عشيقات امرئ القيس
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
............................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
............................
إن الإنسانَ يعودُ إلى ذكريات الحب الماضي باحثاً فيها عن بارقة أمل أو
طوقِ نجاة. إنها العودةُ إلى ينابيع العشق الأُولى ، والرجوعُ إلى النواة
التاريخية الأصلية . وهذه العودةُ إلى الأصل إنما هي بسبب المعاناة في الحياة
اليومية . فالإنسانُ حينما يعاني من حاضره ، لا بد أن يَهرب إلى الماضي ، لعله يجد
فيه الخلاصَ ، والدفءَ العاطفي ، وراحةَ الأعصاب .
وفي حالة الشاعر امرئ
القَيْس ، حدث العكسُ تماماً. فهو يَعود إلى الماضي محترقاً نادباً حظَّه .
وذكرياتُه المتمركزة في عالَم عشيقاته السابقات تزيده لوعةً وحزناً وألماً . ولم
يجد في قصص حُبِّه الماضية سوى حطب جديد لنيران قلبه المحترق .
يقولُ الشاعرُ امرؤ
القَيْس :
كَدأْبكَ
مِن أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلها
وجارَتِها أُم الرَّبابِ بمَأْسَــلِ
يخاطبُ نَفْسَه بكل
حسرةٍ وألم ، مقتنعاً أن غرامياته سلسلةٌ متَّصلة من الخسائر والخَيْبات والهزائم
. يقول لنَفْسه : عَادَتُكَ في حُب هذه كعادتكَ من تلك . وبعبارة أخرى ، قِلَّةُ
حظِّكَ من وِصال هذه ومعاناةُ عِشقها ، كقلة حظِّكَ من وِصالهما ومعاناتكَ
عِشقهما. " قَبْلها " أي قَبْل هذه التي شُغفت بها الآن
."مأسَل" اسم جبل.
إن هزيمة الشاعر في
معركة العشق الحاضرة قد ذَكَّرَتْه بهزائمه الغرامية الماضية . وبالتالي ، فإن
الفشلَ في العِشق ليس جديداً على الشاعر . وهذه المرأةُ _ التي يُعاني الوجدَ بها
ويتعذب بسببها _ قد أعادت له ذكرياتِ العِشقِ المرَّةَ التي مَضَت . وهذه العشيقةُ
الحاليةُ قد ذَكَّرَتْه بأُم الحُوَيْرث وأُم الرَّباب ، وهما عشيقتان سابقتان ،
عانا الشاعرُ معهما أشد المعاناة . إذن ، فالشاعرُ يَملك تاريخاً من الهزائم
الغرامية ، الحالية والماضية ، لذلك نجده غير متفاجئ بخَيْبته وقِلَّةِ حظِّه مع
المعشوقة . فهذه المشاعرُ سبقَ وأن جَرَّبها في الماضي . إنها مغامرةٌ غرامية خاسرة
تُضاف إلى خسائره الغرامية القديمة . وهكذا ، قد تحوَّلت قصصُ العِشق إلى عذابات
متَّصلة مخزَّنة في ذاكرة الشاعر المخدوشة، وأرشيفِ التاريخ المكسور، وسِجِل
الأيام الحزينة . ويبدو أن الشاعرَ قد اعتاد على إخفاقاته مع العشيقات ، فلم يعد
يَشعر بالصدمة ، ولم يَسقط ضحيةً لعنصر المفاجأة القاتل .