مقدمة كتاب/ صورة اليهود في القرآن والسنة والأناجيل
للمؤلف/ إبراهيم أبو عواد
دار اليازوري / عمان _ الأردن
الطبعة الأولى 2008 / عدد الصفحات 212
facebook.com/abuawwad1982
.........................
الحمدُ لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد وإخوته الأنبياء الكرام وآل كُلٍّ وصحب كُلٍّ .
بدايةً كان موضوع هذا الكتاب بعيداً عن ذهني
، لأنني كنتُ غير مطلعٍ على الدراسات النصرانية التي تتناول اليهودَ . صحيحٌ أن
لدي معلومات غزيرة عنهم مُستقاة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهَّرة ، ولكن
جهلي بالنصوص الإنجيليةِ في السابق حال دون الخوضِ في هكذا بحث . فقد طمحتُ إلى
تقديم دراسة مستندة إلى الإسلام والنصرانية. وفي أحد الأيام زرتُ صديقاً قديماً في
بيته ، فأطلعني على مكتبته ، حيث وجدتُ الإنجيل ضمن الكتب الموجودة . أمسكتُ به
وبدأت أقرأ . لاحظ صديقي ذلك فأخبرني بإمكانية أن آخذه ، وتم ذلك.
صار عندي إحساس بإمكانية أن أصبح ذا اطلاعٍ
على الآخر، اطلاع ينقلني من وضعية الجاهل إلى الحاصل على نصيب من العِلم. يومها
اتضحتْ لي معالم الطريق الظاهرية ولم يبق لتحقيق مسعاي إلا أن أكتشف بنفْسي ذلك
الطريق . أريدُ القراءة بعيوني لا أن يقرأ الآخرون نيابةً عني ، أريد الاطلاع على
النصوص بنفْسي لا أخذها من مصادر غير أصلية .
ثم عكفتُ على القراءة والدراسة والتحليل
ومقابلة النصوص _ الإسلامية والنصرانية_ بعضها ببعض. ولاحظتُ التقارب الواضح الذي
يصل أحياناً إلى التطابق لولا الفارق البسيط. والحق يُقال أنهما ينهلان من مصدر
واحد، ولولا الأيادي العابثة بالإنجيل لما ظهر تناقضٌ بالمرة بين القرآن الكريم
والإنجيل ، فالكتب السماوية مصدرها الله تعالى، وهو مُنَزَّه عن التناقض والخطأ .
فالقرآن العظيم الكتابُ السماوي الوحيد المحفوظُ من التغيير والتحريف. قال اللهُ
عز وجل : ] إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ [
الحِجْر : 9] . وهذا الفضلُ الإلهي مختص
بالقرآن حصرياً دون باقي الكتب السماوية .
استندتُ في بحثي إلى
النصوص المقدَّسة لدى المسلمين والنصارى لأن كل جانب خاضعٌ لنصوصه . فالنصوص
المقدَّسة لدى المسلمين هي نصوص الكتاب والسُّنة الصحيحة. والنصوص المقدسة لدى
النصارى هي " العهد القديم" والمقصود به التوراة ، و" العهد
الجديد" والمقصود به الإنجيل . والتوراة والإنجيل اللذان أنزلهما الله تعالى
على موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام مقدَّسان ، ولا نكون مسلمين إلا بالإيمان
بهما ، ولكن الموجود حالياً بين أيدي اليهود والنصارى فاقدُ القدسية ولا نعترف به
كمسلمين. وأُنبه القارئ إلى أن اليهود وغيرهم بدَّلوا التوراة "العهد
القديم" بحيث تُلَمِّعُ سيرتهم وصورتهم وتتماشى مع أهوائهم. ورغم التحريف في
الإنجيل إلا أنه يعطينا صورة عن اليهود متوافقة مع الحقيقة في أحيانٍ كثيرة. مع
الانتباه إلى أن اليهود يؤمنون بالعهد القديم وَحْدَه ويكفرون بالعهد الجديد (
الإنجيل )، أمَّا النصارى فيعتبرون العهد القديم شطراً من الكتاب المقدَّس ،
ويؤمنون بالعَهْدَيْن معاً . وهناك
ملاحظة غايةٌ في الأهمية ، وهي أن القرآن الكريم هو الْحَكَم ، فما وافقه من
النصوص الإنجيلية أو التوراتية اعتمدناه ، وما خالفه رفضناه .
وقد ذهبتُ إلى النَّص الملزِم لمعتنقه مع
الاطلاع على دراسات أخرى كثيرة لمؤلفين من
الشرق والغرب استفدنا منها . وإنني أريد من عملي إبراز الصورة والشكل الحقيقي
لليهود على الدوام. ذلك لنعرف حجم الانهيار والانتكاسة التي أصابت عقولهم جراء
التحريف، وحجم الكفر والضياع الذي يعيشه أهل الكتاب عامة واليهود خاصة ، ويَحْسبون
أنهم على الطريق المستقيم .
هذه رسالتي إلى كل مُنصِف ، أمَّا الذين
أعطوا عقولهم إجازةً مفتوحة ، وحقنوا أعمارهم بالخرافات حتى تكلستْ في أرواحهم
وقلوبهم وأجسادهم، فَسَيَعْبُرون كالعادة
مُعرِضين ساخرين يَنظرون ولكنهم لا يُبصرون .
حاولتُ تكوين تشكيل يَسبرُ غَوْرَ الشخصية
اليهودية_الصهيونيةِ بواسطة تحليل النفسية البنائية
مروراً بالطباع والسجايا المستندة إلى العقيدة والتفكير الداخلي. وقد عَزَّزْتُ رؤيتي بالتوثيق،
حيث رددتُ النصوص إلى مصادرها. ولَمَّا كان السلوك الظاهري يُنبئ عن الباطن في
الغالب _ فالنادرُ لا حُكمَ له _ ، أستطيع القول إننا وصلنا إلى دراسة منطقية
للذات اليهودية مُمثَّلةً بأهم أطوارها تاريخياً ، وصولاً إلى واقعنا الذي نعيشُ .
إنه التاريخُ مرةً أخرى ، يأخذ بأيدينا إلى
اكتشافِ عوالم الذات الإنسانيةِ . وللأسف ، فالبشرُ قد حَوَّلوا الأرضَ إلى مدفن
كبير يزداد شراسةً. وإذا كان الأنبياءُ بُناةَ الحضارة الإنسانيةِ المستقيمةِ قد
أسَّسوا لنا منهاجاً رَبَّانياً مَعْصوماً ، فإن السواد الأعظم شرعوا يهدمون
الحضارة ويُنازعون خالقهم تعالى في حُكمه . وأنا واثقٌ أن ما بناه رَبُّنا ما له
مِن هادمٍ . إنه الإنسانُ بغروره سقى نفْسه كأس الهلاك فهوى إلى مرتبةٍ سحيقةٍ من
التخبط واختفاء الهدف والوعي وغياب مفهوم المصير .
واللهَ أسألُ أن يعصمنا من كل ما يضرُّنا،وأن
يجعل عملَنا خالصاً لوجهه العظيم. لعلنا نشهدُ رجوع الإنسانية عن غَيِّها وضلالها
وافتتانها بالرُّكامِ المنثور . ربما نشهدُ يوماً نرقى بأرواحنا عن سفاسف الأمور ،
وأن نُحَكِّمَ منطق العقل والحوار مع المؤهَّلين والمستعدين للحوار، ولا حوار مع مَن
يُوجِّهون بنادقهم إلى صدورنا في هذا العالم الذائب في مصانع الأسلحة ، والبورصات
، والبنوك الربوية ، وصالات القِمار ، وممالك الموت والأوبئة . يحتاجُ سادةُ
العالم الجدد السائرون على خطى فرعون إلى الاقتناع بأن الدبابة لن تقتل الفكرةَ ،
والاغتيال لا يُنهي القضية ، والباطل غير قادر على مواجهة الحق .
إبراهيم أبو عواد
عَمَّان في 8 جمادى الأولى
1426 هـ
الأربعاء ، 15 حزيران 2005 م
.