يُعْتَبَرُ الشاعرُ المِصْري أحمد شوقي ( 1868 _ 1932 ) أشهرَ شُعراءِ اللغةِ
العربية في العَصْرِ الحديثِ. لُقِّبَ بـِ أمير الشُّعراء .
حَرَصَ على وَصْفِ الطبيعةِ في أشعارِه ،
وإظهارِ الجَمَالِ الرُّوحِيِّ والإلهيِّ ، وَحَثَّ على التَّأمُّلِ في إبداعِ
الخالقِ،وَضَرورةِ التَّفَكُّرِ في رَوائعِ الآياتِ والآثارِ في لَوْحَاتِ
الوُجودِ الجميلةِ، والمناظرِ الخَلَّابة . وفي قَصَائِدِه، تَتَجَسَّدُ الطبيعةُ
كَبَحْرٍ واسعٍ مِنَ الجَمَالِ والجَلالِ والكَمَالِ والبَهَاءِ .
وقَدْ صَوَّرَ الطبيعةَ تَصويرًا فَنِّيًّا
بديعًا بأُسلوبٍ حِسِّي ، يَدُلُّ عَلى الحَياةِ والحَيَوِيَّة ، وَلَمْ
يَقْتَصِرْ وَصْفُهُ للطبيعةِ عَلى المَشَاهِدِ الكُبرى ، بَلْ تَطَرَّقَ إلى
التفاصيلِ الدَّقيقةِ ، والجَوانبِ العميقة ، وحاولَ اكتشافَ الرُّوحِ
الإنسانيَّةِ في الطبيعةِ ، والتَّغَنِّي بِجَمَالِها ، وتَجَلِّيها كَفَنٍّ
بَصَرِيٍّ ، كما أنَّه مَنَحَ الطبيعةَ نَفَسًا ، وَشَخَّصَهَا إنسانيًّا
ولُغَوِيًّا ، وَجَعَلَ مِنْها مِرْآةً تَعْكِسُ الجَمَالَ والصَّفَاءَ والرَّمْزَ
للحَيَاةِ والخُلودِ . أي إنَّهُ كانَ يَمِيلُ إلى تَجسيدِ الطبيعةِ وَتَشخيصِها ،
فَيَجْعلها تَتَكَلَّمُ ، وَتُغنِّي ، وَتَحْزَن ، وَتَفْرَح ، وبذلك يَكُون قَدْ
مَنَحَهَا رُوحًا إنسانيَّة .
تَعَامَلَ معَ الطبيعةِ باعتبارِها لَوْحَةً
فَنِّيةً نابضةً بالحَياة ، وَعَالَمًا مِنَ الجَمَالِ المُتَنَاسِقِ ، وَوَصَفَ
الأزهارَ والأنهارَ والطُّيورَ والنُّجومَ بألفاظٍ مُوسيقية ، وألوانٍ زاهية ،
تَجْعَل القارئَ كأنَّه يُشَاهِد المَشْهَدَ أمامَه . وَهَذا الوَصْفُ يَجْمَعُ
بَيْنَ دِقَّةِ الرَّسَّامِ وَوِجْدَانِ الشاعرِ .
والطبيعةُ مَصْدَرُ إلهامٍ وَحِكْمَةٍ ،
تُعلِّم الإنسانَ ، وَتَبُثُّ فِيهِ دُروسَ الصَّبْرِ والتَّجَدُّدِ والنِّظَامِ ،
ولا يَنْبغي الاكتفاء بِجَمالِ الطبيعةِ الخارجيِّ ، بَلْ يَجِبُ استخراجُ العِبَرِ
مِنْهَا . فَنُضُوجُ الثِّمارِ تُعلِّم مَعْنى الصَّبْرِ ، وَدَوْرَةُ الحَياةِ
تُعْطي دَرْسًا في الأملِ والخُلودِ ، وانتظامُ الفُصولِ يُوضِّح مَعْنى
النِّظَامِ .
كَمَا يُسْتَخْلَصُ مِنَ الطبيعةِ القِيَمُ
الأخلاقيةُ والرُّوحية ، وَهِيَ مَلْجَأ رُوحيٌّ ، يَلْجَأ إلَيْهِ الإنسانُ
لِيَسْتَمِدَّ مِنْه الطُّمَأنينة. والطبيعةُ رَمْزٌ للوطنِ والحَياةِ ، وكثيرًا
مَا اسْتَخْدَمَ عَناصرَ الطبيعةِ رَمْزًا لِوَطَنِهِ مِصْر،أوْ للتَّعبيرِ عَنْ
حَنينِه إلَيْهَا في مَنْفَاه بالأنْدَلُسِ، فالنِّيلُ عِنْدَه لَيْسَ مُجَرَّد
نَهْر ، بَلْ رُوح الأُمَّة ، والشَّمْسُ رَمْزُ الأملِ والنَّهضةِ . وَتَفَتُّحُ
الأزهارِ دَلالةٌ عَلى التَّجَدُّدِ ، وَتَغْرِيدُ الطُّيورِ مُوسيقى الفَرَحِ .
وَوَصْفُهُ للطبيعةِ يَمْتاز بِعُذوبةِ
الإيقاعِ وَغِنى الصُّوَرِ ، مِمَّا يَعْكِسُ تَأثُّرَه بالشِّعْرِ العربيِّ
القديمِ معَ تَجْديدٍ في الأُسلوبِ والمَضمونِ. كما أنَّ وَصْفَه للطبيعةِ قائمٌ
عَلى الشَّاعِرية الفَنِّية التي تَجْمَعُ بَيْنَ الخَيَالِ والمُوسيقى والعاطفةِ
، وهَكذا أصبحت الطبيعةُ كائنًا حَيًّا يُشَارِكُ الإنسانَ مَشاعرَه وأحلامَه .
وَيُعْتَبَرُ الشاعرُ الأمريكيُّ روبرت
فروست ( 1874 _ 1963 ) واحدًا مِنْ أهَمِّ شُعَراءِ اللغةِ الإنجليزية . اشْتُهِرَ
بِتَصويرِه الواقعيِّ للحَياةِ الرِّيفية ، وَوَصْفِ مَناظرِ الطبيعةِ في الأماكنِ
التي عاشَ فيها .
وَصَفَ الطبيعةَ باعتبارِها انعكاسًا
للحالةِ الإنسانيَّة ، وَلَيْسَتْ مُجرَّد خَلْفية جميلة ، واستخدمَ عَناصرَ
الطبيعةِ مِثْلَ الثلجِ والأشجارِ والغاباتِ للتَّعبيرِ عَنْ مَوضوعاتِ
تَتَعَلَّقُ بالعُزلةِ ، والحُزْنِ ، والتفاؤلِ، والتناقضاتِ في التَّجْرِبَةِ
البشرية. وَرَبَطَ العَالَمَ الطبيعيَّ بالرُّوحِيَّةِ مِنْ خِلالِ الصُّوَرِ
الرَّمزية .
لَمْ يَرَ في الطبيعةِ مُجرَّد مَصْدَرٍ
للجَمَالِ والسَّكِينةِ ، بَلْ جَعَلَهَا مِرْآةً تَعْكِسُ صِراعاتِ الإنسانِ
الداخليَّة ، ومَعَاني الحَياةِ والمَوْتِ ، والعَلاقةَ بَيْنَ الإنسانِ
والعَالَمِ . والطبيعةُ في شِعْرِهِ لَيْسَتْ هُروبًا مِنَ الواقعِ ، بَلْ وسيلة
لِفَهْمِه .
وَقَدْ تَمَيَّزَ عَن الشُّعَراءِ
الرُّومانسيين بأنَّه لَمْ يَنْظُرْ إلى الطبيعةِ نَظْرَةً حالمةً أوْ مِثالية ،
بَلْ كانَ يَرَاها جُزْءًا مِنَ الحَياةِ اليَوْمِيَّةِ في الرِّيفِ الأمريكيِّ ، وَمِرْآةً
للنَّفْسِ الإنسانية .
وَتَتَغَيَّرُ صُورةُ الطبيعةِ في شِعْرِه
بِحَسَبِ الحالةِ النَّفْسِيَّةِ للمُتَكَلِّمِ ، فإذا كانَ في صَفَاءٍ وطُمَأنينة
، بَدَت الطبيعةُ هادئةً مُضيئةً . وإذا شَعَرَ بالحَيْرَةِ أو الوَحْدةِ ،
ظَهَرَت الطبيعةُ غامضةً أوْ قاسية ، وهَذا يَعْني أنَّ الطبيعة عِنده انعكاسٌ
لحالةِ الإنسانِ النَّفْسِيَّة ، وَلَيْسَتْ مُجرَّد ديكور خارجي .
والطبيعةُ رَمْزٌ للصِّراعِ والتَّحَدِّي ،
وَهِيَ لَيْسَتْ دَوْمًا رحيمةً أوْ لطيفة ، فَهِيَ قَدْ تَكُون قاسيةً ، وجامدةً،
وغَيْرَ مُكْتَرِثَةٍ بِمُعاناةِ الإنسانِ . فالثُّلوجُ تُغطِّي الأرضَ بِلا رحمة
، والغاباتُ يُمْكِنُ أنْ تُضِلَّ الإنسانَ عَنْ طريقه ، والليلُ في الرِّيفِ
مُظْلِمٌ وَمُخِيف . وَمِنْ خِلال هذه الصُّوَرِ ، يُظْهِرُ صِراعَ الإنسانِ معَ
قُوى الطبيعةِ والحياةِ ، في مُحاولة لفهمِ مَكَانِه في هَذا الكَوْنِ الواسع .
وَيَظْهَرُ البُعْدُ الفلسفيُّ في وَصْفِ
الطبيعةِ ، وَمِنْ خِلالِها تَتَّضِح قضايا إنسانيَّة كُبرى ، مِثْل : الحُرِّية
والمسؤولية ، والاختيار والمصير ، والوَحْدة والمَوْت ، ومَعْنى الحياة .
وَلُغَتُهُ في وَصْفِ الطبيعةِ بسيطةٌ ،
وَسَلِسَة ، وقريبة مِنْ حَديثِ الناسِ في الرِّيفِ ، لكنَّها تُخْفي وَراءَها
عُمْقًا فِكريًّا وإنسانيًّا كبيرًا . فَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ الوُضوحِ في
الصُّورةِ ، والغُموضِ في المَعْنى ، مِمَّا يَجْعَل قصائدَه تَبْدُو سَهلةً
ظاهريًّا ، لكنَّها تَحْمِلُ أبعادًا رمزية وفلسفية عميقة .