لا يمكن إخفاء البعد التثويري في أبجدية الشِّعر الصادمة ، لأن القصيدة ذاكرةٌ مُقاتِلة ترفض المساوَمةَ أو أنصاف الحلول ، وتعمل على تخليد اللحظة الزمنية التي يكتبها الكلامُ المنبثق من أبجدية الدم والبارود . وهكذا يتم الوصول إلى حالة صِدامية مناوئة لهوية الوهم على كافة الأصعدة . الأمر الذي يكشف دورَ النَّص الشعري في تكوين النسيج الاجتماعي للثورة الخارجة من لهب الحقيقة. وفي هذا الزخم المتأجج تتلاحم المفرداتُ الشِّعرية مع العلاقات الإنسانية في جسد واحد ، وما على القصيدة إلا رسم ملامح هذا الجسد وأبعاده المادية وأشواقه الروحية . والجدير بالذِّكر أن فكر التثوير المنتشر في عوالم القصيدة لا يَهدف إلى تمزيق المجتمع عبر عسكرة المنظومات الروحية ، وإنما يرمي إلى تجذير ماهية اكتشاف المعنى الإنساني في خضم الانفجار التكنولوجي ، وإخراجِ الإنسان من متاهته اليومية .
ولا يتأتى الحصول على منظومة شِعرية ثورية إلا إذا امتلكنا القدرةَ على صناعة خطاب خيالي مندمج مع الواقع حتى الرمق الأخير ، وهذا الاندماج هو طوق النجاة للإحساس الاجتماعي بالشِّعر ، كما أنه _ أي الاندماج _ سيؤدي إلى توليد أسئلة ذاتية غير ميكانيكية حول تقنيات بناء الخيال الواقعي . مما يُنتِج أبجدياتٍ شِعرية تشتمل على أبعاد معرفية تقود الفكر الشِّعري التأصيلي إلى العالمية ( عالمية اللفظ والمعنى / عالمية الدلالة / عالمية الرؤية ) .
وهذا الحِراكُ الشعري ذو الصبغة الاجتماعية الثورية من شأنه إضفاء الشرعية على عملية تزاوج المحيط الإنساني مع الظواهر الفلسفية للنَّص . وبالتالي فإن النَّص سيجد نفسَه في قلب الدوامة الاجتماعية . ونحن عندما نضع النَّصَّ في مواجهة الأطوار المجتمعية السلبية ، إنما نضع الفردَ في مواجهة المجتمع من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وليس زيادة المجتمع غرقاً . ومهما تلقى النصُّ الشعري من ضرباتٍ في هذا الزخم الثوري ، فإنه لن يَسقط على الأرض ، بل سيزداد قوةً ، لأن الضربة التي لا تَقتلكَ تُحييكَ .