حركة الشعر ضد الفراغ
للكاتب / إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 21/6/2012
إن التاريخ الوجداني للفكر الشعري يتحدد وفق
المفاهيم الإنسانية النابعة من الثقافة الاجتماعية. وهذا الارتباط الحتمي والمصيري
بين الفكر الشعري والبعد الاجتماعي يؤسس منظومة مفاهيم جديدة تؤدي إلى تثوير اللفظ
والمعنى وصهرهما في النظام القصائدي ، مما يجعل الفكر الشعري كتلةً متماسكة خالية
من الفراغات . فالشِّعر ينتزع شرعيةَ وجوده واستمراريته من صهر المراحل واختصار
الأزمنة وحرق المسافات ، وهذه العمليات المتضافرة لا تسمح بظهور فراغات في الفكر
الشعري أو مناطق معزولة ، إذ إن كثافة الولادات الشِّعرية تجعل القصيدة نهراً
متدفقاً سريع الجريان ، وعندئذ يتحول التيار الشعري إلى طاقة تعيد تشكيل الامتداد
الثقافي في جسد المجتمع وروحه .
وكلُّ فراغٍ
ناشئ عن انهيار العلاقات الإنسانية ، وغربةِ الفرد في محيطه الاجتماعي ، وغربةِ
المجتمع في نفسية الفرد ، فإن القصيدة ستقوم بملئه لأنها النسق الثقافي القادر على
ملء الأمكنة باشتعالات الأزمنة ، وردم فجوات الأزمنة بالحضور المكاني المتأجج .
وإنهاءُ
حالة الفراغ في العاطفة الإنسانية والبنية الاجتماعية ليس رفاهيةً أو تضييعاً
للوقت . فلا بد من إنهاء الفراغ لكي يتم بناء العالَم الشعري وفق مراحل لغوية
متطورة ذات شعور واقعي ووعي سوسيولوجي . وهكذا تتكرس أهمية المنتَج اللغوي الرمزي
كأبجدية معرفية تطلع من توهج اللفظة ومركزيةِ المعنى ، ويتحقق التوازن في الجسم
القصائدي بين ميكانيكا الشِّعر وروحانيته . وهذا التوازن سيصنع السلامَ الداخلي في
الجسم القصائدي ، فتصبح القصيدة في وئام مع ذاتها ، وفي حالة حربٍ مع العوالم
الخرافية المصبوغة بهالة المسلَّمات . كما أن هذا التوازن سَيُجنِّب النظامَ
الثقافي الدخولَ في متاهة الأضداد ، وماهيةِ الصراع العبثي ( الصراع في القصيدة /
الصراع على القصيدة ) .
وبالتالي
فإن المنظور المعرفي المتمركز في بُنية الثقافة وتفاصيلِ المجتمع سيغدو فكراً
جمعياً يضمن وحدة الجسد القصائدي وعدم تمزقه . وفي نفس الوقت ستصير فلسفة الأنشطة
الاجتماعية شعوراً جمعياً حاضناً للنظام الشِّعري ذي الصبغة الثورية التي تُشيِّد
المعنى وتهدم الفوضى . وعندئذ يتحرك المجتمع ضمن الجسد اللغوي الواحد ، وتسكن روحُ
اللغة في جسم المجتمع .