الشعراء والنساء
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 6/6/2018
...............
[1] النِّساءُ
يَنْجَذِبْنَ إلى الشاعرِ ، لَكِنَّ الشاعرَ الحقيقِيَّ يَهْرُبُ مِنْهُنَّ .
لا فائدة من حِرْص الشاعر على الْمُعْجَبَات . ولا مَعْنَى لانتظار
السَّجاد الأحمر في أيِّ مكان . والشاعرُ الذي يَعيشُ في عالَم النِّساء ، هو
شاعرٌ وَهميٌّ يَتلاعبُ بالكلماتِ ، ولا يَحْمِلُ قضيةً . الشاعرُ لَيْسَ نَجْمًا
سينمائيًّا يَنتقِلُ مِن امرأةٍ إلى أُخرى. الشاعرُ هو المتحدِّثُ بِاسْمِ عناصر
الطبيعة، يُدافِعُ عَن الإنسان ضِدَّ الوَحْش الساكن في الإنسان . يُحارِبُ
النظامَ الاستهلاكيَّ المتوحِّش الذي حوَّل الإنسانَ إلى كيان مُوحِش . الكلماتُ
لَيْسَتْ وسيلةً للتلاعبِ بِعَواطفِ النساء ، أو السيطرةِ على مَشاعرهنَّ ، أو
الاستحواذ على قُلوبهنَّ بالقُوَّة الناعمة. الكلماتُ هِيَ العالَمُ المثالي ،
والشرعيةُ المعرفية للإنسان والحضارةِ . والشاعرُ الذي يُحوِّل المرأةَ مِن سُلطةٍ
مَعرفيةٍ إلى سِلْعةٍ غَريزِيَّة ، سَوْفَ تَموت كلماتُه معَ الأيام ، لأنَّها لَم
تَنْبُعْ مِنَ القلبِ . وإنَّما نَبَعَتْ مِنَ الشهواتِ التُّرابية ، والشَّيْءُ
إذا كان من الترابِ ، سَيَعُود إلى التراب .
[2] كَثرةُ الصَّدَماتِ العاطفيةِ التي
أَخْتَرِعُها سَاهَمَتْ في تَطويرِ أدواتي الشِّعرية والفلسفية .
لَم تُفْرَض عَلَيَّ الصدماتُ العاطفيةُ .
أنا فَرَضْتُها على نَفْسي ، لأنَّني أخافُ مِن الْحُبِّ ، وأهْرُبُ مِنهُ . أخافُ
مِنَ الأشخاص الذينَ يُسَيْطِرُونَ عَلَيَّ بالابتسامة والأحاسيس والذكرياتِ .
الذكرياتُ اختراقٌ أمنيٌّ . أخافُ مِنَ الأشخاصِ الذين يَحْتَلُّون قَلبي بلا
بَنادق ولا دَبَّابات . هؤلاء هُم الغُزاةُ الْمُحْتَرِفُون . أَمْشي إلى الهاويةِ
بكامل قُوَايَ العقلية ، ودُونَ ضَغطٍ مِن أحَدٍ ، لأنَّ قلبي يَسْكُنُ في قاع
الوادي . أخترعُ الصَّدماتِ العاطفيةَ هَرَبًا مِن الْحُبِّ ، مِثل القائد المهزوم
الذي هرب من المعركة ، ورَاحَ يَخترِعُ الأعذارَ لهزيمته . لَكِنَّ الفَرْقَ
بَيْني وبَيْنَ القائد المهزوم، هُوَ أنَّني أتعلمُ مِن هَزيمتي لِكَيلا
أُكَرِّرها، وأدْرُس أسبابَ السُّقوط كَي أتجاوزها . إنَّني أُحَوِّلُ الصَّدَماتِ
إلى نِقَاطٍ قُوَّة . والضَّربةُ التي لا تَقتلكَ تُحْيِيكَ ، وتَزيدكَ قُوَّةً .
[3] القَصيدةُ العاطفيةُ الفَاشِلةُ دُمْيَةٌ
صُنِعَتْ مِن أجْلِ امرأةٍ لا تَسْتَحِقُّها .
الشاعرُ الذي يَتصرَّفُ كَمُرَاهِقٍ ، هُوَ
صَدًى للكلماتِ ولَيْسَ صَوْتًا . الشاعرُ مَلِكٌ على القلوب. ولَيْسَ صَيَّادًا
يَصطاد قُلوب النساءِ كالفَرَائسِ ، ولَيْسَ فَريسةً تُسَلِّمُ مِفتاحَ حَياتها
للصَّياد. والشاعرُ الحقيقيُّ لا يَترك مَصيرَه للآخرين كَي يَتلاعَبُوا بِهِ ،
ولا يَكشِف أوراقَه للناس، لأنَّهُ عِندئذٍ سَيُصْبِحُ واقعًا تحت احتلالهم .
والإلهامُ الذي تُقَدِّمُه المرأةُ للشاعرِ وَهْمٌ وخَديعةٌ . والشاعرُ الذي يَجعل
المرأةَ هي حَجر الزاوية في مشروع الشِّعريِّ ، لا يَعرِف شَيئًا عن فلسفة الحياة
، ولا يُدْرِك ماهية الإنسان وهُوِيَّة الحضارة . إنَّ المشروعَ الشِّعريَّ قائمٌ
على فَلسفة الوجود لا فَلسفة المِكياج.