الكتابة الشعرية والبحث عن الأصل
إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب الدولية
لندن ، 25/4/2011م .
إن الموروث القمعي المتغلغل في الأنساق الاجتماعية ليس نشاطاً يقينياً ، وإنما افتراضات وحشية تقتل نزعةَ الأنسنة في جسد العملية الإبداعية . وفي هذا الجو الكئيب تتضح أهمية الكتابة الشعرية كوصفة علاجية لمشكلات المجتمع ، فحيثما يظهر الداءُ يظهر الدواء . فالعوالم الشعرية هي عملية استئصالية لميراث القمع الاجتماعي ، تعمل على إعادة القطار الإنساني المنحرف إلى السِّكة الصحيحة . وعندما ينبثق المسار المتجانس للولادة الشعرية من رحم الفوضى المجتمعية، فسنحصل _ بالتأكيد_ على عناصر أساسية تعيد اكتشاف الكائن الإنساني الحي داخل مستويات اللغة الحية. الأمر الذي يدفع باتجاه تنقية المجتمع من عُقده وأمراضه وحياته الروتينية القاتلة .
ولا يمكن الحصول على نقاء اجتماعي متكامل إلا عن طريق تأصيل العملية الشعرية الإبداعية في نخاع الحياة البشرية . فالبنيةُ القصائدية هي عملية جراحية تستأصل الورم الفاسد في الوجود الحياتي ، وفعلٌ انقلابي لا يستبدل القمع بالقمع ، بل يؤدي إلى تصالح الإنسان مع ذاته ، ومع مجتمعه ، وإعادة اكتشاف الأحلام الضائعة بشكل متمرد على سياقات الملل الوظيفي المتفشي في حياة البشر . فقيمةُ الاكتشاف الحقيقية تتمثل في إعادة رؤية الأشياء والوقوف على أسرارها ولمعانها، والخروج من دائرة الاعتيادية. فالفردُ حينما يعتاد على الشيء يعجز عن رؤيته ببصيرته ، وإنما يراه بعيون ميتة خالية من التألق والانبهار . وهنا تبرز أهمية البصيرة الشِّعرية في فتح العيون لرؤية عوالم " الماوراء " . وهذا يتطلب التفتيش عن الإنسان المختفي خلف القناع ، والبحث عن المرأة وراء المكياج ، والتنقيب عن القصيدة الكامنة خلف القصيدة ، واكتشاف المجتمع البشري المختفي وراء المجاملات والدبلوماسية المصطنَعة . فالحقيقةُ _ على الدوام _ متمركزة في القلب لا المظاهر الشكلية . وبالتالي فإن القصيدة الحقيقية هي التي تُميِّز بين التلقائية والتكلف ، بين القلب والهيكل الطيني ، بين الصورة والبرواز ، بين المحتوى والشكل ، بين الإنسان والمكياج .
وهذا الوجودُ الشعري المعتمد على فصل المكوِّنات وتمييزها لا يرمي إلى تفتيت المجتمع وإغراقه في الشظايا الروحية والمادية ، وإنما يهدف إلى تشكيل الوجود الإنساني كحقيقة ثابتة ، وتكوين النص الشعري كوجود مركزي أصيل ، وليس طارئاً على اللغة أو دخيلاً عليها .