احتضارات فيلسوف في مجتمع متخلف
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م .
هي حبات الندى في أفواه التماسيح
أشكالُ عَرَقي تصب في الأمازون
فلا تستجوبْ يا موجُ حفارَ قبري
إنه مشغول بشرب الشاي الأخضر
عند بلوط الهذيان
أتيتُ وفي أجفاني حفلُ زفاف دجلة
كلُّ الأنهار وجهٌ للنسيان
يصبه الارتعاش في هدبي المسافرة
حزينٌ كأن دمي أرجوحة خالية
تنبعث من وهج الغمام شرايينُ الأرْز
لم يصل المهاجرون إلى برقوق الذاكرة
لأنهم أهزوجة الصحاري العابرة
في الأغاني المستهلكة
ما أنتَ يا قلبي إلا غيمة
تجلس عليها أسماك النفي والتشرد
عُدْ إلى اسمك يا لمعان الشاطئ
فأنا طريقي المار على تفاحات الغسق
يتذكرني كلُّ دمٍ مَر حصاناً في قاع المحيط
لا خدودي شظايا
ولا زهرة البرق ديناميت
يتناول قلمُ الحِبر طعام الغداء في خيمة الأشلاء
ترك النجارُ أخشابَ الذكرى وراء ظهره
ومات قرب أشلائي المزهرة جوافةً للمشردين
للعاصفة عينان تطبقان على الرصاصة
إنْ تجمع النعاسَ في كيس ورقي
تجدْ رأسَ أبيك على طائرة ورقية
ما أنا إلا أنتَ
مرايا تسبح في جسدي المصلوب
وتتزوج القشَّ الأحمر
يجلسون على المناديل التي عبرتْ
في الميناء الظهيرة
وحباتُ الحمص تصعد إلى خدودي
تركتُ بلادي وما فيها من رعود
تصرخ في وجه الغريب
لم يعد في صوتي غير مدينة
تصلب إوزةَ الصراخ
نختبئ في صناديق الفاكهة
خوفاً من أحاديث جدتنا عن الأغراب
الذين قُتلوا في الغمام الأحمر
وأظل أسأل ضابطَ المخفر
عن دمي المضاع في المراكب وشِباكِ الصيد
بنتٌ في عينيها جثامين الشهداء
ناديتُ على النمور السابحة في الغروب
وكان الصدى تفاحة
يتجمع حولها الفلاحون والصيادون في المساء
أين صباحاتي ؟
سألتُ كلَّ أوحال الملاجئ والدروب
لن تجتمع زرقةُ شَعر السنديانة
بالوجوه العابرة خلف تابوت الحصى
لكَ المرآة نزيفاً
وبعضُ المشردين الذين يصفقون للخليفة
كلُّ وردةٍ صرخةٌ في قفصي الصدري
وجاء الطوفان من جهة التقاء الغريب بالغريب
كلنا سوف نسجِّل أسماءنا
على حيطان كوخ اليمام
ما مضى من أشلائنا يظل يتذكرنا
نحن المنسيين في أكواب الحليب الطازج
على موائد الأثرياء
ما مضى من ذكرياتنا سوف ينسانا
نحن العالقين على أعواد المشانق لأننا غرباء
ما بصمةُ صرخة الجبال الواقعة
على أعناق الظباء ؟
عَرَقٌ ليس كعرق الهضاب الأسيرة
وحلمٌ ليس كأحلام البلاد المسجلة
في دواوين الخراج
انتظرْ أيها الانتظار
لأني أريد أن أتحدث مع الطوفان
الذي لا يسمعني
نزيفي بندقية نسيها المحارِب
في سريره البارد
لا امرأة في دمي تمتص اكتئابَ الحصى
ولا أهزوجة
عبروا في الشفق لحظة ولادة الحزن القسري
زمانٌ يحتل جِلدي
والصدف يجمعني على شاطئ سقط سهواً
من خارطة الدماء والحروب
لا بد أن ماري أنطوانيت
لم تسمع نحيب الفتيات المغتصَبات
في حي سان أنطوان
رقصةُ الليلك المذبوحة
على منضدة أوداج الصياح
فاذكري الأطفال اللقطاء
يا مساءات الذبيحة
كما تذكرين مقاس أحذية سيدات المجتمع المخملي في مرسيليا
كلنا رعشات للصاعقة
أُصلِّي الجمعة في قصر فرساي
سقطتْ وردةٌ على ظل الغياب
تفترشني أقبية السراب
فأنهض من صحارينا
أفتش عن سراييفو بين الركام
ما السكين في مطبخ الأنقاض
إلا تاريخ زهرة تُحتضر
أحضِروا جِلدي من المسلخ
ولا تضعوه على جسد ثعالب
وطني الغارقَ في الصمت الشمسي
البسْني كما أنا
أبحث في قامات الأشباح عن ذكريات مدينة
كانت شرطيةً تحرس قفصي الصدري
والأنينُ الذي يتشمس تحت مقاصل العشاق
وجهُ مقاتِلٍ مرَّ من أمام باب الحلم
استجوبَني ريشُ المسدسات
فلذتُ بالموج النائم على حافة البئر
صمتي ما زال يتفجر في الدروب
والناسُ يهتفون لموكب الذباب الإمبراطوري
إن يدي نبتةٌ اقطفْها وازرعْها
في ذرات الأكسجين فوق منحدرات الدموع
وروابي الوداع الأعزب
أسير واثقاً من صرختي إلى بلدة
لا تعترف بالبحارة الراجعين إلى نسائهم بلا صيد
والأميرةُ على شرفة القصر
تزيل مكياجَها بجلود الدلافين اليتيمة
راكضاً في أفلاك الكمثرى
حاضناً موتَ الأشجار الواقفة
إنني الطرقات الساحلية في أجساد البحارة
لي عريُ المسافات وليمونُ الحكايات
وجدتي تقص علينا أحداث مقتل أبي
كن شرقاً لجهة ثامنة تأتي
لتغتالنا في حدائق المريخ
والجائعاتُ يمضغن أثداءهن في قلب الزمهرير
رأس الحسين تدور
أيها الأمويون الطالعون
من احتضارات الخيل ودماء المذنَّبات
في غرف القصور المتهاوية
لا مكان لكم في رئة الشروق
وجاء شتاء المقابر ممتطياً عربات التوت
إن كوابيس الجدار سحنة صحراوية
تعج بالعروق المقطوعة
رقمُ الحافلة التي ستنقل جثاميننا
مطبوعٌ على لحوم المسافرين
يدان محمولتان على عمر القصدير البري .