شجر الأحلام المقتولة / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 12/6/2013
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 12/6/2013
الهِضابُ تَرْتدي وَاقِياً ضِدَّ الرصاصِ
وقلوبُ الفراشاتِ آخِرُ مَعَاقِلي
فلا تُسْقِطْ حُلْميَ الأخيرَ
يا ضَوْءَ السَّنابل
إنني أَغْرقُ والأنهارُ مَشْغولةٌ
بِمَوْعِدها الغَرَاميِّ مَعَ الزَّبد
قَد سَقطتُ مِن عَيْنِ المطر
لا ذُبابٌ يَتجمَّعُ على نزيفِ الأُمسياتِ
ولا بِلادٌ تُولَدُ مِن حِجارةِ المدافن
أقتربُ فأبتعدُ
وكلما أمسكتُ ظِلِّي
هَرَبَتْ مِنِّي جُفوني
فاتركْ نعوشَ الجنود
على عروش الزنجبيل
ما نفعُ فُرْشاةِ الأسنانِ
وقد أكلَ النملُ أسنانَ الفجرِ ؟!
لاهثاً وَراءَ مِنديلِ أُمِّي
حَاضِناً سُعالَ أبي
أنا أرشيفُ الخاسرين في الذكريات
أنا هُدْنةُ الضَّحايا
الذين يَرَوْنَ قُبورَهم على التِّلفاز
والشُّطْآنُ تَرْفعُ السِّلاحَ في وَجْهِ البحرِ
سَتَفْتخرُ بِي حَارسةُ المقبرة
والنارُ حُبْلَى بالبرتقال
نزيفٌ على جدائل البحيرةِ العمياءِ
ورائحةُ الجوَّافةِ على ضفائر الإماء
المدنُ الموحِشةُ الذِّكرياتُ المتوحِّشةُ
يَسْبحُ في صُداعي البحرُ
ولَيْسَ في حِكايات الموْجِ
إلا بكاءُ الأعشاب
دَمْعي صَمْغٌ بين مَفاصلِ الزَّوْبعةِ
وكَبِدي فناجينُ الضُّيوفِ الأسرى
وعندما تقفُ العصافيرُ
على حَبْلِ مِشنقتي
وتصبحُ مِشْنقتي غابةً بلا سَناجِب
سأطبخُ رَعْشتي في حَلْقِ الشَّلال
أُحِبُّكِ وأَعْرفُ بُوصلةَ ضَريحكِ
لكنَّ العُقبانَ تَخجلُ أن تنظرَ في المرايا
قد أُصيبت الرَّاقصةُ بالشَّللِ
وانتهت الرَّقْصةُ إلى الأبد
فلماذا يَحتفظُ البَرْقوقُ بثيابِ الرَّقْصِ ؟!
فَسَخْتُ خِطبتي مِن الشَّلالات
طِفْلٌ يَرضع مِن جُثمان السَّرابِ
والصحراءُ ماتت في طبول الحرب
لكني أَرعى السنونو في الشفق الجارح
أنا الأخرسُ تحتَ المطر
والبرقُ يَغْتصبُ أسناني
ويَكتبُ وَصِيَّتي
النعوشُ المعطَّرةُ بالوَهْمِ
وبقايا أجسادِ النساءِ في الممرات
فلتمتْ أدغالُ الرَّصاصِ في زَفيري
وَعِشْ في كَبَدِ نَسْرٍ
ستُقطَف الزَّهرةُ على قمة الجبل
عند خُدود الشمس
لماذا أكتبُ عَرَقي بماء الذَّهب
والعُمَّالُ يَموتون في المناجم ؟!
لماذا تتزيَّنُ الفتياتُ بِفِضَّةِ الأعاصير ؟!
هذا الليلُ يُمَثِّل بجثثِ النجوم
والمساءُ يَركضُ في خشب التوابيت
ويَرمي أمعاءَ الغيوم في الشارع
وكلما مشيتُ في أمواج الفجرِ الكاذبِ
رأيتُ اسْمي على شواهد القبور
إسمنتُ البيوتِ المسلَّحُ بأحلامِ الغُرباء
قَمرٌ يَخرج من الأحزان
شمسٌ تَطلع من أضرحة اليمام
هذا أنا أحرسُ الرمالَ المتحركةَ
من خطوات المساء
وأثأرُ لمقتل البُحَيْرة
وفي أحضاني يُحْتَضَر الموْجُ
لأن العقاربَ قَد لَدَغَتْه
عَثرتُ على جثة الرياح
في نهر الكلمات
أنا الرَّاحلُ والرَّحيلُ
أَزُورُ السرابَ في بَيْته
وأشربُ البابونجَ مَعَ البَعوض
قد مات الشتاءُ مسموماً
ولم يأتِ ربيعُ الأشلاء
فيا أيتها الأنثى المصلوبةُ
على أجنحة الحمَام
لا يمكن للرصيفِ أن يَستيقظَ
بلا صَعْقةٍ كهربائيةٍ
ولا يمكن للتلالِ أن تنام
بلا حُبوبٍ مُهَدِّئةٍ
قد أكلَ الذبابُ أهدابَ البحرِ
فَلَم يَعُد الموجُ يراني
وهذا الشاطئُ أعمى
يُفتِّش في أوراق الخريف السِّرية
صُداعي مِقْودُ سَيَّارةٍ أثريةٍ
وسُعالي مَدْرسةُ الجراد
الظِّباءُ النازفة
والبابُ الخلفيُّ للشمس
وغُرْبةُ النَّعناع في المقابر الجماعية
أركضُ في الليل نَجْماً خَسِرَ مَدارَه
العَطَشُ هُوِيَّتي وأهدابي
ودمائي فُرْشاةُ أسنان للبَطِّ المنبوذ
ماتت البحيراتُ بسرطان الجِلد
فلا تَسْبَحْ أيها الشاطئُ في أرقِ السُّجناء
تحتَ قَمَرِ الدماء
وادفنْ في كَهْرمانِ العاصفة الزنزانةَ
المطرُ يَشوي الجماجمَ
على نار العِشق
ويُنَقِّبُ عن الذكريات
والأزهارُ المعدنيةُ تتقاتل
على مِيراثِ الشمس
فيا أيتها الضفادعُ المتحرِّكةُ خَارِجَ الحضارة
قد سَقَطت الغيومُ في حُفرتي
وهاجرت الصبايا المتَّشحاتُ بالسَّواد
من مقبرة الفراشات
المنفَى الاختياريُّ لا يَخْتارني
وسَجَّاني يَختارُ أثاثَ زِنْزانتي الانفرادية
منفيٌّ أنا بَيْنَ أهدابي وطُحالي
ولم يَدُلَّني على نعشِ أُمِّي
غَيْرُ سُعال الزيتون
أيها النجمُ الخارجُ عن مَداره
الداخلُ في عِظامي
كلما مَشيتُ على الضباب الجريح
التفَّ حبلُ الغسيل على رِقاب البَجَع
والهديلُ يُنظِّفُ مَساميرَ نعشي
تزأرُ المرايا
والطوفانُ يَشْوي الذُّرةَ
على الجثث المتفحِّمةِ
فيا أيها الأسرى
اخْرُجوا مِن زَفيري
سأرمي الكرزَ في اغتيال البحيرات
فلا تَخدش _ يا بنكرياسي _ حَياءَ الرمال
إنني الحطبُ الأزرق
أحترقُ في شهيق الأناناس
وأُزيِّنُ أسرارَ البلوط
بِحِبالِ المشانقِ الأثريةِ
حَرِّريني مِن عَيْنَيْكِ
فُكِّي قُيودي
لِكَي أُطْعِمَ ذاكرتي لأسماكِ الشفقِ
لا عائلة لي
ومِقْصلتي بالحجم العائلي
أُزيِّن بَيْتي لكي يَبتلعه الطوفانُ
وأكفانُ الزنابق بَيْنَ أعوادِ الثِّقاب .