للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
................
أَصِلُ إلى مِقْصلتي مُتأخِّراً/
كما تَصِلُ البناتُ إلى مدرسةِ الاحتضارِ مُتأخِّراتٍ/ رِجالٌ لا يَنظرون إلى وُجوهِ
نِسائهم إلا أثناءَ الجِمَاعِ / ولبؤةُ الاكتئابِ تنتحرُ في أنابيبِ الصَّرْفِ
الصِّحي / وجارتي تَبني مُفَاعِلاً نووياً في مَطْبَخِ بَيْتِها / بِعْتُ أعضائي
للغسقِ المشلولِ / وتبرَّعْتُ بأظافري الأثريةِ لِحَفَّاري القُبورِ المتقاعِدِين
/ جَوارحي جُروحٌ / ولُعابي لِصٌّ يَسْرِقُ الْحُلْمَ مِنَ الفَجْرِ الكاذبِ /
أنظرُ في مرايا الخوفِ ولا أخافُ / تحتفظُ الزَّوْبعةُ بالحيواناتِ المنَوِيَّةِ
في رَحِمِها / لكنها لَيْسَتْ حديقةَ حيواناتٍ / أيتها المرأةُ الوحيدةُ في
الممراتِ الباردةِ / إِنَّ النوافذَ تُطِلُّ على الفَيَضانِ البنفسجيِّ /
والأعاصيرُ تَزرعُ الملاريا في آبارِ الغَيْمِ /
ما أحاسيسُ ضَابِطِ
المخابراتِ في لَيْلةِ الدُّخْلةِ ؟ / العنكبوتُ مُصابةٌ بِسَرطانِ الثَّدْيِ في
عُزلةِ الثلوجِ / مِكْياجٌ ثقيلٌ على وُجوه بَناتِ رِجالِ المافيا / وعَشيقاتُ
رَئيسِ الدَّوْلةِ يَضَعْنَ سِياساتِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / وابنةُ تاجرِ
المخدِّراتِ تَدرسُ العلومَ الإنسانيةَ في الجامعةِ / يتدرَّبُ الليلُ على تَشريحِ
جُثتي / وأتدرَّبُ على إِعدادِ جِنازةِ الشُّموسِ / ترتدي الرِّياحُ ثِيابَ
الحِدَادِ / لكنها رَفَعَت الرايةَ البَيضاءَ في ممالكِ الرمادِ / لا المعْبَدُ
الذي يَبكي فيه الغبارُ طريقٌ للسُّنونو / ولا مَجزرةُ خُدودي العاريةِ مِنَ القُبَلِ اسْمُ الرَّصيفِ
/ لم يُقَبِّلْ يَدَ الطوفانِ غَيْرُ الفراشةِ العمياءِ / وكلُّ طُرقاتي مَزروعةٌ
بالكِلابِ البُوليسيةِ والحواجزِ الأمنيةِ / فلا تنتظِرْني أيها الوَهْمُ على
أرصفةِ الميناءِ / قَراصنةُ بِلادي يَزْرَعُونَ في جِلْدي الذهبَ الأسْوَدَ والرقيقَ
الأبيضَ / والزلازلُ ترمي أظافرَ الأراملِ في آبارِ القُرى المنسيَّةِ / فلا
تُصَدِّقْ صُداعي المنثورَ في مناديلِ الوَداعِ / لَن أُقَدِّمَ اعتذاراً للبَحْرِ
/ ولَن أُقَبِّلَ يَدَيْهِ لِكَيْلا يَتْرُكَني / اتْرُكْني أو لا تَتْرُكْني / قَد
تَرَكْتُ نَفْسي / وَخَلَعْتُ ألواحَ صَدري /
كلُّ الْمُتَسَوِّلِينَ يَصْطَادُونَ السَّمَكَ
في دَمِي الْمُتَخَثِّرِ / والخريفُ يَركضُ على طِلاءِ أظافرِ السَّيداتِ /
اللواتي يَنتظِرْنَ صُكوكَ الغُفرانِ في مَحطةِ القِطاراتِ الفَارغةِ /
والإضراباتُ تَدْخُلُ في شَرايينِ العُمَّالِ الْمُسْتَوْرَدَةِ / أَدُسُّ
السُّمَّ في دِمَاءِ الشجرِ / والبُكاءُ شِراعٌ للسَّفينةِ الغارقةِ / والجوَّافةُ
المزروعةُ على أسوارِ المقابرِ / تُجَفِّفُ العَرَقَ في مَلابسِ النِّساءِ /
أَقمعُ قلبي بإزميلِ الْحُزْنِ / والدُّموعُ هي مَحكمةِ الغروبِ / فيا فَراشةَ
الغِيابِ / مُعتادةٌ أنتِ على قَمْعِ أعضائكِ / وأنا دِكْتاتورٌ داخلَ جِسْمي /
أَحكمُ حَوَاسِّي بالحديدِ والنارِ والحزنِ وأخشابِ المذْبَحِ / أنا دِكْتاتورٌ
على قلبي / أُمارسُ تَطهيراً عِرْقياً في كُرياتِ دَمي / كَي أنساكَ يا حُبِّي
الوَحيدَ / يا احتضاري اللذيذَ / أُعلنُ مَوْتي لأكتشفَ امتدادَ رُموشي / أعيشُ في
مَوْتي / أنا المدينةُ المقتولةُ في الصَّوْتِ والصَّدى / أرجوكَ يا ذِئْبَ
الرصاصِ / الْعَبْ بمشاعري / اخْتَرْ لَوْنَ أخشابِ تابوتي / كما يَختارُ البرقُ
لَوْنَ أخشابِ مَطْبَخِ بَيْتِنا في رِئةِ الصقيعِ / والبُحيرةُ تتعاطى سُعالَ
الشَّجَرِ / كَي تنسَى دُموعَ أُمِّها حِينَ يَضْرِبُها النَّخاسُ / عِظامي لُغةُ
الليلِ / لَكِنَّ الظلامَ في سَراديبِ دَمْعي أخرسُ /
عَوْلَمةُ الرقيقِ
الأبيضِ في السُّوقِ السَّوْداءِ / وَرِجالُ المافيا يَضَعُونَ بَناتِهم في
المدارسِ الرَّاقيةِ / حقَّاً / إِنَّ القصيدةَ دَمٌ يَسيرُ في غابةِ الأشباحِ /
أَحرثُ المستحيلَ وثُقوبَ جِلْدي / فَتَحْرُثُني النيازكُ في عِيدِ ميلادي /
تَنكسرُ عُيونُ الفُقراءِ أمامَ الضَّفائرِ المعجونةِ بالدِّماءِ الزرقاءِ / (( يا
بِنْتُ أَهلوكِ قَد جَعلوا جَمالَكِ سِلْعةً/ تُشْرَى وبَاعَ بَنُو أبي أوطاني ))/
شَمعةٌ تَلِدُ حائطاً يَلِدُ كآبةً تَلِدُ رَصيفاً يَلِدُ ثلجاً/ بِلادي هِيَ
سُورُ المقبرةِ/ أتَّكئُ عَلَيْهِ وأبكي / وأحرسُ ذِكرياتِ النَّوارسِ مِن إشاراتِ
المرورِ / انتحاراتي أعراسُ السُّنونو في أقاصي البُكاءِ / سَتُصبحُ عِظامُ
النُّسورِ عِطْراً للزَّوْجاتِ الخائناتِ / والضَّبابُ يُجري للقِطَطِ تنفُّساً
اصطناعياً / وهذا مِكْياجُ العنكبوتِ مَملكةٌ للرُّفاتِ / فلا تُنَظِّفْ قَبْري
مِن الحشائشِ/ إِنَّ وُجودي بُوصلةُ العَدَمِ/ أنظرُ إلى المِرآةِ ولا أعرفُ هذا
الوَجْهَ / نَزيفُ القَمرِ يَدُقُّ على بابي / وبابُ بَيْتي مخلوعٌ كالملِكِ
المخلوعِ / وأنا المصلوبُ العالي / والعالي دائماً يُصْلَبُ /
أنا أكرهُكَ مِن كُلِّ قلبي/ لأني أُحِبُّكَ
مِن كُلِّ قلبي/ أخونُ القصيدةَ معَ القصيدةِ / ولا يُشَرِّفُني أن أنتميَ إلى
رُفاتِ قلبي / لَيْلةُ الدُّخلةِ سِفْرُ خُروجي مِن المنفَى إلى المنفَى /
وجَوارحي هِيَ شَبَحي أو كابُوسي / أيها المساءُ الأحْوَلُ / كُنْ سِفْرَ الرُّؤيا
في كِتابِ الدُّموعِ / سَتَصيرُ عِظَامُ اللبؤاتِ حَطَباً للمَوْقَدةِ في شِتاءِ
الْهَلَعِ / سَقَطَتْ أحزاني على فُرْشاةِ أسناني / وكلُّ أُنثى هِيَ دَمَويةُ
الشجرِ وأرشيفُ الذبابِ / خُدودي مَخْفَرٌ تنامُ على سَطْحِهِ الخفافيشُ / والمِكْياجُ
يَحْمِلُ لَوْنَ دَمِ الحيْضِ /
أحزاني جُثةٌ هامدةٌ /
وأبناءُ جِلْدَتِنا يَأكُلونَ جِلْدَتنا / عُروسٌ تُساقُ إلى خَشَبَةِ المذْبَحِ
ضاحكةً / والذبابُ يُغطِّي جُثةَ المطرِ / وأنا التائهُ في أزقَّةِ أوْردتي /
رَأيتُ فَراشةً عاريةً تقفُ على سُورِ المقبرةِ / فانجذبتُ إلى سُورِ المقبرةِ /
اكتئابي مُنظمةٌ إرهابيةٌ / وفي شوارعِ العارِ آلهةٌ مِن الخشَبِ المحترقِ /
الرايةُ البيضاءُ مَغسولةٌ جَيِّداً / ودُموعي مُقَطَّرةٌ / وحُزْني نَقِيٌّ / فيا
غُبارَ الأضرحةِ / لماذا تُضَيِّعُ وَقْتَكَ في انتظارِ جارتِكَ التي تَنْشُرُ
الغسيلَ / وَهِيَ ترتدي قَميصَ النَّوْمِ الشَّفافَ ؟ / الموْتُ هُوَ الصَّوْتُ
الشَّفافُ / وأنتَ الصَّدى / تَقضي شَهْرَ العَسَلِ في المقابر الخشَبيةِ / وأنتَ
الحريقُ /
الأمازونُ يَصُبُّ في دِجْلَة / وَدِجْلَةُ
يَصُبُّ في دَمي / وَدَمي يَصُبُّ في حُفَرِ المجاري / والعَالَمُ سُوقُ نِخاسةٍ /
والأُنثى هِيَ الضَّحيةُ لأنها القاتلةُ / أرفضُ الصَّليبَ لأنني مَصلوبةٌ إلى
الأبَدِ / ونَخْبُ شَوَاهِدِ القُبورِ أَشْرَبُهُ كاليانسونِ المخلوطِ
بالسِّيليكون/ دَمِي مَفتوحٌ فَادْخُلْ أيها الدُّودُ الرُّومانسِيُّ/ الموتى
مُتشابِهُونَ/ لأن المرايا على سُورِ المقبرةِ مَشْروخةٌ / أنتَ جَسَدُ الشُّطْآنِ
/ وَخُدُودُكَ مُسدَّسٌ/ الأحزانُ بُرْكانُ الأُنوثةِ / والأمواجُ تُطْلِقُ
الرَّصاصَ على جَسَدي اليَبابِ / القَبْرُ يَدْخُلُ في القَبْرِ فَأُولَدُ أنا / وَعَلى
رُموشي تُهَرْوِلُ بَراميلُ النِّفْطِ / لَيْسَتْ البُحيرةُ حُبْلَى / لكنها
تَغْرَقُ في الإجهاضِ/ سأخرجُ مِن عُشبِ النيازكِ / وأعيشُ في حَلَقاتِ زُحَل / يا
أرشيفَ بِلادِ اللصوصِ / اكْرَهْني لأُحِبَّ قلبي / قَميصُ النَّوْمِ مِن
السِّيانيدِ / والغريبةُ أَخذتْ حِصَّتَها مِن الاكتئابِ والصَّدماتِ العاطفيةِ / وعَلَّقَتْ
قَلْبَها الوحيدَ على جَسَدِ الرَّعْدِ / أرتدي نظاراتٍ سَوْداءَ / لِكَيْلا يَرى
البَرْقُ دُمُوعي الْمُتَيَبِّسَةَ في قِلاع عُيوني / والبَحْرُ يَمشي حافياً على
شَاطئِ المساءِ / أركضُ في قَلْبِ الخريفِ / الفراشاتُ نائمةٌ على سُورِ المقبرةِ
/ واكتئابي خاتَمٌ في إصبعِ الشمسِ /
كَيْفَ سَتَموتُ أيها
الغريبُ / وقد أكلَ البَقُّ أخشابَ نَعْشِكَ ؟ / يُذَوِّبُ أُمراءُ الحروبِ أشلاءَ
الإِمَاءِ في الشَّاي الأخضرِ / والنِّسكافيه مَخْلوطةٌ باليُورانيوم / سأبني في
شَمالِ شَاهِدِ قَبْري مَصْنعاً / لتكريرِ المِلْحِ في دُموعِ العُشَّاقِ /
تَكْثُرُ الصَّدماتُ العاطفيةُ / فَتَكْرَهُ الذبابةُ أباها / سأهربُ مِنْكِ كَي
أُعَلِّمَ حَوَاسِّي النَّدَمَ على فِرَاقِكِ / أَكْرَهُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ الآتي
مِن الجثثِ المجهولةِ الْهُوِيَّةِ / خَدِّي الأيمنُ عِلْمُ الفِيزياءِ / وَخَدِّي
الأيسرُ عِلْمُ الكيمياءِ / ولا يَزالُ زَوْجُكِ يَضْرِبُكِ قَبْلَ الجِمَاعِ /
أيتها البُرتقالةُ المعصورةُ في مَسَاءِ اللهيبِ/ يُحَوِّلُ القَراصنةُ نِساءَهم
إلى أحذيةٍ / والأغرابُ يَصنعونَ مِن جُلودِ بَناتِ الليلِ رَاياتٍ للقبائلِ
المهزومةِ في النهارِ / لا تُعْطِ قَلْبَكَ للغريبةِ / لأنها سَوْفَ تَنساهُ معَ فُرْشاةِ
أسنانها في حَقيبةِ السَّفَرِ / تلعبُ الرِّمالُ بِقلبي اليَتيمِ / والمطرُ
يَحْرِقُ جَوَازَ سَفَري / لأنَّ عَيْنَيْكِ سَفَري / أُسافرُ في أشلائي
النُّحاسيةِ / وَجِلْدي يَحْرِقُ القَشَّ في رِئتي / أتنازلُ عَن جِنسيةِ
الرَّمادِ / لأنَّ المجرَّةَ هِيَ جِنسيتي / والرَّاهبةُ في الدَّيْرِ القديمِ /
تنتحلُ شَخصيةَ الحطَبِ / كَي تَحترقَ في مَوْقَدَةِ أحزانِ الشِّتاءِ / وُجُوهُ
الموتى تقرأُ اسْمي تِلالاً للعُشَّاقِ الخائنين / وأقرأُ شَوَاهِدَ القُبورِ /
كَي أَلْمِسَ أجسادَ النوارسِ المهاجرةِ إلى احتضارِ الأمواجِ /
الغيمةُ الباكيةُ أُختي
غَيْرُ الشَّقيقةِ / وَرَقَبتي هِيَ الغيومُ التي تُظَلِّلُ سُوقَ النِّخاسةِ / وَسَرَطانُ
الثَّدْيِ يَفترسُ صَدْرَ الرِّيحِ / فينكسرُ اسْمُ الضبابِ في منافي اللوزِ / فلا
تسألْني عَن اسْمي / أُرَبِّي الذِّئابَ في تابوتي النُّحاسيِّ / والصَّدأُ
يَرْعَى قَطيعاً مِن الجثثِ في حَنجرتي / اكتئابي مَبْنِيٌّ للمَجهولِ/ لأني أنا
الموْتُ المبنيُّ للمَعْلومِ / فَكُنْ وَاضحاً مِثْلَ حُمْرَةِ خُدودِ الفَتياتِ
في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وَكُنْ غَامِضاً مِثْلَ بُكاءِ النِّساءِ في ليالي
الشِّتاءِ/ اكْرَهِيني / وابتعدي عَن ضَوْءِ أشلائي / لا يَحتاجُ الليلُ إلى
صَدماتٍ عاطفيةٍ / فَقَدَت الصحراءُ غِشاءَ بَكارتها / لكنَّ القبائلَ تُدافِعُ
عَن شَرَفِ الرِّمالِ الخضراءِ/ أنا المساءُ المنسِيُّ بَيْنَ أحزانِ البَدْوِ
الرُّحَّلِ / وَمَشاعرِ البَحَّارةِ الذينَ لا يَرْجِعُون /
تَرْسُمُ النِّساءُ
احتضارَهُنَّ على رِئتي / لكني أرسمُ شَهيقي على سَبُّورةِ اكتئابي / وكلُّ الأمواتِ
يُراهِنُونَ عليَّ / وأُراهِنُ على حَفَّارِ قَبْري / جَيْشُ البَدْوِ الرُّحَّلِ
/ والمومِسُ المثقَّفةُ / وَطَنٌ لِكُلِّ المرتزِقةِ/ لِكُلِّ الراقصاتِ/ لِكُلِّ
المقاصِلِ اللامعةِ/ لِكُلِّ السُّجونِ الباردةِ / لِكُلِّ النِّساءِ المسحوقاتِ /
لِكُلِّ الرِّجالِ المشنوقين / لِكُلِّ اللصوصِ الأنيقين / لِكُلِّ الكِلابِ البُوليسيةِ
/ يَتَحَرَّشُ الحطَبُ جِنْسِيَّاً بأحزانِ العُشْبِ/ أُرَوِّضُ اكتئابي الشَّرِسَ
بِصَهيلِ الغيومِ/ فيا شَمْسَ الهاويةِ / قَبِّليني واقْتُلِيني / ألواحُ صَدري
هِيَ أخشابُ تابوتي / والرِّيحُ تَغْسِلُ وَجْهَها بِهَديلِ الأضرحةِ / والعواصفُ
تُمَشِّطُ شَعْرَ الخيولِ الْمُنْهَكَةِ بأظافرِ قَوْسِ قُزَحَ / والنَّمْلُ
يَجُرُّ جُثثَ الجنودِ إلى شُموعِ الصَّدى / ضَوْءُ القَمرِ يَبحثُ عنِّي في
المقبرةِ / ولم أَجِدْني في ضَريحي / قال الرَّملُ الأزرقُ : (( جَسدُ المرأة لم
يَعُدْ يَسْتَفِزُّني )) / وقالت النارُ : (( جَسدُ الرَّجلِ لم يَعُدْ يُحْرِقُني
)) /
لا تَخونوا الْحُسَيْنَ مَرَّتَيْنِ
/ حُزْنٌ مَنْزُوعُ الدَّسَمِ يُعَادُ تكريرُهُ / كَي تنسجمَ هَندسةُ شَاهِدِ
قَبري معَ تابوتِ المطرِ / أنا وأنتَ يا قلبي رَصاصتانِ مِن الكهرمانِ والنَّعناعِ
/ نَحْمِلُ صَليبَ ابْنِ الزُّبَيْرِ في شَهْرِ العَسَلِ / وَنُوَزِّعُ طُبولَ
الحربِ على القبائلِ الخائنةِ / عُمْرٌ وَاحِدٌ لا يَكْفي لاحتضانِ كُلِّ
انتحاراتي / هذا أنا وَهْمٌ مُتكرِّرٌ / كَحُزْنِ الفَتياتِ الهابطِ في بِئرِ
القريةِ المنبوذةِ / ولا أُحِبُّ أن يرى دُموعي سِوى مِرْآتي / وَعَمُودي
الفِقريُّ هُوَ الحارسُ الشَّخصِيُّ للنَّهْرِ / الذي اغتالَهُ الرَّعْدُ /
سَيِّدتي المقتولة/
إِنَّ الذبابَ يَلتصقُ بِطِلاءِ أظافِرِكِ/ وسَجَّاني يَلعبُ الشِّطْرَنجَ معَ
قِطَّتي المشنوقةِ/ وَقَوْسُ قُزَحَ يَشنقُ العصافيرَ بأسلاكِ الكَهْرباءِ / أنا مَقْبرةٌ
مُتَنَقِّلةٌ / فَيَا كُلَّ حَفَّاري القُبورِ / اسْكُنوا فِيَّ رَيْثَما تَبني
لَكُمُ الحكومةُ مَسَاكِنَ شَعبيةً في حُفَرِ المجاري / فَقدتُ شَغَفي بالأشياءِ /
ورصاصةُ الرَّحْمةِ لا تَرْحَمُ / إِنَّ القَمَرَ مِثْلُ الشمسِ / كِلاهما ذَاهبٌ
إلى الانطفاءِ / والدَّوْلةُ هِيَ اللادَوْلةُ / أنظرُ إلى المِرآةِ فلا أرى
شَيْئاً / أضعتُ عُنوانَ بَيتي / نَسيتُ مَوْقِعَ جُفوني / لَم يَعُدْ يَعْرِفُني
في هَذا الضَّياعِ سِوى القِطَطِ الضائعةِ / التي تَرْصُدُ حُبِّيَ الضَّائعَ / وَتَرْضَعُ
مِن نَزيفِ عِظامي / قَارورةُ عِطْري لَيْسَ فِيها إلا اليُورانيوم / وَجَدائلُ
البنادقِ مَنْقُوعةٌ في الْمُبيداتِ الحشَريةِ / مُسْتَقْبَلي وَراءَ ظَهْري /
ومُسْتَقْبَلُ البُحيرةِ وَراءَ عَمُودها الفِقريِّ / والحضارةُ مَشْلُولةٌ /
والتاريخُ على كُرْسِيٍّ مُتحرِّكٍ / ولَيالي الشِّتاءِ مُغَلَّفةٌ بأسرارِ
النَّرْجِسِ / تَمشي الموقَدةُ الْمُطفأةُ على قَدَمَيْن / وَالشَّايُ بَاردٌ كأصابعِ
القَتْلى / وَحْدَها جُدْرانُ غُرفةِ التَّشريحِ / سَتَحْضُنُ مناديلَ الصَّبايا
على رَصيفِ المِيناءِ /
في جَواربي الْمُمَزَّقَةِ / تَبْني
السَّناجبُ المنبوذةُ مُفاعِلاً نَووياً للأغراضِ العَسكريةِ / جُدرانُ غُرفتي
أُصيبتْ بِذَبْحةٍ صَدْريةٍ / والبَراويزُ على جُدْرانِ مَقْبرتي أُصيبتْ
بالكوليرا / وَحْدي أمشي في الطرقاتِ بِلا حَوَاسِّي / نَسيتُ رِئتي على مَقْعَدٍ
غامضٍ في مَحطةِ قِطَاراتٍ وَهْميةٍ / فاكتشِفْ رُومانسيةَ الكَرَزِ في الحقولِ
المحترقةِ/ كَي يَكتشفَ جِنازتي الغرباءُ المارُّونَ بَيْنَ أصابعي البلاستيكيةِ /
وَحْدَهُ الشَّفقُ مَن يُغَسِّلُني حَيَّاً وَمَيْتاً / مِتُّ قَبْلَ أن يُولَدَ مَوْتُ
السنابلِ / أنا شَبَحُ المرايا البَعيدةِ / ومساميرُ أرشيفِ النبيلاتِ / اللواتي
يَعْتَبِرْنَ الخِيانةَ الزَّوْجيةَ مِكْياجاً لا بُدَّ مِنهُ / أكتبُ احتضاراتِ
البَجَعِ على سَبُّورةِ خُدودي / لِكَيْلا أَزُورَ الطبيبَ النَّفْسِيَّ / نَسيتُ
مِفتاحَ قلبي عِندَ خَشَبةِ المذْبَحِ / هَل سَتُنقِذُني رُومانسيةُ جارتي في
حُفْرةِ قَبري ؟ / ضَوْءُ القَمرِ يَغْرِسُ الخناجِرَ في لُحومِ الجواري /
ومِكياجُ الأميراتِ يَذُوبُ في قَهْوةِ المساءِ /
سَلاماً أيتها الصَّحراءُ
الجليديةُ الْمُحَاصَرةُ بَيْنَ جَبيني ورُموشي / كُلُّ ما حَوْلي يَغتالُني /
والضِّباعُ تَخُونُ اسْمَها / وتنامُ في دَفترِ الرِّياضياتِ لِفَتاةٍ / تَكْرَهُ
نَفْسَها وتُحِبُّ ابْنَ الجِيران / فانظُرْ خَلْفَ مِكياجِ الطحالبِ / انظُرْ إلى
أحافيرِ قِناعِ البَنفسجِ في مَدَافنِ الكريستالِ / اشْنُقْ طَيْفي / وسَأُهديكَ
جُثةً وَرِثْتُها عَن دُودةِ القَزِّ /
كُلُّ شَيْءٍ يُشْبِهُني
إلا أنا / تَسيرُ ميليشياتُ رُعْيانِ الغَنمِ إلى أكاليلِ الغارِ في هاويةِ
الصَّدأ / والصقرُ الأعمى يَقتنصُ الأرنبَ اليَتيمَ على أرنبةِ أنفي / مَطَرٌ ناعمٌ
على جِلْدِ البُحيرةِ الخشِنِ / والفَيَضَانُ يَجْلِسُ على رُموشي / تبرَّعْتُ
بأُكسجينِ رِئتي للبَنادقِ الآليةِ / دَمِي الأحمرُ عَلى السَّجادِ الأحمرِ /
والسنابلُ تَنْبُتُ في احتضاري الأخضرِ / تَلعبُ العناكبُ على جِلْدي النَّرْدَ /
وأتحرَّكُ كالمستنقَعاتِ على رُقعةِ الشِّطْرنجِ / بِلا مَاضٍ ولا مُسْتَقْبَلٌ / وَيَختلطُ
دَمُ الرَّاهباتِ البَنفسجيُّ بأجراسِ الهاويةِ / دَوْلةُ الهِستيريا / وأعشابُ
المقابرِ / جُثثُ الفَتياتِ المغتَصَباتِ في حُفَرِ المجاري / ودَمُ الحيْضِ في
صَوامِعِ الحبوبِ المحترقةِ / وأغشيةُ البَكارةِ تُزَيِّنُ بَلاطَ الزَّنازين /
فاذْكُرْ وَصايا النهرِ على فِرَاشِ الموْتِ / سَيُصبحُ رِجالُ المخابَراتِ أكثرَ
عَدَداً مِن الشَّعْبِ / وَيُصْبِحُ الشَّعْبُ بِلا شَعْبٍ /
الدُّموعُ تَقْرَعُ
نوافذَ شِتاءِ الأراملِ الشَّاباتِ / كالدَّبابيسِ في ثِيابِ الطوفان / وَيتكرَّرُ
مَوْتُ الزَّنابقِ في أعصابِ الغَسَقِ / وَيَمْشي الخريفُ على أظافِرِ البَناتِ وَاثِقاً
مِن مَوْتِهِ / أَدخلُ في عُزلةِ الرُّعودِ أشجاراً تَعْزِفُ على البيانو/ وَضِفْدعةُ
الذاكرةِ تَزرعُ الصليبَ بَيْنَ ثَدْيَيْها المصْلُوبَيْنِ / على رُخامِ
السُّجونِ/ ارْحَمِيني يا أخشابَ صَليبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ/ ارْحَلي مِن أبجديةِ
بُكائي / يا كُلَّ الزَّوْجاتِ الخائناتِ في شَمالِ الأرَقِ / لا تُصَدِّقْنَ
صَفيرَ القِطاراتِ / وَهِيَ تَعْبُرُ عَلى قَميصِ الرَّصاصةِ /
آخَيْتُ بَيْنَ الماءِ والنارِ / ثُلوجُ
الصَّدأ / وَلَوْحاتُ السَّياراتِ الدُّبْلوماسيةِ / وَالتَّوابيتُ الأنيقةُ /
والمرأةُ تُنَقِّبُ في خُدودِها عَن مَنْجَمِ فَحْمٍ أو عُلْبةِ مِكْياج / وَبِداياتُ
الصَّقيعِ / ورَجفةُ الراهباتِ الْمُغتَصَبَاتِ في قَبْوِ الكنيسةِ / وَطباشيرُ
المعلِّمةِ الإنجليزيةِ / وَهِيَ تُمْسِكُ السِّيجارةَ بَيْنَ السَّبابةِ
والوُسْطَى / واليتيماتُ على إشاراتِ المرورِ / يَهْتِفْنَ لِسَيِّداتِ المجتمعِ
الْمُخْمَلِيِّ / وَالفَقيرةُ التي لَعِبَ الأميرُ الشَّابُّ بِعَواطِفِها / ثُمَّ
رَمَاها لأصدقائِهِ / وَالبَغايا المتقاعِداتُ مُبَكِّراً لِتَرْبيةِ أطفالِهِنَّ
/ والطالبةُ الجامعيةُ التي تَنتظرُ جَلادَها في الكافتيريا / وَالْمُذيعاتُ يَكْشِفْنَ
أثداءَهُنَّ الْمُسَرْطَنَةَ / وَيَفْرَحْنَ لأنهنَّ دُمَىً في مَسْرَحٍ للعَرائسِ
/ وَزَوْجاتُ الْمُهَرِّجِينَ يُصَفِّقْنَ في السِّيركِ المحترقِ / والرِّجالُ
التَّافِهُونَ يَغتصبونَ زَوْجاتِهم التافهاتِ / خَلْفَ ضَبابِ الستائرِ الرماديةِ
/ وَرِجالُ الأعمالِ يَتحرَّشُونَ بالسِّكرتيراتِ في ناطحاتِ السَّحابِ /
والبُروقُ تَكْسِرُ الزُّجاجَ المغسولَ بِعِظَامِ الفُقراءِ /
للجَوَّافةِ نَكهةُ
الدِّماءِ / دَخَلَت النِّساءُ في الاحتضارِ الأخضرِ / وَالمِكْياجُ يَتساقطُ في
الشَّايِ الأخضرِ / فَكُنْ تائهاً في شَراييني / سَتَلْمَعُ جُثةُ الرَّعْدِ
بَيْنَ ضَوْءِ الشَّمْسِ ورَائحةِ القَمَرِ / جَثامينُ الجنودِ مُرَتَّبةٌ في
شَاحناتِ الْخُضَارِ / فَادْفِن الْحُبَّ في قَلْبِكَ / وَاقْتُلْ مَشاعِرَكَ
بِخَنجرِ النِّسيانِ / ولا تَعترِفْ بِحُبِّكَ أمامَ البُروقِ في أعالي الجِبالِ /
سَيَنكسرُ الجيشُ بَيْنَ أكاليلِ الغارِ وأقواسِ النَّصْرِ / أنا أقربُ إلى الموتى مِن مَشانِقِهم/ فَلا
تَتزوَّجْ أشلاءَ البُحيرةِ/ كَي تُحافِظَ على بَكارَتِكَ الرُّومانسيةِ/ وَلا
تسأل العَواصفَ عَن المرأةِ التي تَمشي في جِنازَتِكَ / خُنْتَ وَجْهَكَ في كُوخِ
القُلوبِ المكسورةِ / فَلا تَخُنْ قَلْبَكَ في مُدُنِ العِشْقِ القَاتلِ / طَيْفُكَ
الرَّمادِيُّ مَاتَ / وَالموتُ سَيَبْقَى حَيَّاً في قُلوبِنا /
لا تُطالِبْ بِدَمِ
الصَّنَوْبَرِ / كُلُّنا قَتْلَى في شِتاءِ الدُّموعِ السَّاخنةِ / لَكِنَّنا نمشي
عَلى سُورِ المقبرةِ ذُباباً نُحاسِيَّاً / انتحاراتي بُوصلةٌ لِنَوارسِ البَحْرِ
المكسورِ / أموتُ في زُرقةِ الشُّطآنِ وَحيداً / لا أرملةٌ تتزوَّجُ قَاتِلي/ ولا
أطفالٌ يَرِثُونَ انكساري/ وَيَنْسَوْنَ مَوْقِعَ قَبْري/ الرَّعْدُ يَبحثُ عَن
جُثماني بَيْنَ حَواجبي وَرُموشي / فَلا تَطْلُبْ مِن المشنوقِ أن يَكُونَ
رُومانسياً /
في آبارِ الليلِ /
تتوهَّجُ دِماءُ الرَّاهبةِ العَمْياءِ عَلى فُرْشاةِ أسنانِها / الصَّواعقُ في
أعالي الخريفِ / والنُّسورُ تتساقطُ في دَمْعي / كَمَا تتساقطُ أظافرُ العُشَّاقِ
في عَصيرِ الليمونِ / الجثثُ سَاكنةٌ عِندَ بُحيرةِ البُكاءِ / وَأصواتُ
الضَّفادعِ تَكْسِرُ قَلْبَ الليلِ / أُهَرْوِلُ في انتحاراتي اللازَوَرْدِيَّةِ /
وَكَانت الغيومُ تُطْلِقُ الرَّصاصَ على اكتئابي / وَالكِلابُ الضَّالةُ تأكلُ
وَسْواسي القَهْرِيَّ / الفَتَياتُ الأنيقاتُ مَصْلُوباتٌ على أعمدةِ الكَهْرباءِ
الأنيقةِ / لَكِنَّ الكَهْرباءَ مَقْطُوعةٌ / وَحْدَها الشُّحناتُ الكَهْربائيةُ
في دِمَاغي / سَتُنيرُ أسوارَ مَقْبرتي /
أمشي في بُكائي اللزِجِ
/ والنوارسُ تقفُ على شَظايا قَلبي المكسورِ / فَكُن أيها العَدَمُ شَاعراً / كَي
تَرِثَ البَحْرَ / وتَرْثِيَ الأمواجَ / وتمشيَ في جِنازةِ المطرِ / مَن المرأةُ
التي تبكي على كَتِفِ زَوْجِها في مناجمِ الفَحْمِ ؟ / حِيطانُ السُّجونِ تتحدَّثُ
الجِنسَ بِطَلاقةٍ / وكانَ حُلْمُ الشاطئِ أن يَجِدَ امرأةً مُخلِصةً لِزَوْجِها /
لا أحدٌ سيتذكرُ مَناديلَ الوَداعِ على أرصفةِ المِيناءِ / ولا كِلابُ الحِراسةِ
سَتَفْهَمُ لُغةَ عُيوني / هُوَ الثلجُ الساخنُ بَارِدٌ جِنْسِيَّاً / والموتُ
هُوَ أنا / أرعَى قَطيعَ الصَّدماتِ العاطفيةِ في أدغالِ رِعشتي / وَكُحْلُ
الذبابةِ يَسيلُ على شَاهِدِ قَبْرِها / تَحْتَ أقمارِ النِّسيان /
عَرَقُ الملِكاتِ / وَرَبطاتُ
العُنُقِ لِلْمُرتزِقةِ / وَجَواربُ اللبؤاتِ الْمُمَزَّقةُ / والتطهيرُ العِرْقِيُّ
في عُروقي العاشقةِ / اقتلوني يا إِخوتي / كَي تتوهَّجَ الرُّومانسيةُ في ظِلالِ
الوَحْدةِ الوَطَنيةِ / تأخَّرَتْ أوردتي عَن المِقْصلةِ / كما تأخَّرت الراقصةُ
عَن مَوْعِدِ رَقْصتها الأخيرةِ / فَقَدْتُ شَغفي بالأشياءِ / وُجودي هُوَ
العَدَمُ/ وقَاتِلُ الْحُبِّ كالمقتولِ في الْحُبِّ / تساوت الأضدادُ / تعادَلت
خَطايا الفَراشةِ / تصادمَ الاكتئابُ معَ الوَسْواسِ القَهْرِيِّ / لا أشعرُ
بِجَوارحي الجارِحةِ/ ولا أعرفُ وَجْهي الأسمنتيَّ / مِتُّ مُنذُ زَمَنٍ بَعيدٍ /
ولم أجِدْ أحداً يَدْفِنُني / ولم يَبْقَ مِنِّي غَيْرُ أحلامِ اليتامى / تَركضُ
أشلائي أو أشيائي نَحْوَ اللاشَيْءِ/ فلا تَبْكِ عليَّ عِندما يَغتالُني الصَّدى /
وَيُقيمُ الصَّوْتُ مَمْلَكَتَهُ في مُسْتَوْدَعَاتِ رِئتي / ما فائدةُ أن أعيشَ وكلُّ
شَيْءٍ حَوْلي يَموتُ ؟ /
سَلاماً أيتها المرأةُ الغامضةُ / التي يَسْبَحُ
تابوتُها في كُوبِ الشَّاي / قُرْبَ أزهارِ شُرْفةِ الغروبِ / تنفجرُ لُغتي في
لَحْمِ القصيدةِ / والضِّباعُ وَحْدَها تَهتمُّ بمشاعري / فلا تَدْخُلي عَلَيَّ يا
مُمَرِّضتي والصَّليبُ في عُنُقِكِ / سَيُحَدِّدُ الأمواتُ عَدَدَ أمتارِ أكفانِهم
/ والعُشْبُ الدَّمويُّ سَيَخْطُبُ امرأةً مِن زَوْجِها / تَلتقي النَّظاراتُ
السَّوْداءُ / ولن تَلتقيَ العُيونُ أبَداً / وَكُلما مَشَيْتُ تَسَاقَطَتْ أعضائي
على الأسْفَلْتِ / مَعْجُونُ أسناني هُوَ حَقْلُ الجماجمِ /
صَباحُ الْحُزْنِ يا
هَلْوَسةَ شَراييني / ومَسَاءُ المِقْصلةِ يا نَحيبي الذهبيَّ / أيُّها النَّمْلُ
الدُّبلوماسيُّ الذي يَتعلَّمُ الرُّومانسيةَ / أنتمي إلى شَيْءٍ غَامِضٍ يَكتشفُ
جُرْحي / وَيَحْرِقُ عِظامي بِشُموعِ عِيدِ مِيلادِ الغاباتِ / دَافَعْنا عَن
حُقوقِ الحيواناتِ / وَقَتَلْنا الإنسانَ / دَمَّرْنا الأرضَ / واكْتَشَفْنا
المرِّيخَ / وخِياناتُ الموجِ تُحاصِرُ جُثمانَ الضَّبابِ / تَحْتَ النَّيازِكِ
الوَرْديةِ / والبُرتقالُ نَسِيَ نَعْشَهُ بَيْنَ أعوادِ المشانِقِ وأعوادِ
الثِّقابِ/ الوَرْدُ مَجزرةُ الأحزانِ/ والتوابيتُ مَصْفُوفةٌ في شُرفاتِ الخريفِ
/ والقُلوبُ خَاليةٌ إلا مِنَ العارِ / فاترُكْني أَعْشَقْ لَمعانَ الأمطارِ
تَحْتَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ / أظافري شَواهِدُ قُبورٍ للطيورِ / في مَوْسِمِ
الهِجرةِ الأبَديِّ / ولم يَعْرِفْ بَصْمَةَ دُموعي غَيْرُ المرايا المكسورةِ /
خُذْ مَجْدَكَ في حَفْرِ
القُبورِ/ واصْعَدْ مِن قَبري / حُزني يَدُلُّ عليَّ / واكتئابي يُرْشِدُ رِجالَ
المخابراتِ إلى جَوَازِ سَفَرِي/ وشاهِدُ قَبري يُرْشِدُ النوارسَ إلى مَنارةِ
البَحْرِ الأخيرِ/ والجثثُ السَّاخنةُ على البَلاطِ البارِدِ / سَتُظَلِّلُ أشجارُ
المقابِرِ جَدائلَ القَتيلاتِ / جَسَدي خَرَجَ مِن مَدارِهِ / وَدَخَلَ في أرشيفِ
الغاباتِ الضَّوئيةِ/وَكُلما غَابَت أجنحةُ الفَراشاتِ عَن مِرْآتي/ غَابَ صَوْتي
واحْتَلَّني الصدى/
وُجوهُ الزَّوْجاتِ
الخائناتِ خَنادِقُ / يَختبئُ فِيها الجرادُ / والكُوليرا تَنْشُرُ أغشيةَ
البَكارةِ على حَبْلِ الغسيلِ / فيا أيتها البُحيرةُ المشلولةُ / قَد نَسِيَ
النهرُ سائلَهُ الْمَنَوِيَّ على قَميصِ نَوْمِكِ / والراهباتُ يَنتقِمْنَ مِن
أُنوثتهنَّ في أديرةِ الضبابِ البَعيدِ/فانتقِمْ مِن البَحْرِ الذي قَتلَ النوارسَ
اليَتيمةَ/ وأنا سُلالتي/ أنا امتدادُ الشُّطآنِ في خَنجرِ الأمواجِ/ أنا أبي
وابني/ تنمو الطحالبُ بَيْنَ أصابعِ الرِّيحِ/ والحضارةُ تنتحرُ / تَركضُ الملِكاتُ
إلى المراحيضِ / وراعيةُ الغَنَمِ ارْتَدَتْ تَنُّورةً فَوْقَ الرُّكبةِ / ماتت
النِّساءِ في خَريفِ الهلَعِ / والرِّجالُ يُضاجِعُونَ الذِّكرياتِ / والملوكُ
ذَهَبوا إلى مَزْبَلةِ التاريخِ /
سَأشتري فُرْشَاتَيْ أسنان / فُرْشاةٌ
لقاتِلي / وفُرْشاةٌ لِحَفَّارِ قَبري / والأمطارُ تَخلعُ أسنانَها / كَي
تُوَفِّرَ على حُكومةِ اللصوصِ استيرادَ مَعْجُونِ الأسنانِ/ أوْردتي تَقطرُ
زِئبقاً/ وَرَقَبةُ العاصفةِ مُسْتَوْدَعٌ للكِبْريتِ / أنتظرُ عَرَبَاتِ نَقْلِ
الموتى / كما تنتظرُ البناتُ باصَ المدرسةِ / يَرقصُ البَشَرُ حَوْلَ جماجمِ
المذْبَحِ / ولا يَعْرِفُونَ لماذا يَرْقُصون / رَقصتي في زِنزانةِ البَنفسجِ هِيَ
رَقصتي الأخيرةُ قَبْلَ الطوفان / فاخْرُجْ مِن ذاكرةِ المطرِ / وَكُن مَطَراً
حِمْضِيَّاً / لأَحْرِقَ تُرابَ رِئتي النُّحاسيةِ / كلُّ الناسِ يَمشونَ في جِنازتي
إلا أصدقائي / كلُّ الناسِ يَعْرِفُونَ مَساميرَ نعشي إلا أنا / مَقتولٌ أنا في
كُلِّ الأحلامِ / مَوْلُودٌ أنا في كُلِّ الأضرحةِ / فلا تتجوَّلْ في سَراديبِ
مَحاكمِ التَّفتيشِ / وَكُن هادئَ الأعصابِ كالسُّيوفِ المكسورةِ / لأنَّ المِقْصلةَ
ناعمةٌ ورُومانسيةٌ وديمقراطيةٌ / والأغرابُ يُزَيِّنونَ شَجَرةَ عِيدِ الميلادِ
بالقُشَعريرةِ وعِظامِ الشَّفقِ/ صُورتي الخشَبيةُ في جَوازِ السَّفَرِ بِلا
بِرْوازٍ/ لكني المسافرُ الأبَديُّ/
أنا المسافرُ في مَلامحِ
الوَطنِ القَتيلِ / قَضَيْتُ حَياتي أُصَحِّحُ أخطاءَ الفَراشاتِ / ولا وَقْتَ
لأحزاني كَي تُحَدِّقَ في الثلوجِ على مِدْخنةِ كُوخي / دَمي مَخلوطٌ بالكلورِ /
والماءُ يَشْرَبُني رُمْحاً / أيْنَ الدُّموعُ التي ستأكُلُني في الصَّحاري
الجليديةِ ؟/ لماذا أتعطرُ وأنا جُثةٌ ضَوْئيةٌ ؟ / وَحْدَها الكِلابُ البُوليسيةُ
تَعْرِفُ رَائحتي / أَغْرِسُ في لَحْمي رَاياتِ القَبائلِ / والدُّودُ سَيَأكلُ
لَحمي / سَيَختفي الفَرْقُ بَيْنَ المِشْنقةِ والمِقْصلةِ / ويختفي الفَرْقُ
بَيْنَ ضَابطِ المخابراتِ وَرَاقصةِ الباليه / فَعَلِّمْ قِطَطَ الشَّوارعِ الفَرْقَ
بَيْنَ لَيْلةِ الدُّخلةِ والزِّنزانةِ الانفراديةِ / كَي تَعْرِفَ مَشَاعرَ
الصَّراصيرِ تَحْتَ أقدامِ الجنودِ/ أبكي وَحيداً في رِمالِ الشَّفقِ/ والعواصفُ
تَخْلعُ أبوابَ رِئتي/والطوفانُ يَهدمُ أسوارَ سِجْني.