بيورنسون وعشق المسرح
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
لندن ، 26/4/2016
facebook.com/abuawwad1982
twitter.com/abuawwad1982
................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
لندن ، 26/4/2016
facebook.com/abuawwad1982
twitter.com/abuawwad1982
................
يمكن اعتبار الكاتب
النرويجي بيورنسون ( 1832_ 1910) ركيزةً أساسية من ركائز الأدب النرويجي ، وأحد
العُظَماء الأربعة بين الأدباء النرويجيين ، معَ هِنريك إبسن ، ويوناس لي ،
وألكسندر كيلاند .
لقد عَشِقَ المسرحَ مُنذ نعومة أظفاره .
وهذا العشقُ سيطرَ عليه ، فسخَّر حياتَه كاملةً للأدب المسرحي ، وإدارة المسارح.
وفي عام 1857 أصبحَ مديراً لمسرح برجن . وهذا مَكَّنه من الاطِّلاع على أسرار
عالَم المسرح عن قُرب ، والتعامل مع الممثلين والمخرجين والفَنِّيين . ولا شَكَّ
أن هذا الأمر أكسبه خِبرةً واسعة في مجال المسرح ، فصارَ مُلِمَّاً بأدق تفاصيل
صناعة المسرحية بَدءاً مِنَ الورق ، وانتهاءً بخشبة المسرح .
انتقلَ إلى مدينة كريستيانيا ، وهي ما
تُعرَف اليوم بأوسلو ، عام 1850 . وبدأ دراسته في جامعة فريدريك الملكية عام 1852
. وفي عام 1855 ، دخلَ إلى الحياة الأدبية ، وصارَ جُزءاً من منظومة العمل الأدبي
، فعملَ ناقداً مسرحياً وأديباً ومُحرِّراً في كُبريات الصُّحف النرويجية . وأخذَ
يَعرض في مقالاته الصحفية أفكارَه حول الإصلاح السياسي والاجتماعي، داعياً للقيم
الليبرالية والْمُثُل الوطنية . وقد تولَّى إدارةَ المسرح الوطني في بيرغن عام
1857 خَلَفاً للكاتب المسرحي الشهير هِنريك إبسن . وبسبب علاقاته الوثيقة معَ
الوسط الفني المسرحي ، قرَّرَ اختيار ممثلة لتكون شريكة حياته ، فتزوَّج الممثلةَ
كارولين ريمرز في عام 1858 . وتعلَّقَ بعالَم المسرح أكثر فأكثر ، فأدارَ مسرح
كريستيانيا في الفترة الممتدة بين عامَي 1865_ 1867 ، ثم أدارَ مسرحَه الخاص بين
عامَي 1870_ 1872 .
حصل بيورنسون على الإشباع الرُّوحي بسبب
غرقه في كواليس المسارح ، ووصلَ إلى قناعة شخصية بأنَّه قدَّم كُلَّ ما عِندَه في
مجال إدارة المسارح ، ولم يَبْقَ لَدَيه شيء يُقدِّمه . ولأنَّه لا يُريد تكرارَ
أفكاره في الإدارة ، آثرَ البحث عن عالَم آخَر . وكان الحل يكمن في السَّفَر . وقد
أمضى جُزءاً كبيراً مِن حياته خارج وطنه النرويج ، مُتنقِّلاً بين الدنمارك وفرنسا
وإيطاليا والولايات المتحدة ، وتُوُفِّيَ في باريس عن عُمر يُناهز الثامنة
والسبعين .
استلهمَ من نشأته الريفية أعمالَه الأدبية
الْمُبكِّرة ، وقد طَرَحَ فِيها قِيَمَ الوعظ والإرشاد الممزوجة بالمعاني الوطنية
. وهو بذلك كان يهدف إلى تكريس الشعور بالفخر والكبرياء بتاريخ النرويج وإنجازاتها
الفكرية وإسهاماتها الحضارية، وإيقاظ الروح الوطنية، ورفع معنويات أبناء بلده ،
والتأكيد على الروابط المصيرية التي تَجمع النرويج في أيَّامه بنرويج الماضي .
وبعبارة أخرى ، التشديد على مبدأ الأصالة والمعاصَرة .
كانت باكورة أعماله الأدبية مسرحية تاريخية
مِن فصل واحد، بعنوان"بين المعارك" ( 1856). وهي مُستوحاة من القصص
التاريخية الإسكندنافية . ثُمَّ أصدرَ مجموعة من القصص حول الحياة الريفية عام
1857 . ثُمَّ كتب مجموعة من القصص الطويلة مِنها " الولد السعيد " ( 1860)
، التي اعتبرها النُّقاد أبرز الكتابات الإبداعية الرومانسية المتعلقة بالوطنية
النرويجية. ثُمَّ كتب مسرحيتَيْن في فترة متقاربة ، " الْمُحَرِّر " (
1874) ، عرض فيها مشكلات مهنة الصحافة ، و" الْمُفْلِس " ( 1875) ، وقد
هاجمَ فيها الخداع في المعاملات التجارية . وهاتان المسرحيتان حَقَّقتا له شُهرة
عالمية ، وجَعلتاه كاتباً مُؤثِّراً في الأدب الأوروبي . وهذا النجاحُ العالميُّ
يَعود إلى انسجام الأفكار الواردة في المسرحيتين مع النَّزعة الفكرية السائدة
حينئذٍ ، والتي تُنادي بضرورة مُعالَجة الأدب للقضايا المعاصِرة ذات التأثير
المباشر في حياة الإنسان والمجتمع . وكذلك فَعلت المسرحيتان اللتان كتبهما بعد ذلك
. " الْمَلِك " ( 1877) ، و" النظام الجديد " ( 1879) .
وقد عالَجَ في أعماله المسرحية والروائية
مشكلةَ عدم التسامح السياسي ، وضرورة حدوث التغيير الاجتماعي ، مُشيراً إلى أن هذا
التغيير يجب أن يبدأ من المدرسة .
والجديرُ بالذِّكر أن هذا الكاتب لَم تنحصر
أعمالُه الأدبية في مجال المسرح والرواية ، بَل أيضاً خاضَ غِمار الشِّعر .
وتجربتُه الشِّعرية أنتجت مجموعةً من القصائد جُمع أغلبُها في دِيوان " قصائد
وأغانٍ " ( 1870 ) . وهذا الديوان يَحتوي على أشهر قصيدة له على الإطلاق ،
وهي " نعم نُحِبُّ هذه الأرض إلى الأبد " ، والتي تَمَّ اختيارُها _
فِيما بعد_ لِتَكون النشيد الوطني النرويجي . وبالتالي ، اشْتُهِرَ بيورنسون بأنه
كاتب النشيد الوطني لبلاده . وهذا شَرَفٌ عظيمٌ لأيِّ شاعر .
قضى بيورنسون المرحلة الأخيرة من حياته في
عمل دؤوب وترحال دائم ، يَتحدَّث ويَكتب بلا تعبٍ ولا مَلَل عن السلام والتفاهم
الدولي . وكان لمسرحياته أثر كبير في تأسيس ما عُرف بالواقعية الاشتراكية . وقد
حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1903، تقديراً لإسهاماته الهامة في مجال الأدب
عُموماً ، والمسرح خصوصاً . ولَم تقف إنجازاتُه عند هذا الحد ، بَل كانَ له دَور
بارز في مجال السياسة الدولية ، إِذ إِنَّه ساهمَ في إنهاء النِّزاع السويدي
النرويجي ، وحَلِّ الاتحاد الذي كان قائماً بين الدولتين بشكل سِلمي في عام 1905 .