيطانُ في المَرْأةِ / كُنْتُ سَأصِيرُ شَجَرَةً / لَوْ لَمْ تَتَجَسَّدْ حِبَالُ المشانقِ في السَّنابلِ/ قَلْبي يُرَاوِدُ الرَّصاصةَ عَن نَفْسِها/فيا أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ/ كَيْفَ تَمْشِينَ إلى غُرفةِ الاعترافِ في ليالي الصَّقيعِ ؟ / الصَّليبُ يَحْفِرُ الطريقَ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ كَسِكَّةِ الحديدِ / ونَصْلُ المِقصلةِ بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ / فَكَيْفَ تَتَنَفَّسِينَ شَظَايَا الأُنوثةِ ؟ / الحَلِيبُ البَنَفْسَجِيُّ يَسِيلُ عَلى الثَّلْجِ الأزْرَقِ / وأشجارُ البُرتُقَالِ تَطْلُعُ مِنَ الهَيَاكِلِ العَظْمِيَّةِ /

     أنا المَلِكُ المَخْلُوعُ / والسَّبايا فَي قَصْري المهدومِ مَجروحاتٌ عاطفيًّا / دُوَيْلَةٌ لَقِيطَةٌ بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وشُيوخِ القَبائلِ/ عَلَمٌ مُنَكَّسٌ بَيْنَ شُيوخِ القبائلِ وأُمَرَاءِ الحُرُوبِ / والحَشَرَاتُ تُحَنِّطُ نُهُودَ رَاعِيَاتِ الغَنَمِ في آبَارِ النِّفْطِ /

     أَوْصَى النَّهْرُ بالتَّبَرُّعِ بِأعْضَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ للبُحَيْرَةِ الخائنةِ/ وأنا المُهَاجِرُ في أوردتي البلاستيكيةِ/ أحْشُو بُنْدُقِيَّتي بِدُمُوعي كَالذَّخِيرَةِ المَغشوشةِ / وَفِرَاشُ مَوْتي لَوْحَةٌ فَنِّيةٌ في مُتْحَفِ القَبائلِ / التي تَتصارعُ عَلى مِلْحِ الدُّموعِ وآبارِ النِّفْطِ وقُمصانِ النَّوْمِ للجَوَارِي /

     نَبِيعُ كُرَيَاتِ دَمِنَا الحمراءَ على إشاراتِ المُرُورِ الخضراءِ / وَنشتري السَّبايا في سُوقِ النِّخَاسَةِ بالبِطَاقاتِ المَصْرِفِيَّةِ / البَدْوُ الرُّحَّلُ باعوا أعلامَ القبائلِ المُنَكَّسَةَ في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ / كَي يُحَوِّلُوا البَدَوِيَّاتِ إلى شَرْكَسِيَّاتٍ / وَرَاعِيَةُ الغَنَمِ تَلْعَبُ التِّنسَ الأرضيَّ بالتَّنُّورَةِ فَوْقَ الرُّكبةِ / حَقًّا /  لا شَرَفٌ لِصَحْرَاءِ الطُّغَاةِ سِوَى السَّرَابِ / ولا تاريخٌ لِمُلُوكِ الطوائفِ سِوَى آبَارِ النِّفْطِ في الرِّمَالِ .

15‏/04‏/2025

جاذبية الحزن في عيون الشركسيات

 

جاذبية الحزن في عيون الشركسيات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     أَحْمِلُ في ألواحِ صَدْرِي ذِكْرَيَاتٍ تُحْرِقُني بِلا رَحْمَةٍ/ فَأَطْلِقِي رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى ذِكْرَياتي التي لا تَرْحَمُنِي/ أركضُ في غَاباتِ القُوقازِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ/ لأكتشفَ الحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ/فَلا تَكْرَهِينِي يَا ضَفَائِرَ أُمِّي/ أنا حُطَامُ السُّفُنِ وأنقاضُ البُيُوتِ وَشَظَايَا المَزهرياتِ / أَحْمِلُ بِذرَةَ النِّهايةِ في بِدَايَةِ شَرَاييني / وأُخَزِّنُ لَوْنَ البَحْرِ في دَمِي اللازَوَرْدِيِّ/ الذي يَنْبُعُ مِن ذَاكِرَةِ أملاحِ الدَّمْعِ / وَيَصُبُّ في أَزِقَّةِ المَوَانِئِ البَعِيدَةِ /

     أنا قَاتِلُ ذَاكِرَةِ السَّرابِ / وضَحِيَّةُ ذِكرياتِ النَّهْرِ / تَفْتَرِسُنِي ظِلالُ الشَّركسياتِ في ليالي الخريفِ الكريستالِيَّةِ / كَمَا يَفْتَرِسُ المَوْجُ القُصُورَ الرَّمليةَ في أحلامِ الطُّفولةِ البَعيدةِ /

     أَيَّتُها الجُثَّةُ المُتَفَحِّمَةُ ذَاتُ الأسنانِ الذهبيةِ / حَبْلُ مِشْنَقتي مِن فِضَّةِ العِشْقِ القَاتِلِ / وَرَقَبَةُ المَلِكَةِ الناعمةُ تَحْتَ مِقْصَلةِ المساءِ الحزينِ / المَقبرةُ شَقَّةٌ مَفروشةٌ / وَشَوَاهِدُ القُبورِ أثاثٌ مُسْتَعْمَلٌ / أنا الغريبُ / أَدْخُلُ إلى أنقاضِ قَلْبي فلا أجِدُ مَن يَسْتَقْبِلُنِي/ أنا المَنبوذُ / أَخْرُجُ مِن أنقاضِ بَيْتِي فلا أَجِدُ مَن يَسْتَقْبِلُنِي/ عُدْتُ مِنَ مَعركةِ العِشْقِ مَهْزُومًا/ وَلَمْ أَجِد امرأةً أبكي عَلى صَدْرِها في أرشيفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَلَم يَعُدْ هُنَاكَ دُوَلٌ / كَي نَكْتُبَ دُسْتُورَهَا بِكُحْلِ الصَّبايا /

     في الفَجْرِ الكاذبِ / تتساقطُ دُموعُ الذِّئبةِ في مَزهرياتِ غُرفةِ الاعترافِ/ ويتساقطُ المطرُ النُّحَاسِيُّ عَلى مَساميرِ نَعْشِي الحديديةِ / ضَوْءُ القَمَرِ يَحْرُثُ شَرَاييني / ويَحْصُدُ كُرَيَاتِ دَمِي بالمِنْجَلِ المُضِيءِ / وَطَيْفُكِ أيَّتُها اللبُؤَةُ المَجروحةُ عَاطِفِيًّا يَحْرُسُ عَالَمِي / وأنتِ خَارِجَ عَالَمِي / تُضِيئِينَ أشجارَ مَقبرتي / وأنتِ في صَخَبِ عِظَامِي /

     كَتَبَ العُشَّاقُ الخَوَنَةُ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ عَلى كَبْسُولاتِ السِّيَانَيْدِ / ونَسُوا أن يَمُوتوا / افْرَحِي يا أرملةَ البَحْرِ / إنَّ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَصُحُونُ المطبخِ مَلْفُوفَةٌ بالأكفانِ المغسولةِ بِدَمْعِ البُحَيراتِ / غَسَلْتُ يَدِي مِن دِمَاءِ الغُيومِ / وأنتظرُ ضَوْءَ القَمَرِ كَي يَزْرَعَ خَنْجَرَهُ في ظَهْرِي /

     لا تُنَكِّسُوا الأعلامَ عِندَما يَغتَالُ قَلْبي وَمِيضُ البَرْقِ / لأنَّ الأعلامَ دَائِمًا مُنَكَّسَةٌ / العناكبُ تُزَيِّنُ سَاعَةَ الحائطِ في زِنزانتي / التي تُطِلُّ عَلى شَرَاييني المفتوحةِ في جَسَدِ البَحْرِ/ والمَوْجُ رَمَى أحزانَ العَالَمِ في حَنْجَرَتي / والنَّهْرُ هُوَ الجُنديُّ المهزومُ / يَصْنَعُ مِن أسنانِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ أوسمةً عَسكريةً / أنا المنبوذُ في أوردتي البلاستيكيةِ/ والمُهَاجِرُ مِن ذَاكرةِ الطحالبِ التي تَنْمُو في أوعيتي الدَّمويةِ. 

14‏/04‏/2025

جثة منسية على رصيف الميناء

 

جثة منسية على رصيف الميناء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     السَّبايا مَقتولاتٌ في غُرفةِ الاعترافِ / وَرُومَانسِيَّاتٌ في طَوَابِيرِ استلامِ الرَّاتِبِ الشَّهْرِيِّ / وأنا المذبوحُ في ليالي الشِّتاءِ اللازَوَرْدِيَّةِ / وَسَوْفَ تُزْهِرُ جُثتي في الرَّبيعِ الدَّامي / أنا مُؤرِّخُ المعاركِ الخاسرةِ / لَكِنَّ طَيْفِي الغريقَ انتصرَ عَلى البَحْرِ في المساءِ الرَّهيبِ /

     سَوْفَ تَرْمِي الزَّوابعُ الأُرْجُوَانِيَّةُ رَمَادَ الجُثَثِ المُحْتَرِقَةِ/بَيْنَ أشجارِ النَّخيلِ في جَزيرةِ السَّرابِ/ أنا تاريخُ الحُبِّ الضائعِ في مَدِينةِ الوَهْمِ / أنا جُغرافيا أحلامِ الطفولةِ الضَّائعةِ في مَملكةِ السَّرابِ / وَمَملكتي لَيْسَتْ في هذا العَالَمِ /

     أنا الرُّبَّانُ المقتولُ بَيْنَ الشِّعَابِ المَرْجَانِيَّةِ وَحُطَامِ السُّفُنِ / فلا تَكْرَهْنِي يا مَوْجَ البَحْرِ / وَعِشْ ذِكْرياتي نِيابةً عَنِّي / وَكُنْ دِفْءَ فِرَاشِ المَوْتِ في عِظَامي / وَكُنْ شَمْعَةَ حَيَاتي في مَمَاتي /

     وَقَعَ سَائِلُ الجَلْيِ في أشلاءِ النِّساءِ عَلى البَلاطِ الباردِ / والعاصفةُ تَجْلِي الصُّحونَ بالسَّائلِ المَنَوِيِّ / وأجنحةُ الجَرَادِ تتساقطُ في شُقُوقِ حَنْجَرتي / والرِّيحُ تُغَيِّرُ جِلْدَهَا بَيْنَ أعشابِ المقابرِ ورَغْوَةِ القَهْوَةِ / التي يَشْرَبُهَا حَفَّارُ القُبورِ في فَترةِ الاستراحةِ / ولا اسْتِرَاحَةَ للمُحَارِبِ سِوَى الدُّمُوع/

     إشَارَةُ المُرُورِ في شَارِعِ التَّوابيتِ خَضْرَاءُ/ لَكِنَّ الأيتامَ يَبِيعُونَ كُرَيَاتِ دَمِي الحمراءَ على إشارةِ المُرُورِ / والشَّظَايا في الحَنَاجِرِ / والزَّوابعُ تَرْسُمُ صُورةَ احتضاري في المساءِ القِرْمِزِيِّ / وَحَبَّاتُ المطرِ تَنهمرُ عَلى خُدُودِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / كَمَا تَنهمرُ أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى رُخَامِ ضَرِيحي /

     أطفالُ حَفَّارِ القُبورِ / بَنَادِقُهُم البلاستيكيةُ مَطْلِيَّةٌ بِعُشْبِ الأضرحةِ / سأظلُّ حَيًّا في قَلْبِ امرأةٍ غامضةٍ / تبكي في ليالي الشِّتاءِ وَحيدةً / صَخَبُ الدِّماءِ وَهِيَ تَنْهَمِرُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَضَجِيجُ المطرِ وَهُوَ يَكْسِرُ عِظَامَ المَوْتَى الطازَجَةَ /

     مَطْرُودٌ أنا مِن أشِعَّةِ القَمَرِ في قُرْطُبَة / مَقْتُولٌ أنا في ضَوْءِ الشَّمْسِ في غَرْناطة / والأكفانُ البَيْضَاءُ تُغَطِّي أثاثَ المَنَافي الجَلِيدِيَّةِ / مَاتَ أبي في الخريفِ / والبَقُّ أَكَلَ عُكَّازَتَهُ / مَاتَتْ أُمِّي في الشِّتاءِ / والصَّقيعُ أَكَلَ ضَفَائِرَهَا / وأنا مُتُّ في الرَّبيعِ/ ولَيالي الصَّيفِ الأُرْجُوَانِيَّةُ تُحَنِّطُ جُثماني في زُجَاجِ القِطَاراتِ / مَاتَتْ لَيْلَى / والذِّئبُ يُنَظِّفُ أخشابَ تابوتي بأملاحِ دَمْعِهِ / وكَسَرَ ضَوْءُ القَمَرِ مَسَامِيرَ نَعْشِي / والزَّوابعُ البَنَفْسَجِيَّةُ تُلْقِي رُفَاتَ الجُنودِ في حُفَرِ المَجَاري / وفِئرانُ السَّفينةِ تَرْمِي الأوسمةَ العسكريةَ في تِلالِ النُّفَاياتِ/بُورصةُ الإمَاءِ/ وَسِعْرُ غِشَاءِ البَكَارَةِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ/ والعَوَاصِفُ المُخْمَلِيَّةُ تَكْتُبُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ الخَنَاجِرِ والحَنَاجِرِ .

13‏/04‏/2025

شروط الشفق لتسليم جثتي

 

شروط الشفق لتسليم جثتي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     الزَّوابعُ تُغنِّي بَيْنَ أسنانِ الضَّحايا وشَوَاهِدِ القُبورِ / لأنَّ مَوْسِمَ تَزَاوُجِ الجَرَادِ بَدَأَ في عِظَامي/ أظافري تُضِيءُ طَرِيقِي في مَرَافِئِ الجِرذان / وَتَلْمَعُ الأمطارُ عَلى حَبْلِ مِشْنَقَتِي كأجفاني النُّحَاسِيَّةِ /

     تَصُبُّ الدِّيدانُ الكُحْلَ في آبارِ القُرَى المَزروعةِ بالحواجزِ العسكريةِ وكَاميراتِ المُرَاقَبَةِ / كَمَا يَصُبُّ الخَلِيفةُ المَنِيَّ والنِّفْطَ في أرحامِ السَّبايا / نَجْمَعُ جَدَائِلَ النِّساءِ المُغتَصَبَاتِ مِثْلَ لَوْحَاتِ المَتَاحِفِ / رَمى المساءُ الأوسمةَ العسكريةَ في أكوامِ النُّفاياتِ في شَوارعِ الحضارةِ / والعَوَاصِفُ تُلْقِي جُثَثَ الجُنودِ المَهْزُومِينَ في حاوياتِ القُمَامَةِ في أزِقَّةِ الدَّمْعِ / فلا تَقْلَقْ يَا سَجَّاني وَسَجِيني / إنَّ الرَّاقصاتِ في المَلاهِي الليلِيَّةِ سَيُحَرِّرْنَ فِلِسْطِين /

     يُضِيءُ مِلْحُ دُمُوعي بَيْنَ الشَّايِ والنَّعناعِ / فَاشَرَبِيني يا سَنَابِلَ بِلادي / كَي أُولَدَ في كُحْلِ البُحَيراتِ / وأمُوتَ في تِلالِ الذِّكرياتِ / النَّهْرُ مُصَابٌ بانفصامِ الشَّخصيةِ / وأنا قَاتِلُ الذاكرةِ وَضَحِيَّةُ الذِّكرياتِ/أُقَدِّمُ أشلائي هَدِيَّةً لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ/ بِمُنَاسَبَةِ زَوَاجِ شَوَاهِدِ القُبورِ في حَنْجَرتي/

     مَاتَ الوَطَنُ على أثاتِ المَنَافِي الحَدِيدِيِّ / فَمَا فَائِدَةُ الأغاني الوَطَنِيَّةِ ؟ / مَاتَت الدَّولةُ في ابتساماتِ العُشَّاقِ الخَوَنَةِ / فَمَا فَائِدَةُ مَحْكَمَةِ أمْنِ الدَّولةِ ؟ /

     أعْرِفُ أنَّ ضَوْءَ القَمَرِ سَيَطْعَنُنِي في الظَّهْرِ / أركضُ في شَوارعِ الليلِ وَحِيدًا / وأُحْرِقُ الأرصفةَ القَذِرَةَ بِمِلْحِ دُموعي/ وَدَمِي يَصْرُخُ بِلا وَطَنٍ ولا مَنْفى/ أبكي بلا تاريخٍ ولا جُغرافيا / كَي أتَحَرَّرَ مِن طَيْفِ الشَّركسياتِ في ليالي الشِّتاءِ الحزينةِ /

     أنا المَوْلُودُ في السَّرابِ الأُرْجُوَانِيِّ / المقتولُ في الرِّمَالِ المُتَحَرِّكَةِ / وَكُحْلُ الشَّركسياتِ يَتساقطُ في شَظَايَا جُمْجُمَتِي / سَوْفَ تَمُوتُ أيُّها الذِّئبُ عِندَما لا تَتَوَقَّعُ المَوْتَ / سَوْفَ تَأتِيكَ الطَّعْنَةُ القاتلةُ مِنَ الحُلْمِ الذي لَمْ تَتَخَيَّلْهُ / وَالمَرْأةُ التي تَضْحَكُ لَكَ في لَيالي الصَّيْفِ / هِيَ التي سَتَضَعُ لَكَ السُّمَّ في فِنْجَانِ القَهْوَةِ في لَيْلَةٍ خَريفيةٍ باردةٍ /

     أرجوكَ يَا وَمِيضَ البَرْقِ / إذا وَجَدْتَ جُثتي مُقَطَّعَةً وَمَتْرُوكَةً عَلى الرَّصيفِ / فَادْفِنْ أشلائي في جَدَائِلِ أُمِّي / ولا تَحْزَنْ عَلَيَّ / سَوْفَ أنبعثُ في تِلالِ بِلادي / مُسَدَّسًا ضَوْئِيًّا وذاكرةً تَنقَلِبُ عَلى الذِّكرياتِ / يَا أيُّهَا البَدَوِيُّ الدِّيمُقْرَاطِيُّ/ كُنْ خَنْجَرَ الذاكرةِ بَيْنَ المِكْيَاجِ والنِّعَاجِ/أنا المَنبوذُ بَيْنَ بُكَاءِ الرِّياحِ وأشجارِ الصَّنوبرِ في المَقبرةِ / كُلَّمَا نَظَرْتُ إلى مَرايا الرَّعْدِ رَأيتُ وَجْهَ قَاتِلَتِي / ذَهَبَ الجُنودُ إلى المعركةِ وَلَن يَعُودُوا / ولا تَزَالُ زَوْجَاتُهُم يَنْتَظِرْنَ أمامَ نوافذِ الخريفِ في المساءِ .

12‏/04‏/2025

جرعة زائدة من الذكريات

 

جرعة زائدة من الذكريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     المطرُ القِرْمِزِيُّ يَصْقُلُ مَرَايَا الإعدامِ / فَلْتَمُتْ أيُّها النَّهْرُ المشلولُ مُرْتَاحَ الضَّمِيرِ / وَدَافِعْ عَن الأندَلُسِ أيُّها البَدَوِيُّ الدِّيمُقْرَاطِيُّ / وَدَافِعْ عَن فِلِسْطِينَ يا رَاعِي الغَنَمِ الليبرالِيَّ /

     صَهِيلُ الذِّكرياتُ هُوَ السَّرَطَانُ الذي سَيَأكُلُ صَدْرَكِ أيَّتُها البُحَيرةُ المغرورةُ / والعصافيرُ اليتيمةُ تَبني أعشاشَها في فُرُوجِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / فيا أيَّتُها السَّاحرةُ العَمْياءُ / سَوْفَ يُحَاصِرُكِ المِلْحُ في دُمُوعِ عَاشِقِكِ وَقَاتِلِكِ / سَيُصْبِحُ الصَّيَّادُ فَريسةً/ ويَنْقَلِبُ السِّحْرُ عَلى السَّاحِرِ / وتَتساقطُ مَساميرُ النُّعوشِ في الأغاني الوَطنيةِ بَعْدَ ضَيَاعِ الوَطَنِ/ وَالعَاصِفَةُ تَنْشُرُ الغسيلَ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي /

     وَدَاعًا أيُّها الأيتامُ الذينَ يَبِيعُونَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ العِلْكَةَ ودُسْتُورَ الوَحْدَةِ الوطنيةِ / سَلامًا أيُّها السَّرابُ الذي يَغتَصِبُ الصَّحراءَ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمِي وَنِقَاطِ التَّفتيشِ العَسْكَرِيَّةِ / أنا المَنبوذُ / فَابْحَثِي يا تلالَ الوَهْمِ عَن عَرِيسٍ آخَر/ أنا المهزومُ/ فَابْحَثْ يا وَمِيضَ البَرْقِ عَن رَايَةٍ غَيْرِ مُنَكَّسَةٍ / أنا المكسورُ/ فَابْحَثِي يا أدغالَ الصَّدى عَن فَرِيسةٍ أنيقةٍ / أنا المقتولُ / فَابْحَثِي يا مَناديلَ الوَدَاعِ عَن ضَحِيَّةٍ جَديدةٍ / سَأعِيشُ في قَلْبِ الزَّوابعِ ذَاكِرَةً / لا تَنْقَلِبُ عَلى الذِّكرياتِ / سَأمُوتُ في رِئَةِ العَوَاصِفِ تاريخًا لا يَخُونُ الجُغرافيا / والأغرابُ يَبْنُونَ السُّفُنَ للفِئرانِ وَحِكَايَاتِ البَحَّارَةِ الغَرْقى /

     كُونِي يَا بُحَيْرَةَ الصَّدَأ رُومانسِيَّةً مِثْلَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / أجنحةُ الحَشَرَاتِ تَتساقطُ على أغشيةِ البَكَارَةِ في مَوَانِئِ الكُوليرا / وأكْفَاني مَنْسِيَّةٌ في الشَّارِعِ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ الليلِيَّةِ / فَاسْمَعْ صَوْتَ المطرِ حِينَ يَرْتَطِمُ بِمَساميرِ نَعْشِي في المساءِ الجارحِ / كُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأيْتُ وَجْهَ القَنَّاصِ الذي سَيُطْلِقُ عَلَيَّ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ /

     كُن عَاطِفِيًّا حِينَ يَسْقُطُ المِكْيَاجُ في حُفَرِ المَجَاري / وَتُصْبِحُ لَيْلَةُ الدُّخلةِ سِفْرَ الخُروجِ مِن جِلْدِ الفَرَاشَاتِ / وتُصْبِحُ مَحاكمُ التَّفتيشِ تاريخًا لأجنحةِ الذُّبَابِ / نَتَوَارَثُ الأعلامَ المُنَكَّسَةَ كالجِيناتِ / وَرَّثَنَا آباؤُنا هَزَائِمَهُم / وذَهَبُوا إلى غُرَفِ النَّوْمِ / نَتَوَارَثُ الهَزَائِمَ كَفَوَاتِيرِ الكَهْرَبَاءِ / فَكُنْ رُومَانسِيًّا حِينَ يُصْبِحُ سِعْرُ العَوَانِسِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ /

     تُعْرَضُ جُثتي في ثَلاجَةِ المَوْتَى/ كَمَا تُعْرَضُ اللوحاتُ في المَتَاحِفِ/ وأشِعَّةُ القَمَرِ تَدْفِنُنِي لَيْلًا / لِكَيْلا يَنْبُشَ الذُّبَابُ قَبْري / فَيَا أيَّتُهَا البُحَيْرَةُ المشنوقةُ بِضَفَائِرِ شَعْرِهَا / جِينَاتُ حَبْلِ المِشنقةِ في ثُقوبِ جِلْدي / التي تَنْمُو فِيها الطحالبُ / وأنا الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ في جُغرافيا الوَهْمِ / أنا وَارِثُ الهزائمِ وَتُرَاثُ الأمواجِ / أنا وَصَايَا القَتِيلِ وَوَصِيَّةُ القَاتِلِ .

11‏/04‏/2025

لقد عشت تحت الأرض

 

لقد عشت تحت الأرض

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     أنا مَيْتٌ مُنْذُ قُرُون / فَكَيْفَ تَقْتُلُوني ؟ / لا تَكْرَهِيني يا أشِعَّةَ الشَّمْسِ / أنا أكْرَهُ نَفْسِي / لا تُدَمِّرْني يا ضَوْءَ القَمَرِ / أنا أُدَمِّرُ نَفْسِي بِنَفْسِي /

     قَطِيعُ الكِلابِ يَتَشَمَّسُ بَيْنَ أكوامِ الجُثَثِ المتروكةِ في الشَّوارعِ/ وأشلائي أُغْنِيَةٌ وَطنيةٌ بَيْنَ الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ/ وصُحُونُ المَطْبَخِ المهجورِ هُدْنةٌ بَيْنَ أُمَرَاءِ الطوائفِ وأُمَرَاءِ الحُروبِ /  وَحَلَمَاتُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ تُزَيِّنُ نَصْلَ المِقْصَلةِ كَحَبَّاتِ الكَرَزِ /

     قُتِلْتُ في ظُروفٍ غامضةٍ / وَسُجِّلَت القَضِيَّةُ ضِدَّ مَجهولٍ / عِشْتُ مَجهولًا / وَمُتُّ مَجهولًا / سَلامٌ للأمواتِ الذينَ يُزَيِّنُونَ مَوْتَهُم بِعِظَامِهِم الذهبيةِ/ السَّلامُ عَلى الجُثَثِ ذَاتِ الأسنانِ النُّحَاسِيَّةِ/ إنَّ أمعائي دُسْتُورٌ لِمَملكةِ الوَهْمِ/ التي يَبْنِيهَا شَجَرُ المقابرِ بَيْنَ صَفِيرِ القِطَاراتِ وَصَفَّارَاتِ الإنذارِ /

     لَن يَنْتَصِرَ النَّهْرُ عَلى البُحَيْرَةِ/ لأنَّهُ مَهْزُومٌ مِنَ الدَّاخِلِ/ والشَّفَقُ كَسَرَ قَلْبَ ابنةِ حَارِسِ المقبرةِ/ والشَّظايا تَنَاثَرَتْ بَيْنَ أعشابِ الأضرحةِ / والبَدْوُ الرُّحَّلُ صَارُوا أُمَرَاءَ للمُؤمِنين / ورَاعِي الغَنَمِ صَارَ فَيْلَسُوفًا/ والطاغيةُ صَارَ شَهِيدًا/ وقَاطِعُ الطريقِ صَارَ رَئِيسَ دَوْلَةٍ/ فَابْنِ دَوْلَةَ السَّرابِ بَيْنَ أنقاضِ رِئتي المهجورةِ وأنقاضِ بَيْتِنا المهجورِ /

     أكفاني مِن أجنحةِ الفَرَاشَاتِ / والبَقُّ يَأكُلُ أخشابَ نَعْشِي / سَأمُوتُ في قَلْبِ أُمِّي / وأنبعثُ في الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ تُفَّاحًا وسَنَابِل / وأشِعَّةُ القَمَرِ تُشَرِّحُ جُثماني لِتَعْرِفَ عِيَارَ رَصَاصَةِ الرَّحمةِ / التي أَطْلَقَهَا عَلَيَّ النَّهْرُ الأعمى / إنَّ وَجْهِي إلى البَحْرِ / لَكِنَّ فِئرانَ السَّفينةِ تأكلُ أشلائي في أزِقَّةِ المِيناءِ / أفتحُ شَوَارِعَ رِئتي أمامَ الغَيْمَاتِ الخضراءِ / لَكِنَّ كُرَيَاتِ دَمِي تَسِيلُ في حُفَرِ المَجَاري في الشَّوارعِ الخَلْفِيَّةِ / وَمِلْحُ دُموعي هُوَ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الشَّركسياتِ والبُوسنيَّاتِ /

     كُنْ دِيمُقْرَاطِيًّا أيُّهَا الحُزْنُ / عِندمَا تَبيعُ الأراملُ الخُضَارَ أمامَ المحاكمِ العَسكريةِ / كُنْ رُومَانسِيًّا أيُّها العُشْبُ/عِندَما يَقْتَرِضُ أبي ثَمَنَ أكفاني / ويَدْفِنُ المطَرُ رُفَاتي في الغُيومِ المُخْمَلِيَّةِ /

     الكِلابُ الضَّالَّةُ تَنْبُشُ القُبُورَ بَحْثًا عَن الجَثَامِينِ الطَّازَجَةِ/ والدُّودُ يَأكُلُ خُدُودَ النِّساءِ الطَّرِيَّةَ/ وَحَبْلُ المِشْنَقَةِ يَلْتَفُّ حَوْلَ عُنُقِ البُحَيْرَةِ النَّاعِمِ /

     جُثماني مَنْسِيٌّ عَلى الرَّصيفِ / تَحْتَ الأمطارِ في لَيْلِ الخريفِ / وغَابَةُ القُلوبِ المكسورةِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الجارحةِ / لا تاريخٌ لِجَوَارِحِنَا سِوَى جِيَفِ الطُّيورِ الجارحةِ / ولا جُغرافيا للزَّوبعةِ سِوَى مِطْرَقَةِ التَّوابيتِ الزُّجاجيةِ .

10‏/04‏/2025

في يوم نحس مستمر

 

في يوم نحس مستمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     لا تَزَالُ في أُذُنِي دَقَّاتُ الكَعْبِ العَالِي عَلى الرَّصِيفِ/في تِلْكَ الليلةِ الخريفِيَّةِ الباردةِ/ فَلا تَقْتُلِيني أيَّتُها اللبُؤةُ الغامضةُ بِلا مَوْعِدٍ ولا ذِكرياتٍ/ إنَّ أُمِّي تَنْتَظِرُ أن أَعُودَ إلَيْهَا في قَلْبِ الليلِ الرَّهِيبِ / أنا الرُّبَّانُ المنبوذُ / أحْمِلُ جِنْسِيَّةَ الشَّفَقِ / وتاريخي تَكْتُبُهُ فِئرانُ السَّفينةِ/ والبَحَّارَةُ ذَهَبُوا مَعَ عَشِيقَاتِهِم إلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَبَقِيَتْ الرَّسائلُ الغَرَامِيَّةُ في قَاعِ البَحْرِ / وبَقِيَ الشَّايُ الباردُ عَلى ألواحِ التَّوابيتِ / التي نَثَرَهَا المَوْجُ في أزِقَّةِ المَرْفَأ المُعْتِمَةِ /

     البَحْرُ مُصَابٌ بالزَّهايمر / لَكِنَّهُ لَمْ يَنْسَ أن يُغْرِقَنِي / البُحَيْرَةُ مُصَابَةٌ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ / لَكِنَّهَا أَمَرَتْنِي أن أبكيَ عَلى صَدْرِهَا / أَكْمَلْتُ أُسْطُورَتي في اللامَكَانِ / وأَنْهَيْتُ رِسَالَتي في اللازَمَانِ /  وَلَمْ يَعُدْ أمَامِي إلا الاحتضار / لَن تَكْتَمِلَ مُغَامَرَتي إلا بِالمَوْتِ / الذي يُحَنِّطُ الحِبْرَ في شَرَاييني / ويُخَلِّدُني / ويُكْمِلُ دَائِرَةَ الذِّكرياتِ / إنَّ المَوْتَ هُوَ حَيَاتي الجديدةُ / وأنا حُزْنُ المَرَافئِ القَدِيمُ /

     أشِعَّةُ القَمَرِ تُطَهِّرُ أوعيتي الدَّمويةَ مِنَ الطحالبِ والمقاصلِ/وتَنْمُو السَّنابلُ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي / ويَزْرَعُ سَجَّاني لَوْنَ البَحْرِ في دَمِي الأخضرِ/ وابتسامةُ النَّهْرِ الغامضةُ تَحْصُدُ قُضبانَ زِنزانتي / أسْمَعُ صَدَى نِعَالِ النَّخَّاسِينَ بَيْنَ نُهُودِ السَّبايا المَحْقُونةِ بالانقلاباتِ العسكريةِ / والرِّيحُ القِرْمِزِيَّةُ تَسْمَعُ قَرْقَعَةَ عِظَامِ الأمواتِ / في حَدِيقَةِ النُّعوشِ النُّحاسيةِ /

     لا تَفْتَخِرِي بِحَجْمِ ثَدْيَيْكِ يَا ابنةَ حَفَّارِ القُبُورِ / إنَّ سَرَطَانَ الثَّدْيِ مِثْلُ دُودِ المقابرِ / لا يُفَرِّقُ بَيْنَ قُمْصَانِ النَّوْمِ وَثِيَابِ الحِدَادِ / جُثمانُ التُّفاحِ مَحْفُوظٌ في صُندوقِ البَرِيدِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ أُصِيبَ بالزَّهايمر / وأضاعَ رَسائلَ العُشَّاقِ / عَرَقُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ يُزَيِّنُ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ / وَحَرْبُ شَوَارِعَ في مَدينةِ الأشباحِ/ وانتشارُ الجُثَثِ في الشَّوارعِ/ بَيْنَ القِطَطِ الضَّالَّةِ والكِلابِ البُولِيسِيَّةِ/ والخَدَمُ يُضَاجِعُونَ المَلِكَاتِ عَلى وَقْعِ النَّشِيدِ الوَطَنِيِّ/ بَعْدَ مَوْتِ الوَطَنِ وَسُقُوطِ الدَّولةِ / ضَاعَتْ قَارُورةُ العِطْرِ في المَزْبَلَةِ / والأغاني الوَطنيةُ كَانَتْ تاريخًا للمَهْزَلَةِ /

     طُيُورُ البَحْرِ نَسِيَتْ عِظَامَهَا في الشَّفَقِ/ وَسَاعِي البَرِيدِ رَمَى الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ في حَنجرةِ البَحْرِ / أُنَقِّبُ عَن كُحْلِ الصَّبايا في تُرابِ المقابرِ / فما فائدةُ أن يَكُونَ قَلْبي تُفاحةً بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ ؟  /  ما فائدةُ أن أكُونَ وَرْدَةً صِنَاعِيَّةً بَيْنَ الأضرحةِ الرُّخَامِيَّةِ ؟ / جُثماني مَنْسِيٌّ تَحْتَ الأمطارِ الوَرْدِيَّةِ / ودُمُوعي تَتَجَمَّدُ في الليلِ تَحْتَ لَمَعَانِ البَارُودِ / سَيَجْمَعُ حَفَّارُ القُبورِ الأزهارَ البلاستيكِيَّةَ في المقبرةِ / وَيَبِيعُهَا عَلى إشاراتِ المُرُورِ / كَي يَشْتَرِيَ طَعَامًا لأطفالِهِ الجِيَاعِ .

09‏/04‏/2025

الطريق إلى المقبرة في ليل الشتاء

 

الطريق إلى المقبرة في ليل الشتاء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

    ذَهَبَ أبي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ عُكَّازَتُهُ تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ ضَفَائِرُها في صُحُونِ المَطْبَخِ / ذَهَبَتْ بَنَاتُ حَفَّارِ القُبُورِ في رِحْلَةٍ مَدْرَسِيَّةٍ إلى شُمُوسِ الأضرحةِ / وَلَم يَرْجِعْنَ / انكسرَ الصَّوْتُ / وانكسرَ الصَّدى / وأنا التَّائِهُ في شَراييني / أبني مَرْفَأَ الدَّمْعِ بَيْنَ الذِّكرياتِ والحَشَرَاتِ /

     الأزهارُ البلاستيكِيَّةُ عَلى قُبُورِ الجِيَاعِ / ثَمَنُهَا كانَ يَكْفِي لإطْعَامِهِم / جُثَثٌ للبَيْعِ في المَزَادِ العَلَنِيِّ/ كُرَيَاتُ دَمِي البَيْضَاءُ للبَيْعِ في السُّوقِ السَّوداءِ/ أَعْشَقُ البُحَيْرَةَ لَكِنِّي لا أَثِقُ بِهَا/ فيا أشجارَ المقبرةِ / كُونِي أنيقةً مِثْلَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ قَبْلَ لَيْلَةِ الدُّخلةِ / بَيْنَ رُخَامِ الأضرحةِ وأثاتِ المَنَافي /  كَيْفَ أهْرُبُ مِن أظافري يا أُمِّي ؟ / إنَّ أشِعَّةَ القَمَرِ تَغْرِسُ الخَنْجَرَ المَسمومَ في أمعائي / كَيْفَ أهْرُبُ مِن جِلْدِي يا أبي ؟/ إنَّ أرقامَ الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ على أوعيتي الدَّمويةِ / وأنا الجُنديُّ الخاسرُ / أهْرُبُ مِن مَعركةِ الذاكرةِ / وأنامُ على الأسلاكِ الشَّائكةِ في أرشيفِ الضَّحايا /

     اغْتَنِمْ فُرْصَةَ مَوْتِكَ بَيْنَ الفَرَائِسِ والرَّهَائِنِ/ العَاصِفَةُ تَدْفِنُ رُفَاتَ النَّهْرِ تَحْتَ الأعلامِ المُنَكَّسَةِ/ وَكُلَّمَا هَجَمَ الليلُ عَلى عِظَامي المنثورةِ في حَدَائِقِ البُكَاءِ / رَأيْتُ حَنَاجِرَ القَتْلَى عَلى حِيطانِ غُرْفَتي/ ضَوْءُ القَمَرِ يُنَظِّفُ هَيْكَلِي العَظْمِيَّ مِن سُعَالِ اللبُؤَاتِ / وَتَتَسَاقَطُ أجنحةُ الحَشَرَاتِ عَلى نَصْلِ مِقْصَلَتِي / سَأصِيرُ رُومَانسِيًّا عِندَما يَسْقُطُ المِكْيَاجُ في حُفَرِ المَجَاري / سَأصِيرُ عَاطِفِيًّا عِندَما يَرْمِي الفَيَضَانُ قُمْصَانَ النَّوْمِ في حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ /

     أيَّتُها الأرملةُ الشَّابَّةُ / ادْفِنِي زَوْجَكِ في أوراقِ الخريفِ / وانشُري الغسيلَ على سُورِ المقبرةِ /ضَعِي خُطَّةً عَسكريةً لاصطيادِ العَرِيسِ الجديدِ / سَوْفَ تَصطادُ الفَرِيسَةُ صَيَّادَهَا/ وَتَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ جَلَّادَهَا / إنَّ سُورَ المَقبرةِ يَفْصِلُ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحَوَاجِبِ / كَمَا يَفْصِلُ الحاجِزُ العَسْكَرِيُّ بَيْنَ جُثمانِ أبي وَضَجِيجِ البَحْرِ /

     ازْرَعِيني في الغُيومِ أيَّتُها الرَّصاصةُ / سَيَنْمُو التُّفاحُ في شَظَايَا جُمْجُمَتي/احْصُدِيني في الرِّمالُ أيَّتُها الأمواجُ / سَيَنْمُو البُرتقالُ في هَيْكَلي العَظْمِيِّ / أظافِرُ العَبِيدِ مَغرُوسَةٌ في نُهُودِ المَلِكَاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسْكَرِيِّ / والبَحْرُ يُنَظِّمُ حَفْلًا لِتَأبِينِ البُحَيْرَةِ الخائنةِ / والزَّوابعُ تَجْمَعُ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ في المساءِ الرَّهيبِ / أَكَلَتْ أشِعَّةُ القَمَرِ قُمَاشَ أكفاني / وأنا الآنَ أَمُوتُ عَارِيًا / سَامِحْنِي يا أبي / وَلا تَخْجَلِي مِن جَسَدِي يَا طُيُورَ البَحْرِ .

08‏/04‏/2025

مقبرة للسبايا ومطعم للعائلات

 

مقبرة للسبايا ومطعم للعائلات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     أَحْتَرِقُ مِنَ الدَّاخِلِ/ لأدْفَعَ كُرَيَاتِ دَمِي إلى هَاوِيَةِ الصَّهيلِ/ أتَفَجَّرُ مِنَ الخارِجِ/ لأُضِيءَ جُثمانَ البَحْرِ أمامَ الطُّيُورِ المُهَاجِرَةِ / فَكُنْ أُغْنِيَةً وَطنيةً في دُوَيْلَةٍ لَقِيطَةٍ / كَي تَكْتَشِفَ أجسادَ الأمواتِ تَحْتَ التُّرابِ / وتُضِيءَ أعشابَ المقابرِ أمامَ الدُّودِ فَوْقَ التُّرابِ /

     في المساءِ الجارِحِ / تَرْكُضُ أشجارُ المقابرِ إلى عِظَامي / شَظَايَا جَمَاجِمِ النِّسَاءِ في دَلْوِ البِئْرِ الوَحِيدِ / في القَرْيَةِ التي يُحَاصِرُهَا الجُوعُ والجُثَثُ والحواجزُ العسكريةُ / وأشِعَّةُ القَمَرِ تُحْرِقُ الطحالبَ في الهياكلِ العَظْمِيَّةِ / وَكُلَّمَا نَظَرْتُ في المِرْآةِ رَأيْتُ صُورَةَ قَاتِلِي /

     مَاتَ أبي في لَيْلِ الشِّتاءِ البَعيدِ / ولا تَزَالُ أُمِّي تَحْتَفِظُ بِمَلابِسِهِ في خِزَانَةِ البُكَاءِ/ سَيَنْمُو النَّعناعُ على حَبْلِ مِشْنَقتي / وَيَرْمِي وَمِيضُ البَرْقِ الأزهارَ الصِّنَاعِيَّةَ عَلى ضَرِيحي / والإعصارُ يُؤَدِّي التَّحِيَّةَ العَسْكَرِيَّةَ لِجُثمانِ البَحْرِ /

     الإعدامُ بالكُرْسِيِّ الكَهْرَبَائِيِّ / لَكِنَّ الكَهْرَبَاءَ مَقْطُوعَةٌ عَن مَدِينةِ السَّرَابِ/ والزَّوْبَعَةُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تَنْتَظِرُ نُمُوَّ ثَدْيَيْهَا كَي تُتَاجِرَ بِهِمَا/ سلامٌ للعَرَائِسِ اللواتي يَقْضِينَ شَهْرَ العَسَلِ في ثَلاجَةِ الجُثَثِ / والجِنِرَالُ المهزومُ يُلَمِّعُ أَوْسِمَتَهُ العَسْكَرِيَّةَ بِدَمِ الحَيْضِ لِعَشِيقَتِهِ الخائنةِ/ يُبَاعُ الرَّقيقُ الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ/ رَنِينُ خَلاخِيلِ النِّسَاءِ في مُدُنِ الكُوليرا/ كَرَنِينِ مَسَامِيرِ النُّعُوشِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسْكَرِيَّةِ / والمَطَرُ في الليالي الحزينةِ يَكْسِرُ عِظَامَ الأمواتِ /

     غُرْبَةُ ألوانِ الجَثَامِينِ في يَاقُوتِ المَجَازرِ / والمَوْجُ يَرْسَمُ عَلى لَحْمِي خَارِطَةَ الذِّكرياتِ / كَي يُسَهِّلَ عَلى الدِّيدانِ أَكْلَ لَحْمِي في شِتَاءِ المقابرِ / والعُشَّاقُ يَشْرَبُونَ الشَّايَ بالنَّعناعِ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ وَقَطَرَاتِ دَمِي / سَرَقَتْ قَلْبي الشَّركسياتُ / فَصِرْتُ بَحْرًا أخْرَسَ / بِلا أمواجٍ ولا نَوَارِس / وَشَظَايا جُمْجُمتي في صُحُونِ مَطْبَخِ بَيْتِنا في قُرْطُبَة / لَكِنِّي أركضُ إلى أشِعَّةِ القَمَرِ القَاتِلَةِ في مَسَاءِ الرُّعْبِ / ويَظَلُّ النَّدى عَلى شَوَاهِدِ القُبُورِ في صَبَاحِ البُكَاءِ / فيا أيُّها المَوْتَى / لا تَجْرَحُوا مَشَاعِرَ بَنَاتِ حَفَّارِ القُبُورِ / احْرُسُوا أُنوثةَ السَّنابلِ تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ / دَافِعُوا عَن عِظَامِ الضَّحايا تَحْتَ طَهَارَةِ التُّرَابِ /

     سَأُدَافِعُ عَن شَرَفِ الغُبارِ في أزِقَّةِ الجِرذانِ / الأمطارُ تَخْتَلِطُ بِكُحْلِ الصَّبايا في مَملكةِ السُّلِّ / لَن أَمُوتَ / سأظلُّ حَيًّا في قُلوبِ الشَّركسياتِ في غاباتِ القُوقاز تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / لَن أَمُوتَ / سأظلُّ حَيًّا في قُلوبِ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسورِ سَرَاييفو فَوْقَ دُمُوعِ التُّرابِ .

07‏/04‏/2025

عندما أموت ستحبونني

عندما أموت ستحبونني

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     يَنْتَظِرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ والمقابرِ الجمَاعِيَّةِ/ عِشْتُ في مَرْفَأ السَّرَابِ وَحِيدًا / لَم يَعْرِفْ وَجْهِي غَيْرُ البَحْرِ اليَتِيمِ / وَلَم يُحِبَّني غَيْرُ القِطَطِ المُشَرَّدَةِ / لا تاريخٌ لِمِلْحِ دُمُوعي سِوى الأعلامِ المُنَكَّسَةِ / ولا جُغرافيا لِهَيْكَلِي العَظْمِيِّ سِوَى أزِقَّةِ الجَرَادِ / وَعِندَما أَمُوتُ سَتُحِبُّونني/ تُلاحِقُونَ طَيْفِي بَيْنَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ في لَيْلِ الأضرحةِ الأُرْجُوَانِيَّةِ /

     سَامِحُونِي أيُّها الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلْكَةَ عَلى إشَارَاتِ المُرُورِ / نَسِيتُ البُوظَةَ في ثَلاجَةِ الجُثَثِ / أتَبَادَلُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ مَعَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / وأجنحةُ الحَشَرَاتِ بُوصَلَةٌ تُرْشِدُ طُيُورَ البَحْرِ إلى مَوْقِعِ قَبْرِي في غَابَاتِ المَطَرِ الوَرْدِيِّ / الأعاصيرُ سَتُطْلِقُ اسْمِي عَلى رَصِيفِ المِيناءِ بَعْدَ اغتيالي / خَدَعَنِي البَحْرُ / لَكِنِّي أعْشَقُ الأمواجَ / خَانَتْنِي الرِّمَالُ / لَكِنِّي أعْشَقُ الصَّحْرَاءَ /

    لا تَضْغَطْ عَلى أعصابي يا دِفْءَ فِرَاشِ المَوْتِ / الجَمَاجِمُ مُعَلَّقةٌ عَلى حَبْلِ الغَسِيلِ / لا تُحْرِقْ ذِكرياتي يَا مَطَرَ الوَدَاعِ / جَدَائِلُ النِّسَاءِ تَحْتَ بَسَاطِيرِ الجُنودِ /

     لَن يَعِيشَ الذِّئبُ في المُسْتَنْقَعِ / الرِّيحُ تُبَلِّطُ البَحْرَ بِرُخَامِ المقابرِ / لَن يَعِيشَ الصَّقْرُ تَحْتَ الأرضِ/ الأمواتُ يُنَقِّبُونَ عَن الذَّهَبِ في مَنَاجِمِ الاحتضارِ / وأنا المنبوذُ / أُفَتِّشُ عَن عُكَّازِ أبي تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وأُفَتِّشُ عَن كُحْلِ أُمِّي في بِئْرِ الجُثَثِ /

     سَيَذهَبُ العَاشِقَانِ إلى فِرَاشِ الزَّوجيةِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وأذهبُ إلى فِرَاشِ المَوْتِ في لَيْلَةٍ خريفيةٍ باردةٍ / فيا أيَّتُها العاصفةُ المُخْمَلِيَّةُ / خُذي لِي صُورةً تَذكاريةً وأنا عِلى فِرَاشِ المَوْتِ/ إنَّ احتضاري طَابَعُ بَرِيدٍ تَذكَارِيٌّ / يَلْتَهِمُ البَقُّ بَرَاوِيزَ الذاكرةِ / وتأكلُ الدِّيدانُ لَحْمي الطازَجَ /

     مَصِيرُ الفَراشةِ كَمَصِيرِ الدَّجاجةِ المذبوحةِ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / الذي هَجَرَهُ العُشَّاقُ / وَذَهَبُوا إلى المَوْتِ البَطِيءِ / الحُزْنُ في شَظَايَا قَلْبي كَالْمِلْحِ في دَمْعِ عَيْنَيْكِ/ دِفْءُ فِرَاشِ المَوْتِ في ليالي الشِّتاءِ الطويلةِ / وَسُخُونَةُ دَمْعِ العُشَّاقِ عِنْدَ الغُروبِ/ لَحْمي رُخامٌ مُسْتَوْرَدٌ لِتُرَابِ المقابرِ/والزَّوابعُ تُبَلِّطُ حَنجرتي بأجنحةِ الحَشَرَاتِ/ فَابْحَثْ عَن امرأةٍ في حُطَامِ قَلْبِكَ / تَبْكي عَلَيْكَ بَعْدَ مَوْتِكَ / واشْكُر المَوْتَى الذينَ زَيَّنُوا شَوَاهِدَ قُبُورِهِم قَبْلَ مَوْتِهِم / إنَّ دَمَ البَحَّارَةِ الغَرْقى يَتَوَهَّجُ / كَمَا يَتَوَهَّجُ المِلْحُ في دُمُوعِ فِئْرَانِ التَّجَارُبِ /

     أخي ضَوْءَ القَمَرِ / انْزِعْ حُبَّ الشَّركسياتِ مِن شَظَايا قَلْبي / كَي أقْدِرَ أن أنامَ / أنا مُنْذُ قُرُونٍ لا أقْدِرُ أن أنام / أحْتَرِقُ في الدُّنيا / فلا تُحْرِقْني يا إلَهِي في الآخِرَةِ / لا تَجْمَعْ عَلَيَّ حَرِيقَيْن .