لا تلهث وراء الحب
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 5/2/2018
............
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 5/2/2018
............
[1]
لا تَلْهَثْ وَراءَ الْحُبِّ .
اتْرُك الْحُبَّ يُفَتِّشْ عَنكَ .
كُن طَبيعيًّا وتِلقائيًّا . لا تَحْصُرْ
تفكيرَك في الحبِّ ، ولا تُفكِّر في كَيفية العُثور عَلَيه . عِشْ حياتَك بشكل
طبيعيٍّ . سَيَظهر لَكَ الحبُّ بشكل غَير مُتوقَّع في المكان والزمان الغَرِيبَيْن
، كما يَظهر الضَّوءُ في غابةٍ كثيفة الأشجار . كما يَظهر لَكَ صَديقٌ قديمٌ
انقطعتْ أخبارُه مُنذُ مُدَّةٍ بَعيدة. فَتِّشْ عَن الحبِّ في داخلك ، ولا
تُفَتِّشْ عَن الحب في الخارج . الحبُّ في دَاخلك يحتاج إلى تَنقيب مستمر وبحث
دائم ، أمَّا الحبُّ الخارجيُّ فَسَوْفَ تَحْمِلُه لَكَ الأيامُ عَاجِلاً أو
آجِلاً . اشتغِلْ بالعَمَلِ، ولا تُفكِّر بالنتيجة .
[2] مَنْ يُؤلِّف
الكُتبَ كَي يُصبحَ مَشهورًا ، سَيَبْقَى مَغمورًا .
لا مَعْنَى للركض وراء الشُّهرة . الشُّهرةُ
مَجْدٌ زَائلٌ . اهْرُبْ مِنَ المجدِ يَتْبَعْكَ المجدُ . لَوْ خَطَّطَ الإنسانُ
للشُّهرةِ بالوَرقةِ والقَلَمِ ، فَلَن يَحْصُلَ عَلَيها ، لأنَّها أمرٌ خارجٌ عَن
إرادته . وظيفةُ الإنسانِ أن يَمشيَ في الطريقِ، ولَيْسَتْ وظيفته أن يَصِلَ. مُطَالَبٌ
أنتَ بالعملِ الدَّؤوبِ،ولَسْتَ مُطَالَبًا بالنتيجة.
[3] جَرَّبْتُ
كُلَّ الْمَنَافي الأرضيةِ فَأُصِبْتُ بالْمَلَلِ . أُرِيدُ مَنْفًى في كَوْكَبٍ
آخَر .
كَيْفَ يَهربُ المحكومُ بالإعدامِ وَهُوَ
مُحاصَرٌ بِقُضبان الزِّنزانة ؟. كَيْفَ يَهربُ الإنسانُ مِنَ الموتِ والموتُ
يَطْلُبُهُ ؟ . الأنا هُوَ الآخَر ، والآخَرُ هُوَ الأنا . الوطنُ هُوَ المنفَى ،
والمنفَى هُوَ الوَطنُ . والإنسانُ وُلد غريبًا ، وسيظلُّ غريبًا .
[4] الْخُطوةُ
الأُولَى في طَريقِ الإبداعِ أن تُؤْمِنَ أنَّكَ مُخْتَلِفٌ .
أنتَ مُمَيَّزٌ . لَيْسَ بِمَعنى أنَّكَ
أفضلُ مِنَ الآخرين ، ولكنْ بِمَعنى أنَّ لَدَيْكَ شيئًا لا يَمْلِكُه الآخرون،
وهو بَصمتك الشخصية . كُن نَفْسَكَ ، ولا تُقَلِّد الآخرين . ارْفُض الذَّوَبان في
الآخرين. أقصرُ طَريق للعبقرية أن تَكون نَفْسَكَ ، ولا شَيْءَ آخَر . لَن
يَحترمَك الناسُ إذا كُنتَ الصَّدى . كُنْ أنتَ الصَّوْتَ لِتَفْرِضَ احترامَكَ
على الناسِ. حَتَّى لَوْ كُنتَ صَوتًا مَبحوحًا. إنَّ الصَّوت المبحوح أفضلُ مِنَ
الصَّدى النقيِّ . لا مُقَارَنة بين الأصل والنُّسخة المزوَّرة . لا تَتْرُك
الآخرين يُفكِّرون نِيابةً عَنْكَ، اصْنَعْ حَيَاتَكَ بِنَفْسِكَ، وضَعْ بَصْمَتَكَ
الشخصيةَ. إِنْ بَقِيتَ ساكتًا، فإِنَّ الآخرين سَيَتَحَدَّثون باسْمِكَ ،
ويَسرقون حَياتكَ مِنْكَ .
[5] عَدُوِّي
الموجودُ في دَاخِلي أكثرُ خُطورةً مِن عَدُوِّي الخارجيِّ .
مَن الذي سَيَأكلُ الغَنَمَ : الرَّاعي أَم
الذِّئبُ ؟. عَدُوِّي الكامنُ في دَمي أكثرُ خُطورةً لأنَّهُ يَعيشُ في شَراييني ،
ويَرى أحلامي ، ويُشاهِدُ ذِكرياتي ، ويَطَّلِعُ عَلى مشاعري . إنَّهُ مُطَّلِعٌ
على نقاط قُوَّتي ونقاط ضَعْفي . سَأُغْلِقُ بابَ بَيتي أمامَ عَدُوِّي الخارجي ،
أمَّا عَدُوِّي الداخلي فيعيشُ مَعي .
[6] مُشكلةُ بَعْضِ الأُدَباءِ أنَّهم أكبرُ مِن بِلادِهم .
يَصِلُ بعضُ الأدباء إلى رُتبةٍ سَامِيَةٍ
مِنَ الفِكْر والإبداع والتأثير العالميِّ . والْمُفارَقةُ تَبْرُز إذا كانوا
يَنتمون إلى دُوَلٍ فاشلةٍ لا تأثير لها على الساحة الدَّولية . وعندئذٍ ، يُصبح
هذا الأديبُ أكبرَ مِن وَطنه . وهذا أمرٌ غَريبٌ يُشَكِّلُ أزمةً رُوحيةً عميقةً
في النَّفْسِ البشرية .
[7] سَتَصِيرُ حَيَاتُكَ بَالغةَ الصُّعوبةِ عِندَما تَكُونُ ذَكِيًّا
بَيْنَ الأغبياءِ .
عِندَما تَكونُ بَصيرًا بَيْنَ العُميانِ ،
مِنَ الطبيعيِّ ألا يُصَدِّقُوا أنَّكَ بَصيرٌ . البَصيرُ بَيْنَ العُميانِ
كالأعمى بَيْنَ الْمُبْصِرِين . والعَالِمُ بَيْنَ الْجُهَّالِ كالجاهلِ بَيْنَ
العُلَماء . لا يَعْرِفُون قَدْرَهُ ، وسَوْفَ يَقْضُون على مُستقبله . ومَهْمَا
كانَ الإنسانُ عَبقريًّا، ويَمتلك قُدراتٍ خارقة ، فهو مَحصورٌ في الزمان والمكانِ
، ومُحَاطٌ بالناسِ ، سَوَاءٌ أحَبَّهم أَم كَرِهَهُم . لَن يَتحرَّرَ مِنَ الناسِ
، حتَّى لَوْ عَاشَ في مَغارةٍ مُنعزِلة عَن العالَم. والذكاءُ الحقيقيُّ هُوَ
التَّكَيُّفُ مَعَ المحيطِ الاجتماعيِّ تَأثُّرًا وتأثيرًا . والذكاءُ الاجتماعيُّ
لَيْسَ نِفاقًا أو مُجَامَلةً ، وإنما هُوَ تَحويلُ الشَّخصِ الفاشلِ إلى ناجحٍ ،
وتَحويلُ الناجحِ إلى أُسطورة .
[8] شَيْءٌ مُؤْسِفٌ أن تَهْزِمَ
أعداءَكَ الحقيقيين وَتَنهزمَ أمامَ عَدُوٍّ وَهْمِيٍّ اخترَعَهُ خَيَالُكَ
المريضُ .
الوَهْمُ هُوَ العَدُوُّ الأكثرُ شَراسةً ،
إِنَّهُ نِهايةُ الإنسانِ ، وانتهاءُ الحضارةِ . نَحْنُ مَرْضَى بالوَهْمِ .
حَياتُنا تَنظيرٌ وصُراخٌ وبَحْثٌ مستمر عن المجدِ الضَّائع . لأنَّنا فاشلونَ في
الحاضر ، نَهربُ إلى أمجادِ الماضي التي صَنَعَها أجدادُنا . نَحْنُ عِظَامِيُّونَ
لا عِصَامِيُّون . نَبني أمجادَنا الشَّخصيةَ الوهميةَ على عِظام آبائنا .
نُحَوِّلُ هَزائمَنا في المعاركِ إلى انتصاراتٍ في الأغاني الوَطنية على شَاشةِ
التلفاز . وإذا هَزَمْنا أعداءَنا على أرضِ الواقع، فإنَّنا نَجْلِدُ ذَواتنا،
ونُشكِّك في قُدراتنا، ونَخترع أوهامًا تَغتالُ أحلامَنا ، وتَكسر أقواسَ النَّصرِ
. إنَّ حياتَنا هي الوَهْمُ الْمُعَلَّبُ في عُروقنا . ولَن نستطيع الهربَ مِن
دِمائنا .
[9] عَدَمُ
كَسْرِ الأبوابِ والنوافذِ لَيْسَ دَليلاً عَلى انعدامِ السَّرقةِ .
هُناك لُصوصٌ شَعْبِيُّون أصحاب ثِيابٍ رَثَّة،
مُوَزَّعُون في الحافلات والأسواق الْمُزْدَحِمَة. وَهُناك لُصوصٌ يَرْتَدُون رَبطاتِ
العُنُقِ ، يَظهرون على التِّلفاز ، ويُنَظِّرُون في العدالةِ الاجتماعية
والوَحْدةِ الوطنية ومُحارَبةِ الفساد . نَبْحَثُ عَن اللصِّ ذِي الثِّيابِ
الرَّثةِ . ولا نَبحثُ عَن اللصِّ صاحب رَبطة العُنُقِ الأنيقة . اللصوصُ
يَسْرِقُون الملايين ، وهُم جالسون وَراءَ مكاتبهم التي تُزَيِّنُها الأعلامُ
الوَطنيةُ وصُوَرُ القادةِ والزُّعَماء . الوطنُ صَفقةٌ تجارية . والشُّعوبُ
فِئران تجارب . يُلقي لُصوصُ الوَحدةِ الوطنيةِ أحاديثَ الشرفِ والمجد عَلى
الجماهير الْمُخَدَّرَةِ اللاهثةِ وراء رغيف الخبز ، ثُمَّ يَسْرِقُونها بِاسْمِ
الوطن والمستقبَل الْمُزدهِر .
[10] اللغةُ هِيَ خَطُّ الدِّفاعِ الأوَّلُ عَن
الْهُوِيَّةِ والحضارةِ .
سِرُّ اللغةِ كامنٌ في طاقتها الرَّمزية .
وهذه الطاقةُ هي الحاملةُ لشرعيةِ الإنسانِ ، ومشروعيةِ الجماعةِ ، ومَشروعِ
الحياة بِكُلِّ تفاصيلها . والرَّمْزُ هُوَ العُنصرُ القادرُ على مُواجَهة
الخرافاتِ المتوحِّشةِ والأساطيرِ الْمُوحِشة . اللغةُ
هِيَ الجسدُ ، والأبجديةُ هِيَ شَمْسُ الرُّوحِ . اللغةُ وَمضةٌ ضَوئيةٌ أوْ
شَرارةٌ ناريةٌ في غاباتِ الْحُلْمِ .
تُصْبِحُ الأبجديةُ مَعشوقةً تُداوي جُروحَ القلب. ونحفر خنادق أحزاننا في
رياح اللغة لننتزع الفرحَ من عيون الفقراء والأيتام والضَّحايا . كُلُّ وَمْضٍ
جَسَدٌ . والْحُلْمُ يُولَد مِن احتضار الزَّمَكَان . والزَّمانُ والمكانُ
شَبَحَان يُخيِّمان على تفاعلات الأنساق البشرية .