رسالة من النمر إلى اللبؤة / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 24/6/2017
..................
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 24/6/2017
..................
أتمنَّى لَكِ حَياةً خَارِجَ الحياةِ /
أَنْتِ مَغْرورةٌ / لا أَعتبرُ رَفْضَكِ هَزيمةً لي / فالذهبُ لا يبكي عَادةً إلا
عِندَ وَفاةِ النارِ/ أَرْحَلُ بِصَمْتٍ عَالي الصَّوْتِ قليلاً/ أَعُودُ
لأُكْمِلَ الانقلاباتِ على قَلْبي الوَحيدِ / لَكِ قِلادةٌ مِن العَاجِ / كَم
فِيلاً قَتَلَتْهُ أُسْرَتُكِ لِئلا تتضايقي / وَأنتِ تنامين في بُكاءِ الغاباتِ ؟
/ لَكِ خَدَمٌ مِن الثعالبِ الخائنةِ / هَل فَكَّرْتِ بالليلِ يَغْسلُ دَمْعَ
البَلَحِ ؟ /
احتضاراتُ الصَّقيعِ
أقامت مَصْنعاً لتكرير الملحِ على ضِفَّةِ دُموعي / إِنْ أَخُنْ قلبي أَخسرْ
وَجْهي/ إِنْ أَعْشَق الرَّصاصاتِ أفقدْ مَمالكَ المجاعةِ/ فَعُودِي إِلى أسنانكِ
/ ونظِّفيها بِسَعَفِ النَّخْلِ / فالأرضُ شَمْعةُ الغُرباءِ/ إذا انطفأتْ
أشعلتُها بذكرياتي في المدنِ المنسيةِ / لَحْنٌ خَافِتٌ يَطْلُعُ مِن الشَّوْكِ/
وَالشَّوْكُ لم تَلْمَسْه أُنثى مُنذ مَصْرعِ أُمِّهِ / ولا أَذْكرُ أن أُنثى
لَمَسَتْني إلا البحيرة / كُنْ يا غُبَارِي عِندَ حُسْنِ ظَنِّ الميناءِ المحطَّمِ
بِكَ/ بَحَّارٌ صُداعُ التَلِّ الحافي / والطاعونُ يحتلُّ ذَاكرةَ القَشِّ /
يَسِيلُ دَمُ الوِلادةِ / وأنا سَأموتُ / وَقَدْ يَأْتي عُمَّالُ مَناجمِ الفَحْمِ
إلى مَغارتي / ويتناولونَ خُبْزِي / وَيَسْخرون مِن تَاريخِ عائلتي في الأدغالِ/
وَرُبَّما يَنْظرون إلى قَبري باستهزاء/ فهل سَتَبْكين عَليَّ ؟/ هَل سَتَقُولين
إِنَّ نَمِراً أَحَبَّني يَوْماً ما/ إِنَّ نَمِراً مَرَّ مِن هُنا ذَاتَ مَساء/ وَكَانت
عَيْناه تَدْمعان حَنيناً؟/
أَيَّتها اللبؤةُ/
عُيونُكِ تَنْقُشُ فِيَّ رِحْلةَ اللاعَوْدةِ / أُريدُ مِنكِ حِينَ تَصْطادين
السَّوسنَ المجروحَ / أن تتذكَّري أحاسيسَ جُذوره / لكي تتذكَّري مَلامحي / أنا
المنسِيُّ في قائمةِ عُشَّاقكِ الكثيرين/ صِرْتِ مَرَضاً في عِظامي/ ونَزيفاً في
أعصابي / أَنتِ هَوَسِي / صَارت الفِئرانُ تَضْحكُ عَليَّ / أنا الأبُ الرُّوحِيُّ
لأوراقِ الخريفِ / صَارَ الجميعُ يَسْخرون مِنِّي / صِرْتُ نَبَاتِيَّاً / ماذا
سَأَقول لأبي وأنا أرجعُ كُلَّ لَيْلةٍ بِدُون فَريسةٍ ؟/ وَمَا زَادَ لحمي
ظِلالاً أنِّي استقلتُ مِن السِّيركِ / واعتزلتُ الحياةَ السياسيةَ / مَا كُنتُ
أظنُّ أن أُنثى سَتَفْعلُ بِي هذا/ ولكني سأقفُ ضِدَّ حُبِّكِ ما دَامَ حُبُّكِ
رُمْحاً يُشرِّحني/ مَا زَالَ في تفاصيلي ضَوْءُ تمردٍ / وَرَفْضٌ لسَيَّافي
الأرضِ / رِياحاً تأتي أعضائي المسعورةُ / أتذكرين لقاءنا الأولَ في المقبرةِ /
والعناكبُ تَقْفزُ سَعيدةً بوجودنا ؟ / شَعَرْتُ أنهُ حُبٌّ مِن الرَّصاصةِ
الأُولى / فَكَّرْتُ يَوْمَها أن أُقَبِّلَ تاريخاً حافلاً بالمرايا المشروخةِ في
الرماد / كِدْتُ أقولُ لَكِ خَبِّئيني في يَدَيْكِ / مِن الصَّيادين وَعُلماءِ
الأحياء / لكني أدركتُ أنني حيوانٌ / وأن الحيواناتِ أُلعوبةٌ تستمتع بها بَناتُ
الأغنياء / أغارُ مِن شَوْكةٍ تَلْمَسُكِ
/ أصبحت الحيواناتُ تفاحةً بائسةً تُؤَجِّرُ رَحِمَها للرِّيحِ / مَا
عَساكِ أن تفعلي في هذا العَالَمِ المتوحِّشِ ؟ / تعالَيْ أتزوَّجْكِ فتنجبي
أنصافَ نمورٍ وأنصافَ أُسودٍ / ثم نُشعلُ الانقلاباتِ على أناشيد الغابة / نحن
خَاسِرون إِنْ لم نُرسِلْ قاتلينا/ إلى أرشيفِ الهياكلِ العظميةِ / فَلْنَبْدَأْ
مِن دَمِكِ وَدَمِي / مِن مَوْتي وَمَوْتِكِ /
يَغْمرني المكانُ فأصحو
ذَبيحاً / يَنتحرُ الطُّغاةُ على بَوَّاباتِ اكتئابي / أَلْفُ مُسْتنقعٍ يَغْفو في
أعمدةِ انهياري / ناسفةَ حُطامي / عَشيقةَ ذُبولي/ مَن الخاسرُ فِينا ؟!/ لا
أُصَدِّقُ أنَّا جَرَحْنا أحزانَ الغُصونِ / وَتَبَادَلْنا الدُّموعَ بَدَلَ
الهدايا / ولم ننتبه إلى أننا قَتَلْنا الفَرَحَ في معاطفنا/ وَبَذَرْنا
الكَرَاهِيَةَ في طُرودٍٍ مَلْغومةٍ تتأرجحُ فِينا/ وفَجْأةً / أصبحت قِصَّتُنا
فُكاهةً على ألسنةِ القُرودِ وَدِبَبةِ الباندا /
إنها الأمطارُ فيذهبُ
الجميعُ إلى مَخْبئه/ وأظلُّ هائماً مُبَلَّلاً بلا مأوى/ أنالُ عَطْفاً
مُؤَقَّتاً مِن مُخرجِ أفلامٍ وثائقيةٍ / يَجْني الملايين والتصفيقَ / ثُمَّ
يَرْميني في الشَّارعِ / رُجولةُ الزَّوْرقِ / وامرأةٌ تُذبَحُ في الستائرِ
الرماديةِ / أنا حيوانٌ / لكنْ لَدَيَّ شُعورٌ يَصْهرُ أعصابي في وَهَجِ الزنابق /
أحتاجُ إلى أُنثى تُشارِكني مَسيرةَ التَّوَحُّشِ / وشَهْوَةَ الاكتشافِ /
وَجُنونَ الانطلاقِ الشَّرسِ/ لِيَكُن الحبُّ بَيْنَنَا حَرْبَاً تتعانقُ فيها
بَقايانا / لن أَخْرجَ مِن جِلْدي / لكني سَأُجَهِّزُ على شُطآنه مَقعداً يَتَّسعُ
لجثةٍ نتقاسمها وتتقاسمنا/ ونضمُّ أجسادَ مَوْتانا ونموتُ / أَعْطَيْتِني دَمَ
الفَريسةِ تِذكاراً / تَذَوَّقْتُه فَوَجَدْتُه مُرَّ المذاقِ / كمساميرِ نَعْشي
المهترئةِ / أنا وأنتِ قاتلان / كِلانا سَرَقَ بَراءةَ الغِزْلان / فلا تَلْبَسي
الأُنوثةَ .
مَلِكُ الغابةِ غَير المنتخَب
النمر