سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

24‏/10‏/2024

كتاب/ الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن الكريم

 

فهرس كتاب/ الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن الكريم

تأليف / إبراهيم أبو عواد

عدد الصفحات : 880 صفحة

دار الأيام للنشر والتوزيع ، عَمَّان _ الأردن

.........................

مقدمة......................................................................................5

الفصل الأول : الإنسان [7]

تمهيد[8]1_خَلْقُ الإنسانِ [9]2_أحوالُ الإنسانِ وأوصافُه [41]3_تَكْرِيمُ اللَّهِ للإنسَانِ [78] 4_ تَسخيرُ الكائناتِ للإنسانِ [80] 5_ نَهْيُ الإنسانِ عَن تَزكيةِ نَفْسِه [98] 6_ حَالُ أكثرِ الناسِ [105] 7_ضَجَرُ الإنسانِ في حَالِ الشِّدَّةِ ونِسْيَانُهُ الشُّكْر حَالَ الرِّضا[109]8_طُولُ عُمُرِ الإنسانِ يُضْعِفُه ويُعْجِزُه [119] 9_ حَمْلُ الإنسانِ الأمانةَ [ 126 ]10_ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [ 134 ]

الفصل الثاني : الأُسْرَة [137]

تمهيد[138]1_تَكْوِينُ الأُسْرَةِ[139]2_النِّكَاح(الزَّوَاج) [143]3_ النِّكَاحُ المُحَرَّمُ [148] 4_ نِكَاحُ المُشركةِ وإنكاحُ المُشْرِكِ [166]5_ إنكاحُ الأيَامَى والعِبَادِ والإمَاءِ [170] 6_ أمْرُ غَيْرِ القَادرِ على الزَّوَاج بالاسْتِعْفَافِ[173]7_الصَّدَاقُ(المَهْرُ)[175]8_تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ [186] 9_ الحَمْلُ والرَّضَاعُ [198] 10_ الأولاد [203]11_ قَتْلُ الأولادِ وَوَأْدُ البَنَاتِ [216] 12_ القِوَامَة[232]13_ النُّشُوز [236]14_ التَّحْكِيمُ قَبْلَ الطَّلاقِ[244]15_ الطَّلاق [247] أ_ الشُّرُوطُ الواجبُ تَوَافُرُهَا قَبْلَ الطَّلاق [247]ب_ الأحكامُ التي تَتَرَتَّبُ عَلى الطَّلاقِ [254]ج _ عَدَدُ الطَّلَقَاتِ[266] 16_ الظِّهَار[268] 17_ الإيلاء [273] 18_ اللِّعَان [276] 19_ عِدَّةُ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا [ 282 ] 20_ خِطْبَةُ النِّسَاءِ أثناءَ العِدَّةِ [ 284 ] 21_ عَضْلُ المَرْأةِ [288] 22_ إكْرَاهُ الإمَاءِ عَلى البِغَاءِ [291]23_ حَقُّ الوَالِدَيْن [294] 24_ الاسْتِئْذَانُ في أوْقَاتِ الخَلْوَةِ [307] 25_ الحِجَاب [316] 26_ التَّبَنِّي [341] 27_ التَّسَرِّي [352] 28_ صِلَةُ ذَوِي القُرْبَى [366] 29_ اليَتَامَى [381]

الفصل الثالث : الرَّقِيقُ والأسْرَى [411]

تمهيد[412]1_أخْذُ الأسْرَى[413]2_ فِدَاؤُهُم قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِم[420]3_ خُطُوَاتٌ سَبَّاقَةٌ للقَضَاءِ عَلى الرِّقِّ وَاسْتِئْصَالِ وُجُودِه[423] أ_ تَنظيمُ مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ عَلى أسَاسٍ مِنَ الإنسَانِيَّة [423]ب_ مُكَاتَبَةُ المَمْلُوكِ وَمُسَاعَدَتُه مَالِيًّا عَلى التَّخَلُّصِ مِنَ الرِّقِّ [427]ج _ وَاجِبُ الدَّوْلَةِ في العَمَلِ عَلى تَحْرِيرِ الأرِقَّاءِ بِالمَالِ[430] د _ الإعْتَاق [434]

الفصل الرابع : المُجْتَمَع [447]

تَمهيد[448] 1_ التَّحِيَّةُ والسَّلامُ [449] 2_ الآدابُ والاسْتِئْذان [463]3_ آدابُ المَجْلِس [484]4_ الجَلِيس [ 498 ] 5_ الوَصِيَّةُ بِفِئَاتِ المُجْتَمَع [ 505 ] 6_ التَّعَاوُن [ 516 ] 7_ الإخَاء[517] 8_ الجَمَاعَة [527]9_ الإصلاحُ بَيْنَ الناس [531]10_ الاتِّحَادُ واتِّبَاعُ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيم [543] 11_ المَوَدَّة [574]12_ التَّقْلِيدُ الأعْمَى [596] 13_ الذينَ يُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا[601]14_ العَفْوُ والصَّفْحُ وكَظْمُ الغَيْظِ[605]15_ تَغْيِيرُ مَا بِالقَوْم [610]

الفصل الخامس : المُجْتَمَعَات [617]

تَمهيد [618]1_ اختلافُ الناسِ [619] 2_ الشُّعُوبُ والقَبَائِلُ [639]3_ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُم [652]4_ جَعْلُهُم خَلائِف [670]5_العَرَبُ [674]6_ الأعْرَاب [710]7_ الفِرَق [727]8_أهْلُ الكِتَابِ ( اليَهُودُ والنَّصَارى ) [757] أ _ العَلاقَةُ مَعَهُم [757] ب_ حَسَدُهُمُ المُؤمِنِين [810]ج_وُجُوبُ التَّسَاهُلِ مَعَ غَيْرِ المُحَارِبِينَ مِنْهُم[823] د _ وُجُودُ المُؤمِنين بَيْنَهُم [840]

9_ الصَّابِئُون والمَجُوس [852]10_ المُهَاجِرُون والأنصار[853]11_ لِكُلِّ أُمَّةٍ أجَلٌ [874]

صَدَرَ للمُؤلِّف...........................................................................878


فِهْرِس...................................................................................879

20‏/07‏/2024

مركزية الألم في شعر الرثاء

 

مركزية الألم في شعر الرثاء

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     شِعْرُ الرِّثَاء لَيْسَ تَجميعًا عشوائيًّا لِصِفَاتِ المَيِّتِ وخصائصِه وذِكرياتِه وأحلامِه ، أوْ حُزْنًا عابرًا سَرْعَان مَا يَذهَب إلى النِّسيان ، إنَّ شِعْر الرِّثَاء نظام إنساني مُتكامل ، تَندمج فيه رَمزيةُ اللغةِ معَ مركزيةِ الألمِ لِتَوليدِ فَلسفةٍ اجتماعية تُؤَسِّس لحالة تَوَازُن بَين حَتميةِ المَوْتِ ( الانطفاء ) ومَرجعيةِ الحُزْنِ ( الاشتعال ) ، حَيْث يَنبعث الحُزْنُ في التفاصيل اللغوية العميقة مِن أجْلِ تَجميدِ الزَّمَنِ ، وتَخليدِ المَيِّتِ . وإذا كانَ البُكَاءُ على المَيِّتِ لَن يُرجعه ، فإنَّ اللغةَ قادرة على إرجاع المَيِّتِ طَيْفًا حالمًا مُتَدَفِّقًا لا جسدًا ذابلًا مَحدودًا .

     والإنسانُ في الواقعِ الماديِّ المُغْلَقِ هُوَ كِيَان مِن لَحْمٍ ودَمٍ، مَصِيرُه إلى التُّرابِ ، ولكنَّ الإنسانَ في رَمزيةِ اللغةِ المفتوحةِ هُوَ تاريخ مِن بَريقٍ وفَضَاء ، مَصيرُه إلى الذاكرةِ . وهذه الذاكرةُ ضَوْءٌ يَتَفَجَّر في أقاصي الشُّعور وأعماقِ المَعنى .

     مَركزيةُ الألمِ في شِعْرِ الرِّثَاء لَيْسَتْ تَخليدًا للمَيِّتِ فَحَسْب ، بَلْ هي أيضًا تَجسيدٌ للوِجْدَانِ وَفْق صُوَر شِعْرية مُهَيِّجَة للمَشاعرِ والأحاسيسِ ، وإعادةُ تأويل للوُجود ، بِحَيْث تُصبح الأحداثُ اليوميةُ المُعاشة تفاعلاتٍ مُستمرة بَيْنَ الألمِ والحُلْمِ ، وانفعالاتٍ مُتواصلة بَيْنَ الحُزْنِ والرَّمْزِ ، وهذا يُؤَدِّي إلى كَشْفِ أسرارِ الحَيَاةِ ، ومَعرفةِ مَسَارِ الإنسانِ ومَصيرِه ، والوُصولِ إلى مَغْزَى الروابطِ الإنسانيةِ والعَلاقاتِ الاجتماعية في عَالَمٍ مُتَغَيِّرٍ يَقُوم على التَّقَلُّبَاتِ النَّفْسِيَّةِ والواقعية . ولا يُمكِن أن يَثْبُتَ الحُلْمُ إلا في الذاكرة ، ولا يُمكِن أن يصير الجَسَدُ طَيْفًا إلا في اللغة .

     والمَوْتُ يُفَجِّر الطاقةَ الرمزية في اللغة ، فَتَصِير الكلماتُ شُعلةً مِنَ الحَنين ، الحنين إلى أزمنة سحيقة لا تَتَكَرَّر ، والحنين إلى أمكنة غابرة لا تَعُود ، وتَصِير المعاني مصابيح مِنَ الدَّمْع ، الدَّمْع النابع مِن التَّأمُّلِ في طبيعة الحياة الفانية ، والدَّمْع النابع مِن ماهيَّة المَوْتِ باعتباره الحقيقة الوحيدة في كَومةِ الأوهام التي تُمَزِّق رُوحَ الإنسانِ ، وتَستنزف جَسَدَه حتى الرَّمَقِ الأخير .

     وإذا دَخَلَ المَوْتُ إلى فَلسفةِ اللغةِ نَصًّا ورمزًا وتَعبيرًا ، فإنَّ زاوية الرُّؤية إلى الحياة سَتَتَغَيَّر ، ويُصبح الطريقُ إلى مَعرفةِ النَّفْسِ البشرية طريقةً لتفكيك عناصرِ الوُجودِ والوِجْدَانِ معًا ، وعِندئذ يَصِير الخَوْفُ مِنَ الزَّوَالِ حُضورًا لُغويًّا طاغيًا ، ويُصبح الخَوْفُ مِنَ العَدَمِ وُجودًا قائمًا على خُلودِ الكلماتِ القادرة على حَمْلِ الإنسانِ رُوحًا وجَسَدًا ، وحمايته مِنَ الفَنَاءِ ، وحراسته مِنَ الماضي الذي لا يَمْضِي ، والزَّوَالِ الذي لا يَزُول ، والغِيَابِ الذي لا يَغِيب . ولا شَكَّ أنَّ الكلمات هي شرعيةُ البَقاءِ في عَالَمٍ لا يَبْقَى ، ومَنْبَعُ اليَقينِ والأمانِ في عَالَمٍ تُسيطر عليها الشُّكُوكُ والمَخاوفُ .

     والألمُ الذي يُسَبِّبُه المَوْتُ يُصبح _ مِن خِلال التَّكثيف الشِّعْريِّ _ دافعًا إلى الخُلودِ ، وتَخليدِ اللحظة الآنِيَّة ، حَيْث يَصِير المَوْتُ في شِعْر الرِّثَاء وِلادةً جديدةً ، وانبعاثًا مُتواصلًا ، واستعادةً لزمنِ الأحلامِ الوردية مِن قَبضةِ الغِيَابِ الخَشِنَةِ .

     وكُلَّمَا تَجَذَّرَ الحُزْنُ في تفاصيل البناء اللغويِّ ، تَكَرَّسَت العَلاقةُ الفلسفيةُ بَيْنَ الحَيَاةِ والمَوْتِ ، واللمعانِ والانطفاءِ ، والوُجودِ والعَدَمِ ، والبَقَاءِ والفَنَاءِ ، وهذه العَلاقةُ الفلسفيةُ تُسَاهِم في انتشالِ الذكرياتِ المَنسيةِ مِن هاوية الغيابِ السحيقة ، واستعادةِ الأحلامِ المَقموعةِ مِن مَتاهةِ الزمن القديمة ، كما تُسَاهِم في تَحديدِ الخَطِّ الفاصلِ بَيْنَ المَوْتِ بِوَصْفِه الحقيقة الوحيدة في الحياة ، والمَوْتِ بِوَصْفِه الحياة الحقيقية القائمة بذاتها . وهذا يَعْني أنَّ للمَوْتِ وَجْهَيْن : معنوي ومادي ، وبُعْدَيْن : مَحسوس وغَيْر مَحسوس .

     وشِعْرُ الرِّثَاءِ يُعيد صِياغةَ العَلاقةِ بَيْنَ الألَمِ والبُكاءِ اعتمادًا على المَنظور اللغوي الرمزي ، ويُعيد تَكوينَ المَعاني الفلسفية العَميقة استنادًا إلى ثُنائية ( الخُلودِ / العَدَمِ ) . والواقعُ المَادِيُّ نَسَقٌ حياتي زائل ، والأحداثُ اليوميةُ أرشيفُ النِّسيانِ . والإنسانُ سَيُصبح طَيْفًا عابرًا ، وذِكْرَى باهتة ، كأنَّ شيئًا لَمْ يَكُنْ ، ولكنَّ اللغة تَجعل الإنسان كِيَانًا مَعرفيًّا خالدًا، وكَينونةً فِكريةً باقيةً ، لأنَّ اللغةَ خالدةٌ في قَلْبِ العَدَمِ ، وباقيةٌ في الفراغِ المُوحِش .

     إنَّ الألَمَ لَيْسَ شُعورًا هُلاميًّا مُجَرَّدًا ، وإنَّما هُوَ نظامٌ فلسفي ، وشكلٌ مِن أشكالِ الانبعاثِ الدائم ، ومَركزيةُ الألَمِ في شِعْرِ الرِّثَاءِ تَجعل للمَوْتِ بُعْدًا جَمَالِيًّا ، حَيْثُ تَؤُول لحظةُ الفِرَاقِ إلى لِقَاء مُتَجَدِّد معَ الماضي والحاضرِ ، وتَصِير لحظةُ النهايةِ نُقْطَةَ انطلاقٍ لبداية جديدة ، وتُصبح غُربةُ الرُّوحِ في البَدَنِ زَمَنًا مُتَدَفِّقًا في الهُوِيَّةِ المَعرفية للوُجود الإنسانيِّ ، وَيَتَحَوَّل اغترابُ الجَسَدِ في التُّرَابِ إلى تَجربةٍ شِعْريةٍ لها أسرارُها المُستمدة مِن الصُّوَرِ الفَنِّيةِ المُدهِشة ، ولها عوالمُها القائمةُ على الدمعِ المُضِيء في نظام استهلاكي مادي مُعْتِم ، ولها جُذورُها الراسخة في الروابط الإنسانية النبيلة . وكأنَّ صَدْمَةَ المَوْتِ تُولِّد أزمنةً جديدةً للحياة ، وتَفْتَح الماضي على الوَعْي بالحاضر ، مِن أجْلِ حِمايةِ مَاهِيَّةِ التاريخ مِنَ الانكسار ، وحِمايةِ سُلطةِ الحضارة مِنَ الانهيار .

     وإذا امْتَصَّ الإنسانُ صَدْمَةَ المَوْتِ ، وفَرَّغَ ألَمَه وحُزْنَه في اللغةِ، فَإنَّ اللغةَ سَتُعِيد اكتشافَ أسرارِ الوُجود التي تَنْمُو في داخلِ الإنسانِ ، وتُعِيد تَرتيبَ العلاقاتِ الاجتماعية في الأحداث اليومية ، فَيُصبح المَوْتُ بِدايةً جديدةً للأحلامِ والذكريات ، وتأمُّلًا دائمًا في الحياةِ باعتبارها الفُرصة الوحيدة للإنسان كَي يَترك بَصْمَتَه في رُوحِ التاريخ ، ويَترك أثَرَه عَلى جَسَدِ الحضارة .

15‏/06‏/2024

عوالم قصيدة النثر

 

عوالم قصيدة النثر

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     قَصيدةُ النثرِ لَيْسَتْ فَوضى لُغويةً بلا وزن ولا قافية ، وإنَّما هي تَكثيفٌ وُجودي للمَعنى الشِّعْرِي على الصعيدَيْن النَّفْسِي والاجتماعي، وتَجميعٌ لِشَظايا مُوسيقى اللغةِ في صُوَرٍ فَنِّية عابرةٍ للتَّجنيس، وكاسرةٍ للقوالبِ الجاهزةِ والأنماطِ المُعَدَّة مُسْبَقًا ، وتَوليدٌ للإيقاعِ الإبداعي في داخلِ الألفاظِ الوَهَّاجَةِ والتعابيرِ المُدْهِشَةِ . وهذه المَنظومةُ المُعَقَّدَةُ لُغَوِيًّا ، والمُرَكَّبَةُ شِعْرِيًّا ، تَهْدِف إلى اكتشافِ العناصر الفكرية المَقموعة في العلاقات الاجتماعية ، واستخراجِ القِيَمِ المَعرفية المَنْسِيَّة في التجارب الحياتية ، وابتكارِ أنظمة شِعْرية مُتَحَرِّرَة مِنَ قُيود المَواضيع المُسْتَهْلَكَةِ ، والخَصائصِ اللغوية الشَّكلية المُبْتَذَلَة التي فَقَدَتْ تأثيرَها بسبب كَثرة استعمالها .

     وقَصيدةُ النثرِ انعكاسٌ لِرُؤيةِ الشاعرِ للوُجودِ شَكْلًا ومَضمونًا ، وإعادةُ صِياغةٍ للقوانين الحاكمة على مصادر الإلهام الشِّعْري ، بِحَيْث تُصبح مُوسيقى اللغةِ نُقْطَةَ التوازنِ بَيْنَ وُضُوحِ الألفاظِ المُتدفقةِ أفقيًّا وعموديًّا ، وبَيْنَ غُموضِ الصُّوَرِ الفَنِّيةِ المُتَفَجِّرَة وَعْيًا وإدراكًا ، وتُصبح العلاقةُ بَيْنَ الألفاظِ والمَعَاني تَجديدًا مُستمرًّا للعلاقةِ بَيْنَ الشاعرِ ونَفْسِه مِن جِهة ، وبَيْن الشاعرِ ونَصِّهِ مِن جِهةٍ أُخْرَى ، باعتبار أنَّ الشاعرَ هُوَ الرُّوحُ الساكنةُ في جَسَدِ اللغةِ ، والتَّجسيدُ الحقيقي لِرُوحِ اللغةِ في جَسَدِ المُجتمع .

     وإذا كانَ الإبداعُ الشِّعْرِي سُلطةً مركزية قائمة بذاتها ، فَإنَّ قصيدةَ النثر هُوِيَّةٌ رمزية مُستقلة بِنَفْسِهَا ، واندماجُ السُّلطةِ معَ الهُوِيَّةِ في النَّسَقِ الشِّعْرِي الذي يَتَوَالَد مِن نَفْسِه يَجْعَل زَمَنَ المَشاعرِ والأحاسيسِ كائنًا حَيًّا قادرًا على استلهامِ التُّراثِ وتجاوزِه ، ويَجْعَل رُوحَ اللغةِ كِيَانًا حُرًّا قادرًا على صَهْرِ المَاضِي والحاضرِ في بَوْتَقَةِ المُسْتَقْبَلِ . وهذا يَعْنِي انفتاحَ الزَّمَنِ في العلاقاتِ اللغويةِ بشكل مُطْلَق ، مِمَّا يُولِّد وَعْيًا شِعْرِيًّا خَاصًّا بِتَحليلِ عَناصرِ الواقعِ ، وتَغييرِ زَوَايا الرُّؤيةِ لتفاصيل الحياة .

     وكُلَّمَا وَسَّعَت اللغةُ حُدودَ الزمنِ دَاخِلَ الهُوِيَّةِ الرَّمزيةِ والتُّراثِ المَعرفيِّ والذاتِ الإنسانية، اتَّسَعَ الوَعْيُ الشِّعْري للتجاربِ الحياتية إنسانيًّا وإبداعيًّا ، وهذا الاتِّسَاعُ سَيُصبح معَ مُرور الوقت تاريخًا جديدًا لِرُوحِ اللغةِ في جَسَدِ المُجتمع ، ومُتَجَدِّدًا في مُوسيقى اللغةِ ، ومُسْتَقِرًّا في مَصادرِ الإلهامِ الشِّعْرِيِّ ، ومُكْتَفِيًا بِذاته مَعْنًى ومَبْنًى . وإذا كانَ التاريخُ لا يَنفصل عَن الوَعْي ، فَإنَّ اللغة لا تَنفصل عَن الحُلْمِ . وهذا الترابطُ بَين هذه التراكيب الوُجودية سَيُكَوِّن فَضَاءاتٍ جديدة لقصيدة النثر .

     إنَّ الوَعْي الذي تُولِّده قصيدةُ النثرِ يُمثِّل مَنظومةً مِن الأسئلة الوجودية التي يَتِمُّ طَرْحُها على إفرازاتِ الماضي والحاضرِ معًا، مِن أجْلِ حماية المَعنى الشِّعْري مِنَ القَطيعةِ بَيْنَ الروابطِ النَّفْسِيَّةِ والعَلاقاتِ الاجتماعية، وهذا مِن شأنه تَكريسُ الصُّوَرِ الفَنِّيةِ المُدْهِشَةِ في الماضي الذي لا يَمْضِي، والحاضرِ الواقعِ تحت ضغط النظام الاستهلاكي ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى دَمْجِ ثَورةِ الشِّعْرِ في كَينونةِ الزَّمَنِ ، وتَحويلِ البُنى الاجتماعية المادية إلى هياكل شِعْرِيَّة مَعنوية ، تَمتلك القُدرةَ على التواصل معَ الأجناس الأدبية كُلِّهَا، باعتبار أن الأدبَ والزمنَ نظامان مَفتوحان عَلى كَافَّةِ الأشكالِ والاحتمالاتِ .

     وقَصيدةُ النثر لَيْسَتْ تاريخًا قائمًا بذاته فَحَسْب ، بَلْ هِيَ أيضًا جُغرافيا رمزية تُوظِّف الخِطَابَ التاريخي في فَلسفةِ اللغةِ التي تَؤُول إلى فَن تَعبيري عَن القِيمةِ الإنسانيةِ للحياةِ ، والبُنيةِ الشِّعْرِيَّةِ الكامنةِ في عَناصرِ الوُجودِ وأنسجةِ المُجتمعِ . والترابطُ الوثيقُ بَيْنَ فَلسفةِ اللغةِ والفَنِّ التَّعبيريِّ يُؤَدِّي إلى صِناعةِ أساليب لُغَوية جديدة تُعيد بِنَاءَ الوظيفةِ الشِّعْريةِ على كَينونةِ الزَّمَنِ ، وتُعيد صِياغةَ العَلاقاتِ الاجتماعية إنسانيًّا ورمزيًّا . وهذه الإعادةُ المُزْدَوَجَةُ تُسَاهِم في إدخالِ مَصادرِ المَعرفةِ في التجاربِ الحياتية ، وإخراجِ التياراتِ الشِّعْريةِ مِن إطارِ تَقديسِ الماضي والجُمودِ على التُّراث ، مِمَّا يَقُود إلى إعادةِ تعريفِ وَظيفةِ قَصيدةِ النثر باعتبارها انقلابًا لُغَوِيًّا على القوالبِ الجاهزةِ والأشكالِ المُسْتَهْلَكَةِ . وكُلُّ عمليةِ إعادة تَعريف على المُسْتَوَيَيْن الشِّعْري واللغوي هِيَ بالضَّرورةِ تَجديدٌ في تِقْنِيَّات الكِتابةِ ، وتَوسيعٌ لِحُدودِ الأجناسِ الأدبية ، حَتَّى تَشْمَل الأفكارَ المَقموعةَ ، والأحلامَ المَكبوتةَ ، والأزمنةَ المَنْسِيَّة ، والأشياءَ المَسكوت عنها .

     إنَّ الإلهامَ الشِّعْري داخلَ قَصيدةِ النثرِ لَيْسَ انتظارًا لِمَا لا يَأتي ، بَلْ هُوَ صِناعةٌ دائمةٌ للألفاظِ والمَعَاني ، وإشراقٌ مُستمر في التجارب الحياتية كَمًّا وكَيْفًا، وتَوْليدٌ مُتَوَاصِل للصُّوَرِ الفَنِّية المُدْهِشَة. والشاعرُ الحقيقيُّ لا يَنتظر مَجِيءَ الأنساقِ اللغويةِ ، وإنَّما يَندفع باتِّجَاهها ، ويَقتحمها ، ويَندمج مَعَهَا ، ويَنقلب عليها ، مِن أجْلِ تَجميعِ شَظايا الانفجارِ الشِّعْري في العَواطفِ الإنسانية المُتأجِّجة، والحِفاظِ على دِيناميَّة قَصيدة النثر في ظِلِّ ضَغْطِ الهُوِيَّةِ على الذات ، وضَغْطِ التُّراثِ على الحاضر. وهذا الأمرُ شديدُ الأهمية ، لأنَّه يَمْنَح التكثيفَ الوُجودي للمَعنى الشِّعْري شرعيةً أخلاقيةً ، وسُلطةً اجتماعيةً ، وقُدرةً على اقتحامِ أعماقِ الشاعرِ في رِحلةِ البَحْثِ عَن الحُلْمِ بَيْنَ الأنقاضِ .

     وإذا كانَ الشاعرُ مُهَاجِرًا أبديًّا إلى أعماقِه وذِكْرَياته ، فَإنَّ قصيدة النثر مُسافرة أبدية إلى رُوحِ اللغةِ وفلسفتها . وهذه الحَركةُ الشِّعْرية الدؤوبة النابضة بالحَيَاةِ والحُرِّيةِ تَمْنَع كَينونةَ الزَّمَنِ مِنَ التَّحَوُّلِ إلى أُسطوانة مَشروخة ، وبالتالي يُصبح الزَّمَنُ تَيَّارًا للوَعْي ، وفَضَاءً إبداعيًّا ، ولَيْسَ سِجْنًا للإبداع .

01‏/06‏/2024

أوجه التشابه بين السلفية الوهابية النواصب والشيعة الروافض

 

أوجه التشابه بين السلفية الوهابية النواصب والشيعة الروافض

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     قال الزَّبيدي في تاج العَرُوس (1/ 1187 ) : (( وفي الأَساس : النَّوابِتُ طائِفَةٌ مِنَ الحَشْوِيَّة ، أي أنَّهُم أَحْدَثُوا بِدَعًا غَرِيبةً في الإسلام.قال شَيْخُنا: وللجَاحِظِ فِيهِم رِسَالةٌ قَرَنَهُم فِيها بالرَّافِضَةِ)).

     1 _ السلفيةُ يَزْعُمون الانتماءَ إلى السَّلَفِ الصالحِ ، وَهُم يَطْعَنُون في الأشاعرةِ الذينَ حَمَلُوا تُرَاثَ السَّلَفِ الصالحِ ، وحَفِظُوه مِن الضَّيَاعِ . والشِّيعةُ يَزْعُمُون الانتماءَ إلى آلِ البَيْتِ ، وَهُم يَطْعَنُون في الصَّحَابَةِ الذينَ حَمَلُوا تُرَاثَ آلِ البَيْتِ ، وَحَفِظُوه مِن الضَّيَاع .

     2 _ السلفيةُ يَزْعُمُون أنَّهُم أهلُ الحَديثِ ، ولكنَّهم لا يَملِكُون أسانيد إلى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم . والشِّيعةُ يَزْعُمُون أنَّهُم أنصارُ آلِ البَيْتِ، ولكنَّهم لا يَمْلِكُون أسانيد إلى النبيِّ صلى اللَّه عليه وسلم .

     3_ السلفيةُ يَكذِبُون على السَّلَفِ الصالح لِنَيْلِ الشَّرْعِيَّةِ الدِّينيةِ ، والشِّيعةُ يَكذِبُون عَلى آلِ البَيْتِ لِنَيْلِ الشَّرْعِيَّةِ الدِّينيَّةِ .

    4_السلفيةُ يَعْتَمِدُون عَلى التَّقِيَّة في أوْسَاطِ الأشاعرة ، والشِّيعةُ يَعْتَمِدُون على التَّقِيَّةِ في أوْسَاطِ أهْلِ السُّنَّةِ.

     5 _ السلفيةُ يَطْبَعُون الكُتُبَ التي تُهَاجِم الأشاعرةَ والمَاتُرِيدِيَّةَ ( حَمَلَةَ الإسلام ) ، وتَطْعَن فِيهِم بالأكاذيبِ والشُّبُهَاتِ ، بأموال النِّفْط. وَالشِّيعةُ يَطْبَعُون الكُتُبَ التي تُهَاجِم الصَّحَابَةَ ( حَمَلَةَ الإسلام ) رَضِيَ اللَّهُ عنهم ، وتَطْعَن فيهم بالأكاذيب والشُّبُهات ، بأموال النِّفْط .

     6 _ السلفيةُ يَحْصُرُون التَّلَقِّي في إمامِهم المَعصومِ ابنِ تيميَّة ، والشِّيعةُ يَحْصُرُون التَّلَقِّي في إمامِهم المَعصومِ عليِّ بن أبي طالب _ رَضِيَ اللَّهُ عنه _ .

     7 _ السلفيةُ يَعْمَلُون عَلى بَدْوَنَةِ الإسلام ( جَعْله دِينًا بَدَوِيًّا / الإسلام البَدَوِي ) حِقْدًا على المُتَحَضِّرِين ، والشِّيعةُ يَعْمَلُون على فَرْسَنَةِ الإسلام ( جَعْله دِينًا فَارِسِيًّا / الإسلام الفارسي ) حِقْدًا على العَرَبِ .

     8 _ السلفيةُ يَزْعُمُون أنَّهُم أهلُ السُّنَّةِ الحَقِيقِيُّون ، لأنَّهُم يَتَّبِعُون السلفَ الصالحِ ، وأنَّ الأشاعرةَ إمَّا كُفَّارٌ أوْ ضَالُّون أوْ مُبْتَدِعُون، والشِّيعَةُ يَزْعُمُون أنَّهُم أهلُ السُّنَّةِ الحَقِيقِيُّون ، لأنَّهُم يَتَّبِعُون آلَ البَيْتِ ، وأنَّ أهلَ السُّنَّةِ إمَّا كُفَّارٌ أوْ ضَالُّون أوْ مُبْتَدِعُون .

     9 _ السلفيةُ اخْتَطَفُوا " السَّلَفَ الصالح " للحصول على الشرعية الدينية ، واحتكار الإسلام، وتقديم أنفسهم على أنَّهُم المُسْلِمُون الحَقِيقِيُّون ، وباقي الأُمَّة ضَالَّة أو كافرة . والشِّيعةُ اخْتَطَفُوا   " آلَ البَيْتِ " للحصول على الشرعية الدينية ، واحتكار الإسلام ، وتقديم أنفسِهم على أنَّهُم المُسْلِمُون الحَقِيقِيُّون ، وباقي الأُمَّة ضَالَّة أو كافرة .

     10 _ السلفيةُ تَشَرَّبُوا عقائد مَوْرُوثة مِن عِبَادَةِ الأصنامِ والأوثانِ والجَاهِلِيَّةِ العَرَبِيَّةِ البائدة . والشِّيعةُ تَشَرَّبُوا عقائد مَوروثة مِن المَجُوسِيَّةِ والحَضَارِة الفَارِسِيَّةِ البائدة .

     11 _ السلفيةُ لَدَيْهِم " شَيْخ الإسلام " ، والشِّيعةُ لَدَيْهِم " آية اللَّه العُظمى " ، مِمَّا يدلُّ على الغُلُوِّ الشديدِ ، وتَصنيمِ الفَرْدِ وتَقْدِيسِه وعِبادته والاعتقاد بِعِصْمَتِه .

     12 _ السلفيةُ سَرَقُوا مُصْطَلَحَ " السلف الصالح " ، واحْتَكَرُوه لأنفُسِهم ، وتَاجَرُوا بِه مِن أجْلِ تَحقيق مصالح شخصية ، والشِّيعةُ سَرَقُوا مُصْطَلَحَ " آل البَيْت " ، واحْتَكَرُوه لأنفُسِهم ، وتَاجَرُوا بِه مِن أجْلِ تَحقيق مصالح شخصية .

     13 _ السلفيةُ يُمَثِّلُون حِقْدَ البَدْوِ وَرُعْيَانِ الغَنَمِ على أصْحَابِ المَدَنِيَّةِ وَصُنَّاعِ الحَضَارَةِ ، والشِّيعةُ يُمَثِّلون حِقْدَ الفُرْسِ عَلى العَرَبِ الذينَ أزالُوا الحَضَارَةَ الفَارَسِيَّة ، وبَنَوا الحضارةَ الإسلاميَّة .

     14 _ السلفيةُ لَدَيْهِم ( 6 ) أئمة مَعصومون : ابن تيميَّة وابن القَيِّم ومُحَمَّد بن عَبْد الوَهَّاب وابن باز وابن عُثَيمين والألباني . والشِّيعةُ لَدَيْهِم ( 12 ) إمامًا مَعصومًا : علي والحَسَن والحُسَين وزَيْن العابدين والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والمهدي .

     15 _ السلفيةُ لا يَحترمون آل البَيْتِ _ عليهم الصلاة والسلام _ ، والشِّيعةُ لا يَحترمون الصَّحَابَة _ رضي اللَّهُ عنهم _ .

     16 _ السلفيةُ انْتَشَرُوا بسبب وُجود دَولة نِفْطِيَّة داعمة لهم ، والشِّيعةُ انْتَشَرُوا بسبب وُجود دَولة نِفْطِيَّة داعمة لهم .

     17 _ الفِكْرُ السلفي قائم على العلاقةِ بَيْنِ سُلطةِ الشَّيْخِ وَسُلطةِ وَلِيِّ الأمْرِ ( تَحَالُف السُّلْطَتَيْن الدِّينيةِ والسِّياسية ) لتحقيق منافع مُتَبَادَلَة ، والفِكْرُ الشِّيعي قائم على العلاقةِ بَيْنَ سُلطةِ آيةِ اللَّهِ وسُلطةِ الوَلِيِّ الفقيه   ( تَحَالُف السُّلْطَتَيْن الدِّينيةِ والسِّياسية ) لتحقيق منافع مُتَبَادَلَة .

     18 _ لَو اختفى عليُّ بن أبي طالب _ رضي اللَّهُ عنه _ مِن الوُجودِ لَسَقَطَ دِينُ الشِّيعةِ ، وَلَو اختفى ابنُ تيميَّة مِن الوُجود لَسَقَطَ دِينُ السلفية . وهذا دليلٌ البُطْلان ، لأنَّ المَنهج الصحيح يَقُوم على قَدَاسَةِ الفِكْرِ لا قَدَاسَةِ الشخص .

     19_ السلفيةُ يَنسُبون أنفسَهم إلى الإمام أحمد بن حَنْبَل ، وقَد ابتلاه اللَّهُ بالمُجَسِّمَة ، والشِّيعةُ يَنسُبون أنفسَهم إلى الإمام جعفر الصادق ، وقَد ابْتلاه اللَّهُ بالروافض .

     20_ السلفيةُ نَشَرُوا عقيدةَ التَّجسيمِ بِحُجَّةِ اتِّبَاعِ السلفِ الصالحِ ، والشيعةُ نَشَرُوا عقيدةَ تَكفيرِ الصَّحَابَة بِحُجَّةِ اتِّبَاعِ آل البَيْت.

     21_ السلفيةُ يَعتمدون على كُتُبِ عُلماءِ الأشاعرة ، ثُمَّ يَحْكُمُون عَلَيهِم بالكُفْرِ أو الضَّلال . والشِّيعةُ يَعتمدون على كُتُبِ أهلِ السُّنَّةِ ، ثُمَّ يَحْكُمُون عَلَيهِم بالكُفْرِ أو الضَّلال .

     22 _ السلفيةُ أسْقَطُوا الأشاعرةَ الذين نَقَلُوا فَضائلَ السلفِ الصالح ، ويَزْعُمُون اتِّبَاعَ السلفِ الصالح ، والشِّيعةُ أسْقَطُوا الصَّحَابَةَ الذينَ نَقَلُوا فَضَائِلَ آل البَيْتِ ، ويَزْعُمُون اتِّبَاعَ آلِ البَيْتِ .

     23_ السلفيةُ يَحْتَقِرُون المَرأةَ ، ويَعتبرونها أداةً جِنْسِيَّةً ، لذلك انتشرَ بَيْنَهُم زَواجُ المِسْيَار ( وقَدْ حَرَّمَه كثيرٌ مِن عُلَمائهم ) ، والشِّيعةُ يَحْتَقِرُون المَرأةَ ، ويَعتبرونها أداةً جِنْسِيَّةً ، لذلك انتشرَ بَيْنَهُم زَواجُ المُتْعَة ( المُجْمَع على تَحْريمه ) .

     24_ أسْيَادُنَا آلُ البَيْتِ _ عليهم الصلاة والسلام _ ، نَحْنُ مُلْتَزِمُون بِمَنهجهم ، ونَحْنُ ضِد الشيعة الروافض . وأسْيَادُنَا السَّلَفُ الصَّالحُ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم _ ، نَحْنُ مُلْتَزِمُون بِمَنهجهم ، ونَحْنُ ضِد السَّلَفِيَّة الوَهَّابِيَّة المُجَسِّمَة الخوارج .

23‏/05‏/2024

الترابط بين علم النفس والأدب والتاريخ

 

الترابط بين علم النفس والأدب والتاريخ

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     إنَّ عِلْمَ النَّفْسِ قائمٌ على تَحليلِ العَالَمِ الداخلي للإنسان ، وإرجاعِ حياته الباطنية إلى عناصرها البِدائية الأوَّلِيَّة ، وربطِ السلوكِ اليَومي بتأثيراتِ العقلِ وإفرازاتِ الشخصيةِ وأساليبِ التفكيرِ ، مِن أجْلِ فَهْمِ وُجودِ الإنسان كَكَائن حَي وحُر ، والتَّحَكُّمِ بِمَسَارِه ، والتَّنَبُّؤ بِمَصِيرِه . وكُلُّ إنسان لَدَيه حَيَوَات كثيرة وشخصيات مُتعددة ، وَوَحْدَها اللغةُ هي القادرةُ على وَضْعِ الخُطوطِ الفاصلةِ بَين حَيَوَاتِ الإنسانِ ، وتَحديدِ نِقَاطِ الاتصالِ والانفصالِ بَيْنَ شخصياته . وهذا لَيس غريبًا ، فاللغةُ هي الطاقةُ الرمزيةُ التي تَجْمَع بَين السُّلوكِ والشُّعورِ في إطار التَّسَلْسُلِ الفِكري المَنطِقي . واللغةُ لا تَتَجَسَّد حُلْمًا وواقعًا إلا في الأدبِ ، باعتباره الشكل الإبداعي المُعَبِّر عَن عواطف الإنسان ، والتَّعبير الفَنِّي المُظْهِر لأفكارِه وهَوَاجِسِه ، كما أنَّ اللغة لا تَتَشَكَّل كِيَانًا وكَينونةً إلا في التاريخ ، باعتباره الوِعاء الوُجودي للتُّرَاثِ الثقافي ، والتأويل العقلاني للفِعْلِ الاجتماعي المُتَدَفِّق في الزمانِ والمكانِ . وهكذا تُصبح اللغةُ مِحْوَرَ التَّوَازُنِ بَيْنَ الغريزةِ الفِطْرِيَّةِ والإرادةِ الحُرَّة ، ونُقْطَةَ الالتقاءِ بَيْنَ الرُّوحِ والمَادَّةِ . وعِلْمُ النَّفْسِ على ارتباط وثيق بالأدبِ والتاريخِ _ تأثُّرًا وتأثيرًا _ ، باعتبارهما مِن أهَمِّ العُلومِ الإنسانية التي تَهدِف إلى تَجذيرِ مَعرفةِ الإنسانِ بِوُجوده ، وتحليلِ عَلاقته بالكائناتِ الحَيَّةِ والأنظمةِ الاجتماعيةِ وعَناصرِ الطبيعة . ومِن أبرزِ الأمثلةِ على تأثير الأدبِ في عِلْمِ النَّفْسِ ، رِوايةُ " لوليتا " ( 1955 ) ، للروائي الروسي الأمريكي فلاديمير نابوكوف ( 1899 _ 1977 )، وقد تَمَّ تَحويلُها إلى فِيلم سينمائي صدر في سنة 1962 ، مِن إخراج الأمريكي ستانلي كوبريك   ( 1928 _ 1999 ) الذي يَعتبره الكثيرون واحدًا مِن أعظم صُنَّاع الأفلام في التاريخ .

     أبرزت الروايةُ مَواضيع مُثيرة للجدل ، ومُنِعَتْ في الكثير مِن البُلْدَان بوصفها تتناول حالةً مُخالِفة للقانون ، وسُلوكًا يُعْتَبَر تَحَرُّشًا جِنسيًّا بالأطفال ، فبطلُ الرواية " هَمْبِرْت هَمْبِرْت " هو أستاذ أدب في مُنتصف العُمر ، مريض بشهوة المُراهقين ، يَرتبط بعلاقة جنسية معَ الفتاة دولوريس هيز ذات الاثنَي عشر عامًا ، بعد أن أصبحَ زَوْجًا لأُمِّهَا ، و " لوليتا " هو لقب دولوريس الخاص .

     يعتمد أسلوب المؤلف في هذه الرواية على السَّرْد الذاتي ، حيث يقوم " همبرت همبرت " بسرد قِصَّته معَ دولوريس مِن جانب واحد ، كاشفًا عن مشاعره الذاتية وأحاسيسه الشخصية ، مُحَاوِلًا كسب تعاطف القارئ ، وهذه العلاقة المتوترة تنتهي بشكل مأساوي . وقَد قَدَّمَت الروايةُ تحليلًا نَفْسِيًّا للهَوَسِ الجِنسي بالصغيرات (البيدوفيليا ) . وصارتْ " عُقْدَة لوليتا " ( عُقْدَة الحِرمان الكبير ) مِن أشهر العُقَد النَّفْسِيَّة بَين المُراهِقَات ، وهي وُقوع الفتاة في حُب رَجُل يَكْبُرها بِضِعْفِ عُمرها على الأقل ، أوْ في عُمر أبيها ، لَيْسَ هذا فقط ، بَلْ إنَّها كذلك تُحاول لَفْتَ نَظَرِه وَجَذْبَ انتباهِه بِكُلِّ مَا تَملِكه مِن قُدرة على فِعْل ذلك . وغالبًا مَا يَكُون السببُ وراء ذلك هُوَ حِرمانها مِن والدها في الطفولةِ ، أوْ فِقْدَانها لاهتمامه . وبما أنَّها لَمْ تَجِد الاهتمامَ داخل البَيْت ، فإنَّها تَبحَث عَنه خارج البَيْت . وهذا دائمًا يَرجِع إلى أسباب نَفْسِيَّة عِند الفتاة أوْ أسباب اجتماعية تَتَعَلَّق بالمَادَّة . والجديرُ بالذِّكْر أنَّ مَلْءَ الفراغ العاطفي يَبدأ مِن داخل الإنسان . ومِن أبرز الأمثلةِ على تأثير عِلْمِ النَّفْسِ في التاريخِ ، نظريةُ التَّحَدِّي والاستجابةِ ، التي وضعها المُؤرِّخ البريطاني أرنولد توينبي (1889_ 1975 )، وهو مِن أشهر المُؤرِّخين في القرن العشرين، ويُعْتَبَر أهَمَّ مُؤرِّخ بحث في مسألة الحضارات بشكل مُفصَّل وشامل . ويُفَسِّر توينبي نُشُوءَ الحَضارات الأُولَى ، أوْ كما يُسَمِّيها الحضارات المُنقطعة ، مِن خلال نظريته الشهيرة الخاصة بـ " التَّحَدِّي والاستجابة " التي يَعترف بأنَّه اسْتَلْهَمَهَا من عِلْمِ النَّفْسِ السُّلُوكي ، وعلى وَجه الخُصُوص مِن عَالِم النَّفْس السويسري كارل يونغ (1875_ 1961) مُؤسِّس عِلْم النَّفْس التَّحليلي.ويَقُول يونغ إنَّ الفَرْدَ الذي يَتعرَّض لصدمة قَد يفقد توازنه لفترة ما، ثُمَّ قَد يستجيب لها بنوعين من الاستجابة : أ _ استجابة سلبية : تَتَمَثَّل في النُّكُوصِ والرُّجُوعِ إلى الماضي والتَّمَسُّك به ، ومُحاولة استرجاعه واستعادته تعويضًا عن واقعه المُرِّ في مُحاولة يائسة،فَيُصبح الفردُ مُتَوَحِّدًا انعزاليًّا انطوائيًّا. ب_ استجابة إيجابية : تَتَمَثَّل في تَحَدِّي الواقع والاعتراف بالصدمة ومُحاولة التَّغَلُّب عليها ، فَيُصبح الفردُ مَرِنًا تفاعليًّا انبساطيًّا.

     إنَّ " التَّحَدِّي والاستجابة " نظرية في التاريخ، اقْتَبَسَهَا توينبي مِن عِلْمِ النَّفْسِ السُّلُوكي ( العِلْم الذي يَدرس العلاقةَ بين العقلِ والسُّلُوكِ مِن أجْلِ اكتشافِ أنماطِ السُّلُوكِ وخَصائصِ الأفعالِ ) ، وقامَ بتطبيقها على الأُمَمِ والحضاراتِ ، فالأُمَمُ حِين تَتَعَرَّض للمخاطرِ العظيمةِ والأزماتِ الشديدة، وتَكُون هي الحَلْقَةَ الأضعف ، ويَكُون تَوَازُن القُوى في غَيْرِ مَصلحتها ، فإنَّها تَعُود إلى تُراثِها الحضاري ، وذاكرتها المَاضَوِيَّة ، في مُحاولة لاستجماعِ قُوَّتها ، واستنهاضِ قُدرتها على مُواجهة التَّحَدِّي ، فالتاريخُ لا يُمكِن استرجاعُه إلا بشكل تَمَاثُلِي أوْ تَشَابُهِي ، ولا يُمكِن استعادته إلا كَمَأسَاةٍ أوْ مَلْهَاةٍ . والحضارات _ حَسَب نظرية توينبي _ تَصْعَد أوْ تَسْقُط على قَدْرِ استجابتها للتحدياتِ والأزماتِ التي تُواجهها، فإمَّا أن تَنكمش على ذاتها ، وتَتَقَوْقَع على نَفْسِها ، وتَنسحب مِن الحياة، وتَرْجِع إلى الوراء ، وإمَّا أن تَتَحَدَّى الواقعَ بالإبداعِ والابتكارِ في مُحاولة مِنها لتجاوزه ، وصناعة واقع جديد مُنَاسِب لِمُتَطَلَّبَاتِ العَصْرِ ومُقتضياته .

22‏/05‏/2024

فلسفة الواقعية السحرية

 

فلسفة الواقعية السحرية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     إنَّ الواقعية السِّحْرية لَيْسَتْ تَيَّارًا أدبيًّا يَجْمَع بَين الواقعِ والخَيالِ ضِمْن إطار إبداعي فَحَسْب ، بَلْ هِيَ فلسفة إنسانية مُتكاملة تَرْمي إلى اكتشاف العناصر الغامضة في الواقع المُعاش ، والانقلابِ عليه ، وإعادة إنتاجه أفقيًّا وعَمُوديًّا ، مِن أجل تَحويلِ العناصر الرُّوتينية إلى رُموز عجائبية ، ونَقْلِ الأنساقِ الحياتية مِن الرَّتابة الخاضعة للزمنِ والمكانِ إلى السِّحْرِ السائلِ في التراكيبِ اللغوية العابرةِ للتَّجنيسِ والحُدودِ. وبالتالي، تَصِير الأبجديةُ زمنًا مُتَدَفِّقًا ومَكانًا غامضًا ، يَلِد نَفْسَه بِنَفْسِه، ويتكاثر في آلِيَّاتِ الفِعْلِ الإبداعي ، وأدواتِ التَّعبير الفَنِّي ، فتنتقل الاستعاراتُ البصرية مِن المَلَلِ المَحصورِ في النظام الواقعي المادي الاستهلاكي إلى الدَّهشةِ الباعثةِ للأحلامِ المَكبوتةِ والذكرياتِ المَنسيَّةِ والرَّغَبَاتِ المَقموعة ، فَيُصبح الواقعُ الساكنُ وقائعَ عجائبية مُتحركة شكلًا ومَضمونًا ، ويُصبح الإنسانُ تاريخًا لانبعاثِ الحَيَوَاتِ السِّرِّيةِ مِن أعماقه السحيقة ، ونُقْطَةَ الارتكازِ في عملية الاندماج بين الماضي والحاضرِ والمُستقبَلِ . وإذا صَارَ الإنسانُ تاريخًا مُتَوَاصِلًا بلا قطيعة معرفية ، فإنَّ الوَعْيَ الإنساني سَينتقل مِن التَّكرار القاتلِ لِعُذوبةِ الرُّوحِ وتَدَفُّقِ الشُّعُورِ إلى التَّوليدِ الرُّوحي المُستمر للأحداثِ والوقائعِ . وإذا صارَ الواقعُ سِحْرًا دائمًا بلا انكسار شُعُوري ، فإنَّ بُنية الحضارة ستنتقل مِن كَينونةِ الزَّمَنِ المُستعارِ إلى كِيَانِ الحُلْمِ المُستعادِ .

     إذا كانَ الإنسانُ هُوَ الساحرَ الذي يُنَقِّب عَن وجهه بَيْن الأقنعةِ ، ويَبحَث عَن الأحلامِ الوَرديةِ في الواقعِ الجريحِ ، فإنَّ الواقعية السِّحرية هي انقلابُ السِّحْرِ على الساحر ، وهذا الانقلابُ لا يَكُون دمويًّا ولا مُتَوَحِّشًا ، لأنَّ الهدفَ مِنْه هُوَ إحلالُ الحِبْرِ مَكانَ الدَّمِ ، وتَتويجُ القَلَمِ سَيْفًا على الأوهامِ لا سَيْفًا على الرِّقَابِ ، وقَتْلُ الوَحْشِ داخل الإنسان ، ولَيْسَ قتل الإنسان . وبالتالي ، يُصبح العملُ الأدبي عمليةَ حَفْرٍ في الأحلامِ الورديةِ والحُلُولِ السِّحْريةِ في رُوحِ الزمنِ وجَسَدِ المكانِ ، ولَيْسَ حاجزًا عسكريًّا بَين الحُلْمِ والكابوسِ ، أوْ نُقْطَة تَفتيش عسكرية في مَسَارِ الفِعْلِ الاجتماعي المُنْدَمِج معَ التجربة الإبداعية الإنسانية . لذلك ، كانت الثقافةُ الحقيقيةُ هِيَ زَمَنَ الخَلاصِ لا زَمَنَ الرَّصَاصِ .

     في أحيان كثيرة ، يَكُون الواقعُ المُعاشُ أكثرَ غُموضًا مِن السِّحْرِ، وأكثرَ عجائبيةً مِن الخَيَالِ ، وهذا يدلُّ على أنَّ الحياةَ اليومية كَنْزٌ مِن الأسرار ، يَحتاج إلى بَحْثٍ دائم ، وتَنقيبٍ مُستمِر . واللغةُ هي أداةُ الحَفْرِ في جَوْهَرِ الواقعِ ، وحقيقةِ الحياةِ ، وصُلْبِ المَوضوع . وبِدُون اللغةِ سَيَكُون الإنسانُ شَبَحًا هُلامِيًّا بلا خريطة ولا بُوصلة ، يُشبِه الذاهبَ إلى المَعركةِ بِلا سِلاح . واللغةُ هي مِحْوَرُ التوازن بين السِّحْرِ والساحرِ . وكُلُّ لُغَةٍ تُولَد خارجَ رَحِمِ الدَّهْشَةِ والإبهارِ هِيَ تراكيب مِيكانيكية بِلا رُوح ، وكُلُّ وَاقِعٍ يُولَد خارجَ نِطاق الفِعْل الاجتماعي الإبداعي هُوَ دَوَرَان في حَلْقَةٍ مُفْرَغَة. وإذا اجتمعَ الواقعُ واللغةُ في بُنيةِ الوَعْي المَنطقي المُتَسَلْسِل ، صارَ الأدبُ جَسَدًا للخَيَالِ في هُوِيَّةِ المُجتمع ، وصارت الثقافةُ تَجسيدًا للمَعرفةِ الإنسانية في رِحلة البحث عن المَعنى .

     إنَّ السِّحْرَ اللغوي لَيْسَ حُقْنَةً مُخَدِّرَةً في جَسَدِ الواقع ، وإنَّما هُوَ إعادةُ إنتاج مَعرفي للتاريخِ والجُغرافيا والذكرياتِ ، بِحَيث تُصبح نَقْدًا عقلانيًّا لتفاصيلِ المُجتمع الحَيِّ والحُرِّ ، وكَشْفًا للصِّرَاعَاتِ المُستترة في أعماقِ النَّفْسِ الإنسانية. والسِّحْرُ اللغوي هُوَ القُوَّةُ الدافعة للتَّعبير الفَنِّي في الأدبِ والثقافةِ، الذي يَعمل على عَقْلَنَةِ الأُسطورةِ وأنْسَنَتِهَا ( جَعْلِها عَقلانيةً وإنسانية ) مِن أجل نَقْلِ الزمنِ مِن طَبيعةِ الواقعِ إلى رمزية الوُجودِ ، ونَقْلِ المَكانِ مِن زاوية الرُّؤيةِ إلى رُؤيةِ الحُلْمِ .

     والتَّعبيرُ الفَنِّي في الأدبِ والثقافةِ يُمَثِّل صِياغةً جَديدةً لإرادةِ المَعرفةِ ، بِحَيث تُصبح طريقةً لتحليل الدَّورِ الوظيفي للإنسانِ في الحياة ، وتَرتيبِ تفاصيل الحياة ضِمْن نظام تَرَاتُبي مِن التجارب الشُّعوريةِ والأدبيةِ ، يَسْتَنْبِط العناصرَ الخياليةَ المُتشظية مِن الواقع المادي المُنكمِش على نَفْسِه بِفِعْلِ ضَغط النظامِ الاستهلاكي . وبالتالي ، تُصبح الواقعيةُ السِّحرية عملية إحلال لتجربةِ الكِتابة الرُّوحية الإبداعية مَكَانَ النَّسَقِ الماديِّ الوظيفي الذي يَسْحَق رُوحَ الإنسانِ ، ويُعيد هَندسةَ مَشاعرِه وأحاسيسِه بشكل مِيكانيكي آلِيٍّ ، بِحَيث يُصبح الإنسانُ سِلْعَةً ضِمْن قانونِ العَرْضِ والطلبِ ، وشَيْئًا مِن الأشياءِ المَسحوقةِ بِلا هُوية مَعرفية . وأهميةُ الواقعيةِ السِّحْرية تَكْمُن في أمْرَيْن: تَفجير الطاقةِ الرمزية في اللغة،وتَجديد شَبابِ اللغةِ. وهاتان العَمليتان تَحْدُثان بشكل تَزَامُني ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى احتراقِ المُبْدِعِ ذاتيًّا كَي يُضِيءَ العناصرَ المُحيطة به . وعمليةُ الاحتراق الذاتي تَشْمَل الأحلامَ والذكريات، وتُولِّد طاقةً معرفية قادرة على جمع شظايا قلب المُبْدِعِ. وهكذا، ينبعث المُبْدِعُ مِن احتراقِه، ويُولَد مِن مَوْتِه . وفي هذه الرحلة، ينبغي أن يَجِد المُبْدِعُ نَفْسَه خارج نطاق الأقنعة ، وخارج نُفُوذ المرايا ، لأنَّ التَّقَمُّصَ والتقليدَ يَقتلان رُوحَ الإبداعِ ، ويُحوِّلان النَّصَّ إلى نُسخة مُقَلَّدَة ومُزَوَّرَة ، وقيمةُ المُبْدِعِ تَتَجَلَّى في صَوْتِه الخاص المُتَفَرِّد . وإذا تَحَوَّلَ إلى صَدى سَيَفْقِد سُلطته الاعتبارية ، ويَفْقِد النَّصُّ مَركزيته الأدبيةَ . والواقعيةُ السِّحْريةُ لَيْسَتْ عمليةَ رَش للسُّكَّرِ على مَوْتِ الواقع ، وإنَّما هي منظومة لِجَعْلِ الأحلامِ مَرئيةً في مَرايا الحياةِ اليوميةِ ، وخرائطِ النَّفْسِ الإنسانية ، مِن أجْلِ تَحريرِ التجاربِ الإبداعية مِن سَوداويةِ الواقعِ ، وتحقيقِ التوازنِ بَين الألَمِ والأمَلِ .