خدعة الإصلاح في الأردن
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 13/4/2011م .
إن هستيريا الإصلاح الزائف الذي يتفشى في الأردن يشبه إلى حد بعيد موضة الأزياء التي تسبب ضجة وقتية ثم تذهب أدراج الرياح بلا تأثير حقيقي ، لأن كلام الليل يمحوه النهار ، وما تأتي به الرياح تأخذه الزوابع . والمشكلة الجذرية في النظام السياسي الأردني أن القرارات الحساسة تأتي كردود أفعال وإجراءات ارتجالية بدون تخطيط . وهذه أزمة عربية بامتياز . فالفكر السياسي عند الأنظمة العربية المتهاوية يعتمد على أسلوب الفزعة العشائرية والجعجعة بلا طحن، وهذا يجعل الإصلاح شعاراً براقاً للاستهلاك المحلي وتلميع صورة النظام ، وامتصاص السخط الشعبي ، والقفز فوق ثورات المنطقة الضاغطة على بنية النظام السياسي . والدلائل المشيرة إلى عدم جدية النظام السياسي في قضية الإصلاح تتجلى في أمور متعددة من أبرزها : اختيار رئيس وزراء ذي خلفية عسكرية ( الدكتور معروف البخيت ) ، ولا يتمتع بأية كفاءة في الإدارة التنموية ، ولم يُعرَف عنه بأنه مفكر سياسي أو واضع سياسات إستراتيجية ، ولا تاريخ له على المستوى العسكري أو المدني . وهذا أدى إلى فوضى عارمة في أركان الحكومة وتخبط في وضع السياسات والعجز عن تطبيقها . كما أن القبضة الأمنية البوليسية عادت لتضرب من جديد ( وعادت حليمة إلى عادتها القديمة ) ، فلم يقف الأمر عند مجزرة ميدان جمال عبد الناصر ، بل تعداها لتقديم شباب ( 24 آذار ) إلى المحاكمة . وهذا يشير إلى غياب ثقافة الحوار ، وتغلغل الأداء البوليسي القمعي في أوصال الدولة الأردنية . ومن أخطر القضايا التي تنسف فكرة الإصلاح من أساسها هي عدم إعادة النظر في الدستور . فالدستورُ الحالي يُركِّز الصلاحيات في يد الملك ويجعل الشعب مجرد متفرج على الأحداث ، لذلك يشعر المواطنون بأن وجودهم كعدمه ، وأنهم أحجار شطرنج على رقعة دولة لا تعترف بهم ، وهكذا تكرسَ المنفى في قلب الوطن ، فصار المواطن غريباً ورقماً هامشياً بلا وزن . ولا يخفى أن التنمية الحقيقية تدور رحاها حول الإنسان ، وإذا مات الإنسان أثناء حياته ، وفقد ثقته بنفسه ، وحُشر في الزاوية نتيجة إجراءات الدولة البوليسية ، فعندئذ يختفي الولاء والانتماء ، ويصبح المجتمع كالشقة المفروشة ، يتم قضاء بعض الوقت فيها ، ثم يأتي الرحيل بلا أدنى إحساس بالانتماء . وفي هذا المنحى تبرز إشكالية من نوع خاص ، وهي غياب رأس الهرم السياسي . فالملكُ صار جزءاً من نظام وليس رأس النظام . وهذه العملية لها تداعيات خطيرة تؤدي إلى تحكم الحاشية بمسار الأمور ، وتوريط الملك في إرهاب الحكومة البوليسية التي تختبئ خلف مؤسسة العرش . فالحكوماتُ الأردنية المتعاقبة التي تفتعل الأزمات ، وتخترع الحركات الصبيانية المتهورة إنما تشطب صورة الأردن ، وتجعل من الملك ظلاً للأزمات ، وذا موقف مهزوز ضعيف . وأركانُ النظام السياسي الفاسد يسعون للمحافظة على مصالحهم الشخصية وتثبيت وجودهم ونفوذهم على حساب بلادهم وشعبهم ، وبالتالي فهم أكثر المتضررين من عمليات التغيير والإصلاح ، الأمر الذي يدفعهم إلى محاربة كل الخطوات الإصلاحية . كما أنهم لا يتمتعون بالأفق الفكري والسياسي لإحداث نهضة مجتمعية ، وفاقد الشيء لا يعطيه . وإذا كان النظام السياسي الأردني طيلة تسعين سنة ( منذ تأسيس إمارة شرق الأردن 1921م ) لم يشهد نهضة إصلاحية حقيقية ، وإنما كانت المشكلات تُعالج بدفنها وترحيلها إلى القادمين الجدد ، فهل ستأتي المعجزة في هذا الوقت في ظل الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ؟! .