قواعد البناء الشعري
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 5/8/2013
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 5/8/2013
ليست وظيفةُ الشاعر أن يَنسخ المجتمعَ ويسكبه
كما هو في دماء قصيدته. فالقصيدةُ هي مجتمع رمزي ضد الوهم الاستهلاكي الذي يصنعه
البشر أثناء حياتهم المادية المجبولة بالانكسار ، واللهاثِ وراء السراب .
إن القصيدةَ هي النَّقاءُ المقطَّر ، والمعركةُ
المنتصِرة دوماً ، تقود المجتمعَ البشري ولا يقودها المجتمع البشري . واحتمالُ
الخسارة في القصيدة هو صفر بلا نقاش. فالكتابةُ الشِّعريةُ هويةٌ مستقلة عن الإطار
القمعي للفرد ، وهويةٌ متمردة على مسار الكبت للجماعة البشرية . وكل حرف في
الأبجدية الشِّعرية معنيٌّ بالمحافظة على الهوية المعرفية المتفردة للأنا الداخلية
( الجزء ) ، والأنا الخارجية ( الكل ) .
وإذا تكامل
الجزءُ والكل في منظومة اجتماعية متجانسة ، فإن القصيدة ستغدو جزءاً أصيلاً من
الوجود الإنساني، وشريعةً للرمزية الخيالية. وهذه الغاية تحتاج _ فضلاً عن تكامل
الجزء والكل _ إلى زراعة الحلم في الصور الشعرية المتماهية مع ولادة مجتمع كلماتي
جديد . مما يؤدي إلى تحول النص الشعري إلى تاريخ إنساني شديد التكثيف، وتحولِ
الفكر الشعري إلى وثيقة اجتماعية ناضجة يتم احتضانها من قبل الأنساق الثقافية في
المجتمع الإنساني . وهكذا نضمن استمراريةَ الزخم الإبداعي التثويري .
وبالقَدْرِ
الذي نُكَوِّن فيه القصيدةَ تُكَوِّننا القصيدةُ اجتماعياً ووجدانياً . فالكلماتُ
تمتلك قوةً معرفية ذاتية ، وإحساساً قائماً بذاته . وهذان السلاحان ( القوة
والإحساس ) يدفعان باتجاه توليد وعي شعري متميز يؤمن بحتمية تلاقحِ الأفكار،
واختلاطِ الأنساق الاجتماعية . وبالتالي تتجذر ماهيةُ الثقافة الشعرية في الذهن
الفردي ، والعقلِ الجمعي . وتنتقلُ الأفكارُ من الإطار الهلامي إلى الفاعلية
الاجتماعية المحسوسة . وعندئذ تعود الثقافةُ الشعرية إلى وظيفتها المركزية ، وهي
تقطير حُلم الإنسان ، وتعبئته في الألفاظ المتفردة ، والمعاني المدهِشة .
والقصيدةُ
إذا فَقدت عنصرَ الإدهاش ماتت . لذلك ينبغي أن تكون القصيدةُ _ إذا أرادت الخلود _
حملةً استكشافية متواصلة ، تستكشف العوالمَ الجديدة ، وتخترع رموزاً معرفية شديدة
الإبهار ، وتفك شيفرةَ الحلم الاجتماعي المتشعب . وعندئذ سوف تترسخ وحدةُ الشعور
المجتمعي لفظياً ومعنوياً .