سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] الديانات في القرآن الكريم [16] بحوث في الفكر الإسلامي [17] التناقض في التوراة والإنجيل [18] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [19] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [20] عقائد العرب في الجاهلية[21]فلسفة المعلقات العشر[22] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [23] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [24] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [25]مشكلات الحضارة الأمريكية [26]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[27] سيناميس (الساكنة في عيوني)[28] خواطر في زمن السراب [29] فلسفة المتنبي الشعرية [30] أشباح الميناء المهجور (رواية)[31]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

12‏/08‏/2018

الطريق إلى الحرية والتحرر


الطريق إلى الحرية والتحرر

للمفكر والشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

 [1] عِندَما يَسْتَقِرُّ قَلْب الفرد في رُوحِ الجماهيرِ ، سيتحوَّل إلى فكرةٍ لا تَموتُ مَعَ الأيامِ .
     الجماهيرُ هي الحاضنةُ للمشروعِ الإنسانِيِّ . إنَّها الثَّورة ووقودُها . وعِندَما تَحتضِنُ الجماهيرُ أحلامَ الفردِ ، فإِنَّ هذا الفَرد سَيُصبحُ أيقونةً خالدةً ونظريةً معرفيةً، ويَنتقل من الإطار الفرديِّ إلى الكَينونة الجماعية ، فَيُصبح عقلُ الفردِ عقلاً جَمْعِيًّا ، ويُصْبِحُ كَيانُ الفردِ فِكرةً عابرةً للتَّجنيسِ والزمان والمكان، لأنَّ الإنسانَ حِينَ يَتحوَّل إلى فِكْرةٍ ، يُصبِح حُلْمًا للجماهير في كُل زمان ومكان. والفِكرةُ لا تَمُوتُ ، ولا يُمْكِنُ مُوَاجَهَةُ الفِكرة إلا بالفِكرة . الفِكْرةُ أقوى مِنَ الرَّصاصة .
[2] اعتادَ الناسُ عَلى السُّجون ، فَصَارَت الحرِّيةُ خَطَرًا على حَياتهم .
     الاعتياديةُ قَاتلةٌ ، تَجعل الموجودَ غَيْرَ مَوجودٍ . فالعَينُ التي تَتَعَوَّدُ على رُؤية شَيء ، لا تَعُودُ تَرَاه . الاعتياديةُ هِيَ العَمَى الشاملُ . والناسُ غَرِقُوا في فِكرة السُّجون ، وعاشوا في سُجون الرُّوحِ والجسدِ ، فصارت العُبوديةُ هِيَ الحرِّيةَ بالنسبة إلَيهم ، وصارَ السِّجْنُ هُوَ أرضَ الأحلام ، وصارَ الوَطَنُ هُوَ المنفَى . والغريقُ في قاع البحر لا يُمْكِنُ أن يَرى بَرَّ الأمان . وَلَوْ لَم يَكُنْ هُناك سُجون ، لقامَ الناسُ باختراعها ، لِيَعيشوا فِيها . وسَوْفَ يُلَمِّعُون قُيودَهم لأنَّ جُلودَهم اعتادتْ على مَلْمَسِ القُيود، ولَن يُفكِّروا في فَكِّ القُيود، لأنَّ الحريةَ خَطَرٌ على العبيد ، كما أنَّ نُورَ الشمس خَطَرٌ على الخفافيش .
[3] شَيْءٌ مُؤسِفٌ أنَّني لَن أتَمَكَّنَ مِن شَرْحِ أفكاري لِحِيطانِ غُرفتي .
     حِيطانُ غُرفتي عَاشَتْ مَعِي ، وعِشْتُ مَعَها . رَأَتْ دُموعي في ليالي الشتاء الطويلة ، ورَأيتُ أحلامَها المقتولة تحت الأرض . كَم كُنتُ أتمنَّى أن تستمع إلى كلماتي . أُريدُ أن أشرحَ لها فَلْسفتي. قَد لا تَكُون فَلسفةً عظيمةً ، ولكنها نابعةٌ مِن قَلبي وأحزاني وذِكرياتي .
[4] البَشَرُ صِنْفَان : صِنْفٌ يَنامُ ، وصِنْفٌ يَسْهَرُ عَلى أُولئك النَّائمين .
     لا عَدالةَ في هذا العالَم. السَّادةُ يَنامون في الأحلام والعسلِ ، والعبيدُ يُضَحُّون بِرَاحتهم مِن أجل رَاحة السادة . يَسْهَرُ العَبيدُ وهُم في أمَسِّ الحاجة إلى النَّوْم . ولكنَّه قانون السُّوق . مَن يَمْلِكْ يَفْرِضْ شُرُوطَهُ عَلى مَن لا يَمْلِك . والعَبيدُ لا يَمْلِكُون حَقَّ الاختيارِ .
[5] الشَّخصان الوَحيدان القادران على كَسْر رُوتين العالَم هُما العَبقريُّ والمجنون .
     العَبقريُّ يُغيِّر العالَمَ بذكائه الخارق. يُعيدُ تَرتيبَ الفَوضى في هذا الوجود الذي دَمَّرَه الإنسانُ. يَنقل حياةَ الإنسانِ مِنَ الصُّعوبات المادية إلى السُّهولة المعرفية . والمجنونُ يُغيِّر العالَم بِهَلْوَساته وعُقَدِه النَّفسية وأمراضه العقلية، فَيَبدأ رِحلةَ الهدم ، وتَعُمُّ الفَوضى ، فَتُصبِح حياةُ الناسِ جَحيمًا لا يُطاق . وأيُّ فَرْقٍ يَشْعُرُ بِه الناسُ ، سواءٌ كان إيجابيًّا أَم سلبيًّا ، فإنَّهُ صِناعةُ عبقريٍّ أو مَجنون .
[6] التناقضُ جُزْءٌ أساسِيٌّ مِنَ القَلَق ، والقلقُ جُزْءٌ أساسِيٌّ مِنَ الإبداع .
     لا مَفَرَّ مِنَ التناقض ، لأنَّ عَقْلَ الإنسانِ مَحدودٌ ، وصِفَاتِه نِسْبية لا مُطْلَقة . والْمُبْدِعُ عَلَيهِ أن يَتطهَّر مِنَ التناقض إلى أقصى حَدٍّ مُمْكِن ، ويُعيد تَدوير تناقضاته لِيَحصل على أفكارٍ جَديدةٍ منطقية ومتسلسلة . والتناقضُ جُزء مِن مَنظومة القَلَق. فالقلقُ هو العنصر الضاغط على ذِهن الْمُبْدِع، ولا يَسْمَح له بالتحرك بحرية. والقلقُ هو الْحَجَرُ الذي يُرْمَى في الماء الراكد لِكَسْرِ الملَل الفكريِّ ، وتَحطيمِ الروتين الوظيفيِّ، وإعادةِ إنتاج الاعتيادية الحياتية . وهذه العناصر الأساسية تَجعل القلقَ جُزءًا أساسيًّا مِنَ الإبداع . ولا نُبَالِغ إذا قُلنا إنَّ القَلَقَ _ بما فِيه مِن حركة مستمرة _ هُوَ الإبداعُ نَفْسُه. 

28‏/07‏/2018

العقل في مواجهة الشهوة

العقل في مواجهة الشهوة 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

........................

[1] الفَيْلَسُوفُ الذي يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ يُؤسِّس فَلْسَفَتَهُ في الهواءِ .
     الفلسفةُ هِيَ الشِّيفرةُ السِّريةُ للوُجودِ الإنسانِيِّ ، والمِفتاحُ السِّحريُّ لأبوابِ التاريخِ الحضاريِّ. وهذه الرُّتبةُ السَّامِيَةُ التي وَصلتْ إلَيها الفلسفةُ ، جَعَلَتْ مِنَ اللغةِ الفلسفيةِ لُغةً شَديدة التَّعقيد ، لأنَّ الأفكارَ العظيمةَ لا تُحْمَلُ إلا على الكلمات القوية ، كناطحات السَّحاب لا تَقوم إلا على أقسى أنواع الفولاذ . ومعَ هذا ، لا بُدَّ مِنَ الوُصول إلى نُقطة ما في مُنتصَف الطريق ، وذلك كَحَلٍّ وَسَط . فالفَلسفةُ هِيَ عِلْمٌ إنسانِيٌّ ، والإنسانُ هو الرَّكيزة الأساسية في الفلسفة ، فلا بُدَّ أن تَصِلَ إلَيه الكلمات، كَي تَتِمَّ عَمليةُ الاستيعاب ثُمَّ التطبيق على أرض الواقع. وهُنا تَبْرُز مَهارة الفَيلسوف في صناعة كلمات واضحة وقوية في آنٍ مَعًا ، وتَوليد أفكارٍ عَظيمة ومَفهومة في الوَقْتِ نَفْسِه .
[2] الكاتب لا يَحْمِلُ اسْمَه إلا مؤلفاته .
     " مَنْ خَلَّفَ ما مَات " . والكاتبُ خَلَّفَ تَرِكَةً فكريةً ، سواءٌ تزوَّجَ أَم لَم يتزوَّج . لقد تَرَكَ كلماته في هذا العالَم تَسْبَحُ بلا تَعَبٍ . الشخصُ العاديُّ يَسْعَى إلى الخلودِ عَن طَريقِ التكاثر البيولوجي. أمَّا الشخص الْمُبْدِعُ فَيَسْعَى إلى الخلودِ عَن طريق مُمارَسة الكِتابة ( التكاثر الرُّوحي ) . فالكلمةُ تظلُّ إلى الأبد ، لا تَتحلَّل حُروفُها في التراب ، ولا يَأكلها الدُّود .
[3] عِندَما تَتعاملُ مَعَ الذِّئابِ ، مِنَ الغباءِ أن تَفترِضَ حُسْنَ النِّية .
     لماذا تتعاملُ مَعَ الذِّئاب ؟ ، لأنَّكَ خاضعٌ لسياسة الأمر الواقع . ولَم تَجِد المصلحةَ في التعامل مَعَ الحِمْلان ، فصارَ التعاملُ مَعَ الذئاب هُوَ المصلحة . الأمرُ مَفروضٌ عَلَيك ، ولَيْسَ اختيارًا حُرًّا . لا تَتحوَّل إلى ذِئب أثناءَ التعامل مَعَ الذئاب . احتفِظْ بالْهُوِيَّة الإنسانية ، والشخصيةِ الحضارية ، ولكنْ، تَفَقَّدْ سَلاحَكَ في كل وقت ، واحفظ خَطَّ الرَّجعة . الذِّئبُ سَيَظَلُّ ذِئبًا ، وهذا لَيْسَ ذَنْبَهُ ولا مُشْكِلَتَهُ . هذه مُشكلتك أنتَ . لا تَلُمْ الثَّوْرَ إذا قَتَلَ الْمُصَارِعَ . الْمُصَارِعُ دَفَعَ ثَمَنَ حَماقته . لَم يَكُن الثَّوْرُ وَحشيًّا ، ولَم يَكُن الْمُصَارِعُ رُومانسيًّا . الصَّيادُ هُوَ الصَّيادُ . والفَريسةُ هِيَ الفريسةُ.
[4] كِتابةُ القَصيدةِ مِثْل العَمليةِ الجِراحية .
     القصيدةُ مُخْتَبَرُ الوجودِ . والشاعرُ هُوَ مُخْتَبِرُ الأنساق المعرفية . يَكتبُ الشاعرُ قَصِيدَتَهُ كما يَقومُ الطبيبُ بالعملية الجراحية. لا فَرْقَ بين طبيب وطبيب إلا بالمهارة والمشاعر والذكريات . وحجمُ الألَمِ هو الذي يُميِّز المريضَ عن المريض . أغسلُ يَدَيَّ بالماء والصابون قَبْلَ كتابةِ القصيدةِ وبَعْدَها ، لِئَلا تَنتقل جَراثيمُ الأحزان إلى جسد الذاكرة . أُطَهِّرُ قَصيدتي مِنَ أصواتِ الضَّحايا ، وأُطَهِّرُ قَلبي مِن الأضداد والأندادِ . قَد يَخرجُ المريضُ مِن غُرفة العمليات إلى المقبرةِ ، وقَد يَخرجُ إلى أحضان زوجته . لا شَيْءَ مَضْمُونًا في الأنساقِ الإنسانية والأنساقِ الفكرية .
[5] القَصيدةُ هِيَ الْمُعادَلةُ الأُنثويةُ التي تُعَوِّضُني عَن غِيابِ المرأة في حَيَاتي .
     اخْتَفَت المرأةُ مِن حياتي ، لأنَّني اخْتَفَيْتُ مِنَ الحياةِ . أنا مَغرَمٌ لا مَغنَمٌ . لَوْ أحَبَّتْنِي امرأةٌ فأنا خاسرٌ وَهِيَ خاسرةٌ . هل سَتَكون الكراهيةُ هي وسيلةَ النَّجاة ؟ . إنَّ النَّوْمَ على مقاعد محطة القِطارات أفضلُ من الركوب في القطار الخطأ . التَّوقيتُ مُهِمٌّ ، والوُجهة مُهِمَّةٌ . ولكنَّ الحياةَ لا تَتوقَّف. سأبحثُ عَن أُنوثةِ عناصر الطبيعة لأظلَّ حَيًّا في قلبِ الأبجدية . القصيدةُ هِيَ اختزالٌ لعناصرِ الطبيعة ، والأُنثى المتكرِّرة في الوجوه لا الأقنعة ، والقصيدةُ الأُنثى تَحميني من الجنون ، وتَمنحني التَّوازنَ العاطفيَّ كَي أسيرَ بِهُدوء وعَقلانية في ظِل القَمْع والكَبْت.
[6] كُلَّمَا سَبَحْتُ في اللغةِ اكتشفتُ العناصرَ الرَّمزيةَ في السُّلوكِ البَشَرِيِّ الغامِضِ .
     اللغةُ لَيْسَتْ وَسيلةً للتخاطبِ فَحَسْب . اللغةُ هي الطاقةُ الرمزيةُ للإنسانِ والحضارةِ . وكُلَّما سَبَحْنا في اللغة ، وَصَلْنا إلى أعماق الإنسانِ ، وأمْسَكْنا بِمَنْبَع القيم الحضارية . وإذا عَرَفْنا مَنْبَع النهر سَنعرف مَجْرَاه. إنَّ رمزيةَ اللغة تَكشِف لنا كُلَّ العناصر الرمزية في السلوك البشري الغامض، لأنَّ الرَّمْزَ وَحدةٌ واحدةٌ مُتَّصلة عَبْر الزمان والمكان . واللغةُ هي الفلسفةُ العميقةُ التي تَكسِر قناعَ الإنسان ، وتُبْرِز وَجْهَهُ الحقيقيَّ بِدُون مُسْتَحْضَرَات التَّجميل . والفرقُ الجذريُّ بين اللغة والإنسان، هو أن اللغة كائن حيٌّ خالدٌ ، أمَّا الإنسان فكائنٌ حيٌّ مَيت . وإذا وَظَّفْنا رمزيةَ اللغةِ في السلوك الإنسانِيِّ ، فَسَوْفَ يَتحوَّل الإنسانُ إلى رَمْزٍ لُغويٍّ خَالدٍ ، ويَصير الْحُلْمُ الإنسانِيُّ كلمةً أبديةً .
[7] عِندَما يُصْبِحُ العَقْلُ فَارِغًا يَنحصِرُ التفكيرُ في الشَّهوة الجنسية .
     عِندَما تَنكسِرُ البُنيةُ الفَوقيةُ ( المنظومة العقلانية الأخلاقية ) ، تُصْبِحُ الشَّهوة الجِنسية هي المنظومةَ الحاكمةَ على النَّسَق الحياتِيِّ كُلِّه . والشَّهوةُ لا تُسيطِرُ على العَقْلِ إلا في لحظات الفراغ ، لأنَّ الفراغَ تَفريغٌ للأنظمة العَقلانية ، والجسمُ يَرفض الفراغَ ، فلا بُدَّ أن تَحْدُث عَملية إِحلال ، فَتَحِل الشَّهوةُ الجنسيةُ في البُنية الفَوقية ، ويُصبِحُ الجِنسُ هو العقلَ المسيطِر على تفاصيلِ المشاعر ، وأنساقِ الجسد ، وتقاطعاتِ الألفاظ مَعَ المعاني . وكُلَّما اضمحلَّ صَوْتُ العقلِ ، ارتفعَ صَوْتُ الرصاص ، وَكُلَّما غَابَ العقلُ أو غُيِّبَ ، صَارَت الكلمةُ الفَصْلُ للشَّهوة الغريزية . وهذا أدى إلى نشر هستيريا الجِنس في هذا العالَم الذي دمَّره الإنسان ، لأن الكثيرين يعتقدون أن بنادقَهم هِيَ صَوْتُهم الصادق الذي لا يَخُونهم ، وكُلَّما ابتعدَ الإنسانُ عن قُواه العقلية اقتربَ من قواه البدنية. فالذي يَضرب ويَقتل قَد مَنَحَ عَقْلَه إجازةً مفتوحة . وهذا الفِكْرُ المنحرِفُ يَرْفُضُه المنطقُ العقلانِيُّ ، فلا بُدَّ أن يَكُونَ صَوْتُ الإنسانِ أعْلَى مِن صَوْتِ الغريزة . 

07‏/07‏/2018

جريدة الشرق الأوسط تسرق كتابات المفكر/ إبراهيم أبو عواد

جريدة الشرق الأوسط السعودية تسرق كتابات المفكر/ إبراهيم أبو عواد . 

وتنسبها إلى أبي بكر البغدادي زعيم داعش !!!

.................

     نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها ( 14247 ) الصادر يوم الخميس ، 30 نوفمبر 2017، تحقيقًا بعنوان " ( الشرق الأوسط ) داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (5 من 5): رسائل مضطربة من البغدادي إلى ( دواعش ) ليبيا " ، بقلم : عبد الستار حتيتة ، مِن بنغازي .
     يتحدث التحقيق عن رسائل مزعومة لأبي بكر البغدادي ، قالت جريدة الشرق الأوسط إنها اطَّلعت عليها، معَ أنها لَم تُقدِّم أي دليل على ذلك . وجاء في هذا التحقيق : [ وفي واحدة من هذه الرسائل التي أمكن لـِ ( الشرق الأوسط ) الاطلاع عليها، كان الحديث مُوَجَّهًا إلى جدل يبدو أنه عصف بأتباعه في ليبيا حول السياق الذي وردت فيه تعليمات تحث على مواصلة القتال، وطريقة تفسير هذا الموضوع. يقول البغدادي وقد وضع تفسيره الخاص والمغاير لرغبة بعض القيادات في إعادة النظر في أعمال القتل والتفجير : " هذا الوهم ليس له أدنى نصيب من الحقيقة، وهو استنتاج مغلوط ، لأنه مبني على فرضية مغلوطة " . ويُضيف في موضع آخر كأنه يبعد أتباعه عن أي تفكير في الاستراحة من الحرب : " أعلم أن الأعداء كانوا يُحيطون بنا من كل الجهات ... الحرب حالة طوارئ خاصة ، تستدعي شحذًا للهمم ، وتحريضًا على القتال بكل الوسائل المعنوية والمادية، فلا يمكن أن استقبل عدوي الذي يريد قتلي بالورود وعبارات الترحيب " ] . انتهى الاقتباس .
     الغريب في الأمر أن هذه العبارات المنسوبة لأبي بكر البغدادي في رسالته المزعومة ، هي مِن كتابات إبراهيم أبو عواد . حيث تَمَّ انتزاعها من سياقها ، ونسبتها إلى أبي بكر البغدادي . وهذه العبارات جاءت في كتاب " قضايا تهم كل مسلم " ، تأليف : إبراهيم أبو عواد ، دار اليازوري ، عَمَّان ، 2010  .
     وقد عَلمتُ بالأمر بمحض الصُّدفة، وذلك بفضل مقال للأستاذ سعد الشريف، بعنوان " الوهابية تتناسل ، سلالات التكفير " في مجلة الحجاز ، وهي مجلة شهرية تصدر عن الجمعية الوطنية الحجازية . وهذا هو رابط المقال :
     يقول الأستاذ سعد الشريف في هذا المقال : [ لا بُدَّ مِن لفت الانتباه إلى أن بعض الرسائل المنسوبة للبغدادي والموجَّهة الى مساعديه في ليبيا والتي نَشرت صحيفة (الشرق الأوسط) مقاطع منها في 30 نوفمبر 2017 هي منحولة، وهي مجرد مقاطع من كتاب (قضايا تهم كل مسلم) للمؤلف إبراهيم أبو عواد ، وهو كاتب وشاعر أردني، والتي يعود تاريخ نشرها الى مطلع العام 2010 ، ولا صلة لها بالمسألة الليبية ، وهو يعالج قضية في الفكر الديني تتعلق بالقتل والقتال في التَّصَوُّر القرآني، ويَنفي عن الإسلام تحريضه على القتل العبثي. وللإنصاف فإن جزءًا وازنًا من الكتاب يدفع شُبهة التحريض على العنف في الآيات القرآنية، كما يُوضِّح ذلك بما نصُّه : " لذلك إن رأيتَ مَن يقومون بتفجيرات عبثية هنا أو هناك، ويقومون بقتل مَعصومي الدم، فاعلم أنهم مُخالِفون للقرآن الكريم، حتى لو رأيتهم يتلون بعض الآيات التي توهَّموا أنها تدعو إلى ما يدعون إليه ، فليس كل مَن هَبَّ ودَبَّ صار قادرًا على تفسير القرآن الكريم، وليس كل من يرتدي ثوبًا أو يطلق لحيته أو يُصلِّي في الصف الأول صار مجتهدًا قادرًا على الاستنباط من كتاب الله تعالى " . وفي مكان آخر يقول : " إن النَّفْس الإنسانية داخلة في ذِمة الله وحِفظه، إذ إنه سُبحانَه حرَّم قتلَها دون وجه حق، وهذا التحريم يهدف إلى منح هذه اللطيفة الرحمانية وهي النّفْس ، حرية الانطلاق والإبداع وعمارة الأرض دون ضغوطات خارجية، أو تهديدات من أي طرف تعيق النمو الوجداني والواقعي لهذا الكيان الإنساني النبيل " . في تفسيره لآية : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } [ الأنفال : 65] . كتب إبراهيم أبو عواد : " وقد يظن بعضُ المغرِضين أو العوام في الشرق أو الغرب بأن الآية الشريفة تدل على أن الله تعالى يأمر النبيَّ بالكراهية والعنصرية تجاه الآخرين، وبث الحقد والقتال في النفوس دون وجه حق. وهذا الوهم ليس له أدنى نصيب من الحقيقة. وهو استنتاج مغلوط لأنه مبني على فرضية مغلوطة ، تُغفِل السياقَ التاريخي للنص. واعلم أن الأعداء كانوا يحيطون بالدولة الإسلامية من كل الجهات، فقد قضى المسلمون جزءًا كبيرًا جِدًّا من أعمارهم، وهم في حالة حرب. فلا يجوز إخراج الآيات التي تتحدث عن حالات الحرب، ومحاولة إسقاطها على أوضاع السلم ، والأوضاع الطبيعية. فالحرب حالة طوارئ خاصة تستدعي شحذًا للهمم، وتحريضًا على القتال بكل الوسائل المعنوية والمادية. فلا يمكن أن أستقبل عدوي الذي يريد قتلي بالورود وعباراتِ الترحيب والاستقبال ". ( وهذه الفقرة التي نسبتها صحيفة (الشرق الأوسط) لرسالة للبغدادي الى مُساعديه في ليبيا ، هي في الأصل مثبتة من كتاب إبراهيم أبو عواد سالف الذِّكر ] . انتهى الاقتباس .
     إن قيام جريدة الشرق الأوسط بالسَّطو على كتاباتي ، وانتزاعها من سياقها ، ونِسبتها دون وجه حق إلى أبي بكر البغدادي في رسالة مزعومة له ، يُعتبَر انتهاكًا صارخًا لحقوق الملكية الفكرية ، وتشويهًا لسيرتي الأدبية وسُمعتي ككاتب ، عِلْمًا بأنني وَضَّحْتُ الرؤية الإسلامية في تحريم قتل الأبرياء والمدنيين والعُزَّل ، فأنا ضِد الإرهاب مهما كان مصدره ، وضِد استهداف الأبرياء مهما كان دينهم وجِنسهم وعِرقهم في أيِّ مكان على وجه الأرض .
     لقد قامت جريدة الشرق الأوسط بانتزاع كتاباتي من سياقها، والزَّج بها في الحالة الليبية ، معَ أنني لا ناقة لي ولا جمل في ليبيا ، ولا علاقة لي بالتنظيمات المتطرفة ولا غير المتطرفة ، كما أن كتاباتي تَدعو إلى احترام النفس الإنسانية وتحريم قتل الأبرياء. لذلك، فإنني أحتفظ بحقي القانوني في مُقاضاة الجريدة في المحاكم المختصة . وقد وَكَّلْتُ فريقًا من المحامين بهذه المهمة .

إبراهيم أبو عواد
مفكر وشاعر من الأردن