توماس مان وقسوة النازية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 8/11/2016
....................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 8/11/2016
....................
وُلد الأديب الألماني توماس مان ( 1875_ 1955)
في مدينة لوبيك الألمانية التي تطل على بحر البلطيق ، وتُوُفِّيَ في مدينة زيوريخ
السويسرية . ينتمي إلى عائلة برجوازية ، فقد كان أبوه من كبار التجار ، وعُضواً في
مجلس الشيوخ . أمَّا والدته فكانت ابنة أحد أصحاب المزارع الكبرى في البرازيل .
وأخوه الكبير هو الأديب والروائي هنريك مان .
لم يهتم بالحياة الدراسية ،
وكانت المدرسة بالنسبة إليه سِجناً لا يُطاق ، فَكَرِهَها ، وهرب من أجوائها
الخانقة ، ولم يحصل على شهادة الثانوية . وكانت سعادته مستمدةً من المسرح البسيط
الذي أقامه أخوه هنريك في البيت .
عِندَما بلغ الخامسة عشرة مِنَ
العُمُر تُوُفِّيَ والده ، وقامت الأسرة بإغلاق الشركة التجارية التي تركها الأب ،
وباعت البَيت بما فيه مِن أثاث . واضطرت والدته البرازيلية إلى الاستقرار معَ
أولادها في مدينة ميونيخ عام 1893. والتي كانت العاصمة الثقافية والفنية لألمانيا
. وقد أكملَ فيها الشاب توماس تعليمه ، وعمل لفترة بسيطة في شركة تأمين ، ثُمَّ
عمل في مجلة أسبوعية كان يُصدرها أخوه . وفي تلك الفترة بدأ يَكتب الشِّعر العاطفي
مُتأثِّراً بالشعراء الألمان الكِبار : غوته وشيلر وهاينه .
سافرَ مَعَ أخيه إلى إيطاليا، وأقامَ فيها
لمدة عامَيْن، وبدأ كتابة أُولى رواياته " آل بودنبركس ". ثُمَّ عادَ
إلى ميونيخ ، واستقرَّ فيها بعد أن أدَّى الخدمةَ العسكرية . تزوَّجَ مِن كاتيا برنغشايم
، وهي امرأة أرستقراطية ، وبذلك صارَ ضِمْن أرقى العائلات في المدينة .
وتُعتبَر رواية " آل
بودنبركس " ( 1901) مِن أكثر الكتب مبيعاً ، فهي تُمثِّل اعترافاً عالمياً
بموهبة هذا الكاتب ، وتَكريساً أدبياً لَهُ ، وسَبباً رئيسياً في حصوله على جائزة
نوبل فيما بَعْد . تُصوِّر الروايةُ تراجعَ عائلة تجارية
برجوازية من مدينة لوبيك الألمانية على مدى أربعة أجيال . وقد استلهمَ الكاتب
الكثير من تاريخ عائلته . وقد بِيع من الرواية حتى اليوم أكثر من أربعة ملايين
نسخة باللغة الألمانية وَحْدَها .
عندما
اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، كان توماس مان أديباً مُكَرَّساً
ومَشهوراً . وقد استعاد نشاطه الأدبي بعد انتهاء الحرب فكتب روايته الشهيرة الجبل
السِّحري ( 1924) ، التي تُعتبَر أهم رواية للمؤلف ، وأهم رواية كلاسيكية في الأدب
الألماني في القرن العشرين ، وتَمَّت ترجمتها إلى لغات عديدة. وقد احتلت المرتبة
الأربعين في "كتب لوموند المائة للقرن" . وهو تَصنيف كُتُب ضَمَّ عِندَ
إعداده مجموعة من الكتب يُعتقَد أنها أفضل 100 كتاب صَدر خلال القرن العشرين .
وهذه الروايةُ حَقَّقت للكاتب شهرة عالميةً تُوِّجَت بحصوله على جائزة نوبل للآداب
عام 1929 .وعِندَما عَلِمَ بِفَوزه بجائزة نوبل، قال بلهجة مُتكبِّرة: (( كُنتُ
أنتظر ذلك)). وقد قَدَّم الجائزة لشعبه قائلاً : (( سَأُقدِّم هذه الجائزة العالمية التي تحمل بالصُّدفة اسمي لشعبي
ولبلدي )) . وقد تُرجمت كتب
توماس مان إلى أكثر مِن أربعين لغة .
كان نجاح هتلر في الانتخابات عام 1930
كارثةً مُدوِّية في تاريخ ألمانيا، وشَكَّلَ خطراً حقيقياً على حياة عائلة ( مان )
الليبرالية . وقد طالبَ الكاتب بتشكيل جبهة من الديمقراطيين لمواجهة المتشدِّدين. وبعد وصول الحزب النازي إلى الحكم عام 1933، أُجْبِرَ على مُغادرة
ألمانيا . وقد سُحبت منه الجنسية عام 1936 ، فعاشَ مُتنقِّلاً بين فرنسا وسويسرا ،
ثُمَّ هاجرَ إلى الولايات المتحدة ، واستقرَّ فيها مَعَ عائلته حتى عام 1952 .
ثُمَّ عادَ إلى أوروبا ، واختارَ مدينة زيوريخ لِيُنهيَ فيها حياته بهدوء .
لم تكن حياة توماس مان مفروشةً بالورود . لقد
عانى في طفولته ، وكَرِهَ المدرسةَ ، ولم يحصل على شهادة الثانوية . كما أنَّ
وفاةَ والده أفقدت العائلةَ توازنها الروحي ، وأثَّرَتْ سَلباً على وَضعها
الاقتصادي ، حتى اضطرت إلى تغيير مكان إقامتها. ولم تستقر حياة الكاتب بعد زواجه
وانضمامه إلى العائلات الراقية وشُهرته الأدبية ، فقد تلقَّى صَدمةً هائلةً
عِندَما انتحر ابنُه كلاوس الذي كان يَتمتَّع بموهبة أدبية خاصة . ثُمَّ جاءت
الأحداث السياسية لتزيد معاناته ، فقد طرده النازيون من بلاده ، واعتبروه خائناً ،
وسَحبوا مِنه الجنسية . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، عانى من
المشكلات النفسية التي سَبَّبت له الاضطراب وعدم التوازن، إلا أنَّهُ نَجح في
قيادة المعركة السياسية وتَطوير أعماله الأدبية .
لُقِّبَ توماس مان
بالسَّاحر نظراً لإمكانياته الفكرية الهائلة ، وأسلوبه الأدبي المؤثِّر . وتَمَّ
اعتباره أحد أعمدة الأدب الألماني الحديث . وقامت أشهر الجامعات العالمية بتكريمه
مثل جامعة أوكسفورد البريطانية وجامعة برنستون الأمريكية. وبَقِيَ قَلْبُه
مُعلَّقاً بوطنه وشعبه رغم سنوات الغربة الطويلة .
مِن أبرز أعماله الأدبية
: المهرج ( 1898) . آل بودنبركس ( 1901) . الموت في فينيسيا ( 1912)
. وقد حُوِّلت إلى فيلم سينمائي عام 1971 يحمل نفس الاسم . الجبل السحري ( 1924) . المختار ( 1951) . البجعة
السوداء ( 1954) .