تحول المادة الشعرية إلى طاقة
للكاتب / إبراهيم أبو عواد
صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 12/8/2013
للكاتب / إبراهيم أبو عواد
صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 12/8/2013
تتجلى أهميةُ القصيدة في قدرتها
على تحويل الصيغ الشعرية إلى أنظمة اجتماعية تنتقد الإيقاعَ الكلماتي في النَّص ،
وتنتقد السلوكَ البشري في المجتمع. وهذا النقدُ البنَّاء يُشكِّل العقلَ القصائدي
الذي يسيطر على مُدخَلاتِ النَّص ومُخرَجاته ، ويَصنع حالةً من التوازن الفعال بين
الثنائيات المركزية في الوعي الثقافي مثل : ( المجتمع الشعري / المجتمع البشري ) ،
( الألفاظ / المعاني ) ، ( الرائي
"الشاعر" / الرؤية " النص الشعري " ) ، ( الإحساس النفسي
" السيكولوجي " / الإحساس الاجتماعي " السوسيولوجي " ). وهذه
الثنائيات ذات أهمية بالغة في الفكر الإبداعي ، لأنه تمثِّل حلقة الوصل بين جناحَي
القصيدة : نظام المسارات الشعرية المتشظية ، ونظام النقد الخاص بتداخل هذه المسارات
.
إن القصيدة
تتمتع بالاكتفاء الذاتي ، لذلك تتزاوج مع ذاتها . وهذا يجعلها نصاً إبداعياً
متجاوِزاً ، وقادراً على فرز حركة نقدية خاصة به . لذلك يمكن القول إن القصيدة هي
نَص إبداعي ونَص نقدي في آنٍ معاً . وبعبارة أخرى ، إن الشاعر يمارس النقدَ
بحذافيره أثناء كتابته للقصيدة .
وهذان
القطبان المتَّحدان ( النص / النقد ) يَقودان إلى إنتاج حركة معرفية دؤوبة تكشف
الدلالاتِ التاريخية لجغرافيةِ الأبجدية الشعرية ، وتُبرِز ملامحَ اللغة الرمزية
السارية _ كالكهرباء _ في جسد الثقافة . وهكذا تتكرس القصيدةُ كمشروع للخلاص
اللغوي والفاعليةِ الاجتماعية على حدٍّ سَواء . وفي ضوء هذا المشروع الخلاصِي
تتحدد المضامينُ الذاتية لقوة المصير الإنساني ، وعنفوانِ الرموز القصائدية . مما
يؤدي إلى توليد آفاق جديدة لفهم الثورةِ الكلماتية والحِراك الاجتماعي .
ولا يمكن
استيعاب حركة القصيدة في المجتمع البشري، أو حركة البشر في الأبجدية الشعرية ، إلا
من خلال انتقال الكلام من طبقة المعنى إلى طبقة الرمز ، لأن الرمز هو الطاقة
الشعورية الحاضنة للحلم الكَوْني ، والحاملة للرؤية المابعدية التي لا يمكن حصرها
في القوالب الجامدة . فلا بد من تحرير الكلام من مداره المحاصَر لكي يمتلك الكلامُ
الطاقةَ الرمزية الهائلة ، ويتواجد في أقصى مداه ، فتتحول المادةُ الشعرية إلى
طاقة . وبالتالي تصبح القصيدةُ هي العالَمَ الموازي ، والحياةَ الجديدة التي ينصهر
فيها الزمانُ والمكان .