عِلْمُ
المَنْطِقِ هُوَ عِلْمٌ يَبْحَثُ في القواعدِ والأُسُسِ التي تُنظِّم التفكيرَ
الصحيح ، وتُميِّز بَيْنَ الاستدلالِ السليمِ والاستدلالِ الخاطئ . وَهَذا
العِلْمُ آلةٌ قانونية تَحْمِي الذِّهْنَ مِنَ الخَطأ في الفِكْرِ .
يُعْتَبَرُ
الفَيلسوفُ اليوناني أَرِسْطُو طاليس
( 384 ق. م _ 322 ق.م ) مُؤسِّسَ عِلْمِ المَنْطِقِ . وَهُوَ أوَّلُ فَيلسوف
قامَ بتحليل العملية التي بِمُوجِبها يُمْكِن مَنطقيًّا استنتاج أنَّ أيَّة قضية
مِنَ المُمْكِن أن تكون صحيحة استنادًا إلى صِحَّة قضايا أُخْرَى ، وقد كان
اعتقادُه أنَّ عملية الاستدلال المَنطقي تَقُوم عَلى أساس شكل من أشكال البُرهان
سَمَّاه القِياس . وفي حالة القِياس ، يُمْكِن البَرْهَنَة أو الاستدلال
مَنطقيًّا على صِحَّةِ قضية مُعيَّنة ، إذا كانت هُناك قَضِيَّتَان أُخْرَيَان
صحيحتان .
والفَيلسوفُ الإيطالي توما
الأكويني ( 1225 _ 1274 ) تَمَسَّكَ بِمَنْطِقِ أَرِسْطُو ، واتَّخَذَ مِنَ
المَنهجِ الأَرِسْطِيِّ أساسًا لأبحاثِه ، فَبَدَأ أوَّلًا بِتَحديدِ المُشكلة ،
ثُمَّ حَصْر أوْجُهِ الخِلاف فِيها ، باستعراض شَتَّى المُشكلات والشُّكوك التي
تُثَار حَوْلَها ، والعمل على الإجابة عنها بالأدلة المَنْطِقِيَّة المُقْنِعَة .
وكانَ دَوْرُهُ مُهِمًّا مِنْ ناحيةِ الشَّرْحِ والدَّمْجِ بَيْنَ الفلسفةِ
الأَرِسْطِيَّةِ والعَقيدةِ المَسِيحِيَّةِ .
والفَيلسوفُ الألماني جوتلوب فريجه ( 1848_ 1925 ) يُعَدُّ
أشهرَ مَن اهْتَمَّ بالفلسفةِ التَّحليليةِ ، وَمَنْطِقِ الرِّياضياتِ
الحديثة . وَهُوَ أحَدُ مُؤسِّسي المَنْطِقِ الحديث ، وأحد أكبر فلاسفة المَنْطِقِ
بَعْدَ أَرِسْطُو . وقد ابتكرَ فريجه لُغةً اصطناعية بواسطة الرموز المَنْطِقِيَّة
، وساهمَ في تطوير جُزْء كبير من أبحاث
المَنْطِقِ الرِّياضي ، وكانَ مِنْ دُعَاةِ مَا يُعْرَف بالمَذهَبِ المَنْطِقِيِّ
، وَهُوَ اتِّجاه يَدْعُو إلى رَدِّ التَّصَوُّراتِ الرِّياضيَّة الأساسيَّة إلى
تَصَوُّرَاتٍ مَنْطِقِيَّة خالصة .
والفَيلسوفُ الألماني إدموند
هُوسِّرل ( 1859_
1938 ) طَوَّرَ عِلْمَ المَنْطِقِ ، وساهمَ في كَشْفِ الجَوانبِ المَعْرفيةِ
والفَلسفيةِ للمَنْطِقِ . وَنَفَى أنْ تَكُون العَلاقاتُ المَنْطِقِيَّةُ خاضعةً
للتأثيراتِ النَّفْسِيَّة ، واعتبرَ العَلاقاتِ المَنْطِقِيَّة تَنْتمي إلى
عَالَمٍ خاص ( المَاهِيَّات ) المُستقلة عَن العَقْلِ البَشَرِيِّ . وهذه
المَاهِيَّاتُ بِمَثابةِ حقائق ثابتة تَجْعَل الأفرادَ يَتَّفقون حَوْلَها ،
فَيُصْدِرُون أحكامَهم وقَرَاراتهم .
والفَيلسوفُ
الإنجليزي ألفريد نورث وايتهيد ( 1861_ 1947 ) ساعدَ في نقلِ المَنْطِقِ مِنْ كَوْنِهِ
فَرْعًا فَلسفيًّا إلى عِلْمٍ دقيق قائم على الرُّموز والقواعد ، مِثْل عِلْم
الجَبْر ، وَساهمَ في بِناءِ الرِّياضيات انطلاقًا مِنْ مَبادئ مَنْطِقِيَّة
بَحْتَة ، وَتَوحيدِ المَنْطِقِ والرِّياضياتِ في نِظامٍ واحد قائم على الرُّموزِ
والقواعدِ الدقيقة ، مِمَّا أدَّى إلى تأسيسِ المَنْطِقِ الرَّمزي .
والفَيلسوفُ
الإنجليزي بِرتراند راسل ( 1872_ 1970 ) قَدَّمَ أعظمَ إسهاماته للفلسفة والرياضيات في مَطْلَعِ القَرْنِ
العِشرين ، وأرادَ أنْ يَسْتمد جميعَ الرِّياضيات مِنَ المَنْطِق ، وبذلك أرساها
على أساسٍ متين ، وسعى إلى إظهار أنَّ جميع الرياضيات البَحْتَة تَتَوَالَد مِنْ
مُسلَّمات مَنطقية تمامًا ، وأنَّها لا تَسْتخدم سِوى المَفاهيم التي يُمْكِن
تعريفها بِمُصطلحات مَنطقية بَحْتَة . وَرَغْمَ أنَّ أفكاره نُقِّحَتْ وطُوِّرَتْ
على أيدي علماء الرياضيات مِنْ بَعْدِه ، إلا أنَّ أفكاره كانتْ المُنْطَلَقَ
لكثير من الإنجازات الحديثة في عِلْمِ المَنْطِقِ وقَواعدِ الرِّياضيات
.
والفَيلسوفُ الألماني موريس شليك ( 1882 _ 1936 ) هُوَ مُؤسِّس الوَضْعِيَّةِ المَنْطِقِيَّة ، وَتُعْرَف أيضًا
بالتَّجْريبية الوَضْعانية أو الوَضْعانية الجديدة ، وهي حركة فلسفية ظهرتْ في
النمسا وألمانيا في العَقْد الثاني مِنَ القرن العِشرين. وَتُعنَى
هذه الحركة الفلسفية بالتحليل المنطقي للمعرفة العِلْمِيَّة ، حيث تُؤكِّد أن
المقولات المِيتافيزيقيَّة، أو الدِّينيَّة، أو القِيَمِيَّة، فارغة من أي معنى
إدراكي، بالتالي، لا تَعْدُو عن كَوْنها تعبيرًا عن مشاعر أوْ رَغَبَات .
وَوَحْدَها المَقُولات الرِّياضية المنطقية والطبيعية هي ذات معنى مُحَدَّد. ومِنْ
وِجْهَةِ نَظَرِ الوَضْعِيَّة المَنْطِقِيَّة ، فإنَّ كُلَّ المَقولات ذات
المَعْنى يُمْكِن تقسيمُها إلى صِنْفَيْن: الأول _ يَتَضَمَّن مَقولات قد تكون
صحيحة أو خاطئة اعتمادًا على أشكالها المَنْطقية أوْ مَعْناها ( تُسمَّى هذه
المَقولات تَحْلِيلِيَّة قَبْلِيَّة )، والثاني _ يَتَضَمَّن مَقولات يُمْكِن
التَّحَقُّق مِنْ صِحَّتها أوْ خَطَئِها فقط مِنْ خِلال التَّجْرِبَة ( تُسمَّى
تَركيبية بَعْدِيَّة ) .
والفَيلسوفُ النمساوي لودفيغ
فيتغنشتاين ( 1889_ 1951 ) حَصَرَ وظيفةَ الفلسفة في تحليل اللغة فقط، ورأى أنَّ اللغة تَخْضَع
لِجُملة مِن القواعد المنطقية ، وأنَّ اللغة إذا صِيغَتْ بنظام منطقي كامل، فَمِنَ
المُمْكِنِ تَجَنُّبُ الوُقوعِ في غُموضِ التَّعبيرِ والخَلْطِ والإبهامِ ، وأنَّ
مشكلة الفلسفة ناتجة عن سُوء فهم مَنْطِق اللغة . وَاعْتَبَرَ أنَّ المَنْطِقَ
يُفْهَمُ باعتباره البُنْيَة المُشتركة بَيْنَ اللغةِ والعَالَمِ ، وأنَّ
العَالَمَ يَتَكَوَّن مِنْ وقائع ، وَلَيْسَ أشياء، وهذه الوقائعُ يُمْكِن
تحليلُها مَنْطِقِيًّا ، وبشكلٍ عام ، إنَّ تحليلَ اللغةِ والمَنْطِقِ يَتِمُّ
مِنْ خِلال البُنْيَةِ المَنطقيةِ للعَالَمِ .
والفَيلسوفُ الألماني رودولف كارناب ( 1891_ 1970 ) يُعتبَر أحد أبرز زُعماء الفلسفة التجريبية المنطقية أو الوَضْعِيَّة المنطقية . وَيُمْكِن تَمْييز مَرْحَلَتَيْن أسَاسِيَّتَيْن في تَطُّورِ فِكْرِه في طبيعة المَنهج المَنطقي : الأُولَى _ هِيَ مَرحلة الاهتمام بالبِناء اللفظي ، حَيْثُ الاهتمام بالبناء اللفظي المَنطقي لِلُغَةِ العِلْمِ ، والثانية _ هِيَ مَرحلة الاهتمام بالمَدلول اللفظي ، حَيْثُ يَهْتَمُّ مَنْطِقُ لُغَةِ العِلْمِ بالمَعنى والمَدلول .