تتركز قوةُ النص الشعري في قدرته على صياغة اتجاهات وجدانية للفرد والجماعة ، وربطِ دلالات اللغة مع تطلعات الفرد الحياتية. ومن هنا ينبثق التجانس بين لغويات القصيدة وأبجدياتِ المعنى . ولا يمكن لهذا التجانس أن يستمر إلا إذا تركزت الحقيقة القصائدية كحاجة إنسانية توازن بين المجتمع القصائدي المتحول إلى كيانات بشرية مندمجة مع حرية الفكر الشِّعري ، وبين مركزية المجتمع الإنساني المتحول إلى وحدات بنائية أقل توحشاً . وهذا التوازن المنشود كفيل بنقل القصيدة من الورق إلى أرض الواقع ، وتكريس الأفكار كحالة شعورية مضادة للنسيان والتهميش والإلغاء .
إن الأفق الشعري هو حالة اليقين في وسط نيران الشك ، وهذا اليقين هو القلعة الحصينة التي تمنع التردد والارتباك من اقتحام العالَم الشِّعري . فالقصيدة _ مثل السِّباحة _ ستواصل مسيرتها ما دامت هادئةً ، أمَّا إذا حصل التردد أو الارتباك فسيكون الغرقُ هو المصيري الحتمي.
وفي ظل هذه المعاني تكتسب القصيدةُ شرعية دَوْرها الإنقاذي ، والذي يتمحور حول تخليص الشِّعر من كل الأعباء الوجودية العَدمية . فقد أضحى الشِّعر _ بالنسبة للكثيرين _ عبئاً على كاهل المجتمع الثقافي بعد أن كان تأسيساً وجدانياً للمراحل الأخلاقية في حياة الفرد . وهذا الخلل في فهم طبيعة الشِّعر يدفعنا إلى البحث عن فهم جديد لوظيفة النسغ الكلامي المكثَّف الهادف إلى قلب أنظمة الأبجديات السُّلطوية التي اتخذت من اللغة مزرعةً للمعاني المشروخة والألفاظِ المكسورة . وكلما اكتسب هذا الفهمُ الديمومةَ والانطلاق ، اختفت حالةُ الصِّدام بين طبقات القصيدة المجتمعية. وهذا يعني الوصول إلى حالة التصالح بين الذات الشَّاعرة والنَّص الشِّعري . مما يُسهِّل ابتكار عوالم شِعرية جديدة تستمد شرعيتها من قدرة لغة النَّص على تجديد شبابها ، وتجديد آليات النسق الفكري . وبعبارة أخرى ، إن النَّص لا يُصبح شِعرياً وشَرْعياً إلا إذا امتلك ثنائية ( التغير / التغيير ) .