وُلِد
الفيلسوف الألماني يوهان فيخته ( 1762 _ 1814 ) في مدينة رامنو ، في ولاية
ساكسونيا . بدأ دراسته في إكليريكية
مدرسة جينا لللاهوت . في عام 1784 ، ودون إكمال شهادته أنهى فيخته دراسته ، ثُمَّ
عمل مُدَرِّسًا خاصًّا في زيورخ .
دَرَّسَ فيخته في جامعة يينا في الفترة (
1794_ 1799 ) ، كما كان مُحَاضِرًا ذا شعبية ، إلا أنه فقد شعبيته بعد أن اتُّهِم
بالإلحاد.وقد التحق بهيئة التدريس في جامعة
برلين مِن عام 1810
إلى حين وفاته .
يُعتبَر فيخته واحدًا مِن أبرز مُؤسِّسي
الحركة الفلسفية المعروفة بالمثالية الألمانية ، الحركة التي تطوَّرت مِن الكتابات
النظرية والأخلاقية للفيلسوف كانت . وكثيرًا ما يُقدَّم فيخته على أنه الشخص الذي
كانت نماذج فلسفته جسرًا بين أفكار كانت وهيغل .
بدأ الفلاسفة والدارسون حديثًا تقدير فيخته
كفيلسوف هام في حَد ذاته ، لأجل رُؤاه المختلفة في طبيعة الوعي الذاتي والإدراك الذاتي . وكانت
مشكلة الذاتية والوعي دافعًا لتأمله الفلسفي . وقد كتب أيضًا في الفلسفة السياسية
. ويُنظَر إليه _ مِن قِبَل الكثيرين _ كأب للقومية الألمانية .
في عام 1790 ، بدأ فيخته في دراسة أعمال
الفيلسوف كانت ، التي اتَّخذها مرجعًا له طوال مسيرته الفكرية . وبعدها بوقت قصير التقى فيخته
بأستاذه كانت في مدينة كونيغسبرغ .
أصدرَ فيخته كتابه الأول " محاولة
في نقد الثورة " عام 1792 . وقد حاولَ فيه الربط بين الوَحْي الإلهيِّ وفلسفة
كانت المادية النقدية . ونُشِرت الطبعة الأولى مِن الكتاب بدون عِلم فيخته ولا
كانت ، وبدون اسم المؤلف ، وبدون مُقدِّمة مُوقَّعة . وهكذا ظَنَّ القُرَّاء الْمُتابِعون
خطأً أنه كتاب جديد للفيلسوف كانت نفْسه . جميع القُرَّاء في بداية الأمر ، ومِن ضِمنهم
النُّقاد الذين كتبوا مراجعات أولية عن الكتاب ، ظَنُّوا أن كانت هو مؤلف الكتاب .
حينها ظهر كانت للناس ووضَّح الالتباس الذي حصل ، وفي نفس الوقت أشاد بالكتاب
ومؤلف الكتاب . وبعد هذا المديح والإطراء ارتفعت شُهرة فيخته .
كان فيخته يُحاكي أسلوب كانت شديد الصعوبة .
فَقَدَّمَ فيخته أعمالاً بالكاد مفهومة . وجاء في كتاب تاريخ الفلسفة كلام عن هذا
الأسلوب الصعب : (( لَم يكن فيخته يَتردَّد في التَّباهي بمهارته الفائقة في
التظليل والتعتيم . وكان يُشير إلى طلابه أحيانًا كثيرة بأنه ليس هناك إلا رَجل
واحد فقط في العالَم يتمكن تمامًا مِن استيعاب ما يكتبه فيخته . وحتى هذا الرَّجل
الواحد سَيُواجه مشاكل في اقتناص المعنى الحقيقي وراء كتابات فيخته )) . وهذه
الملاحظة كثيرًا ما تُنسَب خطأً إلى الفيلسوف هيغل .
يَعتبر فيخته أن العقل جوهر الوجود.ويُؤكِّد
أن أفكارنا ليست وليدة التعامل مع العالَم المادي . وبدلاً من ذلك ، فإن عقولنا
جزء من العقل المبدِع الكُلِّي . وقد تناولَ فيخته هذه الأفكار في كتابه "
أساس النظرية الكاملة للمعرفة " ( 1794 ) . ومِن مؤلفاته السياسية الكُبرى ،
كتابه الوطني " خُطب للأمة الألمانية " ( 1808 ) .
وفي هذا الكتاب ، عبَّر فيخته عن إيمانه بالحضارة الألمانية وبالروح الوطنية . وقد
ترك الكتاب أثرًا كبيرًا على الوَعْي القَومي الألماني .
قَسَّمَ فيخته الفلاسفة إلى قِسْمَيْن : 1_
الدوغماتيين ، أصحاب النظريات الذين يُؤكِّدون نظرياتهم أو أفكارهم ، ويرفضون كُل
نظرية غَيرها ، أو القائلون بالوجود الحقيقي للمادة خارج العقل . إنهم مقتنعون بأن
الأشياء موجودة بشكل مستقل خارج العقل أو النَّفْس . 2_ المثاليون ، الذين يعتقدون
أن كل التجارب وكُل الحقائق هي مفاهيم عقلية . وعلى هذا فهي كُل الحقيقة .
أصبحَ فيخته مُعْتَمِدًا في تدبير أمور
معيشته على محاضراته العامة التي ينشرها ، وراح يَتَّجه أكثر فأكثر نحو الإيمان
المسيحي، والوطنية الألمانية .