علم اجتماع القصيدة
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
twitter.com/abuawwad1982
......................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
twitter.com/abuawwad1982
......................
إن كتب علم الاجتماع العربية والأجنبية تُركِّز
على بُنية العلاقات الاجتماعية بين الناس ، وإشكالياتها وتفاصيلها . ولكن من النادر
انتقال معنى التفسير الاجتماعي إلى الأشكال الثقافية الحياتية ، وعلى رأسها القصيدة
. لذلك فالحاجة تبدو ماسَّةً لتأسيس رؤية شمولية تمسُّ القصيدةَ بكل جوانبها ، خصوصاً
الجانب الاجتماعي والتأثير في أنساق التحولات البشرية في المجتمعات .
ولَمَّا كانت القصيدةُ عَالَمَاً
متشابك الأوصال ، كان لزاماً تجذير التجوال في الأبعاد الرمزية للقصيدة ، والتفاعل
مع العناصر الفكرية ، حيث المرور على التقنيات
الأدبية في توليد الرؤى والبناءاتِ المتوالية بشكل فاحص لا عابر . وهنا تبرز أهمية
اختبار النص الشِّعري كلمةً كلمة .
والمرورُ اللغوي في عوالم
القصيدة ليس عابراً . إنه تجريد وتعرية . أضف إلى ذلك حتمية العمل المتواصل من أجل
إخضاع القصيدة لعِلم اجتماع خاص بها له مُقوِّماته الاستقلالية ، وأبعاده المادية والذهنية
بالغة الخصوصية ، وأيضاً من أجل الذهاب إلى ماوراء النص بغية الحصول على صيغة متكاملة
لنص منهجي مُكثَّف قادر على تفسير النص الشِّعري المتمتع بكل خصوصياته .
ويمكن تعريف " عِلْم
اجتماع القصيدة " على أنه : ( العِلْمُ الذي يَدرس القصيدةَ باعتبارها مجتمعاً
متحركاً بشكل ذهني وواقعي، ويقومُ بتشريحها إلى وحداتٍ بدائيةٍ انطلاقاً من ثلاث محطات:
الولادة " الانبعاث" ، والشباب " العنفوان " ، والموت " الانطفاء
"، معَ الانتباه إلى حالات التمايز والدمج والمجازِ والحقيقة ، بين هذه المراحل
الثلاث المختلِطة إلى درجة الانصهار ، في بؤرية الحلم المستتِر ) .
والقصيدةُ هي الثورة الذهنية
الواقعية الأكثر قدرة على استشراف الواقع المتخيَّل ، ذلك الواقع
المعجون بالطموح الإنساني الواعي الذي تتم عقلنته في كل لحظة سطوع. وبالتالي فحريٌّ
بنا أن ندرس القصيدة بوصفها كائناً حياً له صفات خاصة ، ويمر في أطوار مادية وغير مادية
متعددة الجوانب.وهذه الأطوار إنما هي تشكيل للقدرات الإشاراتية التي تستشرف مستقبلَ
الحلم، وتُحوِّله إلى وجهٍ للتاريخ ، وطريقةٍ لفهم تحولات الذات الإنسانية في أعماق
تشكيلها الشِّعري .
والبعضُ يعتقدون أن تطور
المجتمعات الإنسانية يستند إلى نهضة تكنولوجية مادية مجرَّدة من كل النواحي الأدبية
والفنية . وهذا اعتقادٌ موغل في الخرافة الأكيدة ، لأن الأمم المتطورة تكنولوجياً لا
بد أن تكون متطورة أدبياً وفنياً ، والعكس غير صحيح . فالأمةُ العربية تعيش أزمةً معرفية
شديدة الوطأة ، وهي مُحاصَرة بأشباح التخلف التكنولوجي ، لكن هذا لا يعني أنها متخلفة
حضارياً أو أدبياً. بل هي تعجُّ بالمبدِعين والعلماء والفلاسفة والأدباء الذين يستطيعون
مُقارَعة أكبر المبدِعين في العالَم ، والتفوق عليهم بسهولة . لكن البيئة العربية عاجزة
عن زراعة المبدِع في قلب الحضارة العالمية، بسبب تمركزها السياسي في هامش الأمم، وبالتالي
فإن المبدِع العربي يَذهب ضحيةَ انكسار بلاده .
لقد قَصَّرْنا في صناعة السيارات والطائرات ، أي
تقاعسنا في النواحي المادية المحضة ، لكننا ما زِلنا نصنع مجداً أدبياً لافتاً. ومن
الأخطاء الكارثية تصنيف الأمة العربية في الآداب والعلوم كدرجة عاشرة لأنها
مُتخلِّفة في مجال التكنولوجيا . إِذ إِنه لا توجد مُعادَلة عِلمية تقول إِن الذي لا
يُتقِن صُنعَ الحديد لا يُتقِن صُنعَ الإنسان . وهذا يَدفعنا إلى العمل بِجِد لتشكيل
حالة من التوازن بين الناحيتين المعنوية والمادية . فالمجتمع الذي يُنجب فلاسفة بارزين
وأدباء مُتمكِّنين وعلماء أفذاذاً ، لا بُدَّ أن يَشحذ هِمَّته من أجل صناعة السيارة
والطائرة ، وغير ذلك من الصناعات المادية .
إِن القصيدةَ هي اختصارٌ
مُكثَّف لحالة إنسانية جمعية مُحلِّقة في فضاءات أكثر رَحابةً وتسامحاً وعُنفواناً
. والقصيدة أساسٌ روحي للنهضة والاندفاع ، ومشروعٌ تاريخي كَوْني حاسم، رغم أنها لا
تُعنَى بالوقائع الاجتماعية من حيث تأريخها . وهذا الأمرُ ليس من وظيفة النَّص الشِّعري
الساعي بكل ما أُوتِيَ من مهارة وثقافة إلى إعادة تشكيل الواقع ، وفق منظور حالم قائم بالأساس
على استنباط العناصر الثورية ذات الجَمال الفاقع
المتشظي إلى تقاطعات حياتية مفصلية ، ومحاور إنسانية تتقاطع مع المنتَج الشِّعري ،
الذي يتم اعتباره وجهة واضحة تحدِّد اتجاهَ سَير المجتمع ككُتلة جمعية مُوحَّدة ومُوحِّدة
للعناصر المبعثَرة في النصوص الطبيعية الجمالية .
والقصيدة هي ظاهرة شمولية
، تعتمد على صياغة الأبعاد المعرفية في قوالب كاسرة للقَوْلبة والتقليدية . وينبغي
وضع النَّص الشِّعري في أقصى مداه ، من أجل الحصول على علاقات متكافئة مُتمرِّدة على
الفوضى داخل الكيان الإنساني والكيانِ المجتمعي . وهذا يدفعنا إلى التفتيش في قلب النَّص
عن قدرات فاعلة ، تمتلك المؤهلاتِ لرسم حياة متكاملة في المجتمع الجزئي ( الفرد )
والمجتمعِ الكُلِّي ( الجماعة ) . وإذا أصَّلْنا التزاماً حقيقياً بالمعايير الفنية
، فَسَوْف نحصل على نقاش هادف يُعيد تشكيلَ العلاقات الاجتماعية في النَّص المزروع
في نزعة الأنسنة، بشكل يصعب معه المساس بالجذور الراسخة للقصيدة.