سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

25‏/02‏/2010

ملامح طليطلة تنتشر على الجفون

ملامحُ طُليطلة تنتشر على الجفون
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
يقضم الأمسُ ما تبقى من أكفاننا في مهب الذكرى
إليكِ تركض الأشجار المولودة حديثاً
وفي خصلات شَعري تقرأ حقول الذُّرة الجريدةَ
إحدى الغيمات تغمس رأسي
في كوب عصير يترنج في يد سيدة مخمورة
إنني الصنوبر العتيق
والمنجلُ القتيل في كل البراري النحاسية
يتسكع كلامُ الوحل على حيطان السوق المهجورة
لا يزال هروبُ الكهوف من صدري يشغل بالَ الرعود
أفرش جِلدي على عتبة بيتي لتفرح النيازك
وهي تقتحم عزلتي البنفسجية
مرَّت البنادقُ على غابات أصفهان
يوم انتحرتْ حجارةُ المعابد في أثينا
والتقى العشاق العاطلون عن العمل
تحت سور برلين
رُشُّوا عليَّ قليلاً من الأدغال
لأتذكر كتاباتِ البرق على ذيل السمكة
التقم الطفلُ ثدي الغابة
ومات كالخِزانات الزجاجية
في محلات بيع الأسلحة
لم يكن الإغريق يلعبون بجماجم آبائهم
أنا العائد من إغفاءة الأباريق الفخارية
يا من يُخزِّن المطرَ في قلب اليتيم
إن قلبي نورس الجوع له الندى جناحان
يجلس الصباحُ على كرسيه في المكتبة العامة
احتضنْ نَفَسي تجدْ مشنقتي
ينصبها الصدأ على شرفة بيتي
لكل أظل متذكراً اليوم
الذي مثَّل فيه النبعُ بجثتي
لا بد أن أنسى تاريخ ميلادي
نسرٌ يضع المجاعة في جيب قميصه
ويدخل في البيات الشتوي
شُنق أهلي في مساء ريفي مناسب لتأملات الفلاسفة
في كراسة الأحزان
لا أنفي إعداماتُ بطريق
ولا رمحي مطعم للعائلات
الأسلاكُ الشائكة
والملابس الداخلية للجنود المهزومين
والفقراءُ الذين يتسلقون أجسادَ نسائهم بحثاً عن الخبز
رقبتي هي السجون وأزقة سمرقند وفتيات غروزني
أنتن يا بنات كشمير تتذكرن أطرافي المرتعشة
في قاعات محاكم التفتيش
تنمو الجدرانُ كالبعوض الشمسي
في تقاسيم وجهٍ عائدٍ من حرب الصدى
كان الفطرُ السام يمزق الأغشية المخاطية للغبار
افرحْنَ أيتها السيدات العاريات
اللواتي يتسوَّقْن في ميلانو لأني أموت
وتجارُ الرقيق الأبيض يعلِّقون صرخاتِ الفقيرات
بروازاً للأثرياء الشاذين جنسياً
وراء الستائر وجليدِ الأديرة مكانٌ للرعب
وجهٌ أخرس مشرَّبٌ بانطفاء الصنوبر
في أرحام النعامات
كلُّ ليلٍ دمٌ لصباح يطلع من ياسمين المقاصل
والكهنةُ يتعثرون بخيوط النعنع الصاعدة
من شقوق بلاط المعبد
ويفتتحون انتحارهم في حقول عيونهم المشققة
والبحارةُ الإغريق ينصبون القلوعَ شواهد لقبورهم
أين حفارو القبور المترسبة
في قاع البطون الخالية ؟
لا بشرتي حقل ذُرة يرتديه جابي الضرائب
ولا إبطي مزرعة لتجار الأسلحة
كلكم ماء للعاصفة
اشربوني حفرةَ دمعات
في لحظات عري مسدسات بُخارى
الطريقُ إلى طشقند تشرِّح آذانَ الفلاحين
يا قمراً مذبوحاً في صبرا وشاتيلا
لا تصدِّقْ كلامَ الخريف العالق على سُرة بابل
لأن قلبي يعيد فتح الأندلس
حطابون نائمون على غصن الفكرة
فتحنا أقفاصنا الصدرية للخيول الطالعة
من خشب أعمدة الكهرباء
أتينا وفي ملامحنا يقفز سمكٌ
قطعتْ رأسَه وردةُ الرعد
المذنَّبُ أقام مدينته على حبال الغسيل
ولا غسيل على سطوحنا المفتوحة
للمروحيات العسكرية
أنسانا العوسجُ المستورَد كيف ننجب الأطفال
ونسينا طريقَ المقبرة في زوايا حلوقنا
لم تكن البراري تسجل بياناتِ جواز السفر لحصاني
الذي أضاع هويته الشخصية في أحد الكواكب
فلنستمع إلى المحاضرة التي يلقيها الشجر المطارَد
في كلية الحقوق
لكنني لا أدري لماذا رشَّح البحرُ نفسه
في انتخابات الإسطبل الذهبي
لم يشطب الغبارُ أسماءَ الشجيرات
من قائمة المطلوبين للشاطئ
لستُ الرملَ المائي حنجرةَ التفاحة
إنما لحم الزهور نيزك
اتبعْه ولا تنس أن تدفنني
أصغيتُ لصوت الجدار المخلوط بعويل الرمال
أيتها الصحراء الراكبة على ظهور الخيل
لماذا تلبسين الوجوهَ المنبوذة في حيِّنا المحاصَر ؟
اتخذتْ مدائنُ الرعشة مقراً لها في بلعومي
ارحمْني يا ضوء المنافي المنفية
أكوامُ النفايات في الشارع المعبَّد بالجثث
ورؤوسُ العبيد المقطوعة
التي نسيها النخاس في السوق
لا تلبسْني إذا احتفل القتيلُ بأعيادي
لأن يوم اغتيالي ميلادي
زرع الولدُ الذي أُعدِم أبواه نبتةً في خدي
وصراخُ الطباشير ينمو كراتب السياف
وإطاراتُ سيارة البلوط المصفحة ضد دمي
لكن البارود رئة
في العام الماضي أُعدمتُ في الساحة العامة
كانت النساء ينتظرن المولودَ الأول
وكنتُ أنتظر الموتَ الأول
ولم يكد الشَّمام يستل من أوداجي سيوفَ الحلم
حتى أحسستُ بالأبواب تُغلَق في وجه البحيرة
انطلق صوتُ المؤذِّن يفجر تواريخَ الإبادة
ويكسر الظلَّ الدموي في دهاليز محاكم التفتيش
كنتُ مصلوباً على الغسق
أنا الغيمة المصلوبة في ليلة عرسها
أناشيدي يحملها الآخرون إلى زوجاتهم وبناتهم
أما أنا فأظل أردد الأذان حياً وميتاً
ملامحُ للذكريات السليبة
للشعوب تفتش عن عصافير ذهبية في سلال القمامة
جثتي المضيئة تنصبها خيام الصنوبر عمودَ كهرباء
في الشارع الممتلئ برجال الأمن
انتحاراتُ امرأة لا تعرف من الحياة
غير فتح فخذيها لزوجها
رأسي قرطٌ مستعمل
في أذن الشجرة المحتضرة
دخلتُ في موتي الخامس .

23‏/02‏/2010

احتضارات فيلسوف في مجتمع متخلف

احتضارات فيلسوف في مجتمع متخلف
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
هي حبات الندى في أفواه التماسيح
أشكالُ عَرَقي تصب في الأمازون
فلا تستجوبْ يا موجُ حفارَ قبري
إنه مشغول بشرب الشاي الأخضر
عند بلوط الهذيان
أتيتُ وفي أجفاني حفلُ زفاف دجلة
كلُّ الأنهار وجهٌ للنسيان
يصبه الارتعاش في هدبي المسافرة
حزينٌ كأن دمي أرجوحة خالية
تنبعث من وهج الغمام شرايينُ الأرْز
لم يصل المهاجرون إلى برقوق الذاكرة
لأنهم أهزوجة الصحاري العابرة
في الأغاني المستهلكة
ما أنتَ يا قلبي إلا غيمة
تجلس عليها أسماك النفي والتشرد
عُدْ إلى اسمك يا لمعان الشاطئ
فأنا طريقي المار على تفاحات الغسق
يتذكرني كلُّ دمٍ مَر حصاناً في قاع المحيط
لا خدودي شظايا
ولا زهرة البرق ديناميت
يتناول قلمُ الحِبر طعام الغداء في خيمة الأشلاء
ترك النجارُ أخشابَ الذكرى وراء ظهره
ومات قرب أشلائي المزهرة جوافةً للمشردين
للعاصفة عينان تطبقان على الرصاصة
إنْ تجمع النعاسَ في كيس ورقي
تجدْ رأسَ أبيك على طائرة ورقية
ما أنا إلا أنتَ
مرايا تسبح في جسدي المصلوب
وتتزوج القشَّ الأحمر
يجلسون على المناديل التي عبرتْ
في الميناء الظهيرة
وحباتُ الحمص تصعد إلى خدودي
تركتُ بلادي وما فيها من رعود
تصرخ في وجه الغريب
لم يعد في صوتي غير مدينة
تصلب إوزةَ الصراخ
نختبئ في صناديق الفاكهة
خوفاً من أحاديث جدتنا عن الأغراب
الذين قُتلوا في الغمام الأحمر
وأظل أسأل ضابطَ المخفر
عن دمي المضاع في المراكب وشِباكِ الصيد
بنتٌ في عينيها جثامين الشهداء
ناديتُ على النمور السابحة في الغروب
وكان الصدى تفاحة
يتجمع حولها الفلاحون والصيادون في المساء
أين صباحاتي ؟
سألتُ كلَّ أوحال الملاجئ والدروب
لن تجتمع زرقةُ شَعر السنديانة
بالوجوه العابرة خلف تابوت الحصى
لكَ المرآة نزيفاً
وبعضُ المشردين الذين يصفقون للخليفة
كلُّ وردةٍ صرخةٌ في قفصي الصدري
وجاء الطوفان من جهة التقاء الغريب بالغريب
كلنا سوف نسجِّل أسماءنا
على حيطان كوخ اليمام
ما مضى من أشلائنا يظل يتذكرنا
نحن المنسيين في أكواب الحليب الطازج
على موائد الأثرياء
ما مضى من ذكرياتنا سوف ينسانا
نحن العالقين على أعواد المشانق لأننا غرباء
ما بصمةُ صرخة الجبال الواقعة
على أعناق الظباء ؟
عَرَقٌ ليس كعرق الهضاب الأسيرة
وحلمٌ ليس كأحلام البلاد المسجلة
في دواوين الخراج
انتظرْ أيها الانتظار
لأني أريد أن أتحدث مع الطوفان
الذي لا يسمعني نزيفي بندقية نسيها المحارِب
في سريره البارد
لا امرأة في دمي تمتص اكتئابَ الحصى
ولا أهزوجة
عبروا في الشفق لحظة ولادة الحزن القسري
زمانٌ يحتل جِلدي
والصدف يجمعني على شاطئ سقط سهواً
من خارطة الدماء والحروب
لا بد أن ماري أنطوانيت
لم تسمع نحيب الفتيات المغتصَبات
في حي سان أنطوان
رقصةُ الليلك المذبوحة
على منضدة أوداج الصياح
فاذكري الأطفال اللقطاء
يا مساءات الذبيحة كما تذكرين مقاس أحذية سيدات المجتمع المخملي في مرسيليا
كلنا رعشات للصاعقة
أُصلِّي الجمعة في قصر فرساي
سقطتْ وردةٌ على ظل الغياب
تفترشني أقبية السراب
فأنهض من صحارينا
أفتش عن سراييفو بين الركام
ما السكين في مطبخ الأنقاض
إلا تاريخ زهرة تُحتضر
أحضِروا جِلدي من المسلخ
ولا تضعوه على جسد ثعالب
وطني الغارقَ في الصمت الشمسي
البسْني كما أنا
أبحث في قامات الأشباح عن ذكريات مدينة
كانت شرطيةً تحرس قفصي الصدري
والأنينُ الذي يتشمس تحت مقاصل العشاق
وجهُ مقاتِلٍ مرَّ من أمام باب الحلم
استجوبَني ريشُ المسدسات
فلذتُ بالموج النائم على حافة البئر
صمتي ما زال يتفجر في الدروب
والناسُ يهتفون لموكب الذباب الإمبراطوري
إن يدي نبتةٌ اقطفْها وازرعْها
في ذرات الأكسجين فوق منحدرات الدموع
وروابي الوداع الأعزب
أسير واثقاً من صرختي إلى بلدة
لا تعترف بالبحارة الراجعين إلى نسائهم بلا صيد
والأميرةُ على شرفة القصر
تزيل مكياجَها بجلود الدلافين اليتيمة
راكضاً في أفلاك الكمثرى
حاضناً موتَ الأشجار الواقفة
إنني الطرقات الساحلية في أجساد البحارة
لي عريُ المسافات وليمونُ الحكايات
وجدتي تقص علينا أحداث مقتل أبي
كن شرقاً لجهة ثامنة تأتي
لتغتالنا في حدائق المريخ
والجائعاتُ يمضغن أثداءهن في قلب الزمهرير
رأس الحسين تدور
أيها الأمويون الطالعون
من احتضارات الخيل ودماء المذنَّبات
في غرف القصور المتهاوية
لا مكان لكم في رئة الشروق
وجاء شتاء المقابر ممتطياً عربات التوت
إن كوابيس الجدار سحنة صحراوية
تعج بالعروق المقطوعة
رقمُ الحافلة التي ستنقل جثاميننا
مطبوعٌ على لحوم المسافرين
يدان محمولتان على عمر القصدير البري .

18‏/02‏/2010

ديكور الديمقراطية ومهزلة الانتخابات

ديكور الديمقراطية ومهزلة الانتخابات
إبراهيم أبو عواد
نشرت في جريدة القدس العربي
لندن ، 18/2/2010م .
إن الأنظمة القمعية العائشة على جماجم الشعوب الصامتة التي لا تعترض على انتحارها اليومي المتكرر، تنظر إلى الشعب على أنه فئران تجارب، وأعضاء في جوقة تقديس الحاكم، وتمجيد الحكومة التي وجودها كعدمه. وهي لا تتوجه إلى الشعب إلا إذا كانت تريد منه شيئاً، فتعمل على تمثيل دور الراعي المخلص للأمة، وتسوق شعارات الوحدة الوطنية وحقوق المواطنة، وتقوم بصناعة مستقبل افتراضي مشرق في عوالم الأحلام، تختفي فيه العنوسة، ويجد العاطلون عن العمل وظائف مناسبة، وتتعزز الوحدة الوطنية، وتلاحم قوى الشعب، ويحب الشعب الحاكم، ويحترم الحاكم الشعب. وهذه الدعاوى العريضة المستهلكة محاولات بائسة لذر الرماد في العيون، لأن الشعارات المرفوعة من قبل الأنظمة الاستبدادية هي مجرد كلام في الهواء لتلميع صورة النظام أمام الرأي العام في الداخل والخارج. لكن الشعب يعلم أن لا أحد يخطب وده إلا في زمن الانتخابات. فالمواطن العاطل عن الوطن مجرد رقم بين الأرقام، حيث يتم اختزال أهميته الوجودية في صوته الذي يمنحه، وبعد أن تنتهيَ مهزلة 'العرس الديمقراطي' يذهب الساسة برفقة الحاشية إلى حفلات العشاء في الفنادق الفخمة بسيارات المرسيدس ابتهاجاً بنجاح 'المسيرة الديمقراطية'، أما المواطن فيعود إلى بؤسه، واللهاث وراء كسرة الخبز، وإطعام أبنائه الجياع، والتفكير في موعد نهاية الشهر لاستلام الراتب. وهذه اللعبة المملة من فرط تكرارها إنما تدل على أن الديمقراطية في الوطن العربي مجرد ديكور لا أكثر ولا أقل، وأن عقلية الحاكم العربي البدوية ما زالت تقود البلاد والعباد إلى الهاوية السحيقة. فالحكومة تريد أن يذهب الناس إلى صناديق الاقتراع أمام وسائل الإعلام، خصوصاً الأجنبية، لكي يبدوَ النظام الحاكم ديمقراطياً ورومانسياً ويحترم حقوق الإنسان، مع أن نتائج الانتخابات محسومة سلفاً، إذ إن التزوير هو النشيد الوطني للمستبدين. أما المرشحون فهم يريدون اكتساب الأصوات ليزداد نفوذهم، وتتعمق شهرتهم، ويتصدروا المجالس الرسمية أمام الكاميرات، ونراهم على شاشات الفضائيات يلقون النظريات السياسية الجديدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن الشعب الجائع الذي يقوم بعملية الانتخاب، سيزداد جوعاً بعد الانتخابات، وتذهب الوعود أدراج الرياح، ويختفي نواب الشعب في أبراجهم العاجية. لأن الديمقراطية في الوطن العربي عبارة عن تقليد أعمى فاقد للمعنى، لأن الحقوق السياسية للمواطن العربي ضائعة بحكم الدستور الذي تم تفصيله حسب مصلحة عِلية القوم.ولم يعد يكفي شراء أصوات الناخبين عبر التلويح بالمال والعصا. بل تعدى ذلك إلى نظرية قديمة جديدة في السياسة، وهي استثمار الدماء في صناديق الاقتراع من أجل تحقيق مكاسب سياسية. ونجد العديد من تطبيقات هذه النظرية. فمثلاً اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بينظير بوتو تم استــــثماره بحرفية عالية لجمع أصوات الناخبين، وحشد المؤيدين الداعمـــين لحزب الشعب (حزب بوتو) الذي حقق فوزاً ساحقاً رغم أنه لا يــملك رؤية إستراتيجية لانتشال البلاد من مأزقها الخطير. واللافت للنظر أن حزب الشعب قد عارض بشدة تأجيل الانتخابات، وذلك لكي يستغل حدث الاغتيال في قمة لمعانه قبل أن ينطــــفئ، ويستثمر سياسياً في الدماء الســاخنة لرئيسة الوزراء القتــــيلة قبل أن تبرد ويتفرق الناخبون وقد فترت عواطفـــهم. لذلك فإن حرارة الدم هي العاطفة الجياشة التي بوسعها جمع أكبر عدد من الأصوات. وهذه اللعبة أفضل من يتقنها هي الحكومة العراقية التي صارت تستثمر سياسياً في المناسبات الدينية، حيث أقامت مشروعها السياسي لجمع الأصوات الانتخابية حول الحسين - رضي الله عنه -، فأضحت عاشوراء، و'أربعينية الحسين' استعراضاً لنفوذ الأحزاب الشيعية المتصارعة على الكراسي الوهمية، وقدرتها على تجييش الشارع الذي يُعتبَر كنزاً من الأصوات، أما الذين يموتون في هذه الأحداث الدينية بفعل عجز الحكومة العراقية وفشلها في تحقيق الأمن، فلن يذهبوا سدى، فهم يتحولون إلى أصوات انتخابية تصب في صناديق الاقتراع، وتعيد الشارع العراقي إلى المربع الأول عبر التخندق الطائفي.وهكذا تتحول دماء الشعب إلى مكاسب سياسية، وتصبح قيمة المواطن الذي لا يجد ما يأكله محصورة في قدرته على التصويت، فالإنسان في الدول البوليسية عبارة عن رقم بين الأرقام، وسلعة داخلة في عالم الحسابات السياسية لصالح من يملك المال والصولجان. لذلك تغدو الانتخابات في الدول الفاقدة للسيادة عملية احتيال لشرعنة الأنظمة السياسية القائمة بحكم الأمر الواقع، والمستندة إلى الوصاية الأجنبية المتحكمة في موارد البلاد، والممسكة بهرم القرار السياسي من الرأس حتى القاعدة. أما التصفيق والحملات الانتخابية فهي مشروع تجاري، وعملية صراع على السراب، واختراع للشعارات المفرغة من معناها، وعملية مكياج سياسي أمام وسائل الإعلام، لأن الانتماء إلى الكرسي قد حل مكان الانتماء إلى الوطن.

16‏/02‏/2010

شجرة مصابة بالنسيان

شجرة مصابة بالنسيان
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
القبور الضوئية طريق شجيرات الجسد المشنوق
وعيونُ المها داخل زنجبيل العاصفة
جسدي صناديقُ المطر
لكن براري رئتي حليب البحيرة
وأنتَ سيد كل هذا الرماد الأرجواني
فاكهةٌ استوائية في علبة انتحار أخشاب المرفأ
توقِّع فتاةٌ عمياء على وثيقة استلام جثمان خطيبها
وعند حافة أشواقي سطوٌ مسلح على لعاب الصخر
نحو كبد خيوطه بنفسج المشانق تسير الإسطبلات
إنكَ موغل في أجساد المرايا
كأنكَ برعم حامض هبط من فوهات الذكرى
حموضةُ أوحال المدافن في أفواه البجع السجينة
قولي ما شكل الانقلابات اللوزية
في وديان رسائل البحيرات إلى غدها الماضي
لستُ صغيرة كما يظن المساء
جسدي فراشةٌ على المذبح اشربْني
وعُدْ من حيث افترق الصنوبر عن صورته
لا حجمي قنديل للطغاة
ولا اسمي ثواب للعراة
نافذتان مغلقتان في بلعوم المكان
هما استدارة خوخة في موسم احتضار النسرين الجبلي
أنا الانقلاب الواضح كالغموض المنتشر
كبوابة الجروح الذهبية
كوني إحدى مكونات النيازك
لأكتشف شتاءَ المدفن الذاهب في الضباب الأزرق
الليلُ يشد أحصنتي لأنني بلاط تحت أرجل النهر
كلما بكيتُ انتشرتُ في السوسن البري
تركض حيطانُ السجن إلى عاصفة القلوب
المهاجرةِ إلى ملامح البط
كفي مرفوعةٌ في وجه فرسي
الذي يتزلج على ركام الأزمنة
ابتعدْ عن لحمي لأنني كومة موتى يحدقون في البعيد
بنكرياسي ليس من الأسمنت الطازج مثل العصف
إنني أعدو في مدارات نحلة تحتسي كوباً من المنفى
لا شيء في جرحي يمتص قلاعَ عمات البحر
فانهضْ من الورد المدجن إسطبلاً لخيول
تطلق القشَّ على رئة السكوت
إن تهشم القفصَ الصدري للسكون
تجد اسمَ الفراشة مضيئاً
إن الحطب ضوء
فلا تخدع الذبابَ النازف شعيراً للغرباء
أنا الموتى الصاعدون من أكوام المقاصل
وأعوادِ المشانق الأنيقة
لملميني عارياً من غبار المجرات
ونحاسِ الأقبية الجسدية
لي أغنيةُ الإسفلت ودربُ الحزانى
المدى تفاحٌ للينبوع المتحجر
تعمل أناشيدي معولَها في سيراميك الرعشة
قتيلٌ أنا وما عرفني أحد في هذه المدينة الذبيحة
أنشودةٌ أنا وما تذكرني أحد في هذه القبيلة الجريحة
اعتلى الموجُ منصةَ الخطباء في حفل تأبيني
تجسِّدني على خشبة المسرح
قضبانُ الملاجئ وأسوار المعتقلات
كأن قميصي أمسيات من ليس لهم ضريح يحضنهم
لم أسمع الليل يفرش أسرارَه في حقل الشوفان
أو في أوراق الزعتر المستورد
صحيحٌ أن القتلى كالبرتقال يُقطفون كل مساء
لكنني الجرح العمودي يبتلع أروقةَ محاكم البارود
ينمو السنديان في صوتي المبحوح
ويكبر الشفقُ على حواف دمعتي
فلا تسألني عن نشيد من عادوا من المعركة
حاملين صور الخليفة
اقتليني يا مجراتِ الأبجدية
لا تقتلني أيها الغسق
أريد أن أزور قبور الأنبياء الذين لا يموتون
أحضى الوردُ عدد جروحي
فوجدها شكلاً لتوليد الكهرباء
من تصادم عظامي الهشة
هناك دفنتُ دم الدماء حاضناً هزيمة آباء العشب
وفي المعارك العابرة التي تجري بين الحين والآخر
على كوكب زحل
تنهمر ظلالُ الخيول الممزقة كاليقطين
فيا وطن اللصوص اعبرْ دربك الرملي
نشيداً ثائراً طالعاً من عنفوان القمح
لم يبق فيَّ غير الصحاري الصاعقة
إنكَ أهرامات الدمع الماحي
أمسح الصدى بالممحاة اللازوردية
فلا تثقْ بأبناء أورشليم العائدين من قتل الأنبياء
يكتب البرقُ اسمه على سبورة الألم
لنا الحزن الشارد ومذكرات الضحايا
من كنَّس الأسرى في الشارع العام ؟
لا مكان تحت شمس الله يضمنا
نحن المغروسين في قامات الذُّرة
مناجلَ قديمة لم يخترقها شجر الرعد
المكانُ هو طحال الزمان
فشكراً للبغايا اللواتي يحترمن مواعيدهن !
ذكرياتي سنابل في الأجراس الشتائية
لكن الخريف يرتدي أوسمته
ويمضي إلى العصور السومرية
يا شعيرَ العصور الحجرية !
لا تلبس نزيفي الفضي
وقدمت عرباتُ الأمس
لتفترس مستقبل البيداء
اتلُ وصايا الزبرجد تلمحْ مسدس الغزالة
يا أيها البلد المخصص للغرباء هل تذكرني ؟
سيفترسنا الزقاق الذي ينحني أقواساً
تزف رنينَ دهان السيارات إلى الغربة
غريبٌ أنتَ يا قلبي في هذه البلدة
التي ليس لها عينان تذرفان الكمثرى والبطيخ
جليدٌ كثيف على شرفة الضجر
لماذا يستيقظ الهذيان من نومه الرابع ؟
نيزكٌ يقسم البرتقالة نصفين
وإسطبلاتٌ تختبئ في جوف ليمونة
ما المسافة التي تفصل البطريق الجريح
عن سيارة الإسعاف التي لا تأتي ؟
وطنٌ للأزهار المذهولة للبرقوق
والقصديرِ والحلمِ الشريد
إن جِلدي مُعبَّد باليانسون الذي لا يخون
وممتد مثل الشوارع الخلفية في المرفأ المنبوذ
مثيل ثياب الممرضات الروسيات
وهن يزرعن الحقنة في جبهة القمر
مشردون يتجمون حول الرحى في مواسم الحصاد
إنها بلاد للمزارعين المسحوقين
كأقراص الفلافل قرب هاوية الصدأ
دَثِّرْني بالغيوم ودَثِّرْ الغيومَ بأشكال المنافي
إنْ تبكِ تهزم الصدى .

14‏/02‏/2010

تمارا تجلس عند قبري

تمارا تجلس عند قبري
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
دمعي الزرعُ العاصف وأتى الحصاد
في مواسم البكاء الأخضر
تنقر البلابلُ أجزاءَ مرضي
وسعالي يحمله الحمَام الزاجل
إلى ألوان تعلِّقني على بوابات المدن الأسيرة
نحيباً لمكنسة تهتف للجنون
وتبني البحيراتُ الآسنة أعشاشها
في ظَهري الذي يثقبه الحنين
الجسدُ هو المطر الملحي والقربان المعدني
فتمهَّلْ يا نزفي حتى أرثيَ طيورَ المستحيل
في نزفي شُباك يطل على نزيف الشجر
والدببةُ القطبية تستأجر مشاعر الأنهار
وجعي محصورٌ بين برتقالتين
إن دمعاتي الطعمُ وقلبي الصيادُ المتعَب
لكن الضرائب أرهقت الشفقَ الوحيد
عَرقُ الحرباء يغلي في شمس الأرياف
بنتٌ تجلس عند قبر الكستناء قبري
تنتظر قطارَ البجع والغيماتِ التي تنقل المشنوقين
هي السنديانةُ تخبِّئ تحت إبطها صوامعَ الحبوب
وشلالاتِ أفريقيا ضريحٍ يسبح في القرميد
لحمي منذورٌ للهتاف على سطح الدماء السمراء
دخلتُ في عزلة الرعد البنفسجية
رئتي تنقلب على رئتي
وليس المساءُ إلا خوخاً ذبيحاً
يطلع النخيلُ الدامع من مسامات جِلدي
ويقيم الصفصافُ الطريد موقفَ سيارات في لعابي
سروةٌ تنمو على أجنحة الصقور وسلالمِ القلب
عصافيرُ الشعير تقاسمتها سيوفُ الغربة
إن وجهي حراثة حقول الدمع
غسَّلتني المجراتُ وكفَّنتني الينابيعُ ودفنتني الفراشاتُ
لكنني ما زلتُ أركض إلى قلبٍ أحبَّني
تذوب فيه عقدُ حبل مشنقتي القديم
والخروبُ المطرود يغنِّي لنحلة مشلولة
تراقب جنازةَ الشطآن المنفية من بعيد
نزرع شجرَ البرق لغيرنا
ونرحل عندما يسقط طلاءُ أظافر الهضبة
في براميل الضجر الورقي
كأن أنوف المذبحة خجل براكين في ليلة الدخلة
وينتحر صمتُ الحِملان
كلما استخرجتُ من صخور رئتي أحزانَ البنفسج
إن القمح يغفو في سقوف أوعيتي الدموية
فما جدوى بكاء القمر في ليالي المجزرة ؟
إنني أذوب في غربة الأنبياء
وأنصهر في صلوات الشمس للإله
لا قمرٌ يضيء جراحَ قوس قزح
ولا نهرٌ يطرح أسئلته على الحمَام
فابكِ في الطحال المتسع لقمصان الضوء
عينان للصدى الحامض وسؤالاتِ الرمال
هل يبكي القشُّ على سطح دمعاتي الحديدية ؟
وركضت المقاصلُ في خطوط قشرة الموز
فأيُّ متاهةٍ سوف تنصبُ على جناح البلبل
رايةَ اللوز وعنفوانَ الشطآن الخشبية ؟
نسيتُ أن أُطعم ثلجَ الجراحات رصيفاً طازجاً
والأقمارُ تلف ضماداتٍ رملية حول نزيف السكون
شواهدُ قبور لامعة تحت وهج ظهيرة اليانسون
وساعةُ يدي تحفر في براويز المساء نسيانَ البحيرات .

10‏/02‏/2010

استقالة أستاذ الرياضيات

استقالة أستاذ الرياضيات
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة" كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
ركضت النجماتُ إلى طاولة الصدى
وأتى المغول
مقامرون يجلسون حول أتربة الشهب
لا تتوجني ملكاً على هذا الغبار البرتقالي
والفراغِ المدهون بالفضة العابرة
إنكَ وشقٌ مخصص للذبح للوردة الضامرة
والمقصلةُ تنظم دقاتِ قلب الشعير
خرج وجهي من أنابيب الدماء كوكبَ قش
إن معطف البحيرة يبابٌ مصبوغ
بالبيادر العطشى
كازدحام جدول أعمال المومسات
كالفقراء الذين يتقاتلون على مقعد في الباص
كرجال الأمن الذين لا يقبضون
إلا على المشردين
لصٌّ يغرس في قميصه صورةَ غيفارا الانتحار
لم تعش يا أبي لترى اسمي في قوائم المشتبه بهم
قولي أعشقُ الغيم الذهبي لأعرف شكل مذبحتي
أتوا من حيث يموت المساء القمحي
في أحضان الغسق
تصعد القصائدُ من حبال المشنقة المنكمشة
كعضلات الشحاذين
الجسدُ عنفوان الفضة
وفي بنكرياس البحر سوقُ نخاسة
أين النخاسون العابرون في ذيل فرس النهر ؟
يفترس رئتي طائر اللقلق
تضمني ثيابُ الأكواخ العارية
كلما مررتُ في الطريق الذي افترقنا فيه
طوَّقتني إشاراتُ المرور في المنافي
لا تصدق البحيرةَ إذا قالت إنها تكرهني
دمنا الأرصفةُ الداكنة على الغصون
ما زال وجعي واقفاً على باب العمارة
يحرس خيامَ اللاجئين
والكرسيَّ المتحرك لجارنا
والجنونُ ينشر الغسيل على حبالي الصوتية
ومقولاتِ الإسفلت الشاهد على اغتيال الماء
يا وطناً تتكسر في أذنيه الأنهارُ كأعواد الثقاب
خذني إلى بريق السيوف المعلقة
في سقف حلقي
أعلنت الشمسُ وصيةَ الفراشة :
(( انتظروا الفجر القادم من جرحي ))
بعثرني المساء على حبال من الكتان
مجدولةٍ من ضوء الينابيع
أجر حروفَ الجر بأصابع دمية قطنية
تغسل حجارةَ النيازك بعرق الورود
بيننا حدود للفل والمقاصل
تدخل أفكارُ الصحاري في ثقب إبرة
نسيها الطوفانُ في قميصي
اركضْ نحو غاباتٍ تحترف النسيانَ
وتحترق في دماء الشفق
جرسٌ غامض مزروع في باب جرحي
كلما تناثرتْ أعضائي على جدران المجرة
احتوتْ حروفي أبجديةُ البحر
خذوا ما سقط من إنسانية الرمل
تذكاراً لأيام تنسج الصخرَ الزيتي
ثوباً للوجه الملتصق على زجاج الحافلات
والشحاذون يقبِّلون مناديلَ البيلسان
الساقطةَ في حفر المجاري
يرن المساءُ كالجوافة الثائرة في ميادين العمر
هل يذكر خشبُ المراكب أشكالَ جثث البحارة
المبحرةِ في الصوف الصخري ؟
لا رمدٌ حول عيون البحيرة ولا تلاتٌ
في قرية محمولة على أكتاف السنونو
يغفو النهرُ كالعذراء العائشة
مع مسدسات خطيبها
أستيقظ على ضفة النهر صارخاً
في التلال المجاورة :
(( اذكريني مثلما يذكر المنبوذُ
ابنةَ عمه الجريحة ))
إنه الصراخ وجهان منحرفان
عن خط الاستواء
سأترك خصلاتِ شَعري على حدود المذنَّبات
وأذهب إلى صلاة العصر في غابة الشموس
أحببتُ دماً يتقلص تدريجياً
في طبول القبائل المهزومة
لم تحب المراعي مزمارَ الراعي
وهذا حقها المكفول في دستور مذبحتي
كتابٌ ألَّفه الرعد فقرأه الينبوع
بعدما تقاعد من الوظيفة الحكومية
هذي بلادي تصلبني كلَّ يوم
لأني أحبها أكثر من تاريخ إعدامي
حفيداتُ الملكة فكتوريا يترجمن مشنقتي
إلى لغة يفهمها العصفُ
ولا يفهمها برج المراقبة
في المعتقلات السرية
اجمعني ترَ قلاعَ الذكرى ترفرف حَوْلكَ
كمقصلة تائهة تفتش عن رأس تائهة
للزهر لمعانُ الخناجر على رقاب العبيد
إن روما أقبية الجواري
خارج مسلات البرقوق
ثار النزيف في غيم يتكدس
على حبل غسيل
لي وردةُ القتلى ووصيةُ القتيل
إلى قلم الرصاص تمشي الرؤوس
الآيلة للسقوط
والعشبُ يبصق على البلاط
ويمشي كأنه أهزوجة الغبار البرونزي
لا شيء في غبار مكتبة الصحراء
يستحق هذه المقاصل
تريَّثْ قليلاً أيها الموج
أمهلني حتى أجهِّز أشلائي
لحضور احتفالات العيد الوطني للخوخ
ما جدوى الحب إذا لم يجد شجراً يظلله ؟
سلامٌ لبنت قدَّمها أهلها على المذبح
لغصن يطلع من أرق المجرات
لا أبناء لي يَرِثون مجزرة أبيهم
يا أيها الوطن المعبأ في زجاجات العصير
الذاهبةِ إلى التصدير
أنا الوداع الرصاصي في المرفأ المهجور
فلا تودِّعْني إذا رأيتَ مشرحتي
على أطراف المجموعة الشمسية
لي ذهولُ الأطفال الشاهدين على شنق أمهاتهم
ودهشةُ بنات حيِّنا وهنَّ ينتظرن الخاطبين
وراء ستائر الجرح المعدني
أعطيتُ أنيني للأشجار النازفة
والتحفتُ صوتي وجعَ العاصفة .

09‏/02‏/2010

جدتي الأمية تضع آخر نظرياتها

جدتي الأمية تضع آخر نظرياتها
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
غابةٌ من اللازورد تلتقي بعشيقها
مقابل قبري المطموس
ويتبادلان الأكفان الجاهزة
بعد انتهاء الدوام المدرسي
جسدي مطر الياسمين
اشربيني يا تربةَ أضرحة السنجاب الكريستالية
حول معاطف المجرات يُزرع الصخر الزيتي
وينمو إجاصاً ثورياً يظلل عنفَ الربيع
وحروفَ من ماتوا قبل أن يقولوا كلمة السر
ويفكوا شيفرة الدمع
والنساءُ اللواتي مللن من ممارسة الجنس
فمارسن الثقافةَ كسراً للروتين
أخي القمر
أيها الملك المتوج على أحزاني
رغم أنف الشمام الفوري
إن البرق أوصاني
ألا أعطيَ قلبي لغير الشركسيات
دخلتُ إلى اسم الفراشة
أقرضتُ كبدي طبشورَ الدماء
وأعطيتُ للصواعق عنوانَ أمس العشبة
للبريد_ الذي ضيَّعه الأسفُ_ وجهُ النخيل
وهذا الصباح برتقالة للأسرى
البطاطا المقلية والجثثُ المقلية والوطنُ المقلي
رميتُ دمي في طحال تفاحة
شَعري سوسنة تخرج من حكم الإعدام
لتقضيَ فترة النقاهة
ربما يؤخرون شنقي كي تلعب الأميرة
كرةَ السلة في قسمات وجهي
جدتي تحمل جغرافيةَ القصيدة في منديلها
وتهزم الحطبَ الفيلسوف
كراسي المسرح المذبوح
للأرض دوي نحلة المنفى
يُخيل إلي أن العصف لا يُخيل إليه
أن سحنة النار زلزال أجساد مشوية
فاصعدْ من أنقاض البيلسان
كنافذة تشرف على مزرعة جماجم
لعل البطيخ يفضي إلى شرارة حكاية
تبدأ من النهاية
قلتُ للرعود إن أسماك الانقلاب
تُفرش على طاولات الملهى الليلي
فلم يصدقني السيف الهارب من غمده
وطائرُ الفينيق يزرع الخشخاشَ في حفر المعنى
ويبصق العبيدُ صدورَهم تحت حجر الرحى
والمنافي المرقمةُ تتفرس في وجوهنا المحجوزة
دمي لا تحتمله الطرقات لا يُحمَل
هو الحامل لأشواق صخور الشفق
حبيبةُ القمر تتوزع في الرخام القتيل
والجراحُ الكلسية خلف صخرات النحيب
وبكيتُ في غرفة الفندق وحيداً
لكن دمعي لا يليق بعيون قارة الرجفة
كان القوادون مشغولين باصطياد الموج
في وجوه الذباب
وكنتُ مشغولاً بتوزيع أعمدة الضياء
على قصور الزبد المزروعة في أجفان المها
بشرٌ يحتسون سمفونيةَ العار
مستلقين بين أفخاذ الوحل
يتناسل الصراخ على سجاجيد الغياب
وتتراكم في أعضاء المنسيين هضابٌ من الكهرمان
الذي يقلده الرملُ النازف أوسمةَ الضباب
في المنافي الجليدية
فأي قمح سوف تتسلقه قامة الوحل
في أعياد الجريمة ؟
حفنةُ طواويس ذبيحة تتكدس كالأمواج الباكية
في إسطبل الدخان
لماذا تدوِّن المدخنةُ مواعيدَ حضور البحيرة
إلى شكلي الذي يغيب في دماء الصباح ؟
تينةٌ مغتصَبة في الريف الإنجليزي
ثيابي في خزانة غرفة التحقيق
سيجارةٌ تمتص الخوخَ المشنوق
على شفاه المحقِّق
فاهبطْ في سرداب كبدي لألتقيَ بسحنتي
التي فرتْ من واجهات المحال التجارية
نملةٌ تُسحَق تحت أنياب السوسن
من يعبأ بها ؟
وأتت أشلاءُ النورس من صوامع الحبوب
لكن الجنود يمضغون علكة الهزيمة
يحرس أرزةَ الحصار عرسُ النهر العابر
في منجل الرموش البلاستيكية
قد ينساني حِبر الخريف على مرساة الشتاء
والسياجُ الجسدي يتخذ عمري
سبورةً لعصافير الحرمان
ونهوضِ الصفيح الملون من نوم اللاجئين
فلا تتذكروا عكازتي التي يتكئ عليها شنق الحجر
انتهت جنازة الحمَام
فبدأ السماسرة يزيِّنون غاباتِ الجوع
ريما يمر فيها مواكب انتحار النعامات
مقاصلُ تقود دراجة في الريف المحذوف من الخارطة
ماذا تستفيد الطباشير من لونها حن تُرمى
في سلة مهملات كانت صالةَ قمار ؟
لخشبةٍ تعمل مذيعة على منصة الإعدام
يهتف السجاد الفاخر
كلُّ ما حولي يغتالني
لكني الشاهد على موت الأشياء
قلبي والشارعُ أمام قبري بكيا معاً
أقبر سياراتِ التاكسي في وريد الينبوع
ويحمل الصبحُ في حقيبته اللبؤاتِ العقيمة
إنني منفي داخل قصيدتي
فلا تتركني منساباً بين أعواد الثقاب
أفتش عن قاتل أبي
شجرةُ نسبي تنمو في بارود الثورة
لم يبقَ مني غير مدينة تلاحقني
لكل وجهٍ نزيفٌ خاص به
انطق اسمي أيها الرعد
وعلِّمْني كيف أصادق النيازك
خذني إلى أبجديتي لأتعلم كيف اتحد بالمرايا
دون وداع في محطة القطارات
ساعةُ حائط في الزنزانة
لكي تجرح أوقاتُ الصدى نباتاتٍ
تفترس الثواني المذهبة والعاجَ المشرد
والحيطانُ تتبول على السجناء .

07‏/02‏/2010

إنه يجمع الياقوت في الوطن الحجري

إنه يجمع الياقوت في الوطن الحجري
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007 م
سأنتظر أن تنموَ أسوار الخوخ على فوهة مدفع ملقى
في غابة من فوضى البلور إبرةِ الضباب القرمزي
لي عاجُ الطوفان وتحتَ أُذني أدغال حروف الضوء
مثلما تحبل نخلة الذاكرة بالديناميت والغزلانِ البرية
أنثر سحنتي على صنوبر المقابر
وأحمِّل أكياسَ ذكريات الشمس على ظهور الخيل
قالت أنثى الشلال :
(( سيأتي الحصار من هناك ))
وأشارت إلى أبجدية النحاس الخام
ذكِّريني يا مدينة الموج بألقاب التلال في أكتاف القلب
نافذتان متوسطتا الحجم في كف إحدى اليتيمات
حيث يعيش فرخُ السكوت مع رائحة السيليكون البري
زنزانتي الانفراديةُ وطنٌ عاصمته الفراشة الصارخة
وممالكُ الشبق تغزلها ابتسامة تلة
على ظهر عنكبوت المنافي
يا صياح جدار الشعير في دم زهرة اللوتس
ذكِّرني باسمي فوق منحدرات البكاء
وكنْ وجهاً خامساً للعشب حين يزأر التوت
لم أحمل جثمان أبي في حقيبة سَفري
ولم تأخذ القبراتُ أكفانَ البوسنيات تذكاراً
سلاماً أيها البرق الذي يستأجر ظل السنونو
إن السفرجل الصناعي على سبورة الحصار
لكن رئات النخل تقاسمتها حراب الأمويين
كفنُ عصفورة يقود دراجةً طينية
في أرياف الرئة الجنوبية
لأن نومي عُقاب لا تدعوني قلاع الكرز
لحضور جنازتها غير الموسمية
والغرباءُ يحتفلون بغربتهم
صحراء في مساحات أقمار الجراح
للضياع مناديل جدة الموج
بطيخةٌ تحتسي ضوء المشانق ودرجَ النهر
تكلمت أنفاقُ عمري هذي غابات الصدى
والوردةُ طابور من حَمَامات التجنيد الإجباري
سأمسح اسم القمر من هوية الليلك
عودي إلى كهوف الدمعة لأتذكر اسمي
عند نمو الغروب على كراسات الرعد
والبرقوقُ غدُ من ليس له شاهد قبر
في حافلات النرجس
فانهضْ شجراً خالياً من قرميد الشلالات الدامعة
وكنْ صديقَ الغيم يوم يموت الغيم الأخضر
في روابينا الثائرة موزاً
ويسجل سقفُ النزيف أبناءه
في مدرسة الديناميت
نهضتَ فلتبكِ لأن حنين أشجار الملاحم هباء
وخوخةٌ للطوفان القادم
ليت الأرض تستلقي في كريستال الحرف
وسجاجيدِ الصاعقة
فالمساميرُ تثبِّت آذانَ العاصفة
على جدار آخر أيامي
لم أعد غير ترنيمة عابرة ترددها تلميذاتي
في ليلة عيد ينتظره الفقراء تحت أعمدة الضياء
وبغايا بلادي يتبوَّلنَ على أضرحة الصنوبر
شعبٌ من اللبؤات المحتضرة
متى يولد من عشب المراعي ؟
بحيراتٌ لا تعرف إلا الجنس فلتمت
لأن الغاب نوافذ القلب الأخيرة
للحصار أعضائي ومشمش المقصلة
هجم علينا تراب الغرباء
بين اسمي والكستناء عود مشنقة عابرة
فاعبرْ شجركَ الميت
وقبِّلْ زهرةَ الثلج المشتعل زعتراً وليلاً
أيها الطفل المسلوخ على ربطة عنق الشلال
ستقتحم ضوءَ الغبار وردةُ القتيلة
وينير مغارةَ الأمواج حطبُ الرعشة
اتلُ وصيةَ البيلسان على مسامع زيت الزيتون
أهازيجُ الرمل ذبابة جرح
يا شجرة الموتى
اجمعي ثيابكِ وارحلي من نشيدي
تحمل الأمطارُ أغاني الرعاة
إلى معسكرات الرماد المخمور
عُدْ إلينا يا سمكَ الثورة
نحن المعلَّقين على الشفق كتاباً مفتوحاً
للبعوض السكران
لنحاس يتقمص حشائشَ البروق
في أمعاء الرمال
لحديد يَزور غروبَ البحر الساقط
في دفاتر عَرَقي تولم الصاعقة
التصق الدمعُ بالهواء المار
في أكباد سيارة يركبها الموج
والمحارِبُ وضع رمحَ الذاكرة
على طاولة تمشي في توقيت السيوف
وجعُ المذنَّب رأى جثثَ الملوك
على فوهات مداخل البار
والغريبُ يمشي على معدته المنثورة
على الشاطئ الوحيد
عشبةٌ نسيها مؤرخو الجليد
أنيابُ جدار من البلاتين
تهاجر الحيتانُ من بنكرياسي
لتفتش عن حبها الأول
والغيمةُ تشرب قهوتي في حصون الليلك
وفي زحمة زيجات المتعة
لم تعد الشيعية تتذكر من مزَّق غشاءَ بكارتها .

04‏/02‏/2010

مذكرات النورس الوحيد

مذكرات النورس الوحيد
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
سيحصد البارود ما زرعه الرعد في جراحاتي
أمدح العبير لئلا يخنقني
وأتغزل بالبحيرة لكيلا تقتلني
رائحةُ حبل المشنقة بعد صلاة العصر
ضَيِّعْني في ممالك دمي
واجمعني في الهضاب نشيداً
تبذر الأنهار أشلاءها على مروحة السقف
الموظفون الذين عادوا إلى ضرب نسائهم وطنٌ مسبي
كهرمانُ العمر والأكشاك تبيع ظلال العصافير للمتحف
أيها الوطن المغلف مثل الشوكولاتة المستوردة من الدم
مثل النرجس المستحم في فراشة وقحة
وفي قاع الأغنية تترسب أضرحة السوسن الفضائي
استفاقةُ كوكب في عش تبيض فيه الرياح
كوني أي شيء سوى زنزانتي
لأصقل حجر المعنى
والقبائلُ تتقاتل على حمل ذكرياتي
ودربِ مذبحتي تلك السنديانة والكحلِ الأبيض
كصندوق من جماجم الهنود الحمر هو الارتعاش
شمسٌ تجدل شَعر القمر زنبقاً للعاصفة الحالمة
وجسداً للتفاح النائم في الزئبق الحجري
يا بطيخاً يبني في نخاع العظم
ميناءً للأشجار المهاجرة
وحقولِ الحِبر المنفي
حيث تختبئ القارة تحت إبط عصفورة
ويكون دم العقبان مهندساً معمارياً
رئتي المهجورةُ يحمر خد الحصى
تبني النسور أعشاشها في عمودي الفقري
يدق النهرُ صورةَ والده على تابوت أنشودتي
كتفي يهجرها كوكب الروح
أين مأساة النمر الذي أرضعته سمكة ؟
رَبَّتني الصاعقة في حارات الأغنية
إن جدائل البحيرة ترميها المقاصل
على ضفة الوقت
والفيضانُ يربت على كتف اليانسون
كلما شرب زجاجُ مراكز التسوق
احتضاراتِ الحديقة المجدولة من الفهود
هربتْ من قفص الجماجم وردة
هل جرَّبتَ خوفَ القرميد من مطر القلب ؟
كزوجات البحارة الذين لم يعودوا
كالأظافر التي تختفظ بشرايين الصخر
ونخاعِ الشلال في الحقائب المدرسية
لم يكن ضباب عَرَقي موجوداً حول المدخنة
يوم زارتني البحيراتُ في لحمي الخامس رمحي الأولِ
تعبئ الشمسُ دمها في زجاجات نظيفة
وترتبها على رفوف مكتبة قاعة الإعدام
أنا ومَوْتي انبعثنا معاً
والمساءُ أخضر أو أصفر
ما لون السنابل حين تلد صمتَ الشلالات الزمردية ؟
يا مطرُ ، تأمَّل الطيورَ التي تمضغ طحالي
هل تشبه بوابةَ الرؤيا أم حشائشَ المدفن ؟
حَدِّقْ في أثاث المذبحة الطالع
من وجنات الخفافيش المحنطة
يغيِّر المسلخُ درجه اللحمي
وما زال قوس قزح جالساً في المقهى
يحتسي انتحاراتِ القش
وفي جسد الشعير تطلق الرئة الأولى النارَ على الثانية
يفصِّل القمرُ معطفاً من جِلدي على مقاس الحلم
والمدخنةُ ترتدي ربطةَ عنق من الكتان المهجور
والبحرُ حزين لأنه أضاع محفظةَ نقوده في الحافلة .

03‏/02‏/2010

التعاون بين الموساد والمخابرات العربية

التعاون بين الموساد والمخابرات العربية

إبراهيم أبو عواد

نشرت في جريدة القدس العربي

لندن ، 4/2/2010م .

لا يخفى أن أجهزة المخابرات العربية هي فروع للمخابرات الأمريكية ، لأن ال"سي آي إيه " عبارة عن شركة استثمارية غير محدودة يهمها أن يكون لها فروع في المنطقة لتنفيذ أجندات معينة مثل : تصفية القضية الفلسطينية مقابل بقاء الأنظمة الحاكمة على رأس السلطة ، واستئصال الحركات المقاومة ضمن منهجية مصادرة حقوق مقاومة الاحتلال المكفولة في المواثيق السماوية والأرضية، وذلك من أجل كتم كل الأصوات المعارضة لسياسات العم سام التوسعية والابتزازية. وقد انكشفت خطط البيت الأبيض لمحاولة كتم صوت الفضائيات المقاومة ، وتشجيع فضائيات الإباحية والرقص والطرب من أجل منع الضحية من رفع صوتها بالشكوى ، وكأن المطلوب من القتيل أن لا يعترض على قاتله ، فعليه أن يموت في صمت رافعاً القبعة لحضارة العم سام التي تنشر الديمقراطية الرومانسية المزعومة على جثث القتلى الملقاة في الشوارع ، وتعزز حقوق الإنسان بعد ذبح الإنسان . ومن أجل تنفيذ سياسات البيض الأبيض الاحتلالية لا بد من أدوات على الأرض العربية ، وهذه الأدوات هي النظام العربي الرسمي الذي يقدم أوراق الطاعة من أجل ضمان استمراره ، ويعرض خدماته المجانية مقابل نيل رضا سادة البيت الأبيض القادرين على تقديم القمح والمعونات الاقتصادية ، والتغطية السياسية في المحافل الدولية ، والتغاضي عن القمع والاستبداد ، ونشر التخلف الشامل في الدولة العربية الوهمية . وكما هو معلوم فإن أقصر طريق إلى قلب العم سام هو رضا طفله المدلل ( إسرائيل ) . فصارت النظرية الأساسية في العلوم السياسية الأعرابية هي أن اليد التي لا تقدر على قطعها قم بتقبيلها . لذلك تسعى الأنظمة العربية جاهدة إلى إظهار صوت الاعتدال_ من وجهة نظرها _ الرامي إلى دعم ما يسمى بعملية السلام، وإبراز وجه عربي يعتمد على موالاة الغرب قلباً وقالباً ، وكل هذا يعتمد على تقديم خدمات للكيان الصهيوني للحصول على شرعية الاستمرار القادمة من الغرب . وعلى الرغم من أن الأمة العربية تخسر أراضيها تباعاً ، ومقتنعة بأن عملية السلام ماتت في مهدها إلى غير رجعة ، إلا أن السلوك الرسمي ما زال سائراً في الدرب الخاطئ عن سبق الإصرار والترصد . فالضغط العربي المرعب على رئيس سلطة أوسلو محمود عباس للعودة للمفاوضات يتم بأوامر أمريكية مباشرة ، فينبغي مواصلة تخدير الفلسطينيين بأكذوبة عملية السلام حتى يتمكن الاحتلال الصهيوني من ابتلاع كامل التراب الفلسطيني ، وإظهار صورة " إسرائيل " أمام الرأي العالمي بوجه مشرق داعم للسلام والإخوة بين الشعوب وحوار الأديان في وسط عربي متطرف وبدوي متخلف . وهذه الخطط الجهنمية تتمتع بغطاء عربي رسمي، فالفكرة السائدة في أوساط صانعي القرار العرب هي أن الارتماء في حضن الكيان الصهيوني يوفر الحماية للنظام الرسمي العربي. وهذه البيئة السياسية الكارثية المحقونة بالمخدرات السياسية ساهمت في اختراق منظومة الأمن القومي العربي الهش ، فاستطاع الموساد توسيع دائرة نفوذه ، والتنسيق مع أجهزة المخابرات العربية مقابل بعض الأرباح الآنية ، لأن القوي يفرض شروطه على الضعيف، ومن يتحكم في مصادر الرزق قادر على إلزام الآخرين بما يريد . فلا يمكن للموساد أن يقوم بأية عملية في الوطن العربي إلا بالتنسيق الدقيق مع أيدي عربية شعبية ورسمية . فاغتيال القائد عماد مغنية في قلب دمشق ، واغتيال القائد المبحوح في دبي ، وغير ذلك من العمليات في قلب الوطن العربي، كلها تحمل بصمات جهات عربية، ليس هذا فحسب ، بل إنها تحمل لمسات أجهزة مخابرات عربية ، وذلك لعدة أسباب من أهمها : 1) حاجة الموساد إلى اللغة العربية في اصطياد أهدافه الموجودة على قائمة الاغتيال ، وهذا لا يتأتى حدوثه بالكفاءة المطلوبة إلا من خلال أجهزة عربية على اطلاع باللغة الفصحى والدارجة ، وقادرة على تحليل الكلام العربي بكل أبعاده الحقيقية والمجازية ، والموجود في الخطابات وجوازات السفر وباقي الوثائق ، فمهما تمكن الأجانب من إتقان اللغة العربية ، سيظل هناك ثغرات في مستواهم اللغوي ، وهذه مجازفة كبيرة في عمل الموساد، وهو منتبه لذلك. وبالطبع فالأجانب الذين يحملون جوازات غربية هم العمود الفقري للموساد ، فلا يوجد عاقل يتوقع إشهار عميل الموساد لجواز سفر إسرائيلي . 2) الحاجة إلى معرفة التفاصيل الجغرافية للمكان العربي ، والطبيعة السكانية ، والمداخل والمخارج ، والدعم اللوجستي ، لأن صور الأقمار الصناعية تظل عاجزة عن فعل ذلك بدليل أن أمريكا فشلت طوال سنوات في تحديد مكان ابن لادن أو الظواهري رغم امتلاكها لأحدث الأقمار الصناعية وأجهزة التجسس الإلكترونية الخارقة . وهذه المعلومات لا تأتي إلا من أجهزة مخابرات عربية تملك سهولة الحركة في الوسط الشعبي العربي دون أن تثير الشبهات . فمثلاً اغتيال القائد عماد مغنية في حي كفر سوسة في دمشق بتفخيخ سيارته عبر استبدال مسند رأس مقعد السائق ، لا يمكن أن يحدث بهذه الدقة وتحديد الهدف لولا التعاون الوثيق مع أجهزة استخبارات عربية . 3) وجود ثغرات حقيقية في عمل الموساد الذي لا يملك طاقات ذاتية في بعض المجالات لاختلاف البيئة الفكرية والجغرافية ، وهذه الثغرات لا يمكن ردمها إلا بمعلومات المخابرات العربية عن طبيعة المجتمع العربية زمنياً ومكانياً . وجهاز الموساد يعتمد على الدعاية الإعلامية التي تصوره على أن خارق للعادة ، لكنه_ في حقيقة الأمر_ جهاز متواضع يعج بالفساد الإداري والإخفاقات ، لكن الذي رفع أسهمه انفتاح البيئة العربية أمامه بدون حراسة أو حدود ، وانطباح الأنظمة العربية أمام إملاءات الغرب ، وقوة الإعلام الصهيوني . فالموساد فشل في اغتيال السيد خالد مشعل ( 1997م ) ، وقُبض على عملاء الموساد في وضح النهار بكل سهولة ، كما فشل في اغتيال مسؤول حماس في لبنان السيد أسامة حمدان ، وفشل كذلك في تحديد مكان الأسير شاليط رغم مساعدة الأجهزة الأمنية المصرية . بل إن القائد الفتحاوي علي حسن سلامة المعروف ب ( أبو حسن) الذي تولى قيادة العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية في العالم من لبنان في عام 1970م استطاع بكل سهولة إرسال الطرود الناسفة من أمستردام إلى العديد من عملاء الموساد في أوروبا ، ومن الذين قُتلوا بالطرود ضابط الموساد في لندن أمير شيشوري. وكل ذلك يعكس تواضع عمل الموساد ، وضعف بنيته الأساسية ، وبدائية نمط تفكيره ، لكن الشيء قد يبدو عملاقاً ، ليس لأنه عملاق ، بل لأنه في وسط أقزام .

02‏/02‏/2010

أوباما بائع الأوهام في عصر الظلام

أوباما : بائع الأوهام في عصر الظلام
إبراهيم أبو عواد
نشرت في القدس العربي ، لندن 2/2/2010م .
إن الرئيس الأمريكي أوباما يمثل ظاهرة غريبة في السياسة الأمريكية ، فهو أول رئيس من أصول إفريقية، كما أنه الوحيد بين كل رؤساء أمريكا الذي يملك خلفية مسلمة ، فقد درس في مدرسة إسلامية في أندونيسيا لمدة عامين، ووالده اسمه حسين .والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة : كيف قام الناخب الأمريكي العائش في عوالم التمييز العنصري ضد السود والأقليات ، والغاطس إلى شحمة أذنيه في " الإسلاموفوبيا" بانتخاب أوباما الذي يملك المواصفات السابقة ؟ . والجواب يمكن أخذه من حجم الكوارث التي ارتكبها الرئيس السابق جورج بوش الصغير ، وليس بسبب عبقرية أوباما . فالناخب الأمريكي أراد معاقبة الجمهوريين وعلى رأسهم بوش الصغير الذي حشر أمريكا في الزاوية ، ووضعها على خارطة التلاشي ، وقام بمساعدة أعداء أمريكا من حيث لا يدري، فأعطى العراق لإيران كهدية مجانية ، وأعطى أفغانستان لطالبان والقاعدة لكي يعيدوا تنظيم صفوفهم ، وأدخل اقتصاد بلاده في مأزق حرج ، وأضاع أموال دافعي الضرائب في الهواء بدون مكاسب سياسية ، أو أرباح مادية . وحتى لو قامت أمريكا بنهب نفط العراق بمساعدة عملائها الذين جاؤوا على ظهور دباباتها ، فلن تقدر على تعويض الخسائر الجسيمة التي تكبدتها ، سواءٌ من دماء أبنائها القتلى ، أو الدولارات الطائلة التي تُحسَب بالأرقام الفلكية . وكل هذه السياسات نتيجة طبيعية لتخبط إدارة البيت الأبيض التي اخترعت مصطلح " الحرب على الإرهاب " لخدمة مصالحها التوسعية ، وشرعنة احتلالها للعراق وأفغانستان ، لكن هذا المصطلح ارتد عليها سلباً ، وانقلب السحر على الساحر . فازدادت إيران قوة وتوسعاً في محيطها الجغرافي الحيوي ، وأعاد تنظيم القاعدة ترتيب أوراقه، وازدادت فروعه في البلاد العربية . ومن يدرس سياسات الرئيس السابق بوش الصغير ، سيكتشف أنه تصرف كما لو كان الذراع اليمنى لابن لادن ، أو أحد الموالين لولاية الفقيه في إيران . وفي ظل هذا الوضع الكارثي الذي حوَّل المواطن الأمريكي إلى متسول أمام الجمعيات الخيرية التي تمنح بعض أرغفة الخبز ، ومشرد في الشوارع بعد أزمات الرهن العقاري ، ومنبوذ في مجتمع يتخذ من الدولار عقيدةً رأسمالية لا محيد عنها ، تم تقديم أوباما كصاحب مشروع الخلاص ، ومالك طوق النجاة ، وجورج واشنطن الجديد الذي سيبني المجد الأمريكي لجعله في صدارة المشهد العالمي . وقد استفاد أوباما كثيراً من تركة بوش الصغير التي وضعت سمعة الجمهوريين في الحضيض ، فأضحت كلمة " جمهوري " مرادفة للضياع السياسي والهزائم العسكرية والكوارث المالية . وبالتالي صار المواطن الأمريكي مؤيداً قلباً وقالباً للديمقراطيين قبل أن يعرف مرشحهم ، لأن الغريق يتعلق بقشة . وهذا ما شجع الحزب الديمقراطي وأعطاه الجرأة على ترشيخ شخص أسود في مجتمع قائم _ بالأساس _ على التمييز العنصري ، واضطهاد الأقليات، لعلم الحزب المسبق أن الأمريكيين يريدون أي رئيس لا يُذكرهم بكابوس الجمهوريين وعلى رأسهم بوش الصغير ، وأن الفوز مضمون في جيب الديمقراطيين . وأيضاً أراد الحزب الديمقراطي استغلال الكوارث الجمهورية _ وفق قاعدة مصائب قوم عند قوم فوائد _ من أجل خداع الرأي العالمي ، وممارسة التضليل المنهجي ، واختراع خدع سياسية سينمائية ، وذلك عبر ترشيخ شخص أسود لإظهار صورة المجتمع الأمريكي كمجتمع متماسك لا فرق بين أبيض وأسود ، وأن حضارة العم سام الرومانسية تتسع لكل أبنائها ، وأن التفرقة العنصرية أضحت من مخلفات الماضي البائسة التي لن تعود ، وأن حقوق الإنسان في أمريكا بلغت حداً عظيماً لدرجة ترشيح شخص أسود لدخول البيت الأبيض . وهذه الخدع السينمائية تم تنسيقها بحرفية عالية ، فقاموا بإحضار أوباما ذلك السناتور الفصيح خريج هارفارد الذي يتقن فن الخطابة ، ولا يفهم في السياسة الخارجية شيئاً ، ولا يعرف دهاليز السياسة الداخلية ، وهذا هو المطلوب ، لكي يظل أوباما دمية في مسرح للعرائس يتم تحريكه من خلف الستار بأصابع جهات خفية ومتنفذة حريصة على إبقاء نفوذها ، والمحافظة على مصالحها عبر توظيف شخصية الرجل الأسود الذي لا يملك من أمره شيئاً ، وإنما ينصاع لأوامر من أحضروه إلى البيت الأبيض ، وأوباما يعترف بهذا الدَّيْن في عنقه، ويريد سداده للسادة البيض الذين لَمَّعوه لإخفاء معاناة السود في أمريكا، وإظهار إمبراطورية العم سام باعتبارها أملاً للبشرية المعذَّبة بغض النظر عن الدِّين أو الجنس أو اللون . وأوباما لا يملك شخصية كاريزمية قيادية قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة واختراقات كبرى ، وهو يعرف أنه ألعوبة جاهلة محصورة في كتب القانون الذي كان يدرِّسه في جامعة شيكاغو ، ولا يدرك كواليس بناء وحشية الفعل السياسي الأمريكي ، لأن العدالة التي في كتب القانون ليست هي العدالة في فلسفة البيت الأبيض ، لذلك تم إحضار بايدن كنائب للرئيس _ ذلك السناتور المخضرم صاحب التاريخ الطويل في العمل السياسي_ ، لكي تظهر إدارة البيت الأبيض الجديدة كخبيرة في العلاقات الدولية ، وضليعة في رسم السياسات وتطبيقها ، وكل هذا مكياج وهمي سرعان ما تبخر مع تفجر الأزمات العاصفة المحيطة بأمريكا . وفي ظل هذا الانكسار الأمريكي المتسارع لا يجد أوباما وسيلة أفضل من استعراض مهاراته في الخطابة ، واختراع العبارات الرنانة ، وتنميق الكلمات التي تذهب أدراج الرياح ، لأن كلام الليل يمحوه النهار ، والجعجعة بلا طحن لا تجدي نفعاً . وبعد عام من حكم الرجل الأسود للبيت الأبيض يُلاحظ أن الشيء الوحيد الذي تغير في السياسة الأمريكية هو لون بشرة الرئيس فقط . فأوباما الذي مُنح جائزة نوبل للسلام من أجل كلامه المعسول ، ونواياه الرومانسية الرقيقة ! ، ونكايةً في سياسة بوش الصغير ، قرر إرسال ثلاثين ألف جندي إلى أفغانستان لقتل المدنيين كما تفعل الطائرات بدون طيار ، في الوقت الذي تسيطر فيه طالبان على ثلاثة أرباع أفغانستان، وتنظيم القاعدة يسرح ويمرح في الشرق والغرب ، فماذا تفعل أمريكا في أفغانستان طيلة عقد من الزمان وهي تدفع ثمناً باهظاً من دماء أبنائها القتلى وأموال دافعي الضرائب ؟ . كما أن الخطة الاقتصادية للإدارة الأمريكية فشلت بكل المقاييس لأنها عبارة عن مخدرات سياسية ، فنسبة البطالة تواصل صعودها ، والمواطنون عاجزون عن إيجاد فرص عمل ، والبنوك ما زالت تنهار ، وتتردد أخبار إفلاسها في كل وسائل الإعلام حتى هذه اللحظة ، كما أن الصعود الصاروخي للصين كقوة ضاربة يدل على أنها لم تجد في طريقها منافسين حقيقيين في الغرب أجمع ، خصوصاً أن الصين _ في الآونة الأخيرة_ أزاحت ألمانيا عن عرش أكبر مُصدِّر للبضائع في العالم . وكل هذه المؤشرات تدل على أن خطة الإدارة الأمريكية في ضخ الأموال هي بمثابة وضع جهاز تنفس اصطناعي للمريض في غرفة العناية المركزة ، وليس مساعدة المريض على الشفاء ، والنهوض ، والانطلاق نحو الفضاء الرحب . والرئيس أوباما شخصية مهزوزة لا تملك تاريخاً من الإنجازات التي يمكن أن يُعوَّل عليها . فلو عقدنا مقارنة بين الزعماء السود كمالك شباز ( مالكولم إكس سابقاً ) ، ومارتن لوثر كنج رائد الدفاع عن الحقوق المدنية ، وحتى محمد علي كلاي الذي أعطى درساً في فلسفة السياسة حينما رفض الذهاب إلى فيتنام والقتال فيها ، وبين أوباما كزعيم أسود ، لوجدنا فروقات شاسعة . فالقادة السود الذين سبقوا أوباما كانت لديهم قضايا كبرى يؤمنون بها ، وقد دفعوا ثمناً باهظاً دفاعاً عنها ، ووصل الأمر إلى التصفية الجسدية كما في حالة مالك شباز ومارتن لوثر كنج . أما أوباما فلا يملك قضية يؤمن بها ويدافع عنها ، فهو يميل مع الرياح حيث مالت . ففي البداية قرر إحلال السلام في منطقة " الشرق الأوسط " ، وبعد أن رأى عناد نتنياهو الذي لا يرسل ولا يستقبل ، مدعوماً باللوبي اليهودي في واشنطن، نسي خطة السلام كلها ، وأرسل ميتشل لإضاعة وقته في المنطقة العربية ، والسياحة في بلادنا ، وشرب القهوة العربية ، وتبادل القبلات مع المسؤولين العرب الحريصين على إحياء عملية السلام من قبرها إرضاء لأسيادهم الأمريكان . والمضحك المبكي أنه لم يعد هناك أرض فلسطينية للتفاوض عليها ، فالمستوطنات بلعت الضفة الغربية المحكومة من قبل الجنرال دايتون، ولن يتوقف التهويد إلا بعد الإجهاز النهائي على الضفة، وعندها سيتوقف الاستيطان تلقائياً ، مما يسمح بعودة رئيس سلطة أوسلو محمود عباس إلى طاولة المفاوضات من أجل إقامة دولة فلسطينية في الهواء والذكريات وقصائد الشعراء . أما قضية محاربة القاعدة والحرب على ما يسمى بالإرهاب ، فلم يحقق أوباما أي نجاح يُذكر ، فرسائل ابن لادن تتواصل ، وفروع القاعدة في البلاد العربية تتكاثر، لأن أفضل من يجند الشباب في صفوف القاعدة هو الحاكم العربي ، وذلك لأن سياساته الطائشة حوَّلت الدولة العربية الكرتونية إلى كيان فاشل على كل الأصعدة ، فتساوت الحياة مع الموت ، فصار كثير من الشباب ينضمون إلى القاعدة تلقائياً _ بغض النظر عن مقاومة الاحتلال أو قتل المدنيين _ ، لأن حجم الانهيار الكارثي في الوطن العربي أفقد كثيراً من الشباب القدرة على التمييز بين الغث والسمين . كما أن سياسات أمريكا المعادية للإسلام والمسلمين كرَّست عقلية الانتقام من أمريكا والثأر منها بأي وسيلة. ولو بقينا ننعت تنظيم القاعدة بالإرهابي حتى يوم القيامة، فلن تهتز شعرة في رأس ابن لادن ، ولن نوقف شخصاً يريد تفجير نفسه دفاعاً عن قضية يؤمن بها ، ويرى أنها الوسيلة الصحيحة للانتقام من أمريكا ، بعد أن شاهد تخاذل الحكام العرب في حماية البلاد ، وتقاعد الجيوش العربية الجرارة النائمة في المعسكرات ، ونفاق علماء السلاطين الذين حذفوا مقاومة الاحتلال من قاموسهم إرضاء لأسيادهم دافعي الرواتب آخر الشهر . وعلى صعيد حقوق الإنسان فشل أوباما فشلاً ذريعاً . والغريب أن أوباما باعتباره أسود البشرة يُفترض به أنه عانى شخصياً من الظلم والاحتقار والتمييز العنصري بسبب انتمائه للسود الذين كانوا ضحايا الوحشية الأمريكية عبر التاريخ ، فالمنطق يقول إن معاناة الظلم ستدفعه إلى العدالة والمحبة ، لكن هذا لم يحدث ، وكأن الضحية تتقمص قاتلها ، وتقوم بنفس دوره حينما تمتلك القدرة . وعلى أية حال فإن أوباما سيواصل بيع الكلام المجاني، وتوزيع الأوهام في كل مكان، وستظل عينه على انتخابات التجديد النصفي للتشبث بالكرسي بالأظافر والأسنان كما يفعل الحاكم العربي ، وسيتم ترحيل الملفات العالقة والتركة الثقيلة إلى الرئيس المقبل، وسيدفع المواطن الأمريكي الثمن الباهظ في كل الأحوال .

01‏/02‏/2010

نقابة اللصوص الأعراب

نقابة اللصوص الأعراب
للشاعر / إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
أعطي لجثتي الخضراء المزهرة وردةَ النسور
محبرةُ المساء الأشقر تزفني إلى أزقة المدينة القتيلة
وردتان في القلب جرحان في مزهرية واحدة
أتلفظ بحروف الغار على قارعة الطريق الدموية
يا أمسنا الذي سيأتي
كن قريباً مني ساعة احتضار البجع
فالخوف برواز شعبي على الحيطان المفتتة
نعود إلى حيث تموت الشواطئ العارية
إلا من رغبة الحياة
مُدِّي إلي حبل مشنقتي
كي أتزلج عليه وصولاً إلى بلدتي المسروقة
بلادي ، إنكِ العشبة البِكر في دواخلي
بيرقاً للنوارس المهاجرة
كلُّ ما فِيَّ ينادي كلَّ ما فِيَّ
سأعيد البوح المتشظي إلى اليانسون البارد
لم يحضر ضيوف الحلم إلى كوخ الحمامة
لم يدخل الليلُ بيتنا الجبلي
منذ احتضارات النهر اليومية
الآن ، أتسلق ماعزَ الرصاص
أنادي عليكَ يا وطني الذي يأتي
من فوهة الإجاص
أنادي على الفقمة التي ماتت
والرصاصةُ في جيبها
أتقلد وسامَ العشب الأبيض
كم مرةً ذُبحتُ على الرصيف
أمام العشاق الخارجين من صالة السينما ؟!
مسدسٌ من الخشب كان يدافع عن أسمائنا الناهضة
مثل غزلان في الشفق الطازج
يا إلهي
نقِّني من دمي الملوَّث
لأحلى وردة في المقبرة يغنِّي اليمام
لم ينتظرني الشتاء حتى أعد مرثية
لجارتنا الأسيرة في معتقلات البحر
لوردةٍ قيَّدها الشك برمال الأنهار
وسلاسلِ الجرح سأغنِّي
فهل يمنعني اسم الغيمة
من البكاء على رئة الزمرد ؟
خذيني عاصفةً تدل الطيورَ المبحرة في شراييني
على عنوان مجزرتي
ما أسرع الدم المتدفق في غيمات الذكرى !
انثري ضوءاً للبندقية على العجين
والضوءِ المعجون بالأشلاء
نزفي العريس الذي لم يعطه المخبِرون فرصةً للفرح
وداعاً أيتها الحشائش الذبيحة
في موسم تزاوج الروابي
إنني أتذكر ملامح الحبل المنتقل
من قلب إلى آخر
أتذكر أعشاشَ الغسق
في وديان البنكرياس الممددة
على حواف المغسلة في دارنا المحطمة
جراء قصف السنونو بالكلاب المسعورة
جارتنا المتحركة على كرسيها المتحرك
أين وجوهكن يا بنات العشبة المرتجفة ؟
إلى شمال الرغبة مضت قوافل الأفخاذ المقطعة
إلى جنوب الرغبة مضى تصدع سنبلة الأحلام
والنهرُ ما زال يبحث عن أبيه بين الضحايا
يتذكر الليلكُ أقواسَ النصر على بوابات دمعي
لأن الوشق يدفن البرقوقَ في قاع المحيط
فامشِ أيها الغيم إلى أغصاني قرب زوايا المعتقَل
النصفُ الأعلى من جسد البئر
على كتفي ينام البرتقال
ورئتي تباع خلف زجاج المحلات التجارية
أفكك تعاليمَ التفاح إلى أبجديات ثائرة
الأسلاكُ المكهربة أوبئة حيطان العفن
تركض نباتاتُ الزينة إلى سحنة القمر
أيها القلب الذي يصير شعباً
من الكلمات والأضرحة والذكريات
لوِّحْ للمسافرين بميناء العشق
أتداخل مع مياه الأكسجين مسافراً منفياً
حاملاً جمجمتي الأنيقة في حقيبتي غير الأنيقة
أمهليني يا أحصنةَ المغارة حتى أجهِّز وصيتي
مناديلُ البحيرات على منضدة الثورة
أنقِذْني من شكل بندقيتي
وأكوامِ البندق في حارات الارتعاش
كنْ معي يوم يتركني وجهي
ويرجل من بساتين الخوف
من فرط ما مر في جسدي
من براميل الكلمات الصاعقة
أضحت أناشيدي اسماً خفياً للبحر
لكني لستُ البحر ولا أنسخه على مُحيَّاي
حَضَرتُ أعراسَ البط
تزوج الإسفلتُ فرحَ صياد السمك
أغنِّي في غرفة التحقيق وحيداً
خالياً إلا من نمور الرفض
سيغوص ما بقي مني في أشرعتي
هل تفهمين كلامَ البرق
عندما تحفر الأبجديةُ أجنحتها على معصمي ؟
لا المسافة ابنتي
ولا الرصيف عائلة البطيخ المنفي
ولم يكد الغروب يفتح بابَ نزيفي
حتى انهمرتْ عليَّ قواربُ الغضب
اغضبْ أيها الجدار الكرسي الكهربائي
ألواحُ الزنك قرميد الملاجئ نهر الغثيان أدمع النفط
كلما أردتُ لملمة أشلاء النورس
نظرتُ في المرآة
عرسُ الغريب أسماء المطلوبين أحياءً وأمواتاً
صيادو المكافآت بلاط المخفر
يتكاثر البوليس السياسي في حشرجات صدري
ابنةَ عمي
أرجوكِ امشي في جنازتي
لتتزوج الفراشات في أدغال قلم الرصاص
نحن العابرين في خيوط الفجر الأولى
واقفون تحت رذاذ الصنوبر
لم أميز بين طعم المطر ولون ثوب أمي
إن الجرح غابات من القصدير العنيف
فلتسمعني سكاكين تتكسر
على مدخنة حلم البلوط العجوز
هذا الخنجر ياسمينة أضاعت بطاقتها الشخصية
في تابوت الأغنية
وزرقةُ الدمعة مصابة بدوار البحر
ما زال البطريق يعد جروحي ويخطئ
أعشابي قميص الحصار كتبُ فن الطبخ
ومسائي آخر أيام المشنوقين
عما قليل سنفترق ترنيمةً للشجر الميت
في كل الفصول
سيتذكرنا إسطبل الغصون المثقلة برؤوس القتلى
وسنعود يا وطني _ كما بدأنا_
وردتين على السكين وعروشِ اللصوص
قولي إن المساء سيقبرني في يديه
حينما تمتد المراثي عبر صحارينا ينبوعاً
أسطوانةً لمنشد مجهول جاء وذهب
لعل وجنتيه تسجلان وصايا اللازورد
على وديان الكلمة
أطفالُ العصف يفتشون عن جماجم أمهاتهم
في أكوام القمامة التي تمتصهم
للخريف شتاء ينكر الليمونَ
ويقتله ويمشي في جنازة كل الوديان
من سيتذكر حديقةَ منزلنا على ظهر القمر ؟
للفجر الصادق هؤلاء الأسرى
ورَّثني أبي شكلَ قبره واحتضارَ السجون
والشلالُ يجلس خلف مكتبه
فلتستثمر الشجراتُ في دماء الصباح
وجاءت مركباتُ الخريف ليلاً من النزيف
واليورانيومِ المخصب
وفي خزانة جرحي فراشةٌ تحمل على جناحها الأيسر
برميلَ نفط فارغاً
وتطير باتجاه كتاب الجنون
هل تسمع في عظامي قرقعةَ نعال البيداء ؟
أرجوكَ اغسلني أيها الإسلام الضوء
كي أكتشف وجهي من جديد .